مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / أحمد بن حسين الفقيهي
الحوار بين الأديان
الخطبة الأولى
عباد الله : في الآونة الأخيرة تعددت النداءات وارتفعت الأصوات لتحقيق دعوة قديمة جديدة .
دعوة يراد من خلالها إيجاد لون من ألوان التلاقي والاتصال بين الإسلام وغيره من الأديان المحرفة والملل الوثنية، عبر ما يسمى بحوار الأديان .
فما حوار الأديان ؟ وما حقيقته ؟ وما هدفه ؟ وما الموقف الشرعي منه ؟
أيها المسلمون : إن مصطلح " الحوار بين الأديان " من المصطلحات الحادثة المجملة ، وهو يتنوع بحسب أغراضه وأهدافه إلى عدة أنواع، والمنهج القويم في التعامل مع مثل هذه المصطلحات هو عدم نفي المعنى الصحيح بسبب استعماله من قبل بعض الناس في الباطل، بل نرد المعنى الباطل ونبرز المعنى الصحيح خاصة إذا علمنا أن هذا المصطلح يتعلق بأمر ضروري في دين الإسلام وهو (الدعوة إلى الله) ولأن في ظهور المعنى الصحيح تبين للحق وتصحيح لما حصل في هذا الموضوع من الخلط والتخبط بسبب البعد عن مفهومه الشرعي الصحيح .
عباد الله: لم تبدأ الحوارات بين الأديان بواقعها الحالي بمبادرة إسلامية، ولم ترسم أهدافها وخطتها في بلاد المسلمين، بل جاءت بطلب من الغرب بعد الدراسة العميقة لها عندهم وتحديد أهدافها وغاياتها من قبلهم.
بدأت الحوارات بين الأديان قبل ثلاثة عقود بمسمى "التقارب الإسلامي المسيحي" ثم لطفت فسميت "الحوار الإسلامي المسيحي" ثم وسعت بين يدي " اتفاقية أوسلو" للتطبيع مع اليهود، فصارت : "حوار الأديان" وربما "حوار الأديان الإبراهيمية" ، ثم لم تزل تتسع في ظل الدعوة إلى العولمة لتصبح "حوار الحضارات" فتشمل الهندوسية، والبوذية، وسائر الملل الوثنية .
أيها المسلمون: الكفار من أهل الكتاب وغيرهم هم خصوم الماضي والحاضر، وهم يملكون اليوم الآلة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والهيمنة الإعلامية، ومع ذلك تنطلق من مراجعهم الدينية والسياسية الدعوة إلى التقارب والحوار فما السر في ذلك ؟
عباد الله : لقد أخبرتنا الأيام بالعديد من البواعث التي دعت الغرب للحوار مع المسلمين ومن أبرز تلك البواعث ما يلي :
- باعث الصد عن سبيل الله : لقد أرعب الكنائس الغربية في العصر الحديث انفتاح شعوبها على الإسلام، واعتناق ألوف منهم إياه، فرأوا أن لا جدوى من المواجهة ، فهي أضعف من أن تقف أمام متانة العقيدة الإسلامية ، فتفتقت عقولهم عن فكرة ( التقريب والحوار) ليطفئوا روح التشوف لدى شعوبهم، ويقروا في قلوبهم أن الفروق بين الأديان فروقا شكلية، وكلها تؤدي إلى الله، فلا حاجة للتغيير، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا ، حيث أخبرنا أن من صفاتهم السعي للصد عن سبيله فقال : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }آل عمران99، وقال {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }آل عمران72 .
- الباعث الثاني للحوار بين الأديان هو الباعث التنصيري :
التنصير عباد الله يحتل موقعاً متميزاً في الديانة النصرانية، وحين تبنى النصارى خيار الحوار ، لم يكن ذلك تخلياً منهم عن وظيفتهم الأصيلة، حيث صرح مجلس الكنائس العالمي أن الحوار وسيلة مفيدة للتنصير، لأنه وسيلة لكشف معتقدات وحاجيات الآخر، وهي نقطة البداية الشرعية للتنصير.
إنه في الوقت الذي يرتفع فيه نداء الحوار بين الأديان، تتزايد كثافة الحملة التنصيرية في العديد من الجهات وعلى رأسها قارة أفريقيا حيث رفع فاتيكان الكاثوليك – الذي أقام مؤسسات الحوار مع المسلمين – رفع شعار" أفريقيا نصرانية سنة 2000م " فلما أزف الموعد ولم يتحقق الوعد مد أجل هذا الطمع إلى 2025م.
لقد تبين أيها المسلمون أن مفهوم الحوار الإسلامي المسيحي لدى الفاتيكان ملغوم ومحشو بالغايات التبشيرية والصليبية، وأنه إطار عام لتنفيذ مؤامرة التنصير خارج العالم المسيحي ، فمتى يتعظ اللاهثون خلفه بذلك، وقد أخبرنا ربنا قبل أن تتبين الحقيقة على الواقع أن أهل الكتاب لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم فقال سبحانه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }البقرة120
(البقرة: ).
- الباعث الثالث للحوار بين الأديان هو الباعث السياسي :
لقد كان من أكبر الدوافع التي صاحبت انطلاق الدعوة للتقريب والحوار بين الأديان ، طغيان المد الشيوعي الملحد على العالم، وتهاوى معاقل النصرانية ، فكانت تلك الخطوة بمثابة محاولة للوقوف أمام المد الشيوعي ، خاصة في الشرق الأوسط ، كما أن الحكومات الغربية تبنت الحوار والتقريب بين الأديان لتتمكن من دمج المهاجرين المسلمين في البلدان المجتمعات الغربية واتخاذهم ورقة ضغط على الحكومات الإسلامية لتعزيز نفوذ الأقليات النصرانية في البلدان الإسلامية ، ومهاجمة مشروع الدول الإسلامية ، وتطبيق الشريعة .
عباد الله: هناك الكثير والكثير من الأهداف والبواعث الخفية والظاهرة التي دعت الغرب للدعوة إلى حوار الأديان والتقريب بينها، وما ذكر هو أشهر تلك البواعث والأهداف وأعظمها أثراً.
أيها المسلمون : هناك ثلاث اتجاهات يجري الحوار الإسلامي النصراني المعاصر في مضمارها، وتنتظم تلك الاتجاهات هذا الكم من المؤتمرات والمنتديات، وتفصح عنها أدبيات ذلك الحوار وبياناته الختامية، وهي :
أولاً : اتجاه التقريب بين الأديان : وهو الاتجاه السائد، ويمثل معظم المحاولات العالمية والإقليمية والمحلية التي يتواضع عليها المتحاورون، ومن أبرز معالم هذا الاتجاه :
1 – اعتقاد إيمان الطرف الآخر، وتسويغه، وإن لم يبلغ الإيمان التام الذي يعتقده هو .
2 – الاعتراف بقيم الآخر، واحترام عقائده وشعائره، وعدم تخطئته أو تضليله أو تكفيره.
3 – تجنب البحث في المسائل العقدية الفاصلة، للحفاظ على استمرار الحوار.
4 – تجنب دعوة الآخر، وحسبان ذلك خيانة لأدب الحوار .
5 – الدعوة إلى نسيان الماضي التاريخي ، والاعتذار عن أخطائه ، والتخلص من آثاره .
6 – تبادل التهاني والزيارات والمجاملات في المناسبات الدينية المختلفة .
ثانياً : اتجاه التوحيد بين الأديان: وهو اتجاه يستصحب معظم الخصائص السابقة ويزيد عليها ما يلي :
1 – اعتقاد صحة جميع المعتقدات، وصواب جميع صور العبادات .
2 – الاشتراك في صلوات وممارسات وطقوس مشتركة .
ويمثل هذا الاتجاه غلاة الصوفية قديماً كابن عربي وغيره، وبعض المتمسلمين الأوربيين .
ثالثاً : اتجاه التلفيق بين الأديان : وهو اتجاه يهدف إلى تشكيل دين جديد ملفق من أديان وملل شتى، ودعوة الآخرين للانخلاع من أوضاعهم السابقة، واعتناق دين مهجن ، ويمثل هذا الاتجاه قديماً ( البهائية) ، وحديثاً ( المونية) التي يعتنقها أكثر من ثلاثة ملايين شخص في العالم ، وتعقد مؤتمرات للحوار باسم (المجلس العالمي للأديان).
عباد الله : هذا هو تأريخ ما يسمى بالحوار بين الأديان ، وهذه بواعثه وأهدافه ، وهذه اتجاهاته في الوقت الحاضر ، ويأتي السؤال عن نتائج تلك المؤتمرات والحوارات وماذا جنينا من ورائها ؟
أيها المسلمون : إن المكاسب المزعومة للإسلام من خلال التطبيق المعاصر للحوار بين الأديان هي مكاسب وهمية ليس لها رصيد من الواقع .
فمع كثرة المؤتمرات واللقاءات المعقودة في هذا الشأن إلا أنها لم تفد شيئاً يذكر في مجال التقارب الحقيقي وبناء أعمال مؤسسية لهذا الغرض .
لم يتوصل المسلمون المشاركون في هذه الحوارات بعد مفاوضات طويلة إلى الاعتراف من النصارى بان محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً من الأنبياء، وله رسالة صحيحة كغيره من الأنبياء ، ويقول أحد المشاركين في هذه الحوارات بعد أن يئس منها : إن موقف الآخرين من الإسلام والمسلمين هو موقف الإنكار ، وعدم الاعتراف أو القبول ، فلا إسلام في عرفهم دين سماوي ، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء .
وهذا التعامل من قبل النصارى أغضب بعض المشاركين بدرجة كبيرة في المؤتمرات الأخيرة إلى درجة تلويح بعضهم بمقاطعة هذه الحوارات العقيمة .
عباد الله : لقد وصل الحال والمخالفة لمنهج النبوة من قبل بعض المنهزمين من المسلمين المشاركين في هذه الحوارات أن وافقوا على مبدأ ترك الدعوة إلى الدين بين الطرفين، ولا شك أن الخاسر في هذا هو الطرف الإسلامي؛ لأن الأعداد المتكاثرة التي تدخل من النصارى في دين الإسلام لا تقارن بالذين ينسلخون من الإسلام إلى النصرانية ، مع أن النصارى لم يلتزموا بهذا الشرط ، فلا تزال إرساليات التنصير تجوب بلاد المسلمين طولاً وعرضاً .
أيها المسلمون : إن الكثير من المؤسسات والجهات الإسلامية القائمة بالحوار في العصر الحاضر قائمة على منهج مخالف للمنهج الرباني ، ولعل من أبرز الأسباب أن الدعوة جاءت من النصارى وليست من المسلمين ، ولهذا لا تناقش بيان الحق بالأدلة والبراهين المقبولة ، بل أعرضت عن ذلك وأصبح الحوار عبارة عن تفاوض على القضايا المشتركة الذي يكون عادة بين الدول في المصالح الدنيوية المشتركة .
عباد الله : إن من القرائن التي تدل على فساد مقصد الغرب من هذه الحوارات ما ذكره أحد المشاركين أنه اكتشف أن الكنسية الأمريكية التي ترعى الحوار وتتفق عليه قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضد المسلمين " قاعدة " ومقراً لإدارة هذا الحوار .
أيها المسلمون : خلاصة القول في الحوار الذي يجري الآن وبخاصة في السنوات الثلاثين الأخيرة بين العالم العربي والإسلامي وبين الغرب أنه فخ منصوب يجب الحذر منه ، فنحن لم نساهم في وضع قواعد هذا الحوار وأهدافه وعناصره، كما لن نختار الأطراف التي نحاورها ، وهنا يرد السؤال : لماذا بقينا نركض للحوار مع أوربا والغرب دون الحوار مع دول الحضارة الآسيوية .
إن مبررات الجغرافيا وحدها لا تفسر لنا هذا الانحياز للحوار مع الغرب ، بقدر ما يفسرها اختيار الغرب لنا بسبب ماضيهم الاستعماري في بلداننا الإسلامية وطموحهم في استمرار سياستهم الاستعمارية ، وهو ما يفسر أيضاً خضوعنا لهذا الإرث الاستعماري ، فلا نختار الحوار الذي نريد ، والطرف الذي نريد ، والأهداف التي نريد ، ويوم نفعل ذلك نستطيع أن نقول إننا امتلكنا زمام المبادرة ، وتخلصنا من الماضي وكسبنا المستقبل {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }الرعد11
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
الخطبة الثانية
عباد الله : لا مزايدة علينا في أن دين الإسلام يحث على الحوار ويدعو إليه ، ولقد تكاثرت النصوص في الكتاب والسنة الدالة على أصالة الحوار في دين الإسلام، فهاهو القرآن الكريم يروى لنا حوار الرسل مع أقوامهم ومن ذلك: حوار نوح عليه السلام مع قومه {قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }هود32 وحوار إبراهيم مع قومه {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ }الأنعام80 ونقل القرآن كذلك حوار الله تعالى مع الملائكة { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء }البقرة30 بل صرح القرآن بحوار الله تعالى مع شر خلقه إبليس حين أبى السجود .
ولقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم خلق الحوار في دعوته ومسيرته فحاور صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب من يهود المدينة ونصارى نجران ، وكاتب ملوك الأرض وأبرز مثال في ذلك كتابه إلى هرقل عظيم الروم .
أيها المسلمون : إن الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى من أجل دعوتهم للدين الإسلامي الخاتم والناسخ لجميع الأديان السابقة ، وإيضاح محاسن الإسلام لهم ، وبيان ما هم عليه من باطل ، واستنقاذهم من ظلمات الشرك والجهل ، من أعظم ما يدعو إليه الإسلام ، وهذا النوع من الحوار مطلوب شرعاً وعقلا ، وعلى منواله نأمل أن تتجه مبادرات ولاة الأمر من علماء وأمراء .
عباد الله : صلوا وسلموا على من آمركم الله بالصلاة والسلام عليه .
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ..
يا حي يا قيوم عافنا في أبداننا وأسماعنا وأبصارنا .
اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك ..
اللهم أبرم لأمة محمد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك .
اللهم أكشف الضر عن إخواننا المحاصرين في غزة ،اجعل لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا ..
الحوار بين الأديان
الخطبة الأولى
عباد الله : في الآونة الأخيرة تعددت النداءات وارتفعت الأصوات لتحقيق دعوة قديمة جديدة .
دعوة يراد من خلالها إيجاد لون من ألوان التلاقي والاتصال بين الإسلام وغيره من الأديان المحرفة والملل الوثنية، عبر ما يسمى بحوار الأديان .
فما حوار الأديان ؟ وما حقيقته ؟ وما هدفه ؟ وما الموقف الشرعي منه ؟
أيها المسلمون : إن مصطلح " الحوار بين الأديان " من المصطلحات الحادثة المجملة ، وهو يتنوع بحسب أغراضه وأهدافه إلى عدة أنواع، والمنهج القويم في التعامل مع مثل هذه المصطلحات هو عدم نفي المعنى الصحيح بسبب استعماله من قبل بعض الناس في الباطل، بل نرد المعنى الباطل ونبرز المعنى الصحيح خاصة إذا علمنا أن هذا المصطلح يتعلق بأمر ضروري في دين الإسلام وهو (الدعوة إلى الله) ولأن في ظهور المعنى الصحيح تبين للحق وتصحيح لما حصل في هذا الموضوع من الخلط والتخبط بسبب البعد عن مفهومه الشرعي الصحيح .
عباد الله: لم تبدأ الحوارات بين الأديان بواقعها الحالي بمبادرة إسلامية، ولم ترسم أهدافها وخطتها في بلاد المسلمين، بل جاءت بطلب من الغرب بعد الدراسة العميقة لها عندهم وتحديد أهدافها وغاياتها من قبلهم.
بدأت الحوارات بين الأديان قبل ثلاثة عقود بمسمى "التقارب الإسلامي المسيحي" ثم لطفت فسميت "الحوار الإسلامي المسيحي" ثم وسعت بين يدي " اتفاقية أوسلو" للتطبيع مع اليهود، فصارت : "حوار الأديان" وربما "حوار الأديان الإبراهيمية" ، ثم لم تزل تتسع في ظل الدعوة إلى العولمة لتصبح "حوار الحضارات" فتشمل الهندوسية، والبوذية، وسائر الملل الوثنية .
أيها المسلمون: الكفار من أهل الكتاب وغيرهم هم خصوم الماضي والحاضر، وهم يملكون اليوم الآلة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والهيمنة الإعلامية، ومع ذلك تنطلق من مراجعهم الدينية والسياسية الدعوة إلى التقارب والحوار فما السر في ذلك ؟
عباد الله : لقد أخبرتنا الأيام بالعديد من البواعث التي دعت الغرب للحوار مع المسلمين ومن أبرز تلك البواعث ما يلي :
- باعث الصد عن سبيل الله : لقد أرعب الكنائس الغربية في العصر الحديث انفتاح شعوبها على الإسلام، واعتناق ألوف منهم إياه، فرأوا أن لا جدوى من المواجهة ، فهي أضعف من أن تقف أمام متانة العقيدة الإسلامية ، فتفتقت عقولهم عن فكرة ( التقريب والحوار) ليطفئوا روح التشوف لدى شعوبهم، ويقروا في قلوبهم أن الفروق بين الأديان فروقا شكلية، وكلها تؤدي إلى الله، فلا حاجة للتغيير، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا ، حيث أخبرنا أن من صفاتهم السعي للصد عن سبيله فقال : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }آل عمران99، وقال {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }آل عمران72 .
- الباعث الثاني للحوار بين الأديان هو الباعث التنصيري :
التنصير عباد الله يحتل موقعاً متميزاً في الديانة النصرانية، وحين تبنى النصارى خيار الحوار ، لم يكن ذلك تخلياً منهم عن وظيفتهم الأصيلة، حيث صرح مجلس الكنائس العالمي أن الحوار وسيلة مفيدة للتنصير، لأنه وسيلة لكشف معتقدات وحاجيات الآخر، وهي نقطة البداية الشرعية للتنصير.
إنه في الوقت الذي يرتفع فيه نداء الحوار بين الأديان، تتزايد كثافة الحملة التنصيرية في العديد من الجهات وعلى رأسها قارة أفريقيا حيث رفع فاتيكان الكاثوليك – الذي أقام مؤسسات الحوار مع المسلمين – رفع شعار" أفريقيا نصرانية سنة 2000م " فلما أزف الموعد ولم يتحقق الوعد مد أجل هذا الطمع إلى 2025م.
لقد تبين أيها المسلمون أن مفهوم الحوار الإسلامي المسيحي لدى الفاتيكان ملغوم ومحشو بالغايات التبشيرية والصليبية، وأنه إطار عام لتنفيذ مؤامرة التنصير خارج العالم المسيحي ، فمتى يتعظ اللاهثون خلفه بذلك، وقد أخبرنا ربنا قبل أن تتبين الحقيقة على الواقع أن أهل الكتاب لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم فقال سبحانه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }البقرة120
(البقرة: ).
- الباعث الثالث للحوار بين الأديان هو الباعث السياسي :
لقد كان من أكبر الدوافع التي صاحبت انطلاق الدعوة للتقريب والحوار بين الأديان ، طغيان المد الشيوعي الملحد على العالم، وتهاوى معاقل النصرانية ، فكانت تلك الخطوة بمثابة محاولة للوقوف أمام المد الشيوعي ، خاصة في الشرق الأوسط ، كما أن الحكومات الغربية تبنت الحوار والتقريب بين الأديان لتتمكن من دمج المهاجرين المسلمين في البلدان المجتمعات الغربية واتخاذهم ورقة ضغط على الحكومات الإسلامية لتعزيز نفوذ الأقليات النصرانية في البلدان الإسلامية ، ومهاجمة مشروع الدول الإسلامية ، وتطبيق الشريعة .
عباد الله: هناك الكثير والكثير من الأهداف والبواعث الخفية والظاهرة التي دعت الغرب للدعوة إلى حوار الأديان والتقريب بينها، وما ذكر هو أشهر تلك البواعث والأهداف وأعظمها أثراً.
أيها المسلمون : هناك ثلاث اتجاهات يجري الحوار الإسلامي النصراني المعاصر في مضمارها، وتنتظم تلك الاتجاهات هذا الكم من المؤتمرات والمنتديات، وتفصح عنها أدبيات ذلك الحوار وبياناته الختامية، وهي :
أولاً : اتجاه التقريب بين الأديان : وهو الاتجاه السائد، ويمثل معظم المحاولات العالمية والإقليمية والمحلية التي يتواضع عليها المتحاورون، ومن أبرز معالم هذا الاتجاه :
1 – اعتقاد إيمان الطرف الآخر، وتسويغه، وإن لم يبلغ الإيمان التام الذي يعتقده هو .
2 – الاعتراف بقيم الآخر، واحترام عقائده وشعائره، وعدم تخطئته أو تضليله أو تكفيره.
3 – تجنب البحث في المسائل العقدية الفاصلة، للحفاظ على استمرار الحوار.
4 – تجنب دعوة الآخر، وحسبان ذلك خيانة لأدب الحوار .
5 – الدعوة إلى نسيان الماضي التاريخي ، والاعتذار عن أخطائه ، والتخلص من آثاره .
6 – تبادل التهاني والزيارات والمجاملات في المناسبات الدينية المختلفة .
ثانياً : اتجاه التوحيد بين الأديان: وهو اتجاه يستصحب معظم الخصائص السابقة ويزيد عليها ما يلي :
1 – اعتقاد صحة جميع المعتقدات، وصواب جميع صور العبادات .
2 – الاشتراك في صلوات وممارسات وطقوس مشتركة .
ويمثل هذا الاتجاه غلاة الصوفية قديماً كابن عربي وغيره، وبعض المتمسلمين الأوربيين .
ثالثاً : اتجاه التلفيق بين الأديان : وهو اتجاه يهدف إلى تشكيل دين جديد ملفق من أديان وملل شتى، ودعوة الآخرين للانخلاع من أوضاعهم السابقة، واعتناق دين مهجن ، ويمثل هذا الاتجاه قديماً ( البهائية) ، وحديثاً ( المونية) التي يعتنقها أكثر من ثلاثة ملايين شخص في العالم ، وتعقد مؤتمرات للحوار باسم (المجلس العالمي للأديان).
عباد الله : هذا هو تأريخ ما يسمى بالحوار بين الأديان ، وهذه بواعثه وأهدافه ، وهذه اتجاهاته في الوقت الحاضر ، ويأتي السؤال عن نتائج تلك المؤتمرات والحوارات وماذا جنينا من ورائها ؟
أيها المسلمون : إن المكاسب المزعومة للإسلام من خلال التطبيق المعاصر للحوار بين الأديان هي مكاسب وهمية ليس لها رصيد من الواقع .
فمع كثرة المؤتمرات واللقاءات المعقودة في هذا الشأن إلا أنها لم تفد شيئاً يذكر في مجال التقارب الحقيقي وبناء أعمال مؤسسية لهذا الغرض .
لم يتوصل المسلمون المشاركون في هذه الحوارات بعد مفاوضات طويلة إلى الاعتراف من النصارى بان محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً من الأنبياء، وله رسالة صحيحة كغيره من الأنبياء ، ويقول أحد المشاركين في هذه الحوارات بعد أن يئس منها : إن موقف الآخرين من الإسلام والمسلمين هو موقف الإنكار ، وعدم الاعتراف أو القبول ، فلا إسلام في عرفهم دين سماوي ، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء .
وهذا التعامل من قبل النصارى أغضب بعض المشاركين بدرجة كبيرة في المؤتمرات الأخيرة إلى درجة تلويح بعضهم بمقاطعة هذه الحوارات العقيمة .
عباد الله : لقد وصل الحال والمخالفة لمنهج النبوة من قبل بعض المنهزمين من المسلمين المشاركين في هذه الحوارات أن وافقوا على مبدأ ترك الدعوة إلى الدين بين الطرفين، ولا شك أن الخاسر في هذا هو الطرف الإسلامي؛ لأن الأعداد المتكاثرة التي تدخل من النصارى في دين الإسلام لا تقارن بالذين ينسلخون من الإسلام إلى النصرانية ، مع أن النصارى لم يلتزموا بهذا الشرط ، فلا تزال إرساليات التنصير تجوب بلاد المسلمين طولاً وعرضاً .
أيها المسلمون : إن الكثير من المؤسسات والجهات الإسلامية القائمة بالحوار في العصر الحاضر قائمة على منهج مخالف للمنهج الرباني ، ولعل من أبرز الأسباب أن الدعوة جاءت من النصارى وليست من المسلمين ، ولهذا لا تناقش بيان الحق بالأدلة والبراهين المقبولة ، بل أعرضت عن ذلك وأصبح الحوار عبارة عن تفاوض على القضايا المشتركة الذي يكون عادة بين الدول في المصالح الدنيوية المشتركة .
عباد الله : إن من القرائن التي تدل على فساد مقصد الغرب من هذه الحوارات ما ذكره أحد المشاركين أنه اكتشف أن الكنسية الأمريكية التي ترعى الحوار وتتفق عليه قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضد المسلمين " قاعدة " ومقراً لإدارة هذا الحوار .
أيها المسلمون : خلاصة القول في الحوار الذي يجري الآن وبخاصة في السنوات الثلاثين الأخيرة بين العالم العربي والإسلامي وبين الغرب أنه فخ منصوب يجب الحذر منه ، فنحن لم نساهم في وضع قواعد هذا الحوار وأهدافه وعناصره، كما لن نختار الأطراف التي نحاورها ، وهنا يرد السؤال : لماذا بقينا نركض للحوار مع أوربا والغرب دون الحوار مع دول الحضارة الآسيوية .
إن مبررات الجغرافيا وحدها لا تفسر لنا هذا الانحياز للحوار مع الغرب ، بقدر ما يفسرها اختيار الغرب لنا بسبب ماضيهم الاستعماري في بلداننا الإسلامية وطموحهم في استمرار سياستهم الاستعمارية ، وهو ما يفسر أيضاً خضوعنا لهذا الإرث الاستعماري ، فلا نختار الحوار الذي نريد ، والطرف الذي نريد ، والأهداف التي نريد ، ويوم نفعل ذلك نستطيع أن نقول إننا امتلكنا زمام المبادرة ، وتخلصنا من الماضي وكسبنا المستقبل {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }الرعد11
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
الخطبة الثانية
عباد الله : لا مزايدة علينا في أن دين الإسلام يحث على الحوار ويدعو إليه ، ولقد تكاثرت النصوص في الكتاب والسنة الدالة على أصالة الحوار في دين الإسلام، فهاهو القرآن الكريم يروى لنا حوار الرسل مع أقوامهم ومن ذلك: حوار نوح عليه السلام مع قومه {قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }هود32 وحوار إبراهيم مع قومه {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ }الأنعام80 ونقل القرآن كذلك حوار الله تعالى مع الملائكة { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء }البقرة30 بل صرح القرآن بحوار الله تعالى مع شر خلقه إبليس حين أبى السجود .
ولقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم خلق الحوار في دعوته ومسيرته فحاور صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب من يهود المدينة ونصارى نجران ، وكاتب ملوك الأرض وأبرز مثال في ذلك كتابه إلى هرقل عظيم الروم .
أيها المسلمون : إن الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى من أجل دعوتهم للدين الإسلامي الخاتم والناسخ لجميع الأديان السابقة ، وإيضاح محاسن الإسلام لهم ، وبيان ما هم عليه من باطل ، واستنقاذهم من ظلمات الشرك والجهل ، من أعظم ما يدعو إليه الإسلام ، وهذا النوع من الحوار مطلوب شرعاً وعقلا ، وعلى منواله نأمل أن تتجه مبادرات ولاة الأمر من علماء وأمراء .
عباد الله : صلوا وسلموا على من آمركم الله بالصلاة والسلام عليه .
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ..
يا حي يا قيوم عافنا في أبداننا وأسماعنا وأبصارنا .
اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك ..
اللهم أبرم لأمة محمد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك .
اللهم أكشف الضر عن إخواننا المحاصرين في غزة ،اجعل لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا ..
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى