رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد الله بن عبدالرحمن المطرفي
وجاءت الاختبارات
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين :
نعيش في هذه الأيام حالة استنفار ,, تظافرت فيها الجهود , واستفرغت الطاقات
صدّرت التعليمات , وكثرت التوجيهات , وتـعددت الإرشادات
قدمت للمجدين الحوافز والتشجعيات ,, ولوحت للمتهاونين الملامة والتوبيخات .
إنها ......... أيام الامتحانات الدراسية للطلاب والطالبات
نعيشها ......بما فيها من حلو ومر ..... وفرحة وحزن
مشاعر مختلفة , ومواقف متباينة , وكل يجني ما زرع , ويحصد ما بذر .
بقدر الكد تعطى ما تروم ومن طلب العلا ليلا يقوم
ولنا ـ عباد الله ـ مع هذه الامتحانات وقفات , وملاحظات .
علّها تساعد في تصحيح السيرة ، وإكمال المسيرة
الوقفة الأولى :
في أيام الامتحانات ... تشتعل العزائم , وتتوقد الهمم , ويطير النوم عن الأجفان ،
نفوس كبيرة ، وهمم عالية , تنشد الذرى المجيدة ، والمعالي الرفيعة .
في هذه الأيام .... يقتل التسويف بسكين الجد ,, تبعد الملهيات , وتهجر الصوارف والمشغلات , حتى لا تكاد ترى لها ذكرا في قاموس الطلاب والطالبات .
الامتحانات ... نقلة في حياة الناس ، وبرنامجهم اليومي ، ترى تنظيم الوقت واستغلاله واقعا ملموسا لدى كثير من الشباب .
فحري بنا إخوة الايمان .... أن نربي أنفسنا على هذه الجدية , وتلك المثابرة , وأن نجعلها جزءاً من شخصيتنا في هذه الحياة ، إذ أنَّ عالم اليوم , لا مكان فيه للكسالى , وإنما هو لأولئك الرجال , الذين يسري الجد في أعماقهم وأرواحهم , من أجل تحقيق أهدافهم .
وإذا كان الجد عنوان الأمة وشعارها ,, ارتقت في سلم الريادة , وتبوّأت موقعها بين الأمم ، وسطـّرت اسمها في سجل التاريخ .
وكتاب ربنا يوضح لنا الأخذ بمبدأ الجد والمثابرة أتم الايضاح
قال تعالى : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12
الوقفة الثانية
في مثل هذه الأيام نرى كثرة الإقبال على الله عز وجل فتعمر المساجد بالمصلين , وتكثر الدعوات والابتهالات , مع الإقلاع عن المعاصي , وترك المنكرات ،
وهذه أمور تثلج الصدور , وتدل على أن في النفوس الغافلة بقايا من الخيرية .
فلنجعل موسم الامتحانات موسما للطاعة , وفتح صفحة بيضاء جديدة مع الله عز وجل .
لنذكر أولئك العائدين والعائدات , بأنهم قد أصابوا الطريق ,, وساروا في المسار الصحيح ليسمعوا منا عبارات الثناء , وكلمات التشجيع .
لنذكرهم بسعة رحمة الله , وتوفيقه لمن طلبه ورجاه , وأن الطاعة سهلة ميسورة .
وأن كل خير وصلاح وتوفيق في هذه الدنيا مرتهن بطاعة الله , وأن طاعة الله فوز للعبد في دنياه قبل أخراه {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب71
الوقفــة الثالثة :
نقف فيها .. مع ذلك الأب الرحيم الحنون ,, الذي أجهد نفسه ، وأذهب راحته من أجل نجاح ابنه ,,
أيها الأب المبارك :
حسن منك اهتمامك بابنك ,, وبصيرتك بمستقبله ،,
إذ إنِّ الامتحانات فيها ثمرة العلم ، ويقظة الوعي , وخلاصة التجربة ، ولكن .... هل سألت نفسك أيها الأب المبارك ، هل عملت مع ولدك لامتحان الآخرة ما تعمله الآن معه في امتحان الدنيا .
هل بذلت الجهد المتواصل في تعليمه وتفهيمه ,, ما يعينه على اجتياز امتحان الآخرة .
قف مع نفسك بصراحة وصدق , وكل إنسان خصيم نفسه .
هل أيقظت ابنك لصلاة الفجر ,, بنفس الحرص الذي توقظه لإدراك الامتحان
هل تعتني بتوجيهه وإرشاده إذا أخطأ في أمر شرعي ,, كما تعتني بتصحيح أخطائه في مذاكرته .
تذكر يا رعاك الله :
أنَّ أعظم مسئولية تحملتها , وستبقى تبعاتها لك أو عليك ... هي ذريتك , وفلذات كبدك
ماذا قدَّمت لهم من النصح والتوجيه , والتربية والتأديب , ما يقوم أخلاقهم , ويهذب سلوكهم , ويغرس في قلوبهم شجرة الإيمان , ومحبة الله ورسوله .
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجىً ولكن *** يعـودُهُ التـدينَ أقربوه ظك
الوقفة الرابعة :
لقد كان من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم أن يستغل ما يراه من حوادث الدنيا بما يكون في الآخرة .
فحري بنا , ونحن تطرق مسامعنا كلمة الامتحان , ونعيش أيامه ولياليه
أن نتذكر ونتذاكر ,, ذلك الامتحان العظيم ,, والاختبار العصيب
ذلك الامتحان ....الذي تجثو من هوله الركب ,, وتشيب له مفارق الصبيان
امتحان فصل , وما هو بالهزل ,,, لا يستوي فيه من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى
ممن أغفل قلبه عن ذكر ربه واتبع هواه وكان أمره فرطا
امتحان ,, سيقف فيه جميع المخلوقين , صالحهم وطالحهم , انسهم وجنهم
بل وحتى صفوتهم من الأنبياء والمرسلين {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ }الأعراف6 امتحان .. ليس في فصل دراسي أو منهج محدد ,, بل لجميع سنوات العمر , وأيام الحياة
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ }الحجر92 سؤال عن كل كبير وصغير , وعظيم وحقير , {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ }القمر53
امتحان ... للجوارح والضمائر {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ }الطارق10
اختبار يمتحن فيه الصادقون {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ }الأحزاب8
وتسأل الأمم ماذا أجبتم المرسلين
امتحان .... لا ظلم فيه ولا تظلم , ولا اعتراض {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء47
امتحان لا إعادة فيه ولا إكمال ، ونتيجته لا تستدرك ولا رجوع فيها
{وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }الرعد41
-هذا الامتحان ... ليس فيه مكان وفير , ومقاعد مريحة ,, بل هو وقوف بين يدي ملك الملوك , وعلام الغيوب {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }الصافات24
إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً }مريم95 .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة "
هذا الامتحان .... أسئلته مكشوفة معلومة ,, قد بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم ستسأل يا عبد الله ... عن عمرك ماذا أفنيته فيه ، وعن شبابك فيما أبليته ،
وعن مالك كيف كسبته ، ثم في أي شيء أنفقته ، وستسأل عن تعلمك وعلمك ماذا عملت به .
وستسأل يا عبد الله أول ما تسأل ... عن صلاتك , مدى حفاظك عليها وإقامتك لها
فان صلحت صلاتك فقد أفلحت ونجحت ، وان فسدت خسرت وخبت .
وستسال أيضا ... عن أقرب الناس لك من زوجة وأولاد ( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )
وستسأل أيضاً... عن كل نعمة أسديت لك , أفي الحلال استعملتها , أم في الحرام سخرتها {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }التكاثر8
إنها والله أسئلة عظيمة , ومواقف منتظرة مهولة , بكت من أجلها دموع الخاشعين , وفرقت لهولها قلوب الصالحين .
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شيء
الوقفة الخامسة :
ما أجمل تلك الساعة , وتيكم اللحظة .. التي ترى فيها ابنك قد أبرقت أسارير وجهه , يحمل شهادة النجاح فرحا مسرورا ,, قد رأى ثمرة كده ونصبه .
وما أشد حزن وأسى ذلكم الطالب , الذي خفق في امتحاناته , فاتنقبضت نفسه ,
وازدادت حسرته , على ما فرط وضيع .
فيا ليتنا ونحن نرى هذه المشاهد ... أن نتذكر ذلك الفوز العظيم ، والخسران المبين .
تأمل أخي المبارك ...فرحة المؤمن في عرَصَات القيامة , حينما يثقل بالصالحات ميزانه ، ويأمن من هول الفزع جنانه ، ويلقى حجته وبيانه ، فيرفع كتابه بيمينه عاليا , وينشره بين الخلائق مناديا ، في فروح وسرور , وبهجة وحبور {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ }الحاقة24
ثم يتفاوت نجاح العباد وفرحتهم , بحسب تفاوت أعمالهم الصالحة في الدنيا
قال تعالى {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا}الأحقاف19
وثبت في الحديث الصحيح : أن الجنة درجات , وأنَّ بين كل درجتين كما بين السماء والأرض . {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }المطففين26
ثم تأمل أخي المؤمن .....حال من رسب في امتحان الآخرة
حزن لا ينتهي , وندم لا ينقضي ,, يرى ذلك الخاسر نفسه ذليلا حقيرا ,
خاشعا يصره منكسرا , طرفه يتمنى أن تسوى به الأرض , ويكون ترابا
ويزداد ولعه ولذعه , حينما يرى أهل النجاح يساقون إلى الجنة زمرا , ويحشرون إلى الرحمن وفدا .
يتصفح ذلك الخاسر كتابه بشماله , فيقول بحسرة وألم ... {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا }الكهف49
ثم ينادي بحرقة وأسى {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ }الحاقة29
ثم يساق بعد ذلك ويسحب ,,,, في ذل وصغار , ومهانة وانكسار ,
على قدميه تارة ، وعلى وجهه أخرى ,,,,,, إلى نار تلظى , لا يصلاها إلا الأشقى
{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ }القمر48
عذاب لا يخطر على بال ، ولا يوصف بحال من الأحوال , زفير وشهيق , زقوم ومطارق حديد , {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }الزمر15 .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم , ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين , أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب , فاستغفروه , انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى , والصلاة والسلام على عبده المصطفى , وعلى آله وصحبه ومن اجتبى
أما بعد فيا عباد الله :
وثمة ملاحظات سلبية , نقع فيها مع هذه الامتحانات :
أولى تلك الملاحظات :
تلك النظرة المفرطة , تجاه الامتحانات من قبل البيت , أو حتى المدرسة ، فبعض الآباء لا يسأل عن دراسة ابنه وتحصيله إلا إذا أظلت الامتحانات . وبعض المعلمين , دائما ما يلوح لتلاميذه شبح الامتحانات , بين تارة وأخرى ومناسبة وغير مناسبة حتى أضحى مقياس العلم والتعليم لدى كثير من الناس مختصرا في ذلك الاختبار ونسيت الغايات النبيلة , التي قامت عليها الرسالة التعليمية , من إصلاح الجيل , وتربية النشء , وبناء العقول , وتوثيق عرى الدين , ومكارم الأخلاق .
فالواجب التوسط والاعتدال في نظرتنا للامتحانات , نعم توصي الأبناء والتلاميذ , بالجد والاجتهاد فيها , ولكن لا تطغى قضية الامتحانات على جوانب الإصلاح والتربية .
الملاحظة الثانية :
أن بعض الآباء , يجعل نجاح الولد أو إخفاقه في الامتحان , علامة على نجاح الولد في حياته , أو فشله . فإذا نجح الولد كال له أبوه ألوان الثناء وأنواع المديح , التي ربما لا يجد الابن شطرها عندما يقوم بأداء واجبات دينية , وحقوق شرعية ، وعلى النقيض من ذلك , لو أخفق الولد في امتحاناته , عاتبه والده وأنبه , ووبخه وبكَّته ، لا يجد الولد معشار ذلك التأنيب , حينما يقصر في أداء واجبات شرعية , أو يرتكب بعض المحرمات .
ولا شك ـ عباد الله ـ أن هذا خلل في التربية , وتقصير في ترتيب الأولويات , وإعطاء كل ذي حق حقه
الملاحظة الثالثة :
في أيام الامتحانات ... تكثر غفلة الآباء عن أبنائهم , وبالأخص في ساعات الصباح
بعد الخروج من قاعات الامتحانات ,, فتتلقاهم أيادي الخبث , وقرناء السوء إلى مهاوي الردى ,
وقلب نظرك في المقاهي , أو محلات الإنترنت , أو التسكع في الشوارع
لترى حجم أولئك الشباب , الذي ما عرف بعضهم هذه الأماكن , إلا في أيام الامتحانات , فكانت تلك الأيام , شرارة الانحراف في حياة بعض الشباب , وتغير كثير من أخلاقياتهم .
والسبب ... غفلة الآباء عن أبنائهم .
فاتقوا الله أيها المسلمون في أمانة الأبناء , واحرصوا على متابعتهم وتربيتهم وحفظهم , وصلاحهم وإصلاحهم , فهم قرة عين لكم في الدنيا , وذخر لكم بعد الوفاة .
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية .
صاحب الحوض والشفاعة ..................
وجاءت الاختبارات
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين :
نعيش في هذه الأيام حالة استنفار ,, تظافرت فيها الجهود , واستفرغت الطاقات
صدّرت التعليمات , وكثرت التوجيهات , وتـعددت الإرشادات
قدمت للمجدين الحوافز والتشجعيات ,, ولوحت للمتهاونين الملامة والتوبيخات .
إنها ......... أيام الامتحانات الدراسية للطلاب والطالبات
نعيشها ......بما فيها من حلو ومر ..... وفرحة وحزن
مشاعر مختلفة , ومواقف متباينة , وكل يجني ما زرع , ويحصد ما بذر .
بقدر الكد تعطى ما تروم ومن طلب العلا ليلا يقوم
ولنا ـ عباد الله ـ مع هذه الامتحانات وقفات , وملاحظات .
علّها تساعد في تصحيح السيرة ، وإكمال المسيرة
الوقفة الأولى :
في أيام الامتحانات ... تشتعل العزائم , وتتوقد الهمم , ويطير النوم عن الأجفان ،
نفوس كبيرة ، وهمم عالية , تنشد الذرى المجيدة ، والمعالي الرفيعة .
في هذه الأيام .... يقتل التسويف بسكين الجد ,, تبعد الملهيات , وتهجر الصوارف والمشغلات , حتى لا تكاد ترى لها ذكرا في قاموس الطلاب والطالبات .
الامتحانات ... نقلة في حياة الناس ، وبرنامجهم اليومي ، ترى تنظيم الوقت واستغلاله واقعا ملموسا لدى كثير من الشباب .
فحري بنا إخوة الايمان .... أن نربي أنفسنا على هذه الجدية , وتلك المثابرة , وأن نجعلها جزءاً من شخصيتنا في هذه الحياة ، إذ أنَّ عالم اليوم , لا مكان فيه للكسالى , وإنما هو لأولئك الرجال , الذين يسري الجد في أعماقهم وأرواحهم , من أجل تحقيق أهدافهم .
وإذا كان الجد عنوان الأمة وشعارها ,, ارتقت في سلم الريادة , وتبوّأت موقعها بين الأمم ، وسطـّرت اسمها في سجل التاريخ .
وكتاب ربنا يوضح لنا الأخذ بمبدأ الجد والمثابرة أتم الايضاح
قال تعالى : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12
الوقفة الثانية
في مثل هذه الأيام نرى كثرة الإقبال على الله عز وجل فتعمر المساجد بالمصلين , وتكثر الدعوات والابتهالات , مع الإقلاع عن المعاصي , وترك المنكرات ،
وهذه أمور تثلج الصدور , وتدل على أن في النفوس الغافلة بقايا من الخيرية .
فلنجعل موسم الامتحانات موسما للطاعة , وفتح صفحة بيضاء جديدة مع الله عز وجل .
لنذكر أولئك العائدين والعائدات , بأنهم قد أصابوا الطريق ,, وساروا في المسار الصحيح ليسمعوا منا عبارات الثناء , وكلمات التشجيع .
لنذكرهم بسعة رحمة الله , وتوفيقه لمن طلبه ورجاه , وأن الطاعة سهلة ميسورة .
وأن كل خير وصلاح وتوفيق في هذه الدنيا مرتهن بطاعة الله , وأن طاعة الله فوز للعبد في دنياه قبل أخراه {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب71
الوقفــة الثالثة :
نقف فيها .. مع ذلك الأب الرحيم الحنون ,, الذي أجهد نفسه ، وأذهب راحته من أجل نجاح ابنه ,,
أيها الأب المبارك :
حسن منك اهتمامك بابنك ,, وبصيرتك بمستقبله ،,
إذ إنِّ الامتحانات فيها ثمرة العلم ، ويقظة الوعي , وخلاصة التجربة ، ولكن .... هل سألت نفسك أيها الأب المبارك ، هل عملت مع ولدك لامتحان الآخرة ما تعمله الآن معه في امتحان الدنيا .
هل بذلت الجهد المتواصل في تعليمه وتفهيمه ,, ما يعينه على اجتياز امتحان الآخرة .
قف مع نفسك بصراحة وصدق , وكل إنسان خصيم نفسه .
هل أيقظت ابنك لصلاة الفجر ,, بنفس الحرص الذي توقظه لإدراك الامتحان
هل تعتني بتوجيهه وإرشاده إذا أخطأ في أمر شرعي ,, كما تعتني بتصحيح أخطائه في مذاكرته .
تذكر يا رعاك الله :
أنَّ أعظم مسئولية تحملتها , وستبقى تبعاتها لك أو عليك ... هي ذريتك , وفلذات كبدك
ماذا قدَّمت لهم من النصح والتوجيه , والتربية والتأديب , ما يقوم أخلاقهم , ويهذب سلوكهم , ويغرس في قلوبهم شجرة الإيمان , ومحبة الله ورسوله .
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجىً ولكن *** يعـودُهُ التـدينَ أقربوه ظك
الوقفة الرابعة :
لقد كان من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم أن يستغل ما يراه من حوادث الدنيا بما يكون في الآخرة .
فحري بنا , ونحن تطرق مسامعنا كلمة الامتحان , ونعيش أيامه ولياليه
أن نتذكر ونتذاكر ,, ذلك الامتحان العظيم ,, والاختبار العصيب
ذلك الامتحان ....الذي تجثو من هوله الركب ,, وتشيب له مفارق الصبيان
امتحان فصل , وما هو بالهزل ,,, لا يستوي فيه من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى
ممن أغفل قلبه عن ذكر ربه واتبع هواه وكان أمره فرطا
امتحان ,, سيقف فيه جميع المخلوقين , صالحهم وطالحهم , انسهم وجنهم
بل وحتى صفوتهم من الأنبياء والمرسلين {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ }الأعراف6 امتحان .. ليس في فصل دراسي أو منهج محدد ,, بل لجميع سنوات العمر , وأيام الحياة
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ }الحجر92 سؤال عن كل كبير وصغير , وعظيم وحقير , {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ }القمر53
امتحان ... للجوارح والضمائر {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ }الطارق10
اختبار يمتحن فيه الصادقون {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ }الأحزاب8
وتسأل الأمم ماذا أجبتم المرسلين
امتحان .... لا ظلم فيه ولا تظلم , ولا اعتراض {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء47
امتحان لا إعادة فيه ولا إكمال ، ونتيجته لا تستدرك ولا رجوع فيها
{وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }الرعد41
-هذا الامتحان ... ليس فيه مكان وفير , ومقاعد مريحة ,, بل هو وقوف بين يدي ملك الملوك , وعلام الغيوب {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }الصافات24
إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً }مريم95 .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة "
هذا الامتحان .... أسئلته مكشوفة معلومة ,, قد بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم ستسأل يا عبد الله ... عن عمرك ماذا أفنيته فيه ، وعن شبابك فيما أبليته ،
وعن مالك كيف كسبته ، ثم في أي شيء أنفقته ، وستسأل عن تعلمك وعلمك ماذا عملت به .
وستسأل يا عبد الله أول ما تسأل ... عن صلاتك , مدى حفاظك عليها وإقامتك لها
فان صلحت صلاتك فقد أفلحت ونجحت ، وان فسدت خسرت وخبت .
وستسال أيضا ... عن أقرب الناس لك من زوجة وأولاد ( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )
وستسأل أيضاً... عن كل نعمة أسديت لك , أفي الحلال استعملتها , أم في الحرام سخرتها {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }التكاثر8
إنها والله أسئلة عظيمة , ومواقف منتظرة مهولة , بكت من أجلها دموع الخاشعين , وفرقت لهولها قلوب الصالحين .
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شيء
الوقفة الخامسة :
ما أجمل تلك الساعة , وتيكم اللحظة .. التي ترى فيها ابنك قد أبرقت أسارير وجهه , يحمل شهادة النجاح فرحا مسرورا ,, قد رأى ثمرة كده ونصبه .
وما أشد حزن وأسى ذلكم الطالب , الذي خفق في امتحاناته , فاتنقبضت نفسه ,
وازدادت حسرته , على ما فرط وضيع .
فيا ليتنا ونحن نرى هذه المشاهد ... أن نتذكر ذلك الفوز العظيم ، والخسران المبين .
تأمل أخي المبارك ...فرحة المؤمن في عرَصَات القيامة , حينما يثقل بالصالحات ميزانه ، ويأمن من هول الفزع جنانه ، ويلقى حجته وبيانه ، فيرفع كتابه بيمينه عاليا , وينشره بين الخلائق مناديا ، في فروح وسرور , وبهجة وحبور {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ }الحاقة24
ثم يتفاوت نجاح العباد وفرحتهم , بحسب تفاوت أعمالهم الصالحة في الدنيا
قال تعالى {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا}الأحقاف19
وثبت في الحديث الصحيح : أن الجنة درجات , وأنَّ بين كل درجتين كما بين السماء والأرض . {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }المطففين26
ثم تأمل أخي المؤمن .....حال من رسب في امتحان الآخرة
حزن لا ينتهي , وندم لا ينقضي ,, يرى ذلك الخاسر نفسه ذليلا حقيرا ,
خاشعا يصره منكسرا , طرفه يتمنى أن تسوى به الأرض , ويكون ترابا
ويزداد ولعه ولذعه , حينما يرى أهل النجاح يساقون إلى الجنة زمرا , ويحشرون إلى الرحمن وفدا .
يتصفح ذلك الخاسر كتابه بشماله , فيقول بحسرة وألم ... {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا }الكهف49
ثم ينادي بحرقة وأسى {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ }الحاقة29
ثم يساق بعد ذلك ويسحب ,,,, في ذل وصغار , ومهانة وانكسار ,
على قدميه تارة ، وعلى وجهه أخرى ,,,,,, إلى نار تلظى , لا يصلاها إلا الأشقى
{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ }القمر48
عذاب لا يخطر على بال ، ولا يوصف بحال من الأحوال , زفير وشهيق , زقوم ومطارق حديد , {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }الزمر15 .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم , ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين , أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب , فاستغفروه , انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى , والصلاة والسلام على عبده المصطفى , وعلى آله وصحبه ومن اجتبى
أما بعد فيا عباد الله :
وثمة ملاحظات سلبية , نقع فيها مع هذه الامتحانات :
أولى تلك الملاحظات :
تلك النظرة المفرطة , تجاه الامتحانات من قبل البيت , أو حتى المدرسة ، فبعض الآباء لا يسأل عن دراسة ابنه وتحصيله إلا إذا أظلت الامتحانات . وبعض المعلمين , دائما ما يلوح لتلاميذه شبح الامتحانات , بين تارة وأخرى ومناسبة وغير مناسبة حتى أضحى مقياس العلم والتعليم لدى كثير من الناس مختصرا في ذلك الاختبار ونسيت الغايات النبيلة , التي قامت عليها الرسالة التعليمية , من إصلاح الجيل , وتربية النشء , وبناء العقول , وتوثيق عرى الدين , ومكارم الأخلاق .
فالواجب التوسط والاعتدال في نظرتنا للامتحانات , نعم توصي الأبناء والتلاميذ , بالجد والاجتهاد فيها , ولكن لا تطغى قضية الامتحانات على جوانب الإصلاح والتربية .
الملاحظة الثانية :
أن بعض الآباء , يجعل نجاح الولد أو إخفاقه في الامتحان , علامة على نجاح الولد في حياته , أو فشله . فإذا نجح الولد كال له أبوه ألوان الثناء وأنواع المديح , التي ربما لا يجد الابن شطرها عندما يقوم بأداء واجبات دينية , وحقوق شرعية ، وعلى النقيض من ذلك , لو أخفق الولد في امتحاناته , عاتبه والده وأنبه , ووبخه وبكَّته ، لا يجد الولد معشار ذلك التأنيب , حينما يقصر في أداء واجبات شرعية , أو يرتكب بعض المحرمات .
ولا شك ـ عباد الله ـ أن هذا خلل في التربية , وتقصير في ترتيب الأولويات , وإعطاء كل ذي حق حقه
الملاحظة الثالثة :
في أيام الامتحانات ... تكثر غفلة الآباء عن أبنائهم , وبالأخص في ساعات الصباح
بعد الخروج من قاعات الامتحانات ,, فتتلقاهم أيادي الخبث , وقرناء السوء إلى مهاوي الردى ,
وقلب نظرك في المقاهي , أو محلات الإنترنت , أو التسكع في الشوارع
لترى حجم أولئك الشباب , الذي ما عرف بعضهم هذه الأماكن , إلا في أيام الامتحانات , فكانت تلك الأيام , شرارة الانحراف في حياة بعض الشباب , وتغير كثير من أخلاقياتهم .
والسبب ... غفلة الآباء عن أبنائهم .
فاتقوا الله أيها المسلمون في أمانة الأبناء , واحرصوا على متابعتهم وتربيتهم وحفظهم , وصلاحهم وإصلاحهم , فهم قرة عين لكم في الدنيا , وذخر لكم بعد الوفاة .
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية .
صاحب الحوض والشفاعة ..................
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى