رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د . خالد بن علي المشيقح
عناصر قوة المسلم في الشدائد
الخطبة الأولى
الحمد لله جل في علاه له الأسماء الحسنى والصفات العلى هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وارض اللهم عن أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }.
عباد الله.. إن المسلم لا يخالجه أدنى شك في ظهور دين الله وعلو كلمته وبلوغه ما بلغ الليل والنهار.
روى تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين) رواه أحمد والحاكم .
تلك مسلمات لا تقبل الجدل وأدلتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر وإن كان الله جعل لكل شيء قدرا ، وربط الأمور بأسبابها وجعل للنصر والتمكين شروطاً لابد من توفرها هذه الأسباب والشروط ليست ضرباً من المستحيل ولا فوق طاقات البشر لكنها محتاجة إلى صدق وإخلاص ومتابعة وولاء وبراء.
وأنتم عباد الله اليوم ممتحنون على صدق ولائكم لدينكم ولإخوانكم المؤمنين والبراءة من الشرك و أهله { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }.
إن الدين دين الله ، والحرمات حرماته ، والله أغير على دينه وحرماته منا ، هو الذي أنزل الدين وأرسل الرسل و تكفل بإظهار دينه هو الذي أرسل الرسول بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
إننا ونحن في هذه الأيام نرى تسلط اليهود على المسلمين في فلسطين فإن هذا من الشدائد وإن الشدة تخفي وراءها فرج بإذن الله والمكروه يحمل الخير القادم بإذن الله ، وإن الدلائل والبشائر من نصوص الكتاب والسنة ومن واقع الحضارات المادية المنهارة والآيلة للانهيار ومن واقع الأمة الإسلامية التي باتت تتقي ربها وتسري هذه التقوى بين رجالها ونسائها وعلمائها وعوامها ، ومن لم يستطع منهم العمل للإسلام تراه متحسرا على واقع المسلمين داعياً على أعدائهم محاولا إصلاح شأنه على الأقل ومن يعول .
ومن واقع الأعداء وتآزرهم لضرب الإسلام وخنق المسلمين كل هذه وغيرها مما يبشر بالفرج .
فالأيام دول وحركة التاريخ لم تتوقف عن التغيير ولم يحدث أن توقفت النوبة عند أمة من الأمم لم تتجاوزها إلى غيرها .
فعليك يا عبد الله أن تعد نفسك لخدمة هذا الدين بتقوى الله عز وجل والرجوع إليه ، وترك الذنوب والمعاصي فإنها سبب الضعف وساهم في الدعاء على أعداء الله ، واعلم أنك إنما تنفع نفسك وإلا فإن الله غني عندك {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }.
واعلم أن الله قادر على الانتقام من أعدائه والنصر عليهم ولكن ليبلوَ الناس ويميز الصادقين من غيرهم .
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } في هذه الآية بشارة عظيمة إنه كلما وجد عسر وصعوبة فإن اليسر يقارنه ويصاحبه حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه، كما قال سبحانه { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً }، و كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن الفرج مع الكرب و إن مع العسر يسرا) ثم قال و تعريف العسر في الآيتين يدل على أنه واحد وتنكير اليسر يدل على تكراره فلن يغلب عسر يسرين وفي تعريفه بالألف واللام الدال على الاستغراق والعموم دلالة على أن كل عسر وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإن في آخره التيسير ملازماً له .
إذا اشتملت على اليأس القلوب
ضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واستقرت
وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً
ولا أغنى بحــيلته الأريــب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ
يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت
فمـوصولٌ بها فرجٌ قريب
مهما تلاحقت الخطوب واشتدت المكاره وتفنن الأعداء في أساليب العداوة والبغضاء فلا يغيب عنا نصر الله .
لقد تحدى السحرة بهذا الإيمان فرعون وهو أعلى قوة في ذلك الزمان { قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }.
وبالإيمان صرح الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ويحث على اتباع المرسلين { إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }.
وكذلك استعان بالإيمان أصحاب الأخدود { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }.
إن علينا في مثل هذه الأيام صدق التوكل على الله عزوجل فمنه يستجلب النصر وبه يدفع الضر ، ومع التوكل وحده يبطل كل كيد ويعيش المتوكل قرير العين .
قص الله علينا خبر نوح وهود عليهما السلام فقال الله عزوجل عن نوح : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ } فهو لا يبالي بهم ولا بقوتهم وكيدهم ولا يخاف معرتهم وإن كانوا أشداء أقوياء مادام متوكلاً على الله آويا إلى ركنه .
وقال عن نبيه هود عليه السلام : { قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.
إنه بالتوكل على الله يتحداهم جميعا ودون تأخير ويقول فكيف أخاف من ناصيته بيد غيره وهو في قهره وقبضته.
إن الإيمان الحق يستلزم التوكل على الله وقال موسى : { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }.
قال بعض السلف : من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق بما في يديه ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله .
إن علينا أن توكل على الله وأن نفوض الأمر إليه بعد عمل الأسباب الممكنة شرعا ولا بد لمن فوض أمره إلى الله أن يهديه وأن يقيه وأن ينصره .
وهذا مؤمن فرعون قال : {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين اللهم صلى وسلم على نبينا وعلى آله و صحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
عباد الله.. من عناصر قوة المؤمن وأسلحته التي يحتمي بها في مثل هذه الكروب كثرة الدعاء إلى الله عزوجل والتضرع إليه قال الله عزوجل {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } وقال سبحانه {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
الله تعالى هو المدعو عند الشدائد والمرجو عند النوازل فإن الله لا يرد من دعاه ولا يخيب من رجاه {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} ، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : عن وهب بن منبه قال قرأت في الكتاب الأول أن الله تعالى يقول بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السموات بمن فيهن والأرض بمن فيهن فإني أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلى نفسه .
إن الضعيف إذا احتمى بالله وركن إليه قوي وإن القوي يضعف وتهون قواه إذا تجبر وطغى .
وليعلم أن صلة المسلمين بالله ورجوعهم إليه هو مصدر قوتهم وعزتهم وأن بداية سقوطهم هو ضعف صلتهم بالله وتنكرهم لشرعه واعتمادهم وتوكلهم على غيره .
ومن عناصر قوة المسلم في مثل هذه الشدائد هو اللجوء إلى الله عزوجل بكثرة العبادة من صلاة وصدقة وصيام وذكر .
وإنك لتأسف أن تجد بعض المسلمين يرى ويسمع ما يقع بإخوانه ومع ذلك هو مصر على ذنوبه ومعاصيه وربما سهر الليل كله أمام آلات اللهو أليست هذا من قسوة القلب والله عزوجل يقول:{فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } .
إن علينا في مثل هذه الأيام ألا نغفل عن إخواننا في كل لحظاتنا وفي كل زمان ومكان وأن نمدهم بكل ما نستطيع إذا لم نستطع مناصرتهم باليد فعلينا أن نناصرهم باللسان وأن نناصرهم بالمال والله عزوجل قدم بالنصرة بالمال على البدن في مواضع متعددة من القرآن .
اللهم عليك باليهود بالظالمين المعتدين ، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ، اللهم دمرهم ومزقهم يا قوي يا عزيز ، اللهم انج إخواننا في فلسطين ، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم وانصرهم ولا تنصر عليهم ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
عناصر قوة المسلم في الشدائد
الخطبة الأولى
الحمد لله جل في علاه له الأسماء الحسنى والصفات العلى هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وارض اللهم عن أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }.
عباد الله.. إن المسلم لا يخالجه أدنى شك في ظهور دين الله وعلو كلمته وبلوغه ما بلغ الليل والنهار.
روى تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين) رواه أحمد والحاكم .
تلك مسلمات لا تقبل الجدل وأدلتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر وإن كان الله جعل لكل شيء قدرا ، وربط الأمور بأسبابها وجعل للنصر والتمكين شروطاً لابد من توفرها هذه الأسباب والشروط ليست ضرباً من المستحيل ولا فوق طاقات البشر لكنها محتاجة إلى صدق وإخلاص ومتابعة وولاء وبراء.
وأنتم عباد الله اليوم ممتحنون على صدق ولائكم لدينكم ولإخوانكم المؤمنين والبراءة من الشرك و أهله { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }.
إن الدين دين الله ، والحرمات حرماته ، والله أغير على دينه وحرماته منا ، هو الذي أنزل الدين وأرسل الرسل و تكفل بإظهار دينه هو الذي أرسل الرسول بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
إننا ونحن في هذه الأيام نرى تسلط اليهود على المسلمين في فلسطين فإن هذا من الشدائد وإن الشدة تخفي وراءها فرج بإذن الله والمكروه يحمل الخير القادم بإذن الله ، وإن الدلائل والبشائر من نصوص الكتاب والسنة ومن واقع الحضارات المادية المنهارة والآيلة للانهيار ومن واقع الأمة الإسلامية التي باتت تتقي ربها وتسري هذه التقوى بين رجالها ونسائها وعلمائها وعوامها ، ومن لم يستطع منهم العمل للإسلام تراه متحسرا على واقع المسلمين داعياً على أعدائهم محاولا إصلاح شأنه على الأقل ومن يعول .
ومن واقع الأعداء وتآزرهم لضرب الإسلام وخنق المسلمين كل هذه وغيرها مما يبشر بالفرج .
فالأيام دول وحركة التاريخ لم تتوقف عن التغيير ولم يحدث أن توقفت النوبة عند أمة من الأمم لم تتجاوزها إلى غيرها .
فعليك يا عبد الله أن تعد نفسك لخدمة هذا الدين بتقوى الله عز وجل والرجوع إليه ، وترك الذنوب والمعاصي فإنها سبب الضعف وساهم في الدعاء على أعداء الله ، واعلم أنك إنما تنفع نفسك وإلا فإن الله غني عندك {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }.
واعلم أن الله قادر على الانتقام من أعدائه والنصر عليهم ولكن ليبلوَ الناس ويميز الصادقين من غيرهم .
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } في هذه الآية بشارة عظيمة إنه كلما وجد عسر وصعوبة فإن اليسر يقارنه ويصاحبه حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه، كما قال سبحانه { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً }، و كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن الفرج مع الكرب و إن مع العسر يسرا) ثم قال و تعريف العسر في الآيتين يدل على أنه واحد وتنكير اليسر يدل على تكراره فلن يغلب عسر يسرين وفي تعريفه بالألف واللام الدال على الاستغراق والعموم دلالة على أن كل عسر وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإن في آخره التيسير ملازماً له .
إذا اشتملت على اليأس القلوب
ضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واستقرت
وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً
ولا أغنى بحــيلته الأريــب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ
يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت
فمـوصولٌ بها فرجٌ قريب
مهما تلاحقت الخطوب واشتدت المكاره وتفنن الأعداء في أساليب العداوة والبغضاء فلا يغيب عنا نصر الله .
لقد تحدى السحرة بهذا الإيمان فرعون وهو أعلى قوة في ذلك الزمان { قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }.
وبالإيمان صرح الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ويحث على اتباع المرسلين { إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }.
وكذلك استعان بالإيمان أصحاب الأخدود { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }.
إن علينا في مثل هذه الأيام صدق التوكل على الله عزوجل فمنه يستجلب النصر وبه يدفع الضر ، ومع التوكل وحده يبطل كل كيد ويعيش المتوكل قرير العين .
قص الله علينا خبر نوح وهود عليهما السلام فقال الله عزوجل عن نوح : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ } فهو لا يبالي بهم ولا بقوتهم وكيدهم ولا يخاف معرتهم وإن كانوا أشداء أقوياء مادام متوكلاً على الله آويا إلى ركنه .
وقال عن نبيه هود عليه السلام : { قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.
إنه بالتوكل على الله يتحداهم جميعا ودون تأخير ويقول فكيف أخاف من ناصيته بيد غيره وهو في قهره وقبضته.
إن الإيمان الحق يستلزم التوكل على الله وقال موسى : { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }.
قال بعض السلف : من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق بما في يديه ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله .
إن علينا أن توكل على الله وأن نفوض الأمر إليه بعد عمل الأسباب الممكنة شرعا ولا بد لمن فوض أمره إلى الله أن يهديه وأن يقيه وأن ينصره .
وهذا مؤمن فرعون قال : {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين اللهم صلى وسلم على نبينا وعلى آله و صحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
عباد الله.. من عناصر قوة المؤمن وأسلحته التي يحتمي بها في مثل هذه الكروب كثرة الدعاء إلى الله عزوجل والتضرع إليه قال الله عزوجل {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } وقال سبحانه {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
الله تعالى هو المدعو عند الشدائد والمرجو عند النوازل فإن الله لا يرد من دعاه ولا يخيب من رجاه {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} ، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : عن وهب بن منبه قال قرأت في الكتاب الأول أن الله تعالى يقول بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السموات بمن فيهن والأرض بمن فيهن فإني أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلى نفسه .
إن الضعيف إذا احتمى بالله وركن إليه قوي وإن القوي يضعف وتهون قواه إذا تجبر وطغى .
وليعلم أن صلة المسلمين بالله ورجوعهم إليه هو مصدر قوتهم وعزتهم وأن بداية سقوطهم هو ضعف صلتهم بالله وتنكرهم لشرعه واعتمادهم وتوكلهم على غيره .
ومن عناصر قوة المسلم في مثل هذه الشدائد هو اللجوء إلى الله عزوجل بكثرة العبادة من صلاة وصدقة وصيام وذكر .
وإنك لتأسف أن تجد بعض المسلمين يرى ويسمع ما يقع بإخوانه ومع ذلك هو مصر على ذنوبه ومعاصيه وربما سهر الليل كله أمام آلات اللهو أليست هذا من قسوة القلب والله عزوجل يقول:{فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } .
إن علينا في مثل هذه الأيام ألا نغفل عن إخواننا في كل لحظاتنا وفي كل زمان ومكان وأن نمدهم بكل ما نستطيع إذا لم نستطع مناصرتهم باليد فعلينا أن نناصرهم باللسان وأن نناصرهم بالمال والله عزوجل قدم بالنصرة بالمال على البدن في مواضع متعددة من القرآن .
اللهم عليك باليهود بالظالمين المعتدين ، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ، اللهم دمرهم ومزقهم يا قوي يا عزيز ، اللهم انج إخواننا في فلسطين ، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم وانصرهم ولا تنصر عليهم ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى