رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تحقيق الوحدة ودحر الانفصال
22/ربيع الأول/1424هـ
مسجد خالد بن الوليد
الحمد لله الذي كشف بوحدة اليمن غياهب الإلحاد، ورفع بها القهر و الذل عن كواهل العباد، وأزال به التسلط و الاستبداد، و طهر به الأرض من أوكار الفواحش و الفساد، أحمده على ترادف نعمه و أفضاله، و أشكره على سوابغ عطاياه ونواله.
و الصلاة و السلام على من وحد الله به أمة العرب بعد شتاتها، و أيقضها به بعد سباتها، وصيرها راعية الأمم بعد إن كانت لا ترعى غير بعيرها وشاتها، صلى الله عليه وعلى خير آل وصحابته صفوة الرجال، و من تبع سبيلهم واستن بسنتهم إلى يوم المآل.
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المتخلق بأكرم الأخلاق و المتصف بشريف الخصال.
أما بعد عباد الله فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
أيها الأخوة المؤمنون:
لقد أنعم الله على هذه البلاد في تاريخها القريب بنعمتين عظيمتين: أولاهما تحقيق الوحدة المباركة، و ثانيها دحر محاولة الانفصال الذي كان من نتائجه استئصال شأفة الإلحاد و الظلم و التسلط من أرضنا الطيبة.
فأما الوحدة فهي أصل شرعي ومطلب معيشي و وطني يقول الله تعالى: [وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ] ويقول تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] ويقول: [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ] وقال تعالى: [وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ] فهذه الآيات واضحة كل الوضوح في وجوب وحدة المسلمين، فمن باب أولى من كان في بلد واحد وأمة واحدة.
وأما المطلب الوطني و المعيشي فلما في الوحدة من الفوائد العظيمة، و المكاسب الكبيرة، و الهيبة في عيون الأعداء، وما في الفرقة من عكس ذلك، وإذا كانت الوحدة اليمنية نعمة على كل أجزاء الوطن وجميع فئاته و طوائفه، فإنها لنا معشر أبناء الشطر الجنوبي نِعَم مضاعفة لا تحصى؛ ذلك أنها أعتقت رقابنا من العبودية للحزب و رموزه. وأطلقت لنا أغلى ما في هذه الحياة، وهو حرية العبادة وحرية إظهارها و حرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإشاعة الخير ومحاربة الفاحشة و الفساد، وأمن الإنسان على دينه وعرضه، وغير ذلك من المكاسب الدنيوية والمعيشية التي هي ظاهرة للعيان.
وهذه كلها نعم يجب شكرها فالله تعالى يقول: [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ] ويقول عز ذكره: [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ].
وحذر الله تعالى أشد التحذير من كفر النعم، وضرب الله لنا تعالى الأمثال في ذلك فقال: [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ].
وإن أول من يجب عليه الشكر هو الحاكم، لأن بشكره وصلاحه تصلح الأمة وبكفره لنعمة الله وانحرافه تنحرف الأمة وتتعرض لأنواع العقوبات، و خصوصاً إذا تبعته على فساده وانحرافه.
وأول ما يجب عليه من شكر الله تعالى:
- حفظ دين الأمة وأخلاقها وقيمها و السهر على مصالحها.
- وإقامة العدل بينها ورفع المظالم عنها. قال تعالى: [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] وقال تعالى: [يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ] ولقد أعجبني توجيه الرئيس لوزارة الإعلام وليته وجه للسياحة والثقافة.
- ومما يجب عليه توليه الأخيار الناصحين الأمناء: [إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ] وقال يوسف معللاً طلبه الولاية: [قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ] .
- و في المقابل عليه إزالة كل من يثبت فساده و انحرافه.
- كما يجب عليه العدل في توزيع المصالح و المشاريع وإعطاء كل مكان ما يستحق دون مجاملة أو تحيز إلى جهة دون جهة.
- ومما يجب عليه أن يضرب بيد من حديد كل من يشوه الوحدة، ويظهرها بغير المظهر اللائق بها في أي موقع كان وبأي أسلوب كان، فلا يجوز أن نغض الطرف على من يعمد إلى ربط الوحدة بالفساد و الرشوة من خلال ما ظهر من ذلك بعد الوحدة، ولم يكن مألوفاً عند الناس قبلها، ولا يجوز أن نسمح لبعض العناصر التى تعطي الذرائع للمتربصين بالوحدة الذين يشيعون إن الوحدة إنما هي احتلال طرف لطرف آخر. فهذا الطرح معلوم إنه طرح خبيث مُغرِض، ولكن يجب علينا أن نزيل كل ما يحتج به هؤلاء المغرضين، فيعاقب كل من يظهر منه استعلاء على إخوانه واستغلال منصبه لإذلال الناس و السطو على حقوقهم.
- هذه بعض مظاهر شكر نعمة الوحدة التى يجب أن يؤديها الحكام و المسئولون. وهناك واجبات و أنواع من الشكر حتى من جهة الشعب منها:
- تذكر ما كانوا عليه قبل الوحدة في شتى المجالات ومقارنتها بما يتمتعون به اليوم من حرية وسيادة وتقدم في شتى الميادين: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] .
- و من تلك الواجبات: الاصطفاف للدفاع عن هذه الوحدة، وتفويت الفرص على كل من يريد المساس بها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جمعيكم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه) ( [1] ).
- و منها نصيحة الحكام و دلالتهم على الخير وتحذيرهم من الشر بالأسلوب الشرعي الحكيم، وليس بأسلوب التهييج و تضخيم الأمور وإشاعة الفاحشة، فالنصيحة هي الإخلاص وإرادة الإصلاح و الحرص على إزالة الفساد؛ ولذلك أسلوبه الذي يؤدي إلى الغرض دون التشهير وانتهاك الأعراض.
و أما ما نسمعه و نشاهده في كثير من الصحف ومن المتحدثين في بعض المحافل والمناسبات، فإنه من باب الفضيحة وليس من باب النصيحة، وأخشى أن يتناول هؤلاء قول الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] .
- ومن أهم واجبات الشعب لشكر نعمة الوحدة وبعد أن حضوا بالحرية ورفعوا عنهم القهر، أن يلتزموا بعبوديتهم لله تعالى، وأن يقفوا عند حدوده، وأن يخافوه ويخشوه، كما يجب أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فيها بينهم، ويتعاونوا على البر و التقوى ولا يتعاونوا على الإثم و العدوان، فالإيمان و التقوى سبب الأمن و الأمان و الرزق والرخاء قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{96} أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ{97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ{98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{99} ]
الخطبة الثانية
- الحمد والثناء والوصية بالتقوى.
النعمة الثانية العظيمة على هذه البلاد هي دحر محاولة الانفصال التي قادها بعض المفسدين المنحرفين؛ استجابة لإيحاءات من أطراف لا تريد لليمن الخير.
وكان أعظم من النصر الذي تحقق للوحدة على دعاة الانفصال، ذلك العفو الذي صدر في أعقاب الحرب، والذي قطع الطريق على كل من يحاول الانتقام وإشباع نزوات النفس الأمارة بالسوء، وفَتَح المجال لتضميد الجراح وإزالة الضغائن والأحقاد.
والعفو الأخير عن قادة ذلك الحرب والمخططين لها تلقاها الناس بالغبطة والامتنان، والعفو في حد ذاته أمر مطلوب وخلق نبيل: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقال تعالى: [وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] وكان أعظم من عفا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لأهل مكة: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ([2]) فلا اعتراض على مبدأ العفو ولكن يجب أن يعلم أن العفو إنما يكون في الحق العام، أما الحقوق الخاصة فلا يملك رئيس ولا غيره أن يعفو عنها ولأصحابها المطالبة بها والعمل على أخذها بالطرق الشرعية، ومن طريق المحاكم لا من طريق الاغتيالات والاعتداء والقوة هذا جانب.
وجانب آخر هو أن العفو شي وإعادة هؤلاء المفسدين وتمكينهم من رقاب الناس مرة أخرى شي آخر، فلا يجوز بحال أن ُيؤمنوا على دين الناس ولا أعراضها ولا أموالها بعد ما ظهر منهم وانكشف عنهم، وما هو معروف للجميع، بل إن احتمال أن العدو الحقيقي الذي يتربص بنا الدوائر يدخل ويصل إلى أهدافه من خلالهم.
[1] رواه مسلم 3 / 1480 برقم 1852
[2] الحديث ضعفه الألباني وقال: قلت : هذا الحديث على شهرته ليس له إسناد ثابت وهو عند ابن هشام معضل وقد ضعفه الحافظ العراقي كما بينته في ( تخريج فقه السيرة ) ( ص 415 ).
22/ربيع الأول/1424هـ
مسجد خالد بن الوليد
الحمد لله الذي كشف بوحدة اليمن غياهب الإلحاد، ورفع بها القهر و الذل عن كواهل العباد، وأزال به التسلط و الاستبداد، و طهر به الأرض من أوكار الفواحش و الفساد، أحمده على ترادف نعمه و أفضاله، و أشكره على سوابغ عطاياه ونواله.
و الصلاة و السلام على من وحد الله به أمة العرب بعد شتاتها، و أيقضها به بعد سباتها، وصيرها راعية الأمم بعد إن كانت لا ترعى غير بعيرها وشاتها، صلى الله عليه وعلى خير آل وصحابته صفوة الرجال، و من تبع سبيلهم واستن بسنتهم إلى يوم المآل.
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المتخلق بأكرم الأخلاق و المتصف بشريف الخصال.
أما بعد عباد الله فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
أيها الأخوة المؤمنون:
لقد أنعم الله على هذه البلاد في تاريخها القريب بنعمتين عظيمتين: أولاهما تحقيق الوحدة المباركة، و ثانيها دحر محاولة الانفصال الذي كان من نتائجه استئصال شأفة الإلحاد و الظلم و التسلط من أرضنا الطيبة.
فأما الوحدة فهي أصل شرعي ومطلب معيشي و وطني يقول الله تعالى: [وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ] ويقول تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] ويقول: [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ] وقال تعالى: [وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ] فهذه الآيات واضحة كل الوضوح في وجوب وحدة المسلمين، فمن باب أولى من كان في بلد واحد وأمة واحدة.
وأما المطلب الوطني و المعيشي فلما في الوحدة من الفوائد العظيمة، و المكاسب الكبيرة، و الهيبة في عيون الأعداء، وما في الفرقة من عكس ذلك، وإذا كانت الوحدة اليمنية نعمة على كل أجزاء الوطن وجميع فئاته و طوائفه، فإنها لنا معشر أبناء الشطر الجنوبي نِعَم مضاعفة لا تحصى؛ ذلك أنها أعتقت رقابنا من العبودية للحزب و رموزه. وأطلقت لنا أغلى ما في هذه الحياة، وهو حرية العبادة وحرية إظهارها و حرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإشاعة الخير ومحاربة الفاحشة و الفساد، وأمن الإنسان على دينه وعرضه، وغير ذلك من المكاسب الدنيوية والمعيشية التي هي ظاهرة للعيان.
وهذه كلها نعم يجب شكرها فالله تعالى يقول: [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ] ويقول عز ذكره: [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ].
وحذر الله تعالى أشد التحذير من كفر النعم، وضرب الله لنا تعالى الأمثال في ذلك فقال: [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ].
وإن أول من يجب عليه الشكر هو الحاكم، لأن بشكره وصلاحه تصلح الأمة وبكفره لنعمة الله وانحرافه تنحرف الأمة وتتعرض لأنواع العقوبات، و خصوصاً إذا تبعته على فساده وانحرافه.
وأول ما يجب عليه من شكر الله تعالى:
- حفظ دين الأمة وأخلاقها وقيمها و السهر على مصالحها.
- وإقامة العدل بينها ورفع المظالم عنها. قال تعالى: [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] وقال تعالى: [يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ] ولقد أعجبني توجيه الرئيس لوزارة الإعلام وليته وجه للسياحة والثقافة.
- ومما يجب عليه توليه الأخيار الناصحين الأمناء: [إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ] وقال يوسف معللاً طلبه الولاية: [قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ] .
- و في المقابل عليه إزالة كل من يثبت فساده و انحرافه.
- كما يجب عليه العدل في توزيع المصالح و المشاريع وإعطاء كل مكان ما يستحق دون مجاملة أو تحيز إلى جهة دون جهة.
- ومما يجب عليه أن يضرب بيد من حديد كل من يشوه الوحدة، ويظهرها بغير المظهر اللائق بها في أي موقع كان وبأي أسلوب كان، فلا يجوز أن نغض الطرف على من يعمد إلى ربط الوحدة بالفساد و الرشوة من خلال ما ظهر من ذلك بعد الوحدة، ولم يكن مألوفاً عند الناس قبلها، ولا يجوز أن نسمح لبعض العناصر التى تعطي الذرائع للمتربصين بالوحدة الذين يشيعون إن الوحدة إنما هي احتلال طرف لطرف آخر. فهذا الطرح معلوم إنه طرح خبيث مُغرِض، ولكن يجب علينا أن نزيل كل ما يحتج به هؤلاء المغرضين، فيعاقب كل من يظهر منه استعلاء على إخوانه واستغلال منصبه لإذلال الناس و السطو على حقوقهم.
- هذه بعض مظاهر شكر نعمة الوحدة التى يجب أن يؤديها الحكام و المسئولون. وهناك واجبات و أنواع من الشكر حتى من جهة الشعب منها:
- تذكر ما كانوا عليه قبل الوحدة في شتى المجالات ومقارنتها بما يتمتعون به اليوم من حرية وسيادة وتقدم في شتى الميادين: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] .
- و من تلك الواجبات: الاصطفاف للدفاع عن هذه الوحدة، وتفويت الفرص على كل من يريد المساس بها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جمعيكم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه) ( [1] ).
- و منها نصيحة الحكام و دلالتهم على الخير وتحذيرهم من الشر بالأسلوب الشرعي الحكيم، وليس بأسلوب التهييج و تضخيم الأمور وإشاعة الفاحشة، فالنصيحة هي الإخلاص وإرادة الإصلاح و الحرص على إزالة الفساد؛ ولذلك أسلوبه الذي يؤدي إلى الغرض دون التشهير وانتهاك الأعراض.
و أما ما نسمعه و نشاهده في كثير من الصحف ومن المتحدثين في بعض المحافل والمناسبات، فإنه من باب الفضيحة وليس من باب النصيحة، وأخشى أن يتناول هؤلاء قول الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] .
- ومن أهم واجبات الشعب لشكر نعمة الوحدة وبعد أن حضوا بالحرية ورفعوا عنهم القهر، أن يلتزموا بعبوديتهم لله تعالى، وأن يقفوا عند حدوده، وأن يخافوه ويخشوه، كما يجب أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فيها بينهم، ويتعاونوا على البر و التقوى ولا يتعاونوا على الإثم و العدوان، فالإيمان و التقوى سبب الأمن و الأمان و الرزق والرخاء قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{96} أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ{97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ{98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{99} ]
الخطبة الثانية
- الحمد والثناء والوصية بالتقوى.
النعمة الثانية العظيمة على هذه البلاد هي دحر محاولة الانفصال التي قادها بعض المفسدين المنحرفين؛ استجابة لإيحاءات من أطراف لا تريد لليمن الخير.
وكان أعظم من النصر الذي تحقق للوحدة على دعاة الانفصال، ذلك العفو الذي صدر في أعقاب الحرب، والذي قطع الطريق على كل من يحاول الانتقام وإشباع نزوات النفس الأمارة بالسوء، وفَتَح المجال لتضميد الجراح وإزالة الضغائن والأحقاد.
والعفو الأخير عن قادة ذلك الحرب والمخططين لها تلقاها الناس بالغبطة والامتنان، والعفو في حد ذاته أمر مطلوب وخلق نبيل: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقال تعالى: [وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] وكان أعظم من عفا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لأهل مكة: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ([2]) فلا اعتراض على مبدأ العفو ولكن يجب أن يعلم أن العفو إنما يكون في الحق العام، أما الحقوق الخاصة فلا يملك رئيس ولا غيره أن يعفو عنها ولأصحابها المطالبة بها والعمل على أخذها بالطرق الشرعية، ومن طريق المحاكم لا من طريق الاغتيالات والاعتداء والقوة هذا جانب.
وجانب آخر هو أن العفو شي وإعادة هؤلاء المفسدين وتمكينهم من رقاب الناس مرة أخرى شي آخر، فلا يجوز بحال أن ُيؤمنوا على دين الناس ولا أعراضها ولا أموالها بعد ما ظهر منهم وانكشف عنهم، وما هو معروف للجميع، بل إن احتمال أن العدو الحقيقي الذي يتربص بنا الدوائر يدخل ويصل إلى أهدافه من خلالهم.
[1] رواه مسلم 3 / 1480 برقم 1852
[2] الحديث ضعفه الألباني وقال: قلت : هذا الحديث على شهرته ليس له إسناد ثابت وهو عند ابن هشام معضل وقد ضعفه الحافظ العراقي كما بينته في ( تخريج فقه السيرة ) ( ص 415 ).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى