مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د.محمد بن عبد الله الهبدان
النكاح وعوائقة
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديهِ اللهُ فلا مُضل له، ومن يُظلل فلا هادي له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسلمياً كثيراً.
أيُّها المسلمون :
لقد أقامَ الإسلامُ بناءَ الأسرةِ على دعائمَ ثابتةٍ، وأسسٍ مُتقنةٍ، من الخُلقِ الرضي، والسلوكِ النقي، والدينِ الخالص، والمصلحةِ العامةِ للأمةِ، والنفعِ المحققِ لكلِّ فردٍ من أفرادِ المجتمع، فهاهُو الإسلامُ يندُبُ الناسَ إلى الزواجِ، ويجعلُهُ من سُنِنهِ، ويُحذِرُ من الرغبةِ عنهُ أعظمَ تحذير، بل وصلَ الأمرُ إلى أن يجعَلَهُ علماءُ الإسلامِ من الضروراتِ الخمس، التي جاءتِ الأديانُ لتحقيقها، تحتَ ضرُورةِ حفظِ النسل، قال تعالى: (( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) [32:النور] .
ويقولُ اللهُ عز وجل في معرضِ وصفِ الرسلِ ومدحِهم، بأنَّ لُهم أزواجاً وذرية: (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا )) [38:الرعد ] .
وأثنى اللهُ تعالى على عبادهِ الصالحينَ حين قالوا: (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ )) [74:الفرقان] .
ويقولُ- عليه الصلاةُ والسلام-: (( يا معشرَ الشبابُ من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوج، فإنَّهُ أغض للبصر، وأحصن للفرج )) الحديث رواهُ البخاري ومسلم .
أيُّها المسلمون: إنَّ هذا الموقف - أعني الحضُّ على الزواج - يُحقِقُ غرضينِ جليلين:
أما أولهما :
فهو مُسَايَرَةُ الفطرةِ الإنسانيةِ التي فطرَ اللهُ الخلقَ عليها، وتصعيدُ الغريزةِ على وجهٍ يُحقِقُ الخيرَ والفضيلة، بل إنَّ الإسلامَ ليعدُّ ممارسةَ العملِ الغريزي في نطاقِ الحلالِ المشروعِ صدقة، يستحقُّ صاحِبها الثواب، لأنَّهُ امتثلَ أمرَ اللهِ في التزامِ الحلالِ والوقوفِ عندَ حُدودَ اللهِ، قال r : ((وفي بضع أحدكم صدقة ، قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوتَهُ ويكون له فيها أجر ؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) رواه البخاري ومسلم.
وأما ثانيهما :
فهو استمرارُ وجودِ الجنسِ البشري على ظهرِ هذهِ الأرض، حتى يأذنَ اللهُ بأمرٍ آخر، إنَّ الحياةَ البشرية لا يتحققُ فيها الوفاءُ إن لم تستمرَّ الأجيالُ في عمليةِ عمارةِ الأرض، وتحقيقِ الخلافةِ، بل إنَّها تكادُ تفقدُ قيمتها عندما يحسُّ المرءُ أنَّهُ نبتةً وحيدةً لا امتدادَ لها في هذا الوجود، من أجلِّ ذلكَ كُلِّهِ كان الزواجُ من سُنةِ المصطفى r ، قال r: (( من رغب عن سنتي فليس مني )) رواهُ البخاري ومسلم.
أيُّها الأخوةُ في الله:
وإذا نظرنا في واقعنا وجدَنا مُعوقاتٍ عدَّة، تصدُّ الشبابَ عن الزواجِ لعلَّ من أهمِهَا وأبرزِها المغالاةُ في المهور، هذهِ المغالاةُ التي بلغت حداً لا يُطاق، وبالنسبةِ لشبابٍ ناشئينَ، فترى بعضُهم إذا خطبَ إليهِ رجلٌ ابنتهُ أخذ يُحدُ شفرتهِ، ليفصلَ ما بينَ لحمهِ وعظمه،
فإذا قطعَ منهُ اللحم، وهشَمَ العظمَ، وأخذَ منهُ كلَّ ما يَملك، سَلَمَها له، وهو في حالةِ بؤسٍ شديدين، مُثقلاً بأوزارِ الديون، التي تُكدِرُ عليهِ صفوهُ، وتجلبُ هُمَهُ وغمَّه، فتذلَهُ بالنهار، وتقضُّ مضجعهُ بالليل، ويغلي بنَارِها قلبه، إنَّ الزواجَ أصبحَ بالنسبةِ إلى الشابِ الناشئِ ضرباً من المستحيل، ولقد أثَّر هذا الوضعُ أثراً سيئاً في المجتمع، إذ جعلَ نسبةَ العوانسِ ترتفعُ، وجعلَ الفسادَ ينتشر، والانحلالَ يتفاقم، وانصرفُ الكثيرُ من الشبابِ عن الزواج، ولذا غضبَ رسولَ اللهِ r من كثرةِ المهرِ، فقد جاءَ رجلٌ من الصحابةِ يستعينه، فقالَ رسولُ اللهِ r : (( على كم تزوجتها ؟ قال: على أربعِ أواقٍ، فقالَ لَهُ النبيُّ r: على أربعِ أواق ؟ كأنَّما تَنحِتُونَ الفضةَ من عَرْضِ هذا الجبلِ، مَا عندنَا ما نُعطِيك )) الحديث رواه مسلم .
وهذا عُمرُ الفاروقِ يُدركُ بثاقبِ نظرهِ ما يُمكنُ أن يُهددَ المجتمعُ من المَخاطرِ والشرورِ بسببِ المغالاةِ في المهور، فلقد جاءَ عنه أنَّهُ قال: (( ألا لا تغالوا صدُقات النساء فإنَّها لو كانت مكرمةً في الدنيا، أو تقوى عندَ اللهِ لكانَ أولاكُم بها نبيُّ الله، ما علمنَا رسولُ الله r نكحَ شيئاً من نسائهِ ولا أنكحَ شيئاً من بناتِهِ على أكثرِ من اثنتي عشرةَ أوقية )) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، .
قال شيخُ الإسلامِ- رحمه الله-: والمستحبُ في الصداقِ - مع القُدرةِ واليسار - أن لا يزيدَ على مهرِ أزواجِ النبيِّ r ولا بناتِهِ، وكانَ ما بينَ أربعمائةِ إلى خمسمائة، بالدرَاهِمِ الخالصةِ، نحواً من تسعةَ عشرَ ديناراً، فهذهِ سُنةُ رَسولِ اللهِ r، من فعلَ فقد استنَّ بسنةِ رسُولِ اللهِ r في الصداقِ، قال أبو هريرةَ t : ( كانَ صداقُنا إذ كانَ فينا رسولُ اللهِ r عشرَ أواق، وطبقَ بيديهِ، وذلكَ أربعمائة درهم، إلى أن قالَ: ( فمن دعتهُ نفسُهُ إلى أن يزيدَ صداقَ ابنتهِ على صداقِ بناتِ رسولِ اللهِ r اللواتِي هُنَّ خيرُ خلقِ اللهِ في كُلِّ فضيلة، وهُنَّ أفضلُ نساءِ العالمينَ في كلِّ صفةٍ، فهُو جَاهِلٌ أحمق، وكذلكَ صداقُ أُمهات المُؤمنينَ، وهذا مع القدرةِ واليسار، فأمَّا الفقيرُ ونحوهُ فلا ينبغي لهُ أن يُصدق المرأةَ إلاَّ ما يقدِرُ على وفائهِ من غَيرِ مشقة ) أ هـ 1
ولو نظرنا أيُّها المُسلمُونَ في الواقعِ العملي للمسلمينَ في عهدِ السلفِ، لوجدنا أنَّ الأمرَ أيسرَ بكثيرٍ ممَّا هُو موجودٌ الآن، فقد تَزوجَ عبدُ الرحمن بن عوفٍ على وزنِ نواةٍ من ذهب، قالوا ووزنها ثلاثةُ دَراهمَ وثُلث ، وهذا سعيدُ بن المسيب- رحمهُ الله- يُزوجُ ابنتهُ على دِرهَمَين، وهيَ من أفضلِ بناتِ قُريشٍ بعدَ أن خَطَبها الخليفةُ لابنهِ، فأبى أن يُزوِجَها به، وهذهِ أمُّ سُليم، جعلت مَهرها أسلام أبِّي طلحة، فزوجَها رسولُ الله r على ما شرطت .
هكذا كانت سيرةُ السلفِ الصالحِ y في شأنِ المهرِ، ولا يظنُ ظانٌ أنَّ ذلكَ كانَ من أجلِ شَظفِ العيشِ وقلةِ ذاتَ اليد، فقد كانَ كثيرٌ من الصحابةِ من الأثرياءِ، فهذا أَبو بكر t من أتجرِ قُريشٍ كما تقُولُ عائشةَ، وهذا عُثمانَ t يتصدقُ في مجلسٍ واحدٍ بثلاثِ مائةَ بعير، بأحلاسها وأقتابها، وكانت تركتهُ t كما قالَ الحافظُ ابن سعد: ثلاثونَ ألف ألفَ درهم، وخمسُمائةَ ألفَ دِرهمَ وخُمسُونَ ألفَ دِينار، وتركَ ألفَ بعيرٍ، وتركَ صدقاتٍ تصدقَ بها قِيمتَهُ مائتي ألفَ دِينار، وهذا طلحةَ بن عُبيد اللهِ t تركَ كما قالَ والدُهُ محمد ألفي ألف دِرهم، ومائتي ألفَ درهم، ومائتي ألفَ دينار، وهذا الزُبيرُ بن العوام t تركَ خمسةً وثلاثُونَ ألفَ ألفَ، ومائتا ألف، أي ما يزيدُ على الخمسينَ مليون، وغيرِهم كثير، ولكن هُو الامتثالُ والانقيادُ لأمرِ نبيِّهم محمد r .
وليعلمَ الآباءُ الذين يرونَ أنَّ رفعَ المُهُورِ ضماناً لبناتهم، أنَّ الذي يكرَهُ زوجَتَهُ ويريدُ طلاقَها لا يُمكِنُ أن تقفَ في وجهِهِ مُشكلةَ المال، بل على النقيضِ من ذلكَ، فلَرُبما أبغضَ الرجلُ زوجتهُ فضارَّها حتى تفدي نفسَها منهُ، فلا تستطيعُ إلى ذلكَ سبيلاً، فتبقى المِسكِينَةُ تحتَ وطأةِ ذلكَ الرجلُ واضطهاده.
فاتقوا اللهَ يا مُسلِمُون: واعلموا أنَّكُم مَوقُفُونَ في يومٍ مهُول، ومسئولون عَمَّا استرعيتم من الأمَانة، فأعدُّوا للسؤالِ جواباً، وللجوابِ صوابا.
أيُّها المُسلمون: وعقبةٌ أُخرى، تلكَ التكاليفُ التي ابتدعَها حفنةٌ من الناسِ، وتمالئُوا بها، حتى أثقلت كاهلَ الزوج، ونفرت من الزواجِ، ذلكَ الإسرافُ المُهين، والتبذيرُ الرهيب، في شِراءِ الأقمشةِ المُرتفعَةِ الأثمان، وأدواتِ التجميلِ الباهظةِ الأسعار، والمُبالغةِ الضَخمةِ في تأثيثِ قفصِ الزوجية، ناهيكَ عن إقامةِ الولائمِ في الفنادقِ وغيرها ؟ ولنا أن نتساءَل: من المستفيدُ من هذا كُلهِ يا مُسلِمُون ؟ إنَّها أموالٌ تذهبُ هَدراً ، وتُضاعُ سُدى، وتكونُ حَجرَ عثرةٍ لشبابنا، ولقد كانَ أمرُ الزواجِ أيسرَ بكثير، ولكنَّ الناسَ أنفُسَهُم يظلمُون، فقد رأى النبي r على عبد الرحمن بن عوفٍ ردع زعفران، فقال: (( مهيم ؟ قال يا رسولَ الله تزوجتُ امرأةً ، قال ما أصدقتَها ؟ قال وزنَ نواةٍ من ذهب، قال فباركَ اللهُ لك، أولم ولو بِشَاة)) رواه البخاري ومسلم، وقالت عائشة : ((أولمَ رسولُ اللهِ r على بعضِ نسائهِ بِمُدَين من شعير )) رواه البخاري.
فهذا رسولُ اللهِ r أكرمُ البشريةِ وأزكى البريةِ هذه أقواله، وهذهِ أفعاله، فلماذا نضربُ بها عرضَ الحائطِ ونستمعُ لثرثةِ فلانٍ وعلان، هذا عارٌ وهذا شنار، كيفَ تُزوج ابنتكَ ولم تضع لها حفلةً تُكتبُ في التاريخ، أهيَ أقلُ من غيرها، فإلى أولئكَ البائسينَ نُذكِرِهُم بقولِ الله تعالى: (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (سورة النور : 63) .
ألا فليتقِ اللهَ أولئكَ ويعُودُوا إلى رُشدِهم، ويتمسكوا بسنةِ نبيهم، فبها النجاةُ والله، والسلامةُ والعافية .
عباد الله: وعقبةً أُخرى، تلكَ التي يُردِدُها أربابُ الأفكارِ المُسمَومة، الذين ينفُثُونَ سُمُومَهم عبرَ قَنواتٍ مُتعددة، يُقرِرُونَ من خِلالِها أنَّ التبكيرَ في الزواجِ عملٌ غيرُ صالح، وضربٌ من التغريرِ بالمُراهقين، وما عَلِمَ هؤلاءِ أنَّ رسولَ اللهِ r ألجمَهُم بقوله: ((يا معشرَ الشبابَ من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوج، فإنَّهُ أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطيع فعليهِ بالصومِ فإنَّهُ لهُ وجاء )) رواهُ البخاري ومسلم.
خطابٌ عظيم، يُوجِهُهُ صاحبَ الشريعةِ، الخبيرُ بأحوالِ أُمته، العليمُ بطبَائعهم المختلفة، إي الشباب، يُرشِدُهُم فيهِ، ويعِظُهم إلى فضيلةِ النكاحِ الذي يقعُ بهِ غضُّ البصرِ، وحفظُ الفرجِ، فهل يفقهُ هذا التوجيهُ النبويُّ الكريمِ الذينَ اغتروا بتلكَ العباراتِ الرنانة، والدعايةِ الباطلةِ في دعوى تأخيرِ الزواجِ، أسأل الله ذلك .
ومن تلك العقباتِ التي تحدُّ من الزواجِ، الاحتجاجُ بفقرِ الزوجِ وعدمِ استلامهِ لوظيفة، فإلى أولئكَ نُوجِهُ لهم قولَ اللهِ تعالى: (( إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (سورة النور :32) .
روى عن أبي بكر الصديق t أنَّهُ قال: (( أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاحِ يُنجز لكم ما وعدَكم من الغنى .
قال تعالى: (( إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ )).
وروى الإمامُ أحمد في مسندهِ عن أبي هريرةَ t قال قال رسولُ الله r : (( ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونُهم:الناكحُ يُريدُ العفاف)).
الحديثُ هذا هُو منطقُ الإيمانِ وليسَ ما يسُودُ اليومَ في بعضِ الأوساطِ من المُنطلقِ المادي، الذي يحكُمُ تصرفاتِ الناسِ بعيداً عن التوكلِ على اللهِ والاعتمادِ عليه، وقد نسيَ هؤلاءِ أنَّ اللهَ هُو الرزاقُ ذُو القُوةِ المتين، وأنَّ كثيراً من الأغنياءِ كانُوا بالأمسِ القريبِ فُقراءَ لا يملِكُونَ نقيراً ولا قطميراً .
بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية
أيُّها المسلمون:
وإذا تأملتَ في واقعِ بعضِ المُعرضِينَ عن الزواجِ تلحظُ أنَّهم يتحجَجُونَ بحججٍ داحضةٍ، تتساقطُ تدريجياً وبتلقائيةٍ تامةٍ قبلَ أن يُسقطَها النقدُ والتمحيص، فبعضُ أُولئكَ الذين يَدعُونَ عدم استطاعَتهم للزواجِ لما فيهِ من تكاليفَ ماديةً، يُكذِبُونَ أنفسَهم بأنفسهم، عبرَ سَفرَاتِهم المُتكررةِ إلى خارجِ البلاد، ليتمتعُوا بالحُريَّةِ البهيميةِ في بلادٍ كافرة، لا تحلُ حلالاً ولا تُحرمُ حراماً، أو بالأصحِ تُحلُ الحرامَ، وتُحرمُ الحلال، أو في بلادٍ تُشابِهُ بلادَ الكفرةِ في إباحةِ الزنا، والدعوةِ إليهِ وحراسَتِهِ وتنظيمه، وإنَّكَ لتراهُ مجيباً للسفر، مُنفقاً على المُومِساتِ إنفاقاً كبيراً، مع تقتيرهِ على نفسهِ وأهلهِ إذا عادَ إلى بلادهِ لأجلِ جمعِ المالِ والعَودةِ بهِ إلى الخارجِ مرةً أُخرى.
وأنتَ ترى بعضَ الذين يتحجَجُونَ بتكاليفَ الزواج، تراهُم يركبُونَ السياراتِ الفاخرة، بل وغيرَ الفاخرةِ، لا يعملون، ولا هَمَّ لهم إلاَّ مُطاردةِ النساءِ في الأسواقِ، لم ذلكَ كُلَّهُ ؟ لأجلِ الشهوةِ، فكيفَ يمنعُ نفسَهُ عن الزواج ؟ يقولُ: لا أستطيع، إنَّ المهورَ غاليةً ؟ كلمةُ حقٍّ أُريدَ بها باطل ؟ أين أنت ؟ أين عملُك ؟ أم تريدُ أن تُعطى المرأة لك على طبقٍ من ذهب، وأنتَ مُتكلٌ على أبيكَ، تنامُ النهار، وتسهرُ الليل، وتقولُ: زَوجُوني زوجوني، أو اترُكُوا لي الحبلَ على الغارب، أُعَاكِسُ النساءَ في الأسواق، وأسعى للحُصولِ منهنَّ على موعد.
ألا فليتقِ اللهَ أولئكَ وليخشوا غضبَ الجبارِ ونكاله، وجحِيمهِ وناره، وكفى سفاهةً ومُراهقةً، فالعمرُ قصير، والحسابُ عسير، والموقفُ مهول، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم: (( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ )) .
هذا وصلُوا رحمَكُم اللهُ على أفضلِ الخلقِ كَما أمرَكُمُ اللهُ بذلك .
النكاح وعوائقة
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديهِ اللهُ فلا مُضل له، ومن يُظلل فلا هادي له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسلمياً كثيراً.
أيُّها المسلمون :
لقد أقامَ الإسلامُ بناءَ الأسرةِ على دعائمَ ثابتةٍ، وأسسٍ مُتقنةٍ، من الخُلقِ الرضي، والسلوكِ النقي، والدينِ الخالص، والمصلحةِ العامةِ للأمةِ، والنفعِ المحققِ لكلِّ فردٍ من أفرادِ المجتمع، فهاهُو الإسلامُ يندُبُ الناسَ إلى الزواجِ، ويجعلُهُ من سُنِنهِ، ويُحذِرُ من الرغبةِ عنهُ أعظمَ تحذير، بل وصلَ الأمرُ إلى أن يجعَلَهُ علماءُ الإسلامِ من الضروراتِ الخمس، التي جاءتِ الأديانُ لتحقيقها، تحتَ ضرُورةِ حفظِ النسل، قال تعالى: (( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) [32:النور] .
ويقولُ اللهُ عز وجل في معرضِ وصفِ الرسلِ ومدحِهم، بأنَّ لُهم أزواجاً وذرية: (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا )) [38:الرعد ] .
وأثنى اللهُ تعالى على عبادهِ الصالحينَ حين قالوا: (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ )) [74:الفرقان] .
ويقولُ- عليه الصلاةُ والسلام-: (( يا معشرَ الشبابُ من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوج، فإنَّهُ أغض للبصر، وأحصن للفرج )) الحديث رواهُ البخاري ومسلم .
أيُّها المسلمون: إنَّ هذا الموقف - أعني الحضُّ على الزواج - يُحقِقُ غرضينِ جليلين:
أما أولهما :
فهو مُسَايَرَةُ الفطرةِ الإنسانيةِ التي فطرَ اللهُ الخلقَ عليها، وتصعيدُ الغريزةِ على وجهٍ يُحقِقُ الخيرَ والفضيلة، بل إنَّ الإسلامَ ليعدُّ ممارسةَ العملِ الغريزي في نطاقِ الحلالِ المشروعِ صدقة، يستحقُّ صاحِبها الثواب، لأنَّهُ امتثلَ أمرَ اللهِ في التزامِ الحلالِ والوقوفِ عندَ حُدودَ اللهِ، قال r : ((وفي بضع أحدكم صدقة ، قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوتَهُ ويكون له فيها أجر ؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) رواه البخاري ومسلم.
وأما ثانيهما :
فهو استمرارُ وجودِ الجنسِ البشري على ظهرِ هذهِ الأرض، حتى يأذنَ اللهُ بأمرٍ آخر، إنَّ الحياةَ البشرية لا يتحققُ فيها الوفاءُ إن لم تستمرَّ الأجيالُ في عمليةِ عمارةِ الأرض، وتحقيقِ الخلافةِ، بل إنَّها تكادُ تفقدُ قيمتها عندما يحسُّ المرءُ أنَّهُ نبتةً وحيدةً لا امتدادَ لها في هذا الوجود، من أجلِّ ذلكَ كُلِّهِ كان الزواجُ من سُنةِ المصطفى r ، قال r: (( من رغب عن سنتي فليس مني )) رواهُ البخاري ومسلم.
أيُّها الأخوةُ في الله:
وإذا نظرنا في واقعنا وجدَنا مُعوقاتٍ عدَّة، تصدُّ الشبابَ عن الزواجِ لعلَّ من أهمِهَا وأبرزِها المغالاةُ في المهور، هذهِ المغالاةُ التي بلغت حداً لا يُطاق، وبالنسبةِ لشبابٍ ناشئينَ، فترى بعضُهم إذا خطبَ إليهِ رجلٌ ابنتهُ أخذ يُحدُ شفرتهِ، ليفصلَ ما بينَ لحمهِ وعظمه،
فإذا قطعَ منهُ اللحم، وهشَمَ العظمَ، وأخذَ منهُ كلَّ ما يَملك، سَلَمَها له، وهو في حالةِ بؤسٍ شديدين، مُثقلاً بأوزارِ الديون، التي تُكدِرُ عليهِ صفوهُ، وتجلبُ هُمَهُ وغمَّه، فتذلَهُ بالنهار، وتقضُّ مضجعهُ بالليل، ويغلي بنَارِها قلبه، إنَّ الزواجَ أصبحَ بالنسبةِ إلى الشابِ الناشئِ ضرباً من المستحيل، ولقد أثَّر هذا الوضعُ أثراً سيئاً في المجتمع، إذ جعلَ نسبةَ العوانسِ ترتفعُ، وجعلَ الفسادَ ينتشر، والانحلالَ يتفاقم، وانصرفُ الكثيرُ من الشبابِ عن الزواج، ولذا غضبَ رسولَ اللهِ r من كثرةِ المهرِ، فقد جاءَ رجلٌ من الصحابةِ يستعينه، فقالَ رسولُ اللهِ r : (( على كم تزوجتها ؟ قال: على أربعِ أواقٍ، فقالَ لَهُ النبيُّ r: على أربعِ أواق ؟ كأنَّما تَنحِتُونَ الفضةَ من عَرْضِ هذا الجبلِ، مَا عندنَا ما نُعطِيك )) الحديث رواه مسلم .
وهذا عُمرُ الفاروقِ يُدركُ بثاقبِ نظرهِ ما يُمكنُ أن يُهددَ المجتمعُ من المَخاطرِ والشرورِ بسببِ المغالاةِ في المهور، فلقد جاءَ عنه أنَّهُ قال: (( ألا لا تغالوا صدُقات النساء فإنَّها لو كانت مكرمةً في الدنيا، أو تقوى عندَ اللهِ لكانَ أولاكُم بها نبيُّ الله، ما علمنَا رسولُ الله r نكحَ شيئاً من نسائهِ ولا أنكحَ شيئاً من بناتِهِ على أكثرِ من اثنتي عشرةَ أوقية )) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، .
قال شيخُ الإسلامِ- رحمه الله-: والمستحبُ في الصداقِ - مع القُدرةِ واليسار - أن لا يزيدَ على مهرِ أزواجِ النبيِّ r ولا بناتِهِ، وكانَ ما بينَ أربعمائةِ إلى خمسمائة، بالدرَاهِمِ الخالصةِ، نحواً من تسعةَ عشرَ ديناراً، فهذهِ سُنةُ رَسولِ اللهِ r، من فعلَ فقد استنَّ بسنةِ رسُولِ اللهِ r في الصداقِ، قال أبو هريرةَ t : ( كانَ صداقُنا إذ كانَ فينا رسولُ اللهِ r عشرَ أواق، وطبقَ بيديهِ، وذلكَ أربعمائة درهم، إلى أن قالَ: ( فمن دعتهُ نفسُهُ إلى أن يزيدَ صداقَ ابنتهِ على صداقِ بناتِ رسولِ اللهِ r اللواتِي هُنَّ خيرُ خلقِ اللهِ في كُلِّ فضيلة، وهُنَّ أفضلُ نساءِ العالمينَ في كلِّ صفةٍ، فهُو جَاهِلٌ أحمق، وكذلكَ صداقُ أُمهات المُؤمنينَ، وهذا مع القدرةِ واليسار، فأمَّا الفقيرُ ونحوهُ فلا ينبغي لهُ أن يُصدق المرأةَ إلاَّ ما يقدِرُ على وفائهِ من غَيرِ مشقة ) أ هـ 1
ولو نظرنا أيُّها المُسلمُونَ في الواقعِ العملي للمسلمينَ في عهدِ السلفِ، لوجدنا أنَّ الأمرَ أيسرَ بكثيرٍ ممَّا هُو موجودٌ الآن، فقد تَزوجَ عبدُ الرحمن بن عوفٍ على وزنِ نواةٍ من ذهب، قالوا ووزنها ثلاثةُ دَراهمَ وثُلث ، وهذا سعيدُ بن المسيب- رحمهُ الله- يُزوجُ ابنتهُ على دِرهَمَين، وهيَ من أفضلِ بناتِ قُريشٍ بعدَ أن خَطَبها الخليفةُ لابنهِ، فأبى أن يُزوِجَها به، وهذهِ أمُّ سُليم، جعلت مَهرها أسلام أبِّي طلحة، فزوجَها رسولُ الله r على ما شرطت .
هكذا كانت سيرةُ السلفِ الصالحِ y في شأنِ المهرِ، ولا يظنُ ظانٌ أنَّ ذلكَ كانَ من أجلِ شَظفِ العيشِ وقلةِ ذاتَ اليد، فقد كانَ كثيرٌ من الصحابةِ من الأثرياءِ، فهذا أَبو بكر t من أتجرِ قُريشٍ كما تقُولُ عائشةَ، وهذا عُثمانَ t يتصدقُ في مجلسٍ واحدٍ بثلاثِ مائةَ بعير، بأحلاسها وأقتابها، وكانت تركتهُ t كما قالَ الحافظُ ابن سعد: ثلاثونَ ألف ألفَ درهم، وخمسُمائةَ ألفَ دِرهمَ وخُمسُونَ ألفَ دِينار، وتركَ ألفَ بعيرٍ، وتركَ صدقاتٍ تصدقَ بها قِيمتَهُ مائتي ألفَ دِينار، وهذا طلحةَ بن عُبيد اللهِ t تركَ كما قالَ والدُهُ محمد ألفي ألف دِرهم، ومائتي ألفَ درهم، ومائتي ألفَ دينار، وهذا الزُبيرُ بن العوام t تركَ خمسةً وثلاثُونَ ألفَ ألفَ، ومائتا ألف، أي ما يزيدُ على الخمسينَ مليون، وغيرِهم كثير، ولكن هُو الامتثالُ والانقيادُ لأمرِ نبيِّهم محمد r .
وليعلمَ الآباءُ الذين يرونَ أنَّ رفعَ المُهُورِ ضماناً لبناتهم، أنَّ الذي يكرَهُ زوجَتَهُ ويريدُ طلاقَها لا يُمكِنُ أن تقفَ في وجهِهِ مُشكلةَ المال، بل على النقيضِ من ذلكَ، فلَرُبما أبغضَ الرجلُ زوجتهُ فضارَّها حتى تفدي نفسَها منهُ، فلا تستطيعُ إلى ذلكَ سبيلاً، فتبقى المِسكِينَةُ تحتَ وطأةِ ذلكَ الرجلُ واضطهاده.
فاتقوا اللهَ يا مُسلِمُون: واعلموا أنَّكُم مَوقُفُونَ في يومٍ مهُول، ومسئولون عَمَّا استرعيتم من الأمَانة، فأعدُّوا للسؤالِ جواباً، وللجوابِ صوابا.
أيُّها المُسلمون: وعقبةٌ أُخرى، تلكَ التكاليفُ التي ابتدعَها حفنةٌ من الناسِ، وتمالئُوا بها، حتى أثقلت كاهلَ الزوج، ونفرت من الزواجِ، ذلكَ الإسرافُ المُهين، والتبذيرُ الرهيب، في شِراءِ الأقمشةِ المُرتفعَةِ الأثمان، وأدواتِ التجميلِ الباهظةِ الأسعار، والمُبالغةِ الضَخمةِ في تأثيثِ قفصِ الزوجية، ناهيكَ عن إقامةِ الولائمِ في الفنادقِ وغيرها ؟ ولنا أن نتساءَل: من المستفيدُ من هذا كُلهِ يا مُسلِمُون ؟ إنَّها أموالٌ تذهبُ هَدراً ، وتُضاعُ سُدى، وتكونُ حَجرَ عثرةٍ لشبابنا، ولقد كانَ أمرُ الزواجِ أيسرَ بكثير، ولكنَّ الناسَ أنفُسَهُم يظلمُون، فقد رأى النبي r على عبد الرحمن بن عوفٍ ردع زعفران، فقال: (( مهيم ؟ قال يا رسولَ الله تزوجتُ امرأةً ، قال ما أصدقتَها ؟ قال وزنَ نواةٍ من ذهب، قال فباركَ اللهُ لك، أولم ولو بِشَاة)) رواه البخاري ومسلم، وقالت عائشة : ((أولمَ رسولُ اللهِ r على بعضِ نسائهِ بِمُدَين من شعير )) رواه البخاري.
فهذا رسولُ اللهِ r أكرمُ البشريةِ وأزكى البريةِ هذه أقواله، وهذهِ أفعاله، فلماذا نضربُ بها عرضَ الحائطِ ونستمعُ لثرثةِ فلانٍ وعلان، هذا عارٌ وهذا شنار، كيفَ تُزوج ابنتكَ ولم تضع لها حفلةً تُكتبُ في التاريخ، أهيَ أقلُ من غيرها، فإلى أولئكَ البائسينَ نُذكِرِهُم بقولِ الله تعالى: (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (سورة النور : 63) .
ألا فليتقِ اللهَ أولئكَ ويعُودُوا إلى رُشدِهم، ويتمسكوا بسنةِ نبيهم، فبها النجاةُ والله، والسلامةُ والعافية .
عباد الله: وعقبةً أُخرى، تلكَ التي يُردِدُها أربابُ الأفكارِ المُسمَومة، الذين ينفُثُونَ سُمُومَهم عبرَ قَنواتٍ مُتعددة، يُقرِرُونَ من خِلالِها أنَّ التبكيرَ في الزواجِ عملٌ غيرُ صالح، وضربٌ من التغريرِ بالمُراهقين، وما عَلِمَ هؤلاءِ أنَّ رسولَ اللهِ r ألجمَهُم بقوله: ((يا معشرَ الشبابَ من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوج، فإنَّهُ أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطيع فعليهِ بالصومِ فإنَّهُ لهُ وجاء )) رواهُ البخاري ومسلم.
خطابٌ عظيم، يُوجِهُهُ صاحبَ الشريعةِ، الخبيرُ بأحوالِ أُمته، العليمُ بطبَائعهم المختلفة، إي الشباب، يُرشِدُهُم فيهِ، ويعِظُهم إلى فضيلةِ النكاحِ الذي يقعُ بهِ غضُّ البصرِ، وحفظُ الفرجِ، فهل يفقهُ هذا التوجيهُ النبويُّ الكريمِ الذينَ اغتروا بتلكَ العباراتِ الرنانة، والدعايةِ الباطلةِ في دعوى تأخيرِ الزواجِ، أسأل الله ذلك .
ومن تلك العقباتِ التي تحدُّ من الزواجِ، الاحتجاجُ بفقرِ الزوجِ وعدمِ استلامهِ لوظيفة، فإلى أولئكَ نُوجِهُ لهم قولَ اللهِ تعالى: (( إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (سورة النور :32) .
روى عن أبي بكر الصديق t أنَّهُ قال: (( أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاحِ يُنجز لكم ما وعدَكم من الغنى .
قال تعالى: (( إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ )).
وروى الإمامُ أحمد في مسندهِ عن أبي هريرةَ t قال قال رسولُ الله r : (( ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونُهم:الناكحُ يُريدُ العفاف)).
الحديثُ هذا هُو منطقُ الإيمانِ وليسَ ما يسُودُ اليومَ في بعضِ الأوساطِ من المُنطلقِ المادي، الذي يحكُمُ تصرفاتِ الناسِ بعيداً عن التوكلِ على اللهِ والاعتمادِ عليه، وقد نسيَ هؤلاءِ أنَّ اللهَ هُو الرزاقُ ذُو القُوةِ المتين، وأنَّ كثيراً من الأغنياءِ كانُوا بالأمسِ القريبِ فُقراءَ لا يملِكُونَ نقيراً ولا قطميراً .
بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية
أيُّها المسلمون:
وإذا تأملتَ في واقعِ بعضِ المُعرضِينَ عن الزواجِ تلحظُ أنَّهم يتحجَجُونَ بحججٍ داحضةٍ، تتساقطُ تدريجياً وبتلقائيةٍ تامةٍ قبلَ أن يُسقطَها النقدُ والتمحيص، فبعضُ أُولئكَ الذين يَدعُونَ عدم استطاعَتهم للزواجِ لما فيهِ من تكاليفَ ماديةً، يُكذِبُونَ أنفسَهم بأنفسهم، عبرَ سَفرَاتِهم المُتكررةِ إلى خارجِ البلاد، ليتمتعُوا بالحُريَّةِ البهيميةِ في بلادٍ كافرة، لا تحلُ حلالاً ولا تُحرمُ حراماً، أو بالأصحِ تُحلُ الحرامَ، وتُحرمُ الحلال، أو في بلادٍ تُشابِهُ بلادَ الكفرةِ في إباحةِ الزنا، والدعوةِ إليهِ وحراسَتِهِ وتنظيمه، وإنَّكَ لتراهُ مجيباً للسفر، مُنفقاً على المُومِساتِ إنفاقاً كبيراً، مع تقتيرهِ على نفسهِ وأهلهِ إذا عادَ إلى بلادهِ لأجلِ جمعِ المالِ والعَودةِ بهِ إلى الخارجِ مرةً أُخرى.
وأنتَ ترى بعضَ الذين يتحجَجُونَ بتكاليفَ الزواج، تراهُم يركبُونَ السياراتِ الفاخرة، بل وغيرَ الفاخرةِ، لا يعملون، ولا هَمَّ لهم إلاَّ مُطاردةِ النساءِ في الأسواقِ، لم ذلكَ كُلَّهُ ؟ لأجلِ الشهوةِ، فكيفَ يمنعُ نفسَهُ عن الزواج ؟ يقولُ: لا أستطيع، إنَّ المهورَ غاليةً ؟ كلمةُ حقٍّ أُريدَ بها باطل ؟ أين أنت ؟ أين عملُك ؟ أم تريدُ أن تُعطى المرأة لك على طبقٍ من ذهب، وأنتَ مُتكلٌ على أبيكَ، تنامُ النهار، وتسهرُ الليل، وتقولُ: زَوجُوني زوجوني، أو اترُكُوا لي الحبلَ على الغارب، أُعَاكِسُ النساءَ في الأسواق، وأسعى للحُصولِ منهنَّ على موعد.
ألا فليتقِ اللهَ أولئكَ وليخشوا غضبَ الجبارِ ونكاله، وجحِيمهِ وناره، وكفى سفاهةً ومُراهقةً، فالعمرُ قصير، والحسابُ عسير، والموقفُ مهول، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم: (( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ )) .
هذا وصلُوا رحمَكُم اللهُ على أفضلِ الخلقِ كَما أمرَكُمُ اللهُ بذلك .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى