عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
إن المسارعة في أعمال البر و الخيرات سمة أصيلة و ركيزة من ركائز المجتمع المسلم ، ذلك المجتمع المتواد المتحاب المترابط المتضامن و المتكافل في الخير ، الذي (( يكفل لكل قادر عملاً و رزقاً ، و لكل عاجز ضمانة للعيش الكريم ، و لكل راغب في العفة و الحصانة زوجة صالحة ، و يعتبر أهل كل حي مسئولين مسئولية جنائية لو مات فيهم جائع ، حتى ليرى بعض فقهاء الإسلام تغريمهم بالدية )) . و الأصل في المجتمع المسلم أن يكون على هذه الصورة الوضيئة ، فالإسلام ليس دين مظاهر و صقوس ، و عبادات و شعائر جوفاء ، ليس لها أثر في القلوب أو في واقع الحياة ، و لكنه دين ما إن تستقر حقيقته في القلوب حتى تدفع إلى العمل الصالح ، و تتمثل في سلوك تصلح به الحياة و ترقى .
و إن التعاون و التكافل في الخير و الصلاح و النماء ليعود بالنفع و البركات على العباد و البلاد ، من طهارة في القلوب ، و تزكية للنفوس ، و منفعة و عون للآخرين ، و شعور بالحب و الإخاء ، و إزالة للفوارق الشعورية بحيث لا يحس أحد إلا أنه عضو في ذلك الجسد ، لا يحتجز عنه شيئاً ، فتترابط فيه العرى ، و تتوثق فيه الصلات ، و تتمثل فيه رحمة الله السابغة بالعباد .
قال تعالى : ﴿ و الذين فىِۤ أموٰلهمـ حقٌّ مَّعْلومٌـ للسّآئِلِ و المَحْرومِ ﴾..{ المعارج : 24 ، 25 } ، يقول سيد قطب : (( و هي الزكاة على وجه التخصيص و الصدقات المعلومة القدر ، و هي حق في أموال المؤمنين .. أو لعل المعنى أشمل من هذا و أكبر ، و هو أنهم يجعلون في أموالهم نصيباً معلوماً يشعرون أنه حق للسائل و المحروم ، و في هذا تخلص من الشح و استعلاء على الحرص !كما أن فيه شعوراً بواجب الواجد تجاه المحروم ، في هذه الأمة المتضامنة المتكافلة .. و السائل الذي يسال ، و المحروم الذي لا يسأل و لا يعبر عن حاجته فيُحرم ، أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم و عف عن السؤال . و الشعور بأن للمحتاجين و المحرومين حقاً في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة ، و بآصرة الإنسانية من جهة ، فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص و الشح ، و هو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها و تعاونها )) .
و الإنفاق في سبيل الله و فعل الخير بجميع صوره مجاله واسع جداً و لا يقتصر على جزئيات محددة ، و الجهات التي تُعنى بالأعمال الخيرية لا بد لها من خطة منهجية مدروسة ، أهدافها بعيدة المدى ، أبعد من توفير الحاجات الآنية ، بحيث تعين الفقراء القادرين على العمل و التكسب ، حتى يستغنوا عن أخذ الصدقات ، بل ربما يأتي يوم فيصبح بعضهم من ذوي الأموال ، فيعطي من زكاة ماله بعد أن كان يأخذ ، فالعطاء أكرم و أعز للنفس من الأخذ ، و هذا يحتاج إلى تخطيط و تنظيم ، كما و يحتاج إلى تنسيق فيما بين المراكز و المؤسسات و الجمعيات الخيرية حتى تتكامل أدوارها و تتنوع أنشطتها ، لا أن تتكرر ، فنحن بحاجة إلى تنويع العمل الخيري بل و الابتكار فيه ، حتى يشمل جميع الجوانب الحياتية و الحاجات المادية و المعنوية ، فهناك من يحتاج إلى بيت يؤويه .. بيت بسيط و لكنه يليق بحياة الإنسان ، و البيت نعمة لا يقدرها إلا من فقدها ، كاللاجئين و من يعيشون في المخيمات و من ليس لهم مأوى أصلاً ، فلو أن جهة أو أكثر تبنت هذا المشروع أو الوقف الخيري من أصحاب الأموال و الأثرياء و رجال العمال و التجار و غيرهم ، فأصحاب الأموال عبادتهم الأولى بعد أداء الفرائض الإنفاق في سبيل اله في أوجه الخير الكثيرة . قيل لبشر : (( إن فلاناً الغني كثير الصوم و الصلاة ! فقال : المسكين ترك حاله و دخل في حال غيره ، و إنما حال هذا إطعام الطعام للجياع و الإنفاق على المساكين ، فهذا أفضل له من تجويعه نفسه و من صلاته لنفسه مع جمعه للدنيا و منعه الفقراء )) . و هذا فقه يحتاج كل مسلم أن يفطن إليه ، أن يعرف عبادته الأولى بعد أداء ما افترضه الله عليه .
بل إن الإنفاق في سبيل الله قد يكون مقدماً في بعض الأحيان على نوافل العبادات ، من ذلك ما رُويَ : (( أن رجلاً جاء يودع بشر بن الحارث و قال : عزمت على الحج فتأمرني بشيء ؟ فقال بشر : فكم أعددت للنفقة ؟ فقال الرجل : ألفي درهم . فقال بشر : فأي شيء تبتغي بحجك ؟ تزهداً أو اشتياقاً إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله ؟ قال الرجل : ابتغاء مرضاة الله ! قال بشر : فإن أصبت مرضاة الله و أنت في منزلك و تنفق ألفي درهم و تكون على يقين من مرضاة الله أتفعل ذلك ؟ قال الرجل نعم ! قال بشر : اذهب فأعطها عشرة أنفس : مديون يقضي دينه ، و فقير يَلُمُّ شَعثَه ، و مُعيل يُغني عياله ، و مربي يتيم يفرحه ، و إن قوي قلبك تعطها واحد فافعل ، فإن إدخالك السرور على قلب المسلم و إغاثة اللهفان و كشف الضر و إعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام ! ...)) .
و قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : (( في آخر الزمان يكثر الحجاج بلا سبب ، يهون عليهم السفر و يُبسط لهم في الرزق ، و يرجعون محرومين مسلوبين يهوي بأحدهم بعيره بين الرمال و القفار و جاره مأسور إلى جنبه لا يواسيه )) .
و بجانب المساكن و الحاجات المادية الضرورية الأخرى ، كاللباس و الطعام و الشراب و العلاج ..الخ ، لا بد من الاهتمام بالجوانب العقلية و النفسية و البدنية .. ، و كذلك بالتربية الإيمانية لهؤلاء الفقراء و المحتاجين للرعاية ، و خاصة طلاب العلم منهم ، فسد شواغل المعيشة و متطلباتها يعين المسلم على التفرغ لدينه . فلا بد من توسيع أفق العمل الخيري بحيث يبني النفوس و بالتالي يسهم بشكل فعال في بناء الأمة .
إن من أفضل و أرقى الوسائل في نشر الخير و الإنفاق في سبيل الله الوقف الخيري الإسلامي الذي هو مظهر من مظاهر ازدهار الأمة و حضارتها الضاربة في التاريخ ، فثمار الأوقاف الإسلامية عديدة ، و آفاقها رحبة و مجال التفنن فيها واسع جداً و لا يقتصر على بناء المساجد فقط ، على أهميتها كمراكز تعليمية لبث الروح الإسلامية في نفوس المسلمين ، و إنما هناك وقف المستشفيات و المراكز الصحية و المدارس و الجامعات و الكتب و المكتبات و الأراضي و المزارع و البساتين ، و غيرها الكثير الكثير مما يمكن وقفه لله تعالى ، في المصالح العامة و منافع العباد و البلاد .
و أمثلة الوقف الإسلامي كثيرة في تاريخ الدولة الإسلامية ، منها مثلاً ما كان في القرن السادس الهجري ، في عصر الدولة الزنكية في عهد نور الدين زنكي ، فقد أوقف نور الدين أوقافاً كثيرة على ذوي الحاجات و المساكين و الفقراء و الأرامل و ما أشبه ذلك ، و وقف على من كان يعلم اليتامى و جعل لهم نفقة و كسوة ، و أوقف أوقافاً خاصة لسكان الحرمين حتى لا يبتزوا الحجاج ، و بنى مئات المدارس و المساجد و المستشفيات ، و الفنادق الكثيرة في الطرقات . و كان نور الدين صاحب مهنة ، يخيط الكوافي و يعمل سكاكر للأبواب و يعطيها لبعض العجائز فتبيعها و لا يدري به أحد !! . و كذلك أوقفت زوجة نور الدين " الست خاتون عصمت الدين " أوقافاً كثيرة ، و كذلك فعل رجال نور الدين ، فقد أوقف وزيره أبو الفضل الشهرزوري أوقافاً كثيرة ، منها ما أوقفه على المقادسة الذين نزحوا من وجه الاحتلال الصليبي . و كذلك فعل صلاح الدين ، فقد مات و لم تجب عليه الزكاة قط ، فقد استنفدت الصدقة أمواله كلها ، و لقد أوقف وزيره القاضي الفاضل أراضٍ واسعة على تخليص أسرى المسلمين ، و قال : (( اللهم إنك تعلم أن هذا الربع ليس شيء أحب إلي منه ، اللهم اشهد أني وقفته على فكاك الأسرى )) .
و قد انتشرت في عهد نور الدين مساكن للمسافرين و الفقراء و الزهاد ، و ألحق بها حمامات و مستشفيات خاصة ، و مرافق الغرباء و لا سيما لحفاظ كتاب الله و المنتمين للطلب ، فالغريب إن كان طالباً وجد المدرسة التي تعلمه و تُؤويه ، و إن كان صانعاً وجد الدكان الذي يعلمه الحرفة التي يريد .
و غير هذا الكثير الكثير ، حتى أن البلاد تكاد الأوقاف تستغرق جميع ما فيها ، و هذه من المفاخر المخلدة على مدى التاريخ .
فما أحوج المجتمعات الإسلامية للأوقاف في هذا العصر ، و أن تعم الرعاية و العناية جميع نواحي البلاد من المدن و القرى ، و جميع ميادين الحياة فيها ، و ألا تقتصر المساجد و المستشفيات و المدارس ... على جهة دون أخرى ، و أن ينفق أصحاب الأموال مما أعطاهم الها ، فالمال مال الله ، جعله في أيديهم لمنافع العباد ، فلا يحق لهم أن يحتجزوها دونهم ، يقول عليه و آله الصلاة و السلام : " إن لله أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد ، و يقرهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم " [ حسن ، الألباني – السلسلة الصحيحة : 1692 ] .
اللهم اجعل أنفاسنا في طاعتك ، و وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا و يقربنا إليك ، و أيقظنا لتدارك بقايا الأعمال ، و وفقنا للتزود من الخير و الاستكثار ... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .
لبنى شرف – الأردن .
آفاق الوقف و العمل الخيري
لبنى شرف / الأردن
و إن التعاون و التكافل في الخير و الصلاح و النماء ليعود بالنفع و البركات على العباد و البلاد ، من طهارة في القلوب ، و تزكية للنفوس ، و منفعة و عون للآخرين ، و شعور بالحب و الإخاء ، و إزالة للفوارق الشعورية بحيث لا يحس أحد إلا أنه عضو في ذلك الجسد ، لا يحتجز عنه شيئاً ، فتترابط فيه العرى ، و تتوثق فيه الصلات ، و تتمثل فيه رحمة الله السابغة بالعباد .
قال تعالى : ﴿ و الذين فىِۤ أموٰلهمـ حقٌّ مَّعْلومٌـ للسّآئِلِ و المَحْرومِ ﴾..{ المعارج : 24 ، 25 } ، يقول سيد قطب : (( و هي الزكاة على وجه التخصيص و الصدقات المعلومة القدر ، و هي حق في أموال المؤمنين .. أو لعل المعنى أشمل من هذا و أكبر ، و هو أنهم يجعلون في أموالهم نصيباً معلوماً يشعرون أنه حق للسائل و المحروم ، و في هذا تخلص من الشح و استعلاء على الحرص !كما أن فيه شعوراً بواجب الواجد تجاه المحروم ، في هذه الأمة المتضامنة المتكافلة .. و السائل الذي يسال ، و المحروم الذي لا يسأل و لا يعبر عن حاجته فيُحرم ، أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم و عف عن السؤال . و الشعور بأن للمحتاجين و المحرومين حقاً في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة ، و بآصرة الإنسانية من جهة ، فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص و الشح ، و هو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها و تعاونها )) .
و الإنفاق في سبيل الله و فعل الخير بجميع صوره مجاله واسع جداً و لا يقتصر على جزئيات محددة ، و الجهات التي تُعنى بالأعمال الخيرية لا بد لها من خطة منهجية مدروسة ، أهدافها بعيدة المدى ، أبعد من توفير الحاجات الآنية ، بحيث تعين الفقراء القادرين على العمل و التكسب ، حتى يستغنوا عن أخذ الصدقات ، بل ربما يأتي يوم فيصبح بعضهم من ذوي الأموال ، فيعطي من زكاة ماله بعد أن كان يأخذ ، فالعطاء أكرم و أعز للنفس من الأخذ ، و هذا يحتاج إلى تخطيط و تنظيم ، كما و يحتاج إلى تنسيق فيما بين المراكز و المؤسسات و الجمعيات الخيرية حتى تتكامل أدوارها و تتنوع أنشطتها ، لا أن تتكرر ، فنحن بحاجة إلى تنويع العمل الخيري بل و الابتكار فيه ، حتى يشمل جميع الجوانب الحياتية و الحاجات المادية و المعنوية ، فهناك من يحتاج إلى بيت يؤويه .. بيت بسيط و لكنه يليق بحياة الإنسان ، و البيت نعمة لا يقدرها إلا من فقدها ، كاللاجئين و من يعيشون في المخيمات و من ليس لهم مأوى أصلاً ، فلو أن جهة أو أكثر تبنت هذا المشروع أو الوقف الخيري من أصحاب الأموال و الأثرياء و رجال العمال و التجار و غيرهم ، فأصحاب الأموال عبادتهم الأولى بعد أداء الفرائض الإنفاق في سبيل اله في أوجه الخير الكثيرة . قيل لبشر : (( إن فلاناً الغني كثير الصوم و الصلاة ! فقال : المسكين ترك حاله و دخل في حال غيره ، و إنما حال هذا إطعام الطعام للجياع و الإنفاق على المساكين ، فهذا أفضل له من تجويعه نفسه و من صلاته لنفسه مع جمعه للدنيا و منعه الفقراء )) . و هذا فقه يحتاج كل مسلم أن يفطن إليه ، أن يعرف عبادته الأولى بعد أداء ما افترضه الله عليه .
بل إن الإنفاق في سبيل الله قد يكون مقدماً في بعض الأحيان على نوافل العبادات ، من ذلك ما رُويَ : (( أن رجلاً جاء يودع بشر بن الحارث و قال : عزمت على الحج فتأمرني بشيء ؟ فقال بشر : فكم أعددت للنفقة ؟ فقال الرجل : ألفي درهم . فقال بشر : فأي شيء تبتغي بحجك ؟ تزهداً أو اشتياقاً إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله ؟ قال الرجل : ابتغاء مرضاة الله ! قال بشر : فإن أصبت مرضاة الله و أنت في منزلك و تنفق ألفي درهم و تكون على يقين من مرضاة الله أتفعل ذلك ؟ قال الرجل نعم ! قال بشر : اذهب فأعطها عشرة أنفس : مديون يقضي دينه ، و فقير يَلُمُّ شَعثَه ، و مُعيل يُغني عياله ، و مربي يتيم يفرحه ، و إن قوي قلبك تعطها واحد فافعل ، فإن إدخالك السرور على قلب المسلم و إغاثة اللهفان و كشف الضر و إعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام ! ...)) .
و قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : (( في آخر الزمان يكثر الحجاج بلا سبب ، يهون عليهم السفر و يُبسط لهم في الرزق ، و يرجعون محرومين مسلوبين يهوي بأحدهم بعيره بين الرمال و القفار و جاره مأسور إلى جنبه لا يواسيه )) .
و بجانب المساكن و الحاجات المادية الضرورية الأخرى ، كاللباس و الطعام و الشراب و العلاج ..الخ ، لا بد من الاهتمام بالجوانب العقلية و النفسية و البدنية .. ، و كذلك بالتربية الإيمانية لهؤلاء الفقراء و المحتاجين للرعاية ، و خاصة طلاب العلم منهم ، فسد شواغل المعيشة و متطلباتها يعين المسلم على التفرغ لدينه . فلا بد من توسيع أفق العمل الخيري بحيث يبني النفوس و بالتالي يسهم بشكل فعال في بناء الأمة .
إن من أفضل و أرقى الوسائل في نشر الخير و الإنفاق في سبيل الله الوقف الخيري الإسلامي الذي هو مظهر من مظاهر ازدهار الأمة و حضارتها الضاربة في التاريخ ، فثمار الأوقاف الإسلامية عديدة ، و آفاقها رحبة و مجال التفنن فيها واسع جداً و لا يقتصر على بناء المساجد فقط ، على أهميتها كمراكز تعليمية لبث الروح الإسلامية في نفوس المسلمين ، و إنما هناك وقف المستشفيات و المراكز الصحية و المدارس و الجامعات و الكتب و المكتبات و الأراضي و المزارع و البساتين ، و غيرها الكثير الكثير مما يمكن وقفه لله تعالى ، في المصالح العامة و منافع العباد و البلاد .
و أمثلة الوقف الإسلامي كثيرة في تاريخ الدولة الإسلامية ، منها مثلاً ما كان في القرن السادس الهجري ، في عصر الدولة الزنكية في عهد نور الدين زنكي ، فقد أوقف نور الدين أوقافاً كثيرة على ذوي الحاجات و المساكين و الفقراء و الأرامل و ما أشبه ذلك ، و وقف على من كان يعلم اليتامى و جعل لهم نفقة و كسوة ، و أوقف أوقافاً خاصة لسكان الحرمين حتى لا يبتزوا الحجاج ، و بنى مئات المدارس و المساجد و المستشفيات ، و الفنادق الكثيرة في الطرقات . و كان نور الدين صاحب مهنة ، يخيط الكوافي و يعمل سكاكر للأبواب و يعطيها لبعض العجائز فتبيعها و لا يدري به أحد !! . و كذلك أوقفت زوجة نور الدين " الست خاتون عصمت الدين " أوقافاً كثيرة ، و كذلك فعل رجال نور الدين ، فقد أوقف وزيره أبو الفضل الشهرزوري أوقافاً كثيرة ، منها ما أوقفه على المقادسة الذين نزحوا من وجه الاحتلال الصليبي . و كذلك فعل صلاح الدين ، فقد مات و لم تجب عليه الزكاة قط ، فقد استنفدت الصدقة أمواله كلها ، و لقد أوقف وزيره القاضي الفاضل أراضٍ واسعة على تخليص أسرى المسلمين ، و قال : (( اللهم إنك تعلم أن هذا الربع ليس شيء أحب إلي منه ، اللهم اشهد أني وقفته على فكاك الأسرى )) .
و قد انتشرت في عهد نور الدين مساكن للمسافرين و الفقراء و الزهاد ، و ألحق بها حمامات و مستشفيات خاصة ، و مرافق الغرباء و لا سيما لحفاظ كتاب الله و المنتمين للطلب ، فالغريب إن كان طالباً وجد المدرسة التي تعلمه و تُؤويه ، و إن كان صانعاً وجد الدكان الذي يعلمه الحرفة التي يريد .
و غير هذا الكثير الكثير ، حتى أن البلاد تكاد الأوقاف تستغرق جميع ما فيها ، و هذه من المفاخر المخلدة على مدى التاريخ .
فما أحوج المجتمعات الإسلامية للأوقاف في هذا العصر ، و أن تعم الرعاية و العناية جميع نواحي البلاد من المدن و القرى ، و جميع ميادين الحياة فيها ، و ألا تقتصر المساجد و المستشفيات و المدارس ... على جهة دون أخرى ، و أن ينفق أصحاب الأموال مما أعطاهم الها ، فالمال مال الله ، جعله في أيديهم لمنافع العباد ، فلا يحق لهم أن يحتجزوها دونهم ، يقول عليه و آله الصلاة و السلام : " إن لله أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد ، و يقرهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم " [ حسن ، الألباني – السلسلة الصحيحة : 1692 ] .
اللهم اجعل أنفاسنا في طاعتك ، و وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا و يقربنا إليك ، و أيقظنا لتدارك بقايا الأعمال ، و وفقنا للتزود من الخير و الاستكثار ... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .
لبنى شرف – الأردن .
آفاق الوقف و العمل الخيري
لبنى شرف / الأردن
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى