عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
**توطئة**
نحن نريد الدخول على الله ومجاورته في دار السلام ..
ولكنّ أحوالنا ناقصة ,نقصت باقتراف المعاصي والذنوب..
لاتيأسوا...من روح الله فباب التغيير والإصلاح مفتوح...وهو مشرع مسيرة سبعين خريفاً لايوصد حتى تطلع الشمس من مغربها..فهلموا هلموا يا أحبتي لنبدأ بالتغيير وكلنا أمل برحمة الله وتوفيقه
هلمّ إلى الدخول على الله
"هلم إلى الدخول على الله , ومجاورته في دار السلام , بلا نصبٍ ولاتعبٍ ولاعناء , بل من أقرب الطرق وأسهلها . وذلك أنك في وقت بين وقتين , وهو في الحقيقة عمرك , وهو وقتك الحاضر بين مامضى ومايستقبل فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار وذلك شيء لاتعب عليك فيه ولانصب ولامعاناة عمل شاق , إنما هو عمل ]وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب وامتناعك ترك وراحة , ليس هو عملاً بالجوارح يشقُّ عليك معاناته , وإنما هو عزم ونيّة جازمة تريح بدنك وقلبك فمامضى تُصلحه بالتوبة , ومايُستقبل تُصلحهُ بالامتناع والعزم والنية وليس للجوارح في هذين نصبٌ ولاتعب , ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك وإن حفظته مع إصلاح اللذين قبله وبعده بما ذكر نجوتَ وفُزتَ بالراحة واللذة والنعيم . وحفظه أشق من إصلاح ماقبله ومابعده ؛ فإنّ حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها.
وفي هذا تفاوتَ الناسُ أعظم تفاوُت ؛ فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك : إمّا إلى الجنّة , وإمّا إلى النار ؛ فإن اتخذت َ إليها سبيلاً إلى ربك - بلغتَ السعادة العظمى والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لانسبة لها إلى الأبد . وإن آثرتَ الشهوات والراحات واللهو واللعب , انقضت عنك بسرعة, وأعقبتك الألم العظيم الدائم , الذي مُقاساته ومُعاناته , أشق وأصعب وأدوم من مُعاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفته الهوى لأجله(1)
(1) اقتباس من ك/الفوائد لابن القيم
إشارات في الطريق
الإشارة الأولى
(كن صحيح الإرادة)
كن صحيح الإرادة..وذلك بأن تريد من إصلاح نفسك رضا الله,والفوز بما أعده الله في دار كرامته..فلا يكون تحركك للتغيير والإصلاح مادفع له نظر خلق ٍ ورغبة في مدح..أو أحياناً يكون تحركاً للإصلاح بدون هدف ,حماس شعلة ماتلبث أن تنطفيء إذا خبا نورها..
إنما يكون الحاضّ لك على المضي في طريق الإصلاح..يقظة في نفس استثقلت أحمال الباطل وعرقلتها المخالفات ...
صحة الإرادة دفعة من قلبك لك حتى تواصل طريق شاق ولكنه يسير على من يسره الله عليه..
ضع هدفاً أخروياً لتغيير نفسك وستنال نصيبك الدنيوي دون أن تطمح له ففضل الله واسع..
إذا جعلت الآخرة هدفاً لك أعطاك الله الدنيا والآخرة ,فكلما فررت منها وتمنعت عنها لحقت بك...وضوح الهدف سيقودك إلى نتائج عظيمة..وسيحملك على حسن الاستعانة بالله..
ومعرفة عوائق الطريق والاستعداد لما سيقابلك من مفاجآت غير متوقعة...بقي أن تعرف ما هي علامة صحة الإرادة؟؟ علامة صحة الإرادة يبينها شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية في كتابه الفوائد فيقول:
(( علامة صحة الإرادة أن يكون همّ المريد رضا ربه ,واستعداد للقائه, وحزنه على وقتٍ مرّ عليه في غير مرضاته وأسفهُ على قربه والأنس به..
وجماع ذلك أن يصبح ويمسي وليس له همٌّ غيره)) إذاً هو همٌّ استولى على قلبك فشغلك عن غيره فأنت تفكر دائماً صباحاً ومساءً .كيف أرضي الله؟ لماذا أنا مقيم على هذه المعصية؟ متى أغيّر من حالي؟ هل أنا راضٍ عن نفسي؟ لماذا أضعت وقتي فيما لاينفع؟ لومت على هذا الحال كيف سأقابل ربي؟؟ وهكذا شغلٌ للقلب في أن يكون على حال يرضي الله وحالة من الانزعاج تدفع النفس للعمل إما فعلاً لطاعة أو تركاً لمعصية أو مسابقة إلى فضيلة..وإذا فعل معصية علم أنها سببٌ لقطع قلبه عن الله بقدرتلك المعصية فيشعر بالوحشة وعدم الأنس..
ليتوجه كل منا بسؤالٍ صادق لنفسه..
هل أنا صحيح الإرادة وراغب في التغيير حقاً...أم هي مجرد أماني؟ وسواء كان الجواب بالنفي أو الإثبات...هي فرصة لمراجعة الحسابات تذكروا نحن نحتاج في طريقنا إلى إخلاص وصدق..لاتنسوا هذه الإشارة ستحتاجون إليها يوماً ما..
الإشارة الثانية:
كن صادقاً في سيرك إلى الله عزوجل.
فإن فعلتَ فإن بناءك سيكون على تقوى..وسيرك سيكون حثيثاً ونفسكَ ستكون أبية تترفع بكَ عن الوقوف طويلاً مع حظوظك الدنيوية كن صادقاً لتنال منزلة الصدق ولعلك تكون من الصديقين..
فأنت أنت حين تضع قدمك على عتبة الإصلاح والتغيير..لابد أن تحمل وقود الصدق في نيتك ,وذلك بأن يكون مرادك من التغيير لارضا الخلق وإنما رضا الخالق والتنعم في دار كرامته..
وفي قولك فيكون ماتقوله موافقاً للواقع مطابقاً له فتبعد عن مسلك الكذابين..وفي هذا التغيير..تحتاج لتوقف..أنت قلت أنك ستغير..ترى هل وافق قولك عملك؟؟هل بدأت رحلة التغيير حقاً..أم أنك تراوح بين قدميك وتقطع الأوقات بالأماني..( سنبدأ بالتغيير) ويمر العام تلو العام وأنت في مكانك..!!!!!!!
وفي حالك ,فإنّ الصادق الذي يسير إلى الله وقد عزم إصلاحاً ترى ذلك في حاله..فتشعر أن كثيراً من أحواله السيئة ماضية في التغيير.
.فعلى سبيل المثال..من صدق الحال أن يكف الإنسان عن الفضول والتدخل فيما لايعنيه بعد أن كان يؤذي جليسه بفضوله وتطفله..ومن صدق الحال أن يضبط نفسه عند الغضب فلا يسب ولايشتم ولايؤذي كعادته حين يفقد سيطرة على زمام نفسه..
ومن صدق الحال ألا يسيء الظن بالآخرين وإذا وقع منه عجلة ندم واستغفر وثاب وأحسن في مستقبله..ومن صدق الحال أنك تراه يتنقل من عبادة واجبة إلى نفل إلى فضيلة..فيظهر أثر الصلاح عليه ...لإصلاحه نفسه حقاً...
إنّ الصادق يتغير من الداخل ويبني الإيمان يوماً بعد يوم ..وخصوصاً إذا وافق ذلك عزيمة حرة أبيه تدفعه لكل خير وتكشف له عن منازل الصدق والصادقين في جنات عدن فيحث خطاه أن تمضي قدماً ,ان تستعذب السير في الطريق وإن كان شاقاً...
تذكر..
إن الصدق في الأقوال:استواء الصدق على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها..بحيث يكون قوله صادقاً موافقاً للواقع الذي أخبر عنه..
والصدق في الأفعال:استواء الأعمال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد( أي موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في أوامره التي أمر بها) فكلما فعل أمراً توجه إلى نفسه بالسؤال( أيها الصادق صنيعك هل أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم..هل هذا العمل الذي مضى مما تدين الله به يوم القيامة...أم أنك مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ والصدق في الأحوال:استواء أعمال القلب والجوارح,(فيكون الظاهر موافقاً للباطن), واستفراغ الوسع, وبذل الطاقة..فبذلك يكون العبد ممن جاء بالصدق ( والذي جاء بالصدق وصدّق به)..
كن صادقاً..إشارة تجعلك دائماً في حال أخرى من المحاسبة واللوم للنفس على التقصير والتفريط ..ودفع لها لأن تأتي بالأفضل..
الإشارة الثالثة:
إياك ومعوقات الطريق..
هذاالطريق الذي تسير عليه لن تستطيع السير فيه مادمت مقيماً على مألوفاتك غير قاطع ٍ لعاداتك..متعلّق قلبك بكل صفراء وحمراء ملهيةً لك عن المضي في طريقك الجاد...
إذن فهناك قواطع وصوارف لك عن السير الصحيح...
فوصولك إلى مطلبك موقوفٌ على هجر الدّعة والكسل وهذه علامة الصادق في سيره إلى الله..ألا تسكن روحه لدعةٍ أو كسل ..
قد تتسائل وتقول كيف السبيل إلى ذلك؟؟
أنت قد عزمت التغيير..وإصلاح مافسد من حال ٍ ..فإذا كان هذا مقصودك..
فلاتبقى على مابقي عليه أقرانك وأهليك أو اعتادوه ...إن كان مخالفاً لأمر الله ورسوله..فمن السهولة بمكان أن يرضى المرءبما ورث عن بيئته ومجتمعه, أو حتى عن أهله من صفات أو أحوال مخالفة لدين الله عزوجل..كأن ينشأ مثلاً في بيت يستحلي الكذب والنفاق ويمارس التلون في علاقاته مع الآخرين كل ساعة ..فتراه اليوم بوجهٍ يحادث صاحبه فإذا أدبر عنه كشف عن الوجه الآخر...
فإذا كان هذا حالك فقد يعسر عليك أمر التغيير..فربما ثبطك الشيطان عنه..
أو أن يكون في مجتمع نساؤه غير متحجبات وأصبح الحجاب من الأمور المستنكرة والمستهجنة فيه ,فيحارب كل من لزم طريق العفة والعفاف وأراد التغيير بترك ما اعتادت عليه النساء في ذلك المجتمع البعيد عن هدي النبوة.. ..
أو أن يكون بين أقران اعتادوا كثرة الكلام وسوء الظن بالآخرين وتفسير المواقف بصورةٍ خاطئة قد لا ترضي الله عزوجل ..
فمن كان هذا حاله قد تعترضه هذه العوائد والمألوفات فتعظُم في نفسه, فيشق عليه تركها ومفارقتها ,لاعتياد نفس, أو خوف من الناس أن يلوموه أو ينبذوه.. ..فيتعرقل سيره ..ويتوقف طويلاً...وربما يعرض عن التغيير..
وقد تكون نفسه قد اعتادت طرقَ أبواب المخالفات.. وهتك أستار ٍ قد حذّر الله منها ,فخالفت أمر نبيها صلى الله عليه وسلم وأسخطت ربها وتقلّبت في أنواعٍ من المخالفات وأجناسٍ من المحرمات عظيمة..وربما أدى إدمان هذه المخالفات المحبوبة إلى النفس -لأن النفس تهوى كل أمر ٍ فيه مخالفة للشرع-إلى موت القلب وعدم إحساسه بالحاجة إلى التغيير..
وأجناس المعاصي كلها ممّا يعوق سير القلب إلى الله تعالى..بدءاً بالشرك ثمّ البدعة ثمّ المعصية كبيرة كانت أو صغيرة...
فالقلب يكون في حالة من التوقف عن العزم في السير إلى الله حتى ينتفض الفؤاد عزماً على طرد تلك العوائق فيخرج ُمن أسرِ المخالفة..
فلو كان البصر مثلاً مقيماً على النظر في المحرمات ..عزم على ترك هذه المخالفة ..وحبس نفسه عن تغذية القلب بمواد فساده التي تعوق دون سيره .....
وإن كان مبتلى بالغيبة ...عاهدَ ربه أن يختبر نفسه في كفِّ لسانٍ عن عرض أخيه ..
وإن كان مدمناً سماع لهوٍ ٍ محرم ...قطع تلك المادة الفاسدة عن أن تصل إلى القلب فتفسده...فتعميه وتُصمّه...وتطيل غفلته..
وهذه العوائق قد تكون جزءاً من حياتنا ..لكن لشدة الغفلة لانراها ..ولانشعر بألمها ,وأثرها على القلب ..وحياته ..
وطمس بصيرته عن سلوك الطريق المستقيم..
وقد يسأل سائل فيقول: كيف لي أن أرى هذه المخالفات إن كنت في حالٍ من الغفلة والرضى عن النفس وتشرب القلب لأنواعٍ من المخالفات حتى بات لاينكرها فالمنكر صار معروفاً والمعروف صار منكراً..؟؟!!
تتبين لنا هذه العوائق وتصبح واضحة جلية... فيتململ منها القلب ويريد مفارقتها فقط إذا استعد للتغيير وأخذ يتأهب للسفر ..ويتحقق بالسير إلى الله والدار الآخرة..
حينها فقط ستنكشف له...ويحس بتعويقها له بحسب قوة سيره وتجرده للسفر..فكلما كان صادقاً جاداً عازماً سيكشف الله له حالاً لم يكن يبصره قد أقعده سنوات وعرقل قدميه عن بلوغ منازل الصادقين السابقين..
وسيرى بعد إبصاره كيف تعيقه المخالفة إن اقترفها فترده إلى الوراء بعيداً عن الركب السائر إلى الله..وكيف ستدفعه الطاعة إلى تخطي مراحل لم يكن يبلغها لو كان على حاله الأول!!!!
وكل أمرٍ تعلق قلبك به وحبسك عن دنياك وشهواتها عثّرك في سيرك وأخرك عن صحبك ..
فافطن إلى ماتميل إليه نفسك من تلك العلائق المبهرجة التي تحبس القلب عن سيره إلى الله وما أكثرها..قد تكون مالاً أو رياسةً..أوشهرةً وقد تصرف القلب عما خلق له.. وتحبسه في حظوظ نفسه ..وتجره إلى كثير ٍ من المخالفات.. حتى تأسره في مستنقع الرذيلة الذي لايستطيع الخروج منه أو مجاوزته لتعلّق نفسه بتلك الحظوظ الأرضية...
لكي تصل إلى مطلوبك لابد من هجر العوائد , وقطع العوائق والعلائق
*** إضاءة ***
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد:
(( ولا سبيل له إلى قطع هذه الأمور الثلاثة ورفضها إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى , وإلا فقطعها عليه بدون تعلقه بمطلوبه ممتنع ,فإنّ النفس لاتترك مألوفاتها ومحبوبها إلا لمحبوبٍ هو أحب إليها منه وآثر عندها منه ...وكلما قويَ تعلقهُ بمطلوبه ضَعُفَ تعلقهُ بغيرهِ..وكذا العكس.. والتعلق بالمطلوب هو شدة الرغبة فيه ..وذلك على قدر معرفته به وشرفه وفضله على ماسواه..))
على خطى التغيير
عطاء " أم معاذ "
نحن نريد الدخول على الله ومجاورته في دار السلام ..
ولكنّ أحوالنا ناقصة ,نقصت باقتراف المعاصي والذنوب..
لاتيأسوا...من روح الله فباب التغيير والإصلاح مفتوح...وهو مشرع مسيرة سبعين خريفاً لايوصد حتى تطلع الشمس من مغربها..فهلموا هلموا يا أحبتي لنبدأ بالتغيير وكلنا أمل برحمة الله وتوفيقه
هلمّ إلى الدخول على الله
"هلم إلى الدخول على الله , ومجاورته في دار السلام , بلا نصبٍ ولاتعبٍ ولاعناء , بل من أقرب الطرق وأسهلها . وذلك أنك في وقت بين وقتين , وهو في الحقيقة عمرك , وهو وقتك الحاضر بين مامضى ومايستقبل فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار وذلك شيء لاتعب عليك فيه ولانصب ولامعاناة عمل شاق , إنما هو عمل ]وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب وامتناعك ترك وراحة , ليس هو عملاً بالجوارح يشقُّ عليك معاناته , وإنما هو عزم ونيّة جازمة تريح بدنك وقلبك فمامضى تُصلحه بالتوبة , ومايُستقبل تُصلحهُ بالامتناع والعزم والنية وليس للجوارح في هذين نصبٌ ولاتعب , ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك وإن حفظته مع إصلاح اللذين قبله وبعده بما ذكر نجوتَ وفُزتَ بالراحة واللذة والنعيم . وحفظه أشق من إصلاح ماقبله ومابعده ؛ فإنّ حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها.
وفي هذا تفاوتَ الناسُ أعظم تفاوُت ؛ فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك : إمّا إلى الجنّة , وإمّا إلى النار ؛ فإن اتخذت َ إليها سبيلاً إلى ربك - بلغتَ السعادة العظمى والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لانسبة لها إلى الأبد . وإن آثرتَ الشهوات والراحات واللهو واللعب , انقضت عنك بسرعة, وأعقبتك الألم العظيم الدائم , الذي مُقاساته ومُعاناته , أشق وأصعب وأدوم من مُعاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفته الهوى لأجله(1)
(1) اقتباس من ك/الفوائد لابن القيم
إشارات في الطريق
الإشارة الأولى
(كن صحيح الإرادة)
كن صحيح الإرادة..وذلك بأن تريد من إصلاح نفسك رضا الله,والفوز بما أعده الله في دار كرامته..فلا يكون تحركك للتغيير والإصلاح مادفع له نظر خلق ٍ ورغبة في مدح..أو أحياناً يكون تحركاً للإصلاح بدون هدف ,حماس شعلة ماتلبث أن تنطفيء إذا خبا نورها..
إنما يكون الحاضّ لك على المضي في طريق الإصلاح..يقظة في نفس استثقلت أحمال الباطل وعرقلتها المخالفات ...
صحة الإرادة دفعة من قلبك لك حتى تواصل طريق شاق ولكنه يسير على من يسره الله عليه..
ضع هدفاً أخروياً لتغيير نفسك وستنال نصيبك الدنيوي دون أن تطمح له ففضل الله واسع..
إذا جعلت الآخرة هدفاً لك أعطاك الله الدنيا والآخرة ,فكلما فررت منها وتمنعت عنها لحقت بك...وضوح الهدف سيقودك إلى نتائج عظيمة..وسيحملك على حسن الاستعانة بالله..
ومعرفة عوائق الطريق والاستعداد لما سيقابلك من مفاجآت غير متوقعة...بقي أن تعرف ما هي علامة صحة الإرادة؟؟ علامة صحة الإرادة يبينها شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية في كتابه الفوائد فيقول:
(( علامة صحة الإرادة أن يكون همّ المريد رضا ربه ,واستعداد للقائه, وحزنه على وقتٍ مرّ عليه في غير مرضاته وأسفهُ على قربه والأنس به..
وجماع ذلك أن يصبح ويمسي وليس له همٌّ غيره)) إذاً هو همٌّ استولى على قلبك فشغلك عن غيره فأنت تفكر دائماً صباحاً ومساءً .كيف أرضي الله؟ لماذا أنا مقيم على هذه المعصية؟ متى أغيّر من حالي؟ هل أنا راضٍ عن نفسي؟ لماذا أضعت وقتي فيما لاينفع؟ لومت على هذا الحال كيف سأقابل ربي؟؟ وهكذا شغلٌ للقلب في أن يكون على حال يرضي الله وحالة من الانزعاج تدفع النفس للعمل إما فعلاً لطاعة أو تركاً لمعصية أو مسابقة إلى فضيلة..وإذا فعل معصية علم أنها سببٌ لقطع قلبه عن الله بقدرتلك المعصية فيشعر بالوحشة وعدم الأنس..
ليتوجه كل منا بسؤالٍ صادق لنفسه..
هل أنا صحيح الإرادة وراغب في التغيير حقاً...أم هي مجرد أماني؟ وسواء كان الجواب بالنفي أو الإثبات...هي فرصة لمراجعة الحسابات تذكروا نحن نحتاج في طريقنا إلى إخلاص وصدق..لاتنسوا هذه الإشارة ستحتاجون إليها يوماً ما..
الإشارة الثانية:
كن صادقاً في سيرك إلى الله عزوجل.
فإن فعلتَ فإن بناءك سيكون على تقوى..وسيرك سيكون حثيثاً ونفسكَ ستكون أبية تترفع بكَ عن الوقوف طويلاً مع حظوظك الدنيوية كن صادقاً لتنال منزلة الصدق ولعلك تكون من الصديقين..
فأنت أنت حين تضع قدمك على عتبة الإصلاح والتغيير..لابد أن تحمل وقود الصدق في نيتك ,وذلك بأن يكون مرادك من التغيير لارضا الخلق وإنما رضا الخالق والتنعم في دار كرامته..
وفي قولك فيكون ماتقوله موافقاً للواقع مطابقاً له فتبعد عن مسلك الكذابين..وفي هذا التغيير..تحتاج لتوقف..أنت قلت أنك ستغير..ترى هل وافق قولك عملك؟؟هل بدأت رحلة التغيير حقاً..أم أنك تراوح بين قدميك وتقطع الأوقات بالأماني..( سنبدأ بالتغيير) ويمر العام تلو العام وأنت في مكانك..!!!!!!!
وفي حالك ,فإنّ الصادق الذي يسير إلى الله وقد عزم إصلاحاً ترى ذلك في حاله..فتشعر أن كثيراً من أحواله السيئة ماضية في التغيير.
.فعلى سبيل المثال..من صدق الحال أن يكف الإنسان عن الفضول والتدخل فيما لايعنيه بعد أن كان يؤذي جليسه بفضوله وتطفله..ومن صدق الحال أن يضبط نفسه عند الغضب فلا يسب ولايشتم ولايؤذي كعادته حين يفقد سيطرة على زمام نفسه..
ومن صدق الحال ألا يسيء الظن بالآخرين وإذا وقع منه عجلة ندم واستغفر وثاب وأحسن في مستقبله..ومن صدق الحال أنك تراه يتنقل من عبادة واجبة إلى نفل إلى فضيلة..فيظهر أثر الصلاح عليه ...لإصلاحه نفسه حقاً...
إنّ الصادق يتغير من الداخل ويبني الإيمان يوماً بعد يوم ..وخصوصاً إذا وافق ذلك عزيمة حرة أبيه تدفعه لكل خير وتكشف له عن منازل الصدق والصادقين في جنات عدن فيحث خطاه أن تمضي قدماً ,ان تستعذب السير في الطريق وإن كان شاقاً...
تذكر..
إن الصدق في الأقوال:استواء الصدق على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها..بحيث يكون قوله صادقاً موافقاً للواقع الذي أخبر عنه..
والصدق في الأفعال:استواء الأعمال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد( أي موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في أوامره التي أمر بها) فكلما فعل أمراً توجه إلى نفسه بالسؤال( أيها الصادق صنيعك هل أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم..هل هذا العمل الذي مضى مما تدين الله به يوم القيامة...أم أنك مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ والصدق في الأحوال:استواء أعمال القلب والجوارح,(فيكون الظاهر موافقاً للباطن), واستفراغ الوسع, وبذل الطاقة..فبذلك يكون العبد ممن جاء بالصدق ( والذي جاء بالصدق وصدّق به)..
كن صادقاً..إشارة تجعلك دائماً في حال أخرى من المحاسبة واللوم للنفس على التقصير والتفريط ..ودفع لها لأن تأتي بالأفضل..
الإشارة الثالثة:
إياك ومعوقات الطريق..
هذاالطريق الذي تسير عليه لن تستطيع السير فيه مادمت مقيماً على مألوفاتك غير قاطع ٍ لعاداتك..متعلّق قلبك بكل صفراء وحمراء ملهيةً لك عن المضي في طريقك الجاد...
إذن فهناك قواطع وصوارف لك عن السير الصحيح...
فوصولك إلى مطلبك موقوفٌ على هجر الدّعة والكسل وهذه علامة الصادق في سيره إلى الله..ألا تسكن روحه لدعةٍ أو كسل ..
قد تتسائل وتقول كيف السبيل إلى ذلك؟؟
أنت قد عزمت التغيير..وإصلاح مافسد من حال ٍ ..فإذا كان هذا مقصودك..
فلاتبقى على مابقي عليه أقرانك وأهليك أو اعتادوه ...إن كان مخالفاً لأمر الله ورسوله..فمن السهولة بمكان أن يرضى المرءبما ورث عن بيئته ومجتمعه, أو حتى عن أهله من صفات أو أحوال مخالفة لدين الله عزوجل..كأن ينشأ مثلاً في بيت يستحلي الكذب والنفاق ويمارس التلون في علاقاته مع الآخرين كل ساعة ..فتراه اليوم بوجهٍ يحادث صاحبه فإذا أدبر عنه كشف عن الوجه الآخر...
فإذا كان هذا حالك فقد يعسر عليك أمر التغيير..فربما ثبطك الشيطان عنه..
أو أن يكون في مجتمع نساؤه غير متحجبات وأصبح الحجاب من الأمور المستنكرة والمستهجنة فيه ,فيحارب كل من لزم طريق العفة والعفاف وأراد التغيير بترك ما اعتادت عليه النساء في ذلك المجتمع البعيد عن هدي النبوة.. ..
أو أن يكون بين أقران اعتادوا كثرة الكلام وسوء الظن بالآخرين وتفسير المواقف بصورةٍ خاطئة قد لا ترضي الله عزوجل ..
فمن كان هذا حاله قد تعترضه هذه العوائد والمألوفات فتعظُم في نفسه, فيشق عليه تركها ومفارقتها ,لاعتياد نفس, أو خوف من الناس أن يلوموه أو ينبذوه.. ..فيتعرقل سيره ..ويتوقف طويلاً...وربما يعرض عن التغيير..
وقد تكون نفسه قد اعتادت طرقَ أبواب المخالفات.. وهتك أستار ٍ قد حذّر الله منها ,فخالفت أمر نبيها صلى الله عليه وسلم وأسخطت ربها وتقلّبت في أنواعٍ من المخالفات وأجناسٍ من المحرمات عظيمة..وربما أدى إدمان هذه المخالفات المحبوبة إلى النفس -لأن النفس تهوى كل أمر ٍ فيه مخالفة للشرع-إلى موت القلب وعدم إحساسه بالحاجة إلى التغيير..
وأجناس المعاصي كلها ممّا يعوق سير القلب إلى الله تعالى..بدءاً بالشرك ثمّ البدعة ثمّ المعصية كبيرة كانت أو صغيرة...
فالقلب يكون في حالة من التوقف عن العزم في السير إلى الله حتى ينتفض الفؤاد عزماً على طرد تلك العوائق فيخرج ُمن أسرِ المخالفة..
فلو كان البصر مثلاً مقيماً على النظر في المحرمات ..عزم على ترك هذه المخالفة ..وحبس نفسه عن تغذية القلب بمواد فساده التي تعوق دون سيره .....
وإن كان مبتلى بالغيبة ...عاهدَ ربه أن يختبر نفسه في كفِّ لسانٍ عن عرض أخيه ..
وإن كان مدمناً سماع لهوٍ ٍ محرم ...قطع تلك المادة الفاسدة عن أن تصل إلى القلب فتفسده...فتعميه وتُصمّه...وتطيل غفلته..
وهذه العوائق قد تكون جزءاً من حياتنا ..لكن لشدة الغفلة لانراها ..ولانشعر بألمها ,وأثرها على القلب ..وحياته ..
وطمس بصيرته عن سلوك الطريق المستقيم..
وقد يسأل سائل فيقول: كيف لي أن أرى هذه المخالفات إن كنت في حالٍ من الغفلة والرضى عن النفس وتشرب القلب لأنواعٍ من المخالفات حتى بات لاينكرها فالمنكر صار معروفاً والمعروف صار منكراً..؟؟!!
تتبين لنا هذه العوائق وتصبح واضحة جلية... فيتململ منها القلب ويريد مفارقتها فقط إذا استعد للتغيير وأخذ يتأهب للسفر ..ويتحقق بالسير إلى الله والدار الآخرة..
حينها فقط ستنكشف له...ويحس بتعويقها له بحسب قوة سيره وتجرده للسفر..فكلما كان صادقاً جاداً عازماً سيكشف الله له حالاً لم يكن يبصره قد أقعده سنوات وعرقل قدميه عن بلوغ منازل الصادقين السابقين..
وسيرى بعد إبصاره كيف تعيقه المخالفة إن اقترفها فترده إلى الوراء بعيداً عن الركب السائر إلى الله..وكيف ستدفعه الطاعة إلى تخطي مراحل لم يكن يبلغها لو كان على حاله الأول!!!!
وكل أمرٍ تعلق قلبك به وحبسك عن دنياك وشهواتها عثّرك في سيرك وأخرك عن صحبك ..
فافطن إلى ماتميل إليه نفسك من تلك العلائق المبهرجة التي تحبس القلب عن سيره إلى الله وما أكثرها..قد تكون مالاً أو رياسةً..أوشهرةً وقد تصرف القلب عما خلق له.. وتحبسه في حظوظ نفسه ..وتجره إلى كثير ٍ من المخالفات.. حتى تأسره في مستنقع الرذيلة الذي لايستطيع الخروج منه أو مجاوزته لتعلّق نفسه بتلك الحظوظ الأرضية...
لكي تصل إلى مطلوبك لابد من هجر العوائد , وقطع العوائق والعلائق
*** إضاءة ***
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد:
(( ولا سبيل له إلى قطع هذه الأمور الثلاثة ورفضها إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى , وإلا فقطعها عليه بدون تعلقه بمطلوبه ممتنع ,فإنّ النفس لاتترك مألوفاتها ومحبوبها إلا لمحبوبٍ هو أحب إليها منه وآثر عندها منه ...وكلما قويَ تعلقهُ بمطلوبه ضَعُفَ تعلقهُ بغيرهِ..وكذا العكس.. والتعلق بالمطلوب هو شدة الرغبة فيه ..وذلك على قدر معرفته به وشرفه وفضله على ماسواه..))
على خطى التغيير
عطاء " أم معاذ "
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى