لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
مسلم
مسلم
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

مسكِّنات في الأزمات  Empty مسكِّنات في الأزمات {السبت 26 نوفمبر - 10:37}

د . سليمان بن حمد العودة
مسكِّنات في الأزمات


الحمد لله مُغيثُ اللهفات ، فارجُ الكُربات، كاشفُ المحنِ والبليات ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدهُ لا شريك له ، ما من دابةٍ في الأرضِ إلاَّ عليه رزقُها ويعلمُ مستقرها ومستودعها، كل ذلك في كتابٍ مبين ، لا يغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ أحصاها .

وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، آمن وصدق ، وجاهدَ وصبر ، ونشرَ اللهُ رسالتَه في العالمين ، وأوحى إليه ربّه (( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (سورة الزخرف 43 ) وأوحى ومن معهُ من المؤمنين، (( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)) (سورة هود : 113,112) اللهمَّ صل وسم عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين .

أيُّها المسلمون ،من تأملَ العالمَ اليوم، يرى أحداثاً تتسارعُ، وقوى تتصارع ، حروبٌ مفتعلة ، وتهمٌ باطلة ، ظلمٌ وعدوان ، شحناءَ وبغضاء ، تهديدٌ وإرجاف ، هَرَجٌ ومرج، أهدافٌ معلنةٌ وأخرى مُبيَّتة ، فُرقةٌ واختلاف، وفتنٌ تموجُ ومستقبلٌ مجهول، يطغى صوتُ الحمقى ، ويغيبُ أو يُغيّب صوتُ العُقلاء ، وإن كان عقلاءُ العالمِ كلهم قلقين ومُنكرين لهذهِ الحماقات ، التي ربّما دمّرت الأخضرَ واليابس ، فما حالُ المسلمِ في ظلِّ هذهِ الأزمات المتلاحقة ، وهل من مُهدئاتٍ ومُسكناتٍ ومبشراتٍ ؟

إنَّ المسلمَ الذي يرتبطُ باللهِ خالقَ الكون ومُدبره ، ويعرفُ حقيقةَ الحياةِ الدنيا وطبيعتها ، والآخرة ونعيمها ، ويؤمنُ بالقدر خيرهِ وشره ، ينبغي أن يختلفَ عن غيره ، فلا يتعلقُ ولا يضجر ، ولا ييأسُ ولا يقنط، وهو وإن أحسّ كغيرهِ بالقلق ، وفكّرَ وقدرَ بالعواقبِ، فثمةَ مُهِّدئاتٍ أيمانيةٍ تُخففُ من روعه ، وتُجيبُ على تساؤلاته ، وتمنحهُ الهدوءَ والطمأنينةَ والراحةَ النفسية، بل وتدفعهُ للعملِ المُثمرِ والمشاركةِ الإيجابية .

وتعالوا بنا – معشرَ المسلمين – إلى شيءٍ من هذهِ المُسَكِّناتِ الإيمانية، نعلمُها ونتعاملُ معها ، كلما حدثت أرمةٌ ، أو أطلّت فتنة ، أو ضاقت علينا أنفسُنا .

أولاً : ترسيخُ مفاهيمُ العقيدة الحقةِ في نفوسنا :

من قضايا التوحيدِ والعقيدةِ التي يجبُ ألا تغيبُ عن المؤمنِ أبداً قضيةُ الربُوبية، وإنَّ اللهَ تعالى بيدهِ الأمرُ كلُّه، وإليهِ يَرجعُ الأمرُ كلُّه، فالخلقُ ، والرزق، والإحياءُ والإماتةُ ، والنفعُ والضرُ ، والرفعُ والخَفضُ ، كلهّا بيدِ الله ، والخلقُ كلُّهم وعلى مختلفِ رُتبهم وقوتِهم لا يملكونَ من الأمرِ شيئاً، ((وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) (سورة الطلاق :3) وهذا صفوةُ الخلقِ يُعلنها حقيقةً إيمانية، ويقول : وهو الكريمُ على اللهِ (( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) (سورة الأعراف: 188) .

ويُوجهُ الخطابُ صريحاً وعاماً، ألاَّ أحدٌ يَملكُ الضُرَّ أو النفعَ إلاَّ الله (( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ)) (سورة الأنعام : 17) .

أمَّا البشرُ فهم مهما امتلكوا من قوةٍ ضُعفاء، بل يتناهى ضعفُهم إلى حد قوله تعالى : (( وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)) (سورة الحـج: 73) .

2- إخوةَ الإيمان، ومن توحيدِ الربوبيةِ إلى توحيدِ الأسماءِ والصفات مُسكِّن ثانٍ ، وتوحيدُ الأسماءِ والصفات هو الإقرارُ بأنَّ اللهَ بكلِّ شيءٍ عليمٌ ، وعلى كلِّ شيء قدير ، وأنَّهُ الحيُ القيومُ، لا تأخذهُ سِنةٌ ولا نوم ، لهُ المشيئةُ النافذةُ ، والحِكمةُ المبالغةٌ ، وأنَّهُ سميع ٌ بصيرٌ رءُوفٌ رحيمٌ ، على العرش استوى ، وعلى الملكِ احتوى ، وأنَّهُ الملكُ القدوسُ السلامُ المؤمنُ المهيمنُ، العزيزٌ الجبارٌ المتكبرٌ، سبحان اللهِ عمَّا يُشركون !! إلى غيرِ ذلك من أسماءِ اللهِ الحُسنى ، وصفاتِه العُلي، ( تيسير العزيز الحميد / سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ) ص 190

إنَّ استشعارَ المسلمُ لأسماءِ الله ، وتصورهِ لصفاتهِ، يمنحُهُ الرضا بما قضى، والطمأنينةَ بما قدّر ، ولما القلقُ واللهُ علّامُ الغيوب ، ورحمتُهُ وسعت كلّ شيءٍ ، وبيدهِ وحدهُ مفاتيحُ الرحمةِ ومغاليقُها (( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (سورة فاطر :2)

ولما الخورُ والضجرُ وأزمّةُ الأمورُ كلّها بيدِ الله ، فهو العليمُ وهو الحكيمُ، وهو الخبيرُ ، وهو اللطيفُ ، وهو السميعُ البصير ، وهو الجبّار ُ القادرُ المتكبر وقد أخبر (( إن لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة )) متفق عليه .

وقد قيل في معنى إحصائها : أي من أطاقَ القيامُ بحقّ هذهِ الأسماء ، وعلم بمقتضاها ، وهو أن يعتبرَ معانيها، فليزمَ نفسهُ بموجباتها ، فإذا قالَ الرزاق ثق بالرزق ، وكذا سائرُ الأسماء ( معارج القبول ، الحكمي 1/84)

3- ومُسكّنٌ ثالثٌ يتمثلُ في صدقِ الدعاء ، والتضرعِ لله (( فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) (سورة الأنعام :43 ) (( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)) (سورة النمل :62) ومن هدي النبوة قبسٌ ودعاءٌ يُذهب الهمَّ والغم ، ففي المسندِ وصحيح أبي حاتم، من حديثِ عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال ، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (( ما أصابَ عبدٌ همٌّ ولا حزن فقال : " اللهمَّ إنِّي عبدُك ابنُ عبدِك ، ابن أمتِك ، ناصيتي بيديك ، ماضٍ فيّ حكمك ، عدلٌ فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك، سميتَ به على نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عنك أن تجعلَ القرآن ربيعَ قلبي، ونور صدري، وجلاءَ حزني، وذهابَ همِّي وغمي، إلاَّ أذهبَ اللهُ همَّه وغمَّه، وأبدلهُ مكانهُ فرحاً ، قالوا : يا رسولَ الله : أفلا نتعلمهنَّ ؟ قال : بلى ، ينبغي لمن سمعهنَّ أو يتعلَمّهُنَّ )) (الفوائد/ 33) .

فهل نعلمُ هذا الدعاء ؟ وهل نعملُ به ، وهل نجدُ له أثراً في حياتنا ؟

4- أما المسكِّنُ الرابع فهو المنتظرُ بتفاؤلٍ للمستقبل ، وعدمُ حبسِ النفسِ تحت ضغوطِ الواقعِ المؤلم ، إذ كثيراً ما يتضايقُ المرءُ، ويقلقُ ويضجر، نتيجةَ ما يراهُ حاضراً من أحداثٍ مؤلمةٍ، لكنهُ حين يتجاوزُ الحاضرَ، ويتفاءلُ المستقبل، يُري عن نفسهِ ويقودها للعملِ و الإنتاج، والبهجةِ والسرور ، فالأحزانُ لا تدوم، والضيقُ يعقبهُ الفرج ، والصبرُ جسرٌ يعبرُ عليه الصابرون من حالٍ إلى حال ، وهذا رسولُ الهدى- صلى الله عليه وسلم-حين ضاقت على أصحابهِ المهاجر، وجاءُوا إليه يشكُون ما يلقونَ من عنتِ المشركين ، وقال قائلُهم : ألا تستنصرُ لنا ألا تدعو لنا ؟ فتح لهم رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- بابَ الأملِ، وبشَّرهم بمستقبلٍ مُشرق، بعد ترويضهم بالصبرِ واليقين (( والله ليتمنّ اللهُ هذا الأمر حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضر موت لا يخافُ إلاَّ الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون )) ،

5- ومن المسكناتِ في الأزمات، كثرةُ العبادةِ، والاستمرارُ على الطاعة، إذا الأنفسُ تُشغل، والقلوبُ تضعف، والذهنُ يتشتتُ، ورُبما انشغل بعضُ الناسِ بالقيلِ والقال، وفَترَ عن عبادةِ ربَه ، والمؤمنُ الذي يُداوي ذلك بكثرةِ العبادةِ لا شكَّ مُوفقٌ مروِّضٌ لنفسه، ولهذا يذبُّ الرسولُ- صلى الله عليه وسلم- المسلمين إلى العبادةِ في الهرجِ، وعظّمَ أمرها فقال : ((العبادةُ في الهرج كهجرة إلىّ ))

وفي الحديث الآخر : (( بادروا بالأعمال، فتناً كقطعِ الليل المظلم، يصبحُ الرجلُ مؤمناً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبحُ كافراً ، يبيعُ دينهُ بعرضٍ من الدنيا ))

ولا ريب – معاشرَ المسلمين – أنَّ من فعلَ ما يوعظُ به أنسهُ اللهُ وثبّتهُ الله (( ولو أنَّهم فعلوا ما يُعظون به لكان خيراً لهم وأشدّ تثبيتاً )) [ النساء : 66]

6- والدعوةُ إلى اللهِ فلاحٌ ومسكنٌ إيجابي في الأزماتِ كذلك ، بل مفتاحٌ لحلّها بإذنِ الله، وفي ذلك إشغالٌ للنفسِ بما ينفع ، أجل إنَّ الفارغَ من العملِ المثمرِ يقضي وقتَه بالتفكيرِ والتحسُّرِ السلبي ، لكن إذا صرفَ همّتهُ للدعوةِ ونفعِ الناس، نفعَه الله ، ونفع الناسَ به، ومن تأملَ سيرةَ النبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين معهُ وحدهم، في أشدّ الضيقِ والأذى، يُمارسُون الدعوةَ إلى اللهِ، وعجبت قريشٌ وهي تضايقهم، وأفرادٌ من المعدودينَ منهم يستجيبون للدعوة، وينضَّمون لقافلةِ المؤمنين ، ومن أبرزِ هؤلاءِ حمزةُ وعمرُ بن الخطاب ، وغيرهم كثير- رضي الله عنهم- أجمعين، بل ومن خارجِ مكة أمثال ؟؟؟

فهل يا تُرى ينشطُ المسلمون في الدعوةِ إلى اللهِ، وفي وقتِ الأزماتِ خاصةً، ليغيظوا الكفَّار والمنافقين من جانب ، وليطردوا عن أنفسهمُ الضيقُ والضجر، واليأسُ والإحباطُ من جانبٍ آخر ؟ ! وينشروا الخير ُ، ويضاعفوا من أعدادِ المسلمين

7- والصدقةُ والإحسانُ سبيلٌ لرفعِ الأزماتِ والكروب، كيفَ لا وقد صحَّ الخبرُ ( أنَّ صنائعَ المعروفِ تقي مصارعَ السُوء، والصدقةُ خفياً تُطفي غضبُ الرب، وصلةُ الرحمِ زيادةٌ في العمر، وكلُّ معروفٍ صدقة، وأهلُ المعروفِ في الدنيا هُم أهلُ المعروف في الآخرة ") رواه الطبراني في الأوسط ورجحه الألباني في صحيح الجامع 3/24)

والصدقةُ برهانٌ على حبِّ الخير ، وهي شارحةٌ للصدور ، مٌنفِّسةٌ للكروب، ، مبعدةٌ للشُّح، وفي القرآنِ مُذهبةٌ للخوفِ والحزن ، ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )) (سورة البقرة :262 ) الصدقةُ يُداوى بها المرضى ، وينتفعُ بها الموتى ، ويُتقى بها من الشحِّ والبخل والأثرةِ للأحياء، فإنَّ المتصدقين يُواسون إخوانهم المسلمين، وبها يُداوون مرضاهم، ويحسنوا إلى أنفسهم وموتاهم، واللهُ تعالى يجزي المتصدقين، ويخلفُ على المنفقين

الخطبة الثانية

إخوة الإيمان ، وحين يكونُ الحديثُ عن المُسكناتِ في الأزماتِ، فلا بدَّ أن يكون للعلمِ النافعِ تعلّما وتعليماً ونشراً، نصيبٌ وافر، فالعلمُ نورٌ يضيءُ للسالكين ، وهو خشيةٌ يقطعُ الخوفُ إلاَّ من ربِّ العالمين ، والعلمُ طريقٌ إلى الجنة، وهو سببٌ للأمنٍ والطمأنينة، والعلماءُ الربانيون أعرف الناسِ في الفَتن، وأقدرُهم على تسكينِ الناسِ حين المخاوف والمحن، (( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) (سورة النساء :83)

والعلماءُ أعرفُ الناسِ بسننِ اللهِ في الكون ، وأعلمُ الناسِ بحركةِ التاريخ ومصائرِ الأمم ، ولذا فتعلمُ العلم ، ونشرُه ، والقربُ من العلماءِ ومشورتُهم، كلّ ذلك مُسكِّنٌ في الأزمات ، وهو في غيرها من بابِ أولى

9- أيُّها الناس ، وليس كلُّ ما يُسمعُ بصحيح ، والتثبتُ في الأخبارِ والتروي في الموقفِ مسكن ، ولوسائلِ الإعلامِ أثرُها في الإرجافِ والتخويفِ، ولا سيما إذا كان العدوُّ مستحوِذاً على المعلومةِ، ينشرُ منها ما يشاء، فاحذروا التهويلَ الإعلامي، ولا تكونوا أداةً للترويج والترويعِ بما لا يصحُّ ولا يثبت ، وحَسْبُ المرءِ كذباً أن يُحدِّثَ بكلِّ ما سمع، وفي القرآن تنويهٌ وتوجيه، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) (سورة الحجرات) توكلوا على اللهِ وآمنوا به ، وكونوا كمن قال اللهُ عنهم: (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) (سورة آل عمران : 173 ) فلا تستفز نَّكم الأخبار الكاذبة، ولا يستخفنَّكم الذين لا يُوقنون .

10- والمُسكِّنُ العاشر، تثمينُ المكاسبِ الحاصلةِ في هذهِ الأزمات، وتقديرُ المنحِ الربانيةِ على إثرِ المحنِ والنكبات ، فما من شرٍ صرفٍ، وقد يبتلى اللهُ عبادَهُ بالضراءِ ليعافيهم، ويجزيَهم ويرفعَ درجاتهم، فضلاً عمَّا يقعُ في هذه النكباتِ من خيرٍ عامٍ للمسلمين، تتوحدُ كلمتُهم، وتتقاربُ قولبُهم، ويتوبون إلى ربهم، ويدعُونه خوفاً وطمعاً، ويستغفرونهُ سِراً وجهراً ، ويصححون مسارهم ، ويتفقدونَ مسيرتهم ، ويُخططون بوعيٍ لمستقبلهم ، وهذهِ المكاسبُ وأمثالهما إذا ثمنت ورُوعيت، كانت من أعظمِ المُسكناتِ وأقوى العلاجاتِ، وفي التنزيل {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ )) (سورة آل عمران :142,141) .

((وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )) (سورة البقرة : 216).

11- ومن المُسكناتِ معرفةُ الأعداءِ على حقيقتهم، والحذرُ منهم، والاستعدادُ لهم ، فللأمةِ المسلمةِ أعداءٌ ينكشفون أكثرَ في الأزمات، منهم الظاهرُ بعداوته ، ومنهم المُنافقُ، وإذا كان خيرُ القرون قيلَ لهم (( وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ )) (سورة آل عمران :166 ) فغيرُهم من بابِ أولى، ففي الأزمات يُميزُ اللهُ الخبيثَ من الطيب ، ويتبينُ الصادقُ من الكاذب، وهكذا تستبينُ سبيلُ المجرمين ، ويظمأنُ لقضاءِ اللهِ وقدره المؤمنون ، وتسكنُ النفوسُ إذ تعرفُ أعداءَها ، وتستعدُّ لمقاومتهم .

12- ومن المُسكناتِ الوقوفُ على سير الأنبياءِ وجهادِهم وثباتِهم ، وما تعرَّض لهُ المؤمنون في تاريخهم ، وإدراك سُنَّةِ اللهِ في الابتلاءِ والحكمةِ من ورائها، ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) (سورة العنكبوت : 2,3) .

13- وأخيراً- وليس آخراً دونكم هذا المُثبت، فتدبروه ولازموه ، إنَّهُ حبلُ الله المتين ، وكتابُهُ المُبين ، هدي وشفاء، ونورٌ وبرهانٌ بصائرُ للناس ، ورحمةٌ للعالمين ، (( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) (سورة النحل : 102) .

(( كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)) (سورة الفرقان : 32) .

آهٍ على المسلمين كم ضيعوا كتابَ ربِّهم، وفيه ذكرُهم وتقواهم ،وسرُّ تفوقهم، ودليلُ أعدائهم ، كم هجروهُ تلاوةً ، أو حكماً ، أو كليهما، وهو المنقذُ لهم في الأزمات، والهادي لمسيرتهم حين تدلهمُ الخُطوبُ، وتحلولكُ الظلمات، يُتلى على مسامعهم صباحَ مساء، ولكنَّ القلوبَ عنهُ شاردة ، وكم يتقدمون به في مُناسباتهم ، ولكنَّهم يغيبون عنهُ ، حين أزماتهم يخافُ منهُ الأعداء، ولا يُثمِّنَ المسلمونَ خوفَ الأعداء ، إنَّهُ كتابٌ مفتوح، يقرأ المسلمون فيه أسبابَ النصر ، وعواملَ الهزيمة ، وسِرَّ النجاح ، وأسبابَ الفشل، ومصدرَ القوةِ، ومكمنَ الخطرِ، ناصحٌ للمؤمنين ، ومبشرٌ لهم ، ومغيظٌ للكفار ، ومتوعدٌ لهم، فهل يتمسكُ المسلمون بالذي أوحيَّ إلى نبيهم؟ وهل يتذكرونَ أنَّهم سيُسألون عنه ؟

وهل تكونُ الأزماتُ سبباً لمزيدِ إقبالهم عليه، ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) (سورة محمد :24).

اللهمَّ أهدنا بهدايةِ القرآن ، واشفنا بشفاءِ القرآن ، واجعلهُ لنا هادياً ودليلاً .

هذه - معاشرَ المسلمين -مُسكِّناتٌ ومسلياتٌ في الأزمات ، وهي كذلك أمورٌ إيجابيةٌ في جميع الحالات، إنَّها تسكنُ ولا تفتِّر، وتُطمأنُ وتُثمر، ولا تدعو للإتكاليةِ والكسل ، وهي ليست ظنيةً ، تُصدِقها التجارب، بل ثابتةً أكيدةَ المفعول ، ولكنّ شرطَها الإيمانُ والتصديقُ خذوها بقوةٍ ، ولتكن سنداً للعملِ المُثمر في الدنيا ، وزاداً للآخرةِ، كم نئنَّ ونتناولُ من مسكناتٍ تمتلئُ بها صيدلياتنا، ورُبما سكنَ الألمُ ثُمَّ عاد، لكننا قد نغفلُ عن هذهِ المسكنات الإيمانية، وهي في متناولِ أيدينا، فلا يكن حالُنا

كالعيسِ في البيداءِ يقتلُها الظمأ والماءُ فوقَ ظُهورها محمولٌ

ألا بذكرِ الله تطمئنُ القلوب، إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظُكم لعلكم تذكرون ،

((وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)) (سورة النحل :91).

اذكروا اللهَ يذكركم، واشكروهُ على نعمهِ يزدكم، ولذكرُ الله أكبر، واللهُ يعلم ما تصنعون .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى