خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الطهارة الحسية للمرأة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله؛ أسبَغ علينا نِعَمَه، ووفَّق مَن شاء لحسن عبادته، أحمده حمدًا يَلِيق بجلاله وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبيِّنا محمد الذي أدَّى الرسالة، وبلَّغ الأمانة، وتركنا على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، وعلى آله وأصحابه الأتقياء البَرَرَة، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المعاد والمحشر.
أمَّا بعدُ:
قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70- 71].
إن العبد مأمورٌ بأن يتعلَّم أمور دينه وما يجب عليه؛ قال الله - تعالى -: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن سلك طريقًا يَلتمِس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))؛ رواه مسلم، فالعلم الذي لا تقوم عبادة المرء إلا به؛ كتعلُّم التوحيد، ومعرفة الشرك، ومعرفة أركان الإيمان، وأحكام الصلاة وما يجب لها من شروط وأركان ونحوها - إذا فرَّط العبد في تعلُّمها أو قصَّر فهو آثِمٌ.
فعلى المسلمة أن تجتهد في تعلُّم أمور دينها، وما يخصُّها من أحكام؛ حتى تقوم بالعبادة على الوجه الذي يرتضيه الله - جلَّ وعلا - عنها، وفي هذه الرسالة تجد المرأة كيف تتطهَّر الطهارة الحسيَّة، أسأل الله أن ينفع بها.
أهميَّة الوضوء وفضله:
الوضوء شرطٌ لصحة الصلاة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6]، فهذا أمرٌ من الله لعباده بأن يتطهَّروا للصلاة التي هي أعظم مباني الإسلام الطهارةَ الحسيَّة، وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا يقبل الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدث حتى يتوضَّأ))؛ متفق عليه.
والتي تُنَقِّي المسلمَ من الذنوب التي تلبَّست بها جوارحه؛ كما أخبر بذلك المصطفى - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا توضَّأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظَرَ إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قَطْرِ الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كان بطشَتْها يداه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل رجليه خرجَتْ كلُّ خطيئة مشَتْها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قَطْرِ الماء - حتى يخرج نقيًّا من الذنوب))؛ رواه مسلم.
وعن عثمان بن عفَّان - رضِي الله عنْه - قال: قال رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء خرجَتْ خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره))؛ رواه مسلم.
وعن عبدالله الصُّنَابِحي أن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ العبد المؤمن فتمَضْمَض خرجَت الخطايا من فِيهِ، وإذا استَنْثَر خرجَت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه))، قال: ((ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له))؛ أحمد ومالك في "الموطأ" والنسائي والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وليس فيه عِلَّة، وصحَّحه الألباني.
فعلى المسلم أن يستشعِر هذه العبادة، ويجتنب كبائر الذنوب، ويستصحب النيَّة ويحتسب الأجر عند الله - جلَّ وعلا - لا يفعلها على سبيل العادة، ويجتهد قدر طاقته ووُسْعِه في إسباغ الوضوء؛ فعن عثمان - رضِي الله عنْه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسِن وضوءَها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفَّارة لِمَا قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ كبيرة، وذلك الدهر كله))؛ رواه مسلم.
وعن عُقبَة بن عامر يرفعه: ((ما من مسلم يتوضَّأ فيُحسِن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مُقبِل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبَتْ له الجنة))؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ألاَ أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المَكارِه، وكثرة الخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))؛ رواه مسلم.
ثم يجتهد الإنسان في أن يكون وضوءه نحو وضوء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الكمِّ والكيف؛ قال الله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
وعن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ))؛ متفق عليه.
وعن عبدالله بن مُغَفَّل - رضِي الله عنْه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((سيكون بعدي قومٌ من هذه الأمَّة يَعتدُون في الدعاء والطَّهُور))؛ رواه أحمد في "المسند"، وأبو داود وابن حبَّان والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ.
وعن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدِّه - رضِي الله عنْه - قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأله عن الوضوء فأَرَاه الوضوءَ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: ((هكذا الوضوء فمَن زاد على هذا فقد أساء وتعدَّى وظلم))؛ رواه أحمد في "المسند" والنسائي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، وقال الألباني: حسن صحيح.
وعن عثمان بن عفان - رضِي الله عنْه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن توضَّأ نحو وضوئي هذا ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غُفِر له ما تَقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه.
فيتجنَّب المرء المسلم الإسراف في الماء، ويقتصد فيه بقدر حاجته؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
وعن أنَس - رضِي الله عنْه - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتوضَّأ بالمُدِّ ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد"؛ متفق عليه.
وعن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من إناءٍ واحدٍ من قدح يُقال له: الفَرْق"؛ متفق عليه، قال سفيان: والفَرْقُ ثلاثة آصُع؛ رواه مسلم.
وفي روايةٍ: أنها كنت تغتسل هي والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك؛ رواه مسلم.
وعن أبي بكر - رضِي الله عنْه - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يغتسل بالصاع ويتطهَّر بالمد"؛ رواه مسلم، والصاع أربع حفنات بيد الرجل المعتدل في الخلقة.
قال القرطبي في "تفسيره": وهذه الأحاديث تدلُّ على استحباب تقليل الماء من غير كَيْلٍ ولا وزنٍ يأخذ منه الإنسان بقَدْرِ ما يكفي ولا يُكثِر منه، فإن الإكثار منه سَرَفٌ، والسَّرَفُ مذموم.
وقال الشافعي وأحمد وإسحق: ليس معنى هذا الحديث على التوقِّي أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه وهو قدر ما يكفي.
وقال ابن بَطَّال: والمستحبُّ لِمَن يقدر على الإسباغ بالقليل أن يُقَلِّل ولا يَزِيد على ذلك؛ لأن السَّرَف ممنوع في الشريعة.
قال ابن القيِّم - رحمه الله -: كان - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يتوضَّأ لكلِّ صلاةٍ في غالب أحيانه، وربَّما صلَّى الصلوات بوضوء واحد، وكان يتوضَّأ بالمُدِّ تارةً وبثُلثَيْه تارةً، وبأَزْيَد منه تارة، وذلك نحو أربع أواقٍ بالدمشقي إلى أوقيَّتين وثلاث، وكان من أيسر الناس صبًّا لماء الوضوء، وكان يحذِّر أمَّته من الإسراف فيه، وأخبر أنه يكون في أمَّته مَن يَعتدِي في الطهور، وقال: إن للوضوء شيطانًا يُقال له: الولهان، فاتَّقوا وسواس الماء، ومَرَّ على سعد وهو يتوضَّأ فقال له: ((لا تُسرِف في الماء))، فقال: وهل في الماء من إسراف؟ قال: ((نعم، وإن كنت على نهر جارٍ))، وصَحَّ عنه أنه توضَّأ مرَّة مرَّة، ومرَّتين مرَّتين، وثلاثًا ثلاثًا، وفي بعض الأعضاء مرَّتين وبعضها ثلاثًا. ["زاد المعاد" 1/ 184].
فهذه جملةٌ من أحكام الوضوء نتناولها من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: شروط الوضوء:
1- الإسلام.
2- العقل.
3- التمييز.
4- والنية.
فلا يصحُّ الوضوء من كافر، ولا من مجنونٍ، ولا من صغير لا يميِّزه، ولا ممَّن لم ينوِ الوضوء؛ بأن نَوَى تبرُّدًا، أو غسل أعضاءه ليزيل عنها نجاسة أو وسخًا.
5- أن يكون الماء طهورًا، فإن كان نجسًا لم يجزئه.
6- إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد من طين، أو عجين، أو شمع، أو وسخ مُتراكم، أو أصباغ سميكة؛ ليجري الماء على جلد العضو مباشرة من غير حائل؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ - أوْجَب غسل العضو كاملاً، ولا يتحقَّق مع وجود مانع.
المبحث الثاني: سنن الوضوء:
أولاً: السواك، ومحلُّه عند المضمضة.
ثانيًا: غسل الكفين ثلاثًا في أوَّل الوضوء قبل غسل الوجه؛ لورود الأحاديث به.
ثالثًا: البداءة بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، ويُبالِغ فيهما إن كان غير صائم، فالمبالغة في المضمضة إدارة الماء في جميع الفم، وفي الاستنشاق جذب الماء إلى أقصى الأنف.
رابعًا: ومن سنن الوضوء تخليل اللحية الكثيفة بالماء حتى يبلغ داخلها أحيانًا، وتخليل أصابع اليدين والرجلين، بأن يُدخِل بعضهما ببعض ويكون ذلك أحيانًا.
خامسًا: التيامُن، وهو البدء باليُمنَى من اليدين والرجلين قبل اليسرى.
سادسًا: الإتيان بصفات الوضوء الواردة في السنَّة؛ فتارةً يتوضَّأ مرَّة مرَّة، بأن يغسل كلَّ عضوٍ مرَّة واحدة، وتارةً مرَّتين مرَّتين، بأن يغسل كلَّ عضو مرَّتين، وتارةً ثلاثًا ثلاثًا، بأن يغسل كلَّ عضو ثلاث مرَّات، وتارةً يُخالِف فيغسل الوجه مع المضمضة والاستنشاق ثلاثًا، واليدين مرَّتين، والرجلين مرَّة واحدة.
سابعًا: أن يأتي بالأذكار الوارِدَة في الوضوء؛ ومنها: أن يُسَمِّي في ابتدائه، وبعد الفراغ يتشهَّد، "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، وأحيانًا: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".
المبحث الثالث: صفة الوضوء:
أي: الكيفية والهيئة التي يكون عليها:
♦ أن ينوي الوضوء لما يُشرَع له الوضوء من صلاة ونحوها.
♦ ثم يقول: بسم الله.
♦ ثم يغسل كفَّيه ثلاث مرَّات.
♦ ثم يتمضمض، ويستنشق من كفٍّ واحدة، وينثر الماء من أنفه بيساره.
مسألة: إذا كان الإنسان له أسنان صناعيَّة يُرَكِّبها أو بعض الأسنان وهي تكون متحرِّكة فهل يجب عليه إذا أراد أن يتوضَّأ أو يغتسل أن يُزِيل هذه الأسنان أو لا يجب؟
نقول: إن تركيبة الأسنان أو الأسنان الصناعيَّة لا يجب على الإنسان أن يُزِيلها إذا أراد الوضوء أو الغسل:
أولاً: لحديث عَرْفَجَة بن أسعد: "أنه قُطِع أنفه يوم الكلاب فاتَّخذ أنفًا من وَرِقٍ فأنتن عليه، فأمَرَه النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فاتَّخَذ أنفًا من ذهب"؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
وهذا الأنف سيَحْجِب شيئًا من مواضع الماء ومع ذلك لم يأمره النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أن يُزِيل هذا الأنف عند الوضوء أو الغسل.
ثانيًا: أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - اتَّخَذ خاتمًا من وَرِق كما جاء في الحديث المتَّفَق عليه، ومع ذلك لم يرد أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كان يحرِّك خاتمه أو أنه كان ينزع خاتمه؛ فدلَّ على أن مثل هذا يُعفَى عنه مع أن الخاتم سيَحْجِب شيئًا من الإصبع، فمثل هذه الأسنان المركَّبة - وإن كانت متحرِّكة - قد يكون في نَزْعِها مشقَّة، نقول: إنها لا تُنزَع ولا تُحرَّك عند الوضوء أو الغسل.
ويغسل وجهه، وحدُّ الوجه طُولاً من مَنابِت شعر الرأس المُعتَاد إلى ما انحَدَر من اللحيَيْن والذقن، واللحيان عظمان في أسفل الوجه: أحدهما من جهة اليمين، والثاني من جهة اليسار، والذقن مجمعهما، وحدُّ الوجه عرضًا من الأذن إلى الأذن.
مسألة: الرموش الصناعية وهي عبارة عن شُعَيرات رقيقة تُصنَع من الموادِّ البلاستيكية تُلصَق على الجفن بواسطة مادَّة لاصِقَة تُوضَع على طرف الرمش الأعلى.
حكمها: هذه لا تجوز؛ لأنه نوعٌ من الوَصْلِ، والنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لعن الواصلة والمستوصلة؛ متفق عليه، ولكن من حيث وضوء المرأة وغسلها فإن وضوءها صحيح وكذلك غسلها؛ لأنها لا تمنع وصول الماء فهي تتحلَّل، وكذلك لها فتحات من الداخل لا تمنع من وصول الماء على رمش العين.
الكحل السائل، وهذا ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: كحل يُكوِّن مادة بلاستيكية تمنع وصول الماء إلى البشرة.
حكمه: لا يصحُّ وضوء المرأة ولا غسلها إذا كان موجودًا.
القسم الثاني: كحل يتحلَّل بالماء ويتساقَط، فهذا لا يؤثِّر على الوضوء ولا على الغسل.
♦ ثم يغسل يديه مع المرفقين، وحدُّ اليد هنا: من رؤوس الأصابع مع الأظافر إلى أوَّل العَضُد، ولا بُدَّ أن يُزِيل ما علق باليدين قبل الغسل من صبغ ونحو ذلك ممَّا يمنع وصول الماء إلى البشرة.
مسألة: طلاء الأظفار (المناكير)، هذا الطلاء وإن كان فيه شيء من الضرر، فإن استخدامه في وقت الوضوء أو الغسل محرَّم؛ لأنه يمنع من وصول الماء إلى البشرة، فيجب إزالته.
♦ ثم يمسح كلَّ رأسه وأذنيه مرَّة واحدة بماء جديد غير البلل الباقي من غسل يديه.
وصفة مسح الرأس: أن يضع يديه مبلولتين بالماء على مُقدَّم رأسه، ويُمِرَّهما إلى قَفاه، ثم يردَّهما إلى الموضع الذي بدأ منه، هذا هو الأفضل، وكيف مسح رأسه أجزأه، ثم يُدخِل أصبعيه السبَّابتَيْنِ في خَرْقَي أذنيه، ويمسح ظاهرهما بإِبهاميه.
مسألة: الأصباغ التي تُوضَع على الرأس، وتنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أصباغ نباتية مثل الحنَّاء، وكثيرٌ من الصبغات الموجودة من مبيِّضات الشعر أو مشقِّراته اليوم، فهذه مجرَّد لون لا تُكوِّن جِرْمًا على الشعر، ولا طبقة عازلة.
حكم مثل هذه الصبغات: هذه لا تُؤثِّر على الوضوء والغسل، فلا تمنع وصول الماء إلى الشعر وإنما هي مجرَّد لون.
القسم الثاني: أصباغ مَعْدِنية، بحيث يكون لهذه الصبغة جِرْم يمنع وصول الماء إلى الشعر.
حكمها: يجب إزالتها عند الوضوء أو الغسل، ولا يصحُّ الوضوء مع وجودها على الرأس.
♦ ثم يغسل رجليه مع الكعبين، والكعبان: هما العظمان الناتئان في أسفل الساق.
مسألة: مَن كان مقطوع اليد أو الرجل، فإنَّه يغسل ما بقي من الذراع أو الرجل؛ لقوله - تعالى -: ﴿ فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم))؛ متفق عليه، فإذا غسل بقيَّة المفروض فقد أتى بما استطاع.
ثم بعد الفراغ على الصفة المتقدِّمة يقول ما ورد عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من الأدعية في هذه الحالة، ومن ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله))، وأحيانًا: ((سُبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرُك وأتوب إليك)).
المبحث الرابع: فروض الوضوء، وهي أركانه:
الأوَّل: غسل الوجه، ومنه المضمضة، والاستنشاق، فمَن غسل وجهه وترك المضمضة والاستنشاق أو أحدهما، لم يصحَّ وضوءه؛ لأن الفم والأنف من الوجه؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ ... فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... ﴾ [المائدة: 6]؛ فأمر بغسل الوجه كله، فمَن ترك شيئًا منه لم يكن مُمتَثِلاً أمر الله - تعالى - والنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - تمضمض واستنشق، وأَمَر بهما، ولم يُنقَل عنه أنه تركهما.
الثاني: غسل اليدين مع المرفقين؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق ﴾ [المائدة: 6]؛ أي: مع المرفقين؛ لأن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه -: "غسل يديه حتى أشرع في العضد"؛ رواه مسلم، ممَّا يدلُّ على دخول المرفقين في المغسول.
الثالث: مسح الرأس كله، ومنه الأذنان؛ لقوله - تعالى -: ﴿ ... وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ... ﴾ [المائدة: 6]، فيدخل في الرأس الأذنان، ولفعله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولم يُنقَل عنه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنه اقتَصَر على مسح بعض الرأس، وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في حديث عبدالله بن زيد: ((الأذنان من الرأس))؛ رواه ابن ماجه، والدارقطني وغيرهما، فلا يجزئ مسح بعض الرأس.
الرابع: غسل الرجلين مع الكعبين؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... ﴾ [المائدة: 6]، فقوله (إلى): بمعنى (مع)؛ وذلك للأحاديث الواردة في صفة الوضوء، فإنها تدلُّ على دخول الكعبين في المغسول، لما تقدَّم من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه –: "أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - غسل الرجلين حتى أشرع في الساق"؛ رواه مسلم.
الخامس: الترتيب، بأن يغسل الوجه أولاً، ثم اليدين ثم يمسح الرأس، ثم يغسل رجليه؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... ﴾ [المائدة: 6]، فإدخال الممسوح بين المغسولات يدلُّ على اشتراط الترتيب، والنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - رَتَّب الوضوء على هذه الكيفيَّة، ولم يثبت عنه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنه أخلَّ بهذه الكيفية.
السادس: المُوالاَة؛ وهي أن يكون غسل الأعضاء المذكورة متواليًا بحيث لا يفصل بين غسل عضو والعضو الذي قبله بفاصل طويل عرفًا، بل يُتابِع غسل الأعضاء.
وتسقط الموالاة بالعذر كما لو احتاج إلى إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، أو احتاج إلى زيادة ماء ونحو ذلك.
المبحث الخامس: نواقض الوضوء:
نواقض الوضوء؛ أي: مُفسِداته ومُبطِلاته، وهي:
الأول: الخارج المُعتَاد من السبيل؛ إمَّا أن يكون بولاً، أو مَنِيًّا، أو مَذْيًا، أو دمَ حيضٍ، أو غائطًا، أو ريحًا.
قال - تعالى - في مُوجِبات الوضوء: ﴿ ... أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ... ﴾ [المائدة: 6].
ولما روى صفوان بن عَسَّال - رضِي الله عنْه - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يأمرنا إذا كُنَّا سَفَرًا ألا نَنْزِع خِفافَنَا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من بول وغائط ونوم"؛ رواه أحمد، والنسائي، والترمذي وصحَّحه، وأمَر - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بنَضْحِ الفرج من المذي والوضوء.
وكذا ينقض الوضوءَ خروجُ الريح؛ بدلالة الأحاديث الصحيحة وبالإجماع؛ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا يقبل الله صلاةَ أحدكم إذا أحدث حتى يتوضَّأ))، فقال رجلٌ: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُسَاء أو ضُراط؛ متفق عليه، والإجماع قائم على هذا.
مسألة (1): خروج الرِّيح من القُبُل مُختَلف في نقضه للوضوء، والأحوط في هذه المسألة والأقرب أنه ناقِضٌ للوضوء؛ لعموم قول النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح))؛ أخرجه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة، وعن عبَّاد بن تميم عن عمِّه: أنه شكا إلى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الرجل الذي يُخَيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: ((لا ينفتل - أو لا ينصرف - حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا))؛ متفق عليه.
وقياسًا على سائر ما يخرج من السبيلين، ولكن لا ينتقض الوضوء إلا إذا تأكَّدت المرأة من خروج الريح، بأن تسمعَ صوتًا أو تشمَّ ريحًا، بهذا ينتقض وضوءها، فإن كثر حصول ذلك لها كثرة فاحشة مستمرَّة، فعليها أن تعامله المرأة معاملة السَّلَس، فتتوضَّأ لكلِّ صلاة، ولا يضرُّها حينئذ خروج الريح أثناء الصلاة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله؛ أسبَغ علينا نِعَمَه، ووفَّق مَن شاء لحسن عبادته، أحمده حمدًا يَلِيق بجلاله وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبيِّنا محمد الذي أدَّى الرسالة، وبلَّغ الأمانة، وتركنا على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، وعلى آله وأصحابه الأتقياء البَرَرَة، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المعاد والمحشر.
أمَّا بعدُ:
قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70- 71].
إن العبد مأمورٌ بأن يتعلَّم أمور دينه وما يجب عليه؛ قال الله - تعالى -: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن سلك طريقًا يَلتمِس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))؛ رواه مسلم، فالعلم الذي لا تقوم عبادة المرء إلا به؛ كتعلُّم التوحيد، ومعرفة الشرك، ومعرفة أركان الإيمان، وأحكام الصلاة وما يجب لها من شروط وأركان ونحوها - إذا فرَّط العبد في تعلُّمها أو قصَّر فهو آثِمٌ.
فعلى المسلمة أن تجتهد في تعلُّم أمور دينها، وما يخصُّها من أحكام؛ حتى تقوم بالعبادة على الوجه الذي يرتضيه الله - جلَّ وعلا - عنها، وفي هذه الرسالة تجد المرأة كيف تتطهَّر الطهارة الحسيَّة، أسأل الله أن ينفع بها.
أهميَّة الوضوء وفضله:
الوضوء شرطٌ لصحة الصلاة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6]، فهذا أمرٌ من الله لعباده بأن يتطهَّروا للصلاة التي هي أعظم مباني الإسلام الطهارةَ الحسيَّة، وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا يقبل الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدث حتى يتوضَّأ))؛ متفق عليه.
والتي تُنَقِّي المسلمَ من الذنوب التي تلبَّست بها جوارحه؛ كما أخبر بذلك المصطفى - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا توضَّأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظَرَ إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قَطْرِ الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كان بطشَتْها يداه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل رجليه خرجَتْ كلُّ خطيئة مشَتْها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قَطْرِ الماء - حتى يخرج نقيًّا من الذنوب))؛ رواه مسلم.
وعن عثمان بن عفَّان - رضِي الله عنْه - قال: قال رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء خرجَتْ خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره))؛ رواه مسلم.
وعن عبدالله الصُّنَابِحي أن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ العبد المؤمن فتمَضْمَض خرجَت الخطايا من فِيهِ، وإذا استَنْثَر خرجَت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه))، قال: ((ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له))؛ أحمد ومالك في "الموطأ" والنسائي والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وليس فيه عِلَّة، وصحَّحه الألباني.
فعلى المسلم أن يستشعِر هذه العبادة، ويجتنب كبائر الذنوب، ويستصحب النيَّة ويحتسب الأجر عند الله - جلَّ وعلا - لا يفعلها على سبيل العادة، ويجتهد قدر طاقته ووُسْعِه في إسباغ الوضوء؛ فعن عثمان - رضِي الله عنْه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسِن وضوءَها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفَّارة لِمَا قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ كبيرة، وذلك الدهر كله))؛ رواه مسلم.
وعن عُقبَة بن عامر يرفعه: ((ما من مسلم يتوضَّأ فيُحسِن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مُقبِل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبَتْ له الجنة))؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ألاَ أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المَكارِه، وكثرة الخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))؛ رواه مسلم.
ثم يجتهد الإنسان في أن يكون وضوءه نحو وضوء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الكمِّ والكيف؛ قال الله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
وعن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ))؛ متفق عليه.
وعن عبدالله بن مُغَفَّل - رضِي الله عنْه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((سيكون بعدي قومٌ من هذه الأمَّة يَعتدُون في الدعاء والطَّهُور))؛ رواه أحمد في "المسند"، وأبو داود وابن حبَّان والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ.
وعن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدِّه - رضِي الله عنْه - قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأله عن الوضوء فأَرَاه الوضوءَ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: ((هكذا الوضوء فمَن زاد على هذا فقد أساء وتعدَّى وظلم))؛ رواه أحمد في "المسند" والنسائي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، وقال الألباني: حسن صحيح.
وعن عثمان بن عفان - رضِي الله عنْه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن توضَّأ نحو وضوئي هذا ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غُفِر له ما تَقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه.
فيتجنَّب المرء المسلم الإسراف في الماء، ويقتصد فيه بقدر حاجته؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
وعن أنَس - رضِي الله عنْه - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتوضَّأ بالمُدِّ ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد"؛ متفق عليه.
وعن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من إناءٍ واحدٍ من قدح يُقال له: الفَرْق"؛ متفق عليه، قال سفيان: والفَرْقُ ثلاثة آصُع؛ رواه مسلم.
وفي روايةٍ: أنها كنت تغتسل هي والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك؛ رواه مسلم.
وعن أبي بكر - رضِي الله عنْه - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يغتسل بالصاع ويتطهَّر بالمد"؛ رواه مسلم، والصاع أربع حفنات بيد الرجل المعتدل في الخلقة.
قال القرطبي في "تفسيره": وهذه الأحاديث تدلُّ على استحباب تقليل الماء من غير كَيْلٍ ولا وزنٍ يأخذ منه الإنسان بقَدْرِ ما يكفي ولا يُكثِر منه، فإن الإكثار منه سَرَفٌ، والسَّرَفُ مذموم.
وقال الشافعي وأحمد وإسحق: ليس معنى هذا الحديث على التوقِّي أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه وهو قدر ما يكفي.
وقال ابن بَطَّال: والمستحبُّ لِمَن يقدر على الإسباغ بالقليل أن يُقَلِّل ولا يَزِيد على ذلك؛ لأن السَّرَف ممنوع في الشريعة.
قال ابن القيِّم - رحمه الله -: كان - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يتوضَّأ لكلِّ صلاةٍ في غالب أحيانه، وربَّما صلَّى الصلوات بوضوء واحد، وكان يتوضَّأ بالمُدِّ تارةً وبثُلثَيْه تارةً، وبأَزْيَد منه تارة، وذلك نحو أربع أواقٍ بالدمشقي إلى أوقيَّتين وثلاث، وكان من أيسر الناس صبًّا لماء الوضوء، وكان يحذِّر أمَّته من الإسراف فيه، وأخبر أنه يكون في أمَّته مَن يَعتدِي في الطهور، وقال: إن للوضوء شيطانًا يُقال له: الولهان، فاتَّقوا وسواس الماء، ومَرَّ على سعد وهو يتوضَّأ فقال له: ((لا تُسرِف في الماء))، فقال: وهل في الماء من إسراف؟ قال: ((نعم، وإن كنت على نهر جارٍ))، وصَحَّ عنه أنه توضَّأ مرَّة مرَّة، ومرَّتين مرَّتين، وثلاثًا ثلاثًا، وفي بعض الأعضاء مرَّتين وبعضها ثلاثًا. ["زاد المعاد" 1/ 184].
فهذه جملةٌ من أحكام الوضوء نتناولها من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: شروط الوضوء:
1- الإسلام.
2- العقل.
3- التمييز.
4- والنية.
فلا يصحُّ الوضوء من كافر، ولا من مجنونٍ، ولا من صغير لا يميِّزه، ولا ممَّن لم ينوِ الوضوء؛ بأن نَوَى تبرُّدًا، أو غسل أعضاءه ليزيل عنها نجاسة أو وسخًا.
5- أن يكون الماء طهورًا، فإن كان نجسًا لم يجزئه.
6- إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد من طين، أو عجين، أو شمع، أو وسخ مُتراكم، أو أصباغ سميكة؛ ليجري الماء على جلد العضو مباشرة من غير حائل؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ - أوْجَب غسل العضو كاملاً، ولا يتحقَّق مع وجود مانع.
المبحث الثاني: سنن الوضوء:
أولاً: السواك، ومحلُّه عند المضمضة.
ثانيًا: غسل الكفين ثلاثًا في أوَّل الوضوء قبل غسل الوجه؛ لورود الأحاديث به.
ثالثًا: البداءة بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، ويُبالِغ فيهما إن كان غير صائم، فالمبالغة في المضمضة إدارة الماء في جميع الفم، وفي الاستنشاق جذب الماء إلى أقصى الأنف.
رابعًا: ومن سنن الوضوء تخليل اللحية الكثيفة بالماء حتى يبلغ داخلها أحيانًا، وتخليل أصابع اليدين والرجلين، بأن يُدخِل بعضهما ببعض ويكون ذلك أحيانًا.
خامسًا: التيامُن، وهو البدء باليُمنَى من اليدين والرجلين قبل اليسرى.
سادسًا: الإتيان بصفات الوضوء الواردة في السنَّة؛ فتارةً يتوضَّأ مرَّة مرَّة، بأن يغسل كلَّ عضوٍ مرَّة واحدة، وتارةً مرَّتين مرَّتين، بأن يغسل كلَّ عضو مرَّتين، وتارةً ثلاثًا ثلاثًا، بأن يغسل كلَّ عضو ثلاث مرَّات، وتارةً يُخالِف فيغسل الوجه مع المضمضة والاستنشاق ثلاثًا، واليدين مرَّتين، والرجلين مرَّة واحدة.
سابعًا: أن يأتي بالأذكار الوارِدَة في الوضوء؛ ومنها: أن يُسَمِّي في ابتدائه، وبعد الفراغ يتشهَّد، "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، وأحيانًا: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".
المبحث الثالث: صفة الوضوء:
أي: الكيفية والهيئة التي يكون عليها:
♦ أن ينوي الوضوء لما يُشرَع له الوضوء من صلاة ونحوها.
♦ ثم يقول: بسم الله.
♦ ثم يغسل كفَّيه ثلاث مرَّات.
♦ ثم يتمضمض، ويستنشق من كفٍّ واحدة، وينثر الماء من أنفه بيساره.
مسألة: إذا كان الإنسان له أسنان صناعيَّة يُرَكِّبها أو بعض الأسنان وهي تكون متحرِّكة فهل يجب عليه إذا أراد أن يتوضَّأ أو يغتسل أن يُزِيل هذه الأسنان أو لا يجب؟
نقول: إن تركيبة الأسنان أو الأسنان الصناعيَّة لا يجب على الإنسان أن يُزِيلها إذا أراد الوضوء أو الغسل:
أولاً: لحديث عَرْفَجَة بن أسعد: "أنه قُطِع أنفه يوم الكلاب فاتَّخذ أنفًا من وَرِقٍ فأنتن عليه، فأمَرَه النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فاتَّخَذ أنفًا من ذهب"؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
وهذا الأنف سيَحْجِب شيئًا من مواضع الماء ومع ذلك لم يأمره النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أن يُزِيل هذا الأنف عند الوضوء أو الغسل.
ثانيًا: أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - اتَّخَذ خاتمًا من وَرِق كما جاء في الحديث المتَّفَق عليه، ومع ذلك لم يرد أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كان يحرِّك خاتمه أو أنه كان ينزع خاتمه؛ فدلَّ على أن مثل هذا يُعفَى عنه مع أن الخاتم سيَحْجِب شيئًا من الإصبع، فمثل هذه الأسنان المركَّبة - وإن كانت متحرِّكة - قد يكون في نَزْعِها مشقَّة، نقول: إنها لا تُنزَع ولا تُحرَّك عند الوضوء أو الغسل.
ويغسل وجهه، وحدُّ الوجه طُولاً من مَنابِت شعر الرأس المُعتَاد إلى ما انحَدَر من اللحيَيْن والذقن، واللحيان عظمان في أسفل الوجه: أحدهما من جهة اليمين، والثاني من جهة اليسار، والذقن مجمعهما، وحدُّ الوجه عرضًا من الأذن إلى الأذن.
مسألة: الرموش الصناعية وهي عبارة عن شُعَيرات رقيقة تُصنَع من الموادِّ البلاستيكية تُلصَق على الجفن بواسطة مادَّة لاصِقَة تُوضَع على طرف الرمش الأعلى.
حكمها: هذه لا تجوز؛ لأنه نوعٌ من الوَصْلِ، والنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لعن الواصلة والمستوصلة؛ متفق عليه، ولكن من حيث وضوء المرأة وغسلها فإن وضوءها صحيح وكذلك غسلها؛ لأنها لا تمنع وصول الماء فهي تتحلَّل، وكذلك لها فتحات من الداخل لا تمنع من وصول الماء على رمش العين.
الكحل السائل، وهذا ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: كحل يُكوِّن مادة بلاستيكية تمنع وصول الماء إلى البشرة.
حكمه: لا يصحُّ وضوء المرأة ولا غسلها إذا كان موجودًا.
القسم الثاني: كحل يتحلَّل بالماء ويتساقَط، فهذا لا يؤثِّر على الوضوء ولا على الغسل.
♦ ثم يغسل يديه مع المرفقين، وحدُّ اليد هنا: من رؤوس الأصابع مع الأظافر إلى أوَّل العَضُد، ولا بُدَّ أن يُزِيل ما علق باليدين قبل الغسل من صبغ ونحو ذلك ممَّا يمنع وصول الماء إلى البشرة.
مسألة: طلاء الأظفار (المناكير)، هذا الطلاء وإن كان فيه شيء من الضرر، فإن استخدامه في وقت الوضوء أو الغسل محرَّم؛ لأنه يمنع من وصول الماء إلى البشرة، فيجب إزالته.
♦ ثم يمسح كلَّ رأسه وأذنيه مرَّة واحدة بماء جديد غير البلل الباقي من غسل يديه.
وصفة مسح الرأس: أن يضع يديه مبلولتين بالماء على مُقدَّم رأسه، ويُمِرَّهما إلى قَفاه، ثم يردَّهما إلى الموضع الذي بدأ منه، هذا هو الأفضل، وكيف مسح رأسه أجزأه، ثم يُدخِل أصبعيه السبَّابتَيْنِ في خَرْقَي أذنيه، ويمسح ظاهرهما بإِبهاميه.
مسألة: الأصباغ التي تُوضَع على الرأس، وتنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أصباغ نباتية مثل الحنَّاء، وكثيرٌ من الصبغات الموجودة من مبيِّضات الشعر أو مشقِّراته اليوم، فهذه مجرَّد لون لا تُكوِّن جِرْمًا على الشعر، ولا طبقة عازلة.
حكم مثل هذه الصبغات: هذه لا تُؤثِّر على الوضوء والغسل، فلا تمنع وصول الماء إلى الشعر وإنما هي مجرَّد لون.
القسم الثاني: أصباغ مَعْدِنية، بحيث يكون لهذه الصبغة جِرْم يمنع وصول الماء إلى الشعر.
حكمها: يجب إزالتها عند الوضوء أو الغسل، ولا يصحُّ الوضوء مع وجودها على الرأس.
♦ ثم يغسل رجليه مع الكعبين، والكعبان: هما العظمان الناتئان في أسفل الساق.
مسألة: مَن كان مقطوع اليد أو الرجل، فإنَّه يغسل ما بقي من الذراع أو الرجل؛ لقوله - تعالى -: ﴿ فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم))؛ متفق عليه، فإذا غسل بقيَّة المفروض فقد أتى بما استطاع.
ثم بعد الفراغ على الصفة المتقدِّمة يقول ما ورد عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من الأدعية في هذه الحالة، ومن ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله))، وأحيانًا: ((سُبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرُك وأتوب إليك)).
المبحث الرابع: فروض الوضوء، وهي أركانه:
الأوَّل: غسل الوجه، ومنه المضمضة، والاستنشاق، فمَن غسل وجهه وترك المضمضة والاستنشاق أو أحدهما، لم يصحَّ وضوءه؛ لأن الفم والأنف من الوجه؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ ... فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... ﴾ [المائدة: 6]؛ فأمر بغسل الوجه كله، فمَن ترك شيئًا منه لم يكن مُمتَثِلاً أمر الله - تعالى - والنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - تمضمض واستنشق، وأَمَر بهما، ولم يُنقَل عنه أنه تركهما.
الثاني: غسل اليدين مع المرفقين؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق ﴾ [المائدة: 6]؛ أي: مع المرفقين؛ لأن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه -: "غسل يديه حتى أشرع في العضد"؛ رواه مسلم، ممَّا يدلُّ على دخول المرفقين في المغسول.
الثالث: مسح الرأس كله، ومنه الأذنان؛ لقوله - تعالى -: ﴿ ... وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ... ﴾ [المائدة: 6]، فيدخل في الرأس الأذنان، ولفعله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولم يُنقَل عنه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنه اقتَصَر على مسح بعض الرأس، وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في حديث عبدالله بن زيد: ((الأذنان من الرأس))؛ رواه ابن ماجه، والدارقطني وغيرهما، فلا يجزئ مسح بعض الرأس.
الرابع: غسل الرجلين مع الكعبين؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... ﴾ [المائدة: 6]، فقوله (إلى): بمعنى (مع)؛ وذلك للأحاديث الواردة في صفة الوضوء، فإنها تدلُّ على دخول الكعبين في المغسول، لما تقدَّم من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه –: "أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - غسل الرجلين حتى أشرع في الساق"؛ رواه مسلم.
الخامس: الترتيب، بأن يغسل الوجه أولاً، ثم اليدين ثم يمسح الرأس، ثم يغسل رجليه؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... ﴾ [المائدة: 6]، فإدخال الممسوح بين المغسولات يدلُّ على اشتراط الترتيب، والنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - رَتَّب الوضوء على هذه الكيفيَّة، ولم يثبت عنه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنه أخلَّ بهذه الكيفية.
السادس: المُوالاَة؛ وهي أن يكون غسل الأعضاء المذكورة متواليًا بحيث لا يفصل بين غسل عضو والعضو الذي قبله بفاصل طويل عرفًا، بل يُتابِع غسل الأعضاء.
وتسقط الموالاة بالعذر كما لو احتاج إلى إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، أو احتاج إلى زيادة ماء ونحو ذلك.
المبحث الخامس: نواقض الوضوء:
نواقض الوضوء؛ أي: مُفسِداته ومُبطِلاته، وهي:
الأول: الخارج المُعتَاد من السبيل؛ إمَّا أن يكون بولاً، أو مَنِيًّا، أو مَذْيًا، أو دمَ حيضٍ، أو غائطًا، أو ريحًا.
قال - تعالى - في مُوجِبات الوضوء: ﴿ ... أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ... ﴾ [المائدة: 6].
ولما روى صفوان بن عَسَّال - رضِي الله عنْه - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يأمرنا إذا كُنَّا سَفَرًا ألا نَنْزِع خِفافَنَا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من بول وغائط ونوم"؛ رواه أحمد، والنسائي، والترمذي وصحَّحه، وأمَر - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بنَضْحِ الفرج من المذي والوضوء.
وكذا ينقض الوضوءَ خروجُ الريح؛ بدلالة الأحاديث الصحيحة وبالإجماع؛ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا يقبل الله صلاةَ أحدكم إذا أحدث حتى يتوضَّأ))، فقال رجلٌ: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُسَاء أو ضُراط؛ متفق عليه، والإجماع قائم على هذا.
مسألة (1): خروج الرِّيح من القُبُل مُختَلف في نقضه للوضوء، والأحوط في هذه المسألة والأقرب أنه ناقِضٌ للوضوء؛ لعموم قول النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح))؛ أخرجه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة، وعن عبَّاد بن تميم عن عمِّه: أنه شكا إلى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الرجل الذي يُخَيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: ((لا ينفتل - أو لا ينصرف - حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا))؛ متفق عليه.
وقياسًا على سائر ما يخرج من السبيلين، ولكن لا ينتقض الوضوء إلا إذا تأكَّدت المرأة من خروج الريح، بأن تسمعَ صوتًا أو تشمَّ ريحًا، بهذا ينتقض وضوءها، فإن كثر حصول ذلك لها كثرة فاحشة مستمرَّة، فعليها أن تعامله المرأة معاملة السَّلَس، فتتوضَّأ لكلِّ صلاة، ولا يضرُّها حينئذ خروج الريح أثناء الصلاة.
خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
مسألة (2): السوائل والإفرازات التي تخرج من فرج المرأة طاهرة ولا تنقض الوضوء؛ إذ الأصل بقاء الطهارة.
مسألة (3): الدم الذي تراه المرأة قبل ولادتها بيوم أو يومين أو أكثر أو أقل، هذا له حالتان:
الحال الأولى: أن يكون هذا الدم معه علامات قرب الولادة كالطلق، فحكم هذا الدم أنه دم نفاس يمنع من الصلاة والصيام... إلخ.
الحال الثانية: أن يكون هذا الدم ليس معه علامات قرب الولادة كالطلق، فحكمه حكم دم الاستحاضة، فالمرأة تصلي وتصوم... إلخ.
وأمَّا الخارج من البدن من غير السبيلين فإن كان بولاً أو غائطًا نقض، وإن كان غيرهما كالدم والقيء والرُّعاف فموضع خلاف بين أهل العلم، هل ينقض الوضوء أو لا ينقضه؟ على قولين، والراجح أنهُ لا ينقض، لكن لو توضَّأ خروجًا من الخلاف لكان أحسن.
الثاني: زوال العقل أو تغطيته، وزوال العقل يكون بالجنون ونحوه، وتغطيته تكون بالنوم أو الإغماء ونحوهما، فمَن زال عقله أو غُطِّي بنومٍ ونحوه انتُقِض وضوءه؛ لحديث صفوان بن عسال - رضِي الله عنْه - لأن ذلك مَظِنَّة خروج الحدث وهو لا يحسُّ به، إِلا يسير النوم غير المستغرق، فإنَّه لا ينقض الوضوء؛ لأن الصحابة - رضِي الله عنْهم - كما في حديث أنس بن مالك - رضِي الله عنْه -: "ينامون ثم يصلون ولا يتوضَّؤون"؛ رواه مسلم، وفي لفظ: "يضعون جنوبهم"؛ رواه أبو داود، ولم يُنقَل أنهم كانوا يتوضَّؤون، وإنما ينقضه النوم المستغرق؛ جمعًا بين الأدلَّة.
الثالث: أكل لحم الإبل، سواء كان قليلاً أو كثيرًا؛ لصحَّة الحديث فيه عن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وصراحته؛ فقد روى جابر بن سمرة - رضِي الله عنْه - أن رجلاً سأل رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أنتوضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إن شئت فتوضَّأ، وإن شئت فلا تتوضَّأ)) قال: أنتوضَّأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم؛ توضَّأ من لحوم الإبل))؛ رواه مسلم، قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "فيه حديثان صحيحان عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم"، ويُلحَق بلحم الإبل بقيَّة أجزائها، كالقلب والكَبِد ولحم الرأس ونحو ذلك.
وأمَّا أكل اللحم من غير الإبل فلا ينقض الوضوء.
مسألة (1): لمس الفرج أو الذكر، أَوْجَبَ كثيرٌ من العلماء الوضوء من مَسِّ الذكر؛ لحديث بُسْرَة بنت صفوان أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن مَسَّ ذكَرَه فلا يصلِّي حتى يتوضَّأ))؛ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي وصحَّحه.
مسألة (2): إدخال المرأة الدواء في فرجها، إذا أدخلَتْه من خارج الفرج عن طريق التقطير أو وضعَتْه في شيءٍ كآلة الحقن، ثم قامَتْ بإفراغ هذا الدواء في محلِّه، ففي كلتا الحالتين لا يُنتَقض وضوءها إلا أن تمسَّ فرجها بيدها من غير حائل.
مسألة (3): إدخال الطبيبة يدها، أو غيرها في فرج الحامل للكشف الطبي، لا ينتقض وضوء هذا بالنسبة للطبيبة، وأمَّا الحامل أو غيرها من المكشوف عليها فإنه لا ينتقض وضوءها في كلتا الحالتين.
وقد اختار شيخ الإسلام بن تيميَّة - رحمه الله - استحباب الوضوء عُقَيب الذنب، ومن مسِّ الذَّكَر بشهوة، وكذا مس النساء لشهوة.
مسألة: مَن تيقَّن الطهارة، ثم شكَّ في حصول ناقض من نواقضها، فالأصل الطهارة؛ فقد ثبت عن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه، أخَرَجَ منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا))، والقاعدة: اليقين لا يزول بالشك، وكذا إذا تيقَّن الحدثَ وشكَّ في الطهارة هل تطهَّر أو لا، فالأصل بقاء الحدث.
المبحث السادس: الحيض:
أولاً: تعريفه شرعًا:
دم طبيعة وجبلَّة يخرج من الأنثى في أوقات معلومة.
ثانيًا: حدُّ الحيض (بالنسبة للسنين والأيام):
لا حدَّ لأقلِّ الحيض شرعًا بالنسبة للسنوات، فمتى رأت المرأة الدم فهو حيض، سواء كان عمرها ثماني أو تسع سنوات، أو أقل أو أكثر، وكذلك نهايته لا تُحَدُّ بسنٍّ محدَّدة، فمتى رأتْ دم الحيض فهو حيض، سواء كان عمرها أربعين أو خمسين سنة أو أكثر أو أقل.
وكذلك لا حدَّ لأقلِّ مُدَّة الحيض وأكثره بالنسبة للأيام، فلو رأت المرأة دم الحيض يومًا وليلة، أو أقل أو أكثر، فهو حيض.
فكلُّ ما رأَتْه المرأة من دم طبيعي ليس له سبب من جرح ونحوه، فهو دم حيض من غير تقدير بزمن أو سن، تأخذ المرأة أحكام الحائضات (تترك من أجله الصلاة والصيام... إلخ).
ثالثًا: أقلُّ الطهر وأكثره بين الحيضتين:
الصحيح أنه لا حدَّ لأقل الطهر بين الحيضتين سواء جلست المرأة بعد طهرها من حيضتها خمسة أيام أو عشرة أو أقل أو أكثر، ثم عاوَدَها الدم مرَّة أخرى.
ولا حدَّ لأكثر الطهر بين الحيضتين، فقد تجلس المرأة شهرًا أو شهرين أو أكثر لا يأتيها الحيض، فمتى رأت المرأة الدم فهو حيض؛ لأن الأصل في كلِّ ما يخرج من الرحم أنه حيض، إذا لم يُعلَم أنه دم عرق أو جرح.
رابعًا: تقدُّم العادة أو تأخُّرها، أو الزيادة أو النقص على دم العادة (كأن تكون عادتها آخِر الشهر فترى الدم أوَّله، أو تكون عادتها أوَّل الشهر فترى الدم آخره، أو تكون عادتها ستة أيام من كلِّ شهر فيستمر الدم معها ثمانية أيام، أو تكون عادتها سبعة أيام فتطهر لستة أيام) فالصواب أن ما يطرأ على الحيض لا عبرة فيه، فمتى رأت المرأة الدم فهي حائض، ومتى طهرت منه فهي طاهرة.
فحكم هذه المسألة: أن ما تراه المرأة من دمٍ له صفة الحيض فحيض، وما عداه طهر.
خامسًا: انقطاع الدم في زمن الحيض:
إذا كانت عادة المرأة سبعة أيام مثلاً وأتاها الدم في اليوم الأوَّل والثاني والثالث وانقطع عنها في اليوم الرابع، ثم عاد الدم مرَّة أخرى في اليوم الخامس والسادس والسابع - فهذا الانقطاع لا عبرة به، فحكمه حكم الحيض.
سادسًا: الصُّفرة والكُدرة:
الصُّفرة: ماء كالصديد يعلوه صفرة، الكُدرة: ماء ممزوج بحمرة، ولهما ثلاث حالات:
1- أن تكون الكُدرة والصُّفرة قبل نزول دم الحيض لمدَّة يوم أو يومين مثلاً، فلا عبرة بهما، وتنتظر حتى ينزل عليها الدم، وعلى هذا تصلِّي المرأة وتصوم، ولو كان هناك قرينة لقرب نزول دم الحيض كأوجاع العادة.
2- أن تكون الكُدرة والصُّفرة في زمن العادة: (كأن تكون عادة المرأة ستة أيام مثلاً، يأتيها الدم في اليوم الأوَّل والثاني ثم في اليوم الثالث ترى كُدرة أو صُفرة، ثم يُعاوِدها الدم في اليوم الربع والخامس والسادس، فهذه تأخذ أحكام الحيض، فلا تصلي ولا تصوم... إلخ).
3- أن تكون الكُدرة أو الصُّفرة في أخر زمن الحيض، وله حالتان:
1- إن كانت بعد الطُّهر فلا عبرة بالكُدرة والصُّفرة، فإذا كانت المرأة مثلاً عادتها الشهرية سبعة أيام ثم طهرت من حيضتها، ثم رأت صفرة أو كدرة بعد طهرها - فلا عبرة بهما، والمرأة في هذه الحالة تأخذ أحكام الطاهرات.
2- وإن كانت قبل الطهر مُتَّصلة بدم الحيض، فحكمها حكم الحيض، إلا أن تتجاوَز الصُّفرة والكُدرة العادة الغالبة للنساء ستة أيام أو سبعة، فإنها تغتَسِل وتصلِّي وتأخذ أحكام الطاهرات، فإذا رأتْ مثلاً الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام فقط، ثم انقَطَع الدم عنها واستمرَّت معها الكُدرة أو الصُّفرة، فالصُّفرة والكُدرة هنا لها أحكام الحيض حتى تطهر، أو تبلغ عادة غالب النساء، وهي سبعة أيام.
مسائل في الحيض لا بُدَّ من العلم بها:
♦ الوطء حالَ الحيض محرَّم ولا يجوز، وإن وطِئَها وجبَتْ عليه كفارة دينار أو نصف دينار، والمرأة كذلك إذا كانت مُطاوِعة لزوجها تلزمها الكفارة، والاستمتاع في ما تحت الركبة وفوق السرَّة جائز ولا بأس به.
♦ تطليق الزوجة حال الحيض حرام.
♦ يحرم على الحائض أن تصلي أو تصوم، ويجب عليها قضاء الصوم ولا تقضي الصلاة.
♦ إذا أدركت المرأة من أوَّل وقت الصلاة مقدار ركعة كاملة بسجدتيها ثم حاضَتْ قبل أن تصليها، فإنها إذا طهرت يجب عليها قضاء هذه الصلاة، وكذلك لو طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة، فإنها تغتسل وتقضي هذه الصلاة ولو بعد خروج الوقت.
♦ إذا طَهُرت المرأة قبل خروج وقت العصر بمقدار ركعة، فإنها لا تجمع معها الظهر، وكذلك إذا طهرت قبل خروج وقت العشاء فإنها لا تجمع معها المغرب.
♦ قراءة القرآن للحائض جائزة، ولا تمسُّ المصحف إلا من وراء حائل.
♦ المرأة إذا مرَّت بالمِيقَات وهي حائض تغتسل للإحرام، وتعقد نية الدخول في النُّسُك، ولا تطوف في البيت حتى تطهر وتغتسل من حيضها، وإن خَشِيَتْ فوات الرفقة قبل أن تطهر أو مرَّت بالميقات وهي شاكية - يعني: تخشى أن تحيض أو تنفس - فإنها تشترط تقول: (فإن حبسني حابس فمحلِّي حيث حبستني)، ففي هذه الحالة لا يلزمها شيء في خروجها من عمرتها.
♦ يحرم على الحائض اللُّبث في المسجد حتى لو أمنت تلويثه، وكذلك يحرم عليها المرور فيه إن خشيت تلويثه ولو كان لحاجة.
المبحث السابع: الاستحاضة تعريفها وأحكامها:
أولاً: الاستحاضة شرعًا:
هو دمٌ يخرج من المرأة لا يصلح أن يكون دم حيض ولا نفاس.
ثانيًا: الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:
1- دم الحيض دم طبيعة وجبلَّة يخرج في أوقات معلومة، أمَّا دم الاستحاضة فهو دم فساد وعلَّة ليس له أوقات معلومة.
2- دم الحيض يخرج من أقصى الرحم، أمَّا دم الاستحاضة فيخرج من أدنى الرحم من عرق يقال له: العاذل.
3- دم الحيض أسود غليظ له رائحة كريهة، أمَّا دم الاستحاضة فهو أحمر يميل إلى الصفرة لا رائحة له.
4- دم الحيض لا يتجمَّد إذا ظهر؛ لأنه تجمَّد في الرحم ثم انفجر، وأمَّا دم الاستحاضة فيتجمَّد إذا ظهر.
ثالثًا: أحوال المستحاضة:
المُستحاضَة لها أحوال:
الحالة الأولى: لها حيض معلوم؛ مثال ذلك: امرأة لها حيض مُعتَاد من أوَّل الشهر إلى اليوم السادس، ثم أطبق عليها الدم بعد ذلك واستمرَّ معها.
حكم هذه الحالة: ترجع المرأة إلى عادتها (أي: تجلس ستة أيام من أوَّل الشهر)، ثم تغتسل ويصبح حكمها حكم الطاهرات.
الحالة الثانية: أن تكون المرأة لها حيض معلوم ولها تمييز صالح؛ يعني: لها عادة تأتيها أول الشهر؛ مثال ذلك: امرأة يأتيها الحيض أوَّل الشهر دائمًا، ثم أطبق عليها الدم، وفي وسط الشهر ترى ما يشبه دم الحيض بلونه وكثرته.
حكم هذه الحالة: ترجع إلى عادتها، حتى لو كانت ترى ما يُشبِه دم الحيض في غير عادتها، فإذا كانت تحيض مثلاً في أوَّل الشهر خمسةَ أيام فإنها تجلس هذه الفترة، ثم تغتسل بعد ذلك وتأخذ أحكام الطاهرات.
الحالة الثالثة: أن يكون لها عادة نسِيَتْها ولها تمييز - يعني: أنها تعرف لون دم الحيض ورائحته - ثم أطبق عليها الدم، ولكنها نسيت متى عادتها هل هي أول الشهر أو في وسطه أو آخره، ولكنها مثلاً ما بين 20 - 25 من الشهر ترى دمًا متميِّزًا يُشبِه دم الحيض أسودَ ثخينًا كثيرًا.
حكم هذه الحالة: هذه ترجع إلى التمييز وتجعله عادة لها، ثم بعد هذا التمييز تغتسل وتأخذ حكم الطاهرات.
الحالة الرابعة: إذا لم يكن لها تمييز - دمها على صفة واحدة - وقد نسِيَت زمن عادتها فلا تدري هي أوَّل الشهر أو وسطه أو آخره.
حكم هذه الحالة: هذه تجلس ستة أيام أو سبعة كعادة مَن تُشبِهها في السن والخلقة من قريباتها، من أوَّل يومٍ رأت الدم، ثم بعد ذلك تغتسل.
الحالة الخامسة: ألاَّ يكون لها عادة - أي: جاء معها الدم أوَّل مرَّة واستمرَّ معها - فلم يكن لها عادة سابقة، وتسمَّى المبتدِئة (البنت التي يأتيها الدم أوَّل مرة).
حكم هذه الحالة: إذا كان لها تمييز صالح (يأتيها دم يشبه دم الحيض بلونه ورائحته) أخذَتْ به وجعلَتْه عادةً لها، وإن لم يكن لها تمييز أخذت بعادة قريباتها - أي: مَن تُشبِهها في السن والخلقة - فإذا كانت مثلاً قريبتها عادتها ستة أيام أخذت بذلك، وجلست ستة أيام من حين رأت الدم.
أحكام المستحاضة:
1- على المستحاضة أن تتحفَّظ، وتضع ما يمنع خروج الدم إلى ملابسها.
2- إذا توضَّأت المستحاضة، فإنه لا يجب عليها أن تتوضَّأ مرَّة أخرى عند دخول الوقت، بل لا يجب عليها أن تتوضَّأ حتى يحصل لها حدث آخر غير دم الاستحاضة؛ كالبول مثلاً أو ريح ونحوه من نواقض الوضوء.
3- إذا أرادَتْ أن تتوضَّأ فإنها تغسل عنها أثر الدم لنجاسته، وإن كان الغسل يضرُّ فإنها تنشفه بقطنة ونحوها، وحينئذ فلا تجمع بين الصلاتين لانتفاء المشقَّة؛ إذ لا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ وقت، بل لا تتوضَّأ - كما سبق - حتى يخرج خارج غير دم الاستحاضة، ولا يجب عليها غسل الفرج مع الضرر؛ إذ يكفي تنشيفه بقطنة ونحوها.
المبحث الثامن: أحكام النِّفاس:
أولاً: تعريف النِّفاس:
النِّفاس شرعًا: هو دم يُرخِيه الرَّحِم للولادة وبعدها، وقبلها مع الطلق.
ثانيًا: مدَّة النفاس:
أكثر مُدَّة النِّفاس أربعون يومًا، فإذا تَمَّت للنفاس أربعون يومًا واستمرَّ معها الدم فإنها تأخذ أحكام المستحاضة؛ تغتسل وتتلجَّم - تجعل على فرجها ما يمنع نزول الدم على ملابسها - وتصلِّى وتصوم وغير ذلك من أحكام الطاهرات.
ثالثًا: أحكام النفاس:
1- الدم الذي تراه الحامل قبل الولادة بيوم أو يومين إذا كان معه طلق فإنها في حكم النفاس؛ تدع الصلاة والصيام والاعتكاف، ويحرم عليها ما يحرم على النُّفَساء، ويُبَاح لها ما يُبَاح للنُّفَساء.
2- المرأة لا تكون نُفَساء إلاَّ إذا وضعت ما تبيَّن فيه خلق إنسان - بأن يظهر فيه تخطيط يد، أو رجل، أو رأس ونحو ذلك - وقبل ذلك تأخذ أحكام المستحاضة تصلي وتصوم... إلخ.
3- المرأة النُّفَساء إذا انقَطَع عنها الدم بحيث لا ترى دمًا ولا كُدرة ولا صُفرة قبل تمام الأربعين، فإنها في حكم الطاهرات؛ يجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم، ولزوجها أن يُجامِعها، وإن كان معها كُدرة أو صُفرة فإنها نُفَساء حتى تتمَّ أربعين يومًا.
4- إذا طهرت المرأة النُّفَساء قبل تمام الأربعين، ثم عاوَدَها الدم أو الكُدرة أو الصُّفرة قبل تمام الأربعين، فإنها في حكم النفاس.
5- إذا بقي الدم مع المرأة بعد الأربعين فإنه في حكم دم الاستحاضة، تغتَسِل بعد الأربعين وتصلِّي وتصوم وتأخذ حكم الطاهرات.
6- إذا وضعت الحامل ولم يخرج منها دم وجبَتْ عليها الصلاة وكذلك الصيام، ولزوجها أن يُجامِعها؛ إذ هي في حكم الطاهرات لعدم الدم.
مسألة: الولادة الجراحية (العمليات القيصرية):
إذا ولدت المرأة بعملية جراحية ولم ترَ دمًا خارِجًا من الفرج فلا تكون نُفَساء، وإنما هي ذات جرح، تأخذ حكم الطاهرات.
وإذا ولدت بهذه الطريقة ونزل الدم من فرجها، فإنها تَصِير نُفَساء؛ لأنه وجد خروج الدم من الرحم عَقِب الولادة.
المبحث التاسع: أحكام السقط:
هذه جملةٌ من أحكام السقط التي تهمُّ المرأة المسلمة، وهي تشتمل على مسائل:
المسألة الأولى: تعريف السقط في اللغة والاصطلاح:
السقط في اللغة: هو الولد الخارج من بطن أمِّه لغير تمام، ويُقال: أسقطته أمه فهي مسقط.
وفي الاصطلاح: هو الذي يسقط من بطن أمِّه ميتًا.
والجنين يمرُّ في بطن أمِّه بثلاث مراحل بيَّنَها الله - جلَّ وعلا - في كتابه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى... ﴾ [الحج: 5] الآية.
وبيَّن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هذه المراحل في الحديث الذي رواه عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنْه - بقوله: ((إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمِّه أربعين يومًا نطفه، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغَة مثل ذلك، ثم يُرسِل الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد...)) الحديث؛ رواه البخاري ومسلم.
فلا تُنفَخ فيه الروح إلا بعد انتهاء مائة وعشرين يومًا، والمدَّة التي يتبيَّن فيها خلق الإنسان في الحمل ثلاثة أشهر غالبًا، وأقلُّها واحد وثمانون يومًا.
المسألة الثانية: حكم إسقاط الحمل:
الحمل في جميع مراحله (النطفة والعلقة والمضغة) لا يجوز إسقاطه، كما بيَّنتُ ذلك فيما سبق في أحكام الإجهاض في ورقة مستقلَّة.
المسألة الثالثة: الأحكام المترتِّبة على سقوط الحمل:
وهي كما يلي:
أولاً: إذا سقط الحمل في مرحلة النطفة (في الأربعين الأولى) أو في مرحلة العلقة (الأربعين الثانية)، ففي هذه الحال على المرأة أن تتلجَّم (يعنى: تضع على فرجها ما يمنع خروج الدم إلى الملابس ممَّا هو مُستَعمل عند النساء اليوم)؛ لأن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أمر أسماء بنت عميس - رضِي الله عنْها - لَمَّا ولدت في ذي الحليفة أن تتلجم؛ رواه مسلم، ويجب عليها أن تستمرَّ في صلاتها وصيامها، ويجوز لزوجها أن يُجامِعها ويُعاشِرها وطئًا واستمتاعًا.
والدم الخارج بسبب الإسقاط في هذه المرحلة الأقرب من أقوال أهل العلم أنه لا ينقض الوضوء، ولا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ صلاة، إلا إذا خرج منها خارج معتاد كالبول أو الغائط أو ريح ونحو ذلك.
ثانيًا: أن يسقط الحمل بعد أن تَمَّ له ثمانون يومًا، فعلى المرأة أن تنظر في هذه المضغة إن تمكَّنت، أو تسأل الطبيب أو الطبيبة الثقة: هل خُلِقت هذه المضغة أو لا؟ (يعني: هل بدا فيها تخليق الإنسان ولو خفيًّا، كتخطيط يد أو رجل أو رأس ونحو ذلك؟)، فإن كانت هذه المضغة لم يتبيَّن فيها خلق الإنسان (يعني: قطعة لحم) وليس فيها تخطيط ولو خفيًّا، كيد أو رجل أو رأس أو نحو ذلك، فإن المرأة تأخذ أحكام القسم الأول (تتحفَّظ وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها، ولا يجب عليه الوضوء لكلِّ صلاة إلا إذا خرج منها بول أو غائط أو ريح ونحو ذلك).
وإذا كانت المضغة قد بدا فيها تخليق الإنسان ولو كان خفيًّا (كتخطيط يد أو رجل أو رأس ونحو ذلك)، فإن المرأة تأخذ أحكام النِّفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا يجوز لزوجها أن يُجامِعها، حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدرة، أو حتى تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم أو الصُّفرة أو الكُدرة، فإذا بلغت أربعين يومًا فإنها تغتسل وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
ثالثًا: إذا سقط الحمل بعد ثمانين يومًا ولا تعلم المرأة هل خُلِق هذا الحمل الذي سقط أو لا؟ وجهلت أمره، فهذا السقط له حالتان:
1- إذا كان الحمل الذي سقط قد تَمَّ له تسعون يومًا، فإن المرأة تأخذ أحكام النِّفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا تحلُّ لزوجها حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدرة، أو تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم أو الكُدرة أو الصُّفرة، ثم تغتسل وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
2- إذا لم يتمَّ له تسعون يومًا، وجهلت المرأة أمره هل خُلِق أو لا، فإن المرأة تتحفَّظ (بأن تضع على فرجها ما يمنع من خروج الدم على ملابسها، وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها، والدم الخارج منها لا ينقض الوضوء، ولا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ صلاة، إلا إذا خرج منها خارج مُعتاد كالبول أو الغائط أو الريح ونحو ذلك كما تقدَّم).
مسألة مهمَّة: إذا سقط الحمل بعد وفاته في الرحم بمدَّة، مثاله: إذا سقط الحمل بعد ثلاثة أشهر، وتبيَّن أنه قد تُوفِّي قبل سقوطه بشهر، فإن الحمل في هذه الحالة يكون عمره شهرين فقط وتأخذ المرأة أحكام القسم الأول (تتحفَّظ وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها... الخ) فالعبرة بمدَّة حياة الجنين في الرحم، وليس زمن إسقاطه.
رابعًا: أن يسقط الحمل بعد تمام أربعة أشهر (بعد نفخ الروح فيه).
فالمرأة تأخذ أحكام النفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا تحلُّ لزوجها حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدْرَة، أو تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم، أو الصفرة، أو الكُدرة، ثم تغتَسِل وتصلِّي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
والجنين الذي سقط في هذه المرحلة (بعد نفخ الرُّوح) وتَمَّ له أربعة أشهر، يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه، ويُقبَر في مقابر المسلمين، وتُذبَح عنه العقيقة في اليوم السابع من سقوطه، وإذا اعتُدِي عليه وأُسقِط فإنها تجب فيه الكفارة المغلَّظة، وتجب فيه الدِّيَة وهي غرَّة - جاء في الحديث أنها قيمةُ عبدٍ أو أمَة - والغُرَّة هي خيار الشيء، وقدَّرها العُلَماء بعُشْرِ دِيَة أمِّه، وتُقَدَّر بخمسة من الإبل، وإذا اعتُدِي عليه وأُسقِط لوقت يعيش لمثله بأن يكون سقوطه لستة أشهر فأكثر وسقط حيًّا حياةً مستقرَّة، فدِيَتُه دِيَة المولود حيًّا (يعني: مائة من الإبل).
المبحث العاشر: أحكام الغسل:
الغسل: هو استعمال الماء في جميع البدن على صفة مخصوصة يأتي بيانها، والدليل على وجوبه قول الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا... ﴾ [المائدة: 6].
ومُوجِبات الغسل ستة أشياء:
الأول: خروج المَنِيِّ من مَخرَجِه من الذكر أو الأنثى، ولا يخلو خروج المَنِيِّ إمَّا أن يخرج في حال اليقظة، أو حال النوم.
فإن خرَجَ في حال اليَقَظَة اشتُرِط وجود اللذَّة بخروجه، فإن خرج بدون لذَّة لم يُوجِب الغسل، كالذي يخرج بسبب مرض، أو عدم إمساك ونحو ذلك.
وإن خرج في حال النوم، وهو ما يُسمَّى بالاحتلام، وجب الغسل مطلقًا؛ لفقد إدراكه، فقد لا يشعر باللذة.
والنائم إذا استيقَظَ من نومه فوجد بللاً، فلا يخلو من أمور:
الأمر الأول: أن يعلم أنه مَنِيٌّ، فيجب عليه الغسل مطلقًا.
الأمر الثاني: أن يعلم أنه غير مَنِيٍّ، فلا يجب عليه الغسل، ولكن يطهِّر ما أصابه.
الأمر الثالث: أن يشكَّ في الأمر، فلا يجب عليه الغسل، ولكن يُطَهِّر ما أصابه.
الثاني: إيلاج الحشفة في الفرج، والمُرَاد: رأس الذكر ولو لم يحصل إنزال للواطئ والموطوءة؛ لحديث عائشة - رضِي الله عنْها - عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا قعد بين شُعَبِها الأربع ثم مسَّ الختانُ الختانَ، فقد وَجَبَ الغسل))؛ رواه مسلم، وفي لفظ: ((وإن لم يُنزِل)).
الثالث: إسلام الكافر، فإذا أسلم الكافر وَجَبَ عليه الغسل؛ لأن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أمر قيس بن عاصم لَمَّا أسلم بالغُسل؛ رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وحسَّنه، وكذا أمَر ثُمامَة بن أَثَال بالغسل لَمَّا أسلم؛ رواه أحمد وعبدالرزَّاق.
الرابع والخامس: الحيض والنِّفاس؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ... ﴾ [البقرة: 222]؛ يعني: الحُيَّض يتطهَّرن بالاغتسال بعد انتهاء الحيض.
ولما روَتْه عائشة - رضِي الله عنْها - أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((فإذا أقبلت الحيضة فدَعِي الصلاة، فإذا أدبرَتْ فاغتسلي وصلِّي))؛ رواه البخاري وغيره.
السادس: الموت؛ لحديث أم عطية - رضِي الله عنْها - وفيه قوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - للاَّتي غَسَّلن ابنته: ((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك...))؛ متفق عليه.
صفة الغسل الكامل وهو المشتَمِل على الواجب والمستحب:
أولاً: تنوي المرأة الغسل الكامل بقلبها؛ لقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنما الأعمال بالنيات))؛ متفق عليه.
ثانيًا: التسمية وهي سنة.
ثالثًا: غسل اليدين ثلاث مرات؛ كما في حديث عائشة - رضِي الله عنْها - في صفة غسل النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه..."؛ متفق عليه.
رابعًا: غَسْلُ الفرج؛ لحديث ميمونة - رضِي الله عنْها -: ((... ثم غسل فرجه...))؛ متفق عليه، وما علق به من أذًى باليد الشمال؛ لقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((... ولا يتمسَّح من الخلاء بيمينه...))؛ متفق عليه.
خامسًا: تضرب بيدها الأرض أو الحائط مرَّتين أو ثلاثًا؛ لحديث ميمونة - رضِي الله عنْها -: "... ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرَّتين أو ثلاثًا..."؛ متفق عليه؛ لإزالة ما علق بهما من أذًى، أو غسلهما بالماء والصابون.
سادسًا: تتوضَّأ وضوءًا كاملاً كما تتوضَّأ للصلاة؛ كما في حديث عائشة - رضِي الله عنْها -: "... ثم يتوضَّأ كما يتوضَّأ للصلاة..."؛ متفق عليه، مع غسل الرجلين، وأحيانًا تؤخِّر غسل الرجلين في آخر الغسل.
مسألة (3): الدم الذي تراه المرأة قبل ولادتها بيوم أو يومين أو أكثر أو أقل، هذا له حالتان:
الحال الأولى: أن يكون هذا الدم معه علامات قرب الولادة كالطلق، فحكم هذا الدم أنه دم نفاس يمنع من الصلاة والصيام... إلخ.
الحال الثانية: أن يكون هذا الدم ليس معه علامات قرب الولادة كالطلق، فحكمه حكم دم الاستحاضة، فالمرأة تصلي وتصوم... إلخ.
وأمَّا الخارج من البدن من غير السبيلين فإن كان بولاً أو غائطًا نقض، وإن كان غيرهما كالدم والقيء والرُّعاف فموضع خلاف بين أهل العلم، هل ينقض الوضوء أو لا ينقضه؟ على قولين، والراجح أنهُ لا ينقض، لكن لو توضَّأ خروجًا من الخلاف لكان أحسن.
الثاني: زوال العقل أو تغطيته، وزوال العقل يكون بالجنون ونحوه، وتغطيته تكون بالنوم أو الإغماء ونحوهما، فمَن زال عقله أو غُطِّي بنومٍ ونحوه انتُقِض وضوءه؛ لحديث صفوان بن عسال - رضِي الله عنْه - لأن ذلك مَظِنَّة خروج الحدث وهو لا يحسُّ به، إِلا يسير النوم غير المستغرق، فإنَّه لا ينقض الوضوء؛ لأن الصحابة - رضِي الله عنْهم - كما في حديث أنس بن مالك - رضِي الله عنْه -: "ينامون ثم يصلون ولا يتوضَّؤون"؛ رواه مسلم، وفي لفظ: "يضعون جنوبهم"؛ رواه أبو داود، ولم يُنقَل أنهم كانوا يتوضَّؤون، وإنما ينقضه النوم المستغرق؛ جمعًا بين الأدلَّة.
الثالث: أكل لحم الإبل، سواء كان قليلاً أو كثيرًا؛ لصحَّة الحديث فيه عن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وصراحته؛ فقد روى جابر بن سمرة - رضِي الله عنْه - أن رجلاً سأل رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أنتوضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إن شئت فتوضَّأ، وإن شئت فلا تتوضَّأ)) قال: أنتوضَّأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم؛ توضَّأ من لحوم الإبل))؛ رواه مسلم، قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "فيه حديثان صحيحان عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم"، ويُلحَق بلحم الإبل بقيَّة أجزائها، كالقلب والكَبِد ولحم الرأس ونحو ذلك.
وأمَّا أكل اللحم من غير الإبل فلا ينقض الوضوء.
مسألة (1): لمس الفرج أو الذكر، أَوْجَبَ كثيرٌ من العلماء الوضوء من مَسِّ الذكر؛ لحديث بُسْرَة بنت صفوان أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن مَسَّ ذكَرَه فلا يصلِّي حتى يتوضَّأ))؛ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي وصحَّحه.
مسألة (2): إدخال المرأة الدواء في فرجها، إذا أدخلَتْه من خارج الفرج عن طريق التقطير أو وضعَتْه في شيءٍ كآلة الحقن، ثم قامَتْ بإفراغ هذا الدواء في محلِّه، ففي كلتا الحالتين لا يُنتَقض وضوءها إلا أن تمسَّ فرجها بيدها من غير حائل.
مسألة (3): إدخال الطبيبة يدها، أو غيرها في فرج الحامل للكشف الطبي، لا ينتقض وضوء هذا بالنسبة للطبيبة، وأمَّا الحامل أو غيرها من المكشوف عليها فإنه لا ينتقض وضوءها في كلتا الحالتين.
وقد اختار شيخ الإسلام بن تيميَّة - رحمه الله - استحباب الوضوء عُقَيب الذنب، ومن مسِّ الذَّكَر بشهوة، وكذا مس النساء لشهوة.
مسألة: مَن تيقَّن الطهارة، ثم شكَّ في حصول ناقض من نواقضها، فالأصل الطهارة؛ فقد ثبت عن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه، أخَرَجَ منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا))، والقاعدة: اليقين لا يزول بالشك، وكذا إذا تيقَّن الحدثَ وشكَّ في الطهارة هل تطهَّر أو لا، فالأصل بقاء الحدث.
المبحث السادس: الحيض:
أولاً: تعريفه شرعًا:
دم طبيعة وجبلَّة يخرج من الأنثى في أوقات معلومة.
ثانيًا: حدُّ الحيض (بالنسبة للسنين والأيام):
لا حدَّ لأقلِّ الحيض شرعًا بالنسبة للسنوات، فمتى رأت المرأة الدم فهو حيض، سواء كان عمرها ثماني أو تسع سنوات، أو أقل أو أكثر، وكذلك نهايته لا تُحَدُّ بسنٍّ محدَّدة، فمتى رأتْ دم الحيض فهو حيض، سواء كان عمرها أربعين أو خمسين سنة أو أكثر أو أقل.
وكذلك لا حدَّ لأقلِّ مُدَّة الحيض وأكثره بالنسبة للأيام، فلو رأت المرأة دم الحيض يومًا وليلة، أو أقل أو أكثر، فهو حيض.
فكلُّ ما رأَتْه المرأة من دم طبيعي ليس له سبب من جرح ونحوه، فهو دم حيض من غير تقدير بزمن أو سن، تأخذ المرأة أحكام الحائضات (تترك من أجله الصلاة والصيام... إلخ).
ثالثًا: أقلُّ الطهر وأكثره بين الحيضتين:
الصحيح أنه لا حدَّ لأقل الطهر بين الحيضتين سواء جلست المرأة بعد طهرها من حيضتها خمسة أيام أو عشرة أو أقل أو أكثر، ثم عاوَدَها الدم مرَّة أخرى.
ولا حدَّ لأكثر الطهر بين الحيضتين، فقد تجلس المرأة شهرًا أو شهرين أو أكثر لا يأتيها الحيض، فمتى رأت المرأة الدم فهو حيض؛ لأن الأصل في كلِّ ما يخرج من الرحم أنه حيض، إذا لم يُعلَم أنه دم عرق أو جرح.
رابعًا: تقدُّم العادة أو تأخُّرها، أو الزيادة أو النقص على دم العادة (كأن تكون عادتها آخِر الشهر فترى الدم أوَّله، أو تكون عادتها أوَّل الشهر فترى الدم آخره، أو تكون عادتها ستة أيام من كلِّ شهر فيستمر الدم معها ثمانية أيام، أو تكون عادتها سبعة أيام فتطهر لستة أيام) فالصواب أن ما يطرأ على الحيض لا عبرة فيه، فمتى رأت المرأة الدم فهي حائض، ومتى طهرت منه فهي طاهرة.
فحكم هذه المسألة: أن ما تراه المرأة من دمٍ له صفة الحيض فحيض، وما عداه طهر.
خامسًا: انقطاع الدم في زمن الحيض:
إذا كانت عادة المرأة سبعة أيام مثلاً وأتاها الدم في اليوم الأوَّل والثاني والثالث وانقطع عنها في اليوم الرابع، ثم عاد الدم مرَّة أخرى في اليوم الخامس والسادس والسابع - فهذا الانقطاع لا عبرة به، فحكمه حكم الحيض.
سادسًا: الصُّفرة والكُدرة:
الصُّفرة: ماء كالصديد يعلوه صفرة، الكُدرة: ماء ممزوج بحمرة، ولهما ثلاث حالات:
1- أن تكون الكُدرة والصُّفرة قبل نزول دم الحيض لمدَّة يوم أو يومين مثلاً، فلا عبرة بهما، وتنتظر حتى ينزل عليها الدم، وعلى هذا تصلِّي المرأة وتصوم، ولو كان هناك قرينة لقرب نزول دم الحيض كأوجاع العادة.
2- أن تكون الكُدرة والصُّفرة في زمن العادة: (كأن تكون عادة المرأة ستة أيام مثلاً، يأتيها الدم في اليوم الأوَّل والثاني ثم في اليوم الثالث ترى كُدرة أو صُفرة، ثم يُعاوِدها الدم في اليوم الربع والخامس والسادس، فهذه تأخذ أحكام الحيض، فلا تصلي ولا تصوم... إلخ).
3- أن تكون الكُدرة أو الصُّفرة في أخر زمن الحيض، وله حالتان:
1- إن كانت بعد الطُّهر فلا عبرة بالكُدرة والصُّفرة، فإذا كانت المرأة مثلاً عادتها الشهرية سبعة أيام ثم طهرت من حيضتها، ثم رأت صفرة أو كدرة بعد طهرها - فلا عبرة بهما، والمرأة في هذه الحالة تأخذ أحكام الطاهرات.
2- وإن كانت قبل الطهر مُتَّصلة بدم الحيض، فحكمها حكم الحيض، إلا أن تتجاوَز الصُّفرة والكُدرة العادة الغالبة للنساء ستة أيام أو سبعة، فإنها تغتَسِل وتصلِّي وتأخذ أحكام الطاهرات، فإذا رأتْ مثلاً الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام فقط، ثم انقَطَع الدم عنها واستمرَّت معها الكُدرة أو الصُّفرة، فالصُّفرة والكُدرة هنا لها أحكام الحيض حتى تطهر، أو تبلغ عادة غالب النساء، وهي سبعة أيام.
مسائل في الحيض لا بُدَّ من العلم بها:
♦ الوطء حالَ الحيض محرَّم ولا يجوز، وإن وطِئَها وجبَتْ عليه كفارة دينار أو نصف دينار، والمرأة كذلك إذا كانت مُطاوِعة لزوجها تلزمها الكفارة، والاستمتاع في ما تحت الركبة وفوق السرَّة جائز ولا بأس به.
♦ تطليق الزوجة حال الحيض حرام.
♦ يحرم على الحائض أن تصلي أو تصوم، ويجب عليها قضاء الصوم ولا تقضي الصلاة.
♦ إذا أدركت المرأة من أوَّل وقت الصلاة مقدار ركعة كاملة بسجدتيها ثم حاضَتْ قبل أن تصليها، فإنها إذا طهرت يجب عليها قضاء هذه الصلاة، وكذلك لو طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة، فإنها تغتسل وتقضي هذه الصلاة ولو بعد خروج الوقت.
♦ إذا طَهُرت المرأة قبل خروج وقت العصر بمقدار ركعة، فإنها لا تجمع معها الظهر، وكذلك إذا طهرت قبل خروج وقت العشاء فإنها لا تجمع معها المغرب.
♦ قراءة القرآن للحائض جائزة، ولا تمسُّ المصحف إلا من وراء حائل.
♦ المرأة إذا مرَّت بالمِيقَات وهي حائض تغتسل للإحرام، وتعقد نية الدخول في النُّسُك، ولا تطوف في البيت حتى تطهر وتغتسل من حيضها، وإن خَشِيَتْ فوات الرفقة قبل أن تطهر أو مرَّت بالميقات وهي شاكية - يعني: تخشى أن تحيض أو تنفس - فإنها تشترط تقول: (فإن حبسني حابس فمحلِّي حيث حبستني)، ففي هذه الحالة لا يلزمها شيء في خروجها من عمرتها.
♦ يحرم على الحائض اللُّبث في المسجد حتى لو أمنت تلويثه، وكذلك يحرم عليها المرور فيه إن خشيت تلويثه ولو كان لحاجة.
المبحث السابع: الاستحاضة تعريفها وأحكامها:
أولاً: الاستحاضة شرعًا:
هو دمٌ يخرج من المرأة لا يصلح أن يكون دم حيض ولا نفاس.
ثانيًا: الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:
1- دم الحيض دم طبيعة وجبلَّة يخرج في أوقات معلومة، أمَّا دم الاستحاضة فهو دم فساد وعلَّة ليس له أوقات معلومة.
2- دم الحيض يخرج من أقصى الرحم، أمَّا دم الاستحاضة فيخرج من أدنى الرحم من عرق يقال له: العاذل.
3- دم الحيض أسود غليظ له رائحة كريهة، أمَّا دم الاستحاضة فهو أحمر يميل إلى الصفرة لا رائحة له.
4- دم الحيض لا يتجمَّد إذا ظهر؛ لأنه تجمَّد في الرحم ثم انفجر، وأمَّا دم الاستحاضة فيتجمَّد إذا ظهر.
ثالثًا: أحوال المستحاضة:
المُستحاضَة لها أحوال:
الحالة الأولى: لها حيض معلوم؛ مثال ذلك: امرأة لها حيض مُعتَاد من أوَّل الشهر إلى اليوم السادس، ثم أطبق عليها الدم بعد ذلك واستمرَّ معها.
حكم هذه الحالة: ترجع المرأة إلى عادتها (أي: تجلس ستة أيام من أوَّل الشهر)، ثم تغتسل ويصبح حكمها حكم الطاهرات.
الحالة الثانية: أن تكون المرأة لها حيض معلوم ولها تمييز صالح؛ يعني: لها عادة تأتيها أول الشهر؛ مثال ذلك: امرأة يأتيها الحيض أوَّل الشهر دائمًا، ثم أطبق عليها الدم، وفي وسط الشهر ترى ما يشبه دم الحيض بلونه وكثرته.
حكم هذه الحالة: ترجع إلى عادتها، حتى لو كانت ترى ما يُشبِه دم الحيض في غير عادتها، فإذا كانت تحيض مثلاً في أوَّل الشهر خمسةَ أيام فإنها تجلس هذه الفترة، ثم تغتسل بعد ذلك وتأخذ أحكام الطاهرات.
الحالة الثالثة: أن يكون لها عادة نسِيَتْها ولها تمييز - يعني: أنها تعرف لون دم الحيض ورائحته - ثم أطبق عليها الدم، ولكنها نسيت متى عادتها هل هي أول الشهر أو في وسطه أو آخره، ولكنها مثلاً ما بين 20 - 25 من الشهر ترى دمًا متميِّزًا يُشبِه دم الحيض أسودَ ثخينًا كثيرًا.
حكم هذه الحالة: هذه ترجع إلى التمييز وتجعله عادة لها، ثم بعد هذا التمييز تغتسل وتأخذ حكم الطاهرات.
الحالة الرابعة: إذا لم يكن لها تمييز - دمها على صفة واحدة - وقد نسِيَت زمن عادتها فلا تدري هي أوَّل الشهر أو وسطه أو آخره.
حكم هذه الحالة: هذه تجلس ستة أيام أو سبعة كعادة مَن تُشبِهها في السن والخلقة من قريباتها، من أوَّل يومٍ رأت الدم، ثم بعد ذلك تغتسل.
الحالة الخامسة: ألاَّ يكون لها عادة - أي: جاء معها الدم أوَّل مرَّة واستمرَّ معها - فلم يكن لها عادة سابقة، وتسمَّى المبتدِئة (البنت التي يأتيها الدم أوَّل مرة).
حكم هذه الحالة: إذا كان لها تمييز صالح (يأتيها دم يشبه دم الحيض بلونه ورائحته) أخذَتْ به وجعلَتْه عادةً لها، وإن لم يكن لها تمييز أخذت بعادة قريباتها - أي: مَن تُشبِهها في السن والخلقة - فإذا كانت مثلاً قريبتها عادتها ستة أيام أخذت بذلك، وجلست ستة أيام من حين رأت الدم.
أحكام المستحاضة:
1- على المستحاضة أن تتحفَّظ، وتضع ما يمنع خروج الدم إلى ملابسها.
2- إذا توضَّأت المستحاضة، فإنه لا يجب عليها أن تتوضَّأ مرَّة أخرى عند دخول الوقت، بل لا يجب عليها أن تتوضَّأ حتى يحصل لها حدث آخر غير دم الاستحاضة؛ كالبول مثلاً أو ريح ونحوه من نواقض الوضوء.
3- إذا أرادَتْ أن تتوضَّأ فإنها تغسل عنها أثر الدم لنجاسته، وإن كان الغسل يضرُّ فإنها تنشفه بقطنة ونحوها، وحينئذ فلا تجمع بين الصلاتين لانتفاء المشقَّة؛ إذ لا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ وقت، بل لا تتوضَّأ - كما سبق - حتى يخرج خارج غير دم الاستحاضة، ولا يجب عليها غسل الفرج مع الضرر؛ إذ يكفي تنشيفه بقطنة ونحوها.
المبحث الثامن: أحكام النِّفاس:
أولاً: تعريف النِّفاس:
النِّفاس شرعًا: هو دم يُرخِيه الرَّحِم للولادة وبعدها، وقبلها مع الطلق.
ثانيًا: مدَّة النفاس:
أكثر مُدَّة النِّفاس أربعون يومًا، فإذا تَمَّت للنفاس أربعون يومًا واستمرَّ معها الدم فإنها تأخذ أحكام المستحاضة؛ تغتسل وتتلجَّم - تجعل على فرجها ما يمنع نزول الدم على ملابسها - وتصلِّى وتصوم وغير ذلك من أحكام الطاهرات.
ثالثًا: أحكام النفاس:
1- الدم الذي تراه الحامل قبل الولادة بيوم أو يومين إذا كان معه طلق فإنها في حكم النفاس؛ تدع الصلاة والصيام والاعتكاف، ويحرم عليها ما يحرم على النُّفَساء، ويُبَاح لها ما يُبَاح للنُّفَساء.
2- المرأة لا تكون نُفَساء إلاَّ إذا وضعت ما تبيَّن فيه خلق إنسان - بأن يظهر فيه تخطيط يد، أو رجل، أو رأس ونحو ذلك - وقبل ذلك تأخذ أحكام المستحاضة تصلي وتصوم... إلخ.
3- المرأة النُّفَساء إذا انقَطَع عنها الدم بحيث لا ترى دمًا ولا كُدرة ولا صُفرة قبل تمام الأربعين، فإنها في حكم الطاهرات؛ يجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم، ولزوجها أن يُجامِعها، وإن كان معها كُدرة أو صُفرة فإنها نُفَساء حتى تتمَّ أربعين يومًا.
4- إذا طهرت المرأة النُّفَساء قبل تمام الأربعين، ثم عاوَدَها الدم أو الكُدرة أو الصُّفرة قبل تمام الأربعين، فإنها في حكم النفاس.
5- إذا بقي الدم مع المرأة بعد الأربعين فإنه في حكم دم الاستحاضة، تغتَسِل بعد الأربعين وتصلِّي وتصوم وتأخذ حكم الطاهرات.
6- إذا وضعت الحامل ولم يخرج منها دم وجبَتْ عليها الصلاة وكذلك الصيام، ولزوجها أن يُجامِعها؛ إذ هي في حكم الطاهرات لعدم الدم.
مسألة: الولادة الجراحية (العمليات القيصرية):
إذا ولدت المرأة بعملية جراحية ولم ترَ دمًا خارِجًا من الفرج فلا تكون نُفَساء، وإنما هي ذات جرح، تأخذ حكم الطاهرات.
وإذا ولدت بهذه الطريقة ونزل الدم من فرجها، فإنها تَصِير نُفَساء؛ لأنه وجد خروج الدم من الرحم عَقِب الولادة.
المبحث التاسع: أحكام السقط:
هذه جملةٌ من أحكام السقط التي تهمُّ المرأة المسلمة، وهي تشتمل على مسائل:
المسألة الأولى: تعريف السقط في اللغة والاصطلاح:
السقط في اللغة: هو الولد الخارج من بطن أمِّه لغير تمام، ويُقال: أسقطته أمه فهي مسقط.
وفي الاصطلاح: هو الذي يسقط من بطن أمِّه ميتًا.
والجنين يمرُّ في بطن أمِّه بثلاث مراحل بيَّنَها الله - جلَّ وعلا - في كتابه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى... ﴾ [الحج: 5] الآية.
وبيَّن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هذه المراحل في الحديث الذي رواه عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنْه - بقوله: ((إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمِّه أربعين يومًا نطفه، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغَة مثل ذلك، ثم يُرسِل الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد...)) الحديث؛ رواه البخاري ومسلم.
فلا تُنفَخ فيه الروح إلا بعد انتهاء مائة وعشرين يومًا، والمدَّة التي يتبيَّن فيها خلق الإنسان في الحمل ثلاثة أشهر غالبًا، وأقلُّها واحد وثمانون يومًا.
المسألة الثانية: حكم إسقاط الحمل:
الحمل في جميع مراحله (النطفة والعلقة والمضغة) لا يجوز إسقاطه، كما بيَّنتُ ذلك فيما سبق في أحكام الإجهاض في ورقة مستقلَّة.
المسألة الثالثة: الأحكام المترتِّبة على سقوط الحمل:
وهي كما يلي:
أولاً: إذا سقط الحمل في مرحلة النطفة (في الأربعين الأولى) أو في مرحلة العلقة (الأربعين الثانية)، ففي هذه الحال على المرأة أن تتلجَّم (يعنى: تضع على فرجها ما يمنع خروج الدم إلى الملابس ممَّا هو مُستَعمل عند النساء اليوم)؛ لأن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أمر أسماء بنت عميس - رضِي الله عنْها - لَمَّا ولدت في ذي الحليفة أن تتلجم؛ رواه مسلم، ويجب عليها أن تستمرَّ في صلاتها وصيامها، ويجوز لزوجها أن يُجامِعها ويُعاشِرها وطئًا واستمتاعًا.
والدم الخارج بسبب الإسقاط في هذه المرحلة الأقرب من أقوال أهل العلم أنه لا ينقض الوضوء، ولا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ صلاة، إلا إذا خرج منها خارج معتاد كالبول أو الغائط أو ريح ونحو ذلك.
ثانيًا: أن يسقط الحمل بعد أن تَمَّ له ثمانون يومًا، فعلى المرأة أن تنظر في هذه المضغة إن تمكَّنت، أو تسأل الطبيب أو الطبيبة الثقة: هل خُلِقت هذه المضغة أو لا؟ (يعني: هل بدا فيها تخليق الإنسان ولو خفيًّا، كتخطيط يد أو رجل أو رأس ونحو ذلك؟)، فإن كانت هذه المضغة لم يتبيَّن فيها خلق الإنسان (يعني: قطعة لحم) وليس فيها تخطيط ولو خفيًّا، كيد أو رجل أو رأس أو نحو ذلك، فإن المرأة تأخذ أحكام القسم الأول (تتحفَّظ وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها، ولا يجب عليه الوضوء لكلِّ صلاة إلا إذا خرج منها بول أو غائط أو ريح ونحو ذلك).
وإذا كانت المضغة قد بدا فيها تخليق الإنسان ولو كان خفيًّا (كتخطيط يد أو رجل أو رأس ونحو ذلك)، فإن المرأة تأخذ أحكام النِّفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا يجوز لزوجها أن يُجامِعها، حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدرة، أو حتى تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم أو الصُّفرة أو الكُدرة، فإذا بلغت أربعين يومًا فإنها تغتسل وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
ثالثًا: إذا سقط الحمل بعد ثمانين يومًا ولا تعلم المرأة هل خُلِق هذا الحمل الذي سقط أو لا؟ وجهلت أمره، فهذا السقط له حالتان:
1- إذا كان الحمل الذي سقط قد تَمَّ له تسعون يومًا، فإن المرأة تأخذ أحكام النِّفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا تحلُّ لزوجها حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدرة، أو تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم أو الكُدرة أو الصُّفرة، ثم تغتسل وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
2- إذا لم يتمَّ له تسعون يومًا، وجهلت المرأة أمره هل خُلِق أو لا، فإن المرأة تتحفَّظ (بأن تضع على فرجها ما يمنع من خروج الدم على ملابسها، وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها، والدم الخارج منها لا ينقض الوضوء، ولا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ صلاة، إلا إذا خرج منها خارج مُعتاد كالبول أو الغائط أو الريح ونحو ذلك كما تقدَّم).
مسألة مهمَّة: إذا سقط الحمل بعد وفاته في الرحم بمدَّة، مثاله: إذا سقط الحمل بعد ثلاثة أشهر، وتبيَّن أنه قد تُوفِّي قبل سقوطه بشهر، فإن الحمل في هذه الحالة يكون عمره شهرين فقط وتأخذ المرأة أحكام القسم الأول (تتحفَّظ وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها... الخ) فالعبرة بمدَّة حياة الجنين في الرحم، وليس زمن إسقاطه.
رابعًا: أن يسقط الحمل بعد تمام أربعة أشهر (بعد نفخ الروح فيه).
فالمرأة تأخذ أحكام النفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا تحلُّ لزوجها حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدْرَة، أو تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم، أو الصفرة، أو الكُدرة، ثم تغتَسِل وتصلِّي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
والجنين الذي سقط في هذه المرحلة (بعد نفخ الرُّوح) وتَمَّ له أربعة أشهر، يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه، ويُقبَر في مقابر المسلمين، وتُذبَح عنه العقيقة في اليوم السابع من سقوطه، وإذا اعتُدِي عليه وأُسقِط فإنها تجب فيه الكفارة المغلَّظة، وتجب فيه الدِّيَة وهي غرَّة - جاء في الحديث أنها قيمةُ عبدٍ أو أمَة - والغُرَّة هي خيار الشيء، وقدَّرها العُلَماء بعُشْرِ دِيَة أمِّه، وتُقَدَّر بخمسة من الإبل، وإذا اعتُدِي عليه وأُسقِط لوقت يعيش لمثله بأن يكون سقوطه لستة أشهر فأكثر وسقط حيًّا حياةً مستقرَّة، فدِيَتُه دِيَة المولود حيًّا (يعني: مائة من الإبل).
المبحث العاشر: أحكام الغسل:
الغسل: هو استعمال الماء في جميع البدن على صفة مخصوصة يأتي بيانها، والدليل على وجوبه قول الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا... ﴾ [المائدة: 6].
ومُوجِبات الغسل ستة أشياء:
الأول: خروج المَنِيِّ من مَخرَجِه من الذكر أو الأنثى، ولا يخلو خروج المَنِيِّ إمَّا أن يخرج في حال اليقظة، أو حال النوم.
فإن خرَجَ في حال اليَقَظَة اشتُرِط وجود اللذَّة بخروجه، فإن خرج بدون لذَّة لم يُوجِب الغسل، كالذي يخرج بسبب مرض، أو عدم إمساك ونحو ذلك.
وإن خرج في حال النوم، وهو ما يُسمَّى بالاحتلام، وجب الغسل مطلقًا؛ لفقد إدراكه، فقد لا يشعر باللذة.
والنائم إذا استيقَظَ من نومه فوجد بللاً، فلا يخلو من أمور:
الأمر الأول: أن يعلم أنه مَنِيٌّ، فيجب عليه الغسل مطلقًا.
الأمر الثاني: أن يعلم أنه غير مَنِيٍّ، فلا يجب عليه الغسل، ولكن يطهِّر ما أصابه.
الأمر الثالث: أن يشكَّ في الأمر، فلا يجب عليه الغسل، ولكن يُطَهِّر ما أصابه.
الثاني: إيلاج الحشفة في الفرج، والمُرَاد: رأس الذكر ولو لم يحصل إنزال للواطئ والموطوءة؛ لحديث عائشة - رضِي الله عنْها - عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا قعد بين شُعَبِها الأربع ثم مسَّ الختانُ الختانَ، فقد وَجَبَ الغسل))؛ رواه مسلم، وفي لفظ: ((وإن لم يُنزِل)).
الثالث: إسلام الكافر، فإذا أسلم الكافر وَجَبَ عليه الغسل؛ لأن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أمر قيس بن عاصم لَمَّا أسلم بالغُسل؛ رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وحسَّنه، وكذا أمَر ثُمامَة بن أَثَال بالغسل لَمَّا أسلم؛ رواه أحمد وعبدالرزَّاق.
الرابع والخامس: الحيض والنِّفاس؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ... ﴾ [البقرة: 222]؛ يعني: الحُيَّض يتطهَّرن بالاغتسال بعد انتهاء الحيض.
ولما روَتْه عائشة - رضِي الله عنْها - أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((فإذا أقبلت الحيضة فدَعِي الصلاة، فإذا أدبرَتْ فاغتسلي وصلِّي))؛ رواه البخاري وغيره.
السادس: الموت؛ لحديث أم عطية - رضِي الله عنْها - وفيه قوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - للاَّتي غَسَّلن ابنته: ((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك...))؛ متفق عليه.
صفة الغسل الكامل وهو المشتَمِل على الواجب والمستحب:
أولاً: تنوي المرأة الغسل الكامل بقلبها؛ لقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنما الأعمال بالنيات))؛ متفق عليه.
ثانيًا: التسمية وهي سنة.
ثالثًا: غسل اليدين ثلاث مرات؛ كما في حديث عائشة - رضِي الله عنْها - في صفة غسل النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه..."؛ متفق عليه.
رابعًا: غَسْلُ الفرج؛ لحديث ميمونة - رضِي الله عنْها -: ((... ثم غسل فرجه...))؛ متفق عليه، وما علق به من أذًى باليد الشمال؛ لقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((... ولا يتمسَّح من الخلاء بيمينه...))؛ متفق عليه.
خامسًا: تضرب بيدها الأرض أو الحائط مرَّتين أو ثلاثًا؛ لحديث ميمونة - رضِي الله عنْها -: "... ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرَّتين أو ثلاثًا..."؛ متفق عليه؛ لإزالة ما علق بهما من أذًى، أو غسلهما بالماء والصابون.
سادسًا: تتوضَّأ وضوءًا كاملاً كما تتوضَّأ للصلاة؛ كما في حديث عائشة - رضِي الله عنْها -: "... ثم يتوضَّأ كما يتوضَّأ للصلاة..."؛ متفق عليه، مع غسل الرجلين، وأحيانًا تؤخِّر غسل الرجلين في آخر الغسل.
خلود
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
سابعًا: غسل الرأس، والسنة في ذلك:
أولاً: تُخَلِّل المرأة بأصابع يديها شعرَها حتى تروي بشرة رأسها؛ لحديث عائشة - رضِي الله عنْها -: "... ثم يخلِّل بيده شعره حتى يظنَّ أنه قد أروى بشرته..."؛ متفق عليه.
ثانيًا: دلكه؛ كما جاء في حديث عائشة - رضِي الله عنْها -: "ثم تصبُّ على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا"؛ رواه مسلم.
ثالثًا: تبدأ بشقِّها الأيمن ثم الأيسر؛ كما في حديث عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كان النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا اغْتسَلَ من الجَنابةِ دعا بشيءٍ نحوَ الحِلابِ فأخذَ بكفِّه فبَدأ بشِقِّ رأْسهِ الأيمَنِ، ثمَّ الأيسَر، فقال بهما على رأسهِ"؛ متفق عليه.
رابعًا: تصبُّ على رأسها الماء ثلاث مرَّات؛ كما في حديث عائشة السابق وفيه: "... أفاضَ عليه - يعني: رأسه - الماء ثلاث مرَّات...".
ثامنًا: ثم تُفِيض الماء على سائر جسدها.
تاسعًا: ثم تنتقل من مكانها وتغسل قدمَيْها؛ لحديث ميمونة بنت الحارث - رضِي الله عنْها - زوج النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في صفة غسل النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وفيه: "... ثم تنحَّى فغسل رجليه"؛ متفق عليه، هذا إذا لم يتقدَّم غسلهما مع الوضوء.
صفة الغسل المُجْزِئ: هو أن تنوي الغسل، وتعمِّم جميع بدنها بالماء، مع المضمضة والاستنشاق.
مسألة: الفرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض والنفاس:
الفرق الأول: غسل الجنابة من السنَّة أن تتوضَّأ المرأة قبل أن تغتسل على الصفة السابق ذكرها، أمَّا الحائض والنفساء فلم يرد ما يدلُّ على ذلك.
الفرق الثاني: المرأة يُستَحبُّ لها نَقْضُ رأسها لغُسْلِ الحيض، ولا يستحبُّ عند غسل الجنابة؛ لحديث أم سلمة - رضِي الله عنْها - قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشدُّ ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا؛ إنما يَكفِيك أن تحثي عليه ثلاث حثَيَات، ثم تُفِيضين عليه الماء فتطهرين))؛ رواه مسلم، وفي روايةٍ لمسلم: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: ((لا...)) الحديث.
وفي حديث عائشة - رضِي الله عنْها - أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال لها عندما حاضَتْ في الحج: ((دعي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتَشِطي))؛ رواه البخاري.
ولكن إذا لم تنقُضْه فيجب عليها أن تُوصِل الماء إلى أصول شعرها وبشرة رأسها؛ كما جاء في الحديث: ((ثم تصبُّ على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها))؛ رواه مسلم.
الفرق الثالث: أن غسل الحيض يستحبُّ أن يكون بماء وسدر، ويتأكَّد استعمال السدر فيه بخلاف غسل الجنابة؛ لحديث عائشة - رضِي الله عنْها -: أنَّ أَسماء سأَلت النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عن غسل المحيض فقال: ((تأخذ إحداكنَّ ماءها وسدرتها فتَطَهَّرُ فتُحسِن الطَّهُور))؛ رواه مسلم.
الفرق الرابع: أن غسل الحيض يستحبُّ أن يُستَعمل فيهِ شيء من الطِّيب، في خرقة أو قطنة أو نحوهما، يتبع به مجاري الدم؛ لقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في حديث عائشة - رضِي الله عنْها - السابق: ((ثم تأخذ فِرْصَةً مُمَسَّكة فتطهر بها))، فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: ((سبحان الله، تطهرين بها))، فقالت عائشة كأنها تُخفِي ذلك: تتبعين أثر الدم، قال ابن رجب - رحمه الله -: والصحيح الذي عليه جمهور الأئمَّة العلماء بالحديث والفقه: أن غسل المحيض يستحبُّ فيه استعمال المسك بخلاف غسل الجنابة والنِّفاس كالحيض في ذلك، "فتح الباري"؛ لابن رجب (ج2/ ص115).
قال النووي - رحمه الله -: "إن السنة في حقِّ المغتسلة من الحيض أن تأخذ شيئًا من مسك فتجعله في قطنه أو خرقه أو نحوها، وتدخلها في فرجها بعد اغتسالها ويستحبُّ هذا للنُّفَساء أيضًا؛ لأنها في معنى الحائض؛ لقوله: ((تأخذ إحداكن ماءَها وسِدرَتَها فتطهر فتُحسِن الطُّهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فِرصة مُمَسَّكة فتطهر بِها))، وهذا نصٌّ في استعمال الفِرْصَة بعد الغُسل، وقال - رحمه الله -: فالصحيح المختار الذي قاله الجماهير من أصحابنا وغيرهم أن المقصود باستعمال المسك تطييب المحلِّ ودفع الرائحة الكريهة. ("شرح النووي على مسلم" 4/ 13).
مسائل مهمَّة في الغسل:
♦ لا يجوز ترك جزء ولو صغيرًا دون أن يصيبه الماء؛ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ويل للأعقاب من النار))؛ متفق عليه، والعَقِبُ هو مؤخِّرة القدم، وقال للرجل الذي توضَّأ فترك موضع ظفر على قدمه: ((ارجع فأحسن وضوءك))؛ رواه مسلم.
♦ إذا مسَّت المرأة فرجها باليد أثناء الغسل سواء القبل أو الدبر من غير حائل، فإنه ينتقض وضوءها؛ لحديث بُسْرَة بنت صفوان - رضِي الله عنْها - أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن مسَّ ذكره فليتوضَّأ))، وفي رواية: ((مَن مسَّ فرجه فليتوضَّأ))؛ رواه أحمد والنسائي وصحَّحه الألباني، وهو مرويٌّ من حديث أم حبيبة وأبي أيوب عند ابن ماجه.
♦ وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب، فليتوضأ))؛ رواه ابن حبَّان وقال الألباني: إسناده جيد.
♦ وعن عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جدِّه قال: قال لي رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن مَسَّ ذكره فليتوضَّأ، وأيُّما امرأة مسَّتْ فرجها فلتتوضَّأ))؛ أخرجه أحمد والدارقطني وصحَّحه الألباني، فعليها أن تعيد الوضوء فقط دون الغسل.
♦ الأَوْلَى عدم تنشيف الأعضاء بعد الغسل أو الوضوء إذا لم يكن هناك حاجة من برد ونحوه؛ لحديث ميمونة - رضِي الله عنْها - في صفة غسله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وفيه "فأتيته بخرقة فلم يُرِدْها، فجعل ينفض الماء بيديه"، وقد جاء في حديث أَبي هريرة أَنَّ رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قَطْرِ الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كان بطشَتْها يداه مع الماء - أو مع آخر قَطْرِ الماء - فإذا غسل رجليه خرجت كلُّ خطيئة مشَتْها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - حتى يخرج نقيًّا من الذنوب))؛ رواه مسلم، والله أعلم.
وفَّق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
إعداد
عبد العزيز بن صالح الحمَّاد
أولاً: تُخَلِّل المرأة بأصابع يديها شعرَها حتى تروي بشرة رأسها؛ لحديث عائشة - رضِي الله عنْها -: "... ثم يخلِّل بيده شعره حتى يظنَّ أنه قد أروى بشرته..."؛ متفق عليه.
ثانيًا: دلكه؛ كما جاء في حديث عائشة - رضِي الله عنْها -: "ثم تصبُّ على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا"؛ رواه مسلم.
ثالثًا: تبدأ بشقِّها الأيمن ثم الأيسر؛ كما في حديث عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كان النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا اغْتسَلَ من الجَنابةِ دعا بشيءٍ نحوَ الحِلابِ فأخذَ بكفِّه فبَدأ بشِقِّ رأْسهِ الأيمَنِ، ثمَّ الأيسَر، فقال بهما على رأسهِ"؛ متفق عليه.
رابعًا: تصبُّ على رأسها الماء ثلاث مرَّات؛ كما في حديث عائشة السابق وفيه: "... أفاضَ عليه - يعني: رأسه - الماء ثلاث مرَّات...".
ثامنًا: ثم تُفِيض الماء على سائر جسدها.
تاسعًا: ثم تنتقل من مكانها وتغسل قدمَيْها؛ لحديث ميمونة بنت الحارث - رضِي الله عنْها - زوج النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في صفة غسل النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وفيه: "... ثم تنحَّى فغسل رجليه"؛ متفق عليه، هذا إذا لم يتقدَّم غسلهما مع الوضوء.
صفة الغسل المُجْزِئ: هو أن تنوي الغسل، وتعمِّم جميع بدنها بالماء، مع المضمضة والاستنشاق.
مسألة: الفرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض والنفاس:
الفرق الأول: غسل الجنابة من السنَّة أن تتوضَّأ المرأة قبل أن تغتسل على الصفة السابق ذكرها، أمَّا الحائض والنفساء فلم يرد ما يدلُّ على ذلك.
الفرق الثاني: المرأة يُستَحبُّ لها نَقْضُ رأسها لغُسْلِ الحيض، ولا يستحبُّ عند غسل الجنابة؛ لحديث أم سلمة - رضِي الله عنْها - قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشدُّ ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا؛ إنما يَكفِيك أن تحثي عليه ثلاث حثَيَات، ثم تُفِيضين عليه الماء فتطهرين))؛ رواه مسلم، وفي روايةٍ لمسلم: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: ((لا...)) الحديث.
وفي حديث عائشة - رضِي الله عنْها - أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال لها عندما حاضَتْ في الحج: ((دعي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتَشِطي))؛ رواه البخاري.
ولكن إذا لم تنقُضْه فيجب عليها أن تُوصِل الماء إلى أصول شعرها وبشرة رأسها؛ كما جاء في الحديث: ((ثم تصبُّ على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها))؛ رواه مسلم.
الفرق الثالث: أن غسل الحيض يستحبُّ أن يكون بماء وسدر، ويتأكَّد استعمال السدر فيه بخلاف غسل الجنابة؛ لحديث عائشة - رضِي الله عنْها -: أنَّ أَسماء سأَلت النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عن غسل المحيض فقال: ((تأخذ إحداكنَّ ماءها وسدرتها فتَطَهَّرُ فتُحسِن الطَّهُور))؛ رواه مسلم.
الفرق الرابع: أن غسل الحيض يستحبُّ أن يُستَعمل فيهِ شيء من الطِّيب، في خرقة أو قطنة أو نحوهما، يتبع به مجاري الدم؛ لقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في حديث عائشة - رضِي الله عنْها - السابق: ((ثم تأخذ فِرْصَةً مُمَسَّكة فتطهر بها))، فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: ((سبحان الله، تطهرين بها))، فقالت عائشة كأنها تُخفِي ذلك: تتبعين أثر الدم، قال ابن رجب - رحمه الله -: والصحيح الذي عليه جمهور الأئمَّة العلماء بالحديث والفقه: أن غسل المحيض يستحبُّ فيه استعمال المسك بخلاف غسل الجنابة والنِّفاس كالحيض في ذلك، "فتح الباري"؛ لابن رجب (ج2/ ص115).
قال النووي - رحمه الله -: "إن السنة في حقِّ المغتسلة من الحيض أن تأخذ شيئًا من مسك فتجعله في قطنه أو خرقه أو نحوها، وتدخلها في فرجها بعد اغتسالها ويستحبُّ هذا للنُّفَساء أيضًا؛ لأنها في معنى الحائض؛ لقوله: ((تأخذ إحداكن ماءَها وسِدرَتَها فتطهر فتُحسِن الطُّهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فِرصة مُمَسَّكة فتطهر بِها))، وهذا نصٌّ في استعمال الفِرْصَة بعد الغُسل، وقال - رحمه الله -: فالصحيح المختار الذي قاله الجماهير من أصحابنا وغيرهم أن المقصود باستعمال المسك تطييب المحلِّ ودفع الرائحة الكريهة. ("شرح النووي على مسلم" 4/ 13).
مسائل مهمَّة في الغسل:
♦ لا يجوز ترك جزء ولو صغيرًا دون أن يصيبه الماء؛ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ويل للأعقاب من النار))؛ متفق عليه، والعَقِبُ هو مؤخِّرة القدم، وقال للرجل الذي توضَّأ فترك موضع ظفر على قدمه: ((ارجع فأحسن وضوءك))؛ رواه مسلم.
♦ إذا مسَّت المرأة فرجها باليد أثناء الغسل سواء القبل أو الدبر من غير حائل، فإنه ينتقض وضوءها؛ لحديث بُسْرَة بنت صفوان - رضِي الله عنْها - أن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن مسَّ ذكره فليتوضَّأ))، وفي رواية: ((مَن مسَّ فرجه فليتوضَّأ))؛ رواه أحمد والنسائي وصحَّحه الألباني، وهو مرويٌّ من حديث أم حبيبة وأبي أيوب عند ابن ماجه.
♦ وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب، فليتوضأ))؛ رواه ابن حبَّان وقال الألباني: إسناده جيد.
♦ وعن عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جدِّه قال: قال لي رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن مَسَّ ذكره فليتوضَّأ، وأيُّما امرأة مسَّتْ فرجها فلتتوضَّأ))؛ أخرجه أحمد والدارقطني وصحَّحه الألباني، فعليها أن تعيد الوضوء فقط دون الغسل.
♦ الأَوْلَى عدم تنشيف الأعضاء بعد الغسل أو الوضوء إذا لم يكن هناك حاجة من برد ونحوه؛ لحديث ميمونة - رضِي الله عنْها - في صفة غسله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وفيه "فأتيته بخرقة فلم يُرِدْها، فجعل ينفض الماء بيديه"، وقد جاء في حديث أَبي هريرة أَنَّ رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قَطْرِ الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كان بطشَتْها يداه مع الماء - أو مع آخر قَطْرِ الماء - فإذا غسل رجليه خرجت كلُّ خطيئة مشَتْها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - حتى يخرج نقيًّا من الذنوب))؛ رواه مسلم، والله أعلم.
وفَّق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
إعداد
عبد العزيز بن صالح الحمَّاد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى