رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
عكفتُ منذ فترة أن أكتبَ موضوعًا بعنوان "أُمَّة واحدة رغمَ الأنوف"، كان أحد أهم أسبابه لقائي بأمِّ رؤوم من الجزائر الحبيب في باحة الحَرَم المدني، وكان المفترض أن يكون هذا هو نصَّ الموضوع: "في وجه النور المبتَسِم تسابقت نسماتُ الأصيل مع نفحات إيمانيَّة فريدة؛ لتكون شاهدًا ودليلاً على وَجَل القلْب في بلدٍ حَرَّم الله هدمَ آطامها، أو قطعَ شجرها، أو الْتقاط لُقطِها إلاَّ لمنشد.
دخلتُ بينما أتفقَّد حماماتِ الحمى، فكم استبشرتُ بها! ولكَم ترقبتُها في وجاهتها وبهائها! كالناسك الورع، وهي تتلمَّس من الطهر بأركانٍ مُقدَّسة، ما لم أستطعِ الوصولَ إليه، تجيء وتغدو آمنةً، فلا خوف عليها ها هنا فوق القِباب العالية.
أتراها تلتزم الأدب والنزاهة؟!
يَشجينا هديلُها عندَ الصباح الباكر، ويُضفي على الذاكرين أمنًا وبشاشةً في الصدور، هناك وفي باحة مسجد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى غير سابقِ موعد، ولا معرفة، الْتقيت بأمِّ رؤوم، يبدو من زيِّها الأبيض أنَّها ليست من أهلها؛ لذا فقد أخذتُ بيدها بعيدًا عن مواقف السيارات، وقد كادتْ أن تنزل الدرج.
أخذتْ تسألني، فلم أفهمْها إلاَّ بالإشارة، أقول لها: هذا ليس المكان الذي تطلبينه، هذه ليست دورات مياه - أعزَّكم الله -شعرتُ أنها لم تفهمني، أشرتُ إليها بيدي نحوَ اللافتة، وثمَّة فرق بين مواقف السيارات ودورات المياه، شعرتُ أنها لا تجيد القراءة.
حادثتُها بالإنجليزية، لم تفهم أيضًا!
قلت في نفسي: لا مفرَّ، إن لم تفهمني فسأوكلها لغيري، والله المستعان.
سألتُها: مِن أين أنت يا حاجة؟
فوجئتُ، نطقها بالعربية قائلةً لي: من الجزائر.
سُررتُ كثيرًا بردِّها عليَّ.
أهلاً ومرحبًا بأهل الجزائر، كم يُذكِّرونني بشموخ المرابطين، وإخلاص النُّسَّاك المجاهدين! ولا نُزكِّيهم على الله.
تَجاذبْنا أطراف الحديث، شعرتُ أنها تفهمني أكثر مما فهمتها.
سِرْنا نحوَ الهدف، كانت تحادثني وكأنها تذكَّرت شيئًا جميلاً حينما علمتْ موطن لهجتي.
ارتسمتْ على شفتيها ابتسامةٌ لم تفارقها، لكنَّها كانت تُخفي تحت طيِّها الكثيرَ، وكأنها كانت تُريد أن ترسل بتبسُّمها لي ألف سلام وسلام، لكنَّه سلام ليس لي وحدي.
وكأنَّما تخلَّل ذِراعي بذراعها، استدعَى عندها ذكرياتِ ماض حاولتْ أن تبدي لي به في جملة هزَّت أركاني، وأشعرتني بمعانٍ جديدة، لم أكن لأدركَها، لولا لقائي بها.
إنَّها جملةٌ واحدة قالتها، أشعرتني بأنَّ القرب ليس بالجِنس، ولا بالأوطان، ولا العِرق، ولا بتقارُب المادة، ولا الزمان فيما بيننا - كما نحن الآن - إنما القرب بالرُّوح والفِكر، ومِن قبله بشِعارٍ كلُّنا اتفقنا عليه، وانضوينا خاضعين تحت ظلِّه، فعِشْنا من أجله، وضحينا من أجله، ولا بدَّ أن نموت من أجله.
لقد قالت لي: يا بنتي، إنَّ ابني عندَكم تحت ثرى سيناء.
تعجبت لكلمتها!
سألتُها: وكيف؟ ولماذا – أمِّي - تحت ثرى سيناء؟
أخبرتني أنَّ الجيش المصري استنجدَ بالجيش الجزائري أيَّامَ عبدالناصر، فأرسل رئيس الجزائر حينها جيشًا لمصر، كان ابنُها واحدًا من أبطاله - ولعلَّها قصدتِ النكسة، ولعلها قصدت حرْب 73، وتشابه عليها.
سُبحان الله! ابنك إذًا لم تُودِّعيه قبل وفاته، وهو مدفون في سيناء الحبيبة!
اعتصر قلبي لها ألمًا، لكنَّه عن قوَّة تراخَى فرحًا، حين شعرتُ حقًّا أنَّنا رغمَ الأنوف أمَّة واحدة، وهزت الأركانَ تكبيراتُ مغرب عذب مِن أثير الحق والخير، في بلد النور، ومهجر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - واقتربتِ الإقامة، إقامة تَروُح وتغدو؛ لنروحَ ونغدوَ من مدينة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإليها رافعين نفس الشعار الذي زكَّى به نبيُّ الأمة أنصارَه من هذا المكان، قائلاً لهم: ((لولا الهجرةُ لكنتُ امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبَها، الأنصار شِعار، والناس دِثار)).
شعارًا لطالما عملوا من أجله، فبذلوا شقَّ دنياهم في سبيل المؤاخاة بينهم وبين المهاجرين.
شعارًا تحاكموا إليه، حتى صارَ عنوانًا لهم دون غيرهم، حتى دعا سيِّدُهم سعد بن معاذ على مواليه وحلفائه من اليهود بعد أن خانوا العهد: ((اللهمَّ لا تمتني حتى تقرَّ عيني من بني قُرَيظة))، فلمَّا حكَّمه النبي فيهم، وأَمَر بقتْل كلِّ مَن جرى عليه الموسى من رجال بني قُرَيظة، قال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حكمتَ بحُكم الله مِن فوق سبع سماوات)).
شعارًا جعلوه فصلاً في تعامُلهم مع الآخرين، حتى في أحرج المواقف بعدَ وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين شعروا بمسؤوليتهم تُجاهَ هذه الأمَّة في تولِّي أمرها، ولِمَ لا، وهم أهل المدينة وسكَّانها الأصليُّون، وهم أدري بشِعابها عن غيرهم؟!
فما أثناهم عن بعد رسول الله وعزوفهم عن ذلك إلاَّ ذاك الشِّعار، حين أتى إليهم أبو بكر - رضي الله عنه - فقال كلامًا كثيرًا صائبًا، يكثر ويصيب، يكثر ويصيب، ومنها قوله: إنَّ الله سمَّانا الصادقين، وسماكم المفلحين، وقد أمرَكم أن تكونوا معنا حيثما كنَّا؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
فتذكَّر الأنصار ذلك، وانقادتْ إليه، وبايعوا أبا بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه.
شعارًا وضعهم في مستوى آخرَ من مستويات الوزن النبوي، يرقى بهم، وينأى بهم عن كُهولة الماديَّة البائدة، حين قسم فَيْء حُنَين قائلاً لهم: ((ألاَ ترضَوْن أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسولِ الله إلى رِحالكم؟!))، فبَكَتِ الأنصار.
شعارًا نَسُوا من أجله تاريخًا ماضيًا طويلاً، مليئًا بالحروب والثأر، ذَابَ معه الأنفةُ والكِبر، ونتن الجاهلية الأولى؛ ليفتحوا صفحةً جديدة، بيضاءَ، ما فيها إلا حِبر هذا الشعار.
لكن هذا الحِبر لم يكن فقط على اللِّخاف والعُسُب؛ لذا فقد ظهر حِبرُه وسبره في أزماتهم، وامتدتْ سيرتُه تضيء لِمَن بعدَهم الطريق.
إلى هنا انتهى المقال المفترَض، والذي كتبتُه منذ أشهر؛ تأثُّرًا بتلك الجزائرية الحبيبة،
لكن بدَا لي اليوم أن أغيِّر قليلاً - على الأقل - في العنوان، فليس من الحريِّ بي أن أكتب كلامًا غير واقعيٍّ.
حيث يبدو أنَّ الوقت سرقني، ويا ليتني أرسلتُها مُذْ يوم كتبتُها، وقبل فوات مدة الصلاحية، بعدَما حَدَث بين شباب مصر وشباب الجزائر في ملاعب الصِّبيان، وما يُسمَّى بالرِّياضة وأحداثها.
وسؤالي حقًّا: إذا كانت هذه ثقافتي عن أهل الجزائر، ومعرفتي بمَن عاشرتهم منهم: أنَّ بهم من الإخلاص والقوَّة في الدِّين، وحُسْن الخُلق ما ليس في غيرهم - فمِن أين جاءتْ هذه الأفكار المستجدة؟! ومتى؟!
كنَّا من قبل نتهم الاستعمارَ بالشعارات الوافدة، والغزو الفكري...إلخ.
لكن اليوم هل ذهب بنا الأمر إلى أن ننتجَ مثل تلك الثقافات في بيتنا المسلِم، ونصنعها تلقائيًّا بأنفسنا؟!
هل ما يحدث ليس إلاَّ كمثل بركان كان خامدًا، ونتائج كانت منتظرة لمنظومة الغزوِّ الفِكري، فأصبحْنا منتجين، بعدَ أن كنَّا مستوردين؟!
حتى وصل بهم الأمرُ بتزوير التاريخ المشترك، وتحويل الحقائق الجميلة فيما بين الشعبَيْن عكسَ ذلك تمامًا؛ لنسمعَ كلَّ يوم مقالاتٍ محزنةً عن اتهامات فيما بين الاثنين وحوادث.
بل وأصبحنا نربِّي أبناءَ المدارس على ذلك النِّتاج الثقافي الجديد، وبطرق عملية يُتعجَّب لها!!
وهل من المنتظر تكوينُ منتجات أخرَى كمثل تلك العصبيات الجديدة، تكون على غِرارها؟!
لستُ أدري، هل يؤثِّر فينا الإعلامُ بهذه الدرجة؟ أم أنني بتفكيري آتية من الزمن الماضي، وأفكِّر بطريقة جَدَّتي، والتي لو كانت حيَّة لقالتْها لي بالحرف: هل تحوَّلت الجيوش العربية مِن مكانها على الجبهة إلى ملاعب الصِّبيان؟!
إن كان الأمر كذلك، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
وإن كانت نظرتي تشاؤمية، وأنَّ ما يحدُث هو سحابة صيف ليس إلا، ولعب أطفال، وسفهاء قوم، وأحداث ينبغي ألاَّ يُرعى لها سمعٌ، فإني أحمدُ الله - تعالى - وأدعو الله من قلْبي ألاَّ يجعل بأسَنا بيننا شديدًا.
ويا أسفى على الميلشيات الرياضيَّة المرابطة على الجبهتَين، والتي لم يشغلْها سرطان الاستيطان، ولا باحاتُ القدس المغتصَبة، ولم يكن همُّها سوى إثبات خيانة كِلاَ الشعبَين لبعضهما على مدى التاريخ، والمعايرة بالأصول والأنساب
كتبته :رحاب بنت محمد حسان.
القومية الرياضية من يصنعها ؟؟
رحاب بنت محمد حسان
دخلتُ بينما أتفقَّد حماماتِ الحمى، فكم استبشرتُ بها! ولكَم ترقبتُها في وجاهتها وبهائها! كالناسك الورع، وهي تتلمَّس من الطهر بأركانٍ مُقدَّسة، ما لم أستطعِ الوصولَ إليه، تجيء وتغدو آمنةً، فلا خوف عليها ها هنا فوق القِباب العالية.
أتراها تلتزم الأدب والنزاهة؟!
يَشجينا هديلُها عندَ الصباح الباكر، ويُضفي على الذاكرين أمنًا وبشاشةً في الصدور، هناك وفي باحة مسجد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى غير سابقِ موعد، ولا معرفة، الْتقيت بأمِّ رؤوم، يبدو من زيِّها الأبيض أنَّها ليست من أهلها؛ لذا فقد أخذتُ بيدها بعيدًا عن مواقف السيارات، وقد كادتْ أن تنزل الدرج.
أخذتْ تسألني، فلم أفهمْها إلاَّ بالإشارة، أقول لها: هذا ليس المكان الذي تطلبينه، هذه ليست دورات مياه - أعزَّكم الله -شعرتُ أنها لم تفهمني، أشرتُ إليها بيدي نحوَ اللافتة، وثمَّة فرق بين مواقف السيارات ودورات المياه، شعرتُ أنها لا تجيد القراءة.
حادثتُها بالإنجليزية، لم تفهم أيضًا!
قلت في نفسي: لا مفرَّ، إن لم تفهمني فسأوكلها لغيري، والله المستعان.
سألتُها: مِن أين أنت يا حاجة؟
فوجئتُ، نطقها بالعربية قائلةً لي: من الجزائر.
سُررتُ كثيرًا بردِّها عليَّ.
أهلاً ومرحبًا بأهل الجزائر، كم يُذكِّرونني بشموخ المرابطين، وإخلاص النُّسَّاك المجاهدين! ولا نُزكِّيهم على الله.
تَجاذبْنا أطراف الحديث، شعرتُ أنها تفهمني أكثر مما فهمتها.
سِرْنا نحوَ الهدف، كانت تحادثني وكأنها تذكَّرت شيئًا جميلاً حينما علمتْ موطن لهجتي.
ارتسمتْ على شفتيها ابتسامةٌ لم تفارقها، لكنَّها كانت تُخفي تحت طيِّها الكثيرَ، وكأنها كانت تُريد أن ترسل بتبسُّمها لي ألف سلام وسلام، لكنَّه سلام ليس لي وحدي.
وكأنَّما تخلَّل ذِراعي بذراعها، استدعَى عندها ذكرياتِ ماض حاولتْ أن تبدي لي به في جملة هزَّت أركاني، وأشعرتني بمعانٍ جديدة، لم أكن لأدركَها، لولا لقائي بها.
إنَّها جملةٌ واحدة قالتها، أشعرتني بأنَّ القرب ليس بالجِنس، ولا بالأوطان، ولا العِرق، ولا بتقارُب المادة، ولا الزمان فيما بيننا - كما نحن الآن - إنما القرب بالرُّوح والفِكر، ومِن قبله بشِعارٍ كلُّنا اتفقنا عليه، وانضوينا خاضعين تحت ظلِّه، فعِشْنا من أجله، وضحينا من أجله، ولا بدَّ أن نموت من أجله.
لقد قالت لي: يا بنتي، إنَّ ابني عندَكم تحت ثرى سيناء.
تعجبت لكلمتها!
سألتُها: وكيف؟ ولماذا – أمِّي - تحت ثرى سيناء؟
أخبرتني أنَّ الجيش المصري استنجدَ بالجيش الجزائري أيَّامَ عبدالناصر، فأرسل رئيس الجزائر حينها جيشًا لمصر، كان ابنُها واحدًا من أبطاله - ولعلَّها قصدتِ النكسة، ولعلها قصدت حرْب 73، وتشابه عليها.
سُبحان الله! ابنك إذًا لم تُودِّعيه قبل وفاته، وهو مدفون في سيناء الحبيبة!
اعتصر قلبي لها ألمًا، لكنَّه عن قوَّة تراخَى فرحًا، حين شعرتُ حقًّا أنَّنا رغمَ الأنوف أمَّة واحدة، وهزت الأركانَ تكبيراتُ مغرب عذب مِن أثير الحق والخير، في بلد النور، ومهجر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - واقتربتِ الإقامة، إقامة تَروُح وتغدو؛ لنروحَ ونغدوَ من مدينة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإليها رافعين نفس الشعار الذي زكَّى به نبيُّ الأمة أنصارَه من هذا المكان، قائلاً لهم: ((لولا الهجرةُ لكنتُ امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبَها، الأنصار شِعار، والناس دِثار)).
شعارًا لطالما عملوا من أجله، فبذلوا شقَّ دنياهم في سبيل المؤاخاة بينهم وبين المهاجرين.
شعارًا تحاكموا إليه، حتى صارَ عنوانًا لهم دون غيرهم، حتى دعا سيِّدُهم سعد بن معاذ على مواليه وحلفائه من اليهود بعد أن خانوا العهد: ((اللهمَّ لا تمتني حتى تقرَّ عيني من بني قُرَيظة))، فلمَّا حكَّمه النبي فيهم، وأَمَر بقتْل كلِّ مَن جرى عليه الموسى من رجال بني قُرَيظة، قال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حكمتَ بحُكم الله مِن فوق سبع سماوات)).
شعارًا جعلوه فصلاً في تعامُلهم مع الآخرين، حتى في أحرج المواقف بعدَ وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين شعروا بمسؤوليتهم تُجاهَ هذه الأمَّة في تولِّي أمرها، ولِمَ لا، وهم أهل المدينة وسكَّانها الأصليُّون، وهم أدري بشِعابها عن غيرهم؟!
فما أثناهم عن بعد رسول الله وعزوفهم عن ذلك إلاَّ ذاك الشِّعار، حين أتى إليهم أبو بكر - رضي الله عنه - فقال كلامًا كثيرًا صائبًا، يكثر ويصيب، يكثر ويصيب، ومنها قوله: إنَّ الله سمَّانا الصادقين، وسماكم المفلحين، وقد أمرَكم أن تكونوا معنا حيثما كنَّا؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
فتذكَّر الأنصار ذلك، وانقادتْ إليه، وبايعوا أبا بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه.
شعارًا وضعهم في مستوى آخرَ من مستويات الوزن النبوي، يرقى بهم، وينأى بهم عن كُهولة الماديَّة البائدة، حين قسم فَيْء حُنَين قائلاً لهم: ((ألاَ ترضَوْن أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسولِ الله إلى رِحالكم؟!))، فبَكَتِ الأنصار.
شعارًا نَسُوا من أجله تاريخًا ماضيًا طويلاً، مليئًا بالحروب والثأر، ذَابَ معه الأنفةُ والكِبر، ونتن الجاهلية الأولى؛ ليفتحوا صفحةً جديدة، بيضاءَ، ما فيها إلا حِبر هذا الشعار.
لكن هذا الحِبر لم يكن فقط على اللِّخاف والعُسُب؛ لذا فقد ظهر حِبرُه وسبره في أزماتهم، وامتدتْ سيرتُه تضيء لِمَن بعدَهم الطريق.
إلى هنا انتهى المقال المفترَض، والذي كتبتُه منذ أشهر؛ تأثُّرًا بتلك الجزائرية الحبيبة،
لكن بدَا لي اليوم أن أغيِّر قليلاً - على الأقل - في العنوان، فليس من الحريِّ بي أن أكتب كلامًا غير واقعيٍّ.
حيث يبدو أنَّ الوقت سرقني، ويا ليتني أرسلتُها مُذْ يوم كتبتُها، وقبل فوات مدة الصلاحية، بعدَما حَدَث بين شباب مصر وشباب الجزائر في ملاعب الصِّبيان، وما يُسمَّى بالرِّياضة وأحداثها.
وسؤالي حقًّا: إذا كانت هذه ثقافتي عن أهل الجزائر، ومعرفتي بمَن عاشرتهم منهم: أنَّ بهم من الإخلاص والقوَّة في الدِّين، وحُسْن الخُلق ما ليس في غيرهم - فمِن أين جاءتْ هذه الأفكار المستجدة؟! ومتى؟!
كنَّا من قبل نتهم الاستعمارَ بالشعارات الوافدة، والغزو الفكري...إلخ.
لكن اليوم هل ذهب بنا الأمر إلى أن ننتجَ مثل تلك الثقافات في بيتنا المسلِم، ونصنعها تلقائيًّا بأنفسنا؟!
هل ما يحدث ليس إلاَّ كمثل بركان كان خامدًا، ونتائج كانت منتظرة لمنظومة الغزوِّ الفِكري، فأصبحْنا منتجين، بعدَ أن كنَّا مستوردين؟!
حتى وصل بهم الأمرُ بتزوير التاريخ المشترك، وتحويل الحقائق الجميلة فيما بين الشعبَيْن عكسَ ذلك تمامًا؛ لنسمعَ كلَّ يوم مقالاتٍ محزنةً عن اتهامات فيما بين الاثنين وحوادث.
بل وأصبحنا نربِّي أبناءَ المدارس على ذلك النِّتاج الثقافي الجديد، وبطرق عملية يُتعجَّب لها!!
وهل من المنتظر تكوينُ منتجات أخرَى كمثل تلك العصبيات الجديدة، تكون على غِرارها؟!
لستُ أدري، هل يؤثِّر فينا الإعلامُ بهذه الدرجة؟ أم أنني بتفكيري آتية من الزمن الماضي، وأفكِّر بطريقة جَدَّتي، والتي لو كانت حيَّة لقالتْها لي بالحرف: هل تحوَّلت الجيوش العربية مِن مكانها على الجبهة إلى ملاعب الصِّبيان؟!
إن كان الأمر كذلك، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
وإن كانت نظرتي تشاؤمية، وأنَّ ما يحدُث هو سحابة صيف ليس إلا، ولعب أطفال، وسفهاء قوم، وأحداث ينبغي ألاَّ يُرعى لها سمعٌ، فإني أحمدُ الله - تعالى - وأدعو الله من قلْبي ألاَّ يجعل بأسَنا بيننا شديدًا.
ويا أسفى على الميلشيات الرياضيَّة المرابطة على الجبهتَين، والتي لم يشغلْها سرطان الاستيطان، ولا باحاتُ القدس المغتصَبة، ولم يكن همُّها سوى إثبات خيانة كِلاَ الشعبَين لبعضهما على مدى التاريخ، والمعايرة بالأصول والأنساب
كتبته :رحاب بنت محمد حسان.
القومية الرياضية من يصنعها ؟؟
رحاب بنت محمد حسان
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى