لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

الأمر بالمعروف  Empty الأمر بالمعروف {الأحد 27 نوفمبر - 10:31}

لشيخ / أحمد بن عبد العزيز الشاوي
الأمر بالمعروف



الحمدُ لله الذي أعزَّنا بالدين، وجعلنا خيرَ أمةٍ أخرجت للعامين، وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له، ولي المؤمنين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله سيدُ الأولين والآخرين- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الدعاة المجاهدين وسلم- تسليما.

أمَّا بعد : فاتقوا الله أيُّها المسلمون، فتقوى اللهِ طريقُ الفرجِ، وسببُ الرزق، ورفعُ الحرج .

سفينةُ المجتمعِ تجري في أمنٍ وأمان، تصارعُ الأمواجَ والطوفان، فلا خوفَ عليها مادامت تحركُ أشرعتها شريعةَ الرحمن ، لا خوفَ على راكبيها مادامَ شعارهم بسم اللهِ مجرِيها ومرساها ، لكنَّ فئةً ممن قد امتطوا صهوةَ الحريةِ الشخصيةِ، أرادوا أن ينقروا في زواياها، فذاكَ بمسمارِ الربا، وآخر بمعول الزنا، وثالث بفأسِ الرذيلة ، وآخرون بمطارقِ الفساد والمنكرات ، فإن تركهم الباقون وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن اخذوا على أيديهم ، وحالوا بينهم وبين ما يشتهون، كانت النجاةُ للجميع ، إنَّ العصيانَ والعدوان قد يقعانِ في كلِّ مجتمعٍ من الأشرار والمفسدين والمنحرفين، فالأرضُ لا تخلو من الشرِّ، والمجتمعُ لا يخلو من الشذوذِ، ولكن طبيعةَ المجتمعِ الصالح لا تسمحُ للشرِ والمنكرِ أن يصبحا عُرفاً مصطلحاً عليه، وأن يصبح سهلاً يجترئُ عليه كل من يهمُ به، وعندما يصبحُ فعل الشرِّ أصعب من فعلِ الخير في مجتمعٍ ما، ويصبحُ الجزاءُ على الشر رادعاً جماعياً، تقفُ الجماعة كلها دونهُ، وتوقعُ العقوبةَ الرادعة عليه، عندئذٍ ينزوي الشرُ وتنحسرُ دوافعه، وعندئذٍ يتماسكُ المجتمعُ فلا تنحلُ عُراه، وعندئذٍ ينحصرُ الفسادُ في أفرادٍ أو مجموعات، يطاردها المجتمعُ ولا يسمحُ لها بالسيطرة، وعندئذٍ لا تشيعُ الفاحشةُ ولا يفشوا المنكر .

إنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، هو القطبُ الأعظمُ في الدين، وهو المهمةُ التي بعث الله لهُ النبيين أجمعين ، ولو طُوي بساطهُ، وأهملَ علمهُ وعمله، لتعطلتِ النبوةُ واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفسادُ واتسعَ الخرق، وخربت البلادُ، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاكِ إلاَّ يوم التناد ، حمايةُ العقيدة وصيانةُ الفضيلة، وعزُّ الأمةِ، وفلاحُ المؤمنين، منوطٌ بالقيامِ بهذا الواجب (( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (آل عمران:104) .

الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكر من أخصِّ صفاتِ صفيّ الله من خلقهِ -صلوات الله وسلامه عليه- : (( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (لأعراف:157).

وهو من أخصِّ أوصافِ من اصطفاهم الله من سائرِ البشرِ، ليكونوا أتباعاً لرسلهِ وأنبيائه، (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) (التوبة:71) .

وضدهُ من صفاتِ أضدادهم في المنهجِ والمعتقدِ والمصير، (( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة:67) .

الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، هو مناطُ خيريةِ هذهِ الأمة (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)) (آل عمران: من الآية110).

ومن اتصفَ من هذهِ الأمة بهذه الصفاتِ دخلٌ معهم في هذا المدح .

قال قتادة : بلغنا أنَّ عُمر بن الخطاب- رضي الله عنه - في حجةٍ حجها، رأى من الناسِ رِعَةً (أي سؤَ خُلق ) فقرأَ هذه الآية (( كُنْتُمْ خَيْرَ)) ثُمَّ قال من سرهُ أن يكونَ من هذهِ الأمةِ فليؤدي شرط الله فيها .

إنَّ اللهَ سبحانهُ وصفَ الأمة المسلمة بأنَّ الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر صفتها، ليدلّها على أنَّها لا توجدُ وجوداً حقيقياً إلاَّ أن تتوافر فيها هذه السمةُ الأساسية، التي تُعرفُ بها في المجتمع الإنساني .

الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر صيانةً للأمة، من أن يعبثَ بها كلُّ ذي هوى، وكلُّ ذي شهوةٍ، وكلُّ ذ ي مصلحةٍ يقولُ برأيهِ وتصوره، هو سببٌ للنصرِ والعزِّ والتمكينِ في الأرض، ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)) (الحج:41) .

صاحبُ هذا الوصفِ العظيم، يحصلُ لهُ من الثوابِ والأجرِ الشيءَ الكثير، وإنَّ مما يُحفزُ الهممَ إلى القيامِ بهذا العمل العظيم، ويستشرفُ الأعناقَ والأنظار إليه، أنَّ صاحبهُ يكونُ لهُ من الأجرِ مثل أجرِ الأوائلِ من هذه الأمة،

فقد صحَّ عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قال: إنَّ من أمتي قوماً يعطونَ مثل أجورِ أولهم، ينكرون المنكر .

إنَّ سمةَ المجتمع الخير الفاضل، الحيِّ القوي المتماسك، أنَّ يسودَ فيه الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يوجدَ فيه من يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن يوجدَ فيه من يستمعَ إلى الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكونَ عُرفَ المجتمعِ من القوةِ، بحيث لا يجرؤُ المنحرفون فيه على التنكرِ لهذا الأمر والنهي، ولا على إيذاءِ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، في الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكرِ إقامةٌ للملةِ والشريعة، وحفظٌ للعقيدة والدين، لتكون كلمةُ اللهِ هي العليا، ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)) (البقرة: من الآية251) .

والإنسانُ لابد لهُ من أمرٍ ونهيٍ ودعوة، فمن لم يأمر بالخيرِ ويدعوا إليهِ أمرَ بالشر، بل لو أرادَ الإنسانُ ألاَّ يأمرَ ولا ينهى لا بخيرٍ ولا بشر، فإنَّهُ لابُدَّ لهُ وأن يؤمرَ وينهى، فمن لا يزحفُ بمبادئهِ، زُحفَ عليه بكلِّ مبدأٍ وفكرة، والنفسُ تتلقى وتتشربُ من الأخلاقِ والمبادئِ الأخرى ، الأمرُ بالمعروف يُغذ ي الأمة أفراداً وجماعات بالمثلِ والقيم، والأخلاقِ والعقائدِ السليمة، فلا يحتاجُ أحدٌ منهم إلى استيرادِ مبدءا أو خلقٍ أجنبي على هذا الدين ، الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكر سببٌ لرفع العقوباتِ العامة (( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود:117).

وبهذا تعلمُ أنَّ دُعاة الإصلاحِ المناهضون للفساد والطغيان، هم صمامُ الأمانِ للأممِ والشعوب ، إنَّهم لا يُؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب ،

إنَّما هُم يحولُون بهذا بين أممهمٍ غضبَ الله عليهم، واستحقاق النكال والضياع .

في الأمر بالمعروف شدٌّ لظهرِ المؤمن ورفعٌ لعزيمته، وإرغامٌ لأنفِ المنافقِ كما قال ذلك الإمام الثوري

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: استقامةُ الموازين، واتزانُ المفاهيم ، فيجلو أمرَ المنكرِ أمامَ الناس، ويعلمون أنَّهُ منكراً كما يعلمون أنَّ هذا الأمرُ المعينُ من المعروف، ومن ثمَّ يقبلون على هذا ويعرضون عن ذاك0

أيُّها المسلمون :

إنَّ في تركِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتساهلَ فيه تعريضاً للنفسِ والمجتمعِ لعقوباتٍ عاجلةٍ وآجلة، وفي الحديثِ الحسن : إنَّ اللهَ عز وجل لا يُعذبُ العامةَ بعملِ الخاصة، حتى يروا المنكرِ بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروهُ، فإذا فعلوا ذلك عذَّبَ اللهُ الخاصة والعامة ، وفي الحديث الآخر : (( ما من قومٍ يُعمل فيهم بالمعاصي ثُمَّ يقدرون أن يغيروا ولا يغيرون إلاَّ يوشك أن يعمهم الله بعقاب)) .

والعقوبات تتنوعُ وتقعُ بصورٍ مختلفة ، فمنها ما يكونُ بالتدميرِ بالزلازل، أو الفيضانات، أو نقصِ الأنفس، أو الأوبئةِ، أو نقصِ الثمرات، ومنها ما يكونُ بالريحِ أو بإدالةِ الأعداء، أو بتولي أهلِّ الشر وتسلطهم على رقاب المسلمين .

وبهذا تعلم أنَّ العاصي لا يضرُ نفسهُ فحسب، وإنَّما يضيرُ مجتمعهُ بأكمله ، في تركِ هذه الشعيرةِ تجرئةً للعصاة والفسَّاق على أهلِ الحقِّ والخير، فينالون منهم، ويتطاولونَ عليهم ، واللهُ المستعان .

في تركِ هذه الشعيرةِ تزيينٌ للمعاصي عند الناس وفي نفوسهم ، وانتشارٌ للجهلِ، وفشوا الفسادِ ، وترك هذه الشعيرةِ سببٌ لعدمِ إجابةِ الدعاء كما في الحديث : (( مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يُستجابُ لكم )) ، ترك هذه الشعيرةِ سببٌ لظهورِ غُربةِ الدين، واختفاءِ معالمه، وتفشي المنكرات والظلم ، حتى يصبحُ المتمسكُ بدينهِ غريباً بين الناس، قالَ الخلال : أخبرني عمر بن صالح، قال : قال لي أبو عبد الله: يا أبا حفص يأتي على الناس زمانٌ يكونُ فيهم المؤمن بينهم مثل الجيفة، ويكونُ المنافقُ يشارُ إليهِ بالأصابع، فقلتُ يا أبا عبد الله :

وكيف يشارُ إليه بالأصابع؟! فقال : يا أبا حفص صيَّروا أمرَ اللهِ فضولاً، ثُمَّ قال المؤمنُ إذا رأى أمراً بالمعروف أو نهيا عن المنكر، لم يصبر حتى يأمر وينهى، فيقولون عنه : هذا فضول، والمنافقُ كلُّ شيءٍ يراهُ يقولُ بيدهِ على فمه، فيقولون : نعمَ الرجل، وليس بينهُ وبين الفضول عمل0

إنَّ الحسبةَ التي ارتضاها ولاةُ أمر هذه البلاد، واحدةً من قنواتِ الدفاع عن الدين والمجتمع، هي الحصنُ بعد اللهِ تعالى في مواجهةِ العديد من الأعداءِ الحاقدين ، وما يقومُ به رجالُها من تضحياتٍ حقيق بكلِّ تقديرٍ وإكبار، بل هو الأحقُّ قبل غيرهِ بدعوات الأسحار، ومضا نُ الإجابةِ لأنَّ العمل المنوطُ بهم همٌّ لكلِّ أسرةٍ وكل فرد، تكفل لهم الحسبةُ المناعة ضدَّ ذئابٍ تعطشت لهتكِ أعراضٍ وحرمات .

عباد الله :

إنَّ وقفةً مخلصةً للهِ وحدهُ ثُمَّ لهؤلاءِ النفرِ من القومِ، بالدعاءِ والنصرةِ كفيلٌ بأن يحمي لنا مجتمعنا، وبراءاتهِ التي بدأ يفقدُ الكثير منها، وتستشري فيه الظواهرُ المزعجةِ للعينِ والقلب، مما لم نعهد مثلهُ قبلَ السنواتِ الأخيرةِ، مما ينذرُ بخللٍ خطيرٍ في تركيبةِ المجتمع، وكيف كان وإلى أين يؤول؟ إبراءً للذمم، وكفاً لشرٍ أعتى وأمَر، وأملاً في اللهِ تعالى وحده ثُمَّ برجالِ الحسبةِ في مستقبلٍ أنقى برجاله ونسائه ،وأطهرُ بمبادئِ أهليه، وهي النموذجية المطلب والمنتظر، ألا هل بلغت، اللهمَّ فأشهد .



الخطبة الثانية

أيُّها المسلمون :

في زمننا خفَّت نورُ الأمرِ بالمعروفِ وضعفَ رجاله، وقلّ أنصارهُ وحينها استنمر البغاة، واستنوق الجمل، وجرفَ أمتنا سيلُ العرم من المنكرات والضلالات، فمن الأسواقِ تنبعثُ روائحُ الفسقِ والعصيان، غشٌ و خداع ، تبرجٌ وسفور، حياءٌ يُوأد، وغيرةٌ تداس، وخلف النساءِ أشباهُ رجال، إلى الحدائقِ والمتنزهاتِ فلا ستار ولا أسوار، وهُناك هُتكت الأستار، وخلت الذئابُ بالنعاج، لأنَّ أسودَ الغابة أسلموا للذئابِ القيادة، وانشغلوا بالسمرِ والسهر، وفي الحدائقِ يا مسلمون جُرح العفافُ ، واستغضبَ الجبار، ورايةُ الإصلاح منكسة، واللهُ حسبنا ونعم الوكيل، وإلى الأفراحِ وحفلاتِ الزواج، حيثُ المنكراتِ جلَّت عن الوصف، غناءٍ وبطرٍ وتفسخٍ وتبرج، هُناك وفي القصورِ تطبيقٌ عملي لتعاليم القنوات الهابطة، وإرشاداتِ المجلات الساقطة .

وإلى المُدنِ الترفيهيةِ والملاهي، حيثُ رُفعت راية ( الغاية تبرر الوسيلة )، ويمارسُ التسفيهَ باسم الترفيه، ويُشجعُ الشركُ باسم السيرك، ويُوأدُ الحياءُ عند النساءِ تحت مسمَّى الحرية، وإلى المطاعمِ حيثُ ظهرت موضةٌ منكرةٌ شعارها ( اتصل نصل ) وباسمها تفتحُ أبوابَ بيوتنا في الهزيعِ الأخير من الليل .

والمستقبِل نساؤنا ومحارمنا، والمستقبَل رجالٌ في قمةِ الأناقةِ مظهراً و الميوعةِ منطقاً، وسيدُ البيتِ نائمٌ، أو في الاستراحاتِ هائم ، ويا للهِ كم حدثٍ بسببِ تلك الخدمةِ من مآسٍ، وأنتم يا غيورون عن هذا غافلون .

وفي مجتمعات النساءِ يظهرُ كلُّ يومٍ منكرٌ جديد، وهو نتاجٌ لهذا الانفتاحِ المرِ عبر وسائلِ الإعلام، حيثُ ظهرت آثارُ القنواتِ وحصادُ الأفلامِ والمسلسلات، وآخرُ ما استقبلتهُ نساؤنا من عاداتِ الغربِ وتقاليده، موضةً اسمُها حفلاتِ التنكر، حيثُ تظهرُ النساءُ في كلِّ مُناسبةٍ في زى دولةٍ من الدول، مهما كان ثمنهُ وكانت حشمتهُ وستره .

إننا أيُّها المسلمون :

نعيشُ مسلسلاً دامياً من المنكرات في كلِّ الميادين، سياسيُّها واقتصاديها، واجتماعيُّها وثقافيها .

في مجتمعاتِ الرجال والنساء، في مجتمعِ الشباب والصغار والكبار، منكراتٌ ظهرت نتيجةَ التساهلِ الخطيرِ بالأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكرات0

منكراتٌ ظهرت حينما ترسَّخ لدينا مفهومٌ جائر، بأنَّ الأمر بالمعروفِ مقصورٌ على رجال الهيئات، وأنَّ الأمر والنهي من غيرهم تدخلٌ وفضول يُحاسبون عليه ، منكراتٌ ظهرت وانتشرت لأنَّ فئةً من علمائنا ودعاتنا وخطبائنا مازالوا في برجهم العاجي يرددون، يجبُ على الناسِ وينبغي عليهم ، دون أنَّ ينزلوا هم إلى الميدان منكرين، إنَّهُ لن يوقفَ سيلَ الفسادِ، ولن تصلحَ البلادَ والعباد، ولن تسلمَ سفينةُ المجتمعِ إلاَّ عندما تشعرُ الأمةُ كلها، رجالها ونساؤها، شيبها وشبابها، مستقيمو ها والمقصرون فيها، عندما يشعرون بمسؤوليتهم عن حمايةِ السفينةِ وتحصينها من الغرق .

إنَّ الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مسؤوليةَ المستقيمين وحدهم، بل هو أمانةٌ في عُنقِ كلِّ مسلمٍ ينتسبُ لهذا الدين، ولو كان ظالماً لنفسهِ،

فلو لم يعظ في الناسِ من هو مذنبٌ ** فمن يعظُ العاصين بعد محمد

وكم علمنا لعصاةٍ مقصرين من مواقفٍ في الغيرةِ للدين ولحرمات المسلمين، يعجزُ عن بعضها بعضُ الملتحين والمتدينين، وماذا تغني المظاهرُ وحدها، وما قيمةُ اللحى إذا كانت تخفي وراءَها وجوها لا تمتعرُ غضباً لله، وغيرةً لدين اللهِ، وما قيمةُ الثيابِ القصيرةِ إذا كان تحتها قلبٌ لا يتحركُ ولا ينبضُ بالحميةِ لدين الله، ولا يتقدُ بالحماسِ والغيرةِ، وما قيمةُ شفتين لم تتلوثا بالدخان، لكن خلفهما لساناً ساكتاً عن الحق، ورُبما كان ناطقاً بالباطل، مخذِّ لاً عن الحقِّ، والساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرس .

أيُّها الأخ المسلم :

لابد لك من المساهمةِ في وضعِ السياجِ على المجتمعِ لحمايته من ولوجِ الأعداءِ واللصوص إليه، لكن هذا وحدهُ لا يكفي، إذ لابُدَّ من التعبئة لهذا المجتمع بالأفكارِ الصحيحةِ والمعاني الحميدة، وإشعالهِ بالطاعاتِ وفعل الخيرات، لئلاَّ يشتغل أهلهُ بالمعاصي والمنكرات، بأيِّ وجهٍ ستُقابلُ ربك؟ وتقفُ بين يديهِ إذا سألكَ وقد تساهلت في مدافعةِ الباطل وأهلهِ، وقصرَّتَ في أداءِ هذه الفريضةِ مع قُدرتك على ذلك، وتمكنتَ منهُ بالوسائلِ المختلفةِ ؟! - ورحمَ اللهُ- الإمامَ الثوري، إذ قال: إني لأرى الشيءَ يجبُ علي أن آمرَ فيه وأنهى فأبولُ دماً .

إنَّ هذه الشعيرةِ هي مسؤوليتنا جميعاً، فالخطيبُ والمحاضرُ، والداعيةُ والمعلمُ والمعلمة، والآباءُ والأمهاتُ، والمسؤو لون والقضاة، ورجالَ الحسبةِ والكاتب والصحفي، وكلُّ فردٍ في هذا المجتمعِ، يتحملُ مسؤوليةً سيُسألُ عنها يوم القيامة، فليتحمل كلٌّ منَّا مسؤوليتهُ وليؤدِّ أمانته .

أيُّها الأخ المسلم :

ألاَّ تقدرُ على الأمرِ بالمعروفِ في بيتك وبين أهلك وولدك، أتعجزُ إذا رأيت صاحبَ منكرٍ أن تقولَ كلمتين فقط : يا عبدَ الله، اتق الله، حين ترى منكراً ولم تستطع إنكاره، أتعجزُ عن أن تُسطرَ شكوى لمسئول، فإنَّ الشكاوى إذا توالت وكثرت، شجعت المسئوول على التغيير، أتعجزُ وأنت مصاحبٌ لزوجتك في السوقِ إذا رأيتَ امرأةً متبرجة، أن تقولَ يا أمة الله استحي من الله ، إنَّ الوسائلَ يا أخي كثيرةٌ لا تنحصرُ في مجالٍ أو نمطٍ معين،

ومتى كان في قلبِ المرءِ اهتمامٌ بأمر الدين، وحرقةً للإسلام، وحرصٌ على مستوى الأمة، فإنَّ هذا الشعورُ يدفعهُ إلى ابتكارِ وسائلَ مختلفة، يستعينُ بها على إقامة هذه الشعيرة ، أنكر بالكلمةِ الهادفةِ محاضرةً أو درساً أو موعظةً.

أنكر بنشرِ الكتابِ النافع، وتوزيعِ الشريطِ الهادف، أنكر بالكتابةِ في الصحفِ رداً على المبطلين، وتوضيحاً للحقِ المبين، أنكر بالهاتفِ، فكم كانت الاتصالاتُ الهاتفية سبباً في إيقافِ منكر، أنكر بالزيارةِ الشخصيةِ لصاحبِ المنكر، مستخدماً وسائلَ الترغيبِ من هديةٍ وكلمةٍ هادئة، أنكر بالرسالةِ الشخصيةِ المكتوبة، بأسلوبٍ لبقٍ مهذَّب، يخاطبُ مكامنَ العاطفةِ في النفسِ البشرية ، أنكر بمقاطعةِ أصحابِ المنكرات ومواقعهم، ومؤسساتِ الفسادِ والانحراف، إنَّما كفل لها الذيوعُ والبقاء، إقبالُ الناسِ عليها ودعمهم لها بأموالهم، من حيثُ يشعرون ولا يشعرون، أنكر بالتشهيرِ على من يستحقُّ من أهلِ المنكرات، فضح باطلهم، وكشف مؤامراتهم ، أنكر بزيارةِ العلماء والاتصال بهم، واطلاعهم على المنكر، وحفزهم للقيامِ بدورهم، وأقلُ الأحوالِ وأضعفُ الإيمان أن يتمعرَ وجهكَ ويغضب قلبك للمنكر، فليس وراءَ ذلك من الايمان حبة خردل .

أمَّا الاستسلامُ للمنكر لأنَّهُ واقعٌ، ولأنَّ لهُ ضغطاً قد يكونُ ساحقاً، والتنازل للفسادِ لأنَّهُ فشا وساد، فذاك خروجٌ من آخر حلقة، وتخلٍ عن أضعفِ الإيمان، وموجبٌ اللعنةِ وسخطِ الرحمن، (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) (المائدة: 79,78) .

إنَّ المنكرَ لا ينتشرُ ولا يظهرُ إلاَّ لأنَّ إنساناً فعل وآخر سكت، وإنَّ المنكرات لن يتقلصَ ظلُها إلاَّ حينما تشعرُ الأمةُ كلها بأنَّ السفينةَ مهددةٌ بالغرق 0

أخي أيُّها الشاب :

حتى ولو كُنت عاصياً ومقصراً، فإنَّ عليكَ من المسؤوليةِ كفلاً، فأنت ابنٌ لهذا الإسلام، وأنت معنا في السفينةِ، فهل ترضى للمجرمين أن يخرقوها فنغرقُ جميعاً

عبر عن انتمائك لهذا الدينِ بعملٍ إيجابي، أمراً بمعروفٍ أو نهياً عن المنكر،

أيتُها المرأةُ المسلمة :

والنساء شقائقُ الرجال، إنَّ على المسلمةِ الغيورةِ أن تدخلَ في كلِّ مجالٍ مباحٍ، وأن تُؤدي مهمتها، وتقومُ بمسؤوليتها في مجالِ التعليم، وفي نطاقِ الجمعياتِ الخيرية، والمناسباتِ العامةِ، وحفلاتِ الزواج، نصحاً وإرشاداً وتوعيةً ودعوةً إلى الله في مجالِ المباح لها، من الإعلام في مجالِ التأليف، كلُّ هذه المجالاتِ التي أصبحَ الأعداءُ يُحاربون من خلالها الإسلام. فينبغي للغيورات أن يدخلنَّ فيها، ويحاولنَ التغيير في المجتمعِ من خلالها

التفريطُ كل التفريط، والرزية كل الرزية، أن تنطوي الصالحاتُ على أنفسهنَّ ويخرجنَ من الساحة، ويدعنَ الضالاتِ المنحرفات يُدرنَ الدِّفة، ويسرنَ بالمجتمعِ إلى الهاوية، فهل تعي المؤمنةُ حجم المسؤوليةِ الملقاةِ على عاتقها، وتنفرُ لمقاومةِ المنكرِ ونشرِ المعروف

أيُّها المؤمنونَ بالله :

لا يعلم إلاَّ اللهُ ما سيكونُ إن لم يأمرَ الربانيون بالمعروف وينهون عن المنكر .

والوحلُ والحضيضُ الذي تعيشُ فيه الأمة، يُدمي القلوب والعيون،

الأمة ألفتِ الآثام حتى أمست جُزءاً من كيانها، تتمسك به وتدافعُ عنه ، جعلَ الشيطان القبيح في عيونهم حسناً والمرُّ في مذاقهم حلواً ، وكرّهَ لهم الاستقامةَ ووحي السماء .

كان المنكرُ يتمُ في خفاءٍ، ثُمَّ صارَ يبدو على استحياءٍ ثُمَّ تواضع عليه الرعاع، ثم صار قانوناً يُعمل به، ويدعوا إليه المبطلون، والسببُ لأننا ساكتون، ناشئةً حديثةً تكرهُ الله ورسوله، وتنقمُ على الإسلام ووحيه، وتريدُ باسم العلمانية أن تعيدنا إلى جاهليةٍ جهلاء، ويرتفعُ اليومَ صوتها، والسببُ لأننا قاعدون، فمن لهؤلاءِ الأقزام يصدهم، إلاَّ الجبالُ الشمُّ من الربانيين أمثالكم، ممن ذاقَ حلاوةَ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، فاستعذبوا ما يُلاقون من أذى، ابتغاءَ وجهِ ربهم ، يا جيلَ المصاحفِ.

يا أهلَ الإسلام يا غرسَ الشهادة : أنت الذي سيُبدلُ الأوزان والأحزان، ويزرعُ في العيونِ نخيلها، فلكم تباطأٌ في الرحيلِ عن القرى عام الرماد 0

يا أهل الإسلام :

قبل أن تغرقَ السفينةُ، اطردوا عنكم داء الخجل، وارفعوا عنكم حاجز الخوفِ، واقطعوا حبلَ الترددِ ، وانزلوا إلى الميدان، وقولوا لأهل الباطلِ لا وألفِ لا ، إنَّ سفينتنا غاليةٌ وستجري بأمانٍ يحميها

أهلُ الإيمان، من رجالٍ ونساء، وشبابٍ وشيان، يدفعون عنها فئرانِ الفساد، وجرذانِ الانحلال، واللهُ غالبٌ على أمره، ولكن أكثرَ الناسِ لا يعلمون، (( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)) (محمد: من الآية38)

اللهمَّ اجعلنا من الدُعاة في سبيلك، الآمرين بالمعروفِ والناهينَ عن المنكر لإعزاز دينك
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى