رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / علي بن مصطفى الطنطاوي
لا تقنطوا من رحمة الله
ـ كان هذا الشيخ مدرسا , لا يعرف من الدنيا إلا الجامع الأزهر الذي يدرس فيه , قبل أن تدخل عليه تاء التأنيث فيصير جامعة , والبيت القريب منه الذي يسكنه , والطريق بينهما . . . فلما طالت عليه المدة , وعلت به السن , واعتلت منه الصحة , احتاج إلى الراحة , فألزمه الطبيب بها , وأشار عليه أن يبتعد عن جو العمل وعن مكانه , وأن ينشد الهدوء في البساتين والرياض وعلى شط النيل .
فخرج فاستوقف عربة , ولم تكن يومئذ السيارات , وقال له : خذني يا ولدي إلى مكان جميل أتفرج فيه وأستريح .
وكان صاحب العربة ( العربجي ) خبيثا ً فأخذه إلى طرف الأزبكية , حيث كانت بيوت المومسات , وقال : هنا . قال : يا ولدي لقد قرب المغرب فأين أصلي ؟ خذني أولا ً إلى المسجد . قال : هذا هو المسجد.
وكان الباب مفتوحا ً , وصاحبة الدار قاعدة على الحال التي يكون عليها مثلها . فلما رآها غض بصره عنها , ورأى كرسيا ً فقعد عليه ينتظر الأذان وهي تنظر إليه, لا تدري ما أدخله عليها , وليس من رواد منزلها ولا تجرؤ أن تسأله , منعتها بقية حياء , فقد يوجد أمام أهل الصلاح حتى عند المومسات , وهو يسبح وينظر في ساعته , حتى سمع آذان المغرب من بعيد , فقال لها :
_ أين المؤذن ؟ لماذا لا يؤذن وقد دخل الوقت ؟ هل أنت بنته ؟ فسكتت . فانتظر قليلا ً, ثم قال:
_ يا بنتي المغرب غريب , لا يجوز تأخيره , وما أرى هنا أحداً , فإن كنت متوضئة فصلي ورائي, تكن جماعة .
وأذن , وأراد أن يقيم , وهو لا يلتفت إليها , فلما لم يحس منها حركة , قال : مالك ؟ ألست على وضوء ؟
فاستيقظ إيمانها دفعة واحدة , ونسيت ما هي فيه , وعادت إلى أيامها الخوالي , أيام كانت فتاة عفيفة طاهرة , بعيدة عن الإثم , وراحت تبكي وتنشج , ثم ألقت بنفسها على قدميه . . .
فدهش , ولم يدر كيف يواسيها وهو لا يريد أن ينظر إليها , أو أن يمسها . . . وقصت عليه قصتها , ورأى من ندمها وصحة توبتها , ما أيقن معه صدقها فيها , فقال اسمعي يا بنتي ما يقوله رب العالمين :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا }.
جميعا يا ابنتي جميعا ً , إن باب التوبة مفتوح لكل عاص ٍ , وهو واسع يدخلون منه فيتسع لهم , مهما ثقل حملهم من الآثام , حتى الكفر فمن كفر بعد إيمانه , ثم تاب قبل أن تأتيه ساعة الاحتضار , وكان صادقا ً في توبته , وجدد إسلامه فإن الله يقبله . الله يا بنتي أكرم الأكرمين , فهل سمعت بكريم يغلق بابه في وجه من يقصده , ولجأ إليه , معتمدا ً عليه ؟
قومي اغتسلي , والبسي الثوب الساتر , اغسلي جلدك بالماء وقلبك بالتوبة والندم , وأقبلي على الله , وأنا منتظرك هنا , لا تبطئي لئلا تفوتنا صلاة المغرب . ففعلت ما قال , وخرجت إليه بثوب جديد , وقلب جديد , ووقفت خلفه , وصلت صلاة ذاقت حلاوتها , ونقت الصلاة قلبها .
فلما انقضت الصلاة , قال لها : هلمي اذهبي معي , وحاولي أن تقطعي كل رابطة تربطك بهذا المكان ومن فيه , وأن تمحي من ذاكرتك كل أثر لهذه المدة التي قضيتها فيه , وداومي على استغفار الله , والإكثار من الصالحات فليس الزنا بأكبر من الكفر , و ( هند ) التي كانت كافرة , وكانت عدوا ً لرسول الله , وحاولت أن تأكل كبد عمه حمزة , لما صدقت التوبة صارت من صالحات المؤمنات , وصرنا نقول : رضي الله عنها.
وأخذها إلى دار فيها نسوة ديّنات , ثم زوجها ببعض من رضي الزواج بها من صالحي المسلمين , وأوصاه بها خيرا ً .
[ ذكريات 1 / 194 – 196 ]
لا تقنطوا من رحمة الله
ـ كان هذا الشيخ مدرسا , لا يعرف من الدنيا إلا الجامع الأزهر الذي يدرس فيه , قبل أن تدخل عليه تاء التأنيث فيصير جامعة , والبيت القريب منه الذي يسكنه , والطريق بينهما . . . فلما طالت عليه المدة , وعلت به السن , واعتلت منه الصحة , احتاج إلى الراحة , فألزمه الطبيب بها , وأشار عليه أن يبتعد عن جو العمل وعن مكانه , وأن ينشد الهدوء في البساتين والرياض وعلى شط النيل .
فخرج فاستوقف عربة , ولم تكن يومئذ السيارات , وقال له : خذني يا ولدي إلى مكان جميل أتفرج فيه وأستريح .
وكان صاحب العربة ( العربجي ) خبيثا ً فأخذه إلى طرف الأزبكية , حيث كانت بيوت المومسات , وقال : هنا . قال : يا ولدي لقد قرب المغرب فأين أصلي ؟ خذني أولا ً إلى المسجد . قال : هذا هو المسجد.
وكان الباب مفتوحا ً , وصاحبة الدار قاعدة على الحال التي يكون عليها مثلها . فلما رآها غض بصره عنها , ورأى كرسيا ً فقعد عليه ينتظر الأذان وهي تنظر إليه, لا تدري ما أدخله عليها , وليس من رواد منزلها ولا تجرؤ أن تسأله , منعتها بقية حياء , فقد يوجد أمام أهل الصلاح حتى عند المومسات , وهو يسبح وينظر في ساعته , حتى سمع آذان المغرب من بعيد , فقال لها :
_ أين المؤذن ؟ لماذا لا يؤذن وقد دخل الوقت ؟ هل أنت بنته ؟ فسكتت . فانتظر قليلا ً, ثم قال:
_ يا بنتي المغرب غريب , لا يجوز تأخيره , وما أرى هنا أحداً , فإن كنت متوضئة فصلي ورائي, تكن جماعة .
وأذن , وأراد أن يقيم , وهو لا يلتفت إليها , فلما لم يحس منها حركة , قال : مالك ؟ ألست على وضوء ؟
فاستيقظ إيمانها دفعة واحدة , ونسيت ما هي فيه , وعادت إلى أيامها الخوالي , أيام كانت فتاة عفيفة طاهرة , بعيدة عن الإثم , وراحت تبكي وتنشج , ثم ألقت بنفسها على قدميه . . .
فدهش , ولم يدر كيف يواسيها وهو لا يريد أن ينظر إليها , أو أن يمسها . . . وقصت عليه قصتها , ورأى من ندمها وصحة توبتها , ما أيقن معه صدقها فيها , فقال اسمعي يا بنتي ما يقوله رب العالمين :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا }.
جميعا يا ابنتي جميعا ً , إن باب التوبة مفتوح لكل عاص ٍ , وهو واسع يدخلون منه فيتسع لهم , مهما ثقل حملهم من الآثام , حتى الكفر فمن كفر بعد إيمانه , ثم تاب قبل أن تأتيه ساعة الاحتضار , وكان صادقا ً في توبته , وجدد إسلامه فإن الله يقبله . الله يا بنتي أكرم الأكرمين , فهل سمعت بكريم يغلق بابه في وجه من يقصده , ولجأ إليه , معتمدا ً عليه ؟
قومي اغتسلي , والبسي الثوب الساتر , اغسلي جلدك بالماء وقلبك بالتوبة والندم , وأقبلي على الله , وأنا منتظرك هنا , لا تبطئي لئلا تفوتنا صلاة المغرب . ففعلت ما قال , وخرجت إليه بثوب جديد , وقلب جديد , ووقفت خلفه , وصلت صلاة ذاقت حلاوتها , ونقت الصلاة قلبها .
فلما انقضت الصلاة , قال لها : هلمي اذهبي معي , وحاولي أن تقطعي كل رابطة تربطك بهذا المكان ومن فيه , وأن تمحي من ذاكرتك كل أثر لهذه المدة التي قضيتها فيه , وداومي على استغفار الله , والإكثار من الصالحات فليس الزنا بأكبر من الكفر , و ( هند ) التي كانت كافرة , وكانت عدوا ً لرسول الله , وحاولت أن تأكل كبد عمه حمزة , لما صدقت التوبة صارت من صالحات المؤمنات , وصرنا نقول : رضي الله عنها.
وأخذها إلى دار فيها نسوة ديّنات , ثم زوجها ببعض من رضي الزواج بها من صالحي المسلمين , وأوصاه بها خيرا ً .
[ ذكريات 1 / 194 – 196 ]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى