لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

الإحسان إلى الخلق  Empty الإحسان إلى الخلق {الجمعة 25 نوفمبر - 19:54}

د. رياض بن محمد المسيميري
الإحسان إلى الخلق


إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).

أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أما بعد ، أيها المسلمون : فإن مما يميز هذا الدين العظيم عن غيره من الأديان المحرفة, و الشرائع المبدلة, والأنظمة الهزيلة, القاصرة عنايته بإقامة جسور المحبة والوئام, بين أفراد المجتمع وتحقيق مفهوم الجسد الواحد, الذي إن اشتكى منه عضواً تداعى لـه سائر الجسد بالحمى والسهر .

ومن هنا نجد القرآن الكريم يعرض نماذج واقعية, وأمثلة حية, تجسد ذلك المعنى الكبير, وتشوق النفوس الخيرة إلى صنائع المعروف, وبذل الإحسان للآخرين, دون منٍ أو أذى, ولقد كان أسرع الناس إلى صنائع المعروف هم أولئك الرجال العظام.

كان أسرع الناس إلى صنائع المعروف من رسل الله وأوليائه, الذين امتلأت أحاسيسهم ومشاعرهم بحاجات الآخرين, ورقت قلوبهم وأفئدتهم, لمعاناة المبتلين من عباد الله , فتحول ذلك الحق المرهف من الشعور النبيل إلى ممارسةٍ عمليةٍ وواقعٍ محسوس, يقدم من خلاله العون برحابه صدر, ويسدي المعروف بكل تفانٍ وإخلاص, هذا نبي الله موسى عليه السلام يخرج من أرض مصر، خائفاً يترقب, متوجهاً إلى بلاد مدين التي لا يعرف فيها أحداً يهدئ روعته, ويؤنس وحشته .

ويصل موسى إلى أرض مدين بعد رحلة شاقة وعناءٍ مستمر, يصلها وقد بلغ منه الإعياء مبلغة, وأخذ منه الجهد مأخذه, يصلها بقلبٍ مرتجف, ونفسٍ خائفةٍ, وغربة مستحكمة, فيجد مجموعاً من الناس تزدحم حولها بئر من الماء يسقون, ويلفت نظره من الخلق, مشهد امرأتين تذودان غنيماتهما في معزل من الناس, فتتحرك نخوة هذا الشهم البطل, رغم تعبه, وإعيائه, وإجهاده, ويقترب منها على استحياء ما خطبكما ؟! سؤال مختصر, لا حاجة معه إلى مقدمات شيطانية, تحرك كوامن الشر في النفوس, وتؤجج فتيل الفتنة في القلوب, ما خطبكما ؟! ويأتيه الجواب على قدر السؤال دون تميع, أو انكسار قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير.

إنه ما كان ينبغي لنا أن نزاحم الرجال من أجل الماء, فيأتي علينا حياؤنا ذلك وتأباه حشمتنا ووقارنا .

فنحن ننتظر انصرافهم, وأبونا شيخ كبير, عاجز عن أداء المهمة نيابة عنَّا, وهنا يتناسى موسى عليه السلام نفسه المجهدة, وقلبه المرعوب, وجوعه وتعبه وإعياءه, ويتجاهل غربته وهمِّه وحزنه, يتجاهل ذلك كلِّه, وتدفعه نخوته وشهامته, ومروءته وطيب معدنه, إلى مدِّ يد العون, والإحسان إلى هايتك المرأتين الضعفتين, ويكفيهما معاناة الانتظار, ومشقة السقيا , فسقى لها ثم تولى إلى الظل, لم ينتظر كلمة شكر, أو عبارة ثناءٍ, فسؤاله للمرأتين كان لله, واستماعه لإجابتها كان لله, وسقيه لهما كان لله, فسقى لهما ثم تولى إلى الظل, قال رب إنِّي لما أنزلت إلي من خير فقير، إنه ينزل حاجته بربه, ويطلب المدد من خالقة الذي لا تنفذ خزائنه, ولا ينتقص ملكه, رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير, فأنا فقير إلى عطائك, محتاج إلى نعمائك, لا أنتظر من غيرك أجراً, ولا من سواك شكراَ, وبمعنى هذا النبي الكريم يلجأ إلى ربه بعد حياة حافلة بالجهاد والدعوة, والبذل والعطاء, والإحسان للآخرين, وتتقدم الآجال وتنقضي الأيام والسنون, فتشرق على الدنيا أنوار محيا رسول الله محمد علية الصلاة والسلام, الذي كان آية في الإحسان, وبذل المعروف للآخرين, فإليك أشياء من خبره, وقطوفاً من نبأه, يبدأ عليه السلام حياته بالعظمة, يتحنث في غار حراء بعيداً عن سخافات الجاهلية, وعبثها, وفجورها, وانحرافها, فلا يشعر إلاَّ وجبرائيل عليه السلام يفاجئه بما لم يخطر لـه على بال, وينبئه بآي من الذكر الحكيم, لم يسمع من قبل لها مثيلاً, فيرتجف قلبه, وترتجف بوادره, ويعود مفزوعاً مكروباً, فيدخل على زوجه الحنون, زملوني زملوني, فتهدى خديجة رضي الله عنها من روعه, وتخفف من فزعة وهلعه, وتقسم بالله غير حانثة والله لا يخزيك الله أبداً, إنك لتصل الرحم, وتصدق الحديث, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق , تذكره بتلك الصفات الجليلة التي لازمته عليه السلام, حتى قبل أن تفيض على قلبه أنوار النبوة, وتشرق في نفسه مصابيح الرسالة حاجتها, فيقف معها بكل تواضع وسماحة نفس, وتطول وقفتها, وتمتد حاجتها, فلا يسأم ولا يمل وبجانبه عدي بن حاتم رضي الله عنه – يراقب هذا الموقف العجيب ، من رسول الله صلى الله علية وسلم, ويعجب من سعة باله, ودماثة خلقة, وعدي رجل قد جالس الملوك في قصورهم, ورأى الخدم والحشم في بلاطهم, ورأى طوابير الحجاب على أبوابهم, ورأى ذلِّ الحاجة وثقل الانتظار على أبواب السلاطين, فها له تواضع محمد عليه السلام, وطلاقة وجه, وبسطه لرعايته وقضاءه لحوائجهم, وإحسانه إليهم, ومخالطته لهم في أسواقهم, وشوارعهم دون تكلفٍ, أو ترفعٍ فهو التواضع من غير ذل, والتبسط من غير لؤم, والتعالي من غير كبرٍ, وينتقل الرسول العظيم إلى ربه قرير العين, هانئ البال, مخلفاً رجالاً ولا كل الرجال، فيتولى الصديق – رضي الله عنه – مقاليد الأمور, وتندلع فتنة المرتدين, ويمتنع الأعراب عن دفع الزكاة للخليفة المفجوع بفقد حبيبه, وقرة عينه, ويضطرب الأصحاب من هول الكارثة, وفداحة المصبية , فيضغط الصديق على أعصابه, ويحاصر مشاعرهِ وهو يواجه أعظم فتنة, ويكابد أشد المواقف وأحرجها , هموم كالجبال, وفتن كالليل, وظروف ما أقساها, فيجيش-رضي الله عنه- الجيوش لقتال المرتدين, وينفذ جيش أسامة ، المنتظر على أبواب المدينة, ويعزى آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم بفقيد البشرية, وخسارة الدنيا , ورغم هذه الظروف المفزعة, والأحوال المؤسفة, يسل الصديق من بين هذا الركام الضخم، من الهموم والمشاغل قاصداً بيت امرأةٍ عجوز في أطراف المدينة, يجلب لها شأنها, ويكنس لها بيتها, , ويصنع لها طعامها, أي رجال هؤلاء، خليفة المسلمين وقائد الأمة ورجل الأول .

لم تلهه مشاغل الخلافة وتبعاتها ، ومسئوليات الأمة ومشكلاتها, عن تفقد امرأةٍ عجوز, وتلمس حاجاتها, إنه الإحساس بالآخرين, ومتابعة الرعية عن قرب, بعيداً عن الضجيج الإعلامي, والصخب الدعائي, إنها صنائع المعروف التي أشرب أولئك الأجداد حبها, وضربت في أعماق القلوب جذورها, " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات, ويدعوننا رغباً ورهباً, وكانوا لنا خاشعين " وتمضي أيام الصديق سريعةً, وتنقضي خلافته على عجلٍ, فسيتخلف من بعده الداهية المسدد, والعبقري الفذ- عمر نوَرَ الله قبره وأجزل مثبوته .

يخرج – رضي الله عنه – ليلة يجوب شوارع المدينة يتفقد أحوال الأمة بنفسه, فيسمع امرأة تشكو قسوة الوجوه بين حيطان منزلها, وتعاني مشقة فراق بعلها المجاهد في سبيل الله, فيرق قلبه لشكواها, ويقدر حجم معاناتها, ويسرع إلى ابنته حفصه, أي بنية كم تصبر المرأة عن زوجها, فيحمر وجه تلك العفيفة الخجولة التي رباها عمر, فأحسن تربتها, وتزوجها رسول الله فأحسن عشرتها, فهي من بيت نبي, فهي تتقلب في بيوت الفضيلة, وتتعلم في حجر العفة والمروءة, فهي لم تتربى يوماً ما على أفلام العري, ومشاهد الغرام, ولم تقرأ روايات عميد الأدب العربي وأشباهه , فتشير بأصابعها الأربع ليس ذلك إلا بعد إلحاح أبيها الحريص على مصلحة رعاياه رجالاً ونساءً, فيصدر على الفور أمره العاجل إلى عماله في الثغور والأمصار, ألا يبقين جندي واحد فوق أربعة أشهر أو ستة, لقد كان بإمكان عمر أن يتجاهل شكوى تلك البائسة المحرومة, ويصم أذنيه عن أنين امرأة لا تأثير لها في مجريات الأمور, أو مع الأقل كان بالإمكان أن يمنح زوجها استثناءً دون سائر الجند, فيعود أدراجه إلى المدينة, لكن تأبى عليه نخوته, وشهامته, وعدله ومروءته أن يحابي أحداً على حساب الآخرين, أو يميز بين أفراد الأمة الواحدة .

لأن إحساس عمر بمعاناة تلك المشتاقة لزوجها, كان ينبع من صميم ضميره, وينطلق من شغاف قلبه, ولم يكن صنعه للمعروف نزوة طارئة, أو تصرفاً طائشاً , ويصبح عمرو بن عبد العزيز ذات يوم وقد حمل إليه البريد برقية عاجلة من أرض مصر, لم يكتب البرقية أميرٌ من أُمرائه ينبئه عن أحوال الإمارة, وأخبار السياسة, ولم يكتب البرقية قائدٌ من قواده يخبره عن أنباء الفتوح, واحتياجات الجيوش, وإنما كانت البرقية فرتونه, أتردون من هي فرتونه ؟ أمة بسيطة أُعتقت, يفتح عمر البرقية فإذا بها تقول : من فرتونه إلى عمر أمير المؤمنين, لقد تحطم حائط دجاجي, فالغلماء يعدون على الدجاج ويسرقونه فالعجل العجل , أنقذ دجاجي , أنقذ دجاجي, فماذا تراه يصنع عمر أمام هذا المطلب العجيب, وهذا الخليفة الذي مازالت جيوشه تعيد صياغة خريطة العالم من جديد, بفضل الفتوحات المذهلة , يا عمر، العجل العجل, فالغلمان يعدون على دجاجي يسرقونها, لقد كانت امرأة بسيطة في اهتماماتها قروية في حاجاتها, لم تتعدى همومها مسافة الجدار المحيط بدجاجها, ولم تدرك بعد تلك المشاغل المتعددة, والمسئوليات الجسام, التي كانت تستنفذ وقت الخليفة, وتستهلك طاقته ورغم ذلك يكتب عمر، إلى عامله في مصر, أن أسرع ببناء جدار "فرتونه," فإن الغلمان يعدون على دجاجها فيسرقونه,

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وأيا كم بالذكر الحكيم .واستغفر بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .



الخطبة الثانية

الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .

أما بعد أيها المسلمون :

فإننا معاشر المسلمين بحاجة جد ماسة, إلى تلمس احتياجات الآخرين, ومِّد يد العون للمحتاجين، والمسابقة إلى صنائع المعروف دون مَنٍ أو أذى, ودون انتظار لشكرٍ, أو ثناء, أو حتى دعاء فقد كانت عائشة – رضي الله عنها – إذا أرسلت إلى قوم بصدقة, تقول: لمن أرسلته بها اسمع ما يد عون به لنا ، حتى ندعو لهم بمثله, ويبقى أجرنا على الله, وهي تفضل ذلك لأنها إنما أسدت المعروف لوجه الله, لا تريد جزاء ولا شكوراً .

قال شيخ الإسلام: في فتاويه ومن الجزاء أن يطلب الدعاء .

أيها المسلمون : إن في مجتمعات المسلمين اليوم أسراً يدكها الفقر دكاً, يئن أطفالها من الجوع, و يقضُّ مضاجعها طرقات صاحب البيت ، يطلب الإيجار، فمن لهؤلاء بعد الله ؟! وإن في بيوت المسلمين, الأرملة البائسة, والعجوز اليائسة, واليتيم الحزين, والمعقد المحروم, فمن يقضي حوائجهم, ومن يلتفت إليهم ابتغاء مرضاة الله, هل أدرك المتسابقون في الدعوة إلى الله أن مجال الدعوة ليس متوقفاً على الشريط والكتاب, والنشرة والموعظة, ولكنها ممتدة الجوانب, فسيحة الأرجاء, مترامية الأطراف, وأن من لا يمكن دعوته بالموعظة المؤثرة والنصيحة المعبرة, قد يستجيب بالابتسامة المشرقة, والكلمة الطيبة, والإحسان إليه, وخدمته في نفسه, وولده.

لكن يا لله العجب! كيف زهد الناس في مثاقيل الأجور, وصحائف الأعمال الصالحة, وغابت عن حياة كثير منهم تلك المعاني السامية, حتى غلبت الأنانية على نفوسهم, واستولت اللامبالاة على مشاعرهم, فإذا بجفاف المعاملة يصاحب كل تصرفاتهم, تدخل على الموظف في دائرته, تحمل في يديك ملفاً ضخما قد حشي أوراقاً لا داعي لها, فيخاطبك من خلف صفحات جريدته بكل برود, ويطلب منك مراجعته في الغد أو بعد غد, فما الذي يدفعه إلى إجهاد الآخرين, وإضاعة أوقاتهم, والتلاعب بأعصابهم, واستفزاز مشاعرهم, أليس هو غياب مفهوم ((وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)) (البلد : 17) ؟

العامل المسكين يفارق أهله وأولاده, ويقطع المسافات الطويلة, ويبذل الجهد المتقبل بحثاً عن لقمة العيش, وحفظ ماء الوجه, فيحرم من أجرته, ويمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال سنة أهله, أو ثمانية أو عشرة وهو لم يستلم مرتبه ولم يحول إلى أهله وأولاده المترقبين على أحر من الجمر ريالاً واحداً ، فما الذي أدى بأولئك الظلمة إلى أكل أموال أجرائهم بالباطل ؟

أليس هذا نسيان قوله تعالى: ((وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)) (المطففين :1-3).

أليس السبب في كل ذلك انقطاع وشائج المحبة, و اندثار معاني الرحمة, وزوال الرحمة, وزوال مشاعر الألفة وخفض الجناح؟!

ألا إنها دعوة إلى مراجعة آداب الإسلام من جديد, واستشعار مناهجه بإخلاص, إلا إنها دعوة إلى محاكمة النفس بصدق, وإيقاظ الضمير بقوة.

اللهم زينا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى أله وصحابته أجمعين .

وأرضي اللهم عن الخلفاء الراشدين أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي

اللهم آمنا في الأوطانِ والدور وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى