ام الشهيد
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
باب التيمم
يشترط له ثلاثة :
(أحدهما) دخول الوقت ،وهذا قول مالك والشافعي لأنه مستغن عنه أشبه التيمم عند وجود الماء ، وقال أبو حنيفه : يصح ، وروى عن أحمد أنه قال : القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة ، حتى يجد الماء أو يحدث فعليها يجوز قبل دخول الوقت .
(الثانية) العجز عن استعمال الماء لعدمه لمن تيمم لعذر عدم الماء .
(الثالث) طلب الماء ، وفيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى . وعدم الماء يبيح التيمم في السفر الطويل والقصير ،وهذا قول مالك والشافعي ، وقال قوم : لا يباح إلا في الطويل قياساً على سائر رخص السفر ، ولنا قوله : (وإن كنتم مرضى) الآية فدل على إباحته في كل سفر ، وقياسهم لا يصح لأنه يباح في الحضر ولأنه عزيمة . فإن عدم الماء في الحضر تيمم ، وهذا قول مالك والشافعي ،وقال أبو حنيفة في رواية : لا يصح لأن الله شرط له السفر ،ولنا قوله : "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين" صححه الترمذي وهذا عام ، ولعل ذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب كذكر السفر وعدم الكاتب في الرهن ، وأبو حنيفة لا يقول بدليل الخطاب ولو كان حجة فالمنطوق راجح عليه . وهل يعيد إذا قدر على الماء على روايتين .
ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله كالحطاب ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته صلى بالتيمم ولا إعادة عليه . وإن خاف البرد ولم يمكنه استعمال الماء على وجه يأمن الضرر تيمم في قول أكثر أهل العلم ، وقال الحسن وعطاء : يغتسل وإن مات . ووجه الأولى قوله : (ولا تقتلوا أنفسكم) ولحديث عمرو بن العاص ، وهل يلزمه الإعادة فيه روايتان إحداهما: لا تلزم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمرو بن العاص بالإعادة ،وقال أبو يوسف ومحمد : تجب كنسيان الطهارة ، والأول أصح لأن الناسي لم يأت بما أمر به .
والجريح والمريض إذا خافا تيمما هذا قول أكثر أهل العلم ، وقال عطاء والحسن : لا يجوز إلا عند عدم الماء ، ولنا قوله : (ولا تقتلوا أنفسكم) وحديث صاحب الشجة . واختلفوا في الخوف المبيح فعن أحمد لا يبيحه إلا خوف التلف ، والصحيح الإباحة إذا خاف زيادة المرض أو تباطؤ البرء لأنه يجوز إذا خاف ذهاب شيء من ماله أو لم يجد الماء إلا بزيادة كثيرة على ثمن المثل ولأن ترك القيام في الصلاة وتأخير الصوم في المرض لا ينحصر في خوف التلف . فإن لم يخف الضرر لم يجز ، وحكي عن مالك وداود إباحته للمريض ملطقاً لظاهر الآية ، ولنا أنه قادر عليه من غير ضرر فأشبه الصحيح ، والآية اشترط فيها عدم الماء فلم يتناول محل النزاع على أنه لا بد فيها من إضمار الضرورة ولا يكون إلا عند الضرورة . وإن خاف العطش على نفسه تيمم ولا إعادة إجماعاً . وإن خاف على رفيقه أو بهائمه فكذلك .
وإن وجد عطشاناً يخاف تلفه لزمه سقيه وتيمم ،وقال القاضي : لا يلزمه بذله لأنه محتاج إليه ، ولنا أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة إذا رأى حريقاً أو غريقاً عند ضيق الوقت ، وقد غفر الله لبغي سقت كلباً فالآدمي أولى . وإن خاف على نفسه أو ماله في طلب الماء كمن بينه وبينه لص او عدو فهو كالعادم . ومن كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا على من يناوله فكالعادم . وإن وجد من يناوله قبل خروج الوقت فكالواجد ، وقال الحسن : يتيمم ولا إعادة لأنه عادم في الوقت . وإن وجد الماء إلا أنه اشتغل بتحصيله فات الوقت لم يتيمم في قول أكثر أهل العلم ، وعن الأوزاعي والثوري يتيمم ، ولنا قوله : (فلم تجدوا ماء) وهذا واجد للماء وقوله :"التراب كافيك ما لم تجد الماء" وإن وجد الماء بثمن مثله لزمه شراءه لأنه قادر ، وكذلك إن كان بزيادة يسيرة ، وقال الشافعي : لا يلزمه الشراء مع الزيادة قليلة كانت أو كثيرة لأن عليه ضرراً في الزيادة كخوف اللص ، ولنا قوله تعالى :"فلم تجدوا ماء" ولأن ضرر المال دون ضرر النفس وقد قالوا في المريض : يلزمه الغسل مالم يخف التلف . فتحمل الضرر اليسير في الماء أحرى .
والجريح والمريض إذا أمكنه غسل البعض غسل ما أمنكنه وتيمم للباقي وهو قول الشافعي ، وقال مالك : إن كان أكثر بدنه صحيحاً غسله ولا يتيمم ، وإن كان أكثره جريحاً تيمم ولا غسل عليه لأن الجمع بين البدل والمبدل منه لا يجب كالصيام والإطعام ، ولنا حديث صاحب الشجة ، ولأنه من شروط الصلاة فالعجز عن بعضها لا يسقط جميعها كالسترة ، وما ذكره ينتقض بالمسح على الخفين وقياسهم جمع بين البدل والمبدل منه في محل واحد . وكل ما لا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجريح حكمه حكم الجريح . ولا يلزمه أن يمسح على الجرح بالماء إذا أمكنه سواء كان معصوباً أو لا ، ونص أحمد في المجروح إذا خاف مسح موضع الجرح مسح وغسل ما حوله لأن المسح بعض الغسل ،ووجه الأول أنه محل واحد فلا يجمع بين المسح والتيمم كالجبيرة ، وإذا قلنا يجب المسح فهل يتيمم على روايتين إحداهما لا يتيمم كالجرح المعصوب عليه والجبيرة على الكسر ، والثانية يتيمم لأن المسح بعض الغسل فيتيمم للباقي والجبيرة الفرض انتقل فيها إلى الحائل فهو كالخفين ، وإذا كان الجريح جنباً فإن شاء قدم التيمم وإن شاء أخره بخلاف المتيمم لعدم ما يكفيه فإنه يلزمه الغسل أولاً ، لأن التيمم للعدم ولا يتحقق مع وجود الماء ولأن الجريح يعلم أن التيمم بدل عن غسل الجرح والعادم لا يعلم القدر الذي تيمم له إلا بعد الغسل . وإن تيمم الجريح للحدث الأصغر فذكر القاضي أنه يلزمه الترتيب ، وقال شيخنا : يحتمل أن لا يجب هذا الترتيب لأن التيمم طهارة مفردة كما لو كان الجريح جنباً ولأن فيه حرجاً فيندفع بقوله (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وحكى الماوردي عن مذهب الشافعي مثل هذا ، ولإن وجد ما يكفي بعض بدنه لزمه استعماله وتيمم للباقي وإن كان جنباً نص عليه وفيمن وجد ما يكفيه لوضوئه وهو جنب قال : يتوضأ ويتيمم ، وهذ قول عطاء وأحد قولي الشافعي وبه قال الحسن والزهري ومالك وابن المنذر ، والقول الثاني للشافعي يتيمم ويتركه لأنه لا يطهره كالمستعمل ، ولنا قوله :" فلم تجدوا ماء" وخبر أبي ذر "فإذا وجدته فأمسه بشرتك" وقوله : "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فإن وجده المحدث الحدث الأصغر فقيل يلزمه لما ذكرنا في الجنب ، والثاني لا يلزمه لأن المولاة شرط فيه ، والصحيح أنه يلزمه .
والمشهور عن أحمد اشتراط طلب الماء لصحة التيمم وهو مذهب الشافعي ، وعنه لا يشترط وهو مذهب أبي حنيفه لقوله : "التراب كافيك مالم تجد ماء" ووجه الأولى قوله (فلم تجدو ماء) ولا يقال : لم يجد إلا لمن طلب ، فأما إن تيقن أن لا ماء فلا يجب الطلب قولاً واحداً قاله أبو العباس ، وإن أراق الماء قبل الوقت تيمم من غير إعادة وبه قال الشافعي ، وقال الأوزاعي : إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت كقولنا وإلا تيمم وأعاد لأنه مفرط ، فأما إن أراقه في الوقت أو مر به فلم يستعمله عمداً مع أنه لا يرجو وجوده فقد عصى بذلك فيتيمم ويصلي وفي الإعادة وجهان . وإن نسي الماء وتيمم لم يجزئه نص عليه وقال : هذا واجد للماء . وعنه التوقف في هذه المسألة ، وقال أبو حنيفه وابن المنذر : يجزئه ، وعن مالك كالمذهبين ، وعنه يعيد ما دام في الوقت .
ويجوز التيمم لجميع الأحداث وللنجاسة على جرح يضره إزالتها ، وكان ابن مسعود لا يرى التيمم للجنب ، وقال الثوري وأبو ثور : إذا عجز عن غسل النجاسة على بدنه مسحها بالتراب وصلى ، وقال أكثر الفقهاء : لا يتيمم للنجاسة لأن الشرع إنما ورد في الحدث ، ووجه الأولى قوله : "الصعيد الطيب طهور المسلم " وقوله :"جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" وإن اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ما يكفي أحدهما قدم غسل النجاسة نص عليه ولا نعلم فيه خلافاً . فإن عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله وهو قول الشافعي ، وروى عن أحمد لا يصلي حتى يقدر على أحدهما وهو قول أبي حنيفة والثوري ، وقال مالك : لا يصلي ولا يقضي كالحائض ، قال ابن عبد البر : هذه رواية منكرة عنه ، ولنا حديث القلادة وفيه :" فصلوا بغير وضوء فلم ينكر ولا أمر بالإعادة" وقياس أبي حنيفه على الحائض في تأخير الصيام لا يصح لأن الصوم يدخله التأخير لأن المسافر يؤخره ولأن عدم الماء لو كان كالحيض لأسقط الصلاة وقياس الصلاة على جنسها أولى من قياسها على الصوم ، وقياس مالك لا يصح لمخالفته لقوله :"إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وقياس الطهارة على شرائط الصلاة أولى من قياسها على الحيض والحيض معتاد والعجز هنا نادر لأنه يشق إيجاب قضاء المعتاد .
ولا يتيمم إلا بطاهر له غبار يعلق باليد للآية قال ابن عباس : الصعيد تراب الحرث والطيب الطاهر وقال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وما لا غبار له لا يمسح بشيء منه وبه قال الشافعي ، وقال مالك وأبو حنيفة : يجوز بكل ما كان من جنس الأرض كالنورة والزرنيخ والحجارة ، وقال الأوزاعي : الرمل من الصعيد ، وقال حماد : يتيمم بالرخام لقوله :" جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" ولنا الأمر بالصعيد وهو التراب وقوله منه ، فأما السبخة فعنه يجوز وقاله الشافعي وابن المنذر لقوله وجعلت تربتها طهوراً .
وعنه في النورة والحصى والرمل ونحوه ، وعنه يجوز ذلك مع الاضطرار خاصة ، وإن ضرب بيده على لبد أو شعير ونحوه فعلق به غبار جاز نص عليه لأنه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده على الحائط فمسح بها وجهه ويديه .
وأجاز مالك التيمم بالثلج والحشيش وكل ما تصاعد على وجه الأرض ، ومنع من التيمم بغبار اللبد والثوب لأنه صلى الله عليه وسلم لما ضرب بيديه نفخهما . ولنا الآية والنفخ لا يزيل الغبار اللاصق ، وروى الأثرم عن ابن عمر أنه قال : لا يتيمم بالثلج فإن لم يجد فصفحة فرسه أو معرفة دابته ، فأما التراب النجس فلا يجوز لا نعلم فيه خلافاً ، ويجوز أن يتيمم جماعة في موضع واحد بغير خلاف وإن كان في الطين فحكى عن ابن عباس أنه يطلي به جسده فإذا جف تيمم به ، ولاخلاف في وجوب مسح الوجه والكفين للآية وهذا قول الشافعي يعني أنه لا يجزي البعض ـ وقال سليمان ابن داود : يجزيه إذا لم يصب إلا بعض وجهه ، ولنا قوله : (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) والباء للإلصاق .
والنية شرط للتيمم في قول أكثر أهل العلم لا نعلم فيه خلافاً إلا ماحكى عن الأوزاعي والحسن بن صالح ، وإن نوى نفلاً لم يصل إلا نفلاً ، وقال أبو حنيفه له أن يصلي بها ما يشاء ويبطل بخروج الوقت ووجود الماء ومبطلات الوضوء ، روي بطلانه بخروج الوقت عن علي وابن عمر وهو قول مالك والشافعي وقيل : لا يبطل وهو مذهب ابن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي ، ولنا أنه روي عن علي وابن عمر أنه قال : يتيمم لكل صلاة ، وأما وجود الماء فلا نعلم فيه خلافاً ، وإن وجده في الصلاة بطلت ، وعنه لا تبطل قاله مالك والشافعي وابن المنذر ، وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه بطل ، والصحيح ما اختاره شيخنا أنه لا يبطل وهو قول سائل الفقهاء ، ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له ، وقال أبو مجلز : لا يتيمم إلا لمكتوبة ، وكره الأوزاعي أن يمس المتيمم المصحف ، ولنا حديث أبي ذر وقوله :"جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" وإن وجد الماء في الوقت لم يعد وهو قول مالك والشافعي ، وقال طاوس وابن سيرين والزهري يعيد ، ولنا ما روى أبو داود عن أبي سعيد أن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيداً فصليا ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد :"أصبت السنة وأجزأتك صلاتك " وقال للذي أعاد :"لك أجرك مرتين" واحتج أحمد بأن ابن عمر تيمم وهو يرى بيوت المدينة فصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد ، والمصلي علىحسب حاله إذا وجد الماء أو تراباًَ خرج منها بكل حال ويحتمل أن لا يخرج كالمتيمم إذا وجد الماء في الصلاة . ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء ، وروي عن علي وعطاء والحسن وأصحاب الرأي ، وقال الشافعي في أحد قوليه : التقديم أفضل ، والمسنون عن أحمد التيمم بضربة واحدة قال أحمد : من قال ضربتين إنما هو شيء زاده ، قال الترمذي : وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره ، وقال الشافعي : لا يجزيء إلا ضربتان للوجه واليدين إلى المرفقين ولنا حديث عمار ، ولأنه حكم علق على مطلق اليد فلم يدخل فيه الذراع كقطع يد السارق ، وقد احتج ابن عباس بهذا وأما أحاديثهم فضعيفة لم يرو منها أهل السنن إلا حديث ابن عمر ، وقال أحمد : ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم حديث منكر وحديث ابن الصمة صحيح لكن إنما جاء في المتفق عليه فمسح وجهه ويديه فهو حجة لنا ، ثم أحاديثهم لا تعارض حديثنا لأنها تدل على جوازه بضربتين لا نفي جواز التيمم بضربة كما أن وضوءه صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لا ينفي الأجزاء بمرة ، فإن قيل : روى في حديث عمار "إلى المرفقين" قيل لا يعول عليه إنما رواه سلمة وشك فيه ذكره النسائي مع أنه أنكرعليه وخالفه فيه سائر الرواة الثقات ، ولا يختلف المذهب أنه يجزيء بضربة وبضربتين وإذا (كان) علا يديه غبار كثير لم يكره نفخه لحديث عمار ،وقيل : يكره .
ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفاً من فوات المكتوبة ولا الجنازة ، وعنه يجوز للجنازة ، وعن الأوزاعي والثوري له التيمم إذا خاف خروج الوقت وإن خاف فوات العيد فكذلك ، وقال الأزاعي والثوري : له التيمم ، ووجه الأولى قوله : (لم تجدو ماء) والتيمم لفوات الجنازة يروى عن ابن عمر وابن عباس وبه قال إسحاق وأصحاب الرأي ، وقال الشعبي : يصلي عليها من غير وضوء اشبهت الدعاء في غير الصلاة ، ولنا قوله :"لا يقبل الله صلاة بغير طهور" ،ولا يكره للعادم جماع زوجته إذا لم يخف العنت ، وفيه رواية يكره ، وقال إسحق بن راهوية : هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر وعمار وغيرهما .
ومن هنا إلى آخر الباب من (الانصاف) :
ولا يكره لعادم الماء وطء زوجته اختاره الشيخ ، وهو بدل لكل ما يفعله بالماء من الصلاة وغيرها ولوطء حائض انقطع دمها ، وقيل يحرم الوطء والحالة هذه اختاره الشيخ ، وإذا وجد عطشاناً يخاف تلفه لزمه سقيه وتيمم جزم به الشيخ . وقال : يلزمه قبول الماء قرضاً وكذا ثمنه وله ما يوفيه . وقال : ولو كان به جرح يخاف من غسله فمسحه بالماء أولى من مسح الجبيرة انتهى .
ولو كان على الجرح عصابة أو لصوق أجزأ المسح على الصحيح ، وعنه يتيمم معه . ولو كان الجرح في بعض أعضاء الوضوء لزمه الترتيب ، قال الشيخ : ينبغي أن لا يرتب ، وقال : لا يلزمه مراعاة الترتيب وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره ، وقال : الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة.
ويجوز التيمم للنجاسة ، وفي وجه لا يجب التيمم لنجاسة البدن مطلقاً نصره الشيخ . ولو عدم الماء والتراب صلى علىحسب حاله ولا يزيد على ما يجزيء وقال الشيخ : يتوجه له فعل ما شاء لأنه لا تحريم مع العجز ولأن له أن يزيد على ما يجزيء في ظاهر قولهم وقال هل فعل ذلك على أصح القولين .
ولا يتيمم إلا بتراب له غبار ، وعنه بالسبخه ،وعنه وبالرمل أيضاً اختاره الشيخ ، واختار جواز التيمم بغير تراب من أجزاء الأرض إذا لم يجد تراباً وهي رواية عن أحمد ن وأعجب أحمد حمل التراب عند التيمم ، وعند الشيخ لا يحمله ، ويبطل بخروج الوقت وهو مبيح لا رافع ، وعنه أنه رافع فيصلي به إلى حدثه اختاره الشيخ ، وقال في الفتاوى المصرية : التيمم لوقت كل صلاة إلى أن يدخل وقت الأخرى أعدل الأقوال . وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه اختاره الشيخ .
واختار فيمن استيقظ آخر الوقت وهو جنب وخاف إن اعتسل خرج الوقت أو نسيها وذكرها آخر الوقت أن يغتسل أو يتوضأ ويصلي خارج الوقت كالمذهب . وإن استيقظ أول الوقت وخاف إن اشتغل بتحصيل الماء يفوت الوقت أن يتيمم ولا يفوِّت الوقت ، وإن من أمكنه الذهاب إلى الحمام لكن بفوات الوقت أن يتيمم ويصلي خارج الحمام لأن الصلاة في الحمام وخارج الوقت منهي عنها كمن انتقض وضوؤه وهو في المسجد ، واختار أيضاً جواز التيمم من فوات الجمعة فإنه أولى من الجنازة . إلى أن قال : وعنه يجوز لجنازة اختاره الشيخ . ولوكان الماء لأحدهم لزمه استعماله وذكر ابن القيم في الهدي أنه لا يمتنع أن يؤثر بالماء ويتيمم هو .
يشترط له ثلاثة :
(أحدهما) دخول الوقت ،وهذا قول مالك والشافعي لأنه مستغن عنه أشبه التيمم عند وجود الماء ، وقال أبو حنيفه : يصح ، وروى عن أحمد أنه قال : القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة ، حتى يجد الماء أو يحدث فعليها يجوز قبل دخول الوقت .
(الثانية) العجز عن استعمال الماء لعدمه لمن تيمم لعذر عدم الماء .
(الثالث) طلب الماء ، وفيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى . وعدم الماء يبيح التيمم في السفر الطويل والقصير ،وهذا قول مالك والشافعي ، وقال قوم : لا يباح إلا في الطويل قياساً على سائر رخص السفر ، ولنا قوله : (وإن كنتم مرضى) الآية فدل على إباحته في كل سفر ، وقياسهم لا يصح لأنه يباح في الحضر ولأنه عزيمة . فإن عدم الماء في الحضر تيمم ، وهذا قول مالك والشافعي ،وقال أبو حنيفة في رواية : لا يصح لأن الله شرط له السفر ،ولنا قوله : "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين" صححه الترمذي وهذا عام ، ولعل ذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب كذكر السفر وعدم الكاتب في الرهن ، وأبو حنيفة لا يقول بدليل الخطاب ولو كان حجة فالمنطوق راجح عليه . وهل يعيد إذا قدر على الماء على روايتين .
ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله كالحطاب ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته صلى بالتيمم ولا إعادة عليه . وإن خاف البرد ولم يمكنه استعمال الماء على وجه يأمن الضرر تيمم في قول أكثر أهل العلم ، وقال الحسن وعطاء : يغتسل وإن مات . ووجه الأولى قوله : (ولا تقتلوا أنفسكم) ولحديث عمرو بن العاص ، وهل يلزمه الإعادة فيه روايتان إحداهما: لا تلزم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمرو بن العاص بالإعادة ،وقال أبو يوسف ومحمد : تجب كنسيان الطهارة ، والأول أصح لأن الناسي لم يأت بما أمر به .
والجريح والمريض إذا خافا تيمما هذا قول أكثر أهل العلم ، وقال عطاء والحسن : لا يجوز إلا عند عدم الماء ، ولنا قوله : (ولا تقتلوا أنفسكم) وحديث صاحب الشجة . واختلفوا في الخوف المبيح فعن أحمد لا يبيحه إلا خوف التلف ، والصحيح الإباحة إذا خاف زيادة المرض أو تباطؤ البرء لأنه يجوز إذا خاف ذهاب شيء من ماله أو لم يجد الماء إلا بزيادة كثيرة على ثمن المثل ولأن ترك القيام في الصلاة وتأخير الصوم في المرض لا ينحصر في خوف التلف . فإن لم يخف الضرر لم يجز ، وحكي عن مالك وداود إباحته للمريض ملطقاً لظاهر الآية ، ولنا أنه قادر عليه من غير ضرر فأشبه الصحيح ، والآية اشترط فيها عدم الماء فلم يتناول محل النزاع على أنه لا بد فيها من إضمار الضرورة ولا يكون إلا عند الضرورة . وإن خاف العطش على نفسه تيمم ولا إعادة إجماعاً . وإن خاف على رفيقه أو بهائمه فكذلك .
وإن وجد عطشاناً يخاف تلفه لزمه سقيه وتيمم ،وقال القاضي : لا يلزمه بذله لأنه محتاج إليه ، ولنا أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة إذا رأى حريقاً أو غريقاً عند ضيق الوقت ، وقد غفر الله لبغي سقت كلباً فالآدمي أولى . وإن خاف على نفسه أو ماله في طلب الماء كمن بينه وبينه لص او عدو فهو كالعادم . ومن كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا على من يناوله فكالعادم . وإن وجد من يناوله قبل خروج الوقت فكالواجد ، وقال الحسن : يتيمم ولا إعادة لأنه عادم في الوقت . وإن وجد الماء إلا أنه اشتغل بتحصيله فات الوقت لم يتيمم في قول أكثر أهل العلم ، وعن الأوزاعي والثوري يتيمم ، ولنا قوله : (فلم تجدوا ماء) وهذا واجد للماء وقوله :"التراب كافيك ما لم تجد الماء" وإن وجد الماء بثمن مثله لزمه شراءه لأنه قادر ، وكذلك إن كان بزيادة يسيرة ، وقال الشافعي : لا يلزمه الشراء مع الزيادة قليلة كانت أو كثيرة لأن عليه ضرراً في الزيادة كخوف اللص ، ولنا قوله تعالى :"فلم تجدوا ماء" ولأن ضرر المال دون ضرر النفس وقد قالوا في المريض : يلزمه الغسل مالم يخف التلف . فتحمل الضرر اليسير في الماء أحرى .
والجريح والمريض إذا أمكنه غسل البعض غسل ما أمنكنه وتيمم للباقي وهو قول الشافعي ، وقال مالك : إن كان أكثر بدنه صحيحاً غسله ولا يتيمم ، وإن كان أكثره جريحاً تيمم ولا غسل عليه لأن الجمع بين البدل والمبدل منه لا يجب كالصيام والإطعام ، ولنا حديث صاحب الشجة ، ولأنه من شروط الصلاة فالعجز عن بعضها لا يسقط جميعها كالسترة ، وما ذكره ينتقض بالمسح على الخفين وقياسهم جمع بين البدل والمبدل منه في محل واحد . وكل ما لا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجريح حكمه حكم الجريح . ولا يلزمه أن يمسح على الجرح بالماء إذا أمكنه سواء كان معصوباً أو لا ، ونص أحمد في المجروح إذا خاف مسح موضع الجرح مسح وغسل ما حوله لأن المسح بعض الغسل ،ووجه الأول أنه محل واحد فلا يجمع بين المسح والتيمم كالجبيرة ، وإذا قلنا يجب المسح فهل يتيمم على روايتين إحداهما لا يتيمم كالجرح المعصوب عليه والجبيرة على الكسر ، والثانية يتيمم لأن المسح بعض الغسل فيتيمم للباقي والجبيرة الفرض انتقل فيها إلى الحائل فهو كالخفين ، وإذا كان الجريح جنباً فإن شاء قدم التيمم وإن شاء أخره بخلاف المتيمم لعدم ما يكفيه فإنه يلزمه الغسل أولاً ، لأن التيمم للعدم ولا يتحقق مع وجود الماء ولأن الجريح يعلم أن التيمم بدل عن غسل الجرح والعادم لا يعلم القدر الذي تيمم له إلا بعد الغسل . وإن تيمم الجريح للحدث الأصغر فذكر القاضي أنه يلزمه الترتيب ، وقال شيخنا : يحتمل أن لا يجب هذا الترتيب لأن التيمم طهارة مفردة كما لو كان الجريح جنباً ولأن فيه حرجاً فيندفع بقوله (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وحكى الماوردي عن مذهب الشافعي مثل هذا ، ولإن وجد ما يكفي بعض بدنه لزمه استعماله وتيمم للباقي وإن كان جنباً نص عليه وفيمن وجد ما يكفيه لوضوئه وهو جنب قال : يتوضأ ويتيمم ، وهذ قول عطاء وأحد قولي الشافعي وبه قال الحسن والزهري ومالك وابن المنذر ، والقول الثاني للشافعي يتيمم ويتركه لأنه لا يطهره كالمستعمل ، ولنا قوله :" فلم تجدوا ماء" وخبر أبي ذر "فإذا وجدته فأمسه بشرتك" وقوله : "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فإن وجده المحدث الحدث الأصغر فقيل يلزمه لما ذكرنا في الجنب ، والثاني لا يلزمه لأن المولاة شرط فيه ، والصحيح أنه يلزمه .
والمشهور عن أحمد اشتراط طلب الماء لصحة التيمم وهو مذهب الشافعي ، وعنه لا يشترط وهو مذهب أبي حنيفه لقوله : "التراب كافيك مالم تجد ماء" ووجه الأولى قوله (فلم تجدو ماء) ولا يقال : لم يجد إلا لمن طلب ، فأما إن تيقن أن لا ماء فلا يجب الطلب قولاً واحداً قاله أبو العباس ، وإن أراق الماء قبل الوقت تيمم من غير إعادة وبه قال الشافعي ، وقال الأوزاعي : إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت كقولنا وإلا تيمم وأعاد لأنه مفرط ، فأما إن أراقه في الوقت أو مر به فلم يستعمله عمداً مع أنه لا يرجو وجوده فقد عصى بذلك فيتيمم ويصلي وفي الإعادة وجهان . وإن نسي الماء وتيمم لم يجزئه نص عليه وقال : هذا واجد للماء . وعنه التوقف في هذه المسألة ، وقال أبو حنيفه وابن المنذر : يجزئه ، وعن مالك كالمذهبين ، وعنه يعيد ما دام في الوقت .
ويجوز التيمم لجميع الأحداث وللنجاسة على جرح يضره إزالتها ، وكان ابن مسعود لا يرى التيمم للجنب ، وقال الثوري وأبو ثور : إذا عجز عن غسل النجاسة على بدنه مسحها بالتراب وصلى ، وقال أكثر الفقهاء : لا يتيمم للنجاسة لأن الشرع إنما ورد في الحدث ، ووجه الأولى قوله : "الصعيد الطيب طهور المسلم " وقوله :"جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" وإن اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ما يكفي أحدهما قدم غسل النجاسة نص عليه ولا نعلم فيه خلافاً . فإن عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله وهو قول الشافعي ، وروى عن أحمد لا يصلي حتى يقدر على أحدهما وهو قول أبي حنيفة والثوري ، وقال مالك : لا يصلي ولا يقضي كالحائض ، قال ابن عبد البر : هذه رواية منكرة عنه ، ولنا حديث القلادة وفيه :" فصلوا بغير وضوء فلم ينكر ولا أمر بالإعادة" وقياس أبي حنيفه على الحائض في تأخير الصيام لا يصح لأن الصوم يدخله التأخير لأن المسافر يؤخره ولأن عدم الماء لو كان كالحيض لأسقط الصلاة وقياس الصلاة على جنسها أولى من قياسها على الصوم ، وقياس مالك لا يصح لمخالفته لقوله :"إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وقياس الطهارة على شرائط الصلاة أولى من قياسها على الحيض والحيض معتاد والعجز هنا نادر لأنه يشق إيجاب قضاء المعتاد .
ولا يتيمم إلا بطاهر له غبار يعلق باليد للآية قال ابن عباس : الصعيد تراب الحرث والطيب الطاهر وقال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وما لا غبار له لا يمسح بشيء منه وبه قال الشافعي ، وقال مالك وأبو حنيفة : يجوز بكل ما كان من جنس الأرض كالنورة والزرنيخ والحجارة ، وقال الأوزاعي : الرمل من الصعيد ، وقال حماد : يتيمم بالرخام لقوله :" جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" ولنا الأمر بالصعيد وهو التراب وقوله منه ، فأما السبخة فعنه يجوز وقاله الشافعي وابن المنذر لقوله وجعلت تربتها طهوراً .
وعنه في النورة والحصى والرمل ونحوه ، وعنه يجوز ذلك مع الاضطرار خاصة ، وإن ضرب بيده على لبد أو شعير ونحوه فعلق به غبار جاز نص عليه لأنه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده على الحائط فمسح بها وجهه ويديه .
وأجاز مالك التيمم بالثلج والحشيش وكل ما تصاعد على وجه الأرض ، ومنع من التيمم بغبار اللبد والثوب لأنه صلى الله عليه وسلم لما ضرب بيديه نفخهما . ولنا الآية والنفخ لا يزيل الغبار اللاصق ، وروى الأثرم عن ابن عمر أنه قال : لا يتيمم بالثلج فإن لم يجد فصفحة فرسه أو معرفة دابته ، فأما التراب النجس فلا يجوز لا نعلم فيه خلافاً ، ويجوز أن يتيمم جماعة في موضع واحد بغير خلاف وإن كان في الطين فحكى عن ابن عباس أنه يطلي به جسده فإذا جف تيمم به ، ولاخلاف في وجوب مسح الوجه والكفين للآية وهذا قول الشافعي يعني أنه لا يجزي البعض ـ وقال سليمان ابن داود : يجزيه إذا لم يصب إلا بعض وجهه ، ولنا قوله : (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) والباء للإلصاق .
والنية شرط للتيمم في قول أكثر أهل العلم لا نعلم فيه خلافاً إلا ماحكى عن الأوزاعي والحسن بن صالح ، وإن نوى نفلاً لم يصل إلا نفلاً ، وقال أبو حنيفه له أن يصلي بها ما يشاء ويبطل بخروج الوقت ووجود الماء ومبطلات الوضوء ، روي بطلانه بخروج الوقت عن علي وابن عمر وهو قول مالك والشافعي وقيل : لا يبطل وهو مذهب ابن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي ، ولنا أنه روي عن علي وابن عمر أنه قال : يتيمم لكل صلاة ، وأما وجود الماء فلا نعلم فيه خلافاً ، وإن وجده في الصلاة بطلت ، وعنه لا تبطل قاله مالك والشافعي وابن المنذر ، وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه بطل ، والصحيح ما اختاره شيخنا أنه لا يبطل وهو قول سائل الفقهاء ، ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له ، وقال أبو مجلز : لا يتيمم إلا لمكتوبة ، وكره الأوزاعي أن يمس المتيمم المصحف ، ولنا حديث أبي ذر وقوله :"جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" وإن وجد الماء في الوقت لم يعد وهو قول مالك والشافعي ، وقال طاوس وابن سيرين والزهري يعيد ، ولنا ما روى أبو داود عن أبي سعيد أن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيداً فصليا ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد :"أصبت السنة وأجزأتك صلاتك " وقال للذي أعاد :"لك أجرك مرتين" واحتج أحمد بأن ابن عمر تيمم وهو يرى بيوت المدينة فصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد ، والمصلي علىحسب حاله إذا وجد الماء أو تراباًَ خرج منها بكل حال ويحتمل أن لا يخرج كالمتيمم إذا وجد الماء في الصلاة . ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء ، وروي عن علي وعطاء والحسن وأصحاب الرأي ، وقال الشافعي في أحد قوليه : التقديم أفضل ، والمسنون عن أحمد التيمم بضربة واحدة قال أحمد : من قال ضربتين إنما هو شيء زاده ، قال الترمذي : وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره ، وقال الشافعي : لا يجزيء إلا ضربتان للوجه واليدين إلى المرفقين ولنا حديث عمار ، ولأنه حكم علق على مطلق اليد فلم يدخل فيه الذراع كقطع يد السارق ، وقد احتج ابن عباس بهذا وأما أحاديثهم فضعيفة لم يرو منها أهل السنن إلا حديث ابن عمر ، وقال أحمد : ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم حديث منكر وحديث ابن الصمة صحيح لكن إنما جاء في المتفق عليه فمسح وجهه ويديه فهو حجة لنا ، ثم أحاديثهم لا تعارض حديثنا لأنها تدل على جوازه بضربتين لا نفي جواز التيمم بضربة كما أن وضوءه صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لا ينفي الأجزاء بمرة ، فإن قيل : روى في حديث عمار "إلى المرفقين" قيل لا يعول عليه إنما رواه سلمة وشك فيه ذكره النسائي مع أنه أنكرعليه وخالفه فيه سائر الرواة الثقات ، ولا يختلف المذهب أنه يجزيء بضربة وبضربتين وإذا (كان) علا يديه غبار كثير لم يكره نفخه لحديث عمار ،وقيل : يكره .
ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفاً من فوات المكتوبة ولا الجنازة ، وعنه يجوز للجنازة ، وعن الأوزاعي والثوري له التيمم إذا خاف خروج الوقت وإن خاف فوات العيد فكذلك ، وقال الأزاعي والثوري : له التيمم ، ووجه الأولى قوله : (لم تجدو ماء) والتيمم لفوات الجنازة يروى عن ابن عمر وابن عباس وبه قال إسحاق وأصحاب الرأي ، وقال الشعبي : يصلي عليها من غير وضوء اشبهت الدعاء في غير الصلاة ، ولنا قوله :"لا يقبل الله صلاة بغير طهور" ،ولا يكره للعادم جماع زوجته إذا لم يخف العنت ، وفيه رواية يكره ، وقال إسحق بن راهوية : هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر وعمار وغيرهما .
ومن هنا إلى آخر الباب من (الانصاف) :
ولا يكره لعادم الماء وطء زوجته اختاره الشيخ ، وهو بدل لكل ما يفعله بالماء من الصلاة وغيرها ولوطء حائض انقطع دمها ، وقيل يحرم الوطء والحالة هذه اختاره الشيخ ، وإذا وجد عطشاناً يخاف تلفه لزمه سقيه وتيمم جزم به الشيخ . وقال : يلزمه قبول الماء قرضاً وكذا ثمنه وله ما يوفيه . وقال : ولو كان به جرح يخاف من غسله فمسحه بالماء أولى من مسح الجبيرة انتهى .
ولو كان على الجرح عصابة أو لصوق أجزأ المسح على الصحيح ، وعنه يتيمم معه . ولو كان الجرح في بعض أعضاء الوضوء لزمه الترتيب ، قال الشيخ : ينبغي أن لا يرتب ، وقال : لا يلزمه مراعاة الترتيب وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره ، وقال : الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة.
ويجوز التيمم للنجاسة ، وفي وجه لا يجب التيمم لنجاسة البدن مطلقاً نصره الشيخ . ولو عدم الماء والتراب صلى علىحسب حاله ولا يزيد على ما يجزيء وقال الشيخ : يتوجه له فعل ما شاء لأنه لا تحريم مع العجز ولأن له أن يزيد على ما يجزيء في ظاهر قولهم وقال هل فعل ذلك على أصح القولين .
ولا يتيمم إلا بتراب له غبار ، وعنه بالسبخه ،وعنه وبالرمل أيضاً اختاره الشيخ ، واختار جواز التيمم بغير تراب من أجزاء الأرض إذا لم يجد تراباً وهي رواية عن أحمد ن وأعجب أحمد حمل التراب عند التيمم ، وعند الشيخ لا يحمله ، ويبطل بخروج الوقت وهو مبيح لا رافع ، وعنه أنه رافع فيصلي به إلى حدثه اختاره الشيخ ، وقال في الفتاوى المصرية : التيمم لوقت كل صلاة إلى أن يدخل وقت الأخرى أعدل الأقوال . وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه اختاره الشيخ .
واختار فيمن استيقظ آخر الوقت وهو جنب وخاف إن اعتسل خرج الوقت أو نسيها وذكرها آخر الوقت أن يغتسل أو يتوضأ ويصلي خارج الوقت كالمذهب . وإن استيقظ أول الوقت وخاف إن اشتغل بتحصيل الماء يفوت الوقت أن يتيمم ولا يفوِّت الوقت ، وإن من أمكنه الذهاب إلى الحمام لكن بفوات الوقت أن يتيمم ويصلي خارج الحمام لأن الصلاة في الحمام وخارج الوقت منهي عنها كمن انتقض وضوؤه وهو في المسجد ، واختار أيضاً جواز التيمم من فوات الجمعة فإنه أولى من الجنازة . إلى أن قال : وعنه يجوز لجنازة اختاره الشيخ . ولوكان الماء لأحدهم لزمه استعماله وذكر ابن القيم في الهدي أنه لا يمتنع أن يؤثر بالماء ويتيمم هو .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى