لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
مسلم
مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

وقفات مع قضية فلسطين  Empty وقفات مع قضية فلسطين {السبت 26 نوفمبر - 10:31}

د.محمد بن عبد الله الهبدان
وقفات مع قضية فلسطين


أطرقتُ حتى ملّني الإطــراقُ وبكيتُ حتى أحمرتِ الأحداق

سامرتُ نجمَ الليلِ حتى غابَ عن عيني ، وهدَّ عزيمتي الإرهاق

يأتي الظلامُ وتنجلي أطرافُـه عنا ، وما للنومِ فيه مــذاق

سهرٌ يؤرقني ففي قلــبي الأسى يغلي ، وفي أهدابي الحـُراقُ

قتلٌ وتشريدٌ وهتكُ مـــحارمٍ فينا، وكأسُ الحادثاتِ دِهـاقُ

يا أمة المليار :

لقد طفحَ الكيلُ وعمَ البلاء ، وعظمتِ المصيبةُ في فلسطينَ الحبيبة ، حرماتٌ تُنتهك ،ودماءٌ تُسفك ، وأرواحٌ بريئةٌ تُزهق ، لأطفالٍ رضع ، وشيوخٍ ونساءٍ ركع ، لقد بلغ السيلُ الزبى ، وجاوز المجرمون من اليهودِ المدى ، هدمٌ للبيوتِ على الرؤوس وحرقٌ للقرى والحقول ، و أتلافٌ للمزارع ، وضربٌ للمصانع ، وقتلٌ لكل مظاهرِ الحياةِ .

يا أمة المليار :

ماذا نحن فاعلون ، والمستهدفون إخواننا ؟!! ماذا نحن فاعلون والأرضُ المعتدى عليها أرضنا ؟!! ماذا نحن فاعلون والحرماتُ حرماتنُا والقدسُ قدسنا ، والأقصى مسجدنا، وفلسطين أمانةٌ في أعناقنا ؟!!بماذا نعتذرُ لربنا ؟! ماذا نقولُ عند سؤالنا ؟ وبأي شيء نُعذِرُ إلى اللهِ تجاهَ ديننا وأعراضنا وحرماتِنا ؟!!كيف السبيلُ والعدو هو أشدُّ الناسِ عداوةً ، ومَنْ وراءَه هم أغلظُ البشرِ قلوباً ، وأعنفهُم ضراوةً وحقداً .

إلى من نشتكي والحكامُ ساكتون ، والحكماءُ عاجزون، والعلماءُ صامتون ـ إلاَّ من رحمَ الله - والشعوبُ مخدوعةٌ بالأماني ، والجماهيرُ مستنْفَرةٌ بلا خُطة ، ومستفزةٌ إلى غير وجهه، ومنساقةٌ كما كان عهدُها دائماً إلى ثورةٍ تعقبُها غورة ، بفعلِ إعلامٍ يهيّجُها ولا يوجهُها، ويستثيرُها ولا يوظفُ قواها ، وبفعلِ أنظمةٍ تقمعُها ولا تدفعُها ،تُخِرسُها و لا تستفيدُ من شجاعتها ، تحَجِزُها عن الفداءِ والبطولةِ لتقتلَ فيها الشجاعةَ والرجولة .

يا أمةَ المليار : إننا نعيشُ واقعاً مأزوماً مهزوماً منذ أكثرَ من خمسةِ عقودٍ من الزمان ، بسببِ عدوٍ حقيرٍ ذليل ، تمثلهُ أمةً ملعونةٌ على ألسنةِ الرسل، (( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ )) ولكن ماذا دها بعضُ المسلمين وقد أصبحوا أذلةً لهؤلاءِ الأذلاء ، يستجدون السلامَ معهم ، ويُتوِهون الوئامَ في جيرتهم ، ويستجيرون بنارهِم من الرمضاء ، ويستجيزون إرضاءَهم بإغضابِ ربِ الأرضِ والسماء ، مع أنَّ اللهَ وعدَ المسلمينَ بالنصرِ عليهم، والتمكُنِ منهم،ألم يقل الله تعالى: (( وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ)) (سورة الحشر : 12) فما الذي جعلنا نولى الأدبارَ أمامهَم ؟ فيهزمون الجيوشَ العربيةَ في أكثرِ الحروبِ التي خاضوها معهم ، حتى أصبحَ تاريخنُا معهم نكبةً في عامِ ثمانيةٍ وأربعين ثم نكسةً في عام سبعةٍ وستين ، ثم خديعةً كبرى وإجهاضاً للنصرِ العربي في عامِ ثلاثةٍ وسبعين ، ثم غزواً واجتياحاً للبنانَ في عامِ اثنتينِ وثمانين، ثم اجتياحاً مستباحاً لما تبقى من أراضٍ للفلسطينيين في هذا العامِ الذي نعيشُه الآن؟!ماذا جرى لأمةِ الإسلام حتى يستذلَها هؤلاءِ الطغامِ اللئام، لابُدَّ لنا من وقفاتٍ نتحسسُ فيها أخطائَنا ، ونراجعُ أنفسَنا ، ونكشفُ اللثامَ عن مواضعِ ضعفنِا وسرَّ هوانِنا ، وفي الوقتِ نفسهِ ، نفتشُ عن مكامنِ القوةِ المفقودة ، والعزةِ المنشودة
الوقفةُ الأولى : كيف تعامَلْنا مع قضيةِ فلسطين ؟

لقد أجمعنا جميعاً شعوباً وحكوماتٍ على أن قضيةَ فلسطينَ هي القضيةُ المركزيةُ الأولى، التي ينبغي أن تجتمعَ حولَها الجهود، وتتكاملُ لأجلهِا الإمكانات ،وتستنفرُ لها الطاقات، ولكن الواقعَ يشهدُ أنَّ ذلك الإجماعَ الإسلاميَ العربي ، قد خرقَه وهمُ السلامِ مع اليهود ، حتى تحولتِ القضيةُ بعد أن كانت ذاتَ بُعدٍ إسلاميٍ عالمي ، إلى قضيةِ صراعٍ عربيٍ إسرائيلي، يوجَّهُه اتجاهٍ علمانيٌ لا ديني ، ثمَّ لم تلبثِ القضيةُ الكبرى أن تحولت إلى نزاعٍ فلسطيني إسرائيلي ، وهاهي الآن تكادُ تختصرُ في مسألةِ زعامةٍ وقيادة ، يرادُ من ورائهِا استبعادُ أيِّ احتمالٍ لعودٍ حميد ،وتحولٍ رشيدٍ بالقضيةِ إلى وجهتهِا الإسلامية .

لقد خدعَ العلمانيون الأمةَ دهوراً بشعاراتِهم الثوريةِ عن تحريرِ فلسطين ، كلِّ فلسطين ، وأوهموها بعدمِ التفريطِ في شبرٍ من الأرضِ، أو حبةٍ من الرمل ، ثم فاجئوها باعترافهِم لليهودِ بملكيةِ ثلثي فلسطين ، وبحقهِم في العيشِ فيها بسلام ، وذلك عندما أبرمتْ مصرُ معهم معاهدةَ كامب ديفيد، التي خرجت بمقتضاها من دائرةِ الصراعِ مع اليهود، معترفةً بهم كدولةٍ مستقلةٍ ذاتِ سيادةٍ على ما استولت عليه من أرضِ فلسطين ، ثم تتابعتْ الدولُ العربيةُ الواحدةُ تلو الأخرى في هذا الاعتراف ، حتى أصبحَ من لا يعترفُ بذلك خارجاً على الإجماعِ العربيِ، المتوجهِ بإصرارٍ حولَ ما يُسمى بـ الخيارِ الاستراتيجيِ للسلام )، وتجاهلَ هؤلاءِ أنَّ السلامَ الدائمَ والشاملَ مستحيلٌ مع قومٍ قال الله تعالى عنهم: (( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) (سورة المائدة :64) .

وتناسى هؤلاءِ أنَّ اليهودَ الذي أرادوهم جيراناً وأصدقاءَ، هُم أخبثُ الألداءِ ، وأشدُّ الأعداء، (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ )) (سورة المائدة :82) ، نسىَّ العربُ هذا أو تناسوهُ، وساروا جادين في طريقِ السلامِ عَقْداً كاملاً من الزمان .

وتسببَ هذا الوهمُ المزعومُ عن حتميةِ السلامِ مع اليهود،ِ في حالةٍ من الاسترخاءِ على المستوى السياسي، والترهلِ على المستوي العسكري ، وعدمِ الجدِّ على المستوى الاقتصادي، والانهزامِ على المستوى الثقافي، استعداداً لعصرِ السلامِ والتطبيعِ مع أبناءِ العمومةِ !! وأصحابِ الجوار، وشركاءِ الشرقِ أوسطيةِ الجديدة ، حتى فاجأهم اليهودُ بنقضِ كلِّ العهود .

الوقفة الثانية : ماذا تغيرَ من اليهود ؟

نقولُ هُنا أيُّها الأخوةُ في الله : إنَّ الأفاعيَ قد تُغَيرُ جلدَها ، ولكن لا تتنازلُ عن السمومِ بين أنيابِها ، وما لم تُنزعْ تلك الأسنانُ أو تفرغْ تلك السموم ، فإنَّ تلك الأفاعيَ تظلُ خطراً قائماً، إنَّ اليهودَ منذُ جاءوا إلى فلسطين ، وهم يعرفون لم جاءوا ، ويعزمون على المضيِ فيما لأجلهِ قدموا ، فلماذا جاءوا ؟ وهل لا يزالونَ جادين فيما جاءوا من أجله؟

أيُّها الأخوة في الله :

إنَّ اليهودَ ما جاءوا إلى فلسطينَ إلا لأهدافٍ دينيةٍ اعتقاديه، مستمدةٍ من توراتهِم المحرفة ، وتلمودهِم المخترع ، إنهم يزعمون أنَّ نبياً لهم سيخرجُ في آخرِ الزمان، وأنَّ من واجبهِم أن يُهيئوا الدنيا لمخرجهِ، وذلك لن يتمَّ ـ كما هو مسجلٌ في كتبهِم القديمةِ والمعاصرة ـ إلاَّ بأن يعودوا إلى الأرضِ المقدسةِ التي سكنُوها أيامَ داودَ وسليمانَ- عليهما السلام- ، ثمَّ يقيموا فيها دولتَهم ، ويتخذوا في القدسِ عاصمتَهم ، ثُمَّ يتهيئون بعد ذلك لاستعادةِ قبلتِهُمُ التي كانوا عليها، والتي هُدِمت قبل ألفي عام، والتي يدعونَها بالهيكلِ الثالث، هيكلِ سليمانَ- عليه السلام- ، ذلك المعبدُ الذي يعتقدُ اليهودُ أنَّهُ كان قائماً مكانَ المسجدِ الأقصى، ولذا يعلنون في عزمٍ جازم ، وحسمٍ مُؤكد أنهم لابدَّ أن يستعيدوا بناءَهُ لإعادةِ تلك القبلةِ المنسوخةِ، التي نُسِخت بنسخِ ديانتهِم الباطلة .

أمةَ الإسلام :

إنَّ اليهودَ قد عادوا في القرنِ الماضي إلى الأرضِ المقدسة، وأعلنوا فيها دولتَهم، واتخذوا فيها عاصمتَهم، وهم يتهيئون الآن لإعادةِ قبلتهم، وما الأخبارُ التي سمعناها منذُ مدةٍ قريبةٍ عن سماحِ الحكومةِ الإسرائيليةِ للمتدينينَ اليهودِ بوضعِ حجرِ الأساسِ لما يسمى بـ الهيكلِ الثالثِ إلاَّ دليلاً على جديةِ هؤلاءِ في إكمالِ ما جاءوا من أجله ، استعداداً لمقدمِ مسيحهِم المنتظرِ المزعوم .

أيُّها الأخوة في الله : بماذا واجه العربُ والمسلمون هذا المشروعَ الدينيَ الاعتقادي،َ الأسطوريَ الخرافيَ في منطقتنِا الإسلاميةِ، لقد واجهوهُ بإطروحاتِ العلمانيةِ اللادينيةِ ، ومرةً ًباسمِ القوميةِ العربية ، ومرةً باسمِ التقدميةِ الثورية، ومرةً باسمِ الحريةِ الليبرالية، وظل الإسلامُ محجوباً مغيباً عن المعركةِ مع اليهود، حتى استفحلَ خطرُ هؤلاء ، ووصلنا نحنُ إلى ما وصلنا إليهِ اليومَ من عجزٍ تام، أمامَ الوقوفِ لمواجهتِهم، وتهربٍ كاملٍ من تحملِ المسؤوليةِ تجاهَ التصديْ لتهديداتهِم لكلِ دولِ المنطقة، بدءاً من سوريا ولبنانَ والأردن ، ومروراً بمصرَ والعراق ، وانتهاءً بإيرانَ وباكستان، فقد أدَّى تفرقُ الصفوف، وتنازعُ الأطراف ، واختلافُ السياساتِ والممارساتِ على المستوى العربيِّ والإسلاميِّ إلى فقدانِ الأمةِ لعناصرِ قوتِها ، وأسبابِ وحدتهِا .
الوقفة الثالثة : ماذا عن الحبلِ الممدود لدولةِ اليهود ؟

إنَّ أعداءنا أيُّها الأخوةُ لا يقفون في ساحةِ الصراعِ وحدهم، بل إنهم يجدون من يقفُ معهم بحكمِ عواملَ مشتركةٍ من العقائدِ الدينية ، والمصالحِ الاستراتيجيةِ ، والأهدافِ المستقبليةِ، وهذا يزيدُ من خطرِ اليهود، إذ مُدَّ إليهم حبلٌ من الناسِ أخرجَهم إلى حينٍ من الذلةِِ والمسكنةِ المضروبةِ عليهم، ((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ )) (سورة آل عمران :113) نعم أيُّها الأخوة ؛ فالذين باءُوا بغضبٍ من الله ، قد حَظُوا بتأييدٍ ممن أضلَ الله ، فاجتمعَ كيدُ المغضوبِ عليهِم والضالينَ على أمةِ الموحدين ، ولم يعدْ أمامَ أهلِ التوحيدِ حيالَ هذا الحبلِ الممدودِ لليهودِ إلاَّ الاعتصامَ بحبلِ الله جميعاً ، فوا الله الذي لا إله إلاَّ هو لو استمسكنا بهذا الحبلِ لما خسرنا الجولةَ ، ولا صمدتْ لليهودِ دولةٌ، ولا استمرتْ للنصارى علينا تلك الصولة، إنَّه الإسلامُ الذي فيه عزنا، إنَّه القرآنُ الذي فيه ذكرُنا وشرفُنا، (( لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) (سورة الأنبياء :10) .

قال ابنُ عباسٍ- رضي الله عنهما- : فيه ذكركم : أي فيه شرفكم وعزكم . فما بالُنا تركنا هذا العزَ والشرفَ في معركتنِا مع اليهود ، حتى آلت أمورنُا إلى ما آلت إليه.

أيها الأخوةُ الأعزاء :

لا ينبغي أن ننسى أن عداوةَ النصارى ستظلُ مصاحبةً لعداوةِ اليهود ، فقد أخبرنا الله تعالى بذلك في قوله عز من قائلٍ : ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (سورة البقرة :120) وقولِه : (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )) (سورة البقرة : 217) .

وقد أُخبرنا أيضاً في الكتابِ المبين أن الولاءَ الواجبَ بين المسلمين لابد أن يواجِهَ الولاءَ القائمَ بين الكافرين ، لأن الكفارَ بعضُهم أولياءُ بعض ، فلذا وجبَ على المؤمنين أن يكون بعضُهم أولياءَ بعض ، قال تعالى ((وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)) (سورة الأنفال : 73) والفتنُ القائمةُ في عالمنا والفسادُ الكبيرُ المنتشرُ في زماننا ، إنما هو من أعراضِ الولاءِ الموجودِ بين الكافرين ، والمفقودِ بين أكثرِ المسلمين (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) (سورة المائدة :51) .

أيها الأخوةُ الكرام : إن الولاءَ القائمَ بين اليهودِ والنصارى مبعثُه دينيُّ في الأساس ، وأيُّ ادعاءٍ بخلافِ ذلك إنما هو وهمٌ وهراء ؛ صحيحٌ أنهم يختلفون فيما بينَهم في الكثيرٍ من العقائد ، إلا أن هناكَ عقائدَ أخرى مشتركةٌ تجمعُهم على عَدَائِنا ، وتربطُ بين مخططاتِهم في أرضينا ، فالنصارى الذين كفروا بمحمدٍ r كما كفر اليهود ، يزعمون ألا حقَ للمسلمين فيما زعموها عاصمةَ المسيح ، أي مدينةَ القدسِ ، فالقدسُ عند النصارى هي عاصمةُ المسيحِ عندما يعود ، وهم جميعاً يؤمنون بعودته، وبأن دعوتَه ستكون في الأرضِ المقدسة ، وأنها ستكون في زمانِ قيامِ دولةٍ لليهود،عاصمتُها القدسُ ،وقبلَتُها الهيكل ، ذلك الهيكلُ الذي يزعمُ النصارى أن عيسى عليه السلام سيخاطبُ العالمَ من منبره ، وأن اليهودَ هم الأداةُ القدريةُ لتهيئةِ الأرضِ المقدسةِ له ، لأنهم سيؤمنون به هذه المرةَ عندما يعود .

أيها الأخوةُ في الله :

لا تخدعنكم العلمانيةُ الظاهرةُ في السياساتِ الغربيةِ فيما يتعلقُ بعالمنِا الإسلامي ، فإن وراءَها برامجَ دينيةً تتطبقُ بانتظامٍ على أرضِ الواقع ، كان أُولهُا إسقاطَ الخلافةِ العثمانية ، ثم تلاها احتلالُ الانجليزِ النصارى لفلسطينَ ثم تسلميُهم إياها لليهود ، ثم تمكينهُم من إعلانِ الدولةِ فيها ، والوقوفِ معهم لاغتصابِ القدس ، ثم هاهم يقفون معهم بتواطؤٍ مفضوح،ودعمٍ مفتوحٍ لاستكمالِ بقيةِ برنامِجهم الدينيِّ المستقبليِّ في المنطقة ، فعلى المستوى السياسيِّ هم أولُ من اعترفَ بدولتهِم ، ووقفَ بكلِ صلابةٍ للدفاعِ عنها في المحافلِ الدولية ، والمنتدياتِ العالمية ، رغم ظلمهِم الواضحِ وعدوانهِم المتكرر ، أما على المستوى الاقتصادي فلم تقمْ دولةُ اليهودِ إلاَّ على الدعمِ الاقتصادي الغربي بدءاً من المعوناتِ وحتى تمويلِ الهجراتِ اليهودية .

وأما على المستوى العسكري فيكفينا أن نعلمَ أنَّ النصارى ضمنوا لليهودِ تفوقاً مضاعَفاً من الناحيةِ العسكريةِ على مجموعِ الجيوشِ العربيةِ والإسلاميةِ المحيطةِ بهم ، حتى غدتْ دولةُ اليهودِ ترسانةً عسكريةً غربيةً بأيدٍ يهودية ، تشتملُ على كافةِ أسلحةِ الدمارِ الشاملِ من نوويةٍ وجرثوميةٍ وكيماوية ، هذا في الوقتِ الذي تقفُ دولُ الغربِ بكلِ صلابةٍ وصلَِفٍ أمامَ أيِّ محاولةٍ من أيِّ دولةٍ عربيةٍ أو إسلاميةٍ لحيازةِ مثلِ تلك الأسلحةِ ولو لمجردِ الردعِ أو الدفاعِ عن النفس .

الوقفة الرابعة : ماذا عن التوجهِ الإسلامي في إدارةِ الصراع ؟

أيُّها الأخوةُ في الله :

بالرغمِ من كلِ ما يظهرُ من أبعادٍ دينيةٍ في حربِ اليهودِ ضدنا منذُ أكثرَ من قرنٍ من الزمان ، فإنَّ البعدَ الدينيَّ الإسلاميَّ لمواجهةِ هذا الخطرِ ، يَلقى مع الزمانِ صَداً ورداً ، فقد ابتُليتِ الأمةُ بمنافقين يتخذون من اليهودِ والنصارى أولياء ، كانت مهمتُهم الأولى منذُ بدأ الصراع ، هي التفننُ في كيفيةِ تمييعِ هذا الصراع ، ونزعِ المستطاعِ من طبيعتهِ الدينية ،وحقيقتهِ الاعتقاديةِ من جانبِ المسلمين ، مع أنَّ اليهودَ من جانبهِم يصرحون من خلالِ اسم دولتهِم وشعارهِا، ودستورهِا وبرامِجها عن توجهِ دينيٍ صريح ، حيثُ سموا دولتهَم باسمِ نبيٍ هو يعقوبُ أو إسرائيل، واتخذوا لهذه الدولةِ شعاراً هو نجمةُ داودَ التي ترمزُ للهيكلِ الثالث، وداودُ الذي سميتْ باسمهِ هذه النجمةُ هو نبيٌ أيضاً، وكذلك جعلوا من التوراةِ دستوراً لهذه الدولة ، ثُمَّ حددوا لها برنامجاً دينياً مستقبلياً، ينطلقُ من آيةٍ من سِفْر التكوينِ بالتوراةِ، تقولُ في خطابِ إبراهيمَ- عليه السلام- : ( لنسلِكَ أُعطي هذه الأرضَ ، من نهرِ مصرَ الكبيرَ إلى نهرِ الفرات ) ومع هذا الوضوحِ المفضوح ، فإنَّ المنافقين من العلمانيين أصرُّوا طيلةَ سنواتِ الصراعِ على أن يحجبوا الصبغةَ الإسلاميةَ عنه من طرفِ المسلمين ، مُصرِّين على رفعِ الراياتِ العلمانيةِ الجاهليةِ، التي لم ترفعْ الأمةُ بها رأساً، ولم تكسبْ عزةً أو بأسا .

لقد حوربَ التوجهُ الإسلاميُ في بلدانٍ عربيةٍ كثيرةٍ، لصالحِ الأمنِ الإسرائيلي ، وكان آخرُ ذلك ما جرى داخلَ فلسطينَ، منذُ ما يُعرفُ باتفاقيةِ (أوسلو )، حيثُ أوكلتْ إلى السلطةِ الفلسطينيةِ مهمةَ القضاءِ على الحركاتِ الجهاديةِ الإسلاميةِ داخلَ فلسطين ، وقد تَّم ذلك على الوجهِ المرضيِّ لليهود، حتى قالَ وزيرُ الخارجيةِ الحالي، ورئيسُ الوزراءِ الأسبقُ شمعون بيريز : إنَّ دولةَ إسرائيلَ عاشت أزهى عصورِها الأمنيةِ، في ظلِ السلطةِ الفلسطينية .

لقد أوصلتْ اتفاقيةُ أوسلو المنفردة،ُ بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى ما يجري الآن ، فاليهودُ يستبيحون القرى والمدن ، ويدكون المبانيَ والمرافق ، ويوغلون في القتلِ وسفكِ الدماء ، ولا يجدون إلاَّ رجالاً وأطفالاً شرفاءَ عظماء ، ولكنهم عزل،ُ إلاَّ من سلاحٍ قليل، وإعدادٍ هزيل ، وتنظيمٍ سبق إنهاكُه، وإمكاناتٍ سبقت محاصرتهُا ومحاربتُها، هل علمتم يا أمةَ الإسلام كيف سقطتْ جِنِين؟ تلك المدينةُ الصامدةُ المجاهدة، إنَّها صفعةٌ في وجهِ الأمةِ المليارية، حيثُ نفذتْ ذخيرةُ المجاهدين، فلم يجدوا ما يقاومون به عدوَهم ، ويدافعون به عن حرماتهِم، فمن المسؤولُ عن ذلك ؟!!

مليارُكم لا خيرَ فيه كأنما كُتِبتْ وراءَ الواحدِ الأصفارُ

من يتحملُ اليومَ مسؤوليةَ إضعافِ المقاومةِ الإسلاميةِ الجهاديةِ في فلسطين ؟ من يحملُ وزرَها ويبوءُ بإثمها ؟ إننا نقولُ : وبكلِ صراحةٍ، إنهم القوم الذين يستغيثون اليومَ بالعالمِ للخروجِ من الحصار، إنهم أصحابُ أسلو .

الوقفةُ الخامسة : الخذلانُ العربي !

لقد تصدّرَ ثلةٌ من العلمانيين، لينوبوا عن العربِ والمسلمين والفلسطينيين في إدارةِ آخرِ فصلٍ من فصولِ المعركة ، وهو أخطرُ الفصولِ وأطولُها ، ومع ذلك كانت المساندةُ لهم فيها من الوهنِ والضعفِ، أضعافَ أضعافَ ما فيه من القوةِ والجدية ، وقد انعكسَ ذلك على الشعبِ الفلسطيني الصابرِ الصامدِ ، الذي لم يعدْ يحصي التحدياتِ والمؤامرات ، فمن يواجه ؟ وضد من يقف؟ هل يقفُ ضدَّ عدوٍ قريبٍ متربصٍ رابض ؟أم ضدَّ بعيدٍ متحفزٍ ناهض ؟ هل يشكو من جفاءَ الأولياءِ أم من غباءَ الأصدقاءِ ، أم من غيابِ الزعماء ، أم من قلةِ الشرفاءِ الأسوياءِ الجادين في التصدي للأعداء ؟!!

لقد قررتْ القمةُ العربيةُ المنعقدةُ في عمانَ في العامِ الماضي، إنشاءَ صندوقين لدعمِ انتفاضةِ الأقصى ، يحملُ الأولُ اسمَ صندوقِ القدسِ، بحيثُ يُخصصُ له مبلغُ ثمانمائةِ مليونِ دولار، لتمويلِ مشاريعَ للمحافظةِ على الهويةِ العربيةِ والإسلامية ِللقدس ، والثاني باسمِ صندوقِ انتفاضةِ القدسِ، برأسِ مالٍ قدرُهُ مئتا مليونِ دولار ، يخُصصُ للإنفاق على أسرِ الشهداءِ ، وتهيئةِ السبلِ لرعايةِ أبنائهِم، وعلى الرغمِ من أنَّ المبالغَ المقترحةَ لا توازي سُدسَ الخسائرِ المباشرةِ وغيرِ المباشرةِ، التي تكبدَها الشعبُ الفلسطينيُ بسببِ انقلابِ اليهودِ على عمليةِ السلام ، إلاَّ أنَّ الدولَ العربيةَ لم تفْ بتعهدِها في المؤتمرِ بتخصيصِ هذه المبالغِ فضلاً عن صرفهِا الفعلي ، فبعد المؤتمرِ خُفِّض المبلغُ المقررُ من مليارِ دولارٍ إلى ستمائةٍ وخمسةٍ وتسعين مليونا ، ولم تدفعِ الدولُ العربيةُ من المبلغِ المذكورِ حتى وقوعِ أحداثِ أمريكا سوى ثلاثمائةٍ وثمانيةٍ وثمانين مليونِ دولار ، وكانت الحجةُ في ذلك المنعِ، انتشارَ الفسادِ في أجهزةِ السلطةِ، فدفعَ الشعبُ الفلسطينيُّ الثمن !! ُثمَّ حدثَ شبهُ انصرافٍ عن الوفاءِ بما تقررَ في مؤتمرِ القمةِ بعد أحداثِ أمريكا، بسببِ الضغوطِ والتهديداتِ الأمريكيةِ ضدَ الدولِ العربيةِ والإسلامية، وتحذيرِ الأمريكيين لها مما أسموه (دعمَ الإرهاب )، فقد سارعَ اليهودُ إلى إصدار إعلانٍ أمريكيٍ باعتبارِ الجهادِ الفلسطينيِ إرهابا ، فاستجابَ الأمريكيون، وأدرجوا حركاتِ المقاومةِ المشروعةِ ضمن لائحةِ الجماعاتِ الإرهابية .

وبالرغمِ من أنَّ الأموالَ المخصصةَ في مؤتمرِ القمةِ لم تكن لدعمِ تلك الجماعاتِ وإنما لعلاجِ آثارِ العدوانِ الإسرائيلي على الشعبِ الفلسطيني، إلاَّ أنَّ ذلك لم يتمَّ حتى جاءتِ الأحداثُ الأخيرةُ لتزيدَ البلاءَ بلاءً ، ويزيدَ معهُ الخذلانُ العربيُ والإسلاميُ لذلك الشعبِ المهضومِ المظلوم ، وإضافةً إلى خذلانِ بعضِ الدولِ العربيةِ، فقد كان هُناك خذلانٌ من أكثرِ الدولِ الإسلامية، فهناك خمسُ دولٍ فقط من ضمنِ ما يزيدُ على خمسين دولةً، هي التي ساهمتْ في تنفيذِ مقرراتِ مؤتمرِ القمةِ الإسلاميِ لدعمِ الشعبِ الفلسطيني ؟!!

ومن المؤسفِ حقاً أنَّ هذا التقصيرَ على مستوى الدول ، تبعَهُ استرخاءٌ على مستوى الشعوب، فقد كان أداؤها في دعمِ الانتفاضةِ دون المستوى المطلوب، ومن الغريبِ أنه كلَّما زادتِ المحنةُ تأقلمَ الناسُ على سماعِ أخبارِها، دون مزيدٍ من التأثرِ بها ، فعلى مدى أشهرِ الانتفاضةِ الثمانيةَ عشر ، لم تتحركِ الشعوبُ إلاَّ بعد أن رأتْ العمارَ دماراً ، والدماءَ أنهاراً ، ومما يزيدُ الأسى والحزنَ أن نعرفَ أنَّ بعضَ المؤسساتِ الدوليةِ في الدولِ الأوربيةِ قدمت مساعداتٍ تفوقُ المساعداتِ العربيةَ ، وهي مساعداتٌ لم تقدمْ بداهةً للانتفاضةِ، وإنما لدعم السلطةِ الفلسطينيةِ في مسئوليتِها الشعبيةِ ، فقد قدمَ الاتحادُ الأوربيُّ مبلغَ مئتي مليونِ يورو ، ومنحةً بقيمةِ ستينَ مليونَ يورو !!

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..



الخطبة الثانية

أيُّها الأخوةُ الفضلاء :

يجبُ أن تتحركُ الأمةُ لنصرةِ دينِها ،و أن تنفضَ الغبارَ عنها ، فقد آنَ الأوان ، ومضى الزمان، وأمتُنا لا تزالُ تعاني الذلَ والهوان، آن للإعلامي أن يتحركَ من خلالِ موقعه ، فيكشفُ الأعداءَ الحقيقيين للأمة ، ويُبيُن صورَ العِداء ، ويستنهضُ همم الأمة ، فكم حركتْ عدسةُ ذلك الإعلامي الذي التقطَ صورةً لمحمدِ الدرة، فأثارت لهيبَ الأمة ، وفتتْ أكبادَها، إننا نناشدُ أهلَ الإعلامِ أن يقدموا للأمةِ برامجَ إعلاميةً متنوعةً تُثيرُ في الأمةِ نخوةَ الجهادِ في سبيلِ الله تعالى ، وتُحي فيهم حبَ الشهادةِ والفداءِ، بدلاً من التضليلِ والإغواءِ الذي يُساهمُ فيه عددٌ من الإعلاميين .

متى يا أيَّها الإعلامُ من غضبٍ تبثُ دما ؟ عقولُ الجيلِ قد سقمت، فلم تتركْ لها قيماً ولا همما، أتبقى هذه الأبواقُ يُحشى سمها دسَماً ؟

وأما العالمُ والمربي فينبغي عليهم أن يسعوا بكلِ إمكاناتهِم، لتربيةِ الأجيالِ القادمةِ على الجهادِ في سبيل الله تعالى، وإعدادِ كوادرِ الأمةِ علمياً وتربوياً، ليكونوا على استعدادٍ للتضحيةِ في سبيل الله ، فالأمةُ التي يتربى أفرادُها على آياتِ الجهادِ وأخبارِ الغزواتِ ومعاركِ المسلميَن وبطولاتهِم ، ويرددُ أبناؤها أهازيجَ الجهاد، لا يمكنُ أن تغلب، إنَّه ينبغي ألاَّ ننسى هذه العداوةَ، وتذوب في بحارِ التطبيعِ، سواءً مع اليهودِ أو الأمريكان ، ولا ينبغي أن نفرحَ بكلمةٍ من عدونا، يخدرُ بها حماسَنا ، ويطفئ ُبها لهيبَ غيرتنِا لديننا، ينبغي أن توعى الأمةُ بأعدائِها الحقيقيين، وأن تُملئَ قلوبُ الأمةِ ولاءً للمؤمنين ، وبراءً من الكافرين، بحيث إن لم يستطعْ هذا الجيلُ المقاومةَ ودفعَ العدوِ الصائل ، وتلقينَهُ درساً لا ينساه، فإننا نُورثُ هذه المعانيَ لأبنائنا والأجيالِ القادمة، فلعلهم يكونون في وضعٍ ُيمكّنُهم من تأديبِ الأعداء ، وردِ كيدهِم إلى نحورهم .

أما التاجرُ المسلمُ فينبغي أن يساهمَ بما آتاه الله تعالى في نصرةِ الجهاد،ِ وتجهيزِ المجاهدين ، ليكن لك أسوةٌ برسولِ الله r، فقد كان يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، ولما سمع عثمانُ بنُ عفان- رضي الله عنه- النبيَّ r يخطبُ ويحثُ على تجهيزِ جيشِ العسرة ، قال عثمان : عليّ مائةُ بعيرٍ بأحلاسِها وأقتابِها، ثم حثَّ النبي r على الإنفاق ، فقال عثمان : عليّ مائةً أخرى بأحلاسهِا، ثم حثََّ النبي r مرة ًثالثةً فقال عثمان : عليّ مائةً أخرى بأحلاسهِا وأقتابها !! فرأيتُ النبي r يقولُ بيدهِ يحركُها ما على عثمانَ ما عملَ بعد هذا!! يقولُ ابنُ عمرَ- رضي الله عنه- : لما جهزَ النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- جيشَ العسرةِ، جاءَ عثمانُ بألفِ دينارٍ فصبَها في حجرِ النبي r، فقال النبي r : (( ما على عثمانَ ما عملَ بعد هذا)) [1]

أما المرأةُ المسلمة، فإنَّه ينبغي لها أن تربي أبناءَها على حبِّ الجهادِ والاستشهاد، و أن تُنشِّأَ أبناءَها على التضحيةِ والفداء، وتعودَهم على البذلِ والعطاء ، وتساهِمَ بقدرِ وسعهِا وطاقتهِا أن تذكرَ بهذه القضية، وأن تُنفقَ من مالِها، أو تساهِمَ في جمعِ ما تجودُ به أيادي الأخواتِ الفاضلاتِ من أموالٍ وحليٍ ونحوها .

أما أنت أيُّها المجاهد، أيُّها المناضل، أيُّها البطل الأشم، أيُّها الفارس الذي جدت بأغلى ما تملك، جدت بروحك التي بين جنبيك .

يجود بالروح إن ضنَ البخيل بها والجودُ بالروح أعلى غايةَ الجود

فهنيئاً لك هذا الفضل، هنيئاً لك هذا الجهاد، هنيئاً لك هذا الرباط، يقول النبي r (( رباطُ يومٍ في سبيل الله خيٌر من الدنيا وما عليها )) نعم خير من الدنيا وما فيها، إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى، وتحت رايةٍ إسلاميةٍ خالصة ، لا عميّلةٍ ولا قوميةٍ وطنيةٍ علمانية جاهلية .

وأخيراً .

هذه صرخةٌ، نطلقُها من على منبرِ محمد r إلى أمةِ المليار .

يا أمةَ المليار: هذه الأيدي المكبلةُ التي لا تستطيعُ أن تدفعَ عن إخوانها، تستطيعُ أن ترتفعَ لتطرقَ أبوابَ السماء ، وهذه الأفواه الملجمةُ التي أخرستْها الضعةُ وشلَها الهوانُ تقدرُ أن تجلجلَ ساعاتِ السحرِ بالضراعة ، وهذه الأجفانُ التي خدرتها الدنيا، وأغلقتْها المادةُ، تستطيعُ أن تضحي بلذةِ النومِ قليلاً لتبذلَ الدموعَ شفاعاتٍ بين يدي الدعاء .

يا أمةَ المليار :

إنَّ سلطوا علينا الدباباتِ والمجنزراتِ، سلطنا عليهم سهامُ الليلِ التي لا تخطئهم بإذنِ الله، وإذا أغاروا علينا بالطائراتِ النفاثةِ، صبحناهم بروائعِ الأسحارِ، حتى يكونوا كهيشمِ المحتضر ، وإن تكالبوا علينا من كلِ حدبٍ وصوبٍ قذفناهم بمطارقِ الدعاء، ولا يعني ذلك القعودُ عن العملِ الإيجابي، كما قال القائل :

إسلامنا لا يستقيمُ عمودُه بدعاءِ شيخٍ في زوايا المسجد

إسلامنا نورُ يضيءُ طريقنا إسلامنا نارٌ على من يعـتدي

وكأني بكم تتذكرون فعلَ رسول الله r، فعندما قابلَ الأعداءَ ليلةَ بدرٍ ، رفعَ الأكفَ الشريفةَ يطاولُ السماءَ حتى سقطَ الرداءُ من على عاتقيه ، وحتى أقلقَ عليه صاحبَه ، فاستغرقَ في ذلك الدعاءِ اللحوحِ الواثقِ بنصرِ الله : اللهم نصرك الذي وعدتني.

أُهيبُ بكم جميعاً أن تجتهدوا في الدعاءِ لإخوانكم ، وأقدموا عليه بعد التوبةِ من الذنوب، والتحللِ من الخصوم ، والتطهرِ من المالِ الحرام ، وليُتَحرَ في ذلك الأسحار، وأثناءَ السجود، وليكنْ بقلبٍ ممتلئٍ بالثقةِ بالله واليقينِ من الإجابة ، وليكنْ بلذعةِ المقهور، ولهجةِ المضطر، وليكتنفْه الصدقُ ،ويزينُه الإخلاصُ ، وليقوه الإلحاحُ ، ولترطبْه الدموع ، وبعد هذا كلِهُ لا تُضعْفه بالمعصية ، ولا تُذهبْ ببريقهِ بالمحقرات ، وأهمُّ من ذلك كلِه لا يفترْ منهُ المللُ أو الفتورُ، فإنَّه يستجابُ لأحدكم ما لم يستعجل. يقول الله تعالى : ((حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ )) (سورة يوسف : 110) .

[1] حلية الأولياء (1/59) .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى