رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
أهمية التوحيد
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ أيها المسلمون:
فقد سبق أن بيَّنا في خطبة ماضيةٍ , أهميةَ التوحيد, وأنه أول واجب على المكلف , به يدخل دائرة الإسلام العظيمة الثمينة , وعليه يجب أن يغادر
الدنيا إن أراد السلامة والنجاة . وعرفنا أن قائل هذه الكلمة العظيمة , أعني- لا إله إلا الله - إنما يسترق نفسه, ويُعبِّدها لله الواحد القهار , إن كان يفقه ما يقول .
وبقول تلك الكلمة, تكون رغبات الإنسان وشهواته , وطريقة حياته الخاصة, ومعاملته للناس , وسائر أحواله خاضعة لمنهج الله وشرعه , لا تحيد عنه قيد شعره , وإن أخطأ أو غفل , فسرعان ما يعود نادماً مستغفراً , مردداً بكل خشوعٍ وتواضعٍ , رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين, ومردداً كذلك توسل يونس عليه السلام , لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
ولأهميةِ هذه الكلمة العظيمة, التي هي أساس التوحيد وأصله , كانت هي دعوة الأنبياء كلهم, الذين ابتدءوا أقوامهم بقولهم : (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) (الأعراف: 59) .
وهكذا ظل نبينا عليه الصلاة والسلام , يدعو إلى التوحيد فقط , طيلة العهد المكي , الذي استمر ثلاث عشرة سنة , وحتى الصلاة عمود الدين وعماده , لم تفرض ولم يؤمر بها إلا بعد عشر سنين من البعثة المحمدية الراشدة .
إلا أن ما يخز في النفس, ويدمي القلب, ويسبب الحسرة والكآبة , أن أنتشر في حياة المسلمين اليوم نتيجة للجهل العام بهذه الكلمة العظيمة, كلمة التوحيد .
مظاهر واعتقادات وتصرفات , وأفعالٌ وأقوالٌ تناقض التوحيد, وتهدمه من أساسه , أو تخدش جنابه, وتبطل كماله وتمامه .
ومن تلك النواقض : الشرك في عبادة الله تعالى, وهو أخطر الذنوب, وأكبر الكبائر, ويستوجب صاحبه الخلود في النار أبد الآباد - والعياذ بالله تعالى - لذا حذر الأنبياء والدعاة والمصلحون أقوامهم, مغبة الشرك وسوء عاقبته, بل إن الأنبياء أنفسهم , كانوا يخافون على أنفسهم من الشرك , فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يقول : (( رب اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ )) (إبراهيم: 35) .
فإذا كان خليل الرحمن , يخاف الشرك والوقوع فيه , ويدعو ربه مجانبته ومفارقته , فنحن أولى وأجدر بأن نحذر الشرك والوقوع فيه , ونحذر الناس منه دائماً وأبداً , إذ لا يعذر كل من وهبه الله علماً وبصيرةً , أو منبراً أو قلماً, لا يعذر أمام الله تعالى, إن قصر أو تساهل في الدعوة إلى التوحيد, والتحذير من الشرك .
لما غاب دعاة التوحيد عن الصدع بلا إله إلا الله , انتشرت في بلاد المسلمين عبادة الأضرحة والقبور, ودعاة الأموات , وذبح القرابين لهم من دون الله سبحانه وتعالى عما يشركون .
يفعل كل هذا وقل من يغار على التوحيد , وينتصر للا إله إلا الله , ورحم الله موسى عليه السلام حين رجع إلى قومه , ومعه ألواح التوراة , منزلةً من السماء, فيها هدى ونور كتبها الله تعالى بيمينه, فوجدهم يعبدون عجلا من ذهب له خوار, فألقى الألواح من شدة الغضب حتى تكسرت , غيرة على التوحيد الضائع , والعقيدة الممتهنة , ولم يوأخذه ربه على إلقائه الألواح , لأنه غضب لله تعالى , وفي ذاته سبحانه .
وهكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعظم التوحيد, ويحمي جنابه , فلما أراد معاذ بن جبل t أن يسجد له, غضب عليه الصلاة والسلام وقال : إنه لا ينبغي أن يسجد إلا لله وحده .
ومن النواقض أيضاً: التي تهدم الإسلام, وتجعله هباءً منثورا, وقاعاً صف صفا, من جعل بينه وبين الله تعالى وسائط يدعوهم, ويسألهم الشفاعة , ويتوكل عليهم, وهذا كله كفر بإجماع المسلمين . فيا حسرةً على ألوفٍ مؤلفةٍ, وجموعٍ محتشدةٍ حول ركامٍ من الأتربة والأضرحة , يدعون أمواتاً تفتت عظامهم, وتقطعت أوصالهم, وتباً لعلماء الضلالة الذين انشغلوا بإصدار الفتاوى الظالمة المخزية من تحليل الربا , وإباحة للغناء , ومحاداة الله ورسوله , انشغلوا بذلك عن تعلم التوحيد وتعليمه, وإنقاذ الضعفة والمساكين من الجهلة والمغفلين من مستـنقع الشـرك, ووحل الوثنية .
ومن التوكل المذموم, ما يقع فيه كثير من الناس من التوكل على الطبيب والدواء في الشفاء, فإذا لم يشفى المريض لعن الدواء والطبيب , ونسي ذلك المغفل المسكين أن الشفاء بيد الله وحده , وما الدواء والطبيب إلا من قبيل فعل الأسباب ليس إلا , فكم من طبيب يداوي الناس وهو عليل.
ومن النواقض أيضاً : من لم يُكفر المشركين, أو شك في كفرهم, أو صحح مذهبهم , كالذين يترددون في تكفير الشيوعيين, والعلمانيين, أو يتحاشى إطلاق الكفر على اليهود والنصارى , ويعتبرهم أهل كتابٍ ليسوا بكفار, ويدخل فيه دُعاة التوحيد بين الأديان والتوفيق بينها, فيعقدون مؤتمرات واجتماعات , للجمع بين الإسلام, واليهودية, والنصرانية , والله تعالى يقول : ))وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )) (آل عمران:85) .
وقال : ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) (التوبة:33) .
ومن ذلك من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه عليه الصلاة والسلام , أو أن حكم غيره أحسن من حكمه , ويدخل في هذا الذين ينتقصون الإسلام , ويتهمونه بالرجعية والتخلف , وأنه قد استنفذ أغراضه, ولم يعد صالحاً للحكم في هذا القرن , الذي وصل فيه الإنسان لسطح القمر, وصنع الصاروخ, وهيأ للبشرية أعتى وسائل الدمار, ويدخل في هذا ما يسمى بالديمقراطية, وتعني- حكم الأكثرية - عبر مجلس النواب, الذي يُشرع ما يشاء, وينسخ ما يشاء, فشعارها لا إله إلا الأكثرية .
ومن النواقض أيضاً : بغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , حتى لو عمل به , كالذين يبغضون الصلاة ويكرهونها وإن صلوا, أو يكرهون الزكـاة وإن زكوا وغير ذلك .
ومن النواقض : الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم , أو ثوابه أو عقابه , كالذين يسخرون من الحجاب في صحفهم, ومجلاتهم, ودعاياتهم الفاسدة الفاجرة, أو الذين يسخرون من الثوب القصير, أو من اللحية, أو غيرها من سنة المصطفى عليه السلام, أو الذين يسخرون بالجنة, وحورها وقصورها, أو يسخرون بالنار, وحرها وحرقها .
ومن النواقض : السحر ومنه الصرف, والعطف فمن فعله, أو رضي به كفر, ومن ذهب إلى عرافٍ أو ساحرٍ أو كاهنٍ , فصدقه بما يقول فقد كفر, ومن ذلك اعتقاد أنَّ السحرةَ والكهنة والعرافين يعلمون الغيب, فهذا كفر وضلال فالله يقول : (( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )) (النمل: 65) .
ويدخل في هذا, خوفُ الكهنةِ والسحرةِ والشياطين خوفَ السر, الذي لا يجوزُ صرفه لغير الله تعالى قال سبحانه : (( فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) (آل عمران: 175).
وقوله : ((فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْن )) (المائدة: 3) .
ومن ذلك استنزال الشياطين عبر ما يعرف بالزار, وكثيراً ما يفعل في حفلات الزواج, حيث يتلبس الشيطان ببدن أحدهم فيفعل حركات ليست بمقدور الإنسان .
ومن نواقض لا إله إلا الله : مظاهرة المشركين, ومعاداتهم على المسلمين , قـال تعـالى : ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) (المائدة:51) .
ويدخلُ في هذا محاربةُ المسلمين, واضطهادهم, وتعذيبهُم, واتهامهم بالتهم الكاذبة الملفقة, وحشرهُم في المعتقلات, والسجون, والتعاون مع الكفار في إذلالهم وتعذيبهم .
ومن ذلك, من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروجُ على شريعةِ محمد صلى الله عليه وسلم , كما وسع الخَضر الخروج على شريعة موسى عليه السلام .
كما يزعمه بعض المتصوفة الفجرة , بأنَّ التكاليفَ قد حطت عنهم , وأنهم لا يُسألون عما يفعلون .
ومن ذلك الإعراضُ عن دين الله تعالى: لا يتعلمه ولا يعملُ به , قـال تعـالى : ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ )) (السجدة:22) .
ولا فرق في هذه النواقض كلها بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .
أما بعد أيها المسلمون :
ومما يدخل في الشرك الأصغر, و يكون مفضياً إلى الشرك الأكبر, الحلفُ بغير الله تعالى, كالحلف بالنبي أو الولي, أو الأمانة أو الشرف, أو الذمة أو الكعبة, أو الجاه أو الأعمال الصالحة, كمن يقول وصلاتي, وحجي , ونحو ذلك, فإن صاحب ذلك تعظيم للمحلوف به كتعظيم الله تعالى , فهو شرك أكبر, قال عليه الصلاة والسلام : ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )) [1].
وقال في حديث أبي داود , ((من حلف بالأمانةِ فليس منا)) [2].
ومن ذلك قول ما شاء الله وشئت, أو اعتمدت على الله وعليك , أو لولا كليبة الدار لدخل اللصوص , وهذا كله من الشرك الأصغر المؤدي إلى الشرك الأكبر .
ومن الشرك الأصغر الرياء, فيقرأ القرآن ليقال قارئ, أو يخطبَ ليقال خطيب, أو يتفقه ليقال فقيه, أو ينفق ليقال جوادٌ كريم, أو يحسَّنَ صلاته أمام الآخرين ليقال خاشع, ونحو ذلك مما يُبطلُ العملَ ويُحبطه .
فعلينا معاشر المسلمين أن نتفقه في ديننا, وأن نتعرف على التوحيد, لنتمسك به ونلتزمه, وأن نحذر الشرك, ونتعرف على أنواعه, وضروبه وأشكاله, لنفر منها, ونتقيها, ولا ينبغي الاستهانة بهذا الموضوع الخطير, أو التقليلُ من شأنه .
وعلى العلماء العارفين, وطلبة العلم الناصحين, أن يشمروا في الدعوة إلى توحيد الله تعالى , وبيان أهميته, والتحذير من نوا قضه, وأن يتقوا الله تعالى في أمة ضرب الشركُ في نواحيها , بجذور راسخة, وعششت الخرافاتُ والجهالات في عقول أبنائها, وألاَّ يُتركوا لعلماءِ الضلالة , ودعاةِ التصوف والخرافة , الحبل على الغارب , يعبثون بعقائدِ الأمةِ مستغلين بساطةَ الناس وسذاجتهم, وجهلهم, فالله تعالى سائلهم عن علمهم, وفقههم ماذا عملوا به, وعلى طلبة العلم أن لا يحتقروا أنفسهم , وأن يساهموا في توعيةِ الأمةِ, وإن قلَّ حظُهم من العلم, وعليهم أن يكسروا حاجز الخوفِ والرهبةِ, من مواجهة الناس , والصدع بالدعوة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( بلغوا عني ولو آية )) [3].
وقد كانت الوفودُ تفد على النبي عليه الصلاة والسلام , فيلقنهم التوحيد , ويعلمهم الفرائض , ثم يعودون من ساعتهم إلى أقوامهم دعاةً متحمسين .
وأسلم أحد الهندوس في هذا المسجد, فإذا به يتحول داعيةً إلى الإسلام, فيسلم على يديه أربعة أشخاص في بضعة أيام .
بينما يحجم بعض طلبة العلم عن الدعوة والتعليم , متذرعين بقلة العلم وضعف التحصيل, ويظنون ذلك تواضعاً محموداً, وما هو والله إلا جبن وكسل, وخنوع.
ألا وصلوا على النبي الهاشمي .
[1] رواه أبو داود (1535) من حديث ابن عمر t .
[2] رواه أبو داود (3254) من حديث بريدة t .
[3] رواه (3274) من حديث عبد الله بن عمرو t .
أهمية التوحيد
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ أيها المسلمون:
فقد سبق أن بيَّنا في خطبة ماضيةٍ , أهميةَ التوحيد, وأنه أول واجب على المكلف , به يدخل دائرة الإسلام العظيمة الثمينة , وعليه يجب أن يغادر
الدنيا إن أراد السلامة والنجاة . وعرفنا أن قائل هذه الكلمة العظيمة , أعني- لا إله إلا الله - إنما يسترق نفسه, ويُعبِّدها لله الواحد القهار , إن كان يفقه ما يقول .
وبقول تلك الكلمة, تكون رغبات الإنسان وشهواته , وطريقة حياته الخاصة, ومعاملته للناس , وسائر أحواله خاضعة لمنهج الله وشرعه , لا تحيد عنه قيد شعره , وإن أخطأ أو غفل , فسرعان ما يعود نادماً مستغفراً , مردداً بكل خشوعٍ وتواضعٍ , رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين, ومردداً كذلك توسل يونس عليه السلام , لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
ولأهميةِ هذه الكلمة العظيمة, التي هي أساس التوحيد وأصله , كانت هي دعوة الأنبياء كلهم, الذين ابتدءوا أقوامهم بقولهم : (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) (الأعراف: 59) .
وهكذا ظل نبينا عليه الصلاة والسلام , يدعو إلى التوحيد فقط , طيلة العهد المكي , الذي استمر ثلاث عشرة سنة , وحتى الصلاة عمود الدين وعماده , لم تفرض ولم يؤمر بها إلا بعد عشر سنين من البعثة المحمدية الراشدة .
إلا أن ما يخز في النفس, ويدمي القلب, ويسبب الحسرة والكآبة , أن أنتشر في حياة المسلمين اليوم نتيجة للجهل العام بهذه الكلمة العظيمة, كلمة التوحيد .
مظاهر واعتقادات وتصرفات , وأفعالٌ وأقوالٌ تناقض التوحيد, وتهدمه من أساسه , أو تخدش جنابه, وتبطل كماله وتمامه .
ومن تلك النواقض : الشرك في عبادة الله تعالى, وهو أخطر الذنوب, وأكبر الكبائر, ويستوجب صاحبه الخلود في النار أبد الآباد - والعياذ بالله تعالى - لذا حذر الأنبياء والدعاة والمصلحون أقوامهم, مغبة الشرك وسوء عاقبته, بل إن الأنبياء أنفسهم , كانوا يخافون على أنفسهم من الشرك , فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يقول : (( رب اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ )) (إبراهيم: 35) .
فإذا كان خليل الرحمن , يخاف الشرك والوقوع فيه , ويدعو ربه مجانبته ومفارقته , فنحن أولى وأجدر بأن نحذر الشرك والوقوع فيه , ونحذر الناس منه دائماً وأبداً , إذ لا يعذر كل من وهبه الله علماً وبصيرةً , أو منبراً أو قلماً, لا يعذر أمام الله تعالى, إن قصر أو تساهل في الدعوة إلى التوحيد, والتحذير من الشرك .
لما غاب دعاة التوحيد عن الصدع بلا إله إلا الله , انتشرت في بلاد المسلمين عبادة الأضرحة والقبور, ودعاة الأموات , وذبح القرابين لهم من دون الله سبحانه وتعالى عما يشركون .
يفعل كل هذا وقل من يغار على التوحيد , وينتصر للا إله إلا الله , ورحم الله موسى عليه السلام حين رجع إلى قومه , ومعه ألواح التوراة , منزلةً من السماء, فيها هدى ونور كتبها الله تعالى بيمينه, فوجدهم يعبدون عجلا من ذهب له خوار, فألقى الألواح من شدة الغضب حتى تكسرت , غيرة على التوحيد الضائع , والعقيدة الممتهنة , ولم يوأخذه ربه على إلقائه الألواح , لأنه غضب لله تعالى , وفي ذاته سبحانه .
وهكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعظم التوحيد, ويحمي جنابه , فلما أراد معاذ بن جبل t أن يسجد له, غضب عليه الصلاة والسلام وقال : إنه لا ينبغي أن يسجد إلا لله وحده .
ومن النواقض أيضاً: التي تهدم الإسلام, وتجعله هباءً منثورا, وقاعاً صف صفا, من جعل بينه وبين الله تعالى وسائط يدعوهم, ويسألهم الشفاعة , ويتوكل عليهم, وهذا كله كفر بإجماع المسلمين . فيا حسرةً على ألوفٍ مؤلفةٍ, وجموعٍ محتشدةٍ حول ركامٍ من الأتربة والأضرحة , يدعون أمواتاً تفتت عظامهم, وتقطعت أوصالهم, وتباً لعلماء الضلالة الذين انشغلوا بإصدار الفتاوى الظالمة المخزية من تحليل الربا , وإباحة للغناء , ومحاداة الله ورسوله , انشغلوا بذلك عن تعلم التوحيد وتعليمه, وإنقاذ الضعفة والمساكين من الجهلة والمغفلين من مستـنقع الشـرك, ووحل الوثنية .
ومن التوكل المذموم, ما يقع فيه كثير من الناس من التوكل على الطبيب والدواء في الشفاء, فإذا لم يشفى المريض لعن الدواء والطبيب , ونسي ذلك المغفل المسكين أن الشفاء بيد الله وحده , وما الدواء والطبيب إلا من قبيل فعل الأسباب ليس إلا , فكم من طبيب يداوي الناس وهو عليل.
ومن النواقض أيضاً : من لم يُكفر المشركين, أو شك في كفرهم, أو صحح مذهبهم , كالذين يترددون في تكفير الشيوعيين, والعلمانيين, أو يتحاشى إطلاق الكفر على اليهود والنصارى , ويعتبرهم أهل كتابٍ ليسوا بكفار, ويدخل فيه دُعاة التوحيد بين الأديان والتوفيق بينها, فيعقدون مؤتمرات واجتماعات , للجمع بين الإسلام, واليهودية, والنصرانية , والله تعالى يقول : ))وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )) (آل عمران:85) .
وقال : ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) (التوبة:33) .
ومن ذلك من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه عليه الصلاة والسلام , أو أن حكم غيره أحسن من حكمه , ويدخل في هذا الذين ينتقصون الإسلام , ويتهمونه بالرجعية والتخلف , وأنه قد استنفذ أغراضه, ولم يعد صالحاً للحكم في هذا القرن , الذي وصل فيه الإنسان لسطح القمر, وصنع الصاروخ, وهيأ للبشرية أعتى وسائل الدمار, ويدخل في هذا ما يسمى بالديمقراطية, وتعني- حكم الأكثرية - عبر مجلس النواب, الذي يُشرع ما يشاء, وينسخ ما يشاء, فشعارها لا إله إلا الأكثرية .
ومن النواقض أيضاً : بغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , حتى لو عمل به , كالذين يبغضون الصلاة ويكرهونها وإن صلوا, أو يكرهون الزكـاة وإن زكوا وغير ذلك .
ومن النواقض : الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم , أو ثوابه أو عقابه , كالذين يسخرون من الحجاب في صحفهم, ومجلاتهم, ودعاياتهم الفاسدة الفاجرة, أو الذين يسخرون من الثوب القصير, أو من اللحية, أو غيرها من سنة المصطفى عليه السلام, أو الذين يسخرون بالجنة, وحورها وقصورها, أو يسخرون بالنار, وحرها وحرقها .
ومن النواقض : السحر ومنه الصرف, والعطف فمن فعله, أو رضي به كفر, ومن ذهب إلى عرافٍ أو ساحرٍ أو كاهنٍ , فصدقه بما يقول فقد كفر, ومن ذلك اعتقاد أنَّ السحرةَ والكهنة والعرافين يعلمون الغيب, فهذا كفر وضلال فالله يقول : (( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )) (النمل: 65) .
ويدخل في هذا, خوفُ الكهنةِ والسحرةِ والشياطين خوفَ السر, الذي لا يجوزُ صرفه لغير الله تعالى قال سبحانه : (( فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) (آل عمران: 175).
وقوله : ((فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْن )) (المائدة: 3) .
ومن ذلك استنزال الشياطين عبر ما يعرف بالزار, وكثيراً ما يفعل في حفلات الزواج, حيث يتلبس الشيطان ببدن أحدهم فيفعل حركات ليست بمقدور الإنسان .
ومن نواقض لا إله إلا الله : مظاهرة المشركين, ومعاداتهم على المسلمين , قـال تعـالى : ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) (المائدة:51) .
ويدخلُ في هذا محاربةُ المسلمين, واضطهادهم, وتعذيبهُم, واتهامهم بالتهم الكاذبة الملفقة, وحشرهُم في المعتقلات, والسجون, والتعاون مع الكفار في إذلالهم وتعذيبهم .
ومن ذلك, من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروجُ على شريعةِ محمد صلى الله عليه وسلم , كما وسع الخَضر الخروج على شريعة موسى عليه السلام .
كما يزعمه بعض المتصوفة الفجرة , بأنَّ التكاليفَ قد حطت عنهم , وأنهم لا يُسألون عما يفعلون .
ومن ذلك الإعراضُ عن دين الله تعالى: لا يتعلمه ولا يعملُ به , قـال تعـالى : ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ )) (السجدة:22) .
ولا فرق في هذه النواقض كلها بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .
أما بعد أيها المسلمون :
ومما يدخل في الشرك الأصغر, و يكون مفضياً إلى الشرك الأكبر, الحلفُ بغير الله تعالى, كالحلف بالنبي أو الولي, أو الأمانة أو الشرف, أو الذمة أو الكعبة, أو الجاه أو الأعمال الصالحة, كمن يقول وصلاتي, وحجي , ونحو ذلك, فإن صاحب ذلك تعظيم للمحلوف به كتعظيم الله تعالى , فهو شرك أكبر, قال عليه الصلاة والسلام : ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )) [1].
وقال في حديث أبي داود , ((من حلف بالأمانةِ فليس منا)) [2].
ومن ذلك قول ما شاء الله وشئت, أو اعتمدت على الله وعليك , أو لولا كليبة الدار لدخل اللصوص , وهذا كله من الشرك الأصغر المؤدي إلى الشرك الأكبر .
ومن الشرك الأصغر الرياء, فيقرأ القرآن ليقال قارئ, أو يخطبَ ليقال خطيب, أو يتفقه ليقال فقيه, أو ينفق ليقال جوادٌ كريم, أو يحسَّنَ صلاته أمام الآخرين ليقال خاشع, ونحو ذلك مما يُبطلُ العملَ ويُحبطه .
فعلينا معاشر المسلمين أن نتفقه في ديننا, وأن نتعرف على التوحيد, لنتمسك به ونلتزمه, وأن نحذر الشرك, ونتعرف على أنواعه, وضروبه وأشكاله, لنفر منها, ونتقيها, ولا ينبغي الاستهانة بهذا الموضوع الخطير, أو التقليلُ من شأنه .
وعلى العلماء العارفين, وطلبة العلم الناصحين, أن يشمروا في الدعوة إلى توحيد الله تعالى , وبيان أهميته, والتحذير من نوا قضه, وأن يتقوا الله تعالى في أمة ضرب الشركُ في نواحيها , بجذور راسخة, وعششت الخرافاتُ والجهالات في عقول أبنائها, وألاَّ يُتركوا لعلماءِ الضلالة , ودعاةِ التصوف والخرافة , الحبل على الغارب , يعبثون بعقائدِ الأمةِ مستغلين بساطةَ الناس وسذاجتهم, وجهلهم, فالله تعالى سائلهم عن علمهم, وفقههم ماذا عملوا به, وعلى طلبة العلم أن لا يحتقروا أنفسهم , وأن يساهموا في توعيةِ الأمةِ, وإن قلَّ حظُهم من العلم, وعليهم أن يكسروا حاجز الخوفِ والرهبةِ, من مواجهة الناس , والصدع بالدعوة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( بلغوا عني ولو آية )) [3].
وقد كانت الوفودُ تفد على النبي عليه الصلاة والسلام , فيلقنهم التوحيد , ويعلمهم الفرائض , ثم يعودون من ساعتهم إلى أقوامهم دعاةً متحمسين .
وأسلم أحد الهندوس في هذا المسجد, فإذا به يتحول داعيةً إلى الإسلام, فيسلم على يديه أربعة أشخاص في بضعة أيام .
بينما يحجم بعض طلبة العلم عن الدعوة والتعليم , متذرعين بقلة العلم وضعف التحصيل, ويظنون ذلك تواضعاً محموداً, وما هو والله إلا جبن وكسل, وخنوع.
ألا وصلوا على النبي الهاشمي .
[1] رواه أبو داود (1535) من حديث ابن عمر t .
[2] رواه أبو داود (3254) من حديث بريدة t .
[3] رواه (3274) من حديث عبد الله بن عمرو t .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى