مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / أحمد بن عبد العزيز الشاوي
وعن الأحداث حديث
الحمدُ لله الذي أغنى وأقنى، وأضحكَ وأبكى،وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له،خلق فَسَوَّى ، وقدر فهدى ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ، الذي بلغ وأنذر فوفى، وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد:
فاتقوا الله - يا عبادَ اللهِ حق التقوى ، فبتقوى اللهِ تنكشفُ الكروبُ ويجعل الله بعد عسرٍ يسراً.
اللهم احفظنا من الشرورِ والمحنِ، وجَنِبْنَا غوائلَ الفِتَنِ، واهدنا إلى خيرِ سننٍ.
مابينَ حينٍ وحينٍ يأتي مِنَ الأخبارِ ما يُكَدِرُ الخاطرَ ن ويُقلق البالُ ويُحزن ويشين ، على أرضِ الحرمين، وفي البلدِ الأمينِ دماءٌ مسلمةٌ تُراقُ ، وشبابٌ من أمةِ الإسلامِ تنشر أسماؤُهم، وصورُهم في مَواقفَ وتَصَرفاتٍ، لا تُحمدُ ولا تطاق ، مواجهاتٌ ومصادماتٌ بين مسلمين ومسلمين، أحداثٌ مؤسفة بدأت في الرياضِ ، واستقرت في بلدِ الله الأمين، ألا إنّها فتنةٌ - والفتنةُ أشدُّ من القتل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأمام ما حدثَ ، ويحدث أجدني مُضطراً للحديثِ عما يجري متجرداً من كلِ عَاطفةٍ ، وشُعورٍ إلا عاطفةَ الولاءِ للهِ ، ولرسوله وللمؤمنين، وشعورَ الحُبِّ ، والنصحِ لعباد الله الصالحين ، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فأقول متوكلاً على الحي الذي لا يموت ومسبحاً بحمده ومؤكداً لما قلته مراراً :
الوقفة الأولى : الأمنُ مطلبُ كل أمةٍ ،وهو منة من الباري لعبادِه ليعبدوه قال تعالى : (( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)) (3 ، 4) سورة قريش .
وبدون الأمنِ يتعكرُ صفوُ الحياةِ ويتكدرُ العيش ، وينشأُ الخللُ في سلوكِ النَّاسِ، وتصرفاتهم، وإنَّ الأمنَ الذي تتسابق الأممُ إلى بسطه، وتتفاخر الحضارات باستقراره وضبطه، لا يعني سلامةَ الأرواحِ، والأموالِ فحسب بل هو أعمقُ من ذلك وأشمل ، حيث يعني توفيرَ الطمأنينةِ للنفوس، وزوالَ الخوف، وعدمَ توقع المكروه، فالأمنُ في حقيقته تحريرُ للنفس والعقلِ والروح،وإطلاقُ لطاقات الإنسان، تخمدُ معه كلُ أسباب الخوفِ، وتموت بواعثُ القلق والترقب،وعلى قدر النجاحِ في تحقيقه ينمو الفكرُ، وتتفاعل الثقافةُ وتروج التجارةُ ، ويشيد العمران وتزدهر المصانع، والمزارع وتسلك السبل وتتقارب المسافاتُ .
وعلى قدرِ الإخفاق فيه تَجري الأمورُ عكس ذلك، وتتعرض كلُ منجزات الإنسان للانهيارِ والذبول بعد أن تُصاب نفسُه بالشلل ويصابُ عقلُه بالجمود .
ولأنَّ دين الإسلام دينُ الكمال والشمول،ومنبعُ السعادة للناس،فقد جاء هذا الدينُ حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموت لا يخافُ إلا الله َ، والذئبَ على غنمه،فالأمنُ يسير مع الإسلام حيث سار كظل الشيء ويحل حيث حل،ويرحل حين يرحل.
وإذا كان القضاءُ على أسبابِ الخوفِ يُعدُّ من أكبرِ التحديات التي تُواجهُ الأمم ، فتختلف الاستراتيجيات في مقاومته والقضاءِ عليه ، فإنَّ الإسلامَ كما هو منهجه يعالج المشكلة بشمولية وتكامل،وسمو وتفوق،وبكل دقة ووضوح يحدد العناصر الضرورية التي بسلامتها يتحقق الأمن ويسميها الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والعرض المال) .
فأيُّ تهديدٍ لواحدةٍ من هذه العناصر يُفقدُ الحياةَ طعمَ الأمن ويجعلُ المجتمع نهباً للخوف ومضاعفاته والظلم وتداعياته
وتتجلى عظمةُ الإسلام وكماله في تعامله مع هذه المنظومة الخماسية بترابطٍ ، وتوازن حيث إنَّ أية تهديد لواحدةٍ منها يعرض بقيتها للانهيار، فهي بمثابة حبات العقد إذا انفرطت واحدةٌ تتابعن خلفَها 0
والمُعضلة الأمنيةُ التي تُواجه المجتمعات التي تتجاهل هذا الترابط أنَّها تتعامل مع هذه العناصر تعاملاً جزئياً انفرادياً ، فتخول لنفسها تحت هاجسَ الحُرية إهدارَ واحدٍ من هذه العناصرِ كالعَقْلِ مثلاً فتبيحُ الاعتداءَ عليه، ولا تُمانعُ من تعطيلِ بعض الوقت في المسكرات وغيرها، ثم تتفاجأ بعد ذلك ونتيجة حتمية له بتعرض الدماء والأعراض ، والدين للتهديد وتحاول هذه المجتمعاتُ عبثاً أنْ تُحافظ على تلك الأربع دون خامستها، وهذا التمثيل ينطبق على أي عنصرٍ منها، بمعنى أنه لا أمن لأي منها إذا اعتدى على أحدها.
فهل نُدركَ بعد هذا أنَّ إفسادَ الأعراض بدعوات التحريرِ، وهدمَ جدران الفضيلة إنَّما هو هدمٌ لبناءِ الأمن كلِّه لو كانوا يعقلون 0
الوقفة الثانية : إنَّ ما حدث ويَحدثُ من إفساد للأموالٍ وقتلٍ للنفوسِ ، وإخلالٍ بالأمنِ ، هو أمرٌ مرفوضٌ ومستنكرٌ بكل المقاييسِ ، ولا تقره شريعةُ الإسلام فليست الغاية تبرر الوسيلةَ، ونحن ندين الله برفضه واستهجانه بغض النظر عن الفاعلين أو أهدافِهم أو مبرراتهم 0
كم سببت هذه التصرفاتُ من إشعالٍ لجذوة البغضاءِ، وإيقاد لنار فتنة عمياء، وكم شوهت من صورة حسناء، وكم أوقفت من مشروعٍ دعوي، وأضعفت من عملٍ خيري، وإننا نستنكرُها، وننكر على فاعليها بالقدرِ الذي نرفضُ، وندينُ فيه أحداثَ الخُبَرَ والمنسوبة إلى الرَّافضةِ، وأحداثَ نجرانِ التي نَظمتَها البَاطِنةُ، وتولوا كِبْرَهَا، فكلُّها في المنظومةِ سواءً وقد أصدرت هيئةُ كبارِ العلماء في هذه البلاد بياناً منذ فترةٍ أكدت فيه حرمةَ مثلِ هذه الأعمالِ، وشناعَتَها وخطأَ فاعليها، وأجمعَ على ذلك عقلاءُ الأمةُ ودعاتُها0
الوقفة الثالثة ً: إنَّ ما يَحدثُ هو مَحضُ فتنةٍ ، وابتلاء،والمسلمُ في أوقات الأزماتِ ، والفتن له موقفٌ متميز يتسم بالورعِ ، والحكمة والتعقل واللجوءِ إلى المورد العذب، والمنهل الصافي كتابِ الله وسنةِ رسوله.
ومن هنا فإنَ المتحتمَ على كلِ مسلم أنْ يَكُفَّ لسانَه عن الخوض فيما يجري تفسيقاً لأحدٍ ، أو تكفيراً أو تجريماً ، وأنْ لا ننشغلَ بالقاتلِ والمقتولِ ، والظالم والمظلوم ، فالكل قادمٌ على ملكٍ عدل لا يظلم أحداً
ولا يصحُّ أنْ نَحكمَ على طرفٍ في غياب الآخرِ, وكما قال عمرُ بن عبد العزيز – رحمه الله – ((إذا أتاك خصمٌ وقد فٌقِئَتْ عينُهُ فلا تَحكُمْ لَهُ حتى يأتي خَصْمُهُ الآخرُ فلعله قد فُقِئَتْ عيناهُ معاً)) .
إنَّ المنهجَ الشَّرعيَّ لسلف هذه الأمة في التعاملِ مع الفتن، هو الحكمُ على الفتنةِ دون المتورطين فيها، فلعلَّ من بينهم من هو جاهلٌ، أو مكرهٌ أو متأولٌ ، أو مغرر به , كما أن من بينهم من هو حاقدٌ مٌندسٌ، وما أجمل قولَ قائل السلف، وقد سئل عما شجر بين الصحابة : تلك دماءٌ سلمت منها أيادِيْنا فلا نشغل ألسنتنا بها.، والواجبُ هو الانشغالُ بالعبادة ، وبناءِ النفسِ إيمانياً وعلمياً وتربوياً, ودعوةُ الناس والتوجهُ إلى نفعِ الآخرين ، فذلك خيرٌ وأبقى وأتقى وأنقى .
الوقفة الرابعة : على الرغم من فظاعةِ ما حدث ، وخطورة تلك التصرفات فهي تجر البلادَ إلي مستنقعٍ آسن من الفوضى والاضطراب، تنعدم معه كلُ سبل الحياة الكريمة , وعلى الرغم مما ظهر للناس ولم يتأكد من نسبة هؤلاء الفاعلين إلى الجهادِ , فإنَّه لو صح ذلك فإنه يبقى عملاً فردياً يمثل فاعليه ومن ورائهم ولا علاقةَ للجهاد في سبيل الله بهذه التصرفات الخاطئة 0
ستبقى صُوَرُ الجهادِ في سبيلِ الله في أفغانستان ، والشيشان ، وفلسطين والعراق ضد الصليبيين والشيوعيين واليهود الغاصبين ستبقى شارةَ عزٍّ ، وفخرٍ للأمة ، ومنارةَ رفعةٍ وعلوٍ وهيبةٍ لها ، وقد كان الجهادُ في سبيلِ الله يوماً موضع دعم ومؤازرةٍ من هذه البلاد دعاةً ورعاةً ورعيةً.
لا يصح أبداً أن يُحملَ الأبرياءُ جريمةَ أهلَ الغلوِ، فيوصف الجهادُ بأقبحِ الأوصاف ، ويُصورُ المجاهدون بالإرهابيين،وتتبارى الأقلامُ والرسومات في لمزهم ، والسخرية بهم ، وهم الذين بذلوا دماءَهم وأرواحهم فداء لدين الله 0
نعم لا يجوزُ أن ينقل الجهادُ من أرضِ الكفر إلى بلدِ الإسلام فتُستهدفَ بلادُ المقدسات بتلك الأعمال الخاطئةِ لحجج واهيةٍ ، وأعذارٍ مرفوضةٍ .
لكن أنْ يُعمَمُ الحكمُ ، وأن يُعادى المجاهدون لأنَّ فئةً قد أخطأت في تصرفاتِها قد لبست لبوسهم فذلك من الجور والعدوان ، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا.
الوقفة الخامسة : لماذا نستبعدُ أن يكونَ لأعداءِ هذه البلاد من اليهود والنصارى دورٌ كبيرٌ في زعزعة أمننا، وإشعالِ فتيل العداوات، والنزاعات على أرضنا.
لقد أدرك أعداءُ الإسلام أن تدخلَهم العسكريَّ المُبَاشِرَ في بلادِ المسلمين أوقعَهم في حرجٍ شديدٍ ،من تنديدٍ دولي إلى خسائرَ في الأرواحِ ، والأموال وهاهم في أفغانستان والعراق يتلقون كلَّ يومٍ نكبةً جديدة ، لذا لجأوا إلى التحريش بين المسلمين ، وأوقدوا ناراً للحرب في ديارِ المسلمين ، واستغلوا فئةً من أبناءِ المسلمين ليجعلوا منهم أداةَ لتنفيذ أهدافِهم، أو لم تَسمَعْ إلى تشجيعهم الصريحِ للمظاهرات العنيفة في إيران. إنَّهم ودوا ما عنتم ولا يرقبون فيكم إلا ً ولا ذمة، فاحذروا من كيدهم ومكرهم (( وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)) (سورة النساء:0102) .
الوقفة السادسة: لا ينبغي أن يكونَ دورُنا هو التنديدُ والاستنكارُ، فذلك أمرٌ لا يتنازع عليه اثنانِ ، ولا ينطح فيه عنزتان ، وما من امرئٍ مسلم عاقلٍ إلا هو يرفض كلَ تصرف يسئُ إلى بلاد الإسلام ، ويُضعفُ أمنَها واستقرارَها ويَتيحُ للعدو ثغرات يدخلُ من خلالها .
إنَّما الحديثُ يجب أنْ يدورَ حول أسباب ما حدث وعلاجه ، ولا نريدُ طرحاً متشنجاً منفعلاً ، مؤقتاً نعودُ بعده إلى غفلتنا ولهونا.
إنَّ الذي يَجري هو انحرافٌ في الفكرِ اشترك في صناعته الجميعُ بلا استثناء .
ويأتي العلماءُ والدعاةُ في الطليعةِ حينما فرضوا على أنفسهم طوقاً من الرَّسمية والهيبةِ المصطنعةِ ، وجعلوا بينهم وبين شبابِ الأمة برزخاً وحجرا ًمحجوراً . فماذا تتوقعون من شبابِ يتقدون غيرةً وحماساً يلجأ ون إلى عالمٍ من العلماء فيقابلُهم باستدعاءِ واستعداءِ رجالِ الأمن .
ومن هنا نؤكدُ على علمائنا ودعاتنا، ومن قبل ذلك ولاةِ الأمر بأن يفتحوا صدورَهم ، ومجالسَهم ومكاتبَهم لشبابِنا، وأن يتقبلوا انفعالَهم بكل هدوءٍ وحكمةٍ، وأن يتعاملوا معَ أخطائِهم بميزانِ شعرة معاويةَ دون تَضخيمٍ للحدث، أو تهويلٍ للموقف، أو انفعالٍ مضادٍ ، يَزيدُ في أوارِ الفتنة، ويجعل للشيطان على القلوب سبيلاً.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين . أما بعد:
الوقفة السابعة :
إنَ هناك محاولاتٍ غيرِ أخلاقيةٍ ، من قبل البعض لاستثمارِ حوادثِ العنف المدانة شرعاً وواقعاً لكي تتم تصفيةُ حساباتٍ قديمةٍ مع الإحياء الإسلامي ، والصحوة الإسلامية وتصفيةُ بعض المؤسسات الدينية النشطة، والتي مارست دوراً رائعاً في العقودِ الماضية حمايةً للإسلام وقيمِه وأمنِه الاجتماعي، فضلاً عن تصفية الحسابات مع الدعاةِ ، والعلماء الذين سَبَقَ وتصدوا للمنحرفين دينياً وأخلاقياً وفكرياً وكشفوهم أمامَ الأمة ، وهناك تحريضٌ علنيٌ يومياً وفي تصاعدٍ مُستمرٍ - وكأنَّه مزادٌ بين صُحُفٍ وشَخْصِيَاتٍ - تحريضٌ للحكوماتِ لإعلانِ الحربِ على الدعوة الإسلاميةِ ، ومطاردةِ الدعاة إلى الله بدعوى مُحاربةِ الإرهاب، وتجفيفِ منابعِه ، رغمَ أنَّ من يقولون هذا الكلام هم أولُّ مَنْ يَعرفُ أنَّ مثلَ هذا التحريضِ هو السَّبيلُ الأرخصُ، والأكثرُ نجاعةً لخدمة الإرهابِ، وتقديمِ العون الأدبي والنفسي، والفكري، لسلوكه المنحرفِ.
هذا التحريضُ هو محاولاتٌ شيطانيةٌ لحرق الدارِ كلِّها وإشعال الحرائق في ديار المسلمين ، ومن ثم على العقلاء في هذه الأمة أن تتضافرَ جهودُهم للتصدي لهؤلاء الانتهازيين والمخربين ، والطابور الخامس الخفي للإرهابِ ذاتِه
هؤلاء الذي لا تطرفُ لهم عينٌ وهم يحاولون إشعالَ الحرائقِ فيما بين الحكومات وملايينِ الشباب المسلمِ الذي لا يعرفُ إرهاباً ولا يؤمن بعنفٍ ، واستمعوا إلى أنموذجٍ من هذا الاستعداءِ يسطره كاتبٌ سيءُ الذِّكرِ جعل من نفسِه خصماً للدعوةِ والدعاةِ فهو يقول : (( يرى بعضُ الملاحظين أنَّ المناهجَ ليستْ مسئولةً عن ظاهرةِ التطرفِ في مجتمعنا الآن فهو وافدٌ من الخارجِ ، لكن حتى إذا سَلِمْنَا بذلك فسوف يَجدُ المَتأَمِلُ في تاريخِ هذه الظاهرةِ أنَّ للمناهجِ و المدارسِ عُموماً دوراً وإنْ لم يكنُ مباشراً في نشأتِها، ونمائها وتعميمها وقد كانت المناهجُ - والدينية خاصة - موضوعاً للشكوى في الصحافةِ ، وفي مجالسِ النَّاسِ الخاصة منذ زمنٍ بعيدٍ ، ولم يكن سببُ تلك الشكوى أنَّ هذه المناهج تتضمن نُصوصًا يمكن أنْ تَدفعَ إلى التَّشَدُدِ فقط بل لأنَّ كثيراً منها لا علاقة له بواقعِ المُسلم اليومَ ، ولأنَّها مصنوعةٌ بلغةٍ قديمةٍ ، لا تتناسبُ مع اللغة الملائمة في مستوى التعليم العام 0
ثم يقول: وإذا أردنا استقصاءَ أسبابِ التطرفِ في مجتمعنا فسنكتشفُ أنَّ هناك ظروفاً متعددةً مهدتْ له وساعدَتْ في نشأتِهِ ونَمائِه ، وكانت المناهجُ من بينِها. وأظهرَت تلك الظروفُ أن مجتمعَنا تَعرضَ لموجةٍ عاتيةٍ من الأدلجة ،
وكان من أسبابِها العواملُ التاليةُ وأوردُها لكم باختصارٍ :
أولاً : وفودُ أعدادٍ كبيرةٍ من الحزبيين الإسلاميةِ من مختلف البلاد العربيةِ والإسلامية وكانت لهم حظوة سهلت لهم التمكن من توجيهِ التعليم.
وثانياً: ازديادُ التركيزِ على المظاهرِ الخارجيةِ للتدين ، وكان من أبرز تلك القضايا التي استحوذت على الاهتمام قضيةُ المرأة ، وتقصيرُ الثيابِ، والسواك، ووضعُ اليدين في الصلاة، والمسحُ على الخفين وتحريمُ الغناء، والموسيقى والتصويرُ والتطبب والتداوي بالعسل، والرقى والكلام عن السحر والعين والأحلام والرؤى، ونتج عن ذلك إصابةُ المجتمع بما يُشبِهُ الوسوسة.
وثالثًا : الهجمةُ الشرسةُ على ما كانُ يُسَمَّى بالحداثةِ.
ورابعاً: التوسعُ المفرط في الحديث عن أسلمة العلوم والأدب الإسلامي ، والإعجاز العلمي في القرآن.
وخامساًَ: سيادةُ الخطاب الجهاديِّ، واتسم أغلبُ هذا الخطاب بالحديثِ عن الشهادة في سبيل الله ومجاهدة الكفارِ، والمخالفين وعن المعجزات و الكرامات .
وسادساً: ما يسمى بالشَّريطِ الإسلاميِّ الذي صارَ الأداة الأولى للتهييج 0
وسابعاً: المراكزُ الصيفيةُ التي تَحولتْ إلى مُخيماتٍ دَعَوِيَةٍ خالصة .
وهكذا يمضي هذا الكاتبُ الأفاك، الأشرُ في أسلوبِ الاستعداء والتحريض ، وأمثالُه من المرتزقة كثيرٌ.
إنَّ الحقيقةَ التِّي يُؤكدُها الواقعُ والتجربةُ أنَّ التطرفَ يَغذِيْ بَعضُه بعضاً ، فتنامي التطرف العلماني والتغريبي في مجتمع يولد تطرفاً مقابلاً في الجانب الديني، ولا تُوجدَ تجربةٌ واحدةٌ من التَّجاربِ المريرةِ التِّي مَرتْ بها بعضُ البلدان في العقودِ الأخيرةِ، كان فيها لهذا التطرف العلماني المتغرب دورٌ في علاجِ مُشكلات الغلو الإسلاميِّ، بل كان دورُهم أشبهَ بمن يصب المزيدَ من الزيت على النار، لتزدادَ توهجاً واشتعالاً ، وإنما حُوصِرَ العُنْفُ وجففت منابعُه بجهودِ الدعاة والعلماءِ ، والخطابِ الوسطي المُعتدلِ ، وكلما اتسعت مساحةُ العطاءِ والتأثيرِ للخطاب الإسلامي المعتدلِ في المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية ، كلما ضاقت المساحاتُ المتاحةُ لأصواتِ التطرف والغلو، وحرمت المدُ الفكريُ والأدبيُ لها حتى تلاشت أو أوشكت .
هذا هو الدرسُ الذي نحتاجُهُ في هذا التحدي الجديدِ قبل أنْ تجرفَنا الأمواجُ بعيداً عن شاطئِ الأمْنِ والأمانِ والسَّلامِ.
وأخيراً، ونحنُ نعلنُ رفضَنا واستنكارنا لهذا النوع من الإرهابِ والعنف ، والذي ينطلق من دافعٍ دينيٍ كما أُعلنَ ، فإننا في الوقت ذاتِه نرفضُ نوعاً آخرَ من الإرهاب يُمارسُه فئةٌ من شبابنا من دافعٍ فُسوقٍي وعصياني هذا الإرهاب الذي ذهب ضحيتَه أضعافَ من ذهبوا ضَحيةَ الإرهابِ الآخر،إنَّه إرهابٌ يُمارسُ في شوارعنا تحت مسمى الدوران والتفحيط، ولم يجد وللأسف من الاستنكارِ والحَزْمِ نزراً مما لقيه الإرهابُ الآخرُ إنَّه إرهابٌ في وضحِ النهارِ يتفرج عليه الجميعُ بلا استنكارٍ.
إرهابٌ ذهبت بسببه أسرٌ بريئةٌ ، وتيتم أطفالٌ وترملتْ نساءٌ وعُوّق آلافُ، ودعاةُ هذا الإرهابِ يسرحون ويمرحون، بل ويسمون رجالَ مغامراتٍ وأصحابَ قٌدراتٍ.
إنَّ شبابنا على اختلافِ فئاتِه ، من تورط منهم في أعمالٍ دافعُها ديني أو أخرى دافعُها الأذى والفسوقُ هم بحاجةٍ إلى أيدٍ حانيةٍ أمينةٍ.
شبابنا بحاجة إلى مؤسسة لرعايتهم ، لا رعايةً رياضية تسهم من خلال الرياضة في إشعال فتيل العداوات والخلافات وتتيح الفرصة للشباب للإفساد والأذى حينما يفوز فريق أو يهزم نادٍ.
إنَّما الرعايةُ المطلوبةُ هي رعايةُ إيمانِهم، وأفكارِهم وقُدراتِهم، ومواهِبِهم لتكون في خدمةِ الدين والأمة.
الرعايةُ المطلوبةُ للشباب هي : تحصينُ عُقولِهم وقلوبِهم عن كل شهوةٍ وشبهة ، وربطُهم بالقدوات المثلى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة.
الرعايةُ المطلوبةُ للشباب هي : ملءُ فراغِهم : وإعدادُهم للعمل والكسب، وتهيئتُهم روحياً وجسدياً ليكونوا جنوداً في سبيل الله للدفاعِ عن دينِ الله ، وحُرُمَاتِ المسلمين وأوطانِهم.
وحين يجد شبابنا من يرعاهم الرعايةَ الحقة فستنمو بإذن الله البذرةُ ، وتزهو الثمرةُ وتؤتي شجرةُ هذا الوطنِ أكلَها كَلَّ حينٍ بإذنِ رَبِّهَا.
اللهم إنا نسألك أنْ تَهدي شبابَنا وأنْ تُلهمَهُمْ رُشدَهُمْ ، وأنْ تَجْعَلَهُمْ قَرَّةَ أعينٍ لَّنَا.
اللهمَّ اهدِ ولاةَ أمرِنَا لما فِيْهِ صَلاحُ أمرِنا
وعن الأحداث حديث
الحمدُ لله الذي أغنى وأقنى، وأضحكَ وأبكى،وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له،خلق فَسَوَّى ، وقدر فهدى ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ، الذي بلغ وأنذر فوفى، وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد:
فاتقوا الله - يا عبادَ اللهِ حق التقوى ، فبتقوى اللهِ تنكشفُ الكروبُ ويجعل الله بعد عسرٍ يسراً.
اللهم احفظنا من الشرورِ والمحنِ، وجَنِبْنَا غوائلَ الفِتَنِ، واهدنا إلى خيرِ سننٍ.
مابينَ حينٍ وحينٍ يأتي مِنَ الأخبارِ ما يُكَدِرُ الخاطرَ ن ويُقلق البالُ ويُحزن ويشين ، على أرضِ الحرمين، وفي البلدِ الأمينِ دماءٌ مسلمةٌ تُراقُ ، وشبابٌ من أمةِ الإسلامِ تنشر أسماؤُهم، وصورُهم في مَواقفَ وتَصَرفاتٍ، لا تُحمدُ ولا تطاق ، مواجهاتٌ ومصادماتٌ بين مسلمين ومسلمين، أحداثٌ مؤسفة بدأت في الرياضِ ، واستقرت في بلدِ الله الأمين، ألا إنّها فتنةٌ - والفتنةُ أشدُّ من القتل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأمام ما حدثَ ، ويحدث أجدني مُضطراً للحديثِ عما يجري متجرداً من كلِ عَاطفةٍ ، وشُعورٍ إلا عاطفةَ الولاءِ للهِ ، ولرسوله وللمؤمنين، وشعورَ الحُبِّ ، والنصحِ لعباد الله الصالحين ، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فأقول متوكلاً على الحي الذي لا يموت ومسبحاً بحمده ومؤكداً لما قلته مراراً :
الوقفة الأولى : الأمنُ مطلبُ كل أمةٍ ،وهو منة من الباري لعبادِه ليعبدوه قال تعالى : (( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)) (3 ، 4) سورة قريش .
وبدون الأمنِ يتعكرُ صفوُ الحياةِ ويتكدرُ العيش ، وينشأُ الخللُ في سلوكِ النَّاسِ، وتصرفاتهم، وإنَّ الأمنَ الذي تتسابق الأممُ إلى بسطه، وتتفاخر الحضارات باستقراره وضبطه، لا يعني سلامةَ الأرواحِ، والأموالِ فحسب بل هو أعمقُ من ذلك وأشمل ، حيث يعني توفيرَ الطمأنينةِ للنفوس، وزوالَ الخوف، وعدمَ توقع المكروه، فالأمنُ في حقيقته تحريرُ للنفس والعقلِ والروح،وإطلاقُ لطاقات الإنسان، تخمدُ معه كلُ أسباب الخوفِ، وتموت بواعثُ القلق والترقب،وعلى قدر النجاحِ في تحقيقه ينمو الفكرُ، وتتفاعل الثقافةُ وتروج التجارةُ ، ويشيد العمران وتزدهر المصانع، والمزارع وتسلك السبل وتتقارب المسافاتُ .
وعلى قدرِ الإخفاق فيه تَجري الأمورُ عكس ذلك، وتتعرض كلُ منجزات الإنسان للانهيارِ والذبول بعد أن تُصاب نفسُه بالشلل ويصابُ عقلُه بالجمود .
ولأنَّ دين الإسلام دينُ الكمال والشمول،ومنبعُ السعادة للناس،فقد جاء هذا الدينُ حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموت لا يخافُ إلا الله َ، والذئبَ على غنمه،فالأمنُ يسير مع الإسلام حيث سار كظل الشيء ويحل حيث حل،ويرحل حين يرحل.
وإذا كان القضاءُ على أسبابِ الخوفِ يُعدُّ من أكبرِ التحديات التي تُواجهُ الأمم ، فتختلف الاستراتيجيات في مقاومته والقضاءِ عليه ، فإنَّ الإسلامَ كما هو منهجه يعالج المشكلة بشمولية وتكامل،وسمو وتفوق،وبكل دقة ووضوح يحدد العناصر الضرورية التي بسلامتها يتحقق الأمن ويسميها الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والعرض المال) .
فأيُّ تهديدٍ لواحدةٍ من هذه العناصر يُفقدُ الحياةَ طعمَ الأمن ويجعلُ المجتمع نهباً للخوف ومضاعفاته والظلم وتداعياته
وتتجلى عظمةُ الإسلام وكماله في تعامله مع هذه المنظومة الخماسية بترابطٍ ، وتوازن حيث إنَّ أية تهديد لواحدةٍ منها يعرض بقيتها للانهيار، فهي بمثابة حبات العقد إذا انفرطت واحدةٌ تتابعن خلفَها 0
والمُعضلة الأمنيةُ التي تُواجه المجتمعات التي تتجاهل هذا الترابط أنَّها تتعامل مع هذه العناصر تعاملاً جزئياً انفرادياً ، فتخول لنفسها تحت هاجسَ الحُرية إهدارَ واحدٍ من هذه العناصرِ كالعَقْلِ مثلاً فتبيحُ الاعتداءَ عليه، ولا تُمانعُ من تعطيلِ بعض الوقت في المسكرات وغيرها، ثم تتفاجأ بعد ذلك ونتيجة حتمية له بتعرض الدماء والأعراض ، والدين للتهديد وتحاول هذه المجتمعاتُ عبثاً أنْ تُحافظ على تلك الأربع دون خامستها، وهذا التمثيل ينطبق على أي عنصرٍ منها، بمعنى أنه لا أمن لأي منها إذا اعتدى على أحدها.
فهل نُدركَ بعد هذا أنَّ إفسادَ الأعراض بدعوات التحريرِ، وهدمَ جدران الفضيلة إنَّما هو هدمٌ لبناءِ الأمن كلِّه لو كانوا يعقلون 0
الوقفة الثانية : إنَّ ما حدث ويَحدثُ من إفساد للأموالٍ وقتلٍ للنفوسِ ، وإخلالٍ بالأمنِ ، هو أمرٌ مرفوضٌ ومستنكرٌ بكل المقاييسِ ، ولا تقره شريعةُ الإسلام فليست الغاية تبرر الوسيلةَ، ونحن ندين الله برفضه واستهجانه بغض النظر عن الفاعلين أو أهدافِهم أو مبرراتهم 0
كم سببت هذه التصرفاتُ من إشعالٍ لجذوة البغضاءِ، وإيقاد لنار فتنة عمياء، وكم شوهت من صورة حسناء، وكم أوقفت من مشروعٍ دعوي، وأضعفت من عملٍ خيري، وإننا نستنكرُها، وننكر على فاعليها بالقدرِ الذي نرفضُ، وندينُ فيه أحداثَ الخُبَرَ والمنسوبة إلى الرَّافضةِ، وأحداثَ نجرانِ التي نَظمتَها البَاطِنةُ، وتولوا كِبْرَهَا، فكلُّها في المنظومةِ سواءً وقد أصدرت هيئةُ كبارِ العلماء في هذه البلاد بياناً منذ فترةٍ أكدت فيه حرمةَ مثلِ هذه الأعمالِ، وشناعَتَها وخطأَ فاعليها، وأجمعَ على ذلك عقلاءُ الأمةُ ودعاتُها0
الوقفة الثالثة ً: إنَّ ما يَحدثُ هو مَحضُ فتنةٍ ، وابتلاء،والمسلمُ في أوقات الأزماتِ ، والفتن له موقفٌ متميز يتسم بالورعِ ، والحكمة والتعقل واللجوءِ إلى المورد العذب، والمنهل الصافي كتابِ الله وسنةِ رسوله.
ومن هنا فإنَ المتحتمَ على كلِ مسلم أنْ يَكُفَّ لسانَه عن الخوض فيما يجري تفسيقاً لأحدٍ ، أو تكفيراً أو تجريماً ، وأنْ لا ننشغلَ بالقاتلِ والمقتولِ ، والظالم والمظلوم ، فالكل قادمٌ على ملكٍ عدل لا يظلم أحداً
ولا يصحُّ أنْ نَحكمَ على طرفٍ في غياب الآخرِ, وكما قال عمرُ بن عبد العزيز – رحمه الله – ((إذا أتاك خصمٌ وقد فٌقِئَتْ عينُهُ فلا تَحكُمْ لَهُ حتى يأتي خَصْمُهُ الآخرُ فلعله قد فُقِئَتْ عيناهُ معاً)) .
إنَّ المنهجَ الشَّرعيَّ لسلف هذه الأمة في التعاملِ مع الفتن، هو الحكمُ على الفتنةِ دون المتورطين فيها، فلعلَّ من بينهم من هو جاهلٌ، أو مكرهٌ أو متأولٌ ، أو مغرر به , كما أن من بينهم من هو حاقدٌ مٌندسٌ، وما أجمل قولَ قائل السلف، وقد سئل عما شجر بين الصحابة : تلك دماءٌ سلمت منها أيادِيْنا فلا نشغل ألسنتنا بها.، والواجبُ هو الانشغالُ بالعبادة ، وبناءِ النفسِ إيمانياً وعلمياً وتربوياً, ودعوةُ الناس والتوجهُ إلى نفعِ الآخرين ، فذلك خيرٌ وأبقى وأتقى وأنقى .
الوقفة الرابعة : على الرغم من فظاعةِ ما حدث ، وخطورة تلك التصرفات فهي تجر البلادَ إلي مستنقعٍ آسن من الفوضى والاضطراب، تنعدم معه كلُ سبل الحياة الكريمة , وعلى الرغم مما ظهر للناس ولم يتأكد من نسبة هؤلاء الفاعلين إلى الجهادِ , فإنَّه لو صح ذلك فإنه يبقى عملاً فردياً يمثل فاعليه ومن ورائهم ولا علاقةَ للجهاد في سبيل الله بهذه التصرفات الخاطئة 0
ستبقى صُوَرُ الجهادِ في سبيلِ الله في أفغانستان ، والشيشان ، وفلسطين والعراق ضد الصليبيين والشيوعيين واليهود الغاصبين ستبقى شارةَ عزٍّ ، وفخرٍ للأمة ، ومنارةَ رفعةٍ وعلوٍ وهيبةٍ لها ، وقد كان الجهادُ في سبيلِ الله يوماً موضع دعم ومؤازرةٍ من هذه البلاد دعاةً ورعاةً ورعيةً.
لا يصح أبداً أن يُحملَ الأبرياءُ جريمةَ أهلَ الغلوِ، فيوصف الجهادُ بأقبحِ الأوصاف ، ويُصورُ المجاهدون بالإرهابيين،وتتبارى الأقلامُ والرسومات في لمزهم ، والسخرية بهم ، وهم الذين بذلوا دماءَهم وأرواحهم فداء لدين الله 0
نعم لا يجوزُ أن ينقل الجهادُ من أرضِ الكفر إلى بلدِ الإسلام فتُستهدفَ بلادُ المقدسات بتلك الأعمال الخاطئةِ لحجج واهيةٍ ، وأعذارٍ مرفوضةٍ .
لكن أنْ يُعمَمُ الحكمُ ، وأن يُعادى المجاهدون لأنَّ فئةً قد أخطأت في تصرفاتِها قد لبست لبوسهم فذلك من الجور والعدوان ، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا.
الوقفة الخامسة : لماذا نستبعدُ أن يكونَ لأعداءِ هذه البلاد من اليهود والنصارى دورٌ كبيرٌ في زعزعة أمننا، وإشعالِ فتيل العداوات، والنزاعات على أرضنا.
لقد أدرك أعداءُ الإسلام أن تدخلَهم العسكريَّ المُبَاشِرَ في بلادِ المسلمين أوقعَهم في حرجٍ شديدٍ ،من تنديدٍ دولي إلى خسائرَ في الأرواحِ ، والأموال وهاهم في أفغانستان والعراق يتلقون كلَّ يومٍ نكبةً جديدة ، لذا لجأوا إلى التحريش بين المسلمين ، وأوقدوا ناراً للحرب في ديارِ المسلمين ، واستغلوا فئةً من أبناءِ المسلمين ليجعلوا منهم أداةَ لتنفيذ أهدافِهم، أو لم تَسمَعْ إلى تشجيعهم الصريحِ للمظاهرات العنيفة في إيران. إنَّهم ودوا ما عنتم ولا يرقبون فيكم إلا ً ولا ذمة، فاحذروا من كيدهم ومكرهم (( وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)) (سورة النساء:0102) .
الوقفة السادسة: لا ينبغي أن يكونَ دورُنا هو التنديدُ والاستنكارُ، فذلك أمرٌ لا يتنازع عليه اثنانِ ، ولا ينطح فيه عنزتان ، وما من امرئٍ مسلم عاقلٍ إلا هو يرفض كلَ تصرف يسئُ إلى بلاد الإسلام ، ويُضعفُ أمنَها واستقرارَها ويَتيحُ للعدو ثغرات يدخلُ من خلالها .
إنَّما الحديثُ يجب أنْ يدورَ حول أسباب ما حدث وعلاجه ، ولا نريدُ طرحاً متشنجاً منفعلاً ، مؤقتاً نعودُ بعده إلى غفلتنا ولهونا.
إنَّ الذي يَجري هو انحرافٌ في الفكرِ اشترك في صناعته الجميعُ بلا استثناء .
ويأتي العلماءُ والدعاةُ في الطليعةِ حينما فرضوا على أنفسهم طوقاً من الرَّسمية والهيبةِ المصطنعةِ ، وجعلوا بينهم وبين شبابِ الأمة برزخاً وحجرا ًمحجوراً . فماذا تتوقعون من شبابِ يتقدون غيرةً وحماساً يلجأ ون إلى عالمٍ من العلماء فيقابلُهم باستدعاءِ واستعداءِ رجالِ الأمن .
ومن هنا نؤكدُ على علمائنا ودعاتنا، ومن قبل ذلك ولاةِ الأمر بأن يفتحوا صدورَهم ، ومجالسَهم ومكاتبَهم لشبابِنا، وأن يتقبلوا انفعالَهم بكل هدوءٍ وحكمةٍ، وأن يتعاملوا معَ أخطائِهم بميزانِ شعرة معاويةَ دون تَضخيمٍ للحدث، أو تهويلٍ للموقف، أو انفعالٍ مضادٍ ، يَزيدُ في أوارِ الفتنة، ويجعل للشيطان على القلوب سبيلاً.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين . أما بعد:
الوقفة السابعة :
إنَ هناك محاولاتٍ غيرِ أخلاقيةٍ ، من قبل البعض لاستثمارِ حوادثِ العنف المدانة شرعاً وواقعاً لكي تتم تصفيةُ حساباتٍ قديمةٍ مع الإحياء الإسلامي ، والصحوة الإسلامية وتصفيةُ بعض المؤسسات الدينية النشطة، والتي مارست دوراً رائعاً في العقودِ الماضية حمايةً للإسلام وقيمِه وأمنِه الاجتماعي، فضلاً عن تصفية الحسابات مع الدعاةِ ، والعلماء الذين سَبَقَ وتصدوا للمنحرفين دينياً وأخلاقياً وفكرياً وكشفوهم أمامَ الأمة ، وهناك تحريضٌ علنيٌ يومياً وفي تصاعدٍ مُستمرٍ - وكأنَّه مزادٌ بين صُحُفٍ وشَخْصِيَاتٍ - تحريضٌ للحكوماتِ لإعلانِ الحربِ على الدعوة الإسلاميةِ ، ومطاردةِ الدعاة إلى الله بدعوى مُحاربةِ الإرهاب، وتجفيفِ منابعِه ، رغمَ أنَّ من يقولون هذا الكلام هم أولُّ مَنْ يَعرفُ أنَّ مثلَ هذا التحريضِ هو السَّبيلُ الأرخصُ، والأكثرُ نجاعةً لخدمة الإرهابِ، وتقديمِ العون الأدبي والنفسي، والفكري، لسلوكه المنحرفِ.
هذا التحريضُ هو محاولاتٌ شيطانيةٌ لحرق الدارِ كلِّها وإشعال الحرائق في ديار المسلمين ، ومن ثم على العقلاء في هذه الأمة أن تتضافرَ جهودُهم للتصدي لهؤلاء الانتهازيين والمخربين ، والطابور الخامس الخفي للإرهابِ ذاتِه
هؤلاء الذي لا تطرفُ لهم عينٌ وهم يحاولون إشعالَ الحرائقِ فيما بين الحكومات وملايينِ الشباب المسلمِ الذي لا يعرفُ إرهاباً ولا يؤمن بعنفٍ ، واستمعوا إلى أنموذجٍ من هذا الاستعداءِ يسطره كاتبٌ سيءُ الذِّكرِ جعل من نفسِه خصماً للدعوةِ والدعاةِ فهو يقول : (( يرى بعضُ الملاحظين أنَّ المناهجَ ليستْ مسئولةً عن ظاهرةِ التطرفِ في مجتمعنا الآن فهو وافدٌ من الخارجِ ، لكن حتى إذا سَلِمْنَا بذلك فسوف يَجدُ المَتأَمِلُ في تاريخِ هذه الظاهرةِ أنَّ للمناهجِ و المدارسِ عُموماً دوراً وإنْ لم يكنُ مباشراً في نشأتِها، ونمائها وتعميمها وقد كانت المناهجُ - والدينية خاصة - موضوعاً للشكوى في الصحافةِ ، وفي مجالسِ النَّاسِ الخاصة منذ زمنٍ بعيدٍ ، ولم يكن سببُ تلك الشكوى أنَّ هذه المناهج تتضمن نُصوصًا يمكن أنْ تَدفعَ إلى التَّشَدُدِ فقط بل لأنَّ كثيراً منها لا علاقة له بواقعِ المُسلم اليومَ ، ولأنَّها مصنوعةٌ بلغةٍ قديمةٍ ، لا تتناسبُ مع اللغة الملائمة في مستوى التعليم العام 0
ثم يقول: وإذا أردنا استقصاءَ أسبابِ التطرفِ في مجتمعنا فسنكتشفُ أنَّ هناك ظروفاً متعددةً مهدتْ له وساعدَتْ في نشأتِهِ ونَمائِه ، وكانت المناهجُ من بينِها. وأظهرَت تلك الظروفُ أن مجتمعَنا تَعرضَ لموجةٍ عاتيةٍ من الأدلجة ،
وكان من أسبابِها العواملُ التاليةُ وأوردُها لكم باختصارٍ :
أولاً : وفودُ أعدادٍ كبيرةٍ من الحزبيين الإسلاميةِ من مختلف البلاد العربيةِ والإسلامية وكانت لهم حظوة سهلت لهم التمكن من توجيهِ التعليم.
وثانياً: ازديادُ التركيزِ على المظاهرِ الخارجيةِ للتدين ، وكان من أبرز تلك القضايا التي استحوذت على الاهتمام قضيةُ المرأة ، وتقصيرُ الثيابِ، والسواك، ووضعُ اليدين في الصلاة، والمسحُ على الخفين وتحريمُ الغناء، والموسيقى والتصويرُ والتطبب والتداوي بالعسل، والرقى والكلام عن السحر والعين والأحلام والرؤى، ونتج عن ذلك إصابةُ المجتمع بما يُشبِهُ الوسوسة.
وثالثًا : الهجمةُ الشرسةُ على ما كانُ يُسَمَّى بالحداثةِ.
ورابعاً: التوسعُ المفرط في الحديث عن أسلمة العلوم والأدب الإسلامي ، والإعجاز العلمي في القرآن.
وخامساًَ: سيادةُ الخطاب الجهاديِّ، واتسم أغلبُ هذا الخطاب بالحديثِ عن الشهادة في سبيل الله ومجاهدة الكفارِ، والمخالفين وعن المعجزات و الكرامات .
وسادساً: ما يسمى بالشَّريطِ الإسلاميِّ الذي صارَ الأداة الأولى للتهييج 0
وسابعاً: المراكزُ الصيفيةُ التي تَحولتْ إلى مُخيماتٍ دَعَوِيَةٍ خالصة .
وهكذا يمضي هذا الكاتبُ الأفاك، الأشرُ في أسلوبِ الاستعداء والتحريض ، وأمثالُه من المرتزقة كثيرٌ.
إنَّ الحقيقةَ التِّي يُؤكدُها الواقعُ والتجربةُ أنَّ التطرفَ يَغذِيْ بَعضُه بعضاً ، فتنامي التطرف العلماني والتغريبي في مجتمع يولد تطرفاً مقابلاً في الجانب الديني، ولا تُوجدَ تجربةٌ واحدةٌ من التَّجاربِ المريرةِ التِّي مَرتْ بها بعضُ البلدان في العقودِ الأخيرةِ، كان فيها لهذا التطرف العلماني المتغرب دورٌ في علاجِ مُشكلات الغلو الإسلاميِّ، بل كان دورُهم أشبهَ بمن يصب المزيدَ من الزيت على النار، لتزدادَ توهجاً واشتعالاً ، وإنما حُوصِرَ العُنْفُ وجففت منابعُه بجهودِ الدعاة والعلماءِ ، والخطابِ الوسطي المُعتدلِ ، وكلما اتسعت مساحةُ العطاءِ والتأثيرِ للخطاب الإسلامي المعتدلِ في المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية ، كلما ضاقت المساحاتُ المتاحةُ لأصواتِ التطرف والغلو، وحرمت المدُ الفكريُ والأدبيُ لها حتى تلاشت أو أوشكت .
هذا هو الدرسُ الذي نحتاجُهُ في هذا التحدي الجديدِ قبل أنْ تجرفَنا الأمواجُ بعيداً عن شاطئِ الأمْنِ والأمانِ والسَّلامِ.
وأخيراً، ونحنُ نعلنُ رفضَنا واستنكارنا لهذا النوع من الإرهابِ والعنف ، والذي ينطلق من دافعٍ دينيٍ كما أُعلنَ ، فإننا في الوقت ذاتِه نرفضُ نوعاً آخرَ من الإرهاب يُمارسُه فئةٌ من شبابنا من دافعٍ فُسوقٍي وعصياني هذا الإرهاب الذي ذهب ضحيتَه أضعافَ من ذهبوا ضَحيةَ الإرهابِ الآخر،إنَّه إرهابٌ يُمارسُ في شوارعنا تحت مسمى الدوران والتفحيط، ولم يجد وللأسف من الاستنكارِ والحَزْمِ نزراً مما لقيه الإرهابُ الآخرُ إنَّه إرهابٌ في وضحِ النهارِ يتفرج عليه الجميعُ بلا استنكارٍ.
إرهابٌ ذهبت بسببه أسرٌ بريئةٌ ، وتيتم أطفالٌ وترملتْ نساءٌ وعُوّق آلافُ، ودعاةُ هذا الإرهابِ يسرحون ويمرحون، بل ويسمون رجالَ مغامراتٍ وأصحابَ قٌدراتٍ.
إنَّ شبابنا على اختلافِ فئاتِه ، من تورط منهم في أعمالٍ دافعُها ديني أو أخرى دافعُها الأذى والفسوقُ هم بحاجةٍ إلى أيدٍ حانيةٍ أمينةٍ.
شبابنا بحاجة إلى مؤسسة لرعايتهم ، لا رعايةً رياضية تسهم من خلال الرياضة في إشعال فتيل العداوات والخلافات وتتيح الفرصة للشباب للإفساد والأذى حينما يفوز فريق أو يهزم نادٍ.
إنَّما الرعايةُ المطلوبةُ هي رعايةُ إيمانِهم، وأفكارِهم وقُدراتِهم، ومواهِبِهم لتكون في خدمةِ الدين والأمة.
الرعايةُ المطلوبةُ للشباب هي : تحصينُ عُقولِهم وقلوبِهم عن كل شهوةٍ وشبهة ، وربطُهم بالقدوات المثلى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة.
الرعايةُ المطلوبةُ للشباب هي : ملءُ فراغِهم : وإعدادُهم للعمل والكسب، وتهيئتُهم روحياً وجسدياً ليكونوا جنوداً في سبيل الله للدفاعِ عن دينِ الله ، وحُرُمَاتِ المسلمين وأوطانِهم.
وحين يجد شبابنا من يرعاهم الرعايةَ الحقة فستنمو بإذن الله البذرةُ ، وتزهو الثمرةُ وتؤتي شجرةُ هذا الوطنِ أكلَها كَلَّ حينٍ بإذنِ رَبِّهَا.
اللهم إنا نسألك أنْ تَهدي شبابَنا وأنْ تُلهمَهُمْ رُشدَهُمْ ، وأنْ تَجْعَلَهُمْ قَرَّةَ أعينٍ لَّنَا.
اللهمَّ اهدِ ولاةَ أمرِنَا لما فِيْهِ صَلاحُ أمرِنا
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى