رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الشيخ / علي بن مصطفى الطنطاوي
وقانا لفحة الرمضاء واد
ـ قلت مرة لمن معي : ألا يمكن أن نصل إلى أعماق هذا الوادي ؟ وكان اسمه وادي شحرور , قالوا بلى , فهل أنت مستعد ؟ قلت : نعم , فلنهبط .
وهبطنا , وأمضينا نحواً من ساعتين ونحن ننزل , لا نمشي على طريق مزفت , ولا نسلك مسلكاً سهلاً , بل نعتسف اعتسافاً , حتى إذا حسبنا أننا بلغنا القاع , بدت لنا دونه قيعان , حتى انتهينا إلى قرارة الوادي , إلى مكان ما فيه إلا نبع ماء , وثلاثة أبيات أو أربعة , ودكان كدكاكين القرى , فيه من كل شيء شيء قليل . فشربنا من النبع وطلبنا ما نأكله , فلم نجد عنده إلا خبزاً وبيضاً مسلوقاً وبعض الفاكهة , فطلب ثمن الرغيف ما يعدل ثمن عشرين رغيفاً في بيروت وثمن البيضة ما نشتري به الدجاجة , وساومناه وجادلناه فأبى إلا ما أراد , فنتحينا ناحية وجمعنا كل ما في جيوبنا وأكياسنا , فلم يبلغ ما طلبه . وكنا في مثل حال المضطر . قالوا : ماذا نصنع ؟ نكاد نهلك من الجوع . فقلت لهم : إن لمثلنا أن يأكل الميتة , أو أن يغصب ما يقيم حياته غصباً , فأفهموه أننا رضينا , فإذا أكلنا فعلنا ما يرضي ربنا , ويريح ضميرنا .
فأعطانا وأكلنا , فلما شبعنا , قلنا ندفع لك ما معنا . وكان يزيد على ثلاثة أضعاف ثمن ما أكلنا , فأبى فقلنا له : لقد أكلنا الطعام , فإما أن تأخذ , وإما أن تذهب فتأتينا بالشرطة , وإما أن تقاتلنا . فصاح , فجمع علينا خمسة من أصحابه , من هذه البيوت التي تقوم حول النبع , فنظروا , فإذا نحن أكثر منهم عدداً ويبدو أننا أقوى جسداً . وأدرك أن لا طاقة له بحربنا , وليس هناك حكومة يشكون إليها , فاكتفى بما جرى على لسانه من سبنا وسب آبائنا ومن ولدنا . وكان سفيهاً طويل اللسان عالي الصوت , ولكنا كنا ( والحق يقال ) أشد سفهاً , وأطول لساناً , وأعلى صوتاً , فغلبناه . وكيف لا , وأنا أحفظ نصف ما قال الشعراء في فن الهجاء . [ ذكريات 4 / 58 – 59 ].
وقانا لفحة الرمضاء واد
ـ قلت مرة لمن معي : ألا يمكن أن نصل إلى أعماق هذا الوادي ؟ وكان اسمه وادي شحرور , قالوا بلى , فهل أنت مستعد ؟ قلت : نعم , فلنهبط .
وهبطنا , وأمضينا نحواً من ساعتين ونحن ننزل , لا نمشي على طريق مزفت , ولا نسلك مسلكاً سهلاً , بل نعتسف اعتسافاً , حتى إذا حسبنا أننا بلغنا القاع , بدت لنا دونه قيعان , حتى انتهينا إلى قرارة الوادي , إلى مكان ما فيه إلا نبع ماء , وثلاثة أبيات أو أربعة , ودكان كدكاكين القرى , فيه من كل شيء شيء قليل . فشربنا من النبع وطلبنا ما نأكله , فلم نجد عنده إلا خبزاً وبيضاً مسلوقاً وبعض الفاكهة , فطلب ثمن الرغيف ما يعدل ثمن عشرين رغيفاً في بيروت وثمن البيضة ما نشتري به الدجاجة , وساومناه وجادلناه فأبى إلا ما أراد , فنتحينا ناحية وجمعنا كل ما في جيوبنا وأكياسنا , فلم يبلغ ما طلبه . وكنا في مثل حال المضطر . قالوا : ماذا نصنع ؟ نكاد نهلك من الجوع . فقلت لهم : إن لمثلنا أن يأكل الميتة , أو أن يغصب ما يقيم حياته غصباً , فأفهموه أننا رضينا , فإذا أكلنا فعلنا ما يرضي ربنا , ويريح ضميرنا .
فأعطانا وأكلنا , فلما شبعنا , قلنا ندفع لك ما معنا . وكان يزيد على ثلاثة أضعاف ثمن ما أكلنا , فأبى فقلنا له : لقد أكلنا الطعام , فإما أن تأخذ , وإما أن تذهب فتأتينا بالشرطة , وإما أن تقاتلنا . فصاح , فجمع علينا خمسة من أصحابه , من هذه البيوت التي تقوم حول النبع , فنظروا , فإذا نحن أكثر منهم عدداً ويبدو أننا أقوى جسداً . وأدرك أن لا طاقة له بحربنا , وليس هناك حكومة يشكون إليها , فاكتفى بما جرى على لسانه من سبنا وسب آبائنا ومن ولدنا . وكان سفيهاً طويل اللسان عالي الصوت , ولكنا كنا ( والحق يقال ) أشد سفهاً , وأطول لساناً , وأعلى صوتاً , فغلبناه . وكيف لا , وأنا أحفظ نصف ما قال الشعراء في فن الهجاء . [ ذكريات 4 / 58 – 59 ].
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى