رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ/ إبراهيم بن صالح العجلان
عقيدة الهيكل وأحلام السلام
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين
إنَّ الله عز وجل قد نبأنا من أخبار يهود ما يفضح مكائدهم, ويكشف طبائعهم ويجلي سوءاتهم.
فقد أخبر عنهم ربهم - وهو أعلم بهم - بأنَّهم أهل مكر وخديعة, وكبر واستكبار، وضلال وإضلال، وصدّ عن سبيل الله؛ يثيرون الفتن, ويوقدون الحروب، كتموا الحق, وقتلوا الأنبياء, وسبوا الله, وعادوا الملائكة.
ينقضون العهود ويخونون المواثيق: (وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ).
هم أشد الناس عداوة للمؤمنين، ولذا حذرنا ربنا تبارك وتعالى من الركون إليهم, أو السعي وراء خطواتهم.
وحتى لا نقع في حبائلهم, ونؤتى من غفلتنا، لا بد من الوقوف على مخططاتهم ومكرهم الكبَّار تُجاه قضايا المسلمين.
واستبانة سبيل المجرمين منهج رباني مقرَّر في كتاب ربنا تعالى: (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ).
نقف إخوة الإيمان مع قضية مسلَّمة في ديانة اليهود لا تقبل النقاش, ولا التفاوض ولا المساومة.
عقيدة متأصلة في نفوسهم غائرة في صدورهم.
عقيدة ما جاءوا إلى فلسطين واحتلوا أرضها إلا من أجلها.
عقيدة تنسف كل أحلام السلام والتعايش السلمي المزعوم.
عقيدة يسعى اليهود نحوها سعياً حثيثاً.
ونسأل الله أن لا نراها تتحقّق في على أرض الواقع, وأن يرحمنا بميتة تكون بطون الأرض خيراً لنا من أن نرى تحقق هذه العقيدة الصهيونية.
إنها عقيدة يهود في هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
إخوة الإيمان والعقيدة
الهيكل: كلمة تعني البيت الكبير, ثم أطلقت هذه الكلمة على كل مكان يُتخذُ للعبادة.
والهيكل في عقيدة يهود بمعنى البيت المقدس, أو بيت الرب أو الإله.
وتذكر الحقائق والوثائق التاريخية أنَّ نبي الله سليمان عليه السلام بنى المسجد الأقصى بعد إبراهيم عليه السلام على هيئة عظيمة، فنُسب هذا البناء إليه، وأطلق اليهود عليه هيكل سليمان.
ويزعم اليهود أنَّ سليمان عليه السلام بناه فوق جبل موريا، وهو جبل بيت المقدس، الذي يوجد عليه الآن المسجد الأقصى، ومسجد قبة الصخرة، ويسمي اليهود هذا الجبل بجبل الهيكل.
استمر بناء سليمان عليه السلام أكثر من ثلاثة قرون حتى هدم على يد بُختنصَّر البابلي، وبقي البيت المقدس خراباً عقوداً من الزمن, ثم أعيد بعد ذلك بناؤه، وأمَّه الأنبياء والصالحون, فصلّى فيه زكريا وابنه يحيى, ثم بعدهما عيسى بن مريم صلوات الله وسلامه عليهم.
ونحن المسلمون أحق بسليمان من اليهود، الذين لم يعترفوا بنبوته، وإنّما أسموه ملكاً.
وسليمان عليه السلام إنما بنى المسجد لعبادة الله وتوحيده وتعظيمه, فأين هذا من شرك اليهود, وسبهم لربهم سبحانه وتعالى, وقتلهم لإخوانه الأنبياء.
فسليمان عليه السلام بريء من اليهود وجرمهم وبهتانهم, وإن انتسبوا إليه, وتمسحوا بأتباعه.
عباد الله
إنَّ اليهود ما جاءوا إلى فلسطين من أجل البحث عن أرضٍ يستوطنوها, وبلد يؤون إليه, وإنما جاءوا لعقيدة صهيونية, ونبوءة توراتية مزعومة يسعون لتحقيقها.
وهذه العقيدة تتلخّص في السيطرة على القدس، والتي أسموها ارض الميعاد, ومن ثَمّ هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم.
وبعد هذا البناء – بزعمهم - سينتظرون خروج مسيحهم المنتظر، والذي على يديه سيكون خلاص اليهود، ويحكم فيه العالم ألف سنة.
وسيحارب هذا المسيح أعداء السامية, والذين هم أعداء اليهود كما زعموا، وسيحكم فيهم مسيحهم الذي ينتظرونه بالشريعة اليهودية.
وهذا الاعتقاد في الهيكل يؤمن به جميع الصهاينة على اختلاف أحزابهم.
يقول ابن جوريون، وهو أول رئيس وزراء لدولة يهود: "لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل".
ويقول الحاخام الهالك مائير كاهانا، في صفاقة وتبجح وجرأة على الجبار جل جلاله: "إنَّ إزالة المسجد الأقصى وقبة الصخرة واجب يقتضيه الدين اليهودي، وإنَّ المعركة دينية، ولكل شعب إله يحميه، وإذا استطاع الله أن يحمي مساجده فليفعل في مواجهة التصميم اليهودي على إعادة بناء هيكل سليمان محل المساجد الإسلامية". اهـ
فأرض الميعاد انتزعها اليهود بالدم والدمع كما يقولون، وهي أرض تقبل الزيادة ولا تقبل التجزئة، وفي تلمودهم المقدَّس: "القدس ستتوسع في آخر الزمان حتى تصل إلى دمشق"!!.
وحينما اجتاح الجيش اليهودي القدس الشرقية وأخذوها من المسلمين، وقف وزير الدفاع اليهودي موشي ديان أمام حائط المبكى وقال: "لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة, وعدنا إلى أكثر أماكننا قداسة, ولن نغادرها أبداً".
إخوة الإسلام
ومن عقائد اليهود في الهيكل:
أنَّ الهيكل لن يكون إلا بعد خروج البقرة الحمراء, فيعتقدون أنه لا بد أن تولد بقرةٌ حمراء خالصة، لا عيب فيها، ثم بعد ثلاثة أعوام من عمرها تُحرق, حتى إذا كانت رماداً تطهرَ اليهود برمادها, ثم شرعوا في بناء الهيكل، لأن الهيكل في زعمهم لا يعمّره بالعبادة إلا أناس متطهرون.
ومن طقوسهم في الهيكل:
أنَّ اليهود يصومون يوما معيناً في السنة، ويقولون هذا اليوم هو اليوم الذي هُدِمَ فيه الهيكل.
وإذا كان هناك زواج يأتون بكأس فيكسرونه أمام الزوجين ويقولون: "اذكروا تكسير الهيكل!".
وكلّ ذلك من اجل ربط أبنائهم بقدسية الهيكل وتعظيمه.
إخوة الإيمان
ليست قضية بناء الهيكل مجرد حلم صهيوني وليست أسطورة خرافية، بل إنَّ الصهاينة قد سعوا بخطوات عمليّة ماكرة لتحقيق بناء هذا الهيكل.
ومن تلك الخطوات:
العمل الدءوب على تهويد مدينة القدس، وتغيير معالم المدينة جغرافياً من خلال هدم المساجد والآثار الإسلامية، ومصادرة الأوقاف والمدارس، مع إنشاء آثار يهودية تذكر اليهود بعراقة دينهم، ناهيك عن بناء المستوطنات اليهودية، وتهجير سكان القدس من مدينتهم.
وكلّ ذلك لجعل القدس مدينة يهودية صرفة تمهيداً لبناء الهيكل فيها.
ومن خطواتهم في بناء الهيكل:
أعمال الحفر، والتي بدأت منذ أكثر من أربعين سنة إلى يومنا هذا، وذلك بحجة البحث عن آثار هيكل سليمان القديم، والهدف الحقيقي هو تفريغ الأرض التي تحت المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، ومن ثم انهيارها لا قدر الله تحت أي هزة طبيعية أو صناعية مفتعلة.
ومن خطواتهم في بناء الهيكل:
أنَّ الحكومة اليهودية قد صرّحت رسميّاً لعشرات المنظمات اليهودية للعمل من أجل بناء الهيكل، ومن أشهرها جماعة أمناء الهيكل، والتي تلقى دعماً واسعاً داخل دويلة اليهود وخارجها، ويقيمون الندوات والمؤتمرات، ويجمعون التبرعات من أثرياء اليهود من أجل الهيكل.
بل إنَّ الصهاينة قد فتحوا مدارس دينية الهدف منها وغايتها تعليم الناشئة وتعريفهم بمعالم الهيكل الجديد وضخامة مساحته, ودقة هندسته, وإتقان خدماته، وهذه المنظمات والجماعات تنتظر فقط الإشارة الخضراء قيام ببناء الهيكل.
إخوة الإيمان
يقول الله تعالى عن طبيعة اليهود: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ).
فاليهود لم يحققوا أهدافهم, ولن يحققوها إلا بحبل من النصارى!.
وما أقام اليهود دولتهم في أرض الإسراء إلا بمعونة من النصارى الانجليز، وما أعلنوا القدس عاصمة لهم إلا بعد تأييد العالم النصراني لهم.
وما نقلت أمريكا سفارتها من تل أبيب إلى القدس إلا من أجل تأكيد هذا الاعتراف!.
وحتى بناء الهيكل المزعوم لم يجرؤ اليهود عليه, ويتنادون إليه إلا بتأييد من النصارى.
ومن تعاليم النصرانية البروتستانتية المنتظرة: عودة المسيح ابن مريم مرة ثانية، في آخر الزمان، وهم يعتقدون أنهم سيحكمون الأرض معه ، ويؤمّل النصارى بتنصُّر اليهود بعد نزوله، وهذا النزول لن يتحقق في عقيدتهم إلا بأمور ثلاثة:
أولا: قيام دولة إسرائيل.
ثانيا: أن تصبح القدس عاصمة يهودية.
ثالثا: بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.
ومما يحقّق هذه النبوة أيضاً: عقيدة نصرانية صهيونية تؤمن بأن تدمير مملكة بابل هو السبيل لضمان عدم زوال إسرائيل، وبابل هي العراق.
ولذا قال هنري كسنجر اليهودي، راسمُ السياسة الإستراتيجية الأمريكية: "الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد"!!.
وأصحاب هذه العقيدة الإنجيلية الصهيونية لهم نفوذ في كثير من دول أوروبا وأمريكا، ولهم وسائل إعلام ونفوذ سياسي واقتصادي مؤثر جداً، وهناك عشرات الكنائس النصرانية تبشّر بهدم الأقصى وبناء الهيكل وانتظار المسيح.
فاجتمع على المسلمين في اغتيال أقصاهم أصحاب الديانة اليهودية والنصرانية البروتستانتية: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم.
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام على عبده المصطفى, وعلى أله وصحبه ومن اجتبى, أما بعد.
فإنَّ الحقيقة مُرَّة, والواقع مخيف ومفزع, ونذر تهدّم الأقصى تلوح في الأفق ليل نهار, وأساساته على وشك الانهيار، وأسواره تواجه الاندثار، والاعتداء عليه متكرّر باستمرار.
ووالله، يا عباد الله، لئن خَلُص أرذل الخلق إلى أقصانا، وأنهوا مؤامراتهم فيه، رغم أنف مليار مسلم، ليبقى وصمة عارٍ، لا يمحوه زمان، ولا يغسله ماء.
وليس من المنطق أمام هذه المؤامرة على اغتيال الأقصى أن يقال: بأنَّ للبيت ربّ يحميه.
نعم للبيت رب يحميه, وأمر الله بين الكاف والنون: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ). والله تعالى قد جعل لكل شيء سبباً, فإذا أخذوا بالأسباب المادية، وغفلنا عنها وتجاهلناها كانت الغلبة والدائرة لهم.
والواقع الذي نعيشه وتشهد له الأيام، أنَّ اليهود ماضون وجادون.
فقد خططوا قبل قرن من الزمان لرسم دولتهم فأقاموها، ثم خططوا لاتخاذ القدس عاصمة لهم فحققوا مقصدهم، وهم الآن يتحركون لبناء الهيكل وهدم الأقصى، وهو أمر قد يقع, وليس ثمّة نص شرعي يمنع من وقوعه.
ونسأل الله عز وجل ألا يقع، وأن لا نرى أقصانا يتهاوى على يد أرذل الخليقة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه:
ماذا قدم المسلمون تجاه هذا الاحتمال؟!.
وما العدة التي أعدوها؟!.
وما القوة التي بنوها تجاه هذه الكارثة؟!.
وهل واقعنا وحالنا نحن المسلمين يتناسب مع تلك الأخطار؟!.
ما هو دور إعلام المسلمين أمام هذه القضية المفزعة؟!.
لماذا تُخدر الشعوب الإسلامية وتُصرَف عن قضاياها المصيرية بالأمور التافهة؟!.
ثم ماذا قدمنا للأقصى من فعال, أو حتى من كلام يكفي لرفع الإثم عنا؟!.
عباد الله
إنَّ المصارحة في حل قضايا الأمة المصيرية هو مفتاح العلاج، وبداية الخلاص.
ومن أمانة الكلمة أن يقال:
يهود الأمس، هم يهود اليوم، وهم يهود الغد، لا يفهمون إلا لغة القوة، وإنّ جميع ما اغتصبوا من مقدساتنا لم يأخذوه إلا بالقوة، وإذا رأوا منا انبطاحاً وذلّاً، ازدادوا تسلطاً وعلوّاً.
وليس لقضيتنا مع هؤلاء الأرجاس الأنجاس إلا المقاومة والمدافعة، فهي دليل على حياة الشعوب، ومؤشر على كرامتها، ولا يرضى الذل أو الاستذلال إلا من سفه نفسه، وفقد إنسانيته.
فإذا لم نَغِر على مقدساتنا فعلى أي شيء نغار؟!.
وإذا لم ترخص الأرواح لأجل القدس فعلى الأمة السلام.
فلا مناورات, ولا مؤتمرات مع قضية القدس، فالقدس لم تحرر عبر تاريخنا إلا بالجهاد.
لقد فتحها الفاروق وانتزعها من أيدي النصارى الرومان بالجهاد.
واستردها صلاح الدين من أيدي الصليبيين بالجهاد.
أمّا نحن فقد ضيّعناها حينما ركنّا إلى الدنيا, ورضينا بالزرع, وتبايعنا بالربا، وأمتنا الجهاد، ورفعانا رايات القومية ردحاً من الزمن بدلاً عن الإسلام، حتى أذلنا أرذل الخلق.
هذه حقيقة لا بد أن تقال، وأن تستقر في النفوس، بدلا أن نُخدَّر بتعايش سلمي مع أقوام لا زالت أيديهم ملطخة بدمائنا، ورجسهم يدنس مقدساتنا.
إنَّ من يرجو سلاماً مع يهود، ووفاء بعهدهم، فهو كمن يطلب في الماء جذوة نار، لأنهم تعلمهم توراتهم المحرفة: "أن لا تقطعوا عهداً مع سكان هذه الأرض".
وهذه حقيقة مؤكدة في كتاب ربنا، وصدقها واقعنا: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ).
قصة القدس دماء وجراح وكرامات طعينة.
ليست القدس شعاراً عربيا كي نخونه.
ليست القدس مناخاً للسياحات المشينة.
إنها القدس.. وحسبي أنها أخت المدينة.
بسط البغي لها كفّاً من الغدر لعينة.
كف جزّار رهيب جعل الإرهاب دينه.
واقرءوا القرآن يا قومي، لم لا تقرؤونه؟!.
كم نبي وتقي دون حق يقتلونه.
كم عهود خفروها واتفاق يهدرونه.
لو هدمتم لهم الأقصى ودمرتم حصونه.
وبنيتم لهم الهيكل أم ما يطلبونه.
ثم أهديتم فلسطين لهم دون مئونة.
طالبوكم عبر أمريكا وأوروبا بإبداء المرونة.
هذه القصة لا سلم، ولا ما يحزنونه.
عقيدة الهيكل وأحلام السلام
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين
إنَّ الله عز وجل قد نبأنا من أخبار يهود ما يفضح مكائدهم, ويكشف طبائعهم ويجلي سوءاتهم.
فقد أخبر عنهم ربهم - وهو أعلم بهم - بأنَّهم أهل مكر وخديعة, وكبر واستكبار، وضلال وإضلال، وصدّ عن سبيل الله؛ يثيرون الفتن, ويوقدون الحروب، كتموا الحق, وقتلوا الأنبياء, وسبوا الله, وعادوا الملائكة.
ينقضون العهود ويخونون المواثيق: (وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ).
هم أشد الناس عداوة للمؤمنين، ولذا حذرنا ربنا تبارك وتعالى من الركون إليهم, أو السعي وراء خطواتهم.
وحتى لا نقع في حبائلهم, ونؤتى من غفلتنا، لا بد من الوقوف على مخططاتهم ومكرهم الكبَّار تُجاه قضايا المسلمين.
واستبانة سبيل المجرمين منهج رباني مقرَّر في كتاب ربنا تعالى: (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ).
نقف إخوة الإيمان مع قضية مسلَّمة في ديانة اليهود لا تقبل النقاش, ولا التفاوض ولا المساومة.
عقيدة متأصلة في نفوسهم غائرة في صدورهم.
عقيدة ما جاءوا إلى فلسطين واحتلوا أرضها إلا من أجلها.
عقيدة تنسف كل أحلام السلام والتعايش السلمي المزعوم.
عقيدة يسعى اليهود نحوها سعياً حثيثاً.
ونسأل الله أن لا نراها تتحقّق في على أرض الواقع, وأن يرحمنا بميتة تكون بطون الأرض خيراً لنا من أن نرى تحقق هذه العقيدة الصهيونية.
إنها عقيدة يهود في هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
إخوة الإيمان والعقيدة
الهيكل: كلمة تعني البيت الكبير, ثم أطلقت هذه الكلمة على كل مكان يُتخذُ للعبادة.
والهيكل في عقيدة يهود بمعنى البيت المقدس, أو بيت الرب أو الإله.
وتذكر الحقائق والوثائق التاريخية أنَّ نبي الله سليمان عليه السلام بنى المسجد الأقصى بعد إبراهيم عليه السلام على هيئة عظيمة، فنُسب هذا البناء إليه، وأطلق اليهود عليه هيكل سليمان.
ويزعم اليهود أنَّ سليمان عليه السلام بناه فوق جبل موريا، وهو جبل بيت المقدس، الذي يوجد عليه الآن المسجد الأقصى، ومسجد قبة الصخرة، ويسمي اليهود هذا الجبل بجبل الهيكل.
استمر بناء سليمان عليه السلام أكثر من ثلاثة قرون حتى هدم على يد بُختنصَّر البابلي، وبقي البيت المقدس خراباً عقوداً من الزمن, ثم أعيد بعد ذلك بناؤه، وأمَّه الأنبياء والصالحون, فصلّى فيه زكريا وابنه يحيى, ثم بعدهما عيسى بن مريم صلوات الله وسلامه عليهم.
ونحن المسلمون أحق بسليمان من اليهود، الذين لم يعترفوا بنبوته، وإنّما أسموه ملكاً.
وسليمان عليه السلام إنما بنى المسجد لعبادة الله وتوحيده وتعظيمه, فأين هذا من شرك اليهود, وسبهم لربهم سبحانه وتعالى, وقتلهم لإخوانه الأنبياء.
فسليمان عليه السلام بريء من اليهود وجرمهم وبهتانهم, وإن انتسبوا إليه, وتمسحوا بأتباعه.
عباد الله
إنَّ اليهود ما جاءوا إلى فلسطين من أجل البحث عن أرضٍ يستوطنوها, وبلد يؤون إليه, وإنما جاءوا لعقيدة صهيونية, ونبوءة توراتية مزعومة يسعون لتحقيقها.
وهذه العقيدة تتلخّص في السيطرة على القدس، والتي أسموها ارض الميعاد, ومن ثَمّ هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم.
وبعد هذا البناء – بزعمهم - سينتظرون خروج مسيحهم المنتظر، والذي على يديه سيكون خلاص اليهود، ويحكم فيه العالم ألف سنة.
وسيحارب هذا المسيح أعداء السامية, والذين هم أعداء اليهود كما زعموا، وسيحكم فيهم مسيحهم الذي ينتظرونه بالشريعة اليهودية.
وهذا الاعتقاد في الهيكل يؤمن به جميع الصهاينة على اختلاف أحزابهم.
يقول ابن جوريون، وهو أول رئيس وزراء لدولة يهود: "لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل".
ويقول الحاخام الهالك مائير كاهانا، في صفاقة وتبجح وجرأة على الجبار جل جلاله: "إنَّ إزالة المسجد الأقصى وقبة الصخرة واجب يقتضيه الدين اليهودي، وإنَّ المعركة دينية، ولكل شعب إله يحميه، وإذا استطاع الله أن يحمي مساجده فليفعل في مواجهة التصميم اليهودي على إعادة بناء هيكل سليمان محل المساجد الإسلامية". اهـ
فأرض الميعاد انتزعها اليهود بالدم والدمع كما يقولون، وهي أرض تقبل الزيادة ولا تقبل التجزئة، وفي تلمودهم المقدَّس: "القدس ستتوسع في آخر الزمان حتى تصل إلى دمشق"!!.
وحينما اجتاح الجيش اليهودي القدس الشرقية وأخذوها من المسلمين، وقف وزير الدفاع اليهودي موشي ديان أمام حائط المبكى وقال: "لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة, وعدنا إلى أكثر أماكننا قداسة, ولن نغادرها أبداً".
إخوة الإسلام
ومن عقائد اليهود في الهيكل:
أنَّ الهيكل لن يكون إلا بعد خروج البقرة الحمراء, فيعتقدون أنه لا بد أن تولد بقرةٌ حمراء خالصة، لا عيب فيها، ثم بعد ثلاثة أعوام من عمرها تُحرق, حتى إذا كانت رماداً تطهرَ اليهود برمادها, ثم شرعوا في بناء الهيكل، لأن الهيكل في زعمهم لا يعمّره بالعبادة إلا أناس متطهرون.
ومن طقوسهم في الهيكل:
أنَّ اليهود يصومون يوما معيناً في السنة، ويقولون هذا اليوم هو اليوم الذي هُدِمَ فيه الهيكل.
وإذا كان هناك زواج يأتون بكأس فيكسرونه أمام الزوجين ويقولون: "اذكروا تكسير الهيكل!".
وكلّ ذلك من اجل ربط أبنائهم بقدسية الهيكل وتعظيمه.
إخوة الإيمان
ليست قضية بناء الهيكل مجرد حلم صهيوني وليست أسطورة خرافية، بل إنَّ الصهاينة قد سعوا بخطوات عمليّة ماكرة لتحقيق بناء هذا الهيكل.
ومن تلك الخطوات:
العمل الدءوب على تهويد مدينة القدس، وتغيير معالم المدينة جغرافياً من خلال هدم المساجد والآثار الإسلامية، ومصادرة الأوقاف والمدارس، مع إنشاء آثار يهودية تذكر اليهود بعراقة دينهم، ناهيك عن بناء المستوطنات اليهودية، وتهجير سكان القدس من مدينتهم.
وكلّ ذلك لجعل القدس مدينة يهودية صرفة تمهيداً لبناء الهيكل فيها.
ومن خطواتهم في بناء الهيكل:
أعمال الحفر، والتي بدأت منذ أكثر من أربعين سنة إلى يومنا هذا، وذلك بحجة البحث عن آثار هيكل سليمان القديم، والهدف الحقيقي هو تفريغ الأرض التي تحت المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، ومن ثم انهيارها لا قدر الله تحت أي هزة طبيعية أو صناعية مفتعلة.
ومن خطواتهم في بناء الهيكل:
أنَّ الحكومة اليهودية قد صرّحت رسميّاً لعشرات المنظمات اليهودية للعمل من أجل بناء الهيكل، ومن أشهرها جماعة أمناء الهيكل، والتي تلقى دعماً واسعاً داخل دويلة اليهود وخارجها، ويقيمون الندوات والمؤتمرات، ويجمعون التبرعات من أثرياء اليهود من أجل الهيكل.
بل إنَّ الصهاينة قد فتحوا مدارس دينية الهدف منها وغايتها تعليم الناشئة وتعريفهم بمعالم الهيكل الجديد وضخامة مساحته, ودقة هندسته, وإتقان خدماته، وهذه المنظمات والجماعات تنتظر فقط الإشارة الخضراء قيام ببناء الهيكل.
إخوة الإيمان
يقول الله تعالى عن طبيعة اليهود: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ).
فاليهود لم يحققوا أهدافهم, ولن يحققوها إلا بحبل من النصارى!.
وما أقام اليهود دولتهم في أرض الإسراء إلا بمعونة من النصارى الانجليز، وما أعلنوا القدس عاصمة لهم إلا بعد تأييد العالم النصراني لهم.
وما نقلت أمريكا سفارتها من تل أبيب إلى القدس إلا من أجل تأكيد هذا الاعتراف!.
وحتى بناء الهيكل المزعوم لم يجرؤ اليهود عليه, ويتنادون إليه إلا بتأييد من النصارى.
ومن تعاليم النصرانية البروتستانتية المنتظرة: عودة المسيح ابن مريم مرة ثانية، في آخر الزمان، وهم يعتقدون أنهم سيحكمون الأرض معه ، ويؤمّل النصارى بتنصُّر اليهود بعد نزوله، وهذا النزول لن يتحقق في عقيدتهم إلا بأمور ثلاثة:
أولا: قيام دولة إسرائيل.
ثانيا: أن تصبح القدس عاصمة يهودية.
ثالثا: بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.
ومما يحقّق هذه النبوة أيضاً: عقيدة نصرانية صهيونية تؤمن بأن تدمير مملكة بابل هو السبيل لضمان عدم زوال إسرائيل، وبابل هي العراق.
ولذا قال هنري كسنجر اليهودي، راسمُ السياسة الإستراتيجية الأمريكية: "الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد"!!.
وأصحاب هذه العقيدة الإنجيلية الصهيونية لهم نفوذ في كثير من دول أوروبا وأمريكا، ولهم وسائل إعلام ونفوذ سياسي واقتصادي مؤثر جداً، وهناك عشرات الكنائس النصرانية تبشّر بهدم الأقصى وبناء الهيكل وانتظار المسيح.
فاجتمع على المسلمين في اغتيال أقصاهم أصحاب الديانة اليهودية والنصرانية البروتستانتية: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم.
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام على عبده المصطفى, وعلى أله وصحبه ومن اجتبى, أما بعد.
فإنَّ الحقيقة مُرَّة, والواقع مخيف ومفزع, ونذر تهدّم الأقصى تلوح في الأفق ليل نهار, وأساساته على وشك الانهيار، وأسواره تواجه الاندثار، والاعتداء عليه متكرّر باستمرار.
ووالله، يا عباد الله، لئن خَلُص أرذل الخلق إلى أقصانا، وأنهوا مؤامراتهم فيه، رغم أنف مليار مسلم، ليبقى وصمة عارٍ، لا يمحوه زمان، ولا يغسله ماء.
وليس من المنطق أمام هذه المؤامرة على اغتيال الأقصى أن يقال: بأنَّ للبيت ربّ يحميه.
نعم للبيت رب يحميه, وأمر الله بين الكاف والنون: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ). والله تعالى قد جعل لكل شيء سبباً, فإذا أخذوا بالأسباب المادية، وغفلنا عنها وتجاهلناها كانت الغلبة والدائرة لهم.
والواقع الذي نعيشه وتشهد له الأيام، أنَّ اليهود ماضون وجادون.
فقد خططوا قبل قرن من الزمان لرسم دولتهم فأقاموها، ثم خططوا لاتخاذ القدس عاصمة لهم فحققوا مقصدهم، وهم الآن يتحركون لبناء الهيكل وهدم الأقصى، وهو أمر قد يقع, وليس ثمّة نص شرعي يمنع من وقوعه.
ونسأل الله عز وجل ألا يقع، وأن لا نرى أقصانا يتهاوى على يد أرذل الخليقة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه:
ماذا قدم المسلمون تجاه هذا الاحتمال؟!.
وما العدة التي أعدوها؟!.
وما القوة التي بنوها تجاه هذه الكارثة؟!.
وهل واقعنا وحالنا نحن المسلمين يتناسب مع تلك الأخطار؟!.
ما هو دور إعلام المسلمين أمام هذه القضية المفزعة؟!.
لماذا تُخدر الشعوب الإسلامية وتُصرَف عن قضاياها المصيرية بالأمور التافهة؟!.
ثم ماذا قدمنا للأقصى من فعال, أو حتى من كلام يكفي لرفع الإثم عنا؟!.
عباد الله
إنَّ المصارحة في حل قضايا الأمة المصيرية هو مفتاح العلاج، وبداية الخلاص.
ومن أمانة الكلمة أن يقال:
يهود الأمس، هم يهود اليوم، وهم يهود الغد، لا يفهمون إلا لغة القوة، وإنّ جميع ما اغتصبوا من مقدساتنا لم يأخذوه إلا بالقوة، وإذا رأوا منا انبطاحاً وذلّاً، ازدادوا تسلطاً وعلوّاً.
وليس لقضيتنا مع هؤلاء الأرجاس الأنجاس إلا المقاومة والمدافعة، فهي دليل على حياة الشعوب، ومؤشر على كرامتها، ولا يرضى الذل أو الاستذلال إلا من سفه نفسه، وفقد إنسانيته.
فإذا لم نَغِر على مقدساتنا فعلى أي شيء نغار؟!.
وإذا لم ترخص الأرواح لأجل القدس فعلى الأمة السلام.
فلا مناورات, ولا مؤتمرات مع قضية القدس، فالقدس لم تحرر عبر تاريخنا إلا بالجهاد.
لقد فتحها الفاروق وانتزعها من أيدي النصارى الرومان بالجهاد.
واستردها صلاح الدين من أيدي الصليبيين بالجهاد.
أمّا نحن فقد ضيّعناها حينما ركنّا إلى الدنيا, ورضينا بالزرع, وتبايعنا بالربا، وأمتنا الجهاد، ورفعانا رايات القومية ردحاً من الزمن بدلاً عن الإسلام، حتى أذلنا أرذل الخلق.
هذه حقيقة لا بد أن تقال، وأن تستقر في النفوس، بدلا أن نُخدَّر بتعايش سلمي مع أقوام لا زالت أيديهم ملطخة بدمائنا، ورجسهم يدنس مقدساتنا.
إنَّ من يرجو سلاماً مع يهود، ووفاء بعهدهم، فهو كمن يطلب في الماء جذوة نار، لأنهم تعلمهم توراتهم المحرفة: "أن لا تقطعوا عهداً مع سكان هذه الأرض".
وهذه حقيقة مؤكدة في كتاب ربنا، وصدقها واقعنا: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ).
قصة القدس دماء وجراح وكرامات طعينة.
ليست القدس شعاراً عربيا كي نخونه.
ليست القدس مناخاً للسياحات المشينة.
إنها القدس.. وحسبي أنها أخت المدينة.
بسط البغي لها كفّاً من الغدر لعينة.
كف جزّار رهيب جعل الإرهاب دينه.
واقرءوا القرآن يا قومي، لم لا تقرؤونه؟!.
كم نبي وتقي دون حق يقتلونه.
كم عهود خفروها واتفاق يهدرونه.
لو هدمتم لهم الأقصى ودمرتم حصونه.
وبنيتم لهم الهيكل أم ما يطلبونه.
ثم أهديتم فلسطين لهم دون مئونة.
طالبوكم عبر أمريكا وأوروبا بإبداء المرونة.
هذه القصة لا سلم، ولا ما يحزنونه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى