لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
مسلم
مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

مُعوقون من نوع آخر ؟  Empty مُعوقون من نوع آخر ؟ {السبت 26 نوفمبر - 10:03}

د . سليمان بن حمد العودة
مُعوقون من نوع آخر ؟


الحمد لله أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى ، وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له خلق كلَّ شيء فقدره تقديراً ، وأشهد أن محمداً عبُده ورسوله عزيزٌ عليه ما عنتنا ، حريصٌ علينا ، وهو بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وأرض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (سورة الحجرات : 13) .

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) (سورة النساء :1) .

يا أخا الإيمان تخيل نفسك زائراً لواحدٍ من معاهدِ الأمل أو دارٍ للمعاقين، فألفيتَ نفسك بين مجموعةٍ من البشر يعيشون في عالم يختلف – بعض الشيء – عن عالم الآخرين، فأحدُهم فاقدٌ للسمع أو للبصر أو لهما جميعاً، وآخرُ مشلولُ اليدين أو الرجلين أو كليهما، ومجموعةُ ثالثةٌ مصابةٌ بأمراضٍ مُزمنٍة، إن في الجسم أو في العقلِ أو بهما معاً .

إن هؤلاء وأولئك يستخدمون لغةً للتفاهم تختلف عن لغتنا، ومنهم من يمشون على الأرض بطريقةٍ غير طريقة مشينا، ومنهم من يُفكر بغير العقلية التي نُفكر فيها، وسبحان من أعطى كلَّ شيء خلقه ثم هدى، وسبحان من أودع نعماً عند قومٍ ونزعها من آخرين، ليبلوا هؤلاء وهؤلاء أيُهم أحسن عملاً ؟!.

ومن عجائب خلقِ الله!! أنك ربما أبصرت مُعاقاً يعمل وينتج أكثرَ مما يعملُ وينتج الصحيح المعافى !

وهنا نتحدثُ ونلفتُ النظر إلى معاقين ولكن من نوعٍ آخر، ولكن قبل ذلك أقول: إن المُعاق بفقدِ حاسةٍ أو عضوٍ، فذاك قدرٌ كوني وحسبُ هذا المعاق أن يصبَر ويحتسب، وألا تقعد به هذه الإعاقةُ عن المشاركة في مسرح الحياة، وكم من معاقٍ حفظ القرآن؟! وكم من معاقٍ يمارس الدعوةَ إلى الله؟! وكم من معاق يُتقنُ من المهارات والأعمال مالا يقدر عليه الأسوياء !

كم من مُعاقٍ يملك همةً عالية، ولم تقعد به إعاقتُه عن ممارستها، وربما حرّك بهمتِه وفاعليتِه همم الآخرين من الأسوياء!! وكم يشهد تاريُخنا الإسلامي في القديم والحديث على وجود عدد من النبلاء الأفذاذ، وإن فقدوا شيئاً من جوارحهم، أو لم تكتمل لهم قواهم، ومع ذلك أثروا وساهموا مساهماتٍ جليلةٍ في الجهادِ أو العلمِ أو مجالات أخرى .

صحيح أن الله قال: (( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )) (سورة النور:61) .

ولكن هؤلاء لم يعذروا أنفسهم، فحمل الأعمى الراية في سبيل الله، وقال ابنُ أم مكتوم رضي الله عنه: (( ادفعوا إلي اللواء فإني أعمى لا أستطيع إن أفر وأقيموني بين الصفين )) ( ابن سعد في الطبقات ، الذهبي في السير 1 /364 ) .

وأصر عمرو بنُ الجموح- رضي الله عنه- وهو الشيخُ الكبير والأعرج المعذور، إلا أن يشارك في الجهاد، وأن يطأ بعرجته الجنة، فدخل المعركة وكان من بين شهداء المسلمين في أحد .

وجعفر أيضاً- رضي الله عنه- لم تقعد به الإعاقة عن مواصلة القيـادة للمسلمين في (مؤتة) حتى إذا سقط في أرض المعركة شهيداً، على أثر قطع يديه ثم بتر جسمه، أعاضه الله عن تلك اليدين بجناحين يطير بهما في الجنة.

إنها الهمة حتى الموت، فهل قعدت الإعاقة بهؤلاء عن مشاركة المسلمين في الجهاد والدعوة، وإذا كانت تلك نماذج العطاء لمن عذروا ومن نسميهم نحن بالمعاقين، فلا تسأل عن عطاءات وتضحيات غيرهم، وهل نعيد النظر في مصطلح الإعاقة ومن هم المعاقون ؟

إذاً من هم المعاقون من نوعٍ آخر ؟ إنهم أولئك الذين أنعم الله عليهم بعطايا ونعمٍ لكنهم لم يستثمروها، إنهم معطلون لقواهم، أو صارفون لهذه الطاقات في غير محلها ، إنهم الكسالى والمحرومون، والعاجزون وأهل الأماني.

إنك حين تبصر شاباً يمتلئ حيويةً ونشاطاً، وتكتمل حواسه، ولم يُصبْ في عقله، لكنه كلٌّ على المجتمع ، لا يستفيد ولا يُفيد، لا يتعلم ولا يعمل، ليس سوياً في سلوكه، وأنى له أن يشارك في إصلاح الآخرين، إنه ليس في عملٍ للدنيا ولا في عبادة للآخرة، لم يستفد منه والداه وأهله، وأنى للمجتمع أن يستفيد منه .

شابٌ تلك بعض صفاته، أيطلق عليه سويٌ أم معاق ؟

إنه في نظري معاق، ولكن إعاقته من نوع آخر ؟

وحين ترى كهلاً بلغ من العٌمر عتياً لكن لا يحفظ من القرآن إلا نزراً، وقد لا يُحسن بعضهم قراءة الفائحة إلا تكسيراً، لا عجزاً ولكن تكاسلاً، هذا الكهل في عمره المديد ليست له همةٌ للمعالي، ولا يُعرف عنه أي مشاركةٍ في عمل خيرٍ أو دعوة ، وربما عاش دهره ولم يُضل نفسه ومن يعول ببيت يملكه، ليس فقراً ولا مرضاً ولكن ضعف همة وسوءَ تدبير، ماذا يقال عن مثل هذا ؟ أهو في عداد المعاقين أم الأسوياء، أين هذا من كهل يتحرك محمولاً ومشلولةٌ بعض أعضائه، ومع ذلك يُخيف الأعداء وينكأ بهم، سلاحه قلبٌ قوي، ولسان عقول، وهمةٌ عالية، وصبرٌ على تبعات الإعاقة ؟

وماذا يُقال عن امرأةٍ سويةٍ لكن همتها مصروفةٌ للموضة والإسراف في الزينة، تعيش عددٌ من النساء الكافرات لهدف تخدمه، وهذه المسكينة تنتهي أهدافها في حدود المطعم والملبس فهي فائقة في أنواع الطبخات، ومتابعةٌ للجديد في الملبوسات، إنها مكتملةٌ الحواس، لكنها لم تستثمر في العبودية الحقة، فقد تُأخر الصلاة عن وقتها، وقد تنام ملأ جفونها سحابة النهار وشطراً من الليل، وأسوأ من ذلك حين تستخدم شيئاً مما أنعم الله بها عليها في معصية الله، وأسوأ منه حين تفتن الآخرين أو الأخريات بسوء فعالِها ورديء أخلاقها ؟

أين هذه من امرأة بلغت بها الشيخوخة حداً تتكئ على عصاها حين تريد القيام لصلاتها، ومع ذلك فهي حافظةٌ للقرآن، ولها منه وردٌ في الصباح والمساء، محافظةٌ على السنن والأذكار، ولها نصيبُها من قيام الليل والصيام، تشعر بآلام المسلمين والمسلمات، ولذا تراها ترفع يديها بالدعاء لهم حين لا تملك شيئاً آخر تساعدهم به ، وهي تتفطر ألماً وحسرة حين ترى طائفةً من الفتيات يُضعن زهرةَ شبابهن في أمورٍ لا قيمة لها، وكأن لسانَ حالِها يقول يا ليتني كنت شابةً مثلكن لترين ما أصنع ؟

معاشر الشباب : كم نُسر حين نرى شاباً أو شابةً ملتزمين .

ولكن كم نتألم حين نرى الالتزام بصورةٍ مشوهةٍ لما أمر به الإسلامُ من أخلاق وآداب، وعلمٍ وعملٍ وذوقٍ وجمال، إنَّ الالتزام الحق ليس مظاهر فارغةً من مضمونها، ولا مجرد انتماءٍ أو ادعاءٍ، وكم يسؤ ك حين ترى ملتزماً سلبياً لا يعيش هموم أمتِه، ولا يُفكر في المساهمة في إصلاح مجتمعه ، وقد يرى حوله ثُلةً من الشباب المنحرف فلا يحدث نفسه بنصحهم ، وربما كان في طريقه إلى المسجدٍ مجموعةٌ من شباب الأرصفة أو مجموعةٌ من العمالة منهمكين في العمل – وقت الصلاة – فلا تراه يذكر هؤلاء وأولئك، وكم يسؤك كذلك أن تسمع عن هذا الشاب الملتزم أنه شعلةٌ من النشاط والخدمة مع زملائه، فإذا كان في البيت كان مثالاً للكسل والخمول، إنَّ دعاه والده لعملٍ أو قضاء حاجةً تبرم وتضايق، وإن قام بها قام مجاملاً كسولاً ومع إخوته وأخواته، نموذج لسوء الخلق، فهذا ينهره وذلك يضربه، والكلُ يفرح بخروجه من البيت ويتضايق حين يسمع بمجيئه، وأنى لهذا الشاب أن يقدم الدعوة لأهل بيته، ولو حاول وهو بهذه المثابة من الخلق فأنى لمن حوله أن يستجيب لـه، هو في خارج المنزل كثير الحديث عن أهمية التبكير للصلاة ، ولكن إذا نام في البيت كان شغل أهله في الأيقاظ، وربما قضى الصلاة كثيراً في المنزل، هو اجتماعي منطلق مع زملائه لكن مع شبابِ أسرته وعشيرته نموذجٌ للانطوائية والسلبية، فهل مثل هذا سوءٌ أو معوَّق ؟ وللحق فإن عدداً من الشباب والشابات الملتزمين والملتزمات يربئون بأنفسهم عن هذه الازدواجية، وفيهم نماذجٌ للذوق الرفيع والخلق الكريم في الأخلاق والمعاملة، ولكن الحديث هنا موجهٌ إلى فئةٍ من المعوقين لكن من نوع آخر، إنه حديث عن فئة محسوبة على الشباب الأخيار، لكن حياتَه وبرنامَجه وكلامَه وخُلقُه على خلاف ذلك، فهو عِبء على الدعوة، وخلل من الداخل، إنه معوق لنفسِه وعائقٌ لإخوانه .

عباد الله :

وثمة نوعٌ آخر من معوقين لكن من نوع آخر، إنه العالمُ أو طالبُ العلم الذي يحفظ كماً من النصوص، ويستظهر عدداً من الأدلة الشرعية ، ويعرف – أكثر من غيره – في الأحكام والآداب والأخلاق، ولكن لا يرفعُ بالعلم رأساً، فهو في ذاتِ نفسه مُقصرٌ أكثر من تقصير العوام والجهلة، ففي المسجد تراه في مؤخرة الصوف، وربما قضى الصلاة كثيراً، وربما اطلعت في بيته على عددٍ من المنكرات لا يرضاها من هو دونه في العلم والفقه، وإذا سألت عن نوع تعامله مع الآخرين قيل لك ما يسوء من الغلظة والفضاضة والطمع والشره، وهو مانعٌ لزكاة العلم فلا تراه في حلقةٍ يُعلم، ومن النصف أن يُقال أن عدداً ممن يحملون العلم ليس هذا شأنهم، ولكن الحديث تنبيهٌ عن فئةٍ معاقة وما بها في الحقيقة من إعاقة. ومحرومة وهي تمتلك ما تتجاوز به الحرمان والذكرى تنفع المؤمنين ، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ، والله الهادي والموفق إلى سواء السبيل.

اللهم انفعنا وانفع بنا .



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، أفاء على عباده من النعم ما يستوجب الشكر والعمل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فاوت في الهمم بين عباده، فهذا نشيط وذاك كسول، وهذا مُعطى وآخرُ محروم، وربُّك حكيمٌ عليم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله كان نموذجاً للعملِ الدؤوب ، والجدَّ والاجتهاد، وقد أوصى أمته بذلك كلَّّه، والسعيدُ من سار على نهجه واقتفى أثره، اللهم صلي وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين .

أيها المسلمين وفي عالَمِ واقعنا.

ربما رأيت وسمعت عن إنسان يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وأرصدته الضخمة تتوزع على عدد من البنوك والمؤسسات والشركات المصرفية – لكنه قتورٌ مُمسك ، تكاد تُشفق عليه إذا رأيت حاله، وربما ظنَّه – من لا يعرفه – في عدادِ الفقراء والمحتاجين ، لا أثر لنعمة الله عليه في ذاته، وربما عاش أهلُه ومن يعول حالةً من الكفاف والتقشف والحرمان، ما أحوج الآخرين للتصدق عليهم ولربما ذهب أبناؤه يستلفون الآخرين لزواجهم أو لقضاء حوائجهم الأخرى، وكم مست الحاجة نفراً من عشيرته وأقربائه، فلم يفكروا بطلب العون منه، ومدَّ لهم آخرون يدَ المعونة وإن لم تربطهم بهم نسبٌ ولا قرابة، وأنى لهذا الصنف الممسك أن يتحسس حاجات الفقراء – من خارج أسرته –، وأنى لهذا المحروم أن يُقدم العون والمساعدةً لفقراء المسلمين هنا أو هناك !

ما فائدة هذه الأرصدة ؟

وأين حق الله في هذه القناطير المقنطرة ؟

أين سرورُه بما جمع ؟

وأين بهجةُ أهله وأولاده وعشيرته بما فتح الله عليه ؟ أين شعوره بآلام الفقراء والمعوزين ؟

أين كفكفته لدموع الأيامى واليتامى والأرامل والمحتاجين ؟ لا شيء من ذلك، بل نصيبه الكدح والهم، واللوم والذم، ذاك في الدنيا، وفي الآخرة أشدٌ وأنكى، إذا لم يؤد حق الله فيه، هذا إن كان الجمع حلالاً، فإن خالطه شيءٌ من الحرام فتلك ظلماتٌ بعضها فوق بعض، ومن لم يجعل اللهُ له نوراً فما له من نور، إنه نوعٌ من الإعاقةِ والحرمان، شعر بها هذا المسكينُ أو لم يشعر.

عبادَ الله:كم تتفاوت الهمم، وكم تتباين السلوكيات، وإذا كانت الأعمارُ واحدةً فالأعمال متفاوتة، وإذا وجد من يملكُ ولا يعمل، فيوجد كذلك من لا يملك ومع ذلك يُفكر بالعمل، ولربما لم يجد ما يعمل سوى تقديم النية الطيبة لو وجد – ودونكم هذا الهدي النبوي في أصناف أهل الدنيا، فتأملوه ،

يقول r : في سياق حثه على الصدقة (( إنما الدنيا لأربعةِ نفرٍ : عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً ، فهو يتقي فيه ربَّه ويصل فيه رحمه ، ويعمل لله فيه حقاً ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبدٍ رزقه الله تعالى علماً ولم يرزقه مالاً ، فهو صادقُ النيةِ ، يقول لو أن لي مالاً لعملتُ بعمل فلان فهو بنيتهِ فأجرُهما سواء، وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً ، يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربَّه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعمل لله فيه حقاً ، فهذا بأخبث المنازل، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملتُ فيه بعملِ فلان ، فهو بنيته فوزرُهما سواء )) ( رواه أحمد والترمذي وسنده صحيح : صحيح الجامع الصغير 3 / 61 ح 3021 ) .

عباد الله :

وأختم الحديث بنوع سابعٍ من المعاقين من نوعٍ آخر، إنها إعاقة الفكر والقلم، والشلليةُ في نوع العطاء .

فكم تُعجب بصاحب قلمٍ سيال، واطلاعٍ واسع، ولكن تُصدم حين تقرأ نوعَ مساهمته، وتعجب حين تراه يقصر اهتماماته على أمورٍ معينة، وتنحسرُ مجالات الكتابة عنده في أمورٍ أقلَّ ما يُقال فيها إنها من الأمور المُختلف فيها – وكثرة التركيز عليها، مدعاةٌ للبلبلة وتفريق الكلمة، والأمر أدهى حين يُصاحبها شيءٌ من الغرور والتعالم أو التهكم والسخرية .

إن القضايا الحية والإيجابية في تاريخنا المعاصر كثيرةٌ ومتنوعة، فما بال هؤلاء يتجاهلونها ويصرون على نكأ الجرح وجلدِ الذات ؟

إن الكاتب المسلم الذي لا ينتصرُ لحقٍ أو يدفع باطلاً معوقٌ في كتابته، والمُثقف المسلم الذي لا يُسخر ثقافته في سبيل الجهاد لإعلاء كلمة الله والدعوة للدين الحق، ومقارعة الباطل، وفضح المبطلين في ثقافته خلل، وفي فكره تعويق وشلل، والمُتاجرون للثقافة المستوردة، والمتحدثون عن رموزها أكثر من حديثهم عن الثقافة الإسلامية ورموزها، عندهم نوعٌ من التعويق.

كم هم المسلمون المظلومون اليوم؟! وكمْ من تعاليم الإسلام وأحكام القرآن والسنة تشوه اليوم، والساكتُ عن النطق بالحق ونصرة المظلومين شيطان أخرس، وكم هم الظالمون المعتدون؟ والساكتُ عن فضحِ هؤلاء أو المُجاري لهم، أوالمتحدثُ نيابة عنهم شيطان ناطق، إنه ليس هدفُ المسلم أن يكتب ويشتهر، بل كيف يكتب وعن ماذا يكتب ؟ والرقيب خبير وعتيد ((مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) (سورة ق : 18) .

أيها المسلمون :

لنُعيد النظر إذاً في مفهوم الإعاقة على ضوء مفهوم (( ليس الغنى عن كثرةِ العرض ولكن الغنى غنى النفس )) .

وعلى ضوء مفهوم (( الكيسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموتُ والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني )) .

ودعونا نقول إن المُعوق حقاً هو القادرُ الكسول ، والغنيُ المحروم، هو صاحبُ الطاقة والقاتل لها، هو الذي لا يثق بنفسه أو لا يهتم بقدراته ،فتموت الطاقات والإبداعات عنده بمحض إرادته، هو الذي يُبصرُ ثغرهً في المجتمع ويجد من نفسه القدرة على تغطيتها فلا يفعل، هو الذي يستطيع أن ينفع بكلمة أو موقف فلا يُقدم عليها، إن للسمع تعويقاً بالصدود عن سماع هدي الله، وللبصر تعويقاً وإعاقته حجبُه عن التأمل في فسيح ملكوت الله، وللقلم إعاقة، وإعاقته بحجبه عن الكتابة في نصرة الدين وخدمة قضايا المسلمين .

نحن أمةُ خيرٍ شعارُها تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله ، ونحن أمة عهدٌ الله لها وصيةُ خالِقها (( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) .

والخلاصة أن الحديث عن الإعاقةِ بهذا المفهوم موجهٌ لنا جميعاً، الصغيرُ والكبير، الشاب والكهل، الغني والفقير، الذكر والأنثى، الملتزم وغير الملتزم، المثقف ومن دونه، والهدف التعرف على ما لدينا من جوانب الإعاقة فنعالجها، وجوانب القصور فنسددها قدر ما نستطيع، والحذر من التسويف والأماني، فالعمر قصير وسهام المنايا كثيرة ومتعددة، والمسارعة للخيرات دعوة ربانية، ومن الخطأ أن نحسَّ في الإعاقة من خارج ذواتنا، ونترحم على المعاقين من غيرنا، وقد يكون فينا إعاقة أو أكثر ونحن لا ندري، فالنفتش عن أنفسنا، ولننظر في أي نوع من الإعاقة لدينا فنعالجه قبل أن يستفحل الخطر، وليست البليةُ أن يكون فينا أمراض ونحن ساعون لعلاجها، ولكن البلية أن يستشري المرض فينا ونحن لا نحس به أصلاً فضلاً عن معالجته، إنه خطاب لكل أحدٍ منا، ودعوة للمساهمة في الخير، وكل بحسبه.

اللهم انصر دينك واجعلنا من أنصاره يا رب العالمين، اللهم صلي على محمد وعلى آله أجمعين .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى