رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. محمد بن عبد الله الخضيري
العلمانية في بلاد المسلمين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللَّه فلا مضل لـه ومن يضلل فلا هادي لـه وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك لـه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد :
أيها المسلمون : تزينوا بالتقوى وراقبوا من يعلم السر والنجوى فقوته هي الأقوى وجزاؤه هو الأوفى والآخرة عنده هي الأبقى .
أيها المسلمون: إن من المسلمات الواضحة والعقائد الإيمانية الراسخة أن الخلق كله عباد لله إما اضطرارياً وهي العبودية العامة لجميع الكائنات ، وإما اختياراً وهي العبودية الحاصلة من المؤمنين المصدقين .
قال تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) (الذاريات : 56) .
ثانياً : أن الذي خلق وقضى هو الذي أمر ونهى (( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) (الأعراف : 54).
فجمع سبحانه بين إثبات خلق الخلق - وهي ما يقر به ويؤمن سائر الناس - وبين الأمر والنهي الذي صارت فيه الخصومة بين الرسل وأممهم .
ثالثاً : أن العبادة لله وحده لا شريك لـه لا يصرف منها شيء لغير اللَّه ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) (الزمر : 3) .
فكما تعتقد أنه واحد بأفعاله فوحده أنت أيها العبد بأفعالك ، فلا تشرك به شيئاً .
رابعاً : أن هذا الدين العظيم شامل كامل قد استوعب الزمان والمكان والجنس البشري (( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً )) (الأعراف : 158)، (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً )) (سبأ : 28) .
خامساً : أن الدين مهيمن على كل شيء ؛ لأنه كلمة اللَّه وكلمة اللَّه هي العليا شرعاً وقدراً فهو حاكم وما سواه محكوم وهو آمر وما سواه مأمور وهو متبوع وما سواه تابع . قال تعالى : (( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)) (يوسف : 40) .
وقال تعالى: (( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ )) (النساء : 65).
فهذا الدين يحكم حياة المسلمين وينظم أمورهم في مسائل الإعتقاد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك والإقتصاد .
قال تعالى : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً..)) (المائدة : 3) .
ومما هو مجمع عليه عند أئمة المسلمين ومتقرر لدى عامتهم أنه لا يجوز بحال من الأحوال رفض شيء من أحكام الإسلام وإستبداله بغيره من أحكام البشر وقوانينهم تحت أي مسمى ... ولأي ظرف أو عذر . وأن من فضل الأحكام البشرية على الأحكام الشرعية أو حتى فعلها معتقداً جوازها من غير تفضيل فإن ذلك كفر وردة عن الإسلام وهو أحد النواقض العشرة التي يحفظها صغار الطلبة.
أيها المسلمون : في أي مرحلة من مراحل ضعف المسلمين عبر التاريخ لم يكن هذا الضعف وذلك التقصير بسبب ضعف إيمانهم وقناعتهم بشمولية هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان أو كان راجعاً إلى رفض بعض أبنائه لشيء من أصوله الكبرى وعراه الوثقى كالذي نشاهده اليوم.
أيها المسلمون : وعبر تاريخ المسلمين الطويل حدثت بدع وظهرت فرق ونشأت طوائف ضلت عن سواء السبيل في مسائل الإيمان والأسماء والصفات والقضاء والقدر ، وغيرها كبدع الرافضة والقدرية والخوارج والمرجئة والصوفية وغيرها ، كلما ظهرت بدعة وأطلت فتنة تصدى لها الأئمة وعلماء السنة بالرد والبيان ، وهكذا في كل عصر ومصر وإلى يومنا هذا لا تزال طوائف تترى وبدع تنتشر وتتلى لا تقل أثراً ولا تهون خطراً من تلك التي قاومها أئمة السنة وعلماء السلف.
أيها المسلمون : إننا ومنذ بداية الإستعمار الأجنبي على العالم الإسلامي والعربي نبت نبتة غريبة في العالم الإسلامي هذه النبتة بل هذه النحلة والبدعة أصلها ومنشؤها وملابسات نشأتها في الغرب النصراني ثم صدرت إلينا . وبالأصح إستوردها بعض المحسوبين على الأمة ضمن ما أُستورد من طرود الفكر والثقافة : إنها فكرة أو اتجاه العلمانية حيث كانت في الأصل ثورة علمية في وجه قيود وأغلال الكنيسة في أوربا التي حرمت العلم والتفكير والإنتاج والإبداع ثم طرقت أبواب العالم الإسلامي على يد المستغربين من الرواد الأوائل الذين قبلوا وبإعجاب شديد جميع ما لدى الحضارة الغربية من خيرها وشرها وحلوها ومرها.
معاشر المسلمين : لتعلموا أن العلمانية معناها والمراد بها : هو بناء الدنيا منفصلاً عن الدين وفصل الدين عن حياة الناس ، وجاء في أحد القواميس الغربية أن هذه الكلمة تعني: دنيوي أو مادي وفي دائرة المعارف البريطانية تصفها بأنها حركة اجتماعية تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب.
أيها المسلمون : هذا الاتجاه العلماني الرامي إلى إقصاء حكم الإسلام عن السياسة والإقتصاد والاجتماع وسائر الأمور الحياتية وقصره على العبادة الخاصة وأحكام الزواج والطلاق والمواريث - مع منازعتهم إياها أخيراً - هذا الاتجاه وهذا الفكر متغلغل لدى طائفة من أبناء المسلمين من حملة الشهادات وأرباب الفكر ومن الأكاديميين والإعلاميين ..
لهذا كان من الواجبات في هذا العصر بيان هذه النحلة وكشف عوارها وفضح أصحابها وبيان أحوالهم وصفاتهم وأثرهم على الأمة وعلى رسالة الإسلام فهم الطابور الخامس وهم خناجر يحركها الأعداء في الأزمات لينوع بها الطعنات على أهم المقومات وأرسى الثوابت مستغلين بذلك انشغال العامة والخاصة .
وهم أشبه الناس بالمنافقين بل هم يقومون بدورهم في الأمة أكمل قيام .
أيها المسلمون: الحركة العلمانية في بلاد المسلمين ذات توجهين :
الأول: حركة علمانية إلحادية جاحدة بالرب منكرة لوجوده رافضة لكل تعاليم الإسلام في كل شيء وهذا القسم من الوضوح والظهور بحيث لا يخفى على أحد حكم أصحابها وقلة خطرهم لا لقلة جرم وإنحراف مقالتهم وتأثيرها وإنما لإنكشافهم ومعرفة الناس لهم بالإلحاد المطلق.
القسم الثاني : علمانية لا تنكر وجود اللَّه بل تؤمن به لكنها تنكر حكم الدين في شؤون الدنيا وتنادي بعزل الدين عن الدنيا وهذه هي الصورة أكثر انتشاراً وأشد خطراً وأسوأ أثراً من حيث الإضلال والتلبيس على عامة المسلمين ؛ لأنهم لا يرونهم يجحدون الصلاة ولا الزكاة ولا الحج بل ربما يرونهم يفعلون هذه العبادات معهم .
والحاصل أيها المسلمون : أن العلمانية بصورتيها السابقتين نوع من أنواع الردة بلا شك ولا إرتياب .
ومن آمن بها وتبناها بعدما علم دين الإسلام وتبين لـه الحق وقامت عليه الحجة وزالت عنه الموانع فقد خرج من دين الإسلام .. ذلك لأن الإسلام دين كامل ومنهج واضح لا يقبل ولا يجيز أن يشاركه منهج آخر ، قال تعالى مبيناً وجوب الدخول في كل مناهج الإسلام وتشريعاته : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً )) (البقرة : 208).
وقال سبحانه مبيناً كفر من أخذ بعضاً من مناهج الإسلام ورفض الآخر : (( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )) (البقرة : 85) .
والأدلة الشرعية كثيرة جداً في بيان ضلال من أنكر شيئاً معلوماً بالضرورة من دين الإسلام .
أيها المسلمون : إن من أحد التحديات التي تواجه الإسلام الصحيح الذي هو منهج أهل السنة والجماعة في هذا العصر هو إسقاط اللافتات الزائفة وكشف المقولات الغامضة وفضح الشعارات الملبِّسة التي تتخفى وراءها العلمانية والتي طالما أقصت المسلمين عن دينهم وخدرتهم عن العمل لـه وألصقتهم بالحياة الدنيا.
قال ابن تيمية في ( رسالة العبودية) : ( إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما: فإما أن يختار العبودية لله ، وإما أن يرفض هذه العبودية ، ليصبح لا محالة في عبودية لغير اللَّه وكل عبودية لغير اللَّه ، كبرت أو صغرت ، هي في نهايتها عبادة للشيطان ). [1]
قال تعالى: (( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ . وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )) ( يس: 60-61) ، يشمل ذلك العرب الذين قال اللَّه فيهم : (( إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً )) ( النساء: 117) .
ويشمل كذلك كل عبادة لغير اللَّه على مدار التاريخ .
فالأوثان لم تتغير، وحلت محل الأوثان القديمة أوثان أخرى، كالحزب، والقومية ، والعلمانية، والحرية الشخصية، والجنس وغيرها. وعشرات الأوثان الجديدة ، إنها عبادة الشيطان والطاغوت ، وهذا منافٍ لشهادة أن لا إله إلاَّ اللَّه ، فمعنى ( لا إله إلاَّ اللَّه ) : الكفر بالطاغوت ، والإيمان باللَّه .
وبناء على هذا يمكن أن نعرف حكم الإسلام في العلمانية ، فنقول : إن العلمانية نظام طاغوتي جاهلي كافر ، يتنافى ويتعارض تماماً مع ( لا إله إلاَّ اللَّه) من ناحتين أساسيتين متلازمتين :
أولاً : من ناحية كونها حكماً بغير ما أنزل اللَّه .
وثانياً : كونها رفضاً وكفراً ببعض ما جاء به الإسلام .
عباد اللَّه . إن العلمانية تعني بداهة : الحكم بغير ما أنزل اللَّه ، تفضيلاً أو مساواة أو إستحلالاً وتحكيم غير ما أنزل اللَّه ، وتحكيم غير شريعة اللَّه ، وقبول الحكم والتشريع والطاعة والإتباع من الطواغيت من دون اللَّه ، فهذا معنى قيام الحياة على غير دين .
قال تعالى : (( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) (المائدة: 44) .
والعلمانية تجعل العقيدة والشعائر لله وفق أمره ، وتجعل الشريعة والتعامل مع غير اللَّه وفق أمر غيره ، وهذا هو كفر الإباء والإستكبار في حقيقته وأصله؛ لأن أهل الجاهلية الأولى لم ينكروا وجود اللَّه ، قال تعالى : (( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ( لقمان : 25) .
وكذلك لدى أصحاب الجاهلية الأولى بعض الشعائر التعبدية ، قال تعالى : (( وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً )) ( الأنعام: 136) ، وكانوا يدعون اللَّه ويتضرعون إليه في الشدائد.
وبماذا حكم الله على مجتمع قريش ؟
لقد حكم عليهم بالكفر والضلال ، وعد تلك العبادات والأعمال هباءً منثوراً حين لم تبن على أصلٍ صحيح ، جميعها صفراً في ميزان الإسلام.
ولذلك نشبت المعركة الطويلة بينهم وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وإشتد النزاع بمعركة شرسة ونزاع حاد، على كلمة واحدة ، كلمة لا إله إلاَّ اللَّه، كلمة يدعو إليها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى أقصى حد، وترفضها الجاهلية إلى أبعد حد، لأنه منذ اللحظة الأولى، حين دعاهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى شهادة أن لا إله إلاَّ اللَّه، كان الجواب الفوري : ((أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) (ص :5) .
فالقضية واضحة في أذهانهم أن الإلتزام بهذه الكلمة معناه الرفض الجازم والتخلي الكامل عن كل ما عدا اللَّه من معبوداتهم وطواغيتهم المختلفة ، طاغوت الأوثان ، وطاغوت الزعامة ، وطاغوت القبيلة ، وطاغوت الكهانة ، وطاغوت الهوى ، والإستسلام الكامل لله، ورد الأمر والحكم ، جليله وحقيره ، كبيره وصغيره، إلى اللَّه وحده لا شريك لـه.
عباد اللَّه .. وكذلك ، فإن بيننا اليوم ممن يقولون : إنهم مسلمون ممن يستنكرون وجود صلة بين العقيدة والحياة .
وهم اليوم حاصلون على الشهادات العليا من بعض جامعات العالم يتساءلون أولاً في إستنكار : ما للإسلام وسلوكنا الإجتماعي ؟
وما للإسلام وإختلاط النساء مع الرجال على الشواطئ والمنتزهات؟
وما للإسلام وزي المرأة في الطريق ؟
وما للإسلام والمرأة وقيادتها للسيارة وإختلاطها بالرجال وحريتها الشخصية في سفرها بدون محرم وتصرفها في شؤونها ؟
وهذه دعاوى إلحادية، لأنها رد لما جاء في كتاب اللَّه من قوامة الرجل على المرأة .
وهناك من يتساءل : ما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأي سبيل سواء بالزنى أو غيره ؟
وما للإسلام وهذا الذي يفعله المتحضرون ؟ فأي فرق بين هؤلاء وبين سؤال أهل الكفر في زمن نبي اللَّه شعيب (( أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا )) ( هود : 87 ) .
وهم يتساءلون ثانياً ، بل ينكرون بشدة وعنف أن يتدخل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد، ويقولون : ما للدين والمعاملات الربوية ؟
وما للدين والمهارة في الغش والسرقة ما لم يقعا تحت طائلة القانون الوضعي ، وما للدين والسياسة والحكم ؟
بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا تدخلت في الاقتصاد أفسدته.
أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) (المائدة : 50) .
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ....
أيها المسلمون : إن المنافقين يزداد كيدهم في الأزمات والأحداث فقد أدبر وتولى إبن أبي قائد المنافقين في غزوة أحد بطائفة من الجيش والرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أحوج ما كانوا إلى الإجتماع والقوة .. وكذلك هم اليوم و الغرب النصراني رمانا جميعاً عن قوس واحدة بإسم محاربة الإرهاب ثم نرى بعض أوليائهم من العلمانيين يساعدونهم في الداخل بالتهجم على الإسلام تحت محاربة التطرف والذب عن حقيقة الإسلام في زعمهم التي تعني إسلاماً وديعاً لا يعرف قوة ولا شجاعة ولا جهاداً ولا أمراً ونهياً هذه سماحة الإسلام في نظرهم فهو لا ينكر عليهم باطلهم ولا يتدخل في أمور الحياة .. إنهم في حد زعمهم يحاربون التطرف والإرهاب وهم حقيقة يمارسون أسوأ أنواع الإرهاب الإرهاب الفكري وإرهاب المصطلحات بتمكنهم من كثير من وسائل الإعلام فيطرحوا ما شاءوا وكيف شاؤوا .
أيها المسلمون: ومن صفاتهم رفض الجهاد مطلقاً وإطلاق شتى التهم وأسوأ الأوصاف والألقاب على أهله والداعين إليه والسخرية بهم وقديماً قال أسلافهم : (( الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) (آل عمران : 168) .
ومن صفاتهم تقديس الأوطان والأحجار على حساب الأديان فكم من كتابة ومشاركة بذلت حين حطمت أصنام بوذا في الأفغان فتباكوا على الحضارة والتراث الإنساني ورموا الفاعلين بالويل والثبور وعظائم الأمور.
ثم إنهم حين دكت قرى بأكملها وأبيد الآلاف من مسلمي الأفغان وعلى مدى ثلاثة أشهر وأهلك الحرث والنسل ، تراهم شامتين وفرحين وأحسنهم الساكت عن الحق ، ثم أين هم في فضح مخططات الغرب النصراني الذي يهاجم المسلمين يومياً في صحفهم ومجلاتهم وأين هم من مجازر اليهود في فلسطين أليس في ذلك مادة كافية لهم لو كانوا صادقين ، ثم نظرة أخرى إلى علمانية الترك الذين ما فتئوا يمحون آثار الإسلام وحضارته في بلادهم ويحاربون كل ما يمت للعرب والمسلمين بصلة ويكرسون الحضارة الغربية والمنهج الأتاتركي العلماني .. ثم يتباكون وينددون بإزالة مبنى القعلة في مكة المكرمة تيسيراً للحجاج وأداء مناسك الحج وخدمة للحرم الشريف ومرافقه .
ما هذا التناقض العجيب .. محاربة الإسلام والذي هو أصل ذلك التراث ومحاربة المسلمين ونبذ الحجاب وإقصاء الصالحين وسجنهم ولم يبق من قضايا الإسلام والمسلمين إلا هذه القضية ؟!! والمسجد الأقصى وملحقاته أعظم تراث للمسلمين ماذا فعل بها اليهود والمساجد في كل مكان تهدم على رؤوس أهلها وصدق اللَّه العظيم (( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً )) (هود : 92) .
فأين مواقفهم واستنكارهم ؟!! .
ومن صفاتهم المبالغة في الإعتماد على المقاييس الدنيوية والحسابات المادية أما حسابات الآخرة وقضايا الإحتساب والأجر والثواب فليست من مفرداتهم أو في قواميسهم فطبيعة الزمان تحكمهم (( وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ )) (التوبة : 81) .
وفرص الجهاد لا تعنيهم (( لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ )) (آل عمران : 167) .
ومن صفاتهم اللمز والسخرية بالمؤمنين بالألفاظ والرسومات (( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (التوبة : 79) .
ومن صفاتهم موالاتهم الكافرين على حساب المؤمنين والإرتماء في أحضانهم بل وإنكار مبدأ الولاء والبراء بل ، إنهم ينكرون عقيدة الولاء والبراء ، ويصفونه بأنه من مبادئ الخوارج .. وجهل أو تجاهل هذا الدعي أن موضوع الولاء والبراء يحتل المرتبة الثانية من موضوعات القرآن بعد الأمر بالتوحيد والنهي عن ضده .
أيها المسلمون : ومن عرف دين الإسلام حقيقة بأصوله وأركانه ثم رأى وقرأ وتابع بعض ما ينشر ويعرض في كثير من وسائل الإعلام تبين لـه حقيقة هذه الفكرة الضالة ومناهج أهلها وشدة خطرهم على المسلمين.
فاتقوا اللَّه أيها المسلمون وتأملوا في ما تقرأون وما تسمعون وساهموا بأمر الدعوة إلى اللَّه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر جهدكم وإستطاعتكم وقد رزقكم اللَّه جهداً وإستطاعة.
أيها المسلمون : اشكروا نعمة اللَّه عليكم واحمدوه على ما أولاكم من النعم وحافظوا على الصلوات المكتوبات وأطيعوا ربكم في جميع الأوقات.
عباد الله اعلموا أن خير الكلام كلام الله .
[1] - العبودية لشيخ الإسلام إبن تيمية ، صفحة 19 ، وما بعدها .
العلمانية في بلاد المسلمين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللَّه فلا مضل لـه ومن يضلل فلا هادي لـه وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك لـه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد :
أيها المسلمون : تزينوا بالتقوى وراقبوا من يعلم السر والنجوى فقوته هي الأقوى وجزاؤه هو الأوفى والآخرة عنده هي الأبقى .
أيها المسلمون: إن من المسلمات الواضحة والعقائد الإيمانية الراسخة أن الخلق كله عباد لله إما اضطرارياً وهي العبودية العامة لجميع الكائنات ، وإما اختياراً وهي العبودية الحاصلة من المؤمنين المصدقين .
قال تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) (الذاريات : 56) .
ثانياً : أن الذي خلق وقضى هو الذي أمر ونهى (( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) (الأعراف : 54).
فجمع سبحانه بين إثبات خلق الخلق - وهي ما يقر به ويؤمن سائر الناس - وبين الأمر والنهي الذي صارت فيه الخصومة بين الرسل وأممهم .
ثالثاً : أن العبادة لله وحده لا شريك لـه لا يصرف منها شيء لغير اللَّه ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) (الزمر : 3) .
فكما تعتقد أنه واحد بأفعاله فوحده أنت أيها العبد بأفعالك ، فلا تشرك به شيئاً .
رابعاً : أن هذا الدين العظيم شامل كامل قد استوعب الزمان والمكان والجنس البشري (( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً )) (الأعراف : 158)، (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً )) (سبأ : 28) .
خامساً : أن الدين مهيمن على كل شيء ؛ لأنه كلمة اللَّه وكلمة اللَّه هي العليا شرعاً وقدراً فهو حاكم وما سواه محكوم وهو آمر وما سواه مأمور وهو متبوع وما سواه تابع . قال تعالى : (( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)) (يوسف : 40) .
وقال تعالى: (( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ )) (النساء : 65).
فهذا الدين يحكم حياة المسلمين وينظم أمورهم في مسائل الإعتقاد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك والإقتصاد .
قال تعالى : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً..)) (المائدة : 3) .
ومما هو مجمع عليه عند أئمة المسلمين ومتقرر لدى عامتهم أنه لا يجوز بحال من الأحوال رفض شيء من أحكام الإسلام وإستبداله بغيره من أحكام البشر وقوانينهم تحت أي مسمى ... ولأي ظرف أو عذر . وأن من فضل الأحكام البشرية على الأحكام الشرعية أو حتى فعلها معتقداً جوازها من غير تفضيل فإن ذلك كفر وردة عن الإسلام وهو أحد النواقض العشرة التي يحفظها صغار الطلبة.
أيها المسلمون : في أي مرحلة من مراحل ضعف المسلمين عبر التاريخ لم يكن هذا الضعف وذلك التقصير بسبب ضعف إيمانهم وقناعتهم بشمولية هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان أو كان راجعاً إلى رفض بعض أبنائه لشيء من أصوله الكبرى وعراه الوثقى كالذي نشاهده اليوم.
أيها المسلمون : وعبر تاريخ المسلمين الطويل حدثت بدع وظهرت فرق ونشأت طوائف ضلت عن سواء السبيل في مسائل الإيمان والأسماء والصفات والقضاء والقدر ، وغيرها كبدع الرافضة والقدرية والخوارج والمرجئة والصوفية وغيرها ، كلما ظهرت بدعة وأطلت فتنة تصدى لها الأئمة وعلماء السنة بالرد والبيان ، وهكذا في كل عصر ومصر وإلى يومنا هذا لا تزال طوائف تترى وبدع تنتشر وتتلى لا تقل أثراً ولا تهون خطراً من تلك التي قاومها أئمة السنة وعلماء السلف.
أيها المسلمون : إننا ومنذ بداية الإستعمار الأجنبي على العالم الإسلامي والعربي نبت نبتة غريبة في العالم الإسلامي هذه النبتة بل هذه النحلة والبدعة أصلها ومنشؤها وملابسات نشأتها في الغرب النصراني ثم صدرت إلينا . وبالأصح إستوردها بعض المحسوبين على الأمة ضمن ما أُستورد من طرود الفكر والثقافة : إنها فكرة أو اتجاه العلمانية حيث كانت في الأصل ثورة علمية في وجه قيود وأغلال الكنيسة في أوربا التي حرمت العلم والتفكير والإنتاج والإبداع ثم طرقت أبواب العالم الإسلامي على يد المستغربين من الرواد الأوائل الذين قبلوا وبإعجاب شديد جميع ما لدى الحضارة الغربية من خيرها وشرها وحلوها ومرها.
معاشر المسلمين : لتعلموا أن العلمانية معناها والمراد بها : هو بناء الدنيا منفصلاً عن الدين وفصل الدين عن حياة الناس ، وجاء في أحد القواميس الغربية أن هذه الكلمة تعني: دنيوي أو مادي وفي دائرة المعارف البريطانية تصفها بأنها حركة اجتماعية تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب.
أيها المسلمون : هذا الاتجاه العلماني الرامي إلى إقصاء حكم الإسلام عن السياسة والإقتصاد والاجتماع وسائر الأمور الحياتية وقصره على العبادة الخاصة وأحكام الزواج والطلاق والمواريث - مع منازعتهم إياها أخيراً - هذا الاتجاه وهذا الفكر متغلغل لدى طائفة من أبناء المسلمين من حملة الشهادات وأرباب الفكر ومن الأكاديميين والإعلاميين ..
لهذا كان من الواجبات في هذا العصر بيان هذه النحلة وكشف عوارها وفضح أصحابها وبيان أحوالهم وصفاتهم وأثرهم على الأمة وعلى رسالة الإسلام فهم الطابور الخامس وهم خناجر يحركها الأعداء في الأزمات لينوع بها الطعنات على أهم المقومات وأرسى الثوابت مستغلين بذلك انشغال العامة والخاصة .
وهم أشبه الناس بالمنافقين بل هم يقومون بدورهم في الأمة أكمل قيام .
أيها المسلمون: الحركة العلمانية في بلاد المسلمين ذات توجهين :
الأول: حركة علمانية إلحادية جاحدة بالرب منكرة لوجوده رافضة لكل تعاليم الإسلام في كل شيء وهذا القسم من الوضوح والظهور بحيث لا يخفى على أحد حكم أصحابها وقلة خطرهم لا لقلة جرم وإنحراف مقالتهم وتأثيرها وإنما لإنكشافهم ومعرفة الناس لهم بالإلحاد المطلق.
القسم الثاني : علمانية لا تنكر وجود اللَّه بل تؤمن به لكنها تنكر حكم الدين في شؤون الدنيا وتنادي بعزل الدين عن الدنيا وهذه هي الصورة أكثر انتشاراً وأشد خطراً وأسوأ أثراً من حيث الإضلال والتلبيس على عامة المسلمين ؛ لأنهم لا يرونهم يجحدون الصلاة ولا الزكاة ولا الحج بل ربما يرونهم يفعلون هذه العبادات معهم .
والحاصل أيها المسلمون : أن العلمانية بصورتيها السابقتين نوع من أنواع الردة بلا شك ولا إرتياب .
ومن آمن بها وتبناها بعدما علم دين الإسلام وتبين لـه الحق وقامت عليه الحجة وزالت عنه الموانع فقد خرج من دين الإسلام .. ذلك لأن الإسلام دين كامل ومنهج واضح لا يقبل ولا يجيز أن يشاركه منهج آخر ، قال تعالى مبيناً وجوب الدخول في كل مناهج الإسلام وتشريعاته : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً )) (البقرة : 208).
وقال سبحانه مبيناً كفر من أخذ بعضاً من مناهج الإسلام ورفض الآخر : (( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )) (البقرة : 85) .
والأدلة الشرعية كثيرة جداً في بيان ضلال من أنكر شيئاً معلوماً بالضرورة من دين الإسلام .
أيها المسلمون : إن من أحد التحديات التي تواجه الإسلام الصحيح الذي هو منهج أهل السنة والجماعة في هذا العصر هو إسقاط اللافتات الزائفة وكشف المقولات الغامضة وفضح الشعارات الملبِّسة التي تتخفى وراءها العلمانية والتي طالما أقصت المسلمين عن دينهم وخدرتهم عن العمل لـه وألصقتهم بالحياة الدنيا.
قال ابن تيمية في ( رسالة العبودية) : ( إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما: فإما أن يختار العبودية لله ، وإما أن يرفض هذه العبودية ، ليصبح لا محالة في عبودية لغير اللَّه وكل عبودية لغير اللَّه ، كبرت أو صغرت ، هي في نهايتها عبادة للشيطان ). [1]
قال تعالى: (( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ . وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )) ( يس: 60-61) ، يشمل ذلك العرب الذين قال اللَّه فيهم : (( إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً )) ( النساء: 117) .
ويشمل كذلك كل عبادة لغير اللَّه على مدار التاريخ .
فالأوثان لم تتغير، وحلت محل الأوثان القديمة أوثان أخرى، كالحزب، والقومية ، والعلمانية، والحرية الشخصية، والجنس وغيرها. وعشرات الأوثان الجديدة ، إنها عبادة الشيطان والطاغوت ، وهذا منافٍ لشهادة أن لا إله إلاَّ اللَّه ، فمعنى ( لا إله إلاَّ اللَّه ) : الكفر بالطاغوت ، والإيمان باللَّه .
وبناء على هذا يمكن أن نعرف حكم الإسلام في العلمانية ، فنقول : إن العلمانية نظام طاغوتي جاهلي كافر ، يتنافى ويتعارض تماماً مع ( لا إله إلاَّ اللَّه) من ناحتين أساسيتين متلازمتين :
أولاً : من ناحية كونها حكماً بغير ما أنزل اللَّه .
وثانياً : كونها رفضاً وكفراً ببعض ما جاء به الإسلام .
عباد اللَّه . إن العلمانية تعني بداهة : الحكم بغير ما أنزل اللَّه ، تفضيلاً أو مساواة أو إستحلالاً وتحكيم غير ما أنزل اللَّه ، وتحكيم غير شريعة اللَّه ، وقبول الحكم والتشريع والطاعة والإتباع من الطواغيت من دون اللَّه ، فهذا معنى قيام الحياة على غير دين .
قال تعالى : (( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) (المائدة: 44) .
والعلمانية تجعل العقيدة والشعائر لله وفق أمره ، وتجعل الشريعة والتعامل مع غير اللَّه وفق أمر غيره ، وهذا هو كفر الإباء والإستكبار في حقيقته وأصله؛ لأن أهل الجاهلية الأولى لم ينكروا وجود اللَّه ، قال تعالى : (( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ( لقمان : 25) .
وكذلك لدى أصحاب الجاهلية الأولى بعض الشعائر التعبدية ، قال تعالى : (( وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً )) ( الأنعام: 136) ، وكانوا يدعون اللَّه ويتضرعون إليه في الشدائد.
وبماذا حكم الله على مجتمع قريش ؟
لقد حكم عليهم بالكفر والضلال ، وعد تلك العبادات والأعمال هباءً منثوراً حين لم تبن على أصلٍ صحيح ، جميعها صفراً في ميزان الإسلام.
ولذلك نشبت المعركة الطويلة بينهم وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وإشتد النزاع بمعركة شرسة ونزاع حاد، على كلمة واحدة ، كلمة لا إله إلاَّ اللَّه، كلمة يدعو إليها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى أقصى حد، وترفضها الجاهلية إلى أبعد حد، لأنه منذ اللحظة الأولى، حين دعاهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى شهادة أن لا إله إلاَّ اللَّه، كان الجواب الفوري : ((أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) (ص :5) .
فالقضية واضحة في أذهانهم أن الإلتزام بهذه الكلمة معناه الرفض الجازم والتخلي الكامل عن كل ما عدا اللَّه من معبوداتهم وطواغيتهم المختلفة ، طاغوت الأوثان ، وطاغوت الزعامة ، وطاغوت القبيلة ، وطاغوت الكهانة ، وطاغوت الهوى ، والإستسلام الكامل لله، ورد الأمر والحكم ، جليله وحقيره ، كبيره وصغيره، إلى اللَّه وحده لا شريك لـه.
عباد اللَّه .. وكذلك ، فإن بيننا اليوم ممن يقولون : إنهم مسلمون ممن يستنكرون وجود صلة بين العقيدة والحياة .
وهم اليوم حاصلون على الشهادات العليا من بعض جامعات العالم يتساءلون أولاً في إستنكار : ما للإسلام وسلوكنا الإجتماعي ؟
وما للإسلام وإختلاط النساء مع الرجال على الشواطئ والمنتزهات؟
وما للإسلام وزي المرأة في الطريق ؟
وما للإسلام والمرأة وقيادتها للسيارة وإختلاطها بالرجال وحريتها الشخصية في سفرها بدون محرم وتصرفها في شؤونها ؟
وهذه دعاوى إلحادية، لأنها رد لما جاء في كتاب اللَّه من قوامة الرجل على المرأة .
وهناك من يتساءل : ما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأي سبيل سواء بالزنى أو غيره ؟
وما للإسلام وهذا الذي يفعله المتحضرون ؟ فأي فرق بين هؤلاء وبين سؤال أهل الكفر في زمن نبي اللَّه شعيب (( أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا )) ( هود : 87 ) .
وهم يتساءلون ثانياً ، بل ينكرون بشدة وعنف أن يتدخل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد، ويقولون : ما للدين والمعاملات الربوية ؟
وما للدين والمهارة في الغش والسرقة ما لم يقعا تحت طائلة القانون الوضعي ، وما للدين والسياسة والحكم ؟
بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا تدخلت في الاقتصاد أفسدته.
أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) (المائدة : 50) .
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ....
أيها المسلمون : إن المنافقين يزداد كيدهم في الأزمات والأحداث فقد أدبر وتولى إبن أبي قائد المنافقين في غزوة أحد بطائفة من الجيش والرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أحوج ما كانوا إلى الإجتماع والقوة .. وكذلك هم اليوم و الغرب النصراني رمانا جميعاً عن قوس واحدة بإسم محاربة الإرهاب ثم نرى بعض أوليائهم من العلمانيين يساعدونهم في الداخل بالتهجم على الإسلام تحت محاربة التطرف والذب عن حقيقة الإسلام في زعمهم التي تعني إسلاماً وديعاً لا يعرف قوة ولا شجاعة ولا جهاداً ولا أمراً ونهياً هذه سماحة الإسلام في نظرهم فهو لا ينكر عليهم باطلهم ولا يتدخل في أمور الحياة .. إنهم في حد زعمهم يحاربون التطرف والإرهاب وهم حقيقة يمارسون أسوأ أنواع الإرهاب الإرهاب الفكري وإرهاب المصطلحات بتمكنهم من كثير من وسائل الإعلام فيطرحوا ما شاءوا وكيف شاؤوا .
أيها المسلمون: ومن صفاتهم رفض الجهاد مطلقاً وإطلاق شتى التهم وأسوأ الأوصاف والألقاب على أهله والداعين إليه والسخرية بهم وقديماً قال أسلافهم : (( الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) (آل عمران : 168) .
ومن صفاتهم تقديس الأوطان والأحجار على حساب الأديان فكم من كتابة ومشاركة بذلت حين حطمت أصنام بوذا في الأفغان فتباكوا على الحضارة والتراث الإنساني ورموا الفاعلين بالويل والثبور وعظائم الأمور.
ثم إنهم حين دكت قرى بأكملها وأبيد الآلاف من مسلمي الأفغان وعلى مدى ثلاثة أشهر وأهلك الحرث والنسل ، تراهم شامتين وفرحين وأحسنهم الساكت عن الحق ، ثم أين هم في فضح مخططات الغرب النصراني الذي يهاجم المسلمين يومياً في صحفهم ومجلاتهم وأين هم من مجازر اليهود في فلسطين أليس في ذلك مادة كافية لهم لو كانوا صادقين ، ثم نظرة أخرى إلى علمانية الترك الذين ما فتئوا يمحون آثار الإسلام وحضارته في بلادهم ويحاربون كل ما يمت للعرب والمسلمين بصلة ويكرسون الحضارة الغربية والمنهج الأتاتركي العلماني .. ثم يتباكون وينددون بإزالة مبنى القعلة في مكة المكرمة تيسيراً للحجاج وأداء مناسك الحج وخدمة للحرم الشريف ومرافقه .
ما هذا التناقض العجيب .. محاربة الإسلام والذي هو أصل ذلك التراث ومحاربة المسلمين ونبذ الحجاب وإقصاء الصالحين وسجنهم ولم يبق من قضايا الإسلام والمسلمين إلا هذه القضية ؟!! والمسجد الأقصى وملحقاته أعظم تراث للمسلمين ماذا فعل بها اليهود والمساجد في كل مكان تهدم على رؤوس أهلها وصدق اللَّه العظيم (( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً )) (هود : 92) .
فأين مواقفهم واستنكارهم ؟!! .
ومن صفاتهم المبالغة في الإعتماد على المقاييس الدنيوية والحسابات المادية أما حسابات الآخرة وقضايا الإحتساب والأجر والثواب فليست من مفرداتهم أو في قواميسهم فطبيعة الزمان تحكمهم (( وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ )) (التوبة : 81) .
وفرص الجهاد لا تعنيهم (( لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ )) (آل عمران : 167) .
ومن صفاتهم اللمز والسخرية بالمؤمنين بالألفاظ والرسومات (( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (التوبة : 79) .
ومن صفاتهم موالاتهم الكافرين على حساب المؤمنين والإرتماء في أحضانهم بل وإنكار مبدأ الولاء والبراء بل ، إنهم ينكرون عقيدة الولاء والبراء ، ويصفونه بأنه من مبادئ الخوارج .. وجهل أو تجاهل هذا الدعي أن موضوع الولاء والبراء يحتل المرتبة الثانية من موضوعات القرآن بعد الأمر بالتوحيد والنهي عن ضده .
أيها المسلمون : ومن عرف دين الإسلام حقيقة بأصوله وأركانه ثم رأى وقرأ وتابع بعض ما ينشر ويعرض في كثير من وسائل الإعلام تبين لـه حقيقة هذه الفكرة الضالة ومناهج أهلها وشدة خطرهم على المسلمين.
فاتقوا اللَّه أيها المسلمون وتأملوا في ما تقرأون وما تسمعون وساهموا بأمر الدعوة إلى اللَّه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر جهدكم وإستطاعتكم وقد رزقكم اللَّه جهداً وإستطاعة.
أيها المسلمون : اشكروا نعمة اللَّه عليكم واحمدوه على ما أولاكم من النعم وحافظوا على الصلوات المكتوبات وأطيعوا ربكم في جميع الأوقات.
عباد الله اعلموا أن خير الكلام كلام الله .
[1] - العبودية لشيخ الإسلام إبن تيمية ، صفحة 19 ، وما بعدها .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى