بنت عائشه
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. العتيبي: مذاهب ثلاثة قامت على هذه الإساءة..
الدولة الدانمركية تجمع بين نقيضي التدين في الدستور والتطرف اللاديني
حوار - ميرفت عبدالجبار
حلل الدكتور "سعد العتيبي" - عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -:
حدث الإساءة للرسول - صلى الله عليه وسلم - التي جددتها الصحف الدانماركية ورافقها دعم أوروبي – حلل هذا الحدث من منظور سياسي؛ فقد وصف قادة حملة الإساءة بالمتطرفين من ثلاثة مذاهب؛ متطرفين يهود، ومتطرفين نصارى، ومتطرفين ليبرالييين.
وتحدث "العتيبي" عن الكثير من الحقائق المغيبة في إعادة نشر الرسوم الدانماركية، في اللقاء التالي:
الخلطة العدائية:
• في رأيكم: لماذا تتكرر هذه الهجمات المسيئة للإسلام والمسلمين بين الحين والآخر من قبل الدانمارك خاصة، وغيرها أمثال ألمانيا متمثلة في وزير داخليتها، الذي دعا لإعادة نشر الرسوم في جميع الصحف الأوروبية؟
- من الحقائق الشرعية والعملية الواقعية: ثبوت العداوة بين المؤمنين وغيرهم، وبين المسلمين وغيرهم، ووجود الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل، وهي حقيقة شرعية تتضمن إعجازًا خبريًّا وردت به النصوص الشرعية، قال اله تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
وقد اجتمع في هذه الإساءة المتطرفون من ثلاثة مذاهب:
- متطرفو اليهود؛ وهذا ظاهر في النجمة السداسية التي تحملها الجريدة التي نشرت الإساءة أولاً، وهم أشدّ النّاس عداوة لنا نحن - المسلمين - بنص القرآن الكريم.
- ومتطرفو النصارى؛ وهذا ظاهر في ملكة الدانمارك.
- ومتطرفو الليبرالية؛ وهذا ظاهر في الحزب الحاكم في الدانمارك.
ولذلك، فتكرار الإساءة من الدانمارك يمكن قراءته في ضوء هذه الخلطة العدائية، واتصالاتها الأجنبية؛ فهذه العداوة أكثر عمقًا؛ لأمور تتعلق بتكوين الحكومة، والخلفية الثقافية والتاريخية لأصحاب القرار في المجتمع الدانماركي؛ فالدولة الدانمركية تجمع بين نقيضي التدين في نصوص الدستور الملكي، والليبرالية المتطرفة في أيديولوجية الحزب الحاكم ووسائل الإعلام في الواقع.
فأما التدين فمنصوص عليه في دستورهم؛ فقد جاء في المادة (المادة1/بند 5) من دستور الدانمارك: "يجب أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية".
وجاء في (المادة1/بند 3) منه: "إن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمارك".
والنصوص الشرعية في بيان موقف النصارى من الإسلام ورسوله وأتباعه لا تخفى على أي قارئ لكتاب الله - عز وجل - ومن ذلك قول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، وعليه؛ فلن يرضوا عن رسول الله ما داموا على دينهم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتبع ملتهم، بل توفاه الله تعالى حنيفًا مسلمًا؛ فبقيت عداوتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه، ممن بقي - مستكبرا - على نصرانيته، وبقي غير المستكبرين منهم أقرب مودة له - صلى الله عليه وآله وسلم – وللمؤمنين، تفيض أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.
وأما الليبرالية فهي أيديولوجية الحزب الحاكم المتطرف، والإعلام الدانمركي في الجملة، وعندما يجتمع الأمران مع تناقضهما، فلا شك أن معاداتهما للإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ستكون نقطة لقاء مهما كانت الخلافات، وسيسكت هؤلاء عن هؤلاء والعكس.
وقد صرحت الحكومة في دفاعها عن نفسها في الجريمة الأولى وكذلك هذه الأيام - بأنها حكومة ليبرالية، وأنها إنَّما تطبِّق مقتضيات اللبرالية في عدم اعتراضها على سوء الأدب في النيل من المقدسات، حتى ولو تعلق الأمر بالأنبياء كل الأنبياء.
ومن هنا وقف عدد من رجال الدِّين الدانماركيين مع المسلمين في رفض هذه الفكرة، وليت الأمر توقف عند حد الجهات التنفيذية والإعلامية، فلقد اطلعت على الحكم الجائر الذي أصدره القضاء الدانمركي بتبرئة الصحيفة التي تولت كبر الإفك والإجرام، ووجدته قرارًا مكشوفًا مفضوحًا، في احتياله على قانون العقوبات، وتفسيراته الغريبة لمواده الصريحة في إدانة الصحيفة، لو كانت المحكمة الدانمركية تحترم نفسها، فهو حكم يفتقد الموضوعية، ومبادئ العدالة العقلية.
ومن الأسباب التي يرمي إليها معيدو الجريمة: وقف المد الإسلامي في الدنمارك، ولا سيما بعد انتشار الإسلام بين الدانمركيين عقب الإساءة الأولى، ورجوع بعض أبناء الجالية الإسلامية ممن كانوا داخل طوفان الذوبان إلى دينهم واشتعال جذوة حميتهم لرسولهم - صلى الله عليه وسلم - ولدينهم.
ولكنها الحماقة التي تطغى على العقل، والحقد الذي يعمي ويصم، وفَعْلَتهم هذه إعلان عن إفلاسهم الحضاري في التعامل مع مليار ونصف المليار من البشر، وانحطاطهم الأخلاقي في التعامل مع مواطنيهم من المسلمين، فكيف يكون شعور مواطن يُساء إلى نبيه بالجملة من سبع عشرة صحيفة في تمثيلية خرقاء؟!
وثمة ما يتعلق بالمسلمين من الأسباب، ومن أهمها ضعف مواقف الدول الإسلامية في معالجة الإساءة، فلم تكن على مستوى الحدث مقارنة بالجهود الشعبية الكبيرة التي تمخضت عن التعاطي الإيجابي مع الأزمة وبعدها، إلا أن تشتت المواقف قد أضعفها، ولذلك أسباب كثيرة، لا أريد أن أدخل فيها لتشعبها، لكنها تبقى تستحق الدراسة للاعتبار، ومنع التكرار.
" شركة ( آرلا ) والإنصاف "
• ما هي الأسباب التي جرأت الدول الغربية على إسلامنا ومقدساتنا ، هل هو ضعفنا ،أم عدم جدية استخدامنا لأسلحتنا الفعالة " المقاطعة " مثلاً ؟
- ثمة أسباب إضافة إلى الحقيقة الشرعية في وجود الصراع بين الحق والباطل { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا }، ويساهم في ذلك بشكل كبير تشويه المنحرفين من أبناء المسلمين لدينهم .
وبالنسبة للمقاطعة ، فللأسف الشديد لم يُقاطع كثير من المسلمين الشركات الكبيرة التي يتعامل معها كبار التجار والحكومات الإسلامية ، كشركة ( ميرسك ) مثلا والتي يكفي التلويح بمقاطعتها لتأديب الدنمركيين المعتدين وإعادة التعقل إلى تصرفاتهم ، وللمعلومية فهذه الشركات الكبيرة ، لم تكن داخلة في بعض الفتاوى التي صدرت برفع المقاطعة عن شركة ( آرلا ) المتخصصة في المواد الغذائية مثلا . والعدالة والإنصاف يقتضيان التنبيه إلى هذه المسألة في الجواب عن موضوع المقاطعة .
وعلى كل حال فالمقاطعة حق من حقوق الشعوب في مقاطعة من ترى مقاطعته فالبيع والشراء مبني على التراضي والاختيار ، وإن كنت أميل إلى وضع آليات مدروسة للمقاطعة الاقتصادية متى رأى أهل الإسلام أهمية تطبيقها بشكل أقوى فاعلية . ولكن ليس لأحد إلزام الناس بعدم المقاطعة ! ممن شاء المقاطعة لما شاء من الشركات والبضائع ، ولا أحد يجبر شخصا على أن يشتري سلعة من شركة معينة دنمركية كانت أو غيرها . بل المطلوب عكس ذلك ، فينبغي دعم السلع المحلية والإسلامية وتشجيعها لتحقيق القدرة على الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن السلع المستوردة التي يمكن الاستغناء عنها ، ولا سيما التي قد تتحول إلى سلاح ضدنا أيضا .
المقاطعة المدروسة:
• ما دور الفرد والأمة الإسلامية إزاء هذه الإساءات؟ وهل ترون أن المقاطعة الاقتصادية كافية لتوقف الدول الغربية هجماتها؟
- أما دور الفرد والأمة، فكبير ويسير على من يسره الله له؛ ويمكن إيجازه في ترسيخ الإسلام في النفوس عقيدة وشريعة، وتكثيف الدعوة إلى الله تعالى بنشر محاسن الإسلام، والتعريف بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعوته وسيرته العطرة، والمتابعة للجهود القائمة في ذلك من قبل المؤسسات والمنظمات الإسلامية، ودعمها، وبهذا يتحقق عكس ما يريد المجرمون، كما جرى عقب الإساءة السابقة، فقد اضطرت بعض الكنائس الغربية إلى عقد اجتماعات سرية وعاجلة، تم فيها نصح القساوسة ورجال الدين التابعين لها بعدم قراءة القرآن وكتب سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نما إلى علمها انتشار نسخ القرآن الكريم بين عدد من قساوستها وتداولهم لبعض تلك الكتب الإسلامية.
وأما بالنسبة للمقاطعة، فإنها إذا لم تكن شاملة فلن تكون كافية، وإذا لم تكن مدروسة فربما تكون في بعض الحالات أكثر ضررًا من نفعها، ولذلك وجدنا من يدعو لمقاطعة منتجات على أنها دانمركية مع أنها ليست كذلك.
وفي الحقيقة المقاطعة من الوسائل التي ينبغي أن تفعَّل بطريقة صحيحة؛ ولا يقال إن استعمالها محرج للدول؛ فنحن في عصر لا يُنكَر فيه أثر الأفراد والشعوب في المحافظة على مكوناتها الدينية والثقافية، وخاصة إذا ما كان متزنًا في الموقف، وموحَّدًا في المرجعية الشرعية، وحرًّا في الممارسة العملية والإعلامية.
فالقوانين الدولية لا تمنع الشعوب من اتخاذ حقَّها في إعلان المقاطعة الاقتصادية ضد من يسيء إليها، كما لا تتحمل الجهات الرسمية مسؤولية دولية بهذا الخصوص، كما أنَّ السوابق الدولية تؤكِّد حق الحكومات - وليس الشعوب فقط - في الحث على المقاطعة الاقتصادية، وتقنينها في حال الاعتداء عليها، وليس اعتداء أشدَّ على المسلمين من الاعتداء على الإسلام ونبي الإسلام.
ولا يَعلم معنى الاعتداء الذي ارتُكِب ضد نبينا - محمد صلى الله عليه وسلم - وخطورته في المجتمع الإسلامي -: إلا من عرف الإسلام على حقيقته، وعرف مكانة الإسلام والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لدى المسلمين مهما كان مستوى التزامهم الديني.
رفض الإساءة بقوانين متاحة:
• ما نصيحتكم لإخواننا المسلمين في الغرب في كيفية التعامل مع هذه الهجمات، وهل العنف حلٌ؟
- ينبغي لإخواننا المسلمين في الغرب أن يبتعدوا عن الخلافات، وأن يتواصلوا مع أمتهم بالعالم الإسلامي، وأن يتقيدوا بما تُقرره المرجعيات والقيادات الإسلامية المعتدلة في تلك البلاد، وأن يعبروا عن رفضهم لأية إساءة إلى نبيهم، من خلال جميع الوسائل المتاحة في ظل قوانين تلك الدول، مما ليس فيه مخالفة للشريعة الإسلامية.
نفاد القرآن من المكتبات:
• ما الآثار الاجتماعية المترتبة على هذه الفوضى والمساس بعقائد المسلمين على الغرب والمسلمين الذين يعيشون في هذه الدول المسيئة؟
أظن أن نتائجها العكسية أكثر، ولكن إنما يتحقق ذلك بقوة إذا استطاعت القيادات والمرجعيات الإسلامية في تلك البلاد ضبط الأمور في ظل وحدة الكلمة؛ فعقب الإساءة الماضية نفدت الكتب الإسلامية ولا سيما القرآن الكريم من أرفف عدد من المكتبات المتخصصة، وزاد الطلب عليها بشكل كبير في دور النشر والجهات الإسلامية الدعوية التي تعنى بالكتب والنشرات، كما تم رصد أعداد جديدة من المسلمين الجدد، وتم رصد ظواهر جيدة؛ منها وقوف عدد من الشخصيات الغربية وأبناء تلك المجتمعات مع المسلمين، وتبنيهم مشاريع إيجابية في مساندة المسلمين، ومن أواخر ما قرأته في ذلك ما وقع عقب الاعتداء الجديد من إنهاء عدد من الشخصيات الدانمركية لاشتراكاتهم في الصحف التي نشرت الرسوم، كما تم إنشاء موقع خاص للتضامن مع المسلمين، ولا يزال يجمع التوقيعات ضد ذلك العمل الإجرامي.
وبالنسبة للمسلمين: تم رصد الشعور بالانتماء للأمة، وانتقال طبقة من الذائبين في المجتمع إلى محافظين ومدافعين عن الإسلام ونبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم.
جهود مشكورة.. وملاحقة قانونية:
• ما الأسلحة الفعالة التي تساهم في كف أذى القوم عنا وعن إسلامنا وعن شخص رسولنا وعن كتاب ربنا؟ وكيف نبين للقوم صورة إسلامنا الحقيقية في ظل هذا التشويه المفتعل من بعض وسائل الإعلام الغربية؟
- الصبر المنضبط، والتقوى الحاملة على العمل الصحيح، {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120]، فالصبر يحافظ على توازن المواقف وتأمّل الحلول، والتقوى تحمل على العمل الجاد والمبادرات الإيجابية.
وقد وقع شيء من ذلك بحمد الله بُعَيد الإساءة الأولى؛ فوجدنا عملاً إيجابيًّا، تمثَّل في نشر التعريف بنبينا محمد - صلى الله عليه وآله سلم - عبر وسائل إعلامية مختلفة، بدءًا من الكتاب وانتهاء بمقاطع أصغر الأشياء، ومن ينظر بعين الإنصاف إلى جهود الإخوة في رابطة العالم الإسلامي، ومكاتب دعوة الجاليات والمؤسسات والمنظمات التي نشأت قبل الإساءة؛ كالمنظمة الدولية لنصرة خاتم الأنبياء، أو بعدها كبرنامج نبي الرحمة، وكمنظمة النصرة مثلاً، سيجد من الأمور ما يسر المؤمنين ويحزن المعتدين، وهي جهود منشورة ومعلنة في عدد من وسائل الإعلام المهتمة بالموضوع، وعلى المواقع الخاصة بهذه المؤسسات والمنظمات الرسمية.
ومن الجهود التي تعنى بالنواحي المستقبلية ما تقوم به هذه المؤسسات وغيرها من السعي في استصدار قانون أممي يجرِّم النيل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إضافة إلى الملاحقات القضائية المتكررة لكل من ظهرت منه إساءة معلنة تتطلب ذلك.
ويمكن أن نبين للقوم الصورة الحقيقية لديننا ولنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - من خلال دعم المشاريع القائمة لهذه المؤسسات التي أشرت إليها مثلاً، وتبني ما تسوِّقه من مشاريع جديدة تخدم الدعوة الإسلامية المضادة للإساءة في الحاضر والمستقبل، وتبقى ذخرًا لأصحابها في الآخرة، ضمن العلم الذي ينتفع به، والدعوة الصالحة لأصحابها.
الدانمرك تجمع بين نقيضي التدين والتطرف اللاديني
د. سعد بن مطر العتيبي
الدولة الدانمركية تجمع بين نقيضي التدين في الدستور والتطرف اللاديني
حوار - ميرفت عبدالجبار
حلل الدكتور "سعد العتيبي" - عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -:
حدث الإساءة للرسول - صلى الله عليه وسلم - التي جددتها الصحف الدانماركية ورافقها دعم أوروبي – حلل هذا الحدث من منظور سياسي؛ فقد وصف قادة حملة الإساءة بالمتطرفين من ثلاثة مذاهب؛ متطرفين يهود، ومتطرفين نصارى، ومتطرفين ليبرالييين.
وتحدث "العتيبي" عن الكثير من الحقائق المغيبة في إعادة نشر الرسوم الدانماركية، في اللقاء التالي:
الخلطة العدائية:
• في رأيكم: لماذا تتكرر هذه الهجمات المسيئة للإسلام والمسلمين بين الحين والآخر من قبل الدانمارك خاصة، وغيرها أمثال ألمانيا متمثلة في وزير داخليتها، الذي دعا لإعادة نشر الرسوم في جميع الصحف الأوروبية؟
- من الحقائق الشرعية والعملية الواقعية: ثبوت العداوة بين المؤمنين وغيرهم، وبين المسلمين وغيرهم، ووجود الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل، وهي حقيقة شرعية تتضمن إعجازًا خبريًّا وردت به النصوص الشرعية، قال اله تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
وقد اجتمع في هذه الإساءة المتطرفون من ثلاثة مذاهب:
- متطرفو اليهود؛ وهذا ظاهر في النجمة السداسية التي تحملها الجريدة التي نشرت الإساءة أولاً، وهم أشدّ النّاس عداوة لنا نحن - المسلمين - بنص القرآن الكريم.
- ومتطرفو النصارى؛ وهذا ظاهر في ملكة الدانمارك.
- ومتطرفو الليبرالية؛ وهذا ظاهر في الحزب الحاكم في الدانمارك.
ولذلك، فتكرار الإساءة من الدانمارك يمكن قراءته في ضوء هذه الخلطة العدائية، واتصالاتها الأجنبية؛ فهذه العداوة أكثر عمقًا؛ لأمور تتعلق بتكوين الحكومة، والخلفية الثقافية والتاريخية لأصحاب القرار في المجتمع الدانماركي؛ فالدولة الدانمركية تجمع بين نقيضي التدين في نصوص الدستور الملكي، والليبرالية المتطرفة في أيديولوجية الحزب الحاكم ووسائل الإعلام في الواقع.
فأما التدين فمنصوص عليه في دستورهم؛ فقد جاء في المادة (المادة1/بند 5) من دستور الدانمارك: "يجب أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية".
وجاء في (المادة1/بند 3) منه: "إن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمارك".
والنصوص الشرعية في بيان موقف النصارى من الإسلام ورسوله وأتباعه لا تخفى على أي قارئ لكتاب الله - عز وجل - ومن ذلك قول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، وعليه؛ فلن يرضوا عن رسول الله ما داموا على دينهم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتبع ملتهم، بل توفاه الله تعالى حنيفًا مسلمًا؛ فبقيت عداوتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه، ممن بقي - مستكبرا - على نصرانيته، وبقي غير المستكبرين منهم أقرب مودة له - صلى الله عليه وآله وسلم – وللمؤمنين، تفيض أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.
وأما الليبرالية فهي أيديولوجية الحزب الحاكم المتطرف، والإعلام الدانمركي في الجملة، وعندما يجتمع الأمران مع تناقضهما، فلا شك أن معاداتهما للإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ستكون نقطة لقاء مهما كانت الخلافات، وسيسكت هؤلاء عن هؤلاء والعكس.
وقد صرحت الحكومة في دفاعها عن نفسها في الجريمة الأولى وكذلك هذه الأيام - بأنها حكومة ليبرالية، وأنها إنَّما تطبِّق مقتضيات اللبرالية في عدم اعتراضها على سوء الأدب في النيل من المقدسات، حتى ولو تعلق الأمر بالأنبياء كل الأنبياء.
ومن هنا وقف عدد من رجال الدِّين الدانماركيين مع المسلمين في رفض هذه الفكرة، وليت الأمر توقف عند حد الجهات التنفيذية والإعلامية، فلقد اطلعت على الحكم الجائر الذي أصدره القضاء الدانمركي بتبرئة الصحيفة التي تولت كبر الإفك والإجرام، ووجدته قرارًا مكشوفًا مفضوحًا، في احتياله على قانون العقوبات، وتفسيراته الغريبة لمواده الصريحة في إدانة الصحيفة، لو كانت المحكمة الدانمركية تحترم نفسها، فهو حكم يفتقد الموضوعية، ومبادئ العدالة العقلية.
ومن الأسباب التي يرمي إليها معيدو الجريمة: وقف المد الإسلامي في الدنمارك، ولا سيما بعد انتشار الإسلام بين الدانمركيين عقب الإساءة الأولى، ورجوع بعض أبناء الجالية الإسلامية ممن كانوا داخل طوفان الذوبان إلى دينهم واشتعال جذوة حميتهم لرسولهم - صلى الله عليه وسلم - ولدينهم.
ولكنها الحماقة التي تطغى على العقل، والحقد الذي يعمي ويصم، وفَعْلَتهم هذه إعلان عن إفلاسهم الحضاري في التعامل مع مليار ونصف المليار من البشر، وانحطاطهم الأخلاقي في التعامل مع مواطنيهم من المسلمين، فكيف يكون شعور مواطن يُساء إلى نبيه بالجملة من سبع عشرة صحيفة في تمثيلية خرقاء؟!
وثمة ما يتعلق بالمسلمين من الأسباب، ومن أهمها ضعف مواقف الدول الإسلامية في معالجة الإساءة، فلم تكن على مستوى الحدث مقارنة بالجهود الشعبية الكبيرة التي تمخضت عن التعاطي الإيجابي مع الأزمة وبعدها، إلا أن تشتت المواقف قد أضعفها، ولذلك أسباب كثيرة، لا أريد أن أدخل فيها لتشعبها، لكنها تبقى تستحق الدراسة للاعتبار، ومنع التكرار.
" شركة ( آرلا ) والإنصاف "
• ما هي الأسباب التي جرأت الدول الغربية على إسلامنا ومقدساتنا ، هل هو ضعفنا ،أم عدم جدية استخدامنا لأسلحتنا الفعالة " المقاطعة " مثلاً ؟
- ثمة أسباب إضافة إلى الحقيقة الشرعية في وجود الصراع بين الحق والباطل { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا }، ويساهم في ذلك بشكل كبير تشويه المنحرفين من أبناء المسلمين لدينهم .
وبالنسبة للمقاطعة ، فللأسف الشديد لم يُقاطع كثير من المسلمين الشركات الكبيرة التي يتعامل معها كبار التجار والحكومات الإسلامية ، كشركة ( ميرسك ) مثلا والتي يكفي التلويح بمقاطعتها لتأديب الدنمركيين المعتدين وإعادة التعقل إلى تصرفاتهم ، وللمعلومية فهذه الشركات الكبيرة ، لم تكن داخلة في بعض الفتاوى التي صدرت برفع المقاطعة عن شركة ( آرلا ) المتخصصة في المواد الغذائية مثلا . والعدالة والإنصاف يقتضيان التنبيه إلى هذه المسألة في الجواب عن موضوع المقاطعة .
وعلى كل حال فالمقاطعة حق من حقوق الشعوب في مقاطعة من ترى مقاطعته فالبيع والشراء مبني على التراضي والاختيار ، وإن كنت أميل إلى وضع آليات مدروسة للمقاطعة الاقتصادية متى رأى أهل الإسلام أهمية تطبيقها بشكل أقوى فاعلية . ولكن ليس لأحد إلزام الناس بعدم المقاطعة ! ممن شاء المقاطعة لما شاء من الشركات والبضائع ، ولا أحد يجبر شخصا على أن يشتري سلعة من شركة معينة دنمركية كانت أو غيرها . بل المطلوب عكس ذلك ، فينبغي دعم السلع المحلية والإسلامية وتشجيعها لتحقيق القدرة على الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن السلع المستوردة التي يمكن الاستغناء عنها ، ولا سيما التي قد تتحول إلى سلاح ضدنا أيضا .
المقاطعة المدروسة:
• ما دور الفرد والأمة الإسلامية إزاء هذه الإساءات؟ وهل ترون أن المقاطعة الاقتصادية كافية لتوقف الدول الغربية هجماتها؟
- أما دور الفرد والأمة، فكبير ويسير على من يسره الله له؛ ويمكن إيجازه في ترسيخ الإسلام في النفوس عقيدة وشريعة، وتكثيف الدعوة إلى الله تعالى بنشر محاسن الإسلام، والتعريف بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعوته وسيرته العطرة، والمتابعة للجهود القائمة في ذلك من قبل المؤسسات والمنظمات الإسلامية، ودعمها، وبهذا يتحقق عكس ما يريد المجرمون، كما جرى عقب الإساءة السابقة، فقد اضطرت بعض الكنائس الغربية إلى عقد اجتماعات سرية وعاجلة، تم فيها نصح القساوسة ورجال الدين التابعين لها بعدم قراءة القرآن وكتب سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نما إلى علمها انتشار نسخ القرآن الكريم بين عدد من قساوستها وتداولهم لبعض تلك الكتب الإسلامية.
وأما بالنسبة للمقاطعة، فإنها إذا لم تكن شاملة فلن تكون كافية، وإذا لم تكن مدروسة فربما تكون في بعض الحالات أكثر ضررًا من نفعها، ولذلك وجدنا من يدعو لمقاطعة منتجات على أنها دانمركية مع أنها ليست كذلك.
وفي الحقيقة المقاطعة من الوسائل التي ينبغي أن تفعَّل بطريقة صحيحة؛ ولا يقال إن استعمالها محرج للدول؛ فنحن في عصر لا يُنكَر فيه أثر الأفراد والشعوب في المحافظة على مكوناتها الدينية والثقافية، وخاصة إذا ما كان متزنًا في الموقف، وموحَّدًا في المرجعية الشرعية، وحرًّا في الممارسة العملية والإعلامية.
فالقوانين الدولية لا تمنع الشعوب من اتخاذ حقَّها في إعلان المقاطعة الاقتصادية ضد من يسيء إليها، كما لا تتحمل الجهات الرسمية مسؤولية دولية بهذا الخصوص، كما أنَّ السوابق الدولية تؤكِّد حق الحكومات - وليس الشعوب فقط - في الحث على المقاطعة الاقتصادية، وتقنينها في حال الاعتداء عليها، وليس اعتداء أشدَّ على المسلمين من الاعتداء على الإسلام ونبي الإسلام.
ولا يَعلم معنى الاعتداء الذي ارتُكِب ضد نبينا - محمد صلى الله عليه وسلم - وخطورته في المجتمع الإسلامي -: إلا من عرف الإسلام على حقيقته، وعرف مكانة الإسلام والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لدى المسلمين مهما كان مستوى التزامهم الديني.
رفض الإساءة بقوانين متاحة:
• ما نصيحتكم لإخواننا المسلمين في الغرب في كيفية التعامل مع هذه الهجمات، وهل العنف حلٌ؟
- ينبغي لإخواننا المسلمين في الغرب أن يبتعدوا عن الخلافات، وأن يتواصلوا مع أمتهم بالعالم الإسلامي، وأن يتقيدوا بما تُقرره المرجعيات والقيادات الإسلامية المعتدلة في تلك البلاد، وأن يعبروا عن رفضهم لأية إساءة إلى نبيهم، من خلال جميع الوسائل المتاحة في ظل قوانين تلك الدول، مما ليس فيه مخالفة للشريعة الإسلامية.
نفاد القرآن من المكتبات:
• ما الآثار الاجتماعية المترتبة على هذه الفوضى والمساس بعقائد المسلمين على الغرب والمسلمين الذين يعيشون في هذه الدول المسيئة؟
أظن أن نتائجها العكسية أكثر، ولكن إنما يتحقق ذلك بقوة إذا استطاعت القيادات والمرجعيات الإسلامية في تلك البلاد ضبط الأمور في ظل وحدة الكلمة؛ فعقب الإساءة الماضية نفدت الكتب الإسلامية ولا سيما القرآن الكريم من أرفف عدد من المكتبات المتخصصة، وزاد الطلب عليها بشكل كبير في دور النشر والجهات الإسلامية الدعوية التي تعنى بالكتب والنشرات، كما تم رصد أعداد جديدة من المسلمين الجدد، وتم رصد ظواهر جيدة؛ منها وقوف عدد من الشخصيات الغربية وأبناء تلك المجتمعات مع المسلمين، وتبنيهم مشاريع إيجابية في مساندة المسلمين، ومن أواخر ما قرأته في ذلك ما وقع عقب الاعتداء الجديد من إنهاء عدد من الشخصيات الدانمركية لاشتراكاتهم في الصحف التي نشرت الرسوم، كما تم إنشاء موقع خاص للتضامن مع المسلمين، ولا يزال يجمع التوقيعات ضد ذلك العمل الإجرامي.
وبالنسبة للمسلمين: تم رصد الشعور بالانتماء للأمة، وانتقال طبقة من الذائبين في المجتمع إلى محافظين ومدافعين عن الإسلام ونبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم.
جهود مشكورة.. وملاحقة قانونية:
• ما الأسلحة الفعالة التي تساهم في كف أذى القوم عنا وعن إسلامنا وعن شخص رسولنا وعن كتاب ربنا؟ وكيف نبين للقوم صورة إسلامنا الحقيقية في ظل هذا التشويه المفتعل من بعض وسائل الإعلام الغربية؟
- الصبر المنضبط، والتقوى الحاملة على العمل الصحيح، {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120]، فالصبر يحافظ على توازن المواقف وتأمّل الحلول، والتقوى تحمل على العمل الجاد والمبادرات الإيجابية.
وقد وقع شيء من ذلك بحمد الله بُعَيد الإساءة الأولى؛ فوجدنا عملاً إيجابيًّا، تمثَّل في نشر التعريف بنبينا محمد - صلى الله عليه وآله سلم - عبر وسائل إعلامية مختلفة، بدءًا من الكتاب وانتهاء بمقاطع أصغر الأشياء، ومن ينظر بعين الإنصاف إلى جهود الإخوة في رابطة العالم الإسلامي، ومكاتب دعوة الجاليات والمؤسسات والمنظمات التي نشأت قبل الإساءة؛ كالمنظمة الدولية لنصرة خاتم الأنبياء، أو بعدها كبرنامج نبي الرحمة، وكمنظمة النصرة مثلاً، سيجد من الأمور ما يسر المؤمنين ويحزن المعتدين، وهي جهود منشورة ومعلنة في عدد من وسائل الإعلام المهتمة بالموضوع، وعلى المواقع الخاصة بهذه المؤسسات والمنظمات الرسمية.
ومن الجهود التي تعنى بالنواحي المستقبلية ما تقوم به هذه المؤسسات وغيرها من السعي في استصدار قانون أممي يجرِّم النيل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إضافة إلى الملاحقات القضائية المتكررة لكل من ظهرت منه إساءة معلنة تتطلب ذلك.
ويمكن أن نبين للقوم الصورة الحقيقية لديننا ولنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - من خلال دعم المشاريع القائمة لهذه المؤسسات التي أشرت إليها مثلاً، وتبني ما تسوِّقه من مشاريع جديدة تخدم الدعوة الإسلامية المضادة للإساءة في الحاضر والمستقبل، وتبقى ذخرًا لأصحابها في الآخرة، ضمن العلم الذي ينتفع به، والدعوة الصالحة لأصحابها.
الدانمرك تجمع بين نقيضي التدين والتطرف اللاديني
د. سعد بن مطر العتيبي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى