رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن محمد البصري
خطبة عيد الأضحى 1431
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في يَومٍ عَظِيمٍ وَعِيدٍ كَرِيمٍ ، خَتَمَ اللهُ بِهِ أَيَّامًا مَعلُومَاتٍ ، وَتَوَّجَ بِهِ لَيَاليَ مُبَارَكَاتٍ ، إِنَّهُ أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ وَأَعظَمُهَا ، إِنَّهُ يَومُ الحَجِّ الأَكبرِ وَيَومُ النَّحرِ ، تَتلُوهُ أَيَّامٌ ثَلاثَةٌ مَعدُودَاتٌ ، هِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثُمَّ يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي رِوَايَةٍ : " يَومُ الفِطرِ وَيومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ... " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ اللهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . لَقَد شَرَعَ اللهُ لَنَا ـ مَعشَرَ المُسلِمِينَ ـ في سَابِقِ أَيَّامِنَا ولاحِقِهَا عِبَادَاتٍ جَلِيلَةً ، وَجَعَلَ لَنَا شَعَائِرَ عَظِيمَةً ، وَسَنَّ لَنَا نَبِيُّنَا آدَابًا كَرِيمَةً ، نَزدَادُ بها إِلى رَبِّنَا قُربًا ، وَتَتَضَاعَفُ بها حَسَنَاتُنَا عَدَدًا ، وَيُجزِلُ المَولى لَنَا بها ثَوَابًا وَيُعظِمُ لَنَا أَجرًا ، وَلَقَد حَثَّنَا ـ تَعَالى ـ وَحَضَّنَا عَلَى تَعظِيمِ شَعَائِرِهِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلامَةً عَلى تَقوَى القُلُوبِ فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ " وَفي إِضَافَةِ التَّقوَى إِلى القُلُوبِ بَيَانُ أَنَّهَا مَحَلُّهَا وَمَنشَأُهَا ، وَكَفَى بِهَذَا حَثًّا عَلى إِصلاحِهَا وَالاهتِمَامِ بها ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " التَّقوَى هَاهُنَا " وَأَشَارَ إِلى صَدرِهِ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلبُ " نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِذَا صَلَحَ القَلبُ وَخَشَعَ وَاتَّقَى ، صَلَحَت سَائِرُ الجَوَارِحِ وَاستَقَامَت ، وَإِذَا انتَكَسَ القَلبُ وَاعوَجَّ وَفَسَدَ ، فَلا خَيرَ في بَقِيَّةِ الجَوَارِحِ وَلا صَلاحَ لِظَاهِرِ الجَسَدِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا أَموَالِكُم ، وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَصَلاحُ القُلُوبِ تَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ، وَتَقوَى اللهِ نَابِعَةٌ عَن تَعظِيمِ شَعَائِرِهِ ، أَلا فَمَا أَحرَانَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أَنَّ نُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ! مَا أَحرَانَا أَن نَزدَادَ لَهَا في هَذِهِ الأَيَّامِ تَعظِيمًا فَلا نُحِلَّهَا وَلا نَتَهَاوَنَ بها ! بَل مَا أَحرَانَا أَن نُعَظِّمَهَا كُلَّمَا قَلَّ في النَّاسِ تَعظِيمُهَا وَضَعُفَ لَدَيهِمُ الاهتِمَامُ بها ! فَذَلِكَ خَيرٌ لَنَا عِندَ رَبِّنَا وَأَعظَمُ لأَجِرِنَا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ ، فَطُوبى لِلغُرَبَاءِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ مِن وَرَائِكُم أَيَّامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَومَئِذٍ بما أَنتُم عَلَيهِ أَجرُ خَمسِينَ مِنكُم " قَالُوا : يَا نَبيَّ اللهِ أَوْ مِنهُم ؟ قَالَ : بَل مِنكُم " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ شَعَائِرَ اللهِ الَّتي أَمَرَنَا ـ تَعَالى ـ بِتَعظِيمِهَا هِيَ كُلُّ مَا شَرَعَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ لَنَا ، وَلا سِيَّمَا المَعَالِمُ الظَّاهِرَةُ مِن دِينِهِ ، والَّتي جَعَلَ بَعضَهَا زَمَانِيًّا وَبَعضَهَا مَكَانِيًّا ، كَيَومِ الجُمُعَةِ وَالأَعيَادِ وَشَهرِ رَمَضَانَ ، وَالأَشهُرِ الحُرُمِ وَعَشرِ ذِي الحِجَّةِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ ، وَكَالمَسَاجِدِ عَامَّةً وَالمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ خَاصَّةً ، وَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ الأَمَّةُ مُعَظِّمَةً لِشَعَائِرِ رَبِّهَا مُستَشعِرَةً عَظَمَةَ خَالِقِهَا ، مُقَدِّرَةً مَولاهَا حَقَّ قَدرِهِ ، كَانَ ذَلِكَ أَدعَى لاستِقَامَتِهَا وَصَلاحِهَا وَفَلاحِهَا ، إِذْ تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ رَبِّهَا يَدفَعُهَا لِتَنفِيذِ أَوَامِرِهِ وَتَركِ نَوَاهِيهِ ، وَتَجَنُّبِ مَا يُسخِطُهُ وَفِعلِ مَا يُرضِيهِ ، تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ اللهِ يَعني اتِّبَاعَهَا لِسُنَّةِ نَبِيِّهَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَالعَضَّ عَلَيهَا بِالنَّواجِذِ ، وَتَرَكَ البِدَعِ وَالحَذَرَ مِنَ المُحدَثَاتِ وَنَبذَ الضَّلالاتِ ، تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ اللهِ يَدفَعُهَا لِلاستِكثَارِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، وَيَحدُوهَا لِتَركِ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ وَالمُنكَرَاتِ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ أَلاَّ يَكتَفِيَ المُسلِمُ بِصَلاحِهِ في نَفسِهِ حَتَّى يُصلِحَ غَيرَهُ ، فَيَأمُرَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَى عَنِ المُنكَرِ ، وَيَدعُوَ إِلى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَبِقَلبِهِ ، وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ " نَعَم ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ المُؤمِنُ المُعَظِّمُ لِشَعَائِرِ اللهِ ، لا يَرضَى أَن تُمتَهَنَ تِلكَ الشَّعَائِرُ أَو أَن يُجَاهَرَ بِالمَعَاصِي ، ثُمَّ يَمُرَّ كُلُّ هَذَا عَلَى سَمعِهِ وَبَصرِهِ فَلا يُحَرِّكَ سَاكِنًا ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ لا بُدَّ أَن يَتَّقِيَ اللهَ مَا يَستَطِيعُ ، وَيَجتَهِدَ في الإِنكَارِ قَدرَ طَاقَتِهِ ، فَيَأخُذَ عَلَى يَدِ مَن تَحتَ سُلطَتِهِ ، وَيُوَجِّهَ بِلِسَانِهِ مَن لا يَدَ لَهُ عَلَيهِ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ قَلبَهُ لا يَنفَكُّ مِن غَيرَةٍ يَتَقَلَّبُ حُرقَةً وَأَلَمًا ، وَنَفسَهُ تَكَادُ تَميَّزُ مِن حَسرَتِهِ غَيظًا وَهَمًّا . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو أَمَرنَا بِالمَعرُوفِ وَنَهَينَا عَنِ المُنكَرِ وَأَخَذنَا عَلى أَيدِي السُّفَهَاءِ وأَطَرنَاهُم عَلَى الحَقِّ أَطرًا ، لَعَظُمَت في النُّفُوسِ الحُرُمَاتِ ، وَلَمَا تَجَرَّأَتِ الأَوبَاشُ عَلَى المُقَدَّرَاتِ ، وَلَكِنَّنَا تَهَاوَنَّا كَثِيرًا وَتَسَاهَلنَا ، فَتَبَلَّدَتِ الأَحَاسِيسُ وَقَسَتِ القُلُوبُ ، وَأَلِفَتِ النُّفُوسُ المَعَاصِيَ وَاستَمرَأَتِ الذُّنُوبَ ، شُغِلَ الكِبَارُ بِالدُّنيَا وَزِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا وَمَنَاصِبِهَا ، فَقَطَعُوا لأَجلِهَا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَاقتَرَفُوا المُحَرَّمَاتِ ، وَرَتَعَ الصِّغَارُ في المَلاهِي وَالشَّهَوَاتِ ، فَأَضَاعُوا بِسَبَبِهَا الفَرَائِضَ وَتَهَاوَنُوا بِالوَاجِبَاتِ ، وَافتُتِنَتِ النِّسَاءُ بِالكَافِرَاتِ وَقَلَّدنَ العَاهِرَاتِ ، فَتَبرَّجنَ وَخَرَجنَ سَافِرَاتٍ مَائِلاتٍ مُمِيلاتٍ ، وَهُنَا وَهُنَاكَ غِشٌّ في البَيعِ وَالتِّجَارَةِ ، وَعَدَمُ صِدقٍ في التَّعَامُلِ ، وَتَطفِيفٌ في المَكَايِيلِ وَبَخسٌ في المَوَازِينِ ، وَعَبَثٌ بِالمَالِ العَامِّ ، وَتَبدِيدٌ لِلنِّعَمِ وَتَفَاخُرٌ وَتَكَاثُرٌ ، وَأَعظَمُ مِن ذَلِكَ وَأَشَدُّ مِنهُ مِمَّا يَتَنَافى مَعَ تَعظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ ارتِفَاعُ مَنَارَاتِ البَاطِلِ يَمِينًا وَشِمَالاً ، وَانتِشَارُهَا في كُلِّ رُكنٍ وَزَاوِيَةٍ ، مِن مَصَارِفَ رِبَوِيَّةٍ تَدفَعُ النَّاسَ لأَكلِ الحَرَامِ ، وَمُؤَسَّسَاتٍ صَحَفِيَّةٍ وَقَنَوَاتٍ فَضَائِيَّةٍ تُجَابِهُ الحَقَّ وَتَنشُرُ البَاطِلَ ، وَتُمَهِّدُ لِتَغرِيبِ المُجتَمَعِ وَإِطفَاءِ نُورِ اللهِ فِيهِ ، وَتُرَبِّي عَلَى اللَّهوِ وَالهَزَلِ ، وَتَنشُرُ الفَسَادَ وَتُشَجِّعُ عَلَى الرَّذِيلَةِ ، وَمُنتَدَيَاتٍ تُخَطِّطُ لِلمَيلِ بِالأُمَّةِ عَن دِينِهَا مَيلاً عَظِيمًا ، وَمُترَفِينَ فَسَقَةٍ يَستَورِدُونَ لِلبِلادِ مَنَاهِجَ ضَالَّةً مُضِلَّةً ، وَآخَرُونَ يُؤذُونَ عِبَادَ اللهِ وَيُحَارِبُونَ كِتَابَهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ، حَتى أَصبَحَ المُؤمِنُ لِكَثرَةِ المُنكَرَاتِ وَقِلَّةِ المُنكِرِينَ يُحِسُّ بِالغُربَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ أَن نُطِيعَهُ ـ تَعَالى ـ فِيمَا أَمَرَنَا وَقَضَاهُ لَنَا مِنَ الخَيرِيَّةِ حِينَ قَالَ : " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلْتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ " عَلَينَا جَمِيعًا في كُلِّ قِطَاعٍ وَفي كُلِّ مَجَالٍ ، أَن نَتَعَاوَنَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَنَأمُرَ بِالمَعرُوفِ وَنَنهَى عَنِ المُنكَرِ ، وَنُحَارِبَ مَا لا يُرضِي اللهَ ، يَجِبُ أَن نُحَيِيَ في النَّاسِ تَعظِيمَ شَعَائِرِ اللهِ حَقًّا ، الكَاتِبُ بِقَلَمِهِ ، وَالخَطِيبُ بِلِسَانِهِ ، وَالتَّاجِرُ بِمَالِهِ ، وَالأَبُ بِرِعَايَةِ أَمَانَتِهِ ، وَالأُمُّ بِالعَودَةِ إِلى وَظِيفَتِهَا الحَقِيقِيَّةِ في تَربِيَةِ أَبنَائِهَا وَحِفظِ بَيتِهَا ، وَالمَرأَةُ بِالحَذَرِ ممَّن يَسُوقُونَهَا إِلى هَاوِيَةِ الاختِلاطِ بِحُجَّةِ العَمَلِ وَتَقَلُّدِ المَنَاصِبِ وَالبَحثِ عَنِ الرِّزقِ ، وَالشَّابُّ وَالشَّابَّةُ بِالتَّنَبُّهِ إِلى مَا يَحِيكُهُ أَعدَاءُ الإِسلامِ ضِدَّهُمَا ، وَإِنَّنَا لَو فَعَلنَا ذَلِكَ وَقَامَ كُلُّ مِنَّا بِوَاجِبِهِ وَتَعَاوُنَّا ، لأَعَدنَا إِلى هَذِهِ البِلادِ الطَّيِّبَةِ مَا كَانَت عَلَيهِ وَمَا أَرَادَهُ اللهُ لَهَا مِن بَقَائِهَا حَرَمًا لِلإِسلامِ ، خَالِصَةً لَهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لا شَرِكَ فِيهَا وَلا بِدعَ ، وَلا ضَلالَ وَلا فُجُورَ ، وَلا تَبَرُّجَ وَلا سُفُورَ ، وَلا رِبًا وَلا زِنًا وَلا مُخَدِّرَاتِ ، وَلا فَوَاحِشَ ظَاهِرَةً وَلا بَاطِنَةً وَلا اختِلاطَ ، جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأرِزُ بَينَ المَسجِدَينِ كَمَا تَأرِزُ الحَيَّةُ إِلى جُحرِهَا " فَيَجِبُ أَن يَبقَى الإِيمَانُ في هَذِهِ البِلادِ بَارِزًا ظَاهِرًا ، وَأَلاَّ نَسمَحَ لِعَابِثٍ أَن يَتَطَاوَلَ بِلِسَانِهِ أَو يَدِهِ أو سُلطَتِهِ عَلَى دِينِهَا أَو يُحَاوِلَ إِفسَادَ عَقِيدَتِهَا ، أَو جَعلَهَا مَرتَعًا لِضَلالاتِ اليَهُودِ وَحَمَاقَاتِ النَّصَارَى ، أَو تَابِعَةً لَهُم في خُلُقٍ أَو عَادَةٍ ، كَيفَ وَهِيَ قَلبُ جَزِيرَةِ الإِسلامِ ، الجَزِيرَةُ الَّتي قَضَى اللهُ أَلا يُعبَدَ فِيهَا غَيرُهُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لأُخرِجَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ حَتَّى لا أَدَعَ فِيهَا إِلاَّ مُسلِمًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ : " لا يَجتَمِعُ في جَزِيرَةِ العَرَبِ دِينَانِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . هَذَا وَاجَبُنَا ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَتِلكَ هِيَ مُهِمَّتُنَا وَرَسَالَتُنَا ، المُحَافَظَةُ عَلَى أَثمَنِ مَا وَهَبَنَا اللهُ وَأَغلَى مَا مَلَّكَنَا إِيَّاهُ ، الإِسلامُ وَالعَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ وَالقُرآنُ وَالسُّنَّةُ ، إِذْ هِيَ ضَمَانَاتُ عِزِّنَا وَمَوَاثِيقُ بَقَائِنَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلَولا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبلِكُم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّن أَنجَينَا مِنهُم وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ . وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ " أَمَّا أَن يَظَلَّ كَلٌّ مِنَّا في حُدُودِ نَفسِهِ ، أَو يُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ في قَلبِهِ وَيَترُكَ المَجَالَ لِلمُفسِدِينَ لِيُحَقِّرُوا الشَّعَائِرَ وَهُوَ يَستَطِيعُ رَدَّهُم وَصَدَّهُم وَالإِنكَارَ عَلَيهِم ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الظُّلمِ الَّذِي نَخشَى أَن يَعُمَّنَا العَذَابُ وَتَحُلَّ عَلَينَا اللَّعنَةُ بِسَبَبِهِ ، حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ مِن أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيكَ مِنهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ . وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُم فَمَا أَغنَت عَنهُم آلِهَتُهُمُ الَّتي يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَيءٍ لَمَّا جَاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُم غَيرَ تَتبِيبٍ . وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَني إِسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بما عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِم وَفي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ . وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنهُم فَاسِقُونَ " اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن شَعَائِرِ اللهِ المُعَظَّمَةِ مَا شَرَعَهُ ـ تَعَالى ـ لَنَا في هَذَا اليَومِ مِن هَذِهِ الصَّلاةِ العَظِيمَةِ وَمَا يَتلُوهَا من ذَبحِ الضَّحَايَا وَنَحرِهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَرْ " وَعَن البَرَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : خَطَبَنَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ النَّحرِ فَقَالَ : إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنحَرَ ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا ... مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . أَلا فَضَحُّوا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ شُكرًا للهِ وَاقتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم ، وَكُلُوا مِن ضَحَايَاكُم وَأَهدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا ، وَاختَارُوا مِنَ الضَّحَايَا أَطيَبَهَا وَأَسمَنَهَا وَأَغلاهَا ثَمَنًا وَأَجمَلَهَا ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، سَمُّوا اللهَ وَكَبِّرُوا ، ومَن كَانَ مُحسِنًا لِلذَّبحِ فَلْيُبَاشِرْهُ بِنَفسِهِ ، وَمَن كَانَ لا يُحسِنُ فَلْيَحضُرْ ذَبِيحَتَهُ ، أَخلِصُوا للهِ وَاطلُبُوا مَا عِندَهُ فَـ" لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم " وَإِيَّاكُم وَالمَعِيبَةَ بِأَحَدِ عُيُوبٍ أَربَعَةٍ عَدَّهَا إِمَامُكُم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَقَالَ : " أَربَعٌ لا يُجزِينَ في الأَضَاحِي : العَورَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالعَرجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا ، وَالعَجفَاءُ الَّتي لا تُنقِي " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ . وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا يُجزِئُ مِنَ الإِبِلِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ خَمسُ سِنِينَ ، وَلا مِنَ البَقَرِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ ، وَلا مِنَ المَعزِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ ، وَلا مِنَ الضَّأنِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشهُرٍ ، وَالشَّاةُ الوَاحِدَةُ تُجزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهلِ بَيتِهِ ، وَلا يُبَاعُ مِنهَا شَيءٌ وَلا يُعطَى الجَزَّارُ أُجرَتَهُ مِنهَا ، وَوَقتُ الذَّبحِ مُمتَدٌّ مِن بَعدِ صَلاةِ العِيدِ إِلى غُرُوبِ شَمسِ اليَومِ الثَّالِثِ مِن أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، وَيَحرُمُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، فَكُلُوا فِيهَا وَاشرَبُوا ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَ اللهِ بِالإِكثَارِ مِن ذِكرِهِ بِالتَّكبِيرِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، في أَدبَارِ الصَّلوَاتِ وَفي جَمِيعِ الأَوقَاتِ ، وَبَرُّوا وَالِدِيكُم ، وَأَحسِنُوا إِلى جِيرَانِكُم وَفُقَرَائِكُم ، وَاجتَنِبُوا المَعَاصِيَ والمُنكَرَاتِ ، جَمِّلُوا عِيدَكُم بِإِفشَاءِ السَّلامِ وَإِطعَامِ الطَّعَامِ وَصِلَةِ الأَرحَامِ ، تَصَافَحُوا وَتَصَالَحُوا ، وَتَعَانَقُوا وَتَسَامَحُوا ، وَكُونُوا كَمَا أَرَادَ لَكُم رَبُّكُم إِخوَانًا مُتَحَابِّينَ " وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلتُم سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " وَتَذَكَّرنَ يَا نِسَاءَ المُؤمِنِينَ قَولَ الحَبِيبِ : " إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمسَهَا ، وَصَامَت شَهرَهَا ، وَحَصَّنَت فَرجَهَا ، وَأَطَاعَت زَوجَهَا قِيلَ لها : ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ " فَلا تَخضَعْنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي في قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفًا . وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللهَ وَرَسُولَه "
خطبة عيد الأضحى 1431
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في يَومٍ عَظِيمٍ وَعِيدٍ كَرِيمٍ ، خَتَمَ اللهُ بِهِ أَيَّامًا مَعلُومَاتٍ ، وَتَوَّجَ بِهِ لَيَاليَ مُبَارَكَاتٍ ، إِنَّهُ أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ وَأَعظَمُهَا ، إِنَّهُ يَومُ الحَجِّ الأَكبرِ وَيَومُ النَّحرِ ، تَتلُوهُ أَيَّامٌ ثَلاثَةٌ مَعدُودَاتٌ ، هِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثُمَّ يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي رِوَايَةٍ : " يَومُ الفِطرِ وَيومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ... " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ اللهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . لَقَد شَرَعَ اللهُ لَنَا ـ مَعشَرَ المُسلِمِينَ ـ في سَابِقِ أَيَّامِنَا ولاحِقِهَا عِبَادَاتٍ جَلِيلَةً ، وَجَعَلَ لَنَا شَعَائِرَ عَظِيمَةً ، وَسَنَّ لَنَا نَبِيُّنَا آدَابًا كَرِيمَةً ، نَزدَادُ بها إِلى رَبِّنَا قُربًا ، وَتَتَضَاعَفُ بها حَسَنَاتُنَا عَدَدًا ، وَيُجزِلُ المَولى لَنَا بها ثَوَابًا وَيُعظِمُ لَنَا أَجرًا ، وَلَقَد حَثَّنَا ـ تَعَالى ـ وَحَضَّنَا عَلَى تَعظِيمِ شَعَائِرِهِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلامَةً عَلى تَقوَى القُلُوبِ فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ " وَفي إِضَافَةِ التَّقوَى إِلى القُلُوبِ بَيَانُ أَنَّهَا مَحَلُّهَا وَمَنشَأُهَا ، وَكَفَى بِهَذَا حَثًّا عَلى إِصلاحِهَا وَالاهتِمَامِ بها ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " التَّقوَى هَاهُنَا " وَأَشَارَ إِلى صَدرِهِ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلبُ " نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِذَا صَلَحَ القَلبُ وَخَشَعَ وَاتَّقَى ، صَلَحَت سَائِرُ الجَوَارِحِ وَاستَقَامَت ، وَإِذَا انتَكَسَ القَلبُ وَاعوَجَّ وَفَسَدَ ، فَلا خَيرَ في بَقِيَّةِ الجَوَارِحِ وَلا صَلاحَ لِظَاهِرِ الجَسَدِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا أَموَالِكُم ، وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَصَلاحُ القُلُوبِ تَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ، وَتَقوَى اللهِ نَابِعَةٌ عَن تَعظِيمِ شَعَائِرِهِ ، أَلا فَمَا أَحرَانَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أَنَّ نُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ! مَا أَحرَانَا أَن نَزدَادَ لَهَا في هَذِهِ الأَيَّامِ تَعظِيمًا فَلا نُحِلَّهَا وَلا نَتَهَاوَنَ بها ! بَل مَا أَحرَانَا أَن نُعَظِّمَهَا كُلَّمَا قَلَّ في النَّاسِ تَعظِيمُهَا وَضَعُفَ لَدَيهِمُ الاهتِمَامُ بها ! فَذَلِكَ خَيرٌ لَنَا عِندَ رَبِّنَا وَأَعظَمُ لأَجِرِنَا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ ، فَطُوبى لِلغُرَبَاءِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ مِن وَرَائِكُم أَيَّامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَومَئِذٍ بما أَنتُم عَلَيهِ أَجرُ خَمسِينَ مِنكُم " قَالُوا : يَا نَبيَّ اللهِ أَوْ مِنهُم ؟ قَالَ : بَل مِنكُم " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ شَعَائِرَ اللهِ الَّتي أَمَرَنَا ـ تَعَالى ـ بِتَعظِيمِهَا هِيَ كُلُّ مَا شَرَعَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ لَنَا ، وَلا سِيَّمَا المَعَالِمُ الظَّاهِرَةُ مِن دِينِهِ ، والَّتي جَعَلَ بَعضَهَا زَمَانِيًّا وَبَعضَهَا مَكَانِيًّا ، كَيَومِ الجُمُعَةِ وَالأَعيَادِ وَشَهرِ رَمَضَانَ ، وَالأَشهُرِ الحُرُمِ وَعَشرِ ذِي الحِجَّةِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ ، وَكَالمَسَاجِدِ عَامَّةً وَالمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ خَاصَّةً ، وَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ الأَمَّةُ مُعَظِّمَةً لِشَعَائِرِ رَبِّهَا مُستَشعِرَةً عَظَمَةَ خَالِقِهَا ، مُقَدِّرَةً مَولاهَا حَقَّ قَدرِهِ ، كَانَ ذَلِكَ أَدعَى لاستِقَامَتِهَا وَصَلاحِهَا وَفَلاحِهَا ، إِذْ تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ رَبِّهَا يَدفَعُهَا لِتَنفِيذِ أَوَامِرِهِ وَتَركِ نَوَاهِيهِ ، وَتَجَنُّبِ مَا يُسخِطُهُ وَفِعلِ مَا يُرضِيهِ ، تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ اللهِ يَعني اتِّبَاعَهَا لِسُنَّةِ نَبِيِّهَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَالعَضَّ عَلَيهَا بِالنَّواجِذِ ، وَتَرَكَ البِدَعِ وَالحَذَرَ مِنَ المُحدَثَاتِ وَنَبذَ الضَّلالاتِ ، تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ اللهِ يَدفَعُهَا لِلاستِكثَارِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، وَيَحدُوهَا لِتَركِ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ وَالمُنكَرَاتِ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ أَلاَّ يَكتَفِيَ المُسلِمُ بِصَلاحِهِ في نَفسِهِ حَتَّى يُصلِحَ غَيرَهُ ، فَيَأمُرَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَى عَنِ المُنكَرِ ، وَيَدعُوَ إِلى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَبِقَلبِهِ ، وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ " نَعَم ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ المُؤمِنُ المُعَظِّمُ لِشَعَائِرِ اللهِ ، لا يَرضَى أَن تُمتَهَنَ تِلكَ الشَّعَائِرُ أَو أَن يُجَاهَرَ بِالمَعَاصِي ، ثُمَّ يَمُرَّ كُلُّ هَذَا عَلَى سَمعِهِ وَبَصرِهِ فَلا يُحَرِّكَ سَاكِنًا ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ لا بُدَّ أَن يَتَّقِيَ اللهَ مَا يَستَطِيعُ ، وَيَجتَهِدَ في الإِنكَارِ قَدرَ طَاقَتِهِ ، فَيَأخُذَ عَلَى يَدِ مَن تَحتَ سُلطَتِهِ ، وَيُوَجِّهَ بِلِسَانِهِ مَن لا يَدَ لَهُ عَلَيهِ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ قَلبَهُ لا يَنفَكُّ مِن غَيرَةٍ يَتَقَلَّبُ حُرقَةً وَأَلَمًا ، وَنَفسَهُ تَكَادُ تَميَّزُ مِن حَسرَتِهِ غَيظًا وَهَمًّا . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو أَمَرنَا بِالمَعرُوفِ وَنَهَينَا عَنِ المُنكَرِ وَأَخَذنَا عَلى أَيدِي السُّفَهَاءِ وأَطَرنَاهُم عَلَى الحَقِّ أَطرًا ، لَعَظُمَت في النُّفُوسِ الحُرُمَاتِ ، وَلَمَا تَجَرَّأَتِ الأَوبَاشُ عَلَى المُقَدَّرَاتِ ، وَلَكِنَّنَا تَهَاوَنَّا كَثِيرًا وَتَسَاهَلنَا ، فَتَبَلَّدَتِ الأَحَاسِيسُ وَقَسَتِ القُلُوبُ ، وَأَلِفَتِ النُّفُوسُ المَعَاصِيَ وَاستَمرَأَتِ الذُّنُوبَ ، شُغِلَ الكِبَارُ بِالدُّنيَا وَزِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا وَمَنَاصِبِهَا ، فَقَطَعُوا لأَجلِهَا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَاقتَرَفُوا المُحَرَّمَاتِ ، وَرَتَعَ الصِّغَارُ في المَلاهِي وَالشَّهَوَاتِ ، فَأَضَاعُوا بِسَبَبِهَا الفَرَائِضَ وَتَهَاوَنُوا بِالوَاجِبَاتِ ، وَافتُتِنَتِ النِّسَاءُ بِالكَافِرَاتِ وَقَلَّدنَ العَاهِرَاتِ ، فَتَبرَّجنَ وَخَرَجنَ سَافِرَاتٍ مَائِلاتٍ مُمِيلاتٍ ، وَهُنَا وَهُنَاكَ غِشٌّ في البَيعِ وَالتِّجَارَةِ ، وَعَدَمُ صِدقٍ في التَّعَامُلِ ، وَتَطفِيفٌ في المَكَايِيلِ وَبَخسٌ في المَوَازِينِ ، وَعَبَثٌ بِالمَالِ العَامِّ ، وَتَبدِيدٌ لِلنِّعَمِ وَتَفَاخُرٌ وَتَكَاثُرٌ ، وَأَعظَمُ مِن ذَلِكَ وَأَشَدُّ مِنهُ مِمَّا يَتَنَافى مَعَ تَعظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ ارتِفَاعُ مَنَارَاتِ البَاطِلِ يَمِينًا وَشِمَالاً ، وَانتِشَارُهَا في كُلِّ رُكنٍ وَزَاوِيَةٍ ، مِن مَصَارِفَ رِبَوِيَّةٍ تَدفَعُ النَّاسَ لأَكلِ الحَرَامِ ، وَمُؤَسَّسَاتٍ صَحَفِيَّةٍ وَقَنَوَاتٍ فَضَائِيَّةٍ تُجَابِهُ الحَقَّ وَتَنشُرُ البَاطِلَ ، وَتُمَهِّدُ لِتَغرِيبِ المُجتَمَعِ وَإِطفَاءِ نُورِ اللهِ فِيهِ ، وَتُرَبِّي عَلَى اللَّهوِ وَالهَزَلِ ، وَتَنشُرُ الفَسَادَ وَتُشَجِّعُ عَلَى الرَّذِيلَةِ ، وَمُنتَدَيَاتٍ تُخَطِّطُ لِلمَيلِ بِالأُمَّةِ عَن دِينِهَا مَيلاً عَظِيمًا ، وَمُترَفِينَ فَسَقَةٍ يَستَورِدُونَ لِلبِلادِ مَنَاهِجَ ضَالَّةً مُضِلَّةً ، وَآخَرُونَ يُؤذُونَ عِبَادَ اللهِ وَيُحَارِبُونَ كِتَابَهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ، حَتى أَصبَحَ المُؤمِنُ لِكَثرَةِ المُنكَرَاتِ وَقِلَّةِ المُنكِرِينَ يُحِسُّ بِالغُربَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ أَن نُطِيعَهُ ـ تَعَالى ـ فِيمَا أَمَرَنَا وَقَضَاهُ لَنَا مِنَ الخَيرِيَّةِ حِينَ قَالَ : " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلْتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ " عَلَينَا جَمِيعًا في كُلِّ قِطَاعٍ وَفي كُلِّ مَجَالٍ ، أَن نَتَعَاوَنَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَنَأمُرَ بِالمَعرُوفِ وَنَنهَى عَنِ المُنكَرِ ، وَنُحَارِبَ مَا لا يُرضِي اللهَ ، يَجِبُ أَن نُحَيِيَ في النَّاسِ تَعظِيمَ شَعَائِرِ اللهِ حَقًّا ، الكَاتِبُ بِقَلَمِهِ ، وَالخَطِيبُ بِلِسَانِهِ ، وَالتَّاجِرُ بِمَالِهِ ، وَالأَبُ بِرِعَايَةِ أَمَانَتِهِ ، وَالأُمُّ بِالعَودَةِ إِلى وَظِيفَتِهَا الحَقِيقِيَّةِ في تَربِيَةِ أَبنَائِهَا وَحِفظِ بَيتِهَا ، وَالمَرأَةُ بِالحَذَرِ ممَّن يَسُوقُونَهَا إِلى هَاوِيَةِ الاختِلاطِ بِحُجَّةِ العَمَلِ وَتَقَلُّدِ المَنَاصِبِ وَالبَحثِ عَنِ الرِّزقِ ، وَالشَّابُّ وَالشَّابَّةُ بِالتَّنَبُّهِ إِلى مَا يَحِيكُهُ أَعدَاءُ الإِسلامِ ضِدَّهُمَا ، وَإِنَّنَا لَو فَعَلنَا ذَلِكَ وَقَامَ كُلُّ مِنَّا بِوَاجِبِهِ وَتَعَاوُنَّا ، لأَعَدنَا إِلى هَذِهِ البِلادِ الطَّيِّبَةِ مَا كَانَت عَلَيهِ وَمَا أَرَادَهُ اللهُ لَهَا مِن بَقَائِهَا حَرَمًا لِلإِسلامِ ، خَالِصَةً لَهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لا شَرِكَ فِيهَا وَلا بِدعَ ، وَلا ضَلالَ وَلا فُجُورَ ، وَلا تَبَرُّجَ وَلا سُفُورَ ، وَلا رِبًا وَلا زِنًا وَلا مُخَدِّرَاتِ ، وَلا فَوَاحِشَ ظَاهِرَةً وَلا بَاطِنَةً وَلا اختِلاطَ ، جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأرِزُ بَينَ المَسجِدَينِ كَمَا تَأرِزُ الحَيَّةُ إِلى جُحرِهَا " فَيَجِبُ أَن يَبقَى الإِيمَانُ في هَذِهِ البِلادِ بَارِزًا ظَاهِرًا ، وَأَلاَّ نَسمَحَ لِعَابِثٍ أَن يَتَطَاوَلَ بِلِسَانِهِ أَو يَدِهِ أو سُلطَتِهِ عَلَى دِينِهَا أَو يُحَاوِلَ إِفسَادَ عَقِيدَتِهَا ، أَو جَعلَهَا مَرتَعًا لِضَلالاتِ اليَهُودِ وَحَمَاقَاتِ النَّصَارَى ، أَو تَابِعَةً لَهُم في خُلُقٍ أَو عَادَةٍ ، كَيفَ وَهِيَ قَلبُ جَزِيرَةِ الإِسلامِ ، الجَزِيرَةُ الَّتي قَضَى اللهُ أَلا يُعبَدَ فِيهَا غَيرُهُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لأُخرِجَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ حَتَّى لا أَدَعَ فِيهَا إِلاَّ مُسلِمًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ : " لا يَجتَمِعُ في جَزِيرَةِ العَرَبِ دِينَانِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . هَذَا وَاجَبُنَا ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَتِلكَ هِيَ مُهِمَّتُنَا وَرَسَالَتُنَا ، المُحَافَظَةُ عَلَى أَثمَنِ مَا وَهَبَنَا اللهُ وَأَغلَى مَا مَلَّكَنَا إِيَّاهُ ، الإِسلامُ وَالعَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ وَالقُرآنُ وَالسُّنَّةُ ، إِذْ هِيَ ضَمَانَاتُ عِزِّنَا وَمَوَاثِيقُ بَقَائِنَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلَولا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبلِكُم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّن أَنجَينَا مِنهُم وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ . وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ " أَمَّا أَن يَظَلَّ كَلٌّ مِنَّا في حُدُودِ نَفسِهِ ، أَو يُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ في قَلبِهِ وَيَترُكَ المَجَالَ لِلمُفسِدِينَ لِيُحَقِّرُوا الشَّعَائِرَ وَهُوَ يَستَطِيعُ رَدَّهُم وَصَدَّهُم وَالإِنكَارَ عَلَيهِم ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الظُّلمِ الَّذِي نَخشَى أَن يَعُمَّنَا العَذَابُ وَتَحُلَّ عَلَينَا اللَّعنَةُ بِسَبَبِهِ ، حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ مِن أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيكَ مِنهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ . وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُم فَمَا أَغنَت عَنهُم آلِهَتُهُمُ الَّتي يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَيءٍ لَمَّا جَاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُم غَيرَ تَتبِيبٍ . وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَني إِسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بما عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِم وَفي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ . وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنهُم فَاسِقُونَ " اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن شَعَائِرِ اللهِ المُعَظَّمَةِ مَا شَرَعَهُ ـ تَعَالى ـ لَنَا في هَذَا اليَومِ مِن هَذِهِ الصَّلاةِ العَظِيمَةِ وَمَا يَتلُوهَا من ذَبحِ الضَّحَايَا وَنَحرِهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَرْ " وَعَن البَرَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : خَطَبَنَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ النَّحرِ فَقَالَ : إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنحَرَ ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا ... مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . أَلا فَضَحُّوا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ شُكرًا للهِ وَاقتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم ، وَكُلُوا مِن ضَحَايَاكُم وَأَهدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا ، وَاختَارُوا مِنَ الضَّحَايَا أَطيَبَهَا وَأَسمَنَهَا وَأَغلاهَا ثَمَنًا وَأَجمَلَهَا ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، سَمُّوا اللهَ وَكَبِّرُوا ، ومَن كَانَ مُحسِنًا لِلذَّبحِ فَلْيُبَاشِرْهُ بِنَفسِهِ ، وَمَن كَانَ لا يُحسِنُ فَلْيَحضُرْ ذَبِيحَتَهُ ، أَخلِصُوا للهِ وَاطلُبُوا مَا عِندَهُ فَـ" لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم " وَإِيَّاكُم وَالمَعِيبَةَ بِأَحَدِ عُيُوبٍ أَربَعَةٍ عَدَّهَا إِمَامُكُم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَقَالَ : " أَربَعٌ لا يُجزِينَ في الأَضَاحِي : العَورَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالعَرجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا ، وَالعَجفَاءُ الَّتي لا تُنقِي " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ . وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا يُجزِئُ مِنَ الإِبِلِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ خَمسُ سِنِينَ ، وَلا مِنَ البَقَرِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ ، وَلا مِنَ المَعزِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ ، وَلا مِنَ الضَّأنِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشهُرٍ ، وَالشَّاةُ الوَاحِدَةُ تُجزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهلِ بَيتِهِ ، وَلا يُبَاعُ مِنهَا شَيءٌ وَلا يُعطَى الجَزَّارُ أُجرَتَهُ مِنهَا ، وَوَقتُ الذَّبحِ مُمتَدٌّ مِن بَعدِ صَلاةِ العِيدِ إِلى غُرُوبِ شَمسِ اليَومِ الثَّالِثِ مِن أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، وَيَحرُمُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، فَكُلُوا فِيهَا وَاشرَبُوا ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَ اللهِ بِالإِكثَارِ مِن ذِكرِهِ بِالتَّكبِيرِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، في أَدبَارِ الصَّلوَاتِ وَفي جَمِيعِ الأَوقَاتِ ، وَبَرُّوا وَالِدِيكُم ، وَأَحسِنُوا إِلى جِيرَانِكُم وَفُقَرَائِكُم ، وَاجتَنِبُوا المَعَاصِيَ والمُنكَرَاتِ ، جَمِّلُوا عِيدَكُم بِإِفشَاءِ السَّلامِ وَإِطعَامِ الطَّعَامِ وَصِلَةِ الأَرحَامِ ، تَصَافَحُوا وَتَصَالَحُوا ، وَتَعَانَقُوا وَتَسَامَحُوا ، وَكُونُوا كَمَا أَرَادَ لَكُم رَبُّكُم إِخوَانًا مُتَحَابِّينَ " وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلتُم سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " وَتَذَكَّرنَ يَا نِسَاءَ المُؤمِنِينَ قَولَ الحَبِيبِ : " إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمسَهَا ، وَصَامَت شَهرَهَا ، وَحَصَّنَت فَرجَهَا ، وَأَطَاعَت زَوجَهَا قِيلَ لها : ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ " فَلا تَخضَعْنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي في قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفًا . وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللهَ وَرَسُولَه "
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى