رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
شهادة الجوارح
اللهم إنا نحمدك الحمد كله أما بعد
فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم : « ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ؟ قالوا أنطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة واليه ترجعون »
وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فان يصبروا فالنار مثوى لهم وان يستعتبوا فما هم من المعتبين »
هذا السياق القرآني الحي يصف مشهدا مثيرا ومخيفا فشهد الأعضاء والجوارح الناطقة في ساعة مكاشفة ومصارحة ومحاسبة !!
وهي التي ظلت صامتة طيلة سنين العمر لا تنطق ببنت شفة مكتفية بالمشاركة والحضور والاستمتاع والتلذذ ومحتفظة بسجل دقيق كل رذيلة وفاحشة وجناية ومارسها الإنسان في ساعة طيش وغفلة حتى إذا آن الأوان نطقت الجوارح شاهدة على صاحبها نطقا لا تنقضه والفصاحة وبيانا لا يعتريه الغموض!! .
لقد كانت العينان تستمتعان بالنظر إلى كل فاحشة ورذيلة وتتلذذ برؤية الزنا ودواعيه عبر أفلام الدعارة والعري وتتلذذ برؤية الجسد الحرام تفترسه الذئاب البشرية الجائعة !! تتلذذ برؤية اللحوم العارية على الشواطئ القذرة والبلاحات الآثمة !!
وأما اليوم فالعينان تشهدان بل ما رأتا لا تسثنيان مشهد واحدا ، إمعانا في قهر صاحبها وإذلاله .
وتشهد إذناه بما سمعتاه من الأغاني الإباحية والرقص والطرب والموسيقى والمعازف واللهو الباطل !!
وتشهد بما استمعتا إليه من غيبة ونميمة وفحش دون فكر من صاحبها !!
و تشهد أذناه بتجسسه على الشرفاء والنبلاء ونقل حديثهم على وجه الإفساد والتخريب !!
وتشهد اليدان بما اقترفتاه من الآثام و البطش والظلم !! وتشهد بكل لمسة حرام امتدت إليها فضلا عما فوقها !! و تشهد على كل ريالٍ أخذته من غير حله، أو أنفقته في غير محله !!
وتشهد اليدان بما سفكتاه من الدم الحرام، سواء كان سفكها إياه إرضاء لغرور ذاتي، أو نزعة عدوانية شخصية أو تلبية لرغبة طاغوت مجرم !! .
وتشهد اليدان اللتان ألهبتا بسياطها ظهور المستضعفين من الناس ، من غير ذنب ألموا به ، أو جرم وقعوا فيه إلا أن يقولوا ربنا الله ، وتشهد اليدان كذلك ، بما سطرتاه من مؤلف كفري ، أو مصنف بدعي ، أو بحث سافل أو مقالة آثمة ، أو فكرة أو دعوة خبيثة ، إلى علمنة أو عربدة أو فجور !!
وتشهد الرجلان بكل خطوة مشتاها إلى فاحشة أو رذيلة ، أو مجلس طرب أو لهو ، أو سكر أو عربدة !! .وتشهد على كل سفرة مشتاها طلباً للذة حرام ، أو متعه لا تحل !!
وتشهد الجلود وهي الفروج – وفق قول أكثر المفسرين تشهد على صاحبها بفواحشه ورذائله وهتكه للأعراض .
أيها المسلمون: كانت جناية الإنسان عظيمة حين سخر لأعضائه وجوارحه كل أسباب لذتها ومتعتها وبغيها وظلمها فإذا بها تنقلب عليه في ساعة هو أحوج ما يكون إلى من يصبره ويهون عليه هول الموقف وشدته وضراوته .
إذا شهود عليهم لم يكونوا لهم في حساب !! أن ألسنتهم معقودة لا تنطق ، وقد كانت تكذب وتفتري وتستهزئي وان أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم لتستجيب لربها طائعة مستسلمة تروي عنهم ما حسبوه سرا ، فقد يستترون من الله ويظنون انه لا يراهم ، وهم يتخفون بنواياهم ويتخفون بجراحهم ولم يكونوا ليسخفوا من أبصارهم وأسماعهم وجلودهم وكيف وهي معهم ؟ بل كيف وهي أبعاضهم ؟! وها هي ذي تفضح ما حسبوه مستورا عن الخلق أجمعين وعن الله رب العالمين ، يا للمفاجأة بسلطان الله يغلبهم على أبعاضهم يغلبهم على فتلبي وتستجيب !!
وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ؟؟ فإذا هي تجبههم بالحقيقة التي خفيت عليهم في غير مواربة ولا مجاملة قالوا أنطقنا الله ، الذي انطق كل شيء !!
أليس هو الذي جعل الألسنة هي الناطقة ؟ وانه لقادر على أن يجعل سواها ينطق !! وقد انطق كل شيء فهو اليوم يتحدث وينطق ويبين « وهو خلقكم أول مرة واليه ترجعون »
فأليه المنشأ واليه المصير ، ولا مفر من قبضته في الأول ولا في الأخير !! وهذا ما أنكروه بالعقول وهذا ما تقرره لهم الجلود « وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم »
فما كان يخطر ببالكم أنها ستخرج عليكم !! وما كنتم بمستطيعين أن تستروا منها لو أردتم ، « ولكن ظنتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون »
وخدعكم هذا الظن الجاهل الأثيم وقادكم إلى الجحيم « وذلكم ظنكم الذي ظنتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين »
ثم يجيء التعقيب الأخير « فان يصبروا فالنار مثوى لهم » يا للسخرية !! فالصبر لأن صبر على النار !! وليس الصبر الذي يعقبه الفرج وحسن الجزاء !! انه الصبر الذي جزاؤه النار قرارا ومثوى ، يسوء فيه
« وان يستعتبوا فما هم من المعتبين » فما عاد هناك عتاب وما عاد هناك اعتذار وما عاد هناك متاب ، وقد جرت العادة إن الذي يطلب العتاب ، يطلب من ورائه الصفح والرضا بعد إزالة أسباب الجفاء وأما اليوم فقد أغلق الباب في وجه ذلك كله .
أيها المسلمون
لقد ظلم الإنسان نفسه وظلم أعضاءه وجوارحه يوم استغلها استغلالا بشعا في تحقيق رغباته وشهواته وتلبية أهواءه ونزواته فأطلق لبصره العنان ينظر ما يشاء ويترك ما يشاء دون خوف أو وجل من الله جل في علاه أو على الأقل دون حياء من الله الذي انعم عليه بنعمة الإبصار ولو شاء لجعله كفيفاً لا يرى فأي لؤم وجحود أعظم من هذا ؟؟ ولقد أساء الإنسان فهم الحياة ، حين ظنها فرصة لطلب كل ما تشتهيه نفسه وتهواه دون أن يبالي امن حلال أم من حرام فهو في سباق محموم نحو مآربه ومقاصده غير الحميدة وقد استسلم للشيطان يتلاعب به كيف يشاء ويوجهه كيف يشاء ثم لا يبالي بأي واد هلك !!
واسترقه هواه ، فهو عبد ذليل للهوى هربوا من الرقِّ الذي خلقوا له ، فوقوا في رقِّ الهوى والشيطان فخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
فيقول صاحب صفوة الآثار والمفاهيم
إن عبودية الله تقتضي إشغال جميع الجوارح والأحاسيس في طاعة الله وامتثال أمره ، لينحصر الاتجاه إليه سبحانه وتعالى في كل ما ركبه في جسم الإنسان كما تقتضي كفها وصيانتها عن الانشغال بما لا يرضي الله ، من كل محرك ومكروه ، وعن الإنهاك في المباحات المشغلة عن الواجب والمندوب خوفا من تراكم الغفلة المفضية إلى سخط الله !!
وإنما يأخذ منها بقدر الحاجة ، مع شديد الحذر وحسن النية ليكتبها الله له عبادة بصلاح نيته ، فيتعبد اله بجارحة السمع بالإنصات لما يجب الإنصات له من العلم الواجب عليه معرفته من أصل الدين وفروعه مما يجب اعتقاده أو يجب فعله في سائر أركان الإسلام وشعب الإيمان وما يجب حفظه من وحي الله لإقامة هذه الشعائر ويتعبد الله بترك ما يحرم استماعه من كلام أهل الكفر والبدع والإلحاد والنفاق ، إلا لمصلحة الدين مما يقصد به مقارعتهم بالحجة واستظهار شبههم والشهادة عليهم وترك استماع لهو الحديث المتنوع الذي تقذف به اليهودية العالمية على أيدي عملائها وهي أجهزة الإعلام من المعازف والحكايات والأقاصيص الماجنة فلا يتعمد استماع سائر أدوات اللهو والغناء والتشبيب بالمحرم ، وكذلك لا يستمع إلى حديث شخص أو أشخاص وهم له كارهون ، ولا إلى صوت النساء الأجنبيات حين خشية الفتنة أو حصول التلذذ !!
ويتعبد الله بحفظ بصره عن النظر إلى ما حرم الله ، من النساء والمردان ويستعمله في النظر الواجب كالنظر في المصحف وكتب العلم الواجب معرفتها والنظر إلى آيات الله الكونية ، الموطدة لإيمانه ويكف بصره عن النظر إلى ما حرمه الله من العورات التي وراء الثياب أو وراء الأبواب بلا سبب مبيح ، ويتعبد الله تعبداً صحيحاً بجارحة اللسان وذلك بإشغاله دائما بذكر الله وما والاه ، من الكلم الطيب وقراءة القرآن وكتب الحديث والتفسير وشروح السنة المطهرة ويكون حافظا لسانه من فضول الكلام ومبتعدا عن قول الزور ، واللَّدد في الخصومة واللمز والاغتياب ونحوه مما يهوي بصاحبه في النار سبعين خريفاً ، وينشغل عن ذلك بالكلم الطيب ، من الذكر والأمر بالمعروف والحض على الخير والصدقات والإصلاح بين الناس وتأليف قلوبهم وجمعهم على الطاعة ويكون بليغا حديد اللسان في مقاومة أهل الباطل ومناظرتهم ودفع باطلهم بحجة البيان .
ليكون مجاهدا لله تعالى في هذه الجارحة شاكرا له على أنعامه بها شكرا حقيقاً .
فإن البطش اللسان، قد يكون أعظم أثراً واكبر فائدة ، من بطش اليد كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في شعر حسان t « والله لشعرك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام » ويتعبد الله سبحانه وتعالى بجارحتي اليدين والرجلين فلا يبطش بيده إلا لله وفي الله حسب مرضاة الله فيعمل على ما يعنيه على حمل رسالته والتقوى على عبادته من الكد والكدح في الحلال واكتساب المال من طرقه المشروعة مما يعينه على الواجبات من الإنفاق الواجب وأداء الدين الواجب . انتهى كلامه رحمه الله .
هذه كلمات مضيئة مشرقة من ذلك العالم الرباني المجاهد فما أحرى الأمة أن تستجيب لدعوة ونصيحة علمائها المخلصين ، ودعاتها المشفقين فما وصلت حالة الأمة إلى ما ترى من ضياع وفرقة وتسلط الأعداء عليها إلا يوم تخلت عن دينها ورسالة نبيها وتخلت عن دعوة علمائها وناصحيها وأسلمت زمامها لدعاة الفكر المنحرف ، ومروجي الفساد الدنس الذين هم دعاة على أبواب جنهم من أطاعهم قذفوه فيها ، غير مأسوف عليه فلنراجع أحبتي في الله إيماننا ولنصحح منهجنا ومسارنا في الحياة ولنصطلح مع الله الرؤوف الرحيم فهو ينادينا نداء الرحمة والعطف بان نتوب ونرجع قبل فوات الأوان «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم »
اللهم إنا نسألك رحمة
اللهم إنا نحمدك الحمد كله ونثني عليك الخير كله ونصلي ونسلم على أفضل نبي وأكرم رسول نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم واليه ترجعون واشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله ... أما بعد ،
فاتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واحذروا المعاصي فان أجسامكم على النار لا تقوى .
أيها الإخوة المسلمون : إننا بين عامين اثنين عام مضى لا ندري ما الله صانع فيه وعام أتى ولا ندري ما الله قاض فيه . فما أحرانا في مناسبة كهذه أن نقف مع أنفسنا ساعة من نهار أو ليل نناقشها الحساب بكل صراحة وتجرد وإنصاف ، وما أحوجنا إلى أن نختلي بأنفسنا وننهرها بعنف لعلها تستيقظ من رقدتها وتجيب على تساؤلات ضرورية وملحة لكل من أراد السلامة وطلب العافية من عذاب الله ومقته . من نحن ومن نكون ؟ ما هي النهاية والى أين المصير ؟ ما هو رصيدنا من الحسنات والسيئات ؟ ما هي قيمتنا عند ربنا ومولانا ؟ هل أرضينا ربنا بفعل ما يجب ؟ هل حققنا العبودية التي من اجلها خلقنا ؟ ما نسبة البياض في صفحة تاريخنا ؟
وأخيرا من يمتلك الشجاعة الأدبية الكافية فيجيب دون تملص أو هروب أو مراوغة ؟
ورحم الله عمر رضي الله عنه حيث يقول : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله .
ألا و أن مما ينبغي على الإنسان أن يحاسبها اليوم قبل أن تحاسبه هي غدا جوارحه وحواسه حيث تنتصب أمامه تلك الجوارح والحواس خصما عنيدا وشاهدا لا يعرف مجاملة أو مداهنة ...
شهادة الجوارح
اللهم إنا نحمدك الحمد كله أما بعد
فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم : « ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ؟ قالوا أنطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة واليه ترجعون »
وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فان يصبروا فالنار مثوى لهم وان يستعتبوا فما هم من المعتبين »
هذا السياق القرآني الحي يصف مشهدا مثيرا ومخيفا فشهد الأعضاء والجوارح الناطقة في ساعة مكاشفة ومصارحة ومحاسبة !!
وهي التي ظلت صامتة طيلة سنين العمر لا تنطق ببنت شفة مكتفية بالمشاركة والحضور والاستمتاع والتلذذ ومحتفظة بسجل دقيق كل رذيلة وفاحشة وجناية ومارسها الإنسان في ساعة طيش وغفلة حتى إذا آن الأوان نطقت الجوارح شاهدة على صاحبها نطقا لا تنقضه والفصاحة وبيانا لا يعتريه الغموض!! .
لقد كانت العينان تستمتعان بالنظر إلى كل فاحشة ورذيلة وتتلذذ برؤية الزنا ودواعيه عبر أفلام الدعارة والعري وتتلذذ برؤية الجسد الحرام تفترسه الذئاب البشرية الجائعة !! تتلذذ برؤية اللحوم العارية على الشواطئ القذرة والبلاحات الآثمة !!
وأما اليوم فالعينان تشهدان بل ما رأتا لا تسثنيان مشهد واحدا ، إمعانا في قهر صاحبها وإذلاله .
وتشهد إذناه بما سمعتاه من الأغاني الإباحية والرقص والطرب والموسيقى والمعازف واللهو الباطل !!
وتشهد بما استمعتا إليه من غيبة ونميمة وفحش دون فكر من صاحبها !!
و تشهد أذناه بتجسسه على الشرفاء والنبلاء ونقل حديثهم على وجه الإفساد والتخريب !!
وتشهد اليدان بما اقترفتاه من الآثام و البطش والظلم !! وتشهد بكل لمسة حرام امتدت إليها فضلا عما فوقها !! و تشهد على كل ريالٍ أخذته من غير حله، أو أنفقته في غير محله !!
وتشهد اليدان بما سفكتاه من الدم الحرام، سواء كان سفكها إياه إرضاء لغرور ذاتي، أو نزعة عدوانية شخصية أو تلبية لرغبة طاغوت مجرم !! .
وتشهد اليدان اللتان ألهبتا بسياطها ظهور المستضعفين من الناس ، من غير ذنب ألموا به ، أو جرم وقعوا فيه إلا أن يقولوا ربنا الله ، وتشهد اليدان كذلك ، بما سطرتاه من مؤلف كفري ، أو مصنف بدعي ، أو بحث سافل أو مقالة آثمة ، أو فكرة أو دعوة خبيثة ، إلى علمنة أو عربدة أو فجور !!
وتشهد الرجلان بكل خطوة مشتاها إلى فاحشة أو رذيلة ، أو مجلس طرب أو لهو ، أو سكر أو عربدة !! .وتشهد على كل سفرة مشتاها طلباً للذة حرام ، أو متعه لا تحل !!
وتشهد الجلود وهي الفروج – وفق قول أكثر المفسرين تشهد على صاحبها بفواحشه ورذائله وهتكه للأعراض .
أيها المسلمون: كانت جناية الإنسان عظيمة حين سخر لأعضائه وجوارحه كل أسباب لذتها ومتعتها وبغيها وظلمها فإذا بها تنقلب عليه في ساعة هو أحوج ما يكون إلى من يصبره ويهون عليه هول الموقف وشدته وضراوته .
إذا شهود عليهم لم يكونوا لهم في حساب !! أن ألسنتهم معقودة لا تنطق ، وقد كانت تكذب وتفتري وتستهزئي وان أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم لتستجيب لربها طائعة مستسلمة تروي عنهم ما حسبوه سرا ، فقد يستترون من الله ويظنون انه لا يراهم ، وهم يتخفون بنواياهم ويتخفون بجراحهم ولم يكونوا ليسخفوا من أبصارهم وأسماعهم وجلودهم وكيف وهي معهم ؟ بل كيف وهي أبعاضهم ؟! وها هي ذي تفضح ما حسبوه مستورا عن الخلق أجمعين وعن الله رب العالمين ، يا للمفاجأة بسلطان الله يغلبهم على أبعاضهم يغلبهم على فتلبي وتستجيب !!
وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ؟؟ فإذا هي تجبههم بالحقيقة التي خفيت عليهم في غير مواربة ولا مجاملة قالوا أنطقنا الله ، الذي انطق كل شيء !!
أليس هو الذي جعل الألسنة هي الناطقة ؟ وانه لقادر على أن يجعل سواها ينطق !! وقد انطق كل شيء فهو اليوم يتحدث وينطق ويبين « وهو خلقكم أول مرة واليه ترجعون »
فأليه المنشأ واليه المصير ، ولا مفر من قبضته في الأول ولا في الأخير !! وهذا ما أنكروه بالعقول وهذا ما تقرره لهم الجلود « وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم »
فما كان يخطر ببالكم أنها ستخرج عليكم !! وما كنتم بمستطيعين أن تستروا منها لو أردتم ، « ولكن ظنتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون »
وخدعكم هذا الظن الجاهل الأثيم وقادكم إلى الجحيم « وذلكم ظنكم الذي ظنتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين »
ثم يجيء التعقيب الأخير « فان يصبروا فالنار مثوى لهم » يا للسخرية !! فالصبر لأن صبر على النار !! وليس الصبر الذي يعقبه الفرج وحسن الجزاء !! انه الصبر الذي جزاؤه النار قرارا ومثوى ، يسوء فيه
« وان يستعتبوا فما هم من المعتبين » فما عاد هناك عتاب وما عاد هناك اعتذار وما عاد هناك متاب ، وقد جرت العادة إن الذي يطلب العتاب ، يطلب من ورائه الصفح والرضا بعد إزالة أسباب الجفاء وأما اليوم فقد أغلق الباب في وجه ذلك كله .
أيها المسلمون
لقد ظلم الإنسان نفسه وظلم أعضاءه وجوارحه يوم استغلها استغلالا بشعا في تحقيق رغباته وشهواته وتلبية أهواءه ونزواته فأطلق لبصره العنان ينظر ما يشاء ويترك ما يشاء دون خوف أو وجل من الله جل في علاه أو على الأقل دون حياء من الله الذي انعم عليه بنعمة الإبصار ولو شاء لجعله كفيفاً لا يرى فأي لؤم وجحود أعظم من هذا ؟؟ ولقد أساء الإنسان فهم الحياة ، حين ظنها فرصة لطلب كل ما تشتهيه نفسه وتهواه دون أن يبالي امن حلال أم من حرام فهو في سباق محموم نحو مآربه ومقاصده غير الحميدة وقد استسلم للشيطان يتلاعب به كيف يشاء ويوجهه كيف يشاء ثم لا يبالي بأي واد هلك !!
واسترقه هواه ، فهو عبد ذليل للهوى هربوا من الرقِّ الذي خلقوا له ، فوقوا في رقِّ الهوى والشيطان فخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
فيقول صاحب صفوة الآثار والمفاهيم
إن عبودية الله تقتضي إشغال جميع الجوارح والأحاسيس في طاعة الله وامتثال أمره ، لينحصر الاتجاه إليه سبحانه وتعالى في كل ما ركبه في جسم الإنسان كما تقتضي كفها وصيانتها عن الانشغال بما لا يرضي الله ، من كل محرك ومكروه ، وعن الإنهاك في المباحات المشغلة عن الواجب والمندوب خوفا من تراكم الغفلة المفضية إلى سخط الله !!
وإنما يأخذ منها بقدر الحاجة ، مع شديد الحذر وحسن النية ليكتبها الله له عبادة بصلاح نيته ، فيتعبد اله بجارحة السمع بالإنصات لما يجب الإنصات له من العلم الواجب عليه معرفته من أصل الدين وفروعه مما يجب اعتقاده أو يجب فعله في سائر أركان الإسلام وشعب الإيمان وما يجب حفظه من وحي الله لإقامة هذه الشعائر ويتعبد الله بترك ما يحرم استماعه من كلام أهل الكفر والبدع والإلحاد والنفاق ، إلا لمصلحة الدين مما يقصد به مقارعتهم بالحجة واستظهار شبههم والشهادة عليهم وترك استماع لهو الحديث المتنوع الذي تقذف به اليهودية العالمية على أيدي عملائها وهي أجهزة الإعلام من المعازف والحكايات والأقاصيص الماجنة فلا يتعمد استماع سائر أدوات اللهو والغناء والتشبيب بالمحرم ، وكذلك لا يستمع إلى حديث شخص أو أشخاص وهم له كارهون ، ولا إلى صوت النساء الأجنبيات حين خشية الفتنة أو حصول التلذذ !!
ويتعبد الله بحفظ بصره عن النظر إلى ما حرم الله ، من النساء والمردان ويستعمله في النظر الواجب كالنظر في المصحف وكتب العلم الواجب معرفتها والنظر إلى آيات الله الكونية ، الموطدة لإيمانه ويكف بصره عن النظر إلى ما حرمه الله من العورات التي وراء الثياب أو وراء الأبواب بلا سبب مبيح ، ويتعبد الله تعبداً صحيحاً بجارحة اللسان وذلك بإشغاله دائما بذكر الله وما والاه ، من الكلم الطيب وقراءة القرآن وكتب الحديث والتفسير وشروح السنة المطهرة ويكون حافظا لسانه من فضول الكلام ومبتعدا عن قول الزور ، واللَّدد في الخصومة واللمز والاغتياب ونحوه مما يهوي بصاحبه في النار سبعين خريفاً ، وينشغل عن ذلك بالكلم الطيب ، من الذكر والأمر بالمعروف والحض على الخير والصدقات والإصلاح بين الناس وتأليف قلوبهم وجمعهم على الطاعة ويكون بليغا حديد اللسان في مقاومة أهل الباطل ومناظرتهم ودفع باطلهم بحجة البيان .
ليكون مجاهدا لله تعالى في هذه الجارحة شاكرا له على أنعامه بها شكرا حقيقاً .
فإن البطش اللسان، قد يكون أعظم أثراً واكبر فائدة ، من بطش اليد كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في شعر حسان t « والله لشعرك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام » ويتعبد الله سبحانه وتعالى بجارحتي اليدين والرجلين فلا يبطش بيده إلا لله وفي الله حسب مرضاة الله فيعمل على ما يعنيه على حمل رسالته والتقوى على عبادته من الكد والكدح في الحلال واكتساب المال من طرقه المشروعة مما يعينه على الواجبات من الإنفاق الواجب وأداء الدين الواجب . انتهى كلامه رحمه الله .
هذه كلمات مضيئة مشرقة من ذلك العالم الرباني المجاهد فما أحرى الأمة أن تستجيب لدعوة ونصيحة علمائها المخلصين ، ودعاتها المشفقين فما وصلت حالة الأمة إلى ما ترى من ضياع وفرقة وتسلط الأعداء عليها إلا يوم تخلت عن دينها ورسالة نبيها وتخلت عن دعوة علمائها وناصحيها وأسلمت زمامها لدعاة الفكر المنحرف ، ومروجي الفساد الدنس الذين هم دعاة على أبواب جنهم من أطاعهم قذفوه فيها ، غير مأسوف عليه فلنراجع أحبتي في الله إيماننا ولنصحح منهجنا ومسارنا في الحياة ولنصطلح مع الله الرؤوف الرحيم فهو ينادينا نداء الرحمة والعطف بان نتوب ونرجع قبل فوات الأوان «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم »
اللهم إنا نسألك رحمة
اللهم إنا نحمدك الحمد كله ونثني عليك الخير كله ونصلي ونسلم على أفضل نبي وأكرم رسول نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم واليه ترجعون واشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله ... أما بعد ،
فاتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واحذروا المعاصي فان أجسامكم على النار لا تقوى .
أيها الإخوة المسلمون : إننا بين عامين اثنين عام مضى لا ندري ما الله صانع فيه وعام أتى ولا ندري ما الله قاض فيه . فما أحرانا في مناسبة كهذه أن نقف مع أنفسنا ساعة من نهار أو ليل نناقشها الحساب بكل صراحة وتجرد وإنصاف ، وما أحوجنا إلى أن نختلي بأنفسنا وننهرها بعنف لعلها تستيقظ من رقدتها وتجيب على تساؤلات ضرورية وملحة لكل من أراد السلامة وطلب العافية من عذاب الله ومقته . من نحن ومن نكون ؟ ما هي النهاية والى أين المصير ؟ ما هو رصيدنا من الحسنات والسيئات ؟ ما هي قيمتنا عند ربنا ومولانا ؟ هل أرضينا ربنا بفعل ما يجب ؟ هل حققنا العبودية التي من اجلها خلقنا ؟ ما نسبة البياض في صفحة تاريخنا ؟
وأخيرا من يمتلك الشجاعة الأدبية الكافية فيجيب دون تملص أو هروب أو مراوغة ؟
ورحم الله عمر رضي الله عنه حيث يقول : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله .
ألا و أن مما ينبغي على الإنسان أن يحاسبها اليوم قبل أن تحاسبه هي غدا جوارحه وحواسه حيث تنتصب أمامه تلك الجوارح والحواس خصما عنيدا وشاهدا لا يعرف مجاملة أو مداهنة ...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى