بنت الاسلام
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فَهُوَ المعجزة الخالدة، والنور المبين، والشفاء النافع، والعصمة لمن
تمسَّك به، والنجاةُ لمن اتَّبَعَه، لا يَزِيغُ فيُتَّقَى، ولا يُعَوَّجُ
فيُقَوَّمُ، ولا تنقضِي عجائبُه، ولا يخلُقُ من كَثْرَةِ الرَّدِّ؛ من قرأه
أُجِر، ومن اتَّبَعَهُ هُدِي، ومن تدبَّرَه فقُه، ومن حكم به عدل، ومن قال
به صدق، ومن نطق به أصاب؛ تحدَّى العظماء، وأفحم البلغاء، وأسْكَتَ
الشُّعَراءَ ..
لكل أمة دستور، ولكل شعب قانون، ولكل قوم منهاج، ولكل نبي معجزة؛ ما أمة
الإسلام فدستورها القرآن، ومنهاجها الفرقان، ومعجزتها البيان، (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت:3].
اقتضت حكمة المولى -جل وعلا- أن يجعل لكل نبي معجزة تؤكد نبوته، وتنبئ عن
صدقه، وتؤيد دعوته، وتأتي تلك المعجزة من جنس ما يفاخر فيه القوم، ويباهي
به الملأ.
عرف قوم موسى بالسحر وبرعوا فيه فكانت معجزة موسى في عصاه التي تلقف ما
يأفكون، فألقي السحرة سجدا؛ واشتهر قوم عيسى بالطب، فكانت معجزته في أنه
يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله تعالى.
أما العرب فقد كانوا أمة بلاغة وفصاحة، وكلمة وبيان، يعشقون الكلمة
المؤثرة، ويتيهون بالعبارة الخلابة، وينقادون للبيان الناصع، ويدينون
للأسلوب الماتع، تقع الكلمة الجميلة منهم موقعا عظيما، وتؤثر العبارة
المشرقة فيهم تأثيرا بليغا.
كان الشعر ديوانهم، والخطابة ميدانهم، والفصاحة عنوانهم، والبلاغة بستانهم،
فجاءت معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- من جنس ما يفاخرون به ويتحدون
فيه؛ فبهروا بعظمته، وأيقنوا بجلالته، وأذعنوا لفصاحته.
وتحدَّاهم الله -جل وعلا- أن يأتوا بمثله أو بمثل سورة من سوره، أو بعشر آيات مثله: (وَمَا
كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ
تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ
فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [يونس:37-38].
فَهُوَ المعجزة الخالدة، والنور المبين، والشفاء النافع، والعصمة لمن
تمسَّك به، والنجاةُ لمن اتَّبَعَه، لا يَزِيغُ فيُتَّقَى، ولا يُعَوَّجُ
فيُقَوَّمُ، ولا تنقضِي عجائبُه، ولا يخلُقُ من كَثْرَةِ الرَّدِّ؛ من قرأه
أُجِر، ومن اتَّبَعَهُ هُدِي، ومن تدبَّرَه فقُه، ومن حكم به عدل، ومن قال
به صدق، ومن نطق به أصاب؛ تحدَّى العظماء، وأفحم البلغاء، وأسْكَتَ
الشُّعَراءَ.
أوكل الله إلى كل أمة أن تحفظ كتابها، وتصون منهاجها، قال تعالى: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) [المائدة:44]؛ أما كتابنا فقد تكفل الله بحفظه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، فهو محفوظ بحفظ الله، مصون برعاية الله، (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42].
حفظه الله وأعزه، وصانه وحماه، وشرَّفه وكرَّمَه، ورفعه وعظَّمَه،
وسمــَّاه روحا، ورحمة، وشفاء، وهدى، ونورا، وفرقانا، وبصائر؛ جعله متلوا
لا يمل على طول التلاوة، ومسموعا لا تمجه الآذان، وغضا لا يخلق على كثرة
الرد، وعجيبا لا تنقضي عجائبه، ومفيدا لا تنقطع فوائده، وجمع الكثير من
معانيه في القليل من لفظه، وتحدى الجن والإنس أن يأتوا بمثله، أو بسورة، أو
بآية من آياته: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء:88].
جميل في لفظه، بديع في نظمه، عظيم في سبكه، الكلمة منه أو الآية إذا كانت
في خطبة كانت وجهها، أو في قصيدة كانت غرتها، كالياقوتة التي تكون فريدة
العقد، وكالتاج على الرأس، والبسمة على الفم.
إذا وقع بين كلام وشَّحَه، وإذا ضُمِّن في نظم زينه، وإذا اقتبس لأسلوب
جمَّله؛ يشتمل على اللب، ويسري في الحس، وينفذ في العروق، ويمتزج بالدم؛
مؤتلف غير مختلف، منتظم غير متفرق، مترابط غير متفكك، (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافَاً كَثِيرَاً) [النساء:82].
حسن في السمع، سهل على اللسان، قريب من الفهم، سريع إلى القلب؛ له من
التمكن في النفوس والوقع في القلوب ما يُذهِل ويُبهج، ويقلق ويؤنس، ويطمع
ويُيْئس، ويضحك ويبكي، ويحزن ويفرح، ويشجي ويطرب، ويهز العواطف، ويستميل
نحوه الأسماع.
له مسالك في النفوس لطيفة، ومداخل إلى القلوب دقيقة؛ أسلوب بهيج، ونظم
أنيق، ومعرض رشيق، غير ثقيل على الأسماع، ولا صعب على الأفهام؛ ممتلئ ماء
ونضارة، ولطفا وغضارة، يسري في القلوب كما يسري السرور، ويمر إلى النفوس
كما يمر السهم، ويضيء كما يضيء الفجر، ويزخر كما يزخر البحر، ويعذب كما
يعذب النهر الزلال.
أعذب من العذب، وأحلى من الشهد، كالروح في البدن، والنور في الأفق، والغيث في الفاقة، والضياء في الظلمة، (ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) [الزمر:23].
سمت شريف، ومرقب منيف، ومعنى لطيف، له حلاوة، وعليه طلاوة، يُبهر ذوي
النهى، وأرباب الحجا بما فيه من حكمة وأحكام، واحتجاج وتقرير، واستشهاد
وتقريع، وإعذار وإنذار، وتبشير وتحذير، وتنبيه وتلويح، وإشارة وتصريح،
وسياسات جامعة، ومواعظ نافعة، وأوامر صادعة، وقصص مفيدة، وثناء على الله،
وإخبار عن الغيب، وحديث عن المستقبل، ونواه عن القبائح، وزواجر عن الفواحش،
وإباحة للطيبات، وتحريم للخبائث.
استضاء العالم ببركة أنواره، وأشرقت الآفاق بنور أضوائه، أقبلت عليه القرون
المتتابعة تغرف من بحره الذي لا ينقص، وترتوي من معينه الذي لا ينضب.
أنزل إلى أمة لا ذكر لها ولا وزن، ولا تاريخ ولا حضارة، ولا علم ولا معرفة،
ولا نور ولا بصيرة، فأحياها من موات، وأوجدها من عدم، وأيقظها من سبات،
فإذا بها محط الأنظار، ومثار الإعجاب، وميدان الإكبار؛ قُلبت الموازين،
وغيرت وجه الأرض، وأسعدت البشرية، وأضاءت للإنسانية ببركة هذا الكتاب
الكريم، والنهج القويم.
وعكف علماء الأمة على هذا العلم الرباني الخالد، والنهج الإيماني الأسمى؛
فتأملت طائفة من الناس معاني خطابه فاستنبطوا أحكام اللغة وقواعد العربية،
وتكلم قوم في التخصيص والأخبار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه
والأمر والنهي والنسخ، وسموا هذا الفن أصول الفقه؛
وأحكمت طائفة صحيح النظر، وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر
الأحكام، فأسسوا أصوله، وفرعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك، وسموه بالفقه.
وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة، والأمم الخالية، فألفوا علم
التاريخ والقصص؛ ونظر قوم إلى بعض آياته وسوره، وما تحتاج إليه من شرح
وبيان، وتحليل وتفسير، فألفوا علم التفسير.
وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تهز النفوس، وتحيي
القلوب، وما فيه من الوعد والوعيد، والتحذير والتبشير، وذكر الموت والمعاد،
والحشر والحساب، والجنة والنار، فكانت كتب الخطب والوعظ والرقائق؛ وأخذ
قوم بما في آيات المواريث فألفوا علم الفرائض.
ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالة على الحكم الباهرة في الليل والنهار،
والشمس والقمر، والنجوم والبروج وغير ذلك، فاستخرجوا منه علم المواقيت
والفلك؛ ونظر الأدباء والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ، وبديع النظم،
وحسن السياق، والتلوين في الخطاب، واستنبطوا علم المعاني وعلم البديع؛ ونظر
قوم إلى ما فيه من أعداد وأرقام، فأظهروا ما يسمى بالإعجاز العددي.
وأتى العلم الحديث فعكفت طائفة على دراسة المخترعات الحديثة، والمكتشفات
الجديدة، ورأت ما سبق إليه القرآن من نظريات علمية، فألفوا في الإعجاز
العلمي للقرآن في الطب والفلك وغيرها، وأسلم بسبب ذلك خلق كثير.
لقد اعتنى علماء الإسلام بهذا الكتاب عناية فائقة، فحصروا آياته، وعدد
كلماته، بل وحروفه وجزَّؤوه، ورقَّمُوه، وَجَوَّدوه، ونقشوه في الصدور قبل
السطور.
وها هي أمة الإسلام إلى اليوم بجامعاتها وكلياتها ومعاهدها ومدارسها لا
تزال تنهل من مَعينِه العذب، وتدور في فلكه الرحب، فقل لي بربك ماذا للعرب
وللمسلمين لو لم يكن هذا البيان الخالد؟ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44].
تحدث القرآن عن نفسه كثيرا، وبدأت عشرات السور بالحديث عنه تنويها بشأنه، وتعظيما لجلاله، مثل قوله تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ)
[البقرة:1-2]، كانت هذه الآية سببا في إسلام عالم من كبار العلماء
الغربيين، حيث يقول إنه ما من كتاب أو مؤلف إلا ويبتدئه مؤلفه بالاعتذار عن
النقص والخلل، والتقصير والزلل، إلا القرآن، فإنه من أول سورة منه، وفي
أول حديث عن نفسه، يعلن كماله وجماله، وأنه بعيد عن الريب، سليم من النقص،
مصون من الخلل، محفوظ من الزلل.
ومثل قوله تعالى: (المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف:1-2]، ومثل قوله تعالى: (الم * كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود:1-2]، ومثل قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1].
وكذلك خُتمت عشرات السور بالحديث عن القرآن، مثل قوله تعالى في نهاية الأعراف: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) [الأعراف:204]، وقوله تعالى في نهاية سورة إبراهيم: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب) [إبراهيم:52]، وقوله تعالى في نهاية سورة ق: (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)، وقوله في نهاية البروج: (بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ).
وقد كثر الحديث في القرآن عن القرآن الكريم في آياتٍ تأخذ بالألباب، وتهز النفوس: قال تعالى: (قَدْ
جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ
اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة:51-52]، وقال تعالى: (إِنَّ
هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَاً
كَبِيرَاً) [الإسراء:9].
وقال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَ اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر:23]؛ وانظر إلى روعة كلمة "أحسن" وما لها من الأثر في النفس، والموقع من القلب. فلو وضعت مكانها أي كلمة أخرى مثل "أجمل"، و"أفضل"، و"أجود"، فلن تجد لها من الأثر ما لكلمة" أحسن"، ثم انظر إلى تكرار لفظ الجلالة في هذه الآية أربع مرات، وما له من معنى عميق، وأثر بديع.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ
فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الزمر:27-28]، (لَوْ
أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعَاً
مُتَصَدِّعَاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر:21].
انظر إلى عظمة هذا الكتاب كيف طبق الأرض بأنواره، وجلل الآفاق بضيائه، ونفذ
في العالم حكمه، وقبل في الدنيا رسمه، وأصبحت نغماته الحانية تلامس القلوب
قبل الأسماع في أنحاء الدنيا وأصقاع المعمورة، فيحيي قلوبا ميتة، وينير
عقولا مظلمة، ويبعث أجسادا هامدة، (وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ) [الشورى:52]، يدل على صدوره من الربوبية، ووروده عن
الألوهية، فهو روح؛ لأنه يحيي الخلق، ويبعث في النفوس الحياة، فله فضل
الأرواح في الأجساد. وهو نور؛ لأنه يضيء للقلوب والعقول والبصائر ضياء
الشمس في الآفاق.
دعا إلى الوحدانية في أجمل أسلوب، وأصدق عبارة، فقال: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:65]، ويقول تعالى: (تَبَارَكَ
الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
نَذِيرَاً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ
وَلَدَاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرَاً) [الفرقان:1-2].
ودعا إلى التفكر في آيات الله، والتأمل في مخلوقاته، والنظر في ملكوته، وربط ذلك بتوحيده -جل وعلا- فقال: (أَمَّنْ
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ
تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ *
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا
وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ
مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ
الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ
يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ
الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ
اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [النمل:60-64].
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا
مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ
طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ
وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ
إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ) [الأنعام:99].
وقال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ
مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ
وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى
بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد:4].
وانظر إلى هذا الجمال الخلاب، والروعة الفائقة، والبيان المعجز الذي يأخذ بالألباب، ويمتلك النفوس في قوله: (يُسْقَى ِبِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ)، كم في ذلك من آيات العظمة، ودلائل الألوهية!.
وَرَدَّ شُبَهَ الملحدين في أسلوب معجز، وبيان مفحم، وحجة دامغة، فقال: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الأنبياء:22]، وقال لمنكِر البعث: (وَضَرَبَ
لَنَا مَثَلَاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ
رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ
بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس:78-79].
وبين تعالى الأسلوب الأمثل، والطريق الأكمل، والنهج الأجمل في الدعوة إلى الله تعالى فقال: (اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]، وحث على الوحدة، ولزوم الجماعة، والبعد عن الفرقة، فقال: (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانَاً) [آل عمران:103].
وبيَّن النهج الأسلم، والطريق الأحكم، والخلق الأعظم؛ وجمع مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب في آية واحدة فقال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وقال تعالى: (إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
وبيَّن القاعدة في الحلال والحرام في جزء من آية فقال: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157].
وأوجز ما في القرآن كله في سورة الفاتحة، فهي أم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم.
وأوجز رسالة الإنسان في الحياة في سورة واحدة، قال عنها الشافعي: لو لم
يُنزل الله إلا هذه السورة على الناس لكفتهم، وهي قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ
* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر].
وبيَّن -جل وعلا- عظمته وسلطانه، وأن كل ما في الكون تحت أمره ومشيئته في كلمتين فقال: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف:54]، وأخبر عن تمام الدين وصدق الرسالة ونقاء المنهج بكلمتين اثنتين، فقال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) [الأنعام:115]، أي صدقا في الأخبار، وعدلا في الأحكام.
وبين مهمة نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا
وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب:45-46].
وبيَّن صفته -جل وعلا- وكماله وجلاله في جزء من آية فقال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11].
ودعا إلى الجنة ونعيمها بكلمات حانية، وعبارات مؤثرة، وأسلوب ماتع، فقال: (مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ
غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ
وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ
مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ) [محمد:15].
وحذر من النار وجحيمها، وجهنم وأهوالها، في أسلوب مرعب، وبيان مذهل، وكلمات مدوية، فقال تعال: (فَالَّذِينَ
كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ
رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ *
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا
مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج:19-22].
هذه إشارة سريعة وبيان موجز لفحوى الكتاب، وعظمة الفرقان وروعة القرآن، فأين نحن من هذا الذكر الحكيم، وما موقفنا منه؟ قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [البقرة:121]، أي يتدبرونه ويتبعونه حق اتباعه، ويعملون به حق عمله، فهؤلاء هم المؤمنون بالقرآن حقا، وهم أهله وخاصته صدقا.
ما أشد الحاجة إلى العودة الصادقة لهذا القرآن! عودة بالقلوب والأفئدة، بالأرواح والأذهان، لا بالتلاوة باللسان فحسب.
لقد غدا اهتمام كثير من الناس بالقرآن اليوم في إقامة حروفه فقط، بل بعضهم
يسجعه مبنى ويهدمه معنى، ويحفظ حروفه، ويقف سدا منيعا دون حدوده؛ فلذلك
ذهبت بركة القرآن، وغابت روحه، وفقدت ثمرته. ولا صلاح لآخر هذه الأمة إلا
بما صلح به أولها، أخذوا الكتاب بقوة، وتلقوا التوجيه بهمة، وامتثلوا الأمر
بعزيمة.
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- قرآنا يمشي بين الناس، يتخلق بأخلاقه، ويتأدب
بآدابه، ويمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه، يحيي به ليله، ويعمر به بيته،
ويزكي به فؤاده؛ إن قرأه تدبر وتأمل، ودعا واستغفر، وبكى وخشع؛ وإن قُرئ
عليه فاضت عيناه، وذرفت دموعه؛ إن أوصى أوصى به، وإن وعظ وعظ به، وإن أمَّر
أميرا قدم صاحب القرآن، وإن اختار إماما فضَّل حامل القرآن، وإن دفن
أصحابه قدم صاحب القرآن، وإن حاور حاور بالقرآن، وإن جاءه متزوج ليس لديه
مهر زوجه بما معه من القرآن.
وكان يتدارس القرآن مع جبريل في كل عام مرة في شهر رمضان، إلا آخر رمضان
صامه -صلى الله عليه وسلم- فقد عارض جبريل القرآن مرتين؛ وكان يوصي أصحابه
بالقرآن والمداومة على قراءته: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" صحيح الجامع، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها" صحيح الجامع؛ ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" صحيح الجامع؛ ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" البخاري.
وقد تلقى الصحابة -رضوان الله عليهم- وصايا نبيهم -صلى الله عليه وسلم-
بالقبول والترحاب، والعمل والتطبيق، فكان لبيوتهم دوي كدوي النحل بالقرآن،
عمروا به بيوتهم، وأحيوا به ضمائرهم، وتأدبوا بآدابه، وامتثلوا أوامره،
واجتنبوا نواهيه، فأنار الله بهم الدنيا، وعمر بهم العالم، وأنقذ بهم
البشرية.
أما حال المسلمين مع القرآن اليوم فهي حال مزرية، ووضع مُبْكٍ، وأمر مؤسف،
فقد أصبح لوحات تعلق في البيوت، أو تمائم تعلق على الصدور، أو افتتاحات
للمؤتمرات واللقاءات، أو أشرطة تقرأ للأموات؛ أما العمل بما فيه، والاهتداء
بهدايته، والسير على محجته، فذلك ما يفتقده المسلمون اليوم إلا من رحم
ربك!.
وصدق على كثير منهم قول معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: " سيبلى
القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت، يقرؤونه لا يجدون له لا
شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه
خوف، إن قصروا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله
شيئا" سنن الدارمي.
ويقول الحسن -رحمه الله-" قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَرُوا آيَاتِهِ)
[ص:29]، وما تدبر آياته إلا اتباعه، وأما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة
حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفا، وقد
والله أسقطه كله! ما يُرى له القرآن في خلق ولا عمل.
قال تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورَاً)
[الفرقان:30]، وهجر القرآن يتجلى في أمور عديدة منها هجر سماعه، وهجر
العمل به، وهجر تحكيمه والتحاكم إليه، وهجر تدبره وتفهمه، وهجر الاستشفاء
به أو التداوي به للأمراض الحسية والمعنوية.
لقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أننا إن تمسكنا بكتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فلن نضل أبدا؛ وقال تعالى: (ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً) [طه:124].
إن سعادتنا بالقرآن، وفلاحنا بالقرآن، وعزنا بالقرآن، ومجدنا بالقرآن،
وفوزنا في الدنيا والآخرة هو بالعودة إليهن والتحاكم إليه، وامتثال أوامره،
واجتناب نواهيهح ومتى أثمر في قلوبنا، وأشرق في نفوسنا أشرقت بنا الأرض،
واستنارت بنا الدنيا، وسعدت بنا البشرية.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ
بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا *
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ
فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا
مُسْتَقِيمًا) [النساء:174-175].
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا.
تمسَّك به، والنجاةُ لمن اتَّبَعَه، لا يَزِيغُ فيُتَّقَى، ولا يُعَوَّجُ
فيُقَوَّمُ، ولا تنقضِي عجائبُه، ولا يخلُقُ من كَثْرَةِ الرَّدِّ؛ من قرأه
أُجِر، ومن اتَّبَعَهُ هُدِي، ومن تدبَّرَه فقُه، ومن حكم به عدل، ومن قال
به صدق، ومن نطق به أصاب؛ تحدَّى العظماء، وأفحم البلغاء، وأسْكَتَ
الشُّعَراءَ ..
لكل أمة دستور، ولكل شعب قانون، ولكل قوم منهاج، ولكل نبي معجزة؛ ما أمة
الإسلام فدستورها القرآن، ومنهاجها الفرقان، ومعجزتها البيان، (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت:3].
اقتضت حكمة المولى -جل وعلا- أن يجعل لكل نبي معجزة تؤكد نبوته، وتنبئ عن
صدقه، وتؤيد دعوته، وتأتي تلك المعجزة من جنس ما يفاخر فيه القوم، ويباهي
به الملأ.
عرف قوم موسى بالسحر وبرعوا فيه فكانت معجزة موسى في عصاه التي تلقف ما
يأفكون، فألقي السحرة سجدا؛ واشتهر قوم عيسى بالطب، فكانت معجزته في أنه
يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله تعالى.
أما العرب فقد كانوا أمة بلاغة وفصاحة، وكلمة وبيان، يعشقون الكلمة
المؤثرة، ويتيهون بالعبارة الخلابة، وينقادون للبيان الناصع، ويدينون
للأسلوب الماتع، تقع الكلمة الجميلة منهم موقعا عظيما، وتؤثر العبارة
المشرقة فيهم تأثيرا بليغا.
كان الشعر ديوانهم، والخطابة ميدانهم، والفصاحة عنوانهم، والبلاغة بستانهم،
فجاءت معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- من جنس ما يفاخرون به ويتحدون
فيه؛ فبهروا بعظمته، وأيقنوا بجلالته، وأذعنوا لفصاحته.
وتحدَّاهم الله -جل وعلا- أن يأتوا بمثله أو بمثل سورة من سوره، أو بعشر آيات مثله: (وَمَا
كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ
تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ
فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [يونس:37-38].
فَهُوَ المعجزة الخالدة، والنور المبين، والشفاء النافع، والعصمة لمن
تمسَّك به، والنجاةُ لمن اتَّبَعَه، لا يَزِيغُ فيُتَّقَى، ولا يُعَوَّجُ
فيُقَوَّمُ، ولا تنقضِي عجائبُه، ولا يخلُقُ من كَثْرَةِ الرَّدِّ؛ من قرأه
أُجِر، ومن اتَّبَعَهُ هُدِي، ومن تدبَّرَه فقُه، ومن حكم به عدل، ومن قال
به صدق، ومن نطق به أصاب؛ تحدَّى العظماء، وأفحم البلغاء، وأسْكَتَ
الشُّعَراءَ.
أوكل الله إلى كل أمة أن تحفظ كتابها، وتصون منهاجها، قال تعالى: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) [المائدة:44]؛ أما كتابنا فقد تكفل الله بحفظه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، فهو محفوظ بحفظ الله، مصون برعاية الله، (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42].
حفظه الله وأعزه، وصانه وحماه، وشرَّفه وكرَّمَه، ورفعه وعظَّمَه،
وسمــَّاه روحا، ورحمة، وشفاء، وهدى، ونورا، وفرقانا، وبصائر؛ جعله متلوا
لا يمل على طول التلاوة، ومسموعا لا تمجه الآذان، وغضا لا يخلق على كثرة
الرد، وعجيبا لا تنقضي عجائبه، ومفيدا لا تنقطع فوائده، وجمع الكثير من
معانيه في القليل من لفظه، وتحدى الجن والإنس أن يأتوا بمثله، أو بسورة، أو
بآية من آياته: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء:88].
جميل في لفظه، بديع في نظمه، عظيم في سبكه، الكلمة منه أو الآية إذا كانت
في خطبة كانت وجهها، أو في قصيدة كانت غرتها، كالياقوتة التي تكون فريدة
العقد، وكالتاج على الرأس، والبسمة على الفم.
إذا وقع بين كلام وشَّحَه، وإذا ضُمِّن في نظم زينه، وإذا اقتبس لأسلوب
جمَّله؛ يشتمل على اللب، ويسري في الحس، وينفذ في العروق، ويمتزج بالدم؛
مؤتلف غير مختلف، منتظم غير متفرق، مترابط غير متفكك، (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافَاً كَثِيرَاً) [النساء:82].
حسن في السمع، سهل على اللسان، قريب من الفهم، سريع إلى القلب؛ له من
التمكن في النفوس والوقع في القلوب ما يُذهِل ويُبهج، ويقلق ويؤنس، ويطمع
ويُيْئس، ويضحك ويبكي، ويحزن ويفرح، ويشجي ويطرب، ويهز العواطف، ويستميل
نحوه الأسماع.
له مسالك في النفوس لطيفة، ومداخل إلى القلوب دقيقة؛ أسلوب بهيج، ونظم
أنيق، ومعرض رشيق، غير ثقيل على الأسماع، ولا صعب على الأفهام؛ ممتلئ ماء
ونضارة، ولطفا وغضارة، يسري في القلوب كما يسري السرور، ويمر إلى النفوس
كما يمر السهم، ويضيء كما يضيء الفجر، ويزخر كما يزخر البحر، ويعذب كما
يعذب النهر الزلال.
أعذب من العذب، وأحلى من الشهد، كالروح في البدن، والنور في الأفق، والغيث في الفاقة، والضياء في الظلمة، (ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) [الزمر:23].
سمت شريف، ومرقب منيف، ومعنى لطيف، له حلاوة، وعليه طلاوة، يُبهر ذوي
النهى، وأرباب الحجا بما فيه من حكمة وأحكام، واحتجاج وتقرير، واستشهاد
وتقريع، وإعذار وإنذار، وتبشير وتحذير، وتنبيه وتلويح، وإشارة وتصريح،
وسياسات جامعة، ومواعظ نافعة، وأوامر صادعة، وقصص مفيدة، وثناء على الله،
وإخبار عن الغيب، وحديث عن المستقبل، ونواه عن القبائح، وزواجر عن الفواحش،
وإباحة للطيبات، وتحريم للخبائث.
استضاء العالم ببركة أنواره، وأشرقت الآفاق بنور أضوائه، أقبلت عليه القرون
المتتابعة تغرف من بحره الذي لا ينقص، وترتوي من معينه الذي لا ينضب.
أنزل إلى أمة لا ذكر لها ولا وزن، ولا تاريخ ولا حضارة، ولا علم ولا معرفة،
ولا نور ولا بصيرة، فأحياها من موات، وأوجدها من عدم، وأيقظها من سبات،
فإذا بها محط الأنظار، ومثار الإعجاب، وميدان الإكبار؛ قُلبت الموازين،
وغيرت وجه الأرض، وأسعدت البشرية، وأضاءت للإنسانية ببركة هذا الكتاب
الكريم، والنهج القويم.
وعكف علماء الأمة على هذا العلم الرباني الخالد، والنهج الإيماني الأسمى؛
فتأملت طائفة من الناس معاني خطابه فاستنبطوا أحكام اللغة وقواعد العربية،
وتكلم قوم في التخصيص والأخبار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه
والأمر والنهي والنسخ، وسموا هذا الفن أصول الفقه؛
وأحكمت طائفة صحيح النظر، وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر
الأحكام، فأسسوا أصوله، وفرعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك، وسموه بالفقه.
وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة، والأمم الخالية، فألفوا علم
التاريخ والقصص؛ ونظر قوم إلى بعض آياته وسوره، وما تحتاج إليه من شرح
وبيان، وتحليل وتفسير، فألفوا علم التفسير.
وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تهز النفوس، وتحيي
القلوب، وما فيه من الوعد والوعيد، والتحذير والتبشير، وذكر الموت والمعاد،
والحشر والحساب، والجنة والنار، فكانت كتب الخطب والوعظ والرقائق؛ وأخذ
قوم بما في آيات المواريث فألفوا علم الفرائض.
ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالة على الحكم الباهرة في الليل والنهار،
والشمس والقمر، والنجوم والبروج وغير ذلك، فاستخرجوا منه علم المواقيت
والفلك؛ ونظر الأدباء والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ، وبديع النظم،
وحسن السياق، والتلوين في الخطاب، واستنبطوا علم المعاني وعلم البديع؛ ونظر
قوم إلى ما فيه من أعداد وأرقام، فأظهروا ما يسمى بالإعجاز العددي.
وأتى العلم الحديث فعكفت طائفة على دراسة المخترعات الحديثة، والمكتشفات
الجديدة، ورأت ما سبق إليه القرآن من نظريات علمية، فألفوا في الإعجاز
العلمي للقرآن في الطب والفلك وغيرها، وأسلم بسبب ذلك خلق كثير.
لقد اعتنى علماء الإسلام بهذا الكتاب عناية فائقة، فحصروا آياته، وعدد
كلماته، بل وحروفه وجزَّؤوه، ورقَّمُوه، وَجَوَّدوه، ونقشوه في الصدور قبل
السطور.
وها هي أمة الإسلام إلى اليوم بجامعاتها وكلياتها ومعاهدها ومدارسها لا
تزال تنهل من مَعينِه العذب، وتدور في فلكه الرحب، فقل لي بربك ماذا للعرب
وللمسلمين لو لم يكن هذا البيان الخالد؟ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44].
تحدث القرآن عن نفسه كثيرا، وبدأت عشرات السور بالحديث عنه تنويها بشأنه، وتعظيما لجلاله، مثل قوله تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ)
[البقرة:1-2]، كانت هذه الآية سببا في إسلام عالم من كبار العلماء
الغربيين، حيث يقول إنه ما من كتاب أو مؤلف إلا ويبتدئه مؤلفه بالاعتذار عن
النقص والخلل، والتقصير والزلل، إلا القرآن، فإنه من أول سورة منه، وفي
أول حديث عن نفسه، يعلن كماله وجماله، وأنه بعيد عن الريب، سليم من النقص،
مصون من الخلل، محفوظ من الزلل.
ومثل قوله تعالى: (المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف:1-2]، ومثل قوله تعالى: (الم * كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود:1-2]، ومثل قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1].
وكذلك خُتمت عشرات السور بالحديث عن القرآن، مثل قوله تعالى في نهاية الأعراف: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) [الأعراف:204]، وقوله تعالى في نهاية سورة إبراهيم: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب) [إبراهيم:52]، وقوله تعالى في نهاية سورة ق: (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)، وقوله في نهاية البروج: (بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ).
وقد كثر الحديث في القرآن عن القرآن الكريم في آياتٍ تأخذ بالألباب، وتهز النفوس: قال تعالى: (قَدْ
جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ
اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة:51-52]، وقال تعالى: (إِنَّ
هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَاً
كَبِيرَاً) [الإسراء:9].
وقال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَ اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر:23]؛ وانظر إلى روعة كلمة "أحسن" وما لها من الأثر في النفس، والموقع من القلب. فلو وضعت مكانها أي كلمة أخرى مثل "أجمل"، و"أفضل"، و"أجود"، فلن تجد لها من الأثر ما لكلمة" أحسن"، ثم انظر إلى تكرار لفظ الجلالة في هذه الآية أربع مرات، وما له من معنى عميق، وأثر بديع.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ
فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الزمر:27-28]، (لَوْ
أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعَاً
مُتَصَدِّعَاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر:21].
انظر إلى عظمة هذا الكتاب كيف طبق الأرض بأنواره، وجلل الآفاق بضيائه، ونفذ
في العالم حكمه، وقبل في الدنيا رسمه، وأصبحت نغماته الحانية تلامس القلوب
قبل الأسماع في أنحاء الدنيا وأصقاع المعمورة، فيحيي قلوبا ميتة، وينير
عقولا مظلمة، ويبعث أجسادا هامدة، (وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ) [الشورى:52]، يدل على صدوره من الربوبية، ووروده عن
الألوهية، فهو روح؛ لأنه يحيي الخلق، ويبعث في النفوس الحياة، فله فضل
الأرواح في الأجساد. وهو نور؛ لأنه يضيء للقلوب والعقول والبصائر ضياء
الشمس في الآفاق.
دعا إلى الوحدانية في أجمل أسلوب، وأصدق عبارة، فقال: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:65]، ويقول تعالى: (تَبَارَكَ
الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
نَذِيرَاً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ
وَلَدَاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرَاً) [الفرقان:1-2].
ودعا إلى التفكر في آيات الله، والتأمل في مخلوقاته، والنظر في ملكوته، وربط ذلك بتوحيده -جل وعلا- فقال: (أَمَّنْ
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ
تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ *
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا
وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ
مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ
الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ
يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ
الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ
اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [النمل:60-64].
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا
مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ
طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ
وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ
إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ) [الأنعام:99].
وقال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ
مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ
وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى
بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد:4].
وانظر إلى هذا الجمال الخلاب، والروعة الفائقة، والبيان المعجز الذي يأخذ بالألباب، ويمتلك النفوس في قوله: (يُسْقَى ِبِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ)، كم في ذلك من آيات العظمة، ودلائل الألوهية!.
وَرَدَّ شُبَهَ الملحدين في أسلوب معجز، وبيان مفحم، وحجة دامغة، فقال: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الأنبياء:22]، وقال لمنكِر البعث: (وَضَرَبَ
لَنَا مَثَلَاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ
رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ
بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس:78-79].
وبين تعالى الأسلوب الأمثل، والطريق الأكمل، والنهج الأجمل في الدعوة إلى الله تعالى فقال: (اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]، وحث على الوحدة، ولزوم الجماعة، والبعد عن الفرقة، فقال: (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانَاً) [آل عمران:103].
وبيَّن النهج الأسلم، والطريق الأحكم، والخلق الأعظم؛ وجمع مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب في آية واحدة فقال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وقال تعالى: (إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
وبيَّن القاعدة في الحلال والحرام في جزء من آية فقال: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157].
وأوجز ما في القرآن كله في سورة الفاتحة، فهي أم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم.
وأوجز رسالة الإنسان في الحياة في سورة واحدة، قال عنها الشافعي: لو لم
يُنزل الله إلا هذه السورة على الناس لكفتهم، وهي قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ
* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر].
وبيَّن -جل وعلا- عظمته وسلطانه، وأن كل ما في الكون تحت أمره ومشيئته في كلمتين فقال: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف:54]، وأخبر عن تمام الدين وصدق الرسالة ونقاء المنهج بكلمتين اثنتين، فقال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) [الأنعام:115]، أي صدقا في الأخبار، وعدلا في الأحكام.
وبين مهمة نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا
وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب:45-46].
وبيَّن صفته -جل وعلا- وكماله وجلاله في جزء من آية فقال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11].
ودعا إلى الجنة ونعيمها بكلمات حانية، وعبارات مؤثرة، وأسلوب ماتع، فقال: (مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ
غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ
وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ
مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ) [محمد:15].
وحذر من النار وجحيمها، وجهنم وأهوالها، في أسلوب مرعب، وبيان مذهل، وكلمات مدوية، فقال تعال: (فَالَّذِينَ
كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ
رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ *
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا
مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج:19-22].
هذه إشارة سريعة وبيان موجز لفحوى الكتاب، وعظمة الفرقان وروعة القرآن، فأين نحن من هذا الذكر الحكيم، وما موقفنا منه؟ قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [البقرة:121]، أي يتدبرونه ويتبعونه حق اتباعه، ويعملون به حق عمله، فهؤلاء هم المؤمنون بالقرآن حقا، وهم أهله وخاصته صدقا.
ما أشد الحاجة إلى العودة الصادقة لهذا القرآن! عودة بالقلوب والأفئدة، بالأرواح والأذهان، لا بالتلاوة باللسان فحسب.
لقد غدا اهتمام كثير من الناس بالقرآن اليوم في إقامة حروفه فقط، بل بعضهم
يسجعه مبنى ويهدمه معنى، ويحفظ حروفه، ويقف سدا منيعا دون حدوده؛ فلذلك
ذهبت بركة القرآن، وغابت روحه، وفقدت ثمرته. ولا صلاح لآخر هذه الأمة إلا
بما صلح به أولها، أخذوا الكتاب بقوة، وتلقوا التوجيه بهمة، وامتثلوا الأمر
بعزيمة.
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- قرآنا يمشي بين الناس، يتخلق بأخلاقه، ويتأدب
بآدابه، ويمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه، يحيي به ليله، ويعمر به بيته،
ويزكي به فؤاده؛ إن قرأه تدبر وتأمل، ودعا واستغفر، وبكى وخشع؛ وإن قُرئ
عليه فاضت عيناه، وذرفت دموعه؛ إن أوصى أوصى به، وإن وعظ وعظ به، وإن أمَّر
أميرا قدم صاحب القرآن، وإن اختار إماما فضَّل حامل القرآن، وإن دفن
أصحابه قدم صاحب القرآن، وإن حاور حاور بالقرآن، وإن جاءه متزوج ليس لديه
مهر زوجه بما معه من القرآن.
وكان يتدارس القرآن مع جبريل في كل عام مرة في شهر رمضان، إلا آخر رمضان
صامه -صلى الله عليه وسلم- فقد عارض جبريل القرآن مرتين؛ وكان يوصي أصحابه
بالقرآن والمداومة على قراءته: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" صحيح الجامع، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها" صحيح الجامع؛ ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" صحيح الجامع؛ ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" البخاري.
وقد تلقى الصحابة -رضوان الله عليهم- وصايا نبيهم -صلى الله عليه وسلم-
بالقبول والترحاب، والعمل والتطبيق، فكان لبيوتهم دوي كدوي النحل بالقرآن،
عمروا به بيوتهم، وأحيوا به ضمائرهم، وتأدبوا بآدابه، وامتثلوا أوامره،
واجتنبوا نواهيه، فأنار الله بهم الدنيا، وعمر بهم العالم، وأنقذ بهم
البشرية.
أما حال المسلمين مع القرآن اليوم فهي حال مزرية، ووضع مُبْكٍ، وأمر مؤسف،
فقد أصبح لوحات تعلق في البيوت، أو تمائم تعلق على الصدور، أو افتتاحات
للمؤتمرات واللقاءات، أو أشرطة تقرأ للأموات؛ أما العمل بما فيه، والاهتداء
بهدايته، والسير على محجته، فذلك ما يفتقده المسلمون اليوم إلا من رحم
ربك!.
وصدق على كثير منهم قول معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: " سيبلى
القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت، يقرؤونه لا يجدون له لا
شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه
خوف، إن قصروا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله
شيئا" سنن الدارمي.
ويقول الحسن -رحمه الله-" قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَرُوا آيَاتِهِ)
[ص:29]، وما تدبر آياته إلا اتباعه، وأما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة
حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفا، وقد
والله أسقطه كله! ما يُرى له القرآن في خلق ولا عمل.
قال تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورَاً)
[الفرقان:30]، وهجر القرآن يتجلى في أمور عديدة منها هجر سماعه، وهجر
العمل به، وهجر تحكيمه والتحاكم إليه، وهجر تدبره وتفهمه، وهجر الاستشفاء
به أو التداوي به للأمراض الحسية والمعنوية.
لقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أننا إن تمسكنا بكتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فلن نضل أبدا؛ وقال تعالى: (ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً) [طه:124].
إن سعادتنا بالقرآن، وفلاحنا بالقرآن، وعزنا بالقرآن، ومجدنا بالقرآن،
وفوزنا في الدنيا والآخرة هو بالعودة إليهن والتحاكم إليه، وامتثال أوامره،
واجتناب نواهيهح ومتى أثمر في قلوبنا، وأشرق في نفوسنا أشرقت بنا الأرض،
واستنارت بنا الدنيا، وسعدت بنا البشرية.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ
بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا *
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ
فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا
مُسْتَقِيمًا) [النساء:174-175].
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى