لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

تأملات حول خطبة حجة الوداع  Empty تأملات حول خطبة حجة الوداع {الأحد 25 سبتمبر - 20:48}

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد حج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في السنة العاشرة للهجرة، وسميت هذه الحجة بحجة الوداع، وخطب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيها في يوم عرفة بخطبة عصماء أمام ما يقرب من مئة وخمسة وعشرين ألفاً من الصحابة، وجمعت هذه الخطبة خيري الدنيا والآخرة، وحدد فيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأعلن بصورة حتمية ونهائية كل الأشياء التي بعث من أجلها، فقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هناك فارقاً واحداً بين البشر هو الفارق بين المؤمنين بالله والخارجين عليه، وأما الفوارق الأخرى فهي كلها محدثة لا أصل لها.

وحينما يقف المتأملون أمام هذه الخطبة يجدونها قد احتوت على جميع مناحي الحياة، وسنعرض لهذه الأمور عرضاً موجزاً من خلال الخطبة نفسها، وقبل أن نتكلم عن خطبة حجة الوداع ينبغي التنبيه إلى أن نص الخطبة، والمتن الكامل لخطبة حجة الوداع في أي من الروايات الموجودة في كتب الحديث؛ غير موجود، بل نجد أجزاء متفرقة في عدد من الروايات، وقد حاول بعض أهل العلم أن يجمعوا هذه الأجزاء المتفرقة في مجموعة واحدة.

أولاً: نص الخطبة: ذكر ابن هشام في سيرته فقال: "قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حجه فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجهم، وخطب الناس خطبته التي بين فيها ما بيَّن، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله، وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية.

أما بعد: أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم.

أيها الناس: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}1، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.

أما بعد: أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً أمراً بيِّناً: كتاب الله، وسنة نبيه.

أيها الناس: اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت؟ فذكر لي أن الناس قالوا: اللهم نعم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اشهد. ثلاثاً))2.

من التأملات في هذه الخطبة:

1. نجد في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً)) فيه إشعار بقرب ودنو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعن سراء ابنة نبهان (وكانت ربة بيت في الجاهلية) قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع: هل تدرون أي يوم هذا؟... إلى أن قالت: فلما قدمنا المدينة لم نلبث إلا قليلاً حتى مات - صلى الله عليه وسلم -3.

2. وفي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام)) فيه دلالة على حفظ الإسلام لأعراض الناس وممتلكاتهم، وهنا يبرز حرص الإسلام على حقوق الإنسان، التي يتشدق بها الغرب اليوم، ولذا نجد أنه جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ))4.

3. وفي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((وإن كل ربا موضوع)) فبدأ الكلام حول الاقتصاد، وبدأ بالربا فوضعه؛ لأن الله - تعالى - يقول: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }، و{يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}5.

4. وفي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض)) فأبطل هنا كل ما كان المشركون يقومون به من النسيئة وغيرها، ولذا فقد قدم قوله - تعالى -: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}6.

5. وفي قولهٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقاً))، بدأ هنا يؤكد حقوق الإنسان مرة أخرى، وذكر النساء وما لهن وما عليهن من حقوق وواجبات، وبين كيفية تعامل الزوج مع زوجته في أي حال.

6. وفي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة))، فبين هنا الرابط الاجتماعي بين المسلمين، وكيفية التعامل فيما بينهم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}7، وإن رابط الدين، والإسلام؛ أقوى من أي رابط آخر بين المسلمين.

7. وفي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً أمراً بيِّناً: كتاب الله، وسنة نبيه)) وهنا حدد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وحدة الأمة، وأنها أمة واحد، وحسم موضوع الاختلاف المقيت الذي يفرق الأمة، وجعل مرجع الأمة حال خلافها هو كتاب الله - تعالى -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلا مكان للخلاف فهما مرجعكم ودستوركم، والفاصل فيما بينكم.

8. في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((اللهم هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم)) تقرير للناس أن الرسول بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فأقر الصحابة - رضوان الله عليهم - بذلك، فكيف يأتي أناس بعد ذلك يكذبون الله ورسوله، ويدعون نقصان الرسالة بالابتداع في دين الله - تعالى -؟.

وبهذه الكلمات ودَّع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا المشهد العظيم، مرشداً الأمة إلى ما فيه صلاحهم، بعد أن أَقرُّوا بأنه - صلى الله عليه وسلم - قد أدى جميع ما أمره الله به، وبعد أن دل أمته وأوصاها في هذه الخطبة بكلمات جمعت في ثناياها وصيته لأمته أن يؤدوا الأمانة، وأن يحرموا دماءهم بينهم، وأن يحافظوا على الأعراض، وأن يحذروا من الأمور التي تضعف اقتصاد الأمة.

هكذا فلتكن الخطب العصماء، فقد جمعت هذه الخطبة للأمة الإسلامية كل ما يتعلق بأمور حياتها، وبيَّنت المنهج الرباني الذي فيه فلاح العبد في الحياة الدنيا والآخرة، ولم يبق على المسلمين إلا الامتثال بتطبيقها واقعاً في الحياة؛ وهذا هو المطلوب.

وهذه الخطبة أرسى النبي - عليه الصلاة والسلام - فيها قواعد الإسلام، وهدم مبادئ الجاهلية، وعظَّم حرمات المسلمين، فخطب الناس وودعهم بعد أن استقرَّ التشريع، وكمل الدين، وتمت النعمة، ورضي الله هذا الإسلام ديناً للبشرية كلها لا يقبل من أحدٍ ديناً سواه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}8، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}9.

وهي كلمات جامعة موجزة تحكي المبادئ الكبرى لهذا الدين، فيها ثبَّت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفوس المسلمين أصول الديانة، وقواعد الشريعة، ونبَّه بالقضايا الكبرى على الجزئيات الصغرى.

ثم بعد ذلك يأتي التأييد من الله - تبارك وتعالى - لرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والشهادة له بأنه بلغ وأدى ما أمره الله - عز وجل - من الرسالة لتنزل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}، نعم يا محمد لقد أُكمِلت الفرائض، وأوضحت الحدود، وليس الدين محتاجاً إلى إكمال من أحد من البشر؛ ليظهر على الأديان كلها، وتبرز غلبته لها، ولم يزل الله راضياً لأمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام، وهنا يعلن كمال الرسالة، وتمام النعمة، وأن شريعة الله كلٌ لا يتجزأ، وكلٌ متكامل، وأن الخروج عن هذا المنهج في جزئية منه كالخروج عليه كله.

هذه خواطر كتبناها في خطبة حجة الوداع، والحق أنه مهما تكلم المتكلمون في هذه الخطبة فلن يوفوها حقها.

فنسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من العالمين العاملين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 سورة التوبة (37).

2 سيرة ابن هشام (ج2/ص603).

3 المعجم الأوسط للطبراني (ج5/ص481).

4 صحيح مسلم (4650).

5 سورة البقرة (275-276).

6 سورة التوبة (37).

7 سورة الحجرات (10).

8 سورة المائدة (3) .

9 سورة آل عمران (85) .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى