رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / محمد بن علي السعوي
الإيمان وصفات المؤمنين
الخطبة الأولى
الحمد لله أمر بالإيمان ، وجعل جزاء المؤمنين توفيقًا في الدنيا ، وإحسانًا في الآخرة {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، جعله الله أسوة حسنة للمؤمنين وهو بهم رؤوف رحيم ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فيا أيها المسلمون ـ اتقوا الله وكونوا من عباده المؤمنين . معشر المسلمين ـ لقد أمر الله تعالى بالإيمان به سبحانه ، وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما أنزل من كتب ، وما أرسل من رسل ، بل وبكل ما أخبر الله به تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ} قال ابن كثير رحمه الله : (( يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه ، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل ، بل من باب تكميل الكامل ، وتقريره وتثبيته ، والاستمرار عليه ، كما يقول المؤمن في كل صلاة {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}أي بصرنا فيه ، وزدنا هدى وثبتنا عليه )) وعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، قلي في الإسلام قولا لا أسال عنه أحدًا بعدك ، قال :( قل آمنت بالله فاستقم ) رواه مسلم رحمه الله .فما هو الإيمان أيها المسلمون ؟ وما هي صفات المؤمنين وخصائصهم ؟ وما الذي يترتب على عدم الإيمان ؟
أيها المسلمون :
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال : ( هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) رواه البخاري ومسلم عليهما رحمة الله . هذه هي حقيقة الإيمان وأركانه ، وللإيمان شعب تزبد على سبعين شعبة ، عملها يزيد في إيمان المؤمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) رواه البخاري ومسلم ( واللفظ لمسلم كتاب الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان رقم ( 35 ) 1 / 63 ) وقال صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس وقد أمرهم بالإيمان بالله وحده ، قال : ( هل تدرون ما الإيمان بالله ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم ) رواه البخاري ومسلم ( واللفظ لمسلم 1/48)
أيها المسلمون :
إن الإيمان نية وقول وعمل ، يزيد وينقص ؛ نية بالقلب وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، فلا يكفي التسمي ولا التمني ولا التحلي بدون صدق ، ولا عمل صالح ، قال الحسن البصري رحمه الله : (( ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل )) وذلك بصدق الإيمان ، وحسن الأعمال ، فمن زعم أنه مؤمن وهو لم يستقم على أمر بالطاعة فهو كاذب ، وإن زعم أنه مؤمن ، كما قال تعالى في شأن هذا الصنف من الناس {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }.
أيها المسلمون :
لقد ابتلى الله عباده في هذه الحياة ليعلم سبحانه ـ وهو العليم الخبير ـ الصادق في إيمانه من الكاذب ، قال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ،وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} فالصادقون هم الذين قال الله فيهم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } وأما الكاذبون فهم الذين قال الله فيهم : {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }.
أيها المسلمون :
إن الإيمان يزيد وينقص ، فزيدوا في إيمانكم واحذروا النقص فإن الإيمان يزيد بالقول الحسن والعمل الصالح ، وينقص بضد ذلك ، قال تعالى : {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} وساق البخاري رحمه الله و قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} , ثم قال : فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص . 1 / 16 صحيح البخاري . وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عدي بن عدي أن للإيمان فرائضَ وشرائعَ وحدودًا وسننًا ، فمن استكملها فقد استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان ، فإن أعِشْ فسأبينها لكم حتى تعملوا بها ، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص . رواه البخاري في صحيحه 1 / 8 . ومن مكملات الإيمان أيها المسلمون ـ قول عمار رضي الله عنه : (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار) رواه البخاري في صحيحه 1 / 12 .ومن مكملات الإيمان قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان )رواه أبو داود . ومن مكملات الإيمان حسن الخلق قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ) رواه أبو داود والترمذي عليهما رحمة الله .
أيها المسلمون :
وللإيمان طعم وحلاوة ، ولا يذوق ذلك إلا من رضي بالله وبما جاء عنه سبحانه قال صلى الله عليه وسلم : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا) رواه مسلم . وهذا الطعم له حلاوة ولا يذوقها إلا من توفرت فيه ثلاث خصال ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وان يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) رواه البخاري ومسلم .
أيها المسلمون :
وللمؤمنين الصادقين صفات وعلامات يعرفونها من أنفسهم ويعرفها غيرهم فيهم من ذلك وجل القلوب عند ذكر الله تعالى وزيادة الإيمان عند تلاوة الآيات والتوكل على الله وإقامة الصلاة و والخشوع فيها وإيتاء الزكاة والإعراض عن اللغو والبعد عن الفواحش ومراعاة الأمانات والعهود والعقود ، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }. وقال تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وجاء في أوصافهم أيضاً قول الله تعالى : {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }.
أيها المسلمون :
وللمؤمنين الصادقين خصائص اختصهم الله بها ، من ذلك ولاية الله سبحانه لهم قال تعالى :{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} ِ.ومن ذلك التثبيت على الحق قال تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ }.ومن ذلك عدم تسليط الشيطان عليهم قال تعالى : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }.من ذلك مدافعة الله عنهم قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} .ومن ذلك استغفار الملائكة لهم وعلى رأسهم حملة العرش ، قال تعالى : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}. ومن ذلك نصر الله لهم على الظالمين ، قال تعالى : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } .ومن ذلك جعل العزة لهم ، قال تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} .ومن ذلك رفع الله لهم في الدرجات ، قال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
أيها المسلمون :
لقد وعد الله تعالى المؤمنين العاملين للصالحات وعداً كريماً قال تعالى : {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} وقال سبحانه : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقال عز وجل : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً }وقال تعالى : {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى }
أيها المسلمون :
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم : (جددوا إيمانكم ، قيل يا رسول الله : وكيف نجدد إيماننا ؟ قال : أكثروا من قول لا إله إلا الله) رواه الإمام أحمد رحمه الله نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين الصادقين ، ومن حزبه المفلحين ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فيا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى ، واحذروا أسباب تسرب الإيمان من القلوب لئلا تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ، قال تعالى : {أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} وإن من أعظم الأسباب لذهاب الإيمان هو سلوك سبيل المنافقين ، فإن المنافق غير مؤمن وإن زعم أنه مؤمن ، قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونًَ} فالمنافقون هم الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، واتبعوا غير سبيل المؤمنين ، ولقد ظهر أمر الله فيهم وهم كارهون ، قال تعالى : {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } ولقد ظهر هذا الأمر جليا كما بينه سبحانه وتعالى في كتابه ، من ذلك حينما يدعى الناس إلى ورسوله ليحكم بينهم فيما تنازعوا فيه قال تعالى عن موقف المنافقين : {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ}، {وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ، أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} بينما كان موقف المؤمنين من ذلك كما قال تعالى : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ومن ذلك عند نزول القرآن وعند تلاوته ، فالمؤمنون يزيدهم ذلك إيمانا وهم يستبشرون ، بينما المنافقون يزيدهم ذلك رجسا إلى رجسهم ، ويتحينون الفرص للانصراف عند سماعه ، قال تعالى : {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ، أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} وغير ذلك من المواقف التي بينها الله تعالى في كتابه .
أيها المسلمون :
من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام وهم من أبغض الناس له ولأهله ، أنهم يؤذون المؤمنين والمؤمنات قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع اله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ) رواه الترمذي وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }. ومن صفاتهم عبادة الهوى وترك العمل الصالح وبفض المؤمنين قال الحسن رحمه الله : المنافق يعبد هواه لا يهوى شيئا إلا ركبه ، وسئل حذيفة رضي الله عنه عن المنافق قال : الذي يصف الإسلام ولا يعمل به ، وقال خيثمة بن عبد الرحمن رحمه الله : عن قوم منافقين : إن هؤلاء يؤذنني ووالله ما طلب أحد منهم حاجة إلا قضيتها ، ولا دخل على أحد منهم مني أذى ، ولأنا أبغض فيهم من الكلب الأسود ، أتدرون مم ذلك ؟ إنه والله ماأحب منافق مؤمنا أبدا .
أيها المسلمون :
إن المنافقين قوم فاسقون لم يدخل الإيمان في قلوبهم أو قد دخل ثم خرج ، ومن ثم فأعمالهم حابطة ، قال تعالى : {أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ}وقال تعالى :{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وقال عز وجل : {وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ، وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ }اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعذنا اللهم من حال المنافقين وزدنا إيمانا وهدى وتقى واجعلنا من عبادك الصالحين .
عباد الله ـ إن الله وملائكته يصلون على النبي ....
الإيمان وصفات المؤمنين
الخطبة الأولى
الحمد لله أمر بالإيمان ، وجعل جزاء المؤمنين توفيقًا في الدنيا ، وإحسانًا في الآخرة {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، جعله الله أسوة حسنة للمؤمنين وهو بهم رؤوف رحيم ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فيا أيها المسلمون ـ اتقوا الله وكونوا من عباده المؤمنين . معشر المسلمين ـ لقد أمر الله تعالى بالإيمان به سبحانه ، وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما أنزل من كتب ، وما أرسل من رسل ، بل وبكل ما أخبر الله به تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ} قال ابن كثير رحمه الله : (( يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه ، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل ، بل من باب تكميل الكامل ، وتقريره وتثبيته ، والاستمرار عليه ، كما يقول المؤمن في كل صلاة {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}أي بصرنا فيه ، وزدنا هدى وثبتنا عليه )) وعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، قلي في الإسلام قولا لا أسال عنه أحدًا بعدك ، قال :( قل آمنت بالله فاستقم ) رواه مسلم رحمه الله .فما هو الإيمان أيها المسلمون ؟ وما هي صفات المؤمنين وخصائصهم ؟ وما الذي يترتب على عدم الإيمان ؟
أيها المسلمون :
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال : ( هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) رواه البخاري ومسلم عليهما رحمة الله . هذه هي حقيقة الإيمان وأركانه ، وللإيمان شعب تزبد على سبعين شعبة ، عملها يزيد في إيمان المؤمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) رواه البخاري ومسلم ( واللفظ لمسلم كتاب الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان رقم ( 35 ) 1 / 63 ) وقال صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس وقد أمرهم بالإيمان بالله وحده ، قال : ( هل تدرون ما الإيمان بالله ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم ) رواه البخاري ومسلم ( واللفظ لمسلم 1/48)
أيها المسلمون :
إن الإيمان نية وقول وعمل ، يزيد وينقص ؛ نية بالقلب وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، فلا يكفي التسمي ولا التمني ولا التحلي بدون صدق ، ولا عمل صالح ، قال الحسن البصري رحمه الله : (( ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل )) وذلك بصدق الإيمان ، وحسن الأعمال ، فمن زعم أنه مؤمن وهو لم يستقم على أمر بالطاعة فهو كاذب ، وإن زعم أنه مؤمن ، كما قال تعالى في شأن هذا الصنف من الناس {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }.
أيها المسلمون :
لقد ابتلى الله عباده في هذه الحياة ليعلم سبحانه ـ وهو العليم الخبير ـ الصادق في إيمانه من الكاذب ، قال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ،وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} فالصادقون هم الذين قال الله فيهم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } وأما الكاذبون فهم الذين قال الله فيهم : {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }.
أيها المسلمون :
إن الإيمان يزيد وينقص ، فزيدوا في إيمانكم واحذروا النقص فإن الإيمان يزيد بالقول الحسن والعمل الصالح ، وينقص بضد ذلك ، قال تعالى : {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} وساق البخاري رحمه الله و قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} , ثم قال : فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص . 1 / 16 صحيح البخاري . وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عدي بن عدي أن للإيمان فرائضَ وشرائعَ وحدودًا وسننًا ، فمن استكملها فقد استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان ، فإن أعِشْ فسأبينها لكم حتى تعملوا بها ، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص . رواه البخاري في صحيحه 1 / 8 . ومن مكملات الإيمان أيها المسلمون ـ قول عمار رضي الله عنه : (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار) رواه البخاري في صحيحه 1 / 12 .ومن مكملات الإيمان قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان )رواه أبو داود . ومن مكملات الإيمان حسن الخلق قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ) رواه أبو داود والترمذي عليهما رحمة الله .
أيها المسلمون :
وللإيمان طعم وحلاوة ، ولا يذوق ذلك إلا من رضي بالله وبما جاء عنه سبحانه قال صلى الله عليه وسلم : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا) رواه مسلم . وهذا الطعم له حلاوة ولا يذوقها إلا من توفرت فيه ثلاث خصال ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وان يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) رواه البخاري ومسلم .
أيها المسلمون :
وللمؤمنين الصادقين صفات وعلامات يعرفونها من أنفسهم ويعرفها غيرهم فيهم من ذلك وجل القلوب عند ذكر الله تعالى وزيادة الإيمان عند تلاوة الآيات والتوكل على الله وإقامة الصلاة و والخشوع فيها وإيتاء الزكاة والإعراض عن اللغو والبعد عن الفواحش ومراعاة الأمانات والعهود والعقود ، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }. وقال تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وجاء في أوصافهم أيضاً قول الله تعالى : {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }.
أيها المسلمون :
وللمؤمنين الصادقين خصائص اختصهم الله بها ، من ذلك ولاية الله سبحانه لهم قال تعالى :{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} ِ.ومن ذلك التثبيت على الحق قال تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ }.ومن ذلك عدم تسليط الشيطان عليهم قال تعالى : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }.من ذلك مدافعة الله عنهم قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} .ومن ذلك استغفار الملائكة لهم وعلى رأسهم حملة العرش ، قال تعالى : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}. ومن ذلك نصر الله لهم على الظالمين ، قال تعالى : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } .ومن ذلك جعل العزة لهم ، قال تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} .ومن ذلك رفع الله لهم في الدرجات ، قال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
أيها المسلمون :
لقد وعد الله تعالى المؤمنين العاملين للصالحات وعداً كريماً قال تعالى : {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} وقال سبحانه : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقال عز وجل : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً }وقال تعالى : {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى }
أيها المسلمون :
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم : (جددوا إيمانكم ، قيل يا رسول الله : وكيف نجدد إيماننا ؟ قال : أكثروا من قول لا إله إلا الله) رواه الإمام أحمد رحمه الله نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين الصادقين ، ومن حزبه المفلحين ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فيا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى ، واحذروا أسباب تسرب الإيمان من القلوب لئلا تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ، قال تعالى : {أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} وإن من أعظم الأسباب لذهاب الإيمان هو سلوك سبيل المنافقين ، فإن المنافق غير مؤمن وإن زعم أنه مؤمن ، قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونًَ} فالمنافقون هم الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، واتبعوا غير سبيل المؤمنين ، ولقد ظهر أمر الله فيهم وهم كارهون ، قال تعالى : {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } ولقد ظهر هذا الأمر جليا كما بينه سبحانه وتعالى في كتابه ، من ذلك حينما يدعى الناس إلى ورسوله ليحكم بينهم فيما تنازعوا فيه قال تعالى عن موقف المنافقين : {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ}، {وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ، أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} بينما كان موقف المؤمنين من ذلك كما قال تعالى : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ومن ذلك عند نزول القرآن وعند تلاوته ، فالمؤمنون يزيدهم ذلك إيمانا وهم يستبشرون ، بينما المنافقون يزيدهم ذلك رجسا إلى رجسهم ، ويتحينون الفرص للانصراف عند سماعه ، قال تعالى : {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ، أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} وغير ذلك من المواقف التي بينها الله تعالى في كتابه .
أيها المسلمون :
من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام وهم من أبغض الناس له ولأهله ، أنهم يؤذون المؤمنين والمؤمنات قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع اله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ) رواه الترمذي وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }. ومن صفاتهم عبادة الهوى وترك العمل الصالح وبفض المؤمنين قال الحسن رحمه الله : المنافق يعبد هواه لا يهوى شيئا إلا ركبه ، وسئل حذيفة رضي الله عنه عن المنافق قال : الذي يصف الإسلام ولا يعمل به ، وقال خيثمة بن عبد الرحمن رحمه الله : عن قوم منافقين : إن هؤلاء يؤذنني ووالله ما طلب أحد منهم حاجة إلا قضيتها ، ولا دخل على أحد منهم مني أذى ، ولأنا أبغض فيهم من الكلب الأسود ، أتدرون مم ذلك ؟ إنه والله ماأحب منافق مؤمنا أبدا .
أيها المسلمون :
إن المنافقين قوم فاسقون لم يدخل الإيمان في قلوبهم أو قد دخل ثم خرج ، ومن ثم فأعمالهم حابطة ، قال تعالى : {أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ}وقال تعالى :{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وقال عز وجل : {وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ، وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ }اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعذنا اللهم من حال المنافقين وزدنا إيمانا وهدى وتقى واجعلنا من عبادك الصالحين .
عباد الله ـ إن الله وملائكته يصلون على النبي ....
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى