خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
“لقاء الإخوان جلاء الأحزان”.. لطالما آمنت بهذه المقولة وعشتها.. فكيف إن كان هؤلاء الإخوان هم ثلّة من خيرة مَن عرفت من النساء وأطيبهنّ..
كانت قد تثاقلت عليّ بعض الهموم في الآونة الأخيرة ابتداءًا بغزّة وانتهاءًا بتناقض البشر وازدواجيّتهم بين الإلتزام بالإسلام قولاً وبُعدهم عنه تطبيقاً وما ينتج عنه من آثار سلبيّة عليهم بالدرجة الأولى ثم على المحيطين بهم.. وكان أن أتت بعض الأخوات من سفرهنّ لقضاء إجازة العيد مع الأهل فما كان مني إلا أن اتفقت معهنّ على لقاء طويل يعقبه قيام وذكرٌ للرحمن جلّ وعلا.. من باب واشدد عضدك بأخيك..
وفي اليوم الموعود هاتفت إحداهنّ وأكّدت لها الموعد وأنّي سأخرج من البيت بعد ساعتين.. وهكذا حصل.. خرجت من البيت ولكن ليس إلى اللقاء في بيروت وإنّما إلى الطوارئ في المستشفى.. فقد قدَّر الله جل وعلا أن أتعرّض لحادث بسيط شعرت بعده أن يدي اليسرى قد تهشّمت وأنّ ظهري قد انكسر! بكيت من شدّة الألم الذي استمر حتى أعطوني في المستشفى العلاج اللازم.. وبعد تصوير الأشعّة والمعاينة تم إخلاء سبيلي إلى البيت بيدٍ ملفوفة وقائمة من الأدوية والدهون..
وحين وعيت من الحادث استسلمتُ للتفكير.. سبحان الله جلّ في علاه هذه مشيئته وهذا ما أراد.. له الأمر ولنا الرضا والشكر والصبر.. ما حدث لا شك أنه الخير لي فلربما أراد جل وعلا أن يكفِّر عني سيئاتٍ تراكمت.. أو أن يرفع درجاتٍ في جنانه وهو الأمل.. أو أن يخفِّف عني مُصاباً قد يكون أقوى فنجّاني من الأسوأ بفضله وكرمه.. وبعيداً عن هذا وذاك هي علامة أنّه يحبني جل وعلا لأنّه إذا أحبّ عبداً ابتلاه.. ابتسمت للفكرة الأخيرة وأدمعت عيناي من البشرى..
قدرٌ غريب.. تكون متّجهاً إلى هدفٍ وفي لحظةٍ واحدة تنحرف عن اتّجاهك للمكان الذي يريده الله جل وعلا لك.. ويبقى أن نتيقّن أن الخيرة فيما اختاره الله جل وعلا.. وأن لا نتكدّر أبداً حتى لو كنا نتمنى أمراً آخر..
وتفكّرت للحظة.. ماذا لو كان المآل بدل المستشفى إلى القبر؟ ألم يكن هذا وارداً.. بالطبع نعم ففي كل وقت على المرء أن يتحضّر لانتهاء حياته وأن يعمل للقاء ربّه جل وعلا.. غصصتُ بريقي.. فلم أتمم مراسم التوبة كاملة بعد ولم أتزيّن لهذا اللقاء وما زال التسويف في بعض الأمور يأخذ بعضاً مني فهلاّ انتهيت!!
منذ يومين وأنا طريحة الفراش ولا زالت تنكشف عندي بعض الآلام كان آخرها في الظهر فلم أعد قادرة على تحريكه إلا ويتبع الحراك صرخة لا أستطيع كتمانها! أما يدي اليسرى فهي عاطلة عن العمل منذ الحادث وأحمد الله جل وعلا أنها لم تكن اليمنى..
لطالما كانوا يردّدون لنا أنّ الحواس التي رزقنا إياها الله جل وعلا هي من أكبر النِّعَم التي اعتدنا عليها فلم نعد نقدِّرها حق التقدير.. أذكر أني حين كنتُ صغيرة كنت أغمض أحياناً عيوني لأشعر مع الأعمى ولكنني سرعان ما كنت أفتحهما وأحمد ربي على البصر فما أصعب العيش دون ضوء.. ولو أن عمى البصيرة أتعس من عمى البصر! وكذا مع باقي الحواس فكانت القصة لا تتعدّى التفكر في إمكانية فقدها وشكر ربي عليها.. ولكنها كانت موجودة فلم يكن الأمر حقيقياً بالكليّة ولذلك حتى في تلك اللحظات لم أكن أعي تماماً معنى الفقد..
أما اليوم فالأمر مختلف.. لأن المرء لا يدرك حقيقةً النعمة حتى يفقدها فعلياً ولو لمدة قصيرة.. ومع أنني أعلم أنني سأستعيد هذه النعمة إلا أنني أتحسس كل لحظة فقداني – المؤقت – لها.. فلا أستطيع حمل أي شيء يستدعي وجود يدين اثنتين.. ولا عمل أي شيءٍ في البيت.. ولا لبس ثيابي بدون مساعدة.. ولا أستطيع الوضوء بشكل طبيعي ولا السجود على الأرض بكلتَي يدي.. ولا طباعة الكلمات على الكيبورد بسهولة كما تعوّدت.. وعملي كله على هذا الجهاز الصديق..
“وفي أنفسكم أفلا تبصرون” نقرأها فنذهب بتفكيرنا إلى خلق الإنسان من نطفة وإلى هذا الجسم المعقّد وأقوال العلماء حول الخلايا والأنسجة وعمل الأعضاء وكل ما لا نعلمه إلا من خلال الاكتشافات العلمية والمَخبرية ولا نراه أصلا بالعين المجرّدة.. ولكننا ربما لا ننظر إلى هذه اليد التي أنعم الله جل وعلا علينا بها وهي ماثلة أمامنا من دون مجهر ومن دون حاجة للدخول في التعقيدات العلمية التي تكشف النقاب عن قدرة الله جل وعلا وحكمته.. “وإنْ تعدُّوا نعمةَ اللهِ لا تحصوها”!
سبحان الله ما أعظم هذا الإنسان وما أضعفه! عظيمٌ بتكوينه وبصِلَته بربه جل وعلا.. وضعيفٌ إذ أيّ حادث مهما كان بسيطاً قد يُقعده عن الحركة والإنتاج ولكن إن تفكّر بعمق فإنّه يقرِّبه من ربّه جل وعلا أكثر لأنه يشعر بحاجته لهذا الرب الكبير.. فيخضع له القلب ويسكن ويشعر الإنسان بالأمن والراحة والرضا في معية الله جل وعلا..
أحمد الله جل وعلا أن أبقى لي يداً أتمتع بها حتى زوال العارض الذي عطّل لي يدي الأُخرى.. وأحمده أن هداني للحمد والصبر.. وأنّه أمدّ لي بعمري لأعبده وأشكره على نِعمه الكثيرة.. وأدعوه أن يحشرني في زمرة الحامدين يوم العرض..
“حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”
قبري.. ويدي!
أ.سحر المصري
كانت قد تثاقلت عليّ بعض الهموم في الآونة الأخيرة ابتداءًا بغزّة وانتهاءًا بتناقض البشر وازدواجيّتهم بين الإلتزام بالإسلام قولاً وبُعدهم عنه تطبيقاً وما ينتج عنه من آثار سلبيّة عليهم بالدرجة الأولى ثم على المحيطين بهم.. وكان أن أتت بعض الأخوات من سفرهنّ لقضاء إجازة العيد مع الأهل فما كان مني إلا أن اتفقت معهنّ على لقاء طويل يعقبه قيام وذكرٌ للرحمن جلّ وعلا.. من باب واشدد عضدك بأخيك..
وفي اليوم الموعود هاتفت إحداهنّ وأكّدت لها الموعد وأنّي سأخرج من البيت بعد ساعتين.. وهكذا حصل.. خرجت من البيت ولكن ليس إلى اللقاء في بيروت وإنّما إلى الطوارئ في المستشفى.. فقد قدَّر الله جل وعلا أن أتعرّض لحادث بسيط شعرت بعده أن يدي اليسرى قد تهشّمت وأنّ ظهري قد انكسر! بكيت من شدّة الألم الذي استمر حتى أعطوني في المستشفى العلاج اللازم.. وبعد تصوير الأشعّة والمعاينة تم إخلاء سبيلي إلى البيت بيدٍ ملفوفة وقائمة من الأدوية والدهون..
وحين وعيت من الحادث استسلمتُ للتفكير.. سبحان الله جلّ في علاه هذه مشيئته وهذا ما أراد.. له الأمر ولنا الرضا والشكر والصبر.. ما حدث لا شك أنه الخير لي فلربما أراد جل وعلا أن يكفِّر عني سيئاتٍ تراكمت.. أو أن يرفع درجاتٍ في جنانه وهو الأمل.. أو أن يخفِّف عني مُصاباً قد يكون أقوى فنجّاني من الأسوأ بفضله وكرمه.. وبعيداً عن هذا وذاك هي علامة أنّه يحبني جل وعلا لأنّه إذا أحبّ عبداً ابتلاه.. ابتسمت للفكرة الأخيرة وأدمعت عيناي من البشرى..
قدرٌ غريب.. تكون متّجهاً إلى هدفٍ وفي لحظةٍ واحدة تنحرف عن اتّجاهك للمكان الذي يريده الله جل وعلا لك.. ويبقى أن نتيقّن أن الخيرة فيما اختاره الله جل وعلا.. وأن لا نتكدّر أبداً حتى لو كنا نتمنى أمراً آخر..
وتفكّرت للحظة.. ماذا لو كان المآل بدل المستشفى إلى القبر؟ ألم يكن هذا وارداً.. بالطبع نعم ففي كل وقت على المرء أن يتحضّر لانتهاء حياته وأن يعمل للقاء ربّه جل وعلا.. غصصتُ بريقي.. فلم أتمم مراسم التوبة كاملة بعد ولم أتزيّن لهذا اللقاء وما زال التسويف في بعض الأمور يأخذ بعضاً مني فهلاّ انتهيت!!
منذ يومين وأنا طريحة الفراش ولا زالت تنكشف عندي بعض الآلام كان آخرها في الظهر فلم أعد قادرة على تحريكه إلا ويتبع الحراك صرخة لا أستطيع كتمانها! أما يدي اليسرى فهي عاطلة عن العمل منذ الحادث وأحمد الله جل وعلا أنها لم تكن اليمنى..
لطالما كانوا يردّدون لنا أنّ الحواس التي رزقنا إياها الله جل وعلا هي من أكبر النِّعَم التي اعتدنا عليها فلم نعد نقدِّرها حق التقدير.. أذكر أني حين كنتُ صغيرة كنت أغمض أحياناً عيوني لأشعر مع الأعمى ولكنني سرعان ما كنت أفتحهما وأحمد ربي على البصر فما أصعب العيش دون ضوء.. ولو أن عمى البصيرة أتعس من عمى البصر! وكذا مع باقي الحواس فكانت القصة لا تتعدّى التفكر في إمكانية فقدها وشكر ربي عليها.. ولكنها كانت موجودة فلم يكن الأمر حقيقياً بالكليّة ولذلك حتى في تلك اللحظات لم أكن أعي تماماً معنى الفقد..
أما اليوم فالأمر مختلف.. لأن المرء لا يدرك حقيقةً النعمة حتى يفقدها فعلياً ولو لمدة قصيرة.. ومع أنني أعلم أنني سأستعيد هذه النعمة إلا أنني أتحسس كل لحظة فقداني – المؤقت – لها.. فلا أستطيع حمل أي شيء يستدعي وجود يدين اثنتين.. ولا عمل أي شيءٍ في البيت.. ولا لبس ثيابي بدون مساعدة.. ولا أستطيع الوضوء بشكل طبيعي ولا السجود على الأرض بكلتَي يدي.. ولا طباعة الكلمات على الكيبورد بسهولة كما تعوّدت.. وعملي كله على هذا الجهاز الصديق..
“وفي أنفسكم أفلا تبصرون” نقرأها فنذهب بتفكيرنا إلى خلق الإنسان من نطفة وإلى هذا الجسم المعقّد وأقوال العلماء حول الخلايا والأنسجة وعمل الأعضاء وكل ما لا نعلمه إلا من خلال الاكتشافات العلمية والمَخبرية ولا نراه أصلا بالعين المجرّدة.. ولكننا ربما لا ننظر إلى هذه اليد التي أنعم الله جل وعلا علينا بها وهي ماثلة أمامنا من دون مجهر ومن دون حاجة للدخول في التعقيدات العلمية التي تكشف النقاب عن قدرة الله جل وعلا وحكمته.. “وإنْ تعدُّوا نعمةَ اللهِ لا تحصوها”!
سبحان الله ما أعظم هذا الإنسان وما أضعفه! عظيمٌ بتكوينه وبصِلَته بربه جل وعلا.. وضعيفٌ إذ أيّ حادث مهما كان بسيطاً قد يُقعده عن الحركة والإنتاج ولكن إن تفكّر بعمق فإنّه يقرِّبه من ربّه جل وعلا أكثر لأنه يشعر بحاجته لهذا الرب الكبير.. فيخضع له القلب ويسكن ويشعر الإنسان بالأمن والراحة والرضا في معية الله جل وعلا..
أحمد الله جل وعلا أن أبقى لي يداً أتمتع بها حتى زوال العارض الذي عطّل لي يدي الأُخرى.. وأحمده أن هداني للحمد والصبر.. وأنّه أمدّ لي بعمري لأعبده وأشكره على نِعمه الكثيرة.. وأدعوه أن يحشرني في زمرة الحامدين يوم العرض..
“حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”
قبري.. ويدي!
أ.سحر المصري
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى