خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في يومٍ أشرقت فيه شمس الإسلام والسلام ، واستنار الكون بنور الهُدى .
حين نزل جبريل بالوحي مِن الله جل جلاله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ليُعلِن انتهاء ليل الجاهلية وعبادات باطلة ، وليتجّه الناسُ لعبادة ربِّ السماوات والأرض .
أشرقت الشمس ، ومعها بدأ الكَدّ والعمل ؛ ومعها بدأ نصبٌ يلاقيه المسلمون في سبيل الله ..
فيشتدّ الإيذاء ، وتُعلَن الحرب النفسية والجسدية على المسلمين في مكة
فكان الرؤوف الرحيم عليه الصلاة والسلام يمرّ بقومه فلا يملِك إلا أن يصبّرهم ويعدهم بالجنات ..
فكان أصحابه يصبرون ويستبشرون ويرجون مِن الله ما لا يرجو أهل الكُفر .
فلما بلغ الأمر ذروته ، وبدأ المسلمون يرجُون النصر والعلوّ ، أتاهم الإذن بالهجرة إلى المدينة ، بعد أن هاجروا هجرةً أولى إلى الحبشة ..
ومع الهِجرة بدأت تباشير الفَرَج تلوح في أُفق كل مَن وحّد ربّه ، وأعلنها مدويّة أن لا إله إلا الله ، فتبدأ وفود المسلمين بالتسابق والفِرار بالدِّين مِن قومهم وأرحامهم وذويهم !
ويبقى عليه الصلاة والسلام في مكة ، لم يرحل ، ولم يبرحْ أرضَ قومه الذين نالوا منه ومِن أصحابه ، وينتظِر إذنًا خاصًا له مِن الله ليهاجِرَ ويلقى أصحابه في أرض النخيل أرض يثرب .
ويبقى معه صاحبه وحبيبه أبو بكر – رضي الله عنه – الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام [ ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر ، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة ، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن صاحبكم خليل الله ] قال الترمذي : حديث حسن غريب .
فينتظِر عليه الصلاة والسلام ، ثم يأتيه الإذن ، فيخرج إلى صاحبه ويخبره الخبر فبكى – رضي الله عنه – مِن الفرَح ، لم يبكِ لأنه سيخرج فارًّا بدينه ، بل بكى فرِحًا بالصُحبة التي سيصحبها ..
فهو رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في سفره ، فحُقَّ له أن تدمعَ عيناه استبشارًا بهذه الرِفقة في السفر .
لن أتحدّث عن مواقِف أبي بكر – رضي الله عنه – في هذه الرحلة المباركة ..
ولكن سأفتح صفحةً مِن كتاب أخلاقه عليه الصلاة والسلام ، لنعيش معًا ذلك الموقف اللطيف مع أبي بكر .
خرج الاثنان مهاجران إلى المدينة ، حيث سبقهما المسلمون هناك ..
خرجا هربًا وعيونهم ترقب ، وقلبيهما يسألان الله النجاة ، لأنّ محمدًا عليه الصلاة والسلام متوعَّدٌ بالقتل مِن بني قومه .
فيجدان ذلك الغار المهجور ليختبئا فيه ، فيدخلان إليه لعلّهما يأمنا على روحيهما مِن البطش والفتك ..
لكن سرعان ما تتحرك عيون قريش وأرجلهم ليلحقوا بهما فيقفون على فتحة الغار ، فيرتعِد أبو بكر ويخاف أن ينظروا محل أقدامهم فيرونهم فيقتلون صاحبه وتنتهي الدعوة ، فتتحرك شفتاه بهمس مع خوف فيقول : " يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه " .
فيأتيه ذلك التطمين مِن الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتأتيه كلمات مِن حبيبه عليه الصلاة والسلام ليهدأ روعه وتطمئن نفسه ويرتاح فؤاده ، فيقول عليه الصلاة والسلام " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " (رواه مسلم) .
يالله مِما فعله عليه الصلاة والسلام ، وكيف استطاع بجملته أن يسحب كل خوف سكن في نفس أبي بكر – رضي الله عنه - .
لم ينهره عليه الصلاة والسلام ، ولم يسخر به ، ولم يقلل مِن حجم خوفه ..
بل طمأنه وسكّن فؤاده وأراح قلبه بكلماتٍ يسيرات ، جعلت أبا بكر يرتاح ويهدأ روعه .
فمَن يأتيني بمثل أخلاقه عليه الصلاة والسلام ، ويفعل فِعله ؟
فالإنسان في حل الكَرب والشِدّة ، وفي حال الفزَع مما في المستقبل ، يحتاج لمثل هذا الدَفْع وهذا الثبات .
يحتاج مَن يقول له معنى جملة : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ، لتستكين نفس الحزين ويطمئنّ قلبه ، وليشعُر أنَّ هُناك مَن يشعرُ به ويعلم به ويقدّر مشاعره ويعلم ما تختلجه نفسه مِن آلام .
إنّ شعور المكلوم بمثل هذا القُرب وهذا الفَهم يخفف عنه لواعِج حُزنه ، وتفطّرَ كبده مِن حزنه ، ويجعله يجِد صدرًا حانيًا يحتويه ، وقلبًا عطوفًا يسمع له .
أمّا احتقار المشاعِر ، أو وصف صاحبها بصفة المبالغة في المشاعر ! أو تهميش دواخله ، كلُّ هذا مما يزيد الحُزنَ حُزنًا
وقد قيل :
ولا بُدَّ مِن شكوى لذي مروءةٍ = يواسيكَ أو يسلّيكَ أو يتوجّعُ
****
صلّى عليك الله يا علمَ الهُـــدى = واستبشرت بقدومكَ الأيامُ
هتفت لك الأرواحُ مِن أشواقِها = وازّينت بحديثـــــــكَ الأقلامُ
كم كان يواسي ، كم كان يؤازِر، كم كان يساعِد ..
فيتألم لألم المتألِّم ، ويشعر بشعور الضعيف ، فيجري في عروقه شعور غيره ولو لم ينطِق ذلك الإنسان .
فهذا أبو هريرة يخبرنا بموقف عجيب ، فلنستمع ما يقوله أبو هريرة – رضي الله عنه – حيث يقول :
" والله ; إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ; ولقد قعدت على طريقهم ، فمر بي أبو بكر ، فسألته عن آية في كتاب الله - ما أسأله إلا ليستتبعني - فمَرَّ ، ولم يفعل ، فمَرِّ عمر ، فكذلك ، حتى مر بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فعرف ما في وجهي من الجوع " . (مِن كتاب سير أعلام النبلاء) .
اللهم صلِّ وسلم على نبيك وزد يا ربُّ ..
يقول : " عرف ما في وجهي من الجوع " ، فأيّ سموّ في الأخلاق وأيّ مشاعرٍ أوتيها عليه الصلاة والسلام ؟؟
لم يقف مع المصرّح المحتاج ، بل تعدّى عليه الصلاة والسلام حتى إلى المحتاج الصامت ! فيقرأ معالِم وجهه ويعرِف حاجته .
فكم بيننا اليوم مَن يقول بقلبه :
ليــــلٌ طـــــويلٌ وضوءُ البدرِ مبــــتورُ = والحُزنُ في صفحـــةِ الوجدانِ مسطورُ
كم قائلٍ حين يلقاني ، وفي شفتيْ = طيفُ ابتسامٍ ، وفي وجهي تباشيرُ
هذا السعيدُ، فما في عيشه نكـــــدٌ = هذا الذي صـــدْرُهُ بالبِــــشرِ معمــــورُ
هذا الذي شبعـــــتْ أعماقُــهُ فَـــــرَحًا = فنفسُهُ عــــــــذبةٌ والقــــلبُ مسرورُ
يقـــــولها، ما درى عــمَّا أُكـــــــابدُهُ = من الهـــــــمومِ، فمطويٌّ ومنشــــورُ !
يقـــولها، ما درى أني عــلى كَــمدي = أطوي فــــــؤادي، وأنِّ الحُزنَ مطمورُ !
فنجده يكابِد ، ويعاني ، ويموت كمدًا وما درى عنه أقرب قريب !
ولربما صرّح بمعاناته ، فلا يجِد إلا تقليلاً مِن شأن حُزنه أو قد يُلام ويُقرَع على صِدق مشاعره !
بينما عليه الصلاة والسلام كان يحتوي الجميع ويسمع مِن الجميع ويحس بإحساس الجميع .
للأسف أننا نفتقِد أذنًا وقلبًا وعينًا مثل ما كان عليه ، عليه الصلاة والسلام ، ولا يوجَد هذا الخُلق إلا في نوادِر الناس ! ، ويكاد لا يكون علانيةً يُرى في الناس ، لقلّته ونُدرته .
فنشأ عن هذا النقص ، أناسٌ أصابهم الضغط النفسي ، فكتموا وكَبتوا ودفنوا أحزانهم في دواخلهم فأصبح لهم نفسيات مضطربة ، وطاقات مكبوتة تُخرِج أنفاسًا ملتهبة مع أدنى موقف ! فنرى مَن صفته (العصبية) الزائدة عن الحد وغير المعقولة ، ولا يوجَد في بيتهم مثله ، ولو فتّشنا في داخله لرأينا حُزنًا عميقًا يكتمه لم يجِد له (ذا مروءةٍ) ليسمَع منه .
ونرى مَن جفّت منابِع نشاطه ، أو قلّت خُلطته ، وما ذاك إلا لحُزنٍ يكتمه .
ومِن الناس مَن لا يجِد في نفسه رادِع الخوف مِن الله، فيتجّه لعلاقات محرّمة يفضفض مِن خلالها معاركه الداخلية ، وكم مِن فتيات حين سُئلنَ لماذا وقعتنَّ في هذا الحرام ؟ قلنَ : نبحث عن عاطفةٍ وقلبٍ يسمعنا !
فلنمضِ معًا نحو قلوب الناس ولتحتوي قلوبُنا قلوبَهم ، ولنسمع ونستمع ، ولنشارِك ، فإنّ القلب السامِع يبرّد حرّة الحُزن حتى يأتي الله بالفرَج .
مَنْ لِيَ بقلبٍ وأُذُنٍ وعَيْن ؟!
كتبته : فجر الأمل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في يومٍ أشرقت فيه شمس الإسلام والسلام ، واستنار الكون بنور الهُدى .
حين نزل جبريل بالوحي مِن الله جل جلاله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ليُعلِن انتهاء ليل الجاهلية وعبادات باطلة ، وليتجّه الناسُ لعبادة ربِّ السماوات والأرض .
أشرقت الشمس ، ومعها بدأ الكَدّ والعمل ؛ ومعها بدأ نصبٌ يلاقيه المسلمون في سبيل الله ..
فيشتدّ الإيذاء ، وتُعلَن الحرب النفسية والجسدية على المسلمين في مكة
فكان الرؤوف الرحيم عليه الصلاة والسلام يمرّ بقومه فلا يملِك إلا أن يصبّرهم ويعدهم بالجنات ..
فكان أصحابه يصبرون ويستبشرون ويرجون مِن الله ما لا يرجو أهل الكُفر .
فلما بلغ الأمر ذروته ، وبدأ المسلمون يرجُون النصر والعلوّ ، أتاهم الإذن بالهجرة إلى المدينة ، بعد أن هاجروا هجرةً أولى إلى الحبشة ..
ومع الهِجرة بدأت تباشير الفَرَج تلوح في أُفق كل مَن وحّد ربّه ، وأعلنها مدويّة أن لا إله إلا الله ، فتبدأ وفود المسلمين بالتسابق والفِرار بالدِّين مِن قومهم وأرحامهم وذويهم !
ويبقى عليه الصلاة والسلام في مكة ، لم يرحل ، ولم يبرحْ أرضَ قومه الذين نالوا منه ومِن أصحابه ، وينتظِر إذنًا خاصًا له مِن الله ليهاجِرَ ويلقى أصحابه في أرض النخيل أرض يثرب .
ويبقى معه صاحبه وحبيبه أبو بكر – رضي الله عنه – الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام [ ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر ، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة ، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن صاحبكم خليل الله ] قال الترمذي : حديث حسن غريب .
فينتظِر عليه الصلاة والسلام ، ثم يأتيه الإذن ، فيخرج إلى صاحبه ويخبره الخبر فبكى – رضي الله عنه – مِن الفرَح ، لم يبكِ لأنه سيخرج فارًّا بدينه ، بل بكى فرِحًا بالصُحبة التي سيصحبها ..
فهو رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في سفره ، فحُقَّ له أن تدمعَ عيناه استبشارًا بهذه الرِفقة في السفر .
لن أتحدّث عن مواقِف أبي بكر – رضي الله عنه – في هذه الرحلة المباركة ..
ولكن سأفتح صفحةً مِن كتاب أخلاقه عليه الصلاة والسلام ، لنعيش معًا ذلك الموقف اللطيف مع أبي بكر .
خرج الاثنان مهاجران إلى المدينة ، حيث سبقهما المسلمون هناك ..
خرجا هربًا وعيونهم ترقب ، وقلبيهما يسألان الله النجاة ، لأنّ محمدًا عليه الصلاة والسلام متوعَّدٌ بالقتل مِن بني قومه .
فيجدان ذلك الغار المهجور ليختبئا فيه ، فيدخلان إليه لعلّهما يأمنا على روحيهما مِن البطش والفتك ..
لكن سرعان ما تتحرك عيون قريش وأرجلهم ليلحقوا بهما فيقفون على فتحة الغار ، فيرتعِد أبو بكر ويخاف أن ينظروا محل أقدامهم فيرونهم فيقتلون صاحبه وتنتهي الدعوة ، فتتحرك شفتاه بهمس مع خوف فيقول : " يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه " .
فيأتيه ذلك التطمين مِن الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتأتيه كلمات مِن حبيبه عليه الصلاة والسلام ليهدأ روعه وتطمئن نفسه ويرتاح فؤاده ، فيقول عليه الصلاة والسلام " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " (رواه مسلم) .
يالله مِما فعله عليه الصلاة والسلام ، وكيف استطاع بجملته أن يسحب كل خوف سكن في نفس أبي بكر – رضي الله عنه - .
لم ينهره عليه الصلاة والسلام ، ولم يسخر به ، ولم يقلل مِن حجم خوفه ..
بل طمأنه وسكّن فؤاده وأراح قلبه بكلماتٍ يسيرات ، جعلت أبا بكر يرتاح ويهدأ روعه .
فمَن يأتيني بمثل أخلاقه عليه الصلاة والسلام ، ويفعل فِعله ؟
فالإنسان في حل الكَرب والشِدّة ، وفي حال الفزَع مما في المستقبل ، يحتاج لمثل هذا الدَفْع وهذا الثبات .
يحتاج مَن يقول له معنى جملة : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ، لتستكين نفس الحزين ويطمئنّ قلبه ، وليشعُر أنَّ هُناك مَن يشعرُ به ويعلم به ويقدّر مشاعره ويعلم ما تختلجه نفسه مِن آلام .
إنّ شعور المكلوم بمثل هذا القُرب وهذا الفَهم يخفف عنه لواعِج حُزنه ، وتفطّرَ كبده مِن حزنه ، ويجعله يجِد صدرًا حانيًا يحتويه ، وقلبًا عطوفًا يسمع له .
أمّا احتقار المشاعِر ، أو وصف صاحبها بصفة المبالغة في المشاعر ! أو تهميش دواخله ، كلُّ هذا مما يزيد الحُزنَ حُزنًا
وقد قيل :
ولا بُدَّ مِن شكوى لذي مروءةٍ = يواسيكَ أو يسلّيكَ أو يتوجّعُ
****
صلّى عليك الله يا علمَ الهُـــدى = واستبشرت بقدومكَ الأيامُ
هتفت لك الأرواحُ مِن أشواقِها = وازّينت بحديثـــــــكَ الأقلامُ
كم كان يواسي ، كم كان يؤازِر، كم كان يساعِد ..
فيتألم لألم المتألِّم ، ويشعر بشعور الضعيف ، فيجري في عروقه شعور غيره ولو لم ينطِق ذلك الإنسان .
فهذا أبو هريرة يخبرنا بموقف عجيب ، فلنستمع ما يقوله أبو هريرة – رضي الله عنه – حيث يقول :
" والله ; إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ; ولقد قعدت على طريقهم ، فمر بي أبو بكر ، فسألته عن آية في كتاب الله - ما أسأله إلا ليستتبعني - فمَرَّ ، ولم يفعل ، فمَرِّ عمر ، فكذلك ، حتى مر بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فعرف ما في وجهي من الجوع " . (مِن كتاب سير أعلام النبلاء) .
اللهم صلِّ وسلم على نبيك وزد يا ربُّ ..
يقول : " عرف ما في وجهي من الجوع " ، فأيّ سموّ في الأخلاق وأيّ مشاعرٍ أوتيها عليه الصلاة والسلام ؟؟
لم يقف مع المصرّح المحتاج ، بل تعدّى عليه الصلاة والسلام حتى إلى المحتاج الصامت ! فيقرأ معالِم وجهه ويعرِف حاجته .
فكم بيننا اليوم مَن يقول بقلبه :
ليــــلٌ طـــــويلٌ وضوءُ البدرِ مبــــتورُ = والحُزنُ في صفحـــةِ الوجدانِ مسطورُ
كم قائلٍ حين يلقاني ، وفي شفتيْ = طيفُ ابتسامٍ ، وفي وجهي تباشيرُ
هذا السعيدُ، فما في عيشه نكـــــدٌ = هذا الذي صـــدْرُهُ بالبِــــشرِ معمــــورُ
هذا الذي شبعـــــتْ أعماقُــهُ فَـــــرَحًا = فنفسُهُ عــــــــذبةٌ والقــــلبُ مسرورُ
يقـــــولها، ما درى عــمَّا أُكـــــــابدُهُ = من الهـــــــمومِ، فمطويٌّ ومنشــــورُ !
يقـــولها، ما درى أني عــلى كَــمدي = أطوي فــــــؤادي، وأنِّ الحُزنَ مطمورُ !
فنجده يكابِد ، ويعاني ، ويموت كمدًا وما درى عنه أقرب قريب !
ولربما صرّح بمعاناته ، فلا يجِد إلا تقليلاً مِن شأن حُزنه أو قد يُلام ويُقرَع على صِدق مشاعره !
بينما عليه الصلاة والسلام كان يحتوي الجميع ويسمع مِن الجميع ويحس بإحساس الجميع .
للأسف أننا نفتقِد أذنًا وقلبًا وعينًا مثل ما كان عليه ، عليه الصلاة والسلام ، ولا يوجَد هذا الخُلق إلا في نوادِر الناس ! ، ويكاد لا يكون علانيةً يُرى في الناس ، لقلّته ونُدرته .
فنشأ عن هذا النقص ، أناسٌ أصابهم الضغط النفسي ، فكتموا وكَبتوا ودفنوا أحزانهم في دواخلهم فأصبح لهم نفسيات مضطربة ، وطاقات مكبوتة تُخرِج أنفاسًا ملتهبة مع أدنى موقف ! فنرى مَن صفته (العصبية) الزائدة عن الحد وغير المعقولة ، ولا يوجَد في بيتهم مثله ، ولو فتّشنا في داخله لرأينا حُزنًا عميقًا يكتمه لم يجِد له (ذا مروءةٍ) ليسمَع منه .
ونرى مَن جفّت منابِع نشاطه ، أو قلّت خُلطته ، وما ذاك إلا لحُزنٍ يكتمه .
ومِن الناس مَن لا يجِد في نفسه رادِع الخوف مِن الله، فيتجّه لعلاقات محرّمة يفضفض مِن خلالها معاركه الداخلية ، وكم مِن فتيات حين سُئلنَ لماذا وقعتنَّ في هذا الحرام ؟ قلنَ : نبحث عن عاطفةٍ وقلبٍ يسمعنا !
فلنمضِ معًا نحو قلوب الناس ولتحتوي قلوبُنا قلوبَهم ، ولنسمع ونستمع ، ولنشارِك ، فإنّ القلب السامِع يبرّد حرّة الحُزن حتى يأتي الله بالفرَج .
مَنْ لِيَ بقلبٍ وأُذُنٍ وعَيْن ؟!
كتبته : فجر الأمل
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى