مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / أحمد بن عبد العزيز الشاوي
نعمة الأمن
الحمد لله الولي الحميد أمر بالشكر ووعد بالمزيد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكم ما يريد ويفعل ما يريد وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد العبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم المزيد أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته.
إنه مطلب كل أمة وغاية كل دولة من أجله قامت صراعات وحروب وفي سبيله أنشئت جنود وجيوش تهدف إليه المجتمعات البشرية وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية بكل إمكاناتها الفكرية والمادية.
إنه مع العافية والرزق يشكل الملك الحقيقي من أصبح آمناً في سربه معافىً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.
إنه الأمن في الأوطان دعوة أبينا إبراهيم (( رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً )) .
ومنة الله على هذه الأمة ((وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ )) ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً )).
إن الديار التي يفقد فيها الأمن تعد صحراء قاحلة حرّى وإن كانت ذات جنات وارفة الظلال تجري من تحتها الأنهار والبلاد التي تنعم بالأمن تهدأ فيها النفوس وتطمئن فيها القلوب وإن كانت قاحلة جرداء ليس فيها من الغذاء ما يسد الرمق ومن الماء ما يروي الظمأ.
إن البلاد التي يفقد فيها الأمن كالسماء إذا فقدت نجومها وكالأرض إذا زالت جبالها الراسيات وكالسهول إذا فقدت أنهارها وغارت عيونها وذوى نباتها ويبست أشجارها.
إنه الأمن لا غناء لذي مخلوق أو لأي نفس رطبة عنه مهما عزت في الأرض أو كسبت مالاً أو شرفاً أو رفعة فلن يتمتع معافىً بعافيته وهو غير آمن وكيف يلذ أكل بدون أمن ولن تنام عين غير آمنة ولن يستريح أو يستقر ضمير خائف أو بال مزعزع كلا يا عباد الله فلا راحة ولا هدوء ولا اطمئنان أو استقرار بدون أمن ففي رحاب الأمن وظله يأمن الناس على أموالهم وحارمهم وأعراضهم وفي ظلال الأمن يعبدون ربهم ويقيمون شريعته.
في رحاب الأمن وظله تعم الطمأنينة النفوس ويسودها الهدوء وترفرف عليها السعادة وتؤدي الواجبات باطمئنان من غير خوف هضم ولا حرمان.
لو انفرط عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج وتأمل فيمن حولك ستجد الواقع ناطقاً واسأل العراق ستجده على هذه الحقيقة شاهداً.
أيها المسلمون
إن أمراً هذا شأنه ونعمة هذه أثرها لجدير بنا أن نبذل في سبيلها كل رخيص وغال وأن تستثمر الطاقات وتسخر الجهود والإمكانات في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها.
يا عباد الله
إن الأمن لا يدرك بالبطش والجبروت والاستبداد والقهر ورفع سياسة(( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)) .
ولو كان الأمر كذلك لكان الروس وأضرابهم أنعم الناس بالأمن، ولا يدرك بالتساهل والتسامح مع المجرمين والمفسدين إلى حد الفوضى وإلا لكانت بلاد الغرب أكثر بلاد العالم أمناً وإن الأمن يا مسلمون لا يتوفر باستعمال التقنية الحديثة والأجهزة الدقيقة والأسلحة الفتاكة فما نفعت تلك الوسائل أمريكا والجرائم عندهم تحصى بالثواني واللحظات.
لقد فشلك كل هذه الوسائل وأفلست كل نظم الأرض وحيل البشر فلم تستطع توفير الأمن وآن لنا أن ندرك أن الأمن الذي نعيشه ونتفيؤ ظلاله إنما هو منحة ربانية ومنة إلهية مربوطة بأسبابها ومقومتها والتي من أعظمها إقامة شرع الله وتنفيذ حدوده والاعتزاز بعقيدة التوحيد ومناصرتها والدعوة إليها وبدون ذلك لا سبيل إلى الأمن ولو استعنت بقوى الأرض كلها.
إن قدّرنا أن ننعم في هذه الحياة بالأمن متى استقمنا على شريعة الله وأن نحرمه متى انحرف بنا المسار عن الله ومنهجه فإن حدنا عن منهجه حصل خلل واضطراب يؤدي هذا الخلل إلى فساد وإفساد كما حدث للأمم من قبلنا عندما تركت شرع الله ودينه وحل فيها الخصام محل الوئام وزرعت في نفوس أهلها البغضاء بع أن كانت تظللها المحبة والألفة والإخاء (( َفنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء)) .
الإيمان هو الذي يحقق الأمن للمجتمع ويقيه من الأخطار فإذا تخلى أبناء ذلك المجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم أحقت بهم المخاوف من كل جانب وانتشرت بينهم الجرائم وهذه هي السنة الربانية فيمن يعرض عن طاعة ربهم سبحانه (( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً)).
أيها المسلمون
لقد أدرك أعداء الإسلام أن استمساك المسلمين بدينهم وشريعة ربهم هو سر قوتهم وسبب وحدتهم وعامل أمنهم فعملوا حسداً من عند أنفسهم على وضع مخطط يهدف إلى اغتيال عقيدة المسلمين من جانب وإقصاء الشريعة عن حياة المسلمين من جانب آخر مستعينين في ذلك بأذنابهم ممن يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين مستخدمين لأجل ذلك كل وسائل الفساد والإفساد من أجل إزالة العاصم الذي يحمي ديار الإسلام وهدم الحصن الآمن الذي ينعم به المسلمون.
يا عباد الله
وإذا كنا بحمد الله في هذا البلد ننعم بأمن وارف واستقرار شامل فمع ذلك بدأنا نسمع أخيراً عن بعض الثغرات الأمنية والتي لا تشكل بحمد الله ظاهرة مقلقة لكنها نذير بزوال النعمة وزعزعة الأمن وإشارة إلى وجود خلل في بناء المجتمع لا بد من تداركه وإزالته, إلى أن الأمة كافة غيرت فغير الله عليها، وإن الله لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
إن أمن البلاد مسئولية ونعمة الأمن جديرة بأن يتكاتف الجميع للمحافظة عليها وبذل أسبابها والتضحية من أجلها.
لا بد أن ندرك أن نعمة الأمن لا تدوم إلا بدوام أسبابها ولا توجد إلا بوجود مقوماتها والتي من أعظمها عبادة الله بمضمونها الشامل (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْض)) ز
وتوحيد الله والإيمان به والتخلص من خوارم العقيدة ومحاربة البدع والخرافات عامل من عموامل حصول الأمن ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون)) .
َولكي يدوم الأمن في البلاد فلا بد من تربية الأمة رجالها ونسائها على طاعة الله والاستقامة على شرعه والبعد عن معصية وعندما تستقيم النفوس على طاعة الله سبحانه ويعرف كل إنسان حقوقه وواجباته وتعمر قلوب المؤمنين المحبة لله ورسوله والشفقة على العباد ويسود التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع فما أسعد هذا المجتمع وأهنئه.
النفوس المطيعة لا تحتاج إلى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي تردع عن الجرائم لأن رقابة الإيمان أقوى والوازع الإيماني في قلب المؤمن يقظ لا يغادر العبد ولا يتخلى عنه ومن هنا فلا بد من غرس مفهمو الخوف من الله ومراقبته في نفوس الناس بدلاً من تخويفهم بالأنظمة والقوانين فليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تُحترم فيها الحقوق وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبات المالية لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة النظام وليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تداينها في كفالة احترام الحقوق وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه.
أيها المسلمون
ويستجلب الأمن ويحافظ عليه بالقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى الفردي والشعبي والرسمي فهو صمام أمان المجتمع وبه يحصل العز والتمكين : (( َلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ)) .
وبقدر ما تتخلى الأمة عن هذه الشعيرة بقدر ما يستأسد المجرمون ويستعلي المجرمون لأنهم فقدوا اليد الحازمة والقوة الرادعة التي يمثلها حراس الفضيلة ممن لهم في ميدان البذل والعطاء بصمات وفداء.
ويحافظ على الأمن بالعدل في كل جوانب الحياة فالراعي مع رعيته والأب مع أهله وزوجاته والمعلم مع طلابه والرئيس مع مرؤوسه والكفيل مع عماله فالظلم يولد الأحقاد والرغبة في الانتقام.
ومتى تحقق العدل حصل الأمن فاعدل أيها المسلم في تعاملك وحكمك وحينها نم حيث شئت فقد عدلت فأمنت فنمت, ومن مقومات الأمن إقامة الصلاة وتربية الناشئة عليها فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي حصن عن كل شرور وحاجز عن كل جريمة.
ويتحقق الأمن بتهيئة المحاضن التربوية للشباب ودعم كل المؤسسات العاملة في تربية الناشئة من حلقات القرآن ومراكز صيفية دائمة.
ومن أقوى الأسباب لحصول الأمن معالجة كل ظواهر الانحراف لدى الشباب من منطلق إيماني ومفهوم إسلامي.
إن من أبرز أسباب انحراف الأبناء ما تعيشه بعض البيوت من فقر يخيم عليها أو نزاعات وشقاق بين الآباء والأمهات وما ينتج عنها من حالات طلاق وتشتت وتشرد وضياع ومن الأمور المعلومة أن الولد عندما يفتح على الدنيا عينيه..
الخطبة الثانية
فإن الأمن والاستقرار يظل ويبقى حينما تعالج الأخطاء والتجاوزات بكل هدوء وحكمة بعيداً عن التشنج والانفعال والغضب والمبالغات والتهويل أو معاقبة الأبرياء بجريرة المذنبين.
والأمن والاستقرار يتحققان حينما يقوم العلماء بدورهم في احتواء الموقف ومعالجة الأحداث وتقريب وجهات النظر وتهدئة الانفعالات وفتح قنوات الحوار الهادف الهادئ مع الشباب لترشيد حماسهم وتوجيه انفعالهم وتسخير طاقاتهم في خدمة الأمة ودينها.
أما أن يعيش العلماء في برجهم العاجي ومن خلال مكاتبهم الوثيرة يهاجمون الشباب ويتهمونهم ويتطرفون في احتقار أفكارهم والتساهل بقدراتهم ويأنفون من تساؤلاتهم ومطالبهم فإن هذا يولد فجوة بين العلماء والشباب تدفع الشباب إلى تصرفات غير مدروسة وأعمال غير مشروعة فافتحوا أيها العلماء والدعاة صدوركم وبيوتكم ومكاتبكم للشباب ووجهوا حماسهم وهذبوا عواطفهم.
وإن الأمن الوطني لا يتحقق إلا بوجود الأمن الفكري وذلك بحماية الأجيال الناشئة وشباب الأمة من دعوات التغريب ودعايات الفساد والإفساد.
لكي يتحقق الأمن لابد من حماية شباب الأمة وتحصين أفكارهم من الهجمات الداخلية التي تسمم العقول وتحرف السلوك وتسيء إلى الدين وتقضي على الأصالة وتشكك في الولاء وصدق الانتماء.
لكي يتحقق الأمن لابد من القضاء على مغذيات الجريمة وقطع عروق الانحراف من مجلات ساقطة ووسائل إعلام هابطة وأغانٍ ماجنة.
كيف نريد للشباب أن يستشعر المواطنة الصالحة ويحافظ على مقومات أمن الوطن ويسهم في نهضته ويقوم بواجبه تجاهه وهو في الوقت ذاته يستقي أفكاره وثقافته ومنهجه من قنوات تعمل على تخدير الأمة وشبابها من خلال إشاعة الفاحشة وبث الرذيلة ونشر الإباحية والترويج للعنف والجريمة والتعود على رؤية المنكرات وعدم التفكير بإنكارها.
ماذا فعلنا للتجمعات الشبابية على الكثبان الرملية وفي الاستراحات حيث تغرس بذور الجريمة وتشعل جذوة الانحراف.
إن حملات التوعية الأمنية خطوة إيجابية ولكنها لن تحقق هدفها ما لم يصحبها عزم أكيد ونية جادة لدراسة أسباب الجريمة ومظاهرها ومعالجتها معالجة فعالة في ضوء تعاليم الإسلام وهدي سيد الأنام.
ودين الإسلام شامل وكامل (( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ من شي)) وتطبيقه علاج لكل مشاكل المجتمعات وقضايا الدول.
وأخيراً :
ولكي يتحقق الأمن ويدوم لا بد أن يدرك شبابنا الغيور أن العبد لا يعلم أن يكون الخير والشر فيما يقتضيه الله سبحانه إلا في ضوء ما عمله الله لعباده من السنن والثواب، ومن هنا فلا ينبغي للعبد أن يتعجل الأمور أو يحلل المواقف والأحداث قبل دراستها والبحث في جوانبها متجرداً في ذلك لله عز وجل مهتدياً بالسنن والموازين والسنن الثابتة التي ذكرها الله في كتابه وعلى لسان رسوله وإذا وفق العبد إلى هذا الفضل فإنه غالباً يصدر عن الحق وينطق بالحق وينشأ عنده صفتا الحلم والأناة اللتان يحبهما الله عز وجل وكم رأينا من أناس تعجلوا أمورهم قبل أوانها فكانت نتيجتها وبالاً وشراً عليهم وعلى أمتهم.
ومن صور الاستعجال ما نراه من تعجل بعض الغيورين في قطف ثمرة جهدهم وتعريض أنفسهم للابتلاء وتمنيهم لمواجهة العدو وينسون ويغفلون عن قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاصبروا)) .
فإن المرء لا يدري ما تؤول إليه الحال عند مواجهة العدو ومشاهدة الأهوال وكم من أناس استعجلوا الابتلاء قبل أوانه فلما أصبحوا تحت وطأته ضعفوا وانتكسوا والعياذ بالله .
وقد ذكر الله قصة أولئك الذين كرهوا كف اليد عن الكفار وتمنوا القتال فلما كتب عليهم رغبوا عنه وهذا من آفة الاستعجال ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ)).
إن أشد الناس حماسةً واندفاعاً وتهوراً قد يكونون هم أشد الناس جزعاً وانهياراً وهزيمة عندما يجد الأمر وتقع الواقعة بل إن هذه قد تكون القاعدة والحكمة وأن نتجنب الأفعال الهوجاء وردود الأفعال. فما أحرانا أن نتحلى بالصبر وأن نشتغل بالبناء للنفس والناس دعوة ودعاء وصلاة وعبادة وأمراً بمعروف ونهياً عن المنكر وتربيةً للنفس وتزكية لها لكي تكون قادرة على مواجهة الشدائد والفتن والمحن.
لوحة الأمة الجميلة نرسمها نحن بأيدينا ونصنعها بقلوبنا حينما نتخلق بالوعي ونستشعر عظم هذه النعمة وخطورة فقدها نضعها حينما نتعامل مع الواقع بميزان الشرع والعقل بعيداً عن الأهواء والعواطف والرغبات الشخصية.
نعمة الأمن نحفظها حينما نحفظ حدود الله (( احفظ الله يحفظك)) .
نعمة الأمن نحفظها حينما نكف أيدي المنافقين وألسنتهم الذين يوقدون نار الفتنة ويلمزون المؤمنين ويشعلون فتيل القلاقل باستفزازاتهم لمشاعر الناس وتعرضهم لثوابت الأمة وشعائر دينها.
اللهم احفظ على الأمة أمنها وإيمانها ,,,
نعمة الأمن
الحمد لله الولي الحميد أمر بالشكر ووعد بالمزيد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكم ما يريد ويفعل ما يريد وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد العبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم المزيد أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته.
إنه مطلب كل أمة وغاية كل دولة من أجله قامت صراعات وحروب وفي سبيله أنشئت جنود وجيوش تهدف إليه المجتمعات البشرية وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية بكل إمكاناتها الفكرية والمادية.
إنه مع العافية والرزق يشكل الملك الحقيقي من أصبح آمناً في سربه معافىً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.
إنه الأمن في الأوطان دعوة أبينا إبراهيم (( رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً )) .
ومنة الله على هذه الأمة ((وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ )) ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً )).
إن الديار التي يفقد فيها الأمن تعد صحراء قاحلة حرّى وإن كانت ذات جنات وارفة الظلال تجري من تحتها الأنهار والبلاد التي تنعم بالأمن تهدأ فيها النفوس وتطمئن فيها القلوب وإن كانت قاحلة جرداء ليس فيها من الغذاء ما يسد الرمق ومن الماء ما يروي الظمأ.
إن البلاد التي يفقد فيها الأمن كالسماء إذا فقدت نجومها وكالأرض إذا زالت جبالها الراسيات وكالسهول إذا فقدت أنهارها وغارت عيونها وذوى نباتها ويبست أشجارها.
إنه الأمن لا غناء لذي مخلوق أو لأي نفس رطبة عنه مهما عزت في الأرض أو كسبت مالاً أو شرفاً أو رفعة فلن يتمتع معافىً بعافيته وهو غير آمن وكيف يلذ أكل بدون أمن ولن تنام عين غير آمنة ولن يستريح أو يستقر ضمير خائف أو بال مزعزع كلا يا عباد الله فلا راحة ولا هدوء ولا اطمئنان أو استقرار بدون أمن ففي رحاب الأمن وظله يأمن الناس على أموالهم وحارمهم وأعراضهم وفي ظلال الأمن يعبدون ربهم ويقيمون شريعته.
في رحاب الأمن وظله تعم الطمأنينة النفوس ويسودها الهدوء وترفرف عليها السعادة وتؤدي الواجبات باطمئنان من غير خوف هضم ولا حرمان.
لو انفرط عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج وتأمل فيمن حولك ستجد الواقع ناطقاً واسأل العراق ستجده على هذه الحقيقة شاهداً.
أيها المسلمون
إن أمراً هذا شأنه ونعمة هذه أثرها لجدير بنا أن نبذل في سبيلها كل رخيص وغال وأن تستثمر الطاقات وتسخر الجهود والإمكانات في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها.
يا عباد الله
إن الأمن لا يدرك بالبطش والجبروت والاستبداد والقهر ورفع سياسة(( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)) .
ولو كان الأمر كذلك لكان الروس وأضرابهم أنعم الناس بالأمن، ولا يدرك بالتساهل والتسامح مع المجرمين والمفسدين إلى حد الفوضى وإلا لكانت بلاد الغرب أكثر بلاد العالم أمناً وإن الأمن يا مسلمون لا يتوفر باستعمال التقنية الحديثة والأجهزة الدقيقة والأسلحة الفتاكة فما نفعت تلك الوسائل أمريكا والجرائم عندهم تحصى بالثواني واللحظات.
لقد فشلك كل هذه الوسائل وأفلست كل نظم الأرض وحيل البشر فلم تستطع توفير الأمن وآن لنا أن ندرك أن الأمن الذي نعيشه ونتفيؤ ظلاله إنما هو منحة ربانية ومنة إلهية مربوطة بأسبابها ومقومتها والتي من أعظمها إقامة شرع الله وتنفيذ حدوده والاعتزاز بعقيدة التوحيد ومناصرتها والدعوة إليها وبدون ذلك لا سبيل إلى الأمن ولو استعنت بقوى الأرض كلها.
إن قدّرنا أن ننعم في هذه الحياة بالأمن متى استقمنا على شريعة الله وأن نحرمه متى انحرف بنا المسار عن الله ومنهجه فإن حدنا عن منهجه حصل خلل واضطراب يؤدي هذا الخلل إلى فساد وإفساد كما حدث للأمم من قبلنا عندما تركت شرع الله ودينه وحل فيها الخصام محل الوئام وزرعت في نفوس أهلها البغضاء بع أن كانت تظللها المحبة والألفة والإخاء (( َفنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء)) .
الإيمان هو الذي يحقق الأمن للمجتمع ويقيه من الأخطار فإذا تخلى أبناء ذلك المجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم أحقت بهم المخاوف من كل جانب وانتشرت بينهم الجرائم وهذه هي السنة الربانية فيمن يعرض عن طاعة ربهم سبحانه (( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً)).
أيها المسلمون
لقد أدرك أعداء الإسلام أن استمساك المسلمين بدينهم وشريعة ربهم هو سر قوتهم وسبب وحدتهم وعامل أمنهم فعملوا حسداً من عند أنفسهم على وضع مخطط يهدف إلى اغتيال عقيدة المسلمين من جانب وإقصاء الشريعة عن حياة المسلمين من جانب آخر مستعينين في ذلك بأذنابهم ممن يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين مستخدمين لأجل ذلك كل وسائل الفساد والإفساد من أجل إزالة العاصم الذي يحمي ديار الإسلام وهدم الحصن الآمن الذي ينعم به المسلمون.
يا عباد الله
وإذا كنا بحمد الله في هذا البلد ننعم بأمن وارف واستقرار شامل فمع ذلك بدأنا نسمع أخيراً عن بعض الثغرات الأمنية والتي لا تشكل بحمد الله ظاهرة مقلقة لكنها نذير بزوال النعمة وزعزعة الأمن وإشارة إلى وجود خلل في بناء المجتمع لا بد من تداركه وإزالته, إلى أن الأمة كافة غيرت فغير الله عليها، وإن الله لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
إن أمن البلاد مسئولية ونعمة الأمن جديرة بأن يتكاتف الجميع للمحافظة عليها وبذل أسبابها والتضحية من أجلها.
لا بد أن ندرك أن نعمة الأمن لا تدوم إلا بدوام أسبابها ولا توجد إلا بوجود مقوماتها والتي من أعظمها عبادة الله بمضمونها الشامل (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْض)) ز
وتوحيد الله والإيمان به والتخلص من خوارم العقيدة ومحاربة البدع والخرافات عامل من عموامل حصول الأمن ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون)) .
َولكي يدوم الأمن في البلاد فلا بد من تربية الأمة رجالها ونسائها على طاعة الله والاستقامة على شرعه والبعد عن معصية وعندما تستقيم النفوس على طاعة الله سبحانه ويعرف كل إنسان حقوقه وواجباته وتعمر قلوب المؤمنين المحبة لله ورسوله والشفقة على العباد ويسود التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع فما أسعد هذا المجتمع وأهنئه.
النفوس المطيعة لا تحتاج إلى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي تردع عن الجرائم لأن رقابة الإيمان أقوى والوازع الإيماني في قلب المؤمن يقظ لا يغادر العبد ولا يتخلى عنه ومن هنا فلا بد من غرس مفهمو الخوف من الله ومراقبته في نفوس الناس بدلاً من تخويفهم بالأنظمة والقوانين فليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تُحترم فيها الحقوق وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبات المالية لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة النظام وليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تداينها في كفالة احترام الحقوق وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه.
أيها المسلمون
ويستجلب الأمن ويحافظ عليه بالقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى الفردي والشعبي والرسمي فهو صمام أمان المجتمع وبه يحصل العز والتمكين : (( َلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ)) .
وبقدر ما تتخلى الأمة عن هذه الشعيرة بقدر ما يستأسد المجرمون ويستعلي المجرمون لأنهم فقدوا اليد الحازمة والقوة الرادعة التي يمثلها حراس الفضيلة ممن لهم في ميدان البذل والعطاء بصمات وفداء.
ويحافظ على الأمن بالعدل في كل جوانب الحياة فالراعي مع رعيته والأب مع أهله وزوجاته والمعلم مع طلابه والرئيس مع مرؤوسه والكفيل مع عماله فالظلم يولد الأحقاد والرغبة في الانتقام.
ومتى تحقق العدل حصل الأمن فاعدل أيها المسلم في تعاملك وحكمك وحينها نم حيث شئت فقد عدلت فأمنت فنمت, ومن مقومات الأمن إقامة الصلاة وتربية الناشئة عليها فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي حصن عن كل شرور وحاجز عن كل جريمة.
ويتحقق الأمن بتهيئة المحاضن التربوية للشباب ودعم كل المؤسسات العاملة في تربية الناشئة من حلقات القرآن ومراكز صيفية دائمة.
ومن أقوى الأسباب لحصول الأمن معالجة كل ظواهر الانحراف لدى الشباب من منطلق إيماني ومفهوم إسلامي.
إن من أبرز أسباب انحراف الأبناء ما تعيشه بعض البيوت من فقر يخيم عليها أو نزاعات وشقاق بين الآباء والأمهات وما ينتج عنها من حالات طلاق وتشتت وتشرد وضياع ومن الأمور المعلومة أن الولد عندما يفتح على الدنيا عينيه..
الخطبة الثانية
فإن الأمن والاستقرار يظل ويبقى حينما تعالج الأخطاء والتجاوزات بكل هدوء وحكمة بعيداً عن التشنج والانفعال والغضب والمبالغات والتهويل أو معاقبة الأبرياء بجريرة المذنبين.
والأمن والاستقرار يتحققان حينما يقوم العلماء بدورهم في احتواء الموقف ومعالجة الأحداث وتقريب وجهات النظر وتهدئة الانفعالات وفتح قنوات الحوار الهادف الهادئ مع الشباب لترشيد حماسهم وتوجيه انفعالهم وتسخير طاقاتهم في خدمة الأمة ودينها.
أما أن يعيش العلماء في برجهم العاجي ومن خلال مكاتبهم الوثيرة يهاجمون الشباب ويتهمونهم ويتطرفون في احتقار أفكارهم والتساهل بقدراتهم ويأنفون من تساؤلاتهم ومطالبهم فإن هذا يولد فجوة بين العلماء والشباب تدفع الشباب إلى تصرفات غير مدروسة وأعمال غير مشروعة فافتحوا أيها العلماء والدعاة صدوركم وبيوتكم ومكاتبكم للشباب ووجهوا حماسهم وهذبوا عواطفهم.
وإن الأمن الوطني لا يتحقق إلا بوجود الأمن الفكري وذلك بحماية الأجيال الناشئة وشباب الأمة من دعوات التغريب ودعايات الفساد والإفساد.
لكي يتحقق الأمن لابد من حماية شباب الأمة وتحصين أفكارهم من الهجمات الداخلية التي تسمم العقول وتحرف السلوك وتسيء إلى الدين وتقضي على الأصالة وتشكك في الولاء وصدق الانتماء.
لكي يتحقق الأمن لابد من القضاء على مغذيات الجريمة وقطع عروق الانحراف من مجلات ساقطة ووسائل إعلام هابطة وأغانٍ ماجنة.
كيف نريد للشباب أن يستشعر المواطنة الصالحة ويحافظ على مقومات أمن الوطن ويسهم في نهضته ويقوم بواجبه تجاهه وهو في الوقت ذاته يستقي أفكاره وثقافته ومنهجه من قنوات تعمل على تخدير الأمة وشبابها من خلال إشاعة الفاحشة وبث الرذيلة ونشر الإباحية والترويج للعنف والجريمة والتعود على رؤية المنكرات وعدم التفكير بإنكارها.
ماذا فعلنا للتجمعات الشبابية على الكثبان الرملية وفي الاستراحات حيث تغرس بذور الجريمة وتشعل جذوة الانحراف.
إن حملات التوعية الأمنية خطوة إيجابية ولكنها لن تحقق هدفها ما لم يصحبها عزم أكيد ونية جادة لدراسة أسباب الجريمة ومظاهرها ومعالجتها معالجة فعالة في ضوء تعاليم الإسلام وهدي سيد الأنام.
ودين الإسلام شامل وكامل (( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ من شي)) وتطبيقه علاج لكل مشاكل المجتمعات وقضايا الدول.
وأخيراً :
ولكي يتحقق الأمن ويدوم لا بد أن يدرك شبابنا الغيور أن العبد لا يعلم أن يكون الخير والشر فيما يقتضيه الله سبحانه إلا في ضوء ما عمله الله لعباده من السنن والثواب، ومن هنا فلا ينبغي للعبد أن يتعجل الأمور أو يحلل المواقف والأحداث قبل دراستها والبحث في جوانبها متجرداً في ذلك لله عز وجل مهتدياً بالسنن والموازين والسنن الثابتة التي ذكرها الله في كتابه وعلى لسان رسوله وإذا وفق العبد إلى هذا الفضل فإنه غالباً يصدر عن الحق وينطق بالحق وينشأ عنده صفتا الحلم والأناة اللتان يحبهما الله عز وجل وكم رأينا من أناس تعجلوا أمورهم قبل أوانها فكانت نتيجتها وبالاً وشراً عليهم وعلى أمتهم.
ومن صور الاستعجال ما نراه من تعجل بعض الغيورين في قطف ثمرة جهدهم وتعريض أنفسهم للابتلاء وتمنيهم لمواجهة العدو وينسون ويغفلون عن قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاصبروا)) .
فإن المرء لا يدري ما تؤول إليه الحال عند مواجهة العدو ومشاهدة الأهوال وكم من أناس استعجلوا الابتلاء قبل أوانه فلما أصبحوا تحت وطأته ضعفوا وانتكسوا والعياذ بالله .
وقد ذكر الله قصة أولئك الذين كرهوا كف اليد عن الكفار وتمنوا القتال فلما كتب عليهم رغبوا عنه وهذا من آفة الاستعجال ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ)).
إن أشد الناس حماسةً واندفاعاً وتهوراً قد يكونون هم أشد الناس جزعاً وانهياراً وهزيمة عندما يجد الأمر وتقع الواقعة بل إن هذه قد تكون القاعدة والحكمة وأن نتجنب الأفعال الهوجاء وردود الأفعال. فما أحرانا أن نتحلى بالصبر وأن نشتغل بالبناء للنفس والناس دعوة ودعاء وصلاة وعبادة وأمراً بمعروف ونهياً عن المنكر وتربيةً للنفس وتزكية لها لكي تكون قادرة على مواجهة الشدائد والفتن والمحن.
لوحة الأمة الجميلة نرسمها نحن بأيدينا ونصنعها بقلوبنا حينما نتخلق بالوعي ونستشعر عظم هذه النعمة وخطورة فقدها نضعها حينما نتعامل مع الواقع بميزان الشرع والعقل بعيداً عن الأهواء والعواطف والرغبات الشخصية.
نعمة الأمن نحفظها حينما نحفظ حدود الله (( احفظ الله يحفظك)) .
نعمة الأمن نحفظها حينما نكف أيدي المنافقين وألسنتهم الذين يوقدون نار الفتنة ويلمزون المؤمنين ويشعلون فتيل القلاقل باستفزازاتهم لمشاعر الناس وتعرضهم لثوابت الأمة وشعائر دينها.
اللهم احفظ على الأمة أمنها وإيمانها ,,,
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى