مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر
الغيرة على الأعراض
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، أحمده سبحانه، كل الخلائق بين يديه موقوفون ومحاسبون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عما يقول الظالمون وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله الصادق المأمون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: لقد خلق الله النفس الإنسانية وألقى فيها بذرة الفضيلة ليعيش الإنسان في طمأنينة وسكون حتى إذا جاء الإسلام تعاهد تلك البذرة بالسقي والرعاية، وصانها عن كل ما يخدش سياجها، ولا غرو ففي الفضيلة متعة وأمان، وفي مهاوي الرذيلة بلبلة وذلة وهوان، وكم للفضيلة من حصن امتنع به أولوا البصائر فكان لهم خير ملاذ، وكانوا بذلك محسنين وكم للرذيلة من صرعى تردوا في مهالكها، وتخبطوا في ظلماتها فأعقبهم ذلك حسرة وكانوا بذلك نادمين.
أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شاب، وقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنى، فأقبل عليه الناس يزجرونه، وأدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه منه، وجعل يناقشه في طلبه، ويقول أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعرض له المحارم ويقول: أفتحبه لأختك لعمتك لخالتك، ويجيبه الشاب بالنفي، حتى أقنعه النبي صلى الله عليه وسلم بخطئه، وأفهمه أن الغيرة التي يجدها في نفسه على محارمه يجدها كل الناس في أنفسهم على محارمهم، ولن يرضى أصحاب الشهامة والغيرة بحال من الأحوال أن تخدش أعراضهم، أو أن يوطأ شرفهم.
ومعنى هذا أيها الإخوة أن الغيرة غريزة من الغرائز البشرية وطبع ركبت عليه النفوس الشريفة، ويعظم حفاظ الإنسان على عرضه بحسب قوة الغيرة عنده، وتأملوا حال إمام الشرفاء سيد ولد آدم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع من حجر في دار النبي صلى الله عليه وسلم وهو عليه الصلاة والسلام يحك (أي يمشط) رأسه بالمدري (هو مشط من حديد أو من خشب) فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جعل الإذن من قبل الإبصار. (البخاري 5924)
عباد الله : ولقد كانت هذه الخصلة الشريفة: الغيرة سمة لأصحابه رضوان الله عليهم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة أو أتيت الجنة فأبصرت قصرا فقلت لمن؟ قالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرة عمر. (رواه البخاري 5226)
وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح (أي بحد السيف لا بعرضه) فقال عليه الصلاة والسلام: أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه، والله أغير مني. وفي رواية: أن سعد بن عبادة قال حين نزلت الآية {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء }النور4 قال: أهكذا أنزلت؟ فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته، فقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون مايقول سيدكم؟ قالوا يا رسول الله فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا عذراء، ولا طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد والله يا رسول الله وإني لأعلم أنها حق، وأنها من عند الله ولكني عجبت.
أيها المسلمون: وقبل أن تكون الغيرة محمدة شرعية حث عليها الدين فهي من مظاهر الرجولة، ومن القيم المتينة، وإن من فقد هذه الغريزة فقد تبلد إحساسه وانتكس طبعه وسقطت رجولته، وصار أخس من الحيوان، ولهذا كان الوعيد شديدا ليزجره وليحمي في نفسه ما فقد من إحساسه وغيرته، ففي مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح (6180 طبعة شاكر) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة،ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة ومنهم الديوث، وهو المتبلد الإحساس فاقد الغيرة الذي لا يبالي بمن دخل على أهله.
أيها الأحبة الغيورون: كل امرئ عاقل، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل الثناء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرما مصونا لا يرتع فيه اللامزون ولا يجوس خلاله العابثون، إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة الشهم يقدم ثروته ليسد أفواها تتطاول عليه بألسنتها أو تناله ببذيء أفعالها، نعم إنه ليصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضا.
بل لا يقف الحد عند هذا، فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته، ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسام المنايا، عندما يرجم بشنيعة تلوث كرامته، يهون على الكرام أن تهان الأجسام، لتسلم العقول والأعراض، وقد بلغ دينكم في ذلك الغاية، حين أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قتل دون عرضه فهو شهيد.
أيها الإخوة: بصيانة العرض، وكرامته، يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية وبتركه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات بهيمية، يقول ابن القيم رحمه الله: إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله.
وإن المتأمل يا عباد الله في واقع الناس في يومهم هذا ليجد مظاهرا وصورا كثيرة تنبي عن ضعف في الغيرة في طوائف من الرجال، ومع الأسف أنهم لا يرون ذلك شيئا منكرا وأذنوا بحديث أذكر فيه بعض هذه المظاهر والصور, فمن ذلك: السماح للنساء بالتردد على الأسواق لحاجة ودونما حاجة متبرجات متبخترات غير مستترات ولا محتشمات دون اكتراث بما يصيبهن من الفتنة، ومخاطبة الأجانب لهن، وأقبح من هذا ما يطلبه بعض السفهاء من زوجاتهم أن يلبسن الجلباب المزركش والعباءة الجذابة ذات الأكمام الواسعة ثم ليستعرض بها هذا السفيه أمام الناس لينظر إليها كل ساقط وشريف.
ومن مظاهر ضعف الغيرة إدخال الخدم من الرجال في البيوت وبين النساء، وترك المرأة تذهب وتجيء مع السائق وحيدين منفردين، ولا يعلم هؤلاء القوامون الأولياء أن المرأة
إذا خلت بالرجل فثالثهما الشيطان، كما صح ذلك الخبر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ودع عنك ما يقوله بعض المغفلين إذا نصح قال: إني واثق من أهلي وأنا أعرفهم جيدا.
ورحم الله الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة في زمنه إذ قال: ائمنوني على خزائن الدنيا كلها ولا تأمنوني على جارية سوداء.
عباد الله: ومن مظاهر ضعف الغيرة ما ابتلي به كثير من الناس {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }يوسف103 إذ أدخلوا في بيوتهم وسائل الشر من الشاشات الفاجرة والمجلات العفنة التي تبث كل منكر وتقضي على كل فضيلة وثالثة الأثافي ورأس البلاء أن هذه الوسائل تلقى بين النساء والفتيات فبالله عليكم أيها الأخوة ما شعور المرأة بل الفتاة وهي تنظر بكل شغف وتركيز إلى الشاب الوسيم والرجل الممتلئ حيوية وقصة الغرام تدور عليه كلها والنساء يطاردنه في كل مكان فأين الدين أيها المسلمون وأين الفضيلة والغيرة بل أين العروبة والمروءة؟
ومن الصور التي تزعزع الغيرة في المجتمع رضى البعض أن تذهب زوجته أو يذهب بها إلى طبيب رجل مع وجود الطبيبة المرأة،ومعلوم ما يحتاجه الطبيب من كشف على مريضه واطلاع على أدق أجزاء بدنها أحيانا
ألا فاتقوا الله عباد الله، واسألوا الله الستر والعفاف، فإن أعظم نكبة تلحق بالمرء أن يصاب في عرضه:
عمر الفتى ذكره لا طول مدته **** وموته خزيه لا موته الثاني
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، ورزقنا الاستنان بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله مالك الملك، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أعظم فتنة كانت سببا في هلاك بني إسرائيل هي فتنة النساء، ومن أجل ذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم باتقائهن، وقرن الوصية في ذلك بالوصية في اتقاء الدنيا لتشابه الفتنة بهما، فقال: ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء.
قيا أولي البصائر والعقول من أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، هذه وصية نبيكم فأين المستجيب ويا أصحاب الغيرة وحماة الأخلاق إن المرأة في كل اتجاهاتها عورة وإكرام العورة سترها وصون مباهجها، ففي ذلك حفظ لشرفها وإبقاء عليها.
إن حد القذف أيها المسلمون لم يشرع إلا لحفظ الأعراض، وما طلب في إثبات حد من الحدود أربعة شهود إلا في حد جريمة الزنا، ولا بد للشهود أن يثبتوا أنهم رأوا أدق التفاصيل وفي هذا التشديد إغلاق لباب الاتهام، ولذا لم يثبت في تاريخ الإسلام أن جريمة زنا صريحة ثبتت بشهادة شهود كما ذكر ذلك بعض أهل العلم.
أيها المسلمون: حرص الشرع المطهر على بقاء الأعراض نقية طاهرة حتى من أقل كلمة، ألا فليتق الله كل مسلم، وليجنب أهله وبيته كل ما فيه داعية إلى خدش العرض والتردي في المزالق القاتلة، وإن النساء عباد الله كما وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقصات عقل ودين، ونقص العقل مظنة التقصير والتفريط، وقصر النظر يدفع صاحبه إلى الانسياق بالعاطفة دون تحكيم العقل، وإلى تحقيق الرغبة الجامحة، فإذا تلوث العرض واستبيح سياج الشرف ندم المفرط فاقد الغيرة، لأنه مهد للجريمة بتفريطه وتبلد إحساسه وهيهات أن ينفع الذم بعد السقوط.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
الغيرة على الأعراض
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، أحمده سبحانه، كل الخلائق بين يديه موقوفون ومحاسبون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عما يقول الظالمون وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله الصادق المأمون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: لقد خلق الله النفس الإنسانية وألقى فيها بذرة الفضيلة ليعيش الإنسان في طمأنينة وسكون حتى إذا جاء الإسلام تعاهد تلك البذرة بالسقي والرعاية، وصانها عن كل ما يخدش سياجها، ولا غرو ففي الفضيلة متعة وأمان، وفي مهاوي الرذيلة بلبلة وذلة وهوان، وكم للفضيلة من حصن امتنع به أولوا البصائر فكان لهم خير ملاذ، وكانوا بذلك محسنين وكم للرذيلة من صرعى تردوا في مهالكها، وتخبطوا في ظلماتها فأعقبهم ذلك حسرة وكانوا بذلك نادمين.
أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شاب، وقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنى، فأقبل عليه الناس يزجرونه، وأدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه منه، وجعل يناقشه في طلبه، ويقول أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعرض له المحارم ويقول: أفتحبه لأختك لعمتك لخالتك، ويجيبه الشاب بالنفي، حتى أقنعه النبي صلى الله عليه وسلم بخطئه، وأفهمه أن الغيرة التي يجدها في نفسه على محارمه يجدها كل الناس في أنفسهم على محارمهم، ولن يرضى أصحاب الشهامة والغيرة بحال من الأحوال أن تخدش أعراضهم، أو أن يوطأ شرفهم.
ومعنى هذا أيها الإخوة أن الغيرة غريزة من الغرائز البشرية وطبع ركبت عليه النفوس الشريفة، ويعظم حفاظ الإنسان على عرضه بحسب قوة الغيرة عنده، وتأملوا حال إمام الشرفاء سيد ولد آدم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع من حجر في دار النبي صلى الله عليه وسلم وهو عليه الصلاة والسلام يحك (أي يمشط) رأسه بالمدري (هو مشط من حديد أو من خشب) فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جعل الإذن من قبل الإبصار. (البخاري 5924)
عباد الله : ولقد كانت هذه الخصلة الشريفة: الغيرة سمة لأصحابه رضوان الله عليهم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة أو أتيت الجنة فأبصرت قصرا فقلت لمن؟ قالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرة عمر. (رواه البخاري 5226)
وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح (أي بحد السيف لا بعرضه) فقال عليه الصلاة والسلام: أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه، والله أغير مني. وفي رواية: أن سعد بن عبادة قال حين نزلت الآية {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء }النور4 قال: أهكذا أنزلت؟ فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته، فقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون مايقول سيدكم؟ قالوا يا رسول الله فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا عذراء، ولا طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد والله يا رسول الله وإني لأعلم أنها حق، وأنها من عند الله ولكني عجبت.
أيها المسلمون: وقبل أن تكون الغيرة محمدة شرعية حث عليها الدين فهي من مظاهر الرجولة، ومن القيم المتينة، وإن من فقد هذه الغريزة فقد تبلد إحساسه وانتكس طبعه وسقطت رجولته، وصار أخس من الحيوان، ولهذا كان الوعيد شديدا ليزجره وليحمي في نفسه ما فقد من إحساسه وغيرته، ففي مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح (6180 طبعة شاكر) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة،ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة ومنهم الديوث، وهو المتبلد الإحساس فاقد الغيرة الذي لا يبالي بمن دخل على أهله.
أيها الأحبة الغيورون: كل امرئ عاقل، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل الثناء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرما مصونا لا يرتع فيه اللامزون ولا يجوس خلاله العابثون، إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة الشهم يقدم ثروته ليسد أفواها تتطاول عليه بألسنتها أو تناله ببذيء أفعالها، نعم إنه ليصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضا.
بل لا يقف الحد عند هذا، فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته، ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسام المنايا، عندما يرجم بشنيعة تلوث كرامته، يهون على الكرام أن تهان الأجسام، لتسلم العقول والأعراض، وقد بلغ دينكم في ذلك الغاية، حين أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قتل دون عرضه فهو شهيد.
أيها الإخوة: بصيانة العرض، وكرامته، يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية وبتركه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات بهيمية، يقول ابن القيم رحمه الله: إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله.
وإن المتأمل يا عباد الله في واقع الناس في يومهم هذا ليجد مظاهرا وصورا كثيرة تنبي عن ضعف في الغيرة في طوائف من الرجال، ومع الأسف أنهم لا يرون ذلك شيئا منكرا وأذنوا بحديث أذكر فيه بعض هذه المظاهر والصور, فمن ذلك: السماح للنساء بالتردد على الأسواق لحاجة ودونما حاجة متبرجات متبخترات غير مستترات ولا محتشمات دون اكتراث بما يصيبهن من الفتنة، ومخاطبة الأجانب لهن، وأقبح من هذا ما يطلبه بعض السفهاء من زوجاتهم أن يلبسن الجلباب المزركش والعباءة الجذابة ذات الأكمام الواسعة ثم ليستعرض بها هذا السفيه أمام الناس لينظر إليها كل ساقط وشريف.
ومن مظاهر ضعف الغيرة إدخال الخدم من الرجال في البيوت وبين النساء، وترك المرأة تذهب وتجيء مع السائق وحيدين منفردين، ولا يعلم هؤلاء القوامون الأولياء أن المرأة
إذا خلت بالرجل فثالثهما الشيطان، كما صح ذلك الخبر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ودع عنك ما يقوله بعض المغفلين إذا نصح قال: إني واثق من أهلي وأنا أعرفهم جيدا.
ورحم الله الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة في زمنه إذ قال: ائمنوني على خزائن الدنيا كلها ولا تأمنوني على جارية سوداء.
عباد الله: ومن مظاهر ضعف الغيرة ما ابتلي به كثير من الناس {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }يوسف103 إذ أدخلوا في بيوتهم وسائل الشر من الشاشات الفاجرة والمجلات العفنة التي تبث كل منكر وتقضي على كل فضيلة وثالثة الأثافي ورأس البلاء أن هذه الوسائل تلقى بين النساء والفتيات فبالله عليكم أيها الأخوة ما شعور المرأة بل الفتاة وهي تنظر بكل شغف وتركيز إلى الشاب الوسيم والرجل الممتلئ حيوية وقصة الغرام تدور عليه كلها والنساء يطاردنه في كل مكان فأين الدين أيها المسلمون وأين الفضيلة والغيرة بل أين العروبة والمروءة؟
ومن الصور التي تزعزع الغيرة في المجتمع رضى البعض أن تذهب زوجته أو يذهب بها إلى طبيب رجل مع وجود الطبيبة المرأة،ومعلوم ما يحتاجه الطبيب من كشف على مريضه واطلاع على أدق أجزاء بدنها أحيانا
ألا فاتقوا الله عباد الله، واسألوا الله الستر والعفاف، فإن أعظم نكبة تلحق بالمرء أن يصاب في عرضه:
عمر الفتى ذكره لا طول مدته **** وموته خزيه لا موته الثاني
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، ورزقنا الاستنان بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله مالك الملك، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أعظم فتنة كانت سببا في هلاك بني إسرائيل هي فتنة النساء، ومن أجل ذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم باتقائهن، وقرن الوصية في ذلك بالوصية في اتقاء الدنيا لتشابه الفتنة بهما، فقال: ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء.
قيا أولي البصائر والعقول من أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، هذه وصية نبيكم فأين المستجيب ويا أصحاب الغيرة وحماة الأخلاق إن المرأة في كل اتجاهاتها عورة وإكرام العورة سترها وصون مباهجها، ففي ذلك حفظ لشرفها وإبقاء عليها.
إن حد القذف أيها المسلمون لم يشرع إلا لحفظ الأعراض، وما طلب في إثبات حد من الحدود أربعة شهود إلا في حد جريمة الزنا، ولا بد للشهود أن يثبتوا أنهم رأوا أدق التفاصيل وفي هذا التشديد إغلاق لباب الاتهام، ولذا لم يثبت في تاريخ الإسلام أن جريمة زنا صريحة ثبتت بشهادة شهود كما ذكر ذلك بعض أهل العلم.
أيها المسلمون: حرص الشرع المطهر على بقاء الأعراض نقية طاهرة حتى من أقل كلمة، ألا فليتق الله كل مسلم، وليجنب أهله وبيته كل ما فيه داعية إلى خدش العرض والتردي في المزالق القاتلة، وإن النساء عباد الله كما وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقصات عقل ودين، ونقص العقل مظنة التقصير والتفريط، وقصر النظر يدفع صاحبه إلى الانسياق بالعاطفة دون تحكيم العقل، وإلى تحقيق الرغبة الجامحة، فإذا تلوث العرض واستبيح سياج الشرف ندم المفرط فاقد الغيرة، لأنه مهد للجريمة بتفريطه وتبلد إحساسه وهيهات أن ينفع الذم بعد السقوط.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى