لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

غزة والأحزاب  Empty غزة والأحزاب {السبت 19 نوفمبر - 23:48}

منصور السعد
غزة والأحزاب

الحمد لله مُسبِغ النّعَم، دافع النّقَم، أجاب عبدَه إذ ناداه في الظُّلَم، ووعدَ بالنصر من التزم صراطَه الأقوَم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدّى الأمانة وتركَنا على المحجّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغُ عنها إلا هالِك، صلّى الله عليه وعلى آله وأزواجِه وذريّته وصحابته ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فوصيّةُ الله للأوّلين والآخرين تقواه: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ]، ألا وإنّ خيرَ الزاد التقوى، وإنّ الدنيا ممرّ، وإن الآخرة هي دار المستقرّ، فتزوَّدوا لمقرِّكم من ممرِّكم.

سأحمل روحي على راحتي * * وألقي بها في مهاوي الردى

فإمّا حياة تسرّ الصديق * * * وإمّا مماتٌ يغيظ العدى

ونفسُ الشريف لها غايتان * * * ورود المنايا ونيلُ المنى

وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن * مخوف الجناب حرام الحمى

إذا قلتُ أصغى لي العالمون * * * ودوّى مقالي بين الورى

لعمرك إنّي أرى مصرعي * * * ولكن أغذّ إليه الخطى

أرى مصرعي دون حقّي السليب ودون بلادي هو المبتغى

يلذّ لأذني سماع الصليل * * * ويبهجُ نفسي مسيل الدما

وجسمٌ تجدّل في الصحصحان * * * تناوشُهُ جارحاتُ الفلا

كسا دمه الأرض بالأرجوان * * * وأثقل بالعطر ريح الصّبا

وعفّر منه بهيّ الجبين * * * ولكن عُفاراً يزيد البها

وبان على شفتيه ابتسامٌ * * * معانيه هزءٌ بهذي الدّنا

ونام ليحيى حياة الخلود * * * ويهنأُ فيها بأغلى المنا

لعمرك هذا مماتُ الرجال * * * ومن رام موتاً شريفاً فذا

فكيف اصطباري لكيد الحقود * * * وكيف احتمالي لسوم الأذى

أخوفاً وعندي تهونُ الحياة * * * وذُلاّ وإنّي لربّ الإبا

بقلبي سأرمي وجوه العداة * * * فقلبي حديدٌ وناري لظى



أيّها المسلمون: ما أحوجَ المسلمين إلى مراجعةِ أحوالهم والترتيب لحسنِ مآلهم، ما أحوجَنا إلى

أسبابِ الثبات وما يُمسِّكنا بدينِنا حتى الممات، فتلك سنّة الله مع رسولِه والصحبِ الكرام، حين تشتدّ بالنبي وصحبِه الكربات يثبِّته ربُّ الأرض والسموات بما شاء من أسباب الثّبات، ومن ذلك سِيَر الأنبياء والمرسَلين وقَصَص الأوّلين والآخرين وخَبر العواقِبِ الحسنى للمتقين، (وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ].

أيّها المسلمون: واقتداءً بهذا السَّنن الإلهيّ نعرض اليومَ إلى ذكر واقعةٍ شديدةٍ على المسلمين وأيّامٍ عصيبة مرّت بالنبيّ والمؤمنين، كانت عاقبتها نصرًا وتمكينًا بعد أن امتحَن الله القلوبَ وميّز المؤمنين من المنافقين، إنها غزوةُ الخندق التي سمّاها الله تعالى بالأحزاب وأنزل فيها سورةً تُتَلى إلى يومِ الدين. فهاهم يهود ومن حالَفهم يأتون بحَدِّهم وحديدهم ليقتلوا المسلمين..أين؟ ليس في غزة الفلسطينية؛ بل في المدينة النبوية..متى؟ في غزوة الأحزاب التي وقعت قبل ألف أربعمائة وخمس وعشرين سنة ، وذلك أنّ نفرًا من يهودِ بني النضير سعَوا كما هي عادَة اليهود، فخرجوا لمكّةَ واجتمعوا بأشرافِ قريش، وألَّبوهم على حربِ النبي ، ووعدوهم بالنّصر والإعانة، فأجابوهم لذلك، ثمّ خرجوا إلى غطفان فدعوهم وأَغرَوهم، فاستجابوا لهم أيضًا، وخرَجت قريش في أحابِيشِها ومن تابَعها من أهلِ تِهامة وغيرهم، وكذا غطفان، والجميع يفوقون عشرةَ آلاف، وحاصَروا المسلمين مِن نواحي المدينة، واستشار النبيّ أصحابَه، فأشار سلمان الفارسيّ رضي الله عنه بحفرِ الخندَق، فقبِل النبيّ مشورَتَه، وقرَّر المسلمون التحصُّنَ في المدينةِ والدفاعَ عنها، وأمَر النبيّ بحفرِ الخندق في السّهل الواقع شمالَ غربِ المدينة، وهو الجانِب المكشوف، وقسَم النبيّ الخندقَ بين أصحابه لكلّ عشرةٍ منهم أربعون ذراعًا، وطوله قريبٌ من خمسةِ آلاف ذِراع أي: بما يعادل كيلوين ونصف الكيلو، وعرضه أربعة أمتار ونصف، وعمقه يتراوح ما بين ثلاثة أمتار ونصف إلى خمسة أمتار، وعمل النبيّ مع أصحابِه في حفرِ الخندق وتم حفر الخندق بسرعة رغم الجو البارد والمجاعة وقد يلبثون ثلاثة أيام لا يذوقون طعامًا، فأتموا حفر الخندق في ستة أيام فقط ، يقول أبو طلحة رضي الله عنه: شكَونا إلى رسول الله الجوعَ ورفعنا عن بطونِنا عن حجرٍ حَجر، فرفع رسول الله عن بطنِه حجَرين ومع ذلك كانوا صابرين ثابتين يحمَدون الله ويذكرونه ويرتجزون، عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصارُ يحفرون في غداةٍ باردة، فلمّا رأى ما بهم من النصب والجوع قال:

((اللـهمّ إنّ العيش عيشُ الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة))

فقالوا مجيبين له:

نحن الذيـن بايعوا محمّدًا على الجهادِ ما بقينا أبدًا

رواه البخاري ومسلم وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبيّ ينقل الترابَ يومَ الخندق حتى اغبرَّ بطنه. متفق عليه، وفي الصحيحين عنه رضي الله عنه أنّ النبيَّ كان يرتجِز بكلماتِ ابنِ رواحة وهو ينقل الترابَ يقول:

((والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلّينا

فأنزِلَـن سكيـنةً علينـا وثبِّت الأقدامَ إن لاقَينا

إنّ الأُلى قد بَغَـوا علينـا إذا أرادوا فتنـةً أبَينا))

يمدّ صوته بآخرها

وقد ظهرَت المعجِزات في حفرِ الخندق، منها ما جاءَ في الصحيحين أن جابرَ بنَ عبد الله رضي الله عنه لما رأى ما بالنّبيّ من الجوعِ والخَمصِ الشّديد صنع طعامًا يكفِي لبضعةِ نفر ودعا النبيَّ إليه، عند ذلك نادَى النبيّ أهلَ الخندق: ((ألا إنّ جابرًا قد صنع سورًا))، وقال:

((ادخلوا ولا تضاغَطوا)) فأكَلوا كلُّهم حتى شبِعوا والطعامُ على حاله ولم ينقص، جاء في بعض الروايات في غير الصّحيحين أنهم كانوا قريبًا من ألفِ رجل
وعرضت للمسلين صَخرة عظيمةٌ شديدة لا تأخذ فيها المعَاوِل، فأتى إليها النبيّ وسمّى الله وضربها ثلاث ضربات، فعادت كثيبًا أهيَل عن البراء بن عازب قال: لما أمرنا رسول الله أن نحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المِعْوَل، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله فجاء رسول الله فألقى ثوبه، وأخذ المِعْوَل وقال: ((بسم الله))، فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة، قال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا))، قال: ثم ضرب أخرى، وقال: ((بسم الله))، وكسر ثلثًا آخر، وقال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن))، ثم ضرب ثالثة، وقال: ((بسم الله))، فقطع الحجر، وقال: ((الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء من مكاني الساعةَ)) هذا والمسلمون في شكٍّ من حياتهم، قد عضَّهم الجوع وآذاهم البَرد وأحاط بهم العدوّ ونجم النِّفاقُ حتى قال بعض المنافقين: ألا ترونَ إلى محمّد يدّعِي أنه يُعطَى ملكَ فارس والروم وأحدُنا لا يأمَن على نفسه أن يذهبَ إلى الغائط، وذلك حين يقول الله عز وجل: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا].

وجاء المشركون، فنزلوا شرقيَّ المدينة قريبًا من أحُد، ونزلت طائفةٌ منهم في أعالي أرضِ المدينة كما قال تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ]: من أعلى الوادي من المشرِق، ومن بَطن الوادي من قِبَل المغرب، وخرج رسول الله ومن معَه من المسلمين فأسنَدوا ظهورَهم على سَلع ووجوهَهم نحو العدوّ، بينهم الخندَق، وجعل النساءَ والذراري في آطامِ المدينة، وكانت بنو قريظَة ـ وهم طائفةٌ من اليهود ـ لهم حِصن شرقيّ المدينة، وبينهم وبين النبيّ عهدٌ وذمّة، وهم قريبٌ من ثمانمائَة مقاتل، وقد أمِنهم النبيّ في جانِب المدينة، فسعى إليهم حُييّ بن أخطب اليهوديّ، فلم يزل بهم حتى نقَضوا العهدَ، ومالؤوا الأحزابَ على حربِ النبي وصحبِه واستئصال شأفتِهم، فعظُم الخطب، واشتدَّ الكرب، وضاق الحال بالمسلمين، وزاد الخوف على الأنفس وعلى النساءِ والذراري في المدينة، إذ يصوّر الله تعالى موقفَهم بقوله: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا].

واستمرَّ الحال قريبًا من الشّهر، واستأذَن المنافقون وخذَّلوا وتسلَّلوا هربًا من هذه الحال، وثبّت الله المؤمنين بعدَ أن ابتلاهم وعلِمَ صدقَ إيمانهم، (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا] أي: إيمانًا بالله واستسلامًا وانقيادًا لأمرِه وطاعةً لرسوله، وهذا هو حال المؤمنين الصادقين الموعودِين بالنصر، لا تزيدهم الشدائدُ إلاّ إيمانًا وازديادًا في الطّاعات وتمسُّكًا بأمرِ الله وحُكمِه وتشبُّثًا بدينهِ حتى يلقَوا ربَّهم، فليس النّصر هو السلامةُ والدَّعَة والمتاع بزُخرُف الدّنيا ولو في حمأةِ المهانة، بل النّصر هو الثباتُ على المبادِئ وعجزُ العدوّ عن سَلبِ المؤمِنِ دينَه وإن آذاه في بدنه أو ماله.

لقد عظُم البلاء بالمسلِمين حتى همَّ النبيّ أن يُصالحَ غطفانَ على ثلث ثمارِ المدينة ويرجعوا شَفقةً بحال المسلمين، واستشارَ في ذلك السيِّدَين سعدَ بنَ معاذ وسعد بنَ عُبادة رضي الله عنهما، فقالا: يا رسولَ الله، قد كنّا نحن وهؤلاء على الشّرك وعبادةِ الأوثان، لا نعبدُ الله ولا نعرِفه، وهم لا يطعَمون منها ثَمَرةً إلا بيعًا أو قِرى، أفحِين أكرَمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وأعزَّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟! والله ما لنا بهذا من حاجةٍ، والله لا نعطِيهم إلا السيفَ حتى يحكمَ الله بيننا وبينهم، ففرِح النبيّ بذلك لما رأى من الثباتِ والاستقامة والصمود والإباء
أيّها المسلمون، وفي خِضَمّ هذه الابتلاءات وفي قلبِ الحِصارات جاءَ نصر الله من فوقِ سبع سموات، (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا]، وقد جاء نُعيم بن مسعود الغطفاني رضي الله عنه إلى النبيِّ مسلمًا وقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني ما شئت، فقال رسول الله: ((إنما أنت رجل واحد، فخَذِّل عنا ما استطعت، فإن الحرب خُدْعة))، فرجع هذا الصحابي وجعل يتنقل ما بين اليهود والأحزاب حتى أفسد ما بينهم ومخذِّلاً لهم، وقد نفع الله به نفعًا عظيمًا وهو حديثُ عهدٍ بالإسلام، ولكن المؤمِن يعمل لله في كلِّ حال بما يستطيع ولو كان وحيدًا، ثم بعث الله تعالى ريحًا شديدة في ليلةٍ شاتية باردة مظلِمة، فجعلت تقلِب القدورَ وتطرح الأبنيةَ وتقلب عليهم الحِجارة، ورسول الله قائمٌ يصلّي، يقول حذيفة رضي الله عنه كما عند الحاكم والبيهقي: لقد رأيتُنا ليلةَ الأحزاب وأبو سفيان والأحزاب فوقَنا وقريظةُ اليهود أسفَل منّا، نخافهم على ذرارِينا، وما أتَت علينا قطّ ليلةٌ أشدّ منها ظلمةً ولا أشدّ ريحًا، في أصواتِ ريحها أمثالُ الصواعق، وهي ظلمةٌ ما يرى أحدُنا أصبعَه ـ إلى أن قال: ـ فسمعتُ المشركينَ يقولون: الرحيلَ الرحيلَ لا مُقام لكم، وإذا الريحُ في عسكرهم، فوالله إني لأسمع صوتَ الحجارة في رحالهم وفُرشِهم، والرّيح تضربهم بها قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا].

وتفرّق الأحزاب، وعادَت قريش كما عادَت غطفان لم ينالوا خيرًا، كما انقلَب اليهودُ بخيانَتِهم وخَيبتهم، وقال النبيّ: ((لن تغزوَكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنّكم تغزونهم)) رواه أحمد بإسناد صحيح ولفظ البخاريّ: ((الآن نغزوهم ولا يغزونا)) ، وهكذا كان حتى فتَح الله مكّةَ.

وفي الصحيحين أنّ النبيّ كان يدعو ويقول: ((اللهمّ منزِلَ الكتابِ سريع الحساب اهزِم الأحزابَ، اللهمّ اهزِمهم وزلزلهم))، وفي الصحيحين أيضًا أنّ النبيَّ كان يقول فيما بعد: ((لا إله إلا الله وحدَه، صدق وعدَه، ونصر عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزم الأحزابَ وحدَه، فلا شيء بعدَه))

ولما رجع النبيّ إلى المدينة ووضَع السلاحَ ليغتسل مِن وعثاءِ تلك المرابطة جاءه جبريل عليه السلام وقال: إنّ الملائكةَ لم تضع أسلحَتَها، وأمرَه بالمسير إلى بني قُريظة، فسار إليهم وحاصَرهم، ثم أنزلهم على حُكمِ سيِّد الأوس سعدِ بن معاذ رضي الله عنه، فلم تأخذه في الله لومَةُ لائم، وحكم فيهم بحكم الله بقتلِ مقاتِلَتِهم وسبي ذراريهم، فضُربت أعناقُ الخَوَنة، وانتصَرَ الله لدينه وأوليائِه، وذلك حين يقول المولى عز وجل: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ) أي: من حصونهم (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا]، وهذا مآل المتّقين الصابرين الذين لا تثنِيهم الشّدائد عن دينهم، ولا تزعزِعُهم الفِتَن عن اليقين بربهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)

أيها الأحبة: ندعو الله بدعوات نبينا في هذه الساعة المباركة ونحن موقنون بالإجابة:لا إله إلا الله وحدَه، صدق وعدَه، ونصر عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزم الأحزابَ وحدَه، فلا شيء بعدَه اللهمّ منزِلَ الكتابِ سريع الحساب اهزِم اليهود المعتدين، اللهمّ اهزِمهم وزلزلهم 3 مرات
بارك الله لي ولكم في الكتابِ والسنّة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه كان غفارًا.


الحمد لله ولي الصالحين، الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

معاشر الإخوة في الله، البلايا والمحن محك يكشف عما في القلوب، ويظهر مكنون الصدور، ينتفي بها الزيف والرياء، وتنكشف الحقيقة بكل جلاء. عند الحوادث يتميز الغَبَش من الصفاء، والهَلَع من الصبر، والثقة من القنوط. ولقد يظن الإنسان في نفسه قبل البلاء القدرة والشجاعة، ويحسب فيها التجرّد والنزاهة، ويتوقع منها البعد عن الشح والحرص، فإذا نزلت النازلة ووقعت الواقعة واشتبكت الجيوش وحمي الوَطِيس تبيّن مَن بكى ممن تباكى، وأدرك المرء أنه كان بحاجة إلى تمحيص ومراجعة، وأن من الخير له أن يعتبر ويتعظ ويستدرك قبل أن يكون عبرة ويقع ضحية، (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ].

إن من حكمة الله في الابتلاء أن تستيقظ النفس، ويرق القلب بعد طول غفلة، فيتوجه الخلائق إلى ربهم يتضرعون إليه، ويطلبون رحمته وعفوه. إعلان تام للعبودية لله وحده، وتسليم كامل لله رب العالمين، إنابة واستكانة تصلح بها حياتهم ومعاشهم، يتصلون بربهم، ويتحررون من شهواتهم وأهوائهم، ومن ثَمَّ يجدون في ظل الضراعة والإنابة والاستكانة، يجدون الطمأنينة والراحة والأمل في الفرج والوعد بالبشرى، (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ].

وكفى بالتضرع ـ أيها المسلمون ـ دليلاً على الرجوع إلى الله، ولجوءًا إليه، وأملاً في الفرج من عنده، وحِرْزًا واقيًا من الغفلة. فلا يُرجَى في الشدائد إلا الله، ولا يُقصَد في المُلِمّات سواه، ولا يُلاذ إلا بجنابه وحماه، ولا تُطلَب الحوائج إلا من بابه. لا سند إلا سنده، ولا حول ولا قوة إلا به، لا ملجأ منه إلا إليه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، هو المتصرف في الملك ولا معقب لحكمه.

أيها المسلمون: لا بد من أحداث تتربى عليها النفوس، تكون تلك الأحداث والوقائع قاسيةً، تبلغ أحيانًا درجة الفتنة كفتنة الذهب لينفصل عن المعادن الأخرى، ويذهب الزبد والزائف، ويبقى الذهب خالصًا، فتتكشف حقائق النفوس ومعادنها، فلا تعود خليطًا مجهولَ القيم.

ومن دروس غزوة الأحزاب ـ أيها المؤمنون ـ أن العدو مهما جمع عدّته وعتاده ومهما ازداد عدده وكثر سواده ومهما قلَّ عدد المسلمين وضعفت قوتهم وأحيط بهم إلا أن الأمر كله لله القوي العزيز وبيده سبحانه، وهو القادر في أية لحظة على إهلاك العدو وإضعافه بجنوده الكثيرة التي لا يعلمها إلا هو سبحانه، منها الريح التي تلقي الرعب في قلوب الأعداء: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ]، (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا]، (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا].

ولهذا ـ أيها المسلمون ـ فإن فريضة الجهاد لا تنتظر تكافؤ العدد والعدة الظاهرة بين المؤمنين وعدوهم، فيكفي المؤمنين أن يعدوا ما استطاعوا من القوى، وأن يتقوا الله، وأن يثقوا بنصره، ويثبتوا ويصبروا، (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا]. يقول عبد الله بن رواحة لأصحابه في غزوة مؤتة: (والله، ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين: إما ظهور وإما شهادة).

وإن لنا ـ أيها المسلمون ـ في جهاد أبطالنا في غزة ضد أعتى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط مدعومة بأقوى وأشرس دولة في العالم، إن لنا في ذلك لشاهدًا حاضرًا على أن الجهاد توكّل وإعداد، لا كثرة عدد وأعداد، و(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

هذا وصلّوا وسلِّموا على خير البريّة وأزكى البشريّة رسولِ الله محمد بنِ عبد الله الهاشمي القرشيّ.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين اللهم إن إخواننا في فلسطين وفي غزة مظلومون فانصرهم، وضعفاء فقوهم، وجياع فأطعمهم، وعراة فاكسهم ومحاصرين ففك حصارهم يارب العالمين.

اللهم أمن خوفهم، وارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتول أمرهم وثبت من الأرض من تحت أقدامهم واجمع على الحق كلمتهم وأفرغ عليهم الصبر وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين ، إنك يا ربنا نعم المولى ونعم النصير.اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم وجرحاهم وسدد رميهم، واربط على قلوبهم صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً فلا يقولوا إلا ما يرضيك، ولا يفعلوا إلا ما تحب. اللهم اجبر مصيبة من أصيب منهم بشيء في بدنه أو أهله أو ماله، وتفضل عليه بالخلف العاجل، والخير المدرار اللهم دمّر اليهود الغاصبين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم إن اليهود والنصارى طغوا وبغوا وأسرفوا في طغيانهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وصب العذاب عليهم من فوقهم، واجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم اجعلهم حصيدًا خامدين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم اللهم اجعلهم وعتادهم غنيمة للإسلام والمسلمين اللهم اقذف الرعب في قلوبهم واجعل تدبيرهم تدميرا عليهم ورد كيدهم في نحورهم ياقوي يامتين يارب العرض العظيم ياعزيز ذا انتقام.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى