رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. رياض بن محمد المسيميري
الرثاء عند العرب
بالرغم من الطبيعة الرجولية التي جبل عليها العربي والبيئة الصحراوية التي أحاطت بنشأته ، إلا أنَّ رقة العاطفة ، ولين المشاعر ظلت مصاحبة له في كل حال ..
فكان فقد حبيب أو قريب أو صاحب مؤذناً بانبعاث قريحة الشاعر وإتحاف السامعين بأبيات تسكب عبرات الجبال ..
فهذا متمم بن نويرة يقدم المدينة على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بعد أن قُتل أخوه مالك بن نويرة كافراً فيلقى على مسامع المصلين عقب صلاة الفجر تلك القصيدة الباكية ومنها قوله :
أبى الصبرَ آياتٌ أراها وإنني
أرى كلّ حبل بعد حبلك أقطعا
وإنّي متى ما ادعُ باسمك لا تُجب
وكُنْتَ جديراً أن تجيبَ وتُسمعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا
أصاب المنايا رَهْطَ كسرى وتُبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً
لطولِ اجتماعٍ لم نبتْ ليلة معا
وكًنّا كندماني جذيمةَ حقبةً
من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
فإن تكن الأيام فرقن بيننا
فقد بان محموداً أخي حين ودّعا
بل حتى الشعراء المعروفون بكثرة الهجاء ومنازلة الخصوم بأبيات ساخنة , وقصائد لاذعة كانوا سريعاً ما تجيش عواطفهم فينظمون المراثي ويذرفون العيون !
فهذا الفرزدق الشاعر المشهور ذو العداوة المستحكمة لجرير في قصائد معروفة يلُقي بقافية الهجاء بعيدا ويستبدلها بقافية الرثاء يبكي صاحبة عطية ويقول :
لو لم يفارقني عطيةُ لم أهُن
ولم أعطِ أعدائي الذي كنت أمنعً
شجاعٌ إذا لاقى ورام إذا رمى
وهادٍ إذا ما أظلم اليلُ مِصْدَعُ
سأبكيك حتى تنفذَ العينُ ماءها
ويشفي منّى الدمعُ ما أَتوجعُ
ولم تكن المراثي وقفاً على الرجال بل حتى النساء كان لهن من أبيات الرثاء حظ وافرٌ ، فهاهي الخنساء ترثي أخاها صخراً .. فتقول :
ولو لا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لَقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن
أعزّي النفس عنه بالتأسي
يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره لكل غروب شمس
وهذه امرأة من بني الحارث بن كعب ، وكان لها طفلان من عبيد الله بن العباس وكان عاملاً لعلي بن أبي طالب على اليمن ، فوجّه معاوية إلى اليمن بسر بن أرطأة فأُرشد على الطفلين فوارتهما أمهما تحت ذيلها فأخذهما وذبحهما تحت عينها فقالت :
يا من أحسّ بنيي اللذين هما
كالدرتين تشظى عنهما الصدفُ
يا من أحسّ بنيي اللذين هما
سمعي وطرفي فطرفي اليوم مختطفُ
يا من أحسّ بنيي اللذين هما
مُخُّ العظام فمخي اليوم مُزْدَهَفُ
قولها : أحس ّ أي قتل : قال الله : {إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ} أي تقتلونهم
يقول الرافعي وهو يسوق هذه الأبيات الدامعات : " ولا أبلغ بلاغة ولا أحسن حكاية لصوت البكاء والندب من قولها بنييّ ، فهاتان الياءان المشددتان تعصران الدموع عصراً وتصوران غصص العبرات مترددة في حلق الباكية أبدع تصوير" تاريخ آداب العرب 3 / 48
قلت :
والإسلام لا يُحرم الحزن على الأموات ولا ذرف الدموع عليهم؛ لأنه دين الفطرة فلا يصادم الطبيعة ولا يلغي الأحاسيس والمشاعر ، ففي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام وهو يودع فلذة كبده إبراهيم ( إنْ القلب ليحزن ، وإنَ العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ).
لكنَّ الرثاء نظماً ونثراً لا يجوز أن يتخطى الحدود ، ويتجاوز المباح فينقلب تسخطاً على الأقدار أو نياحة وشقاً للثياب .
صحيح مسلم ج2/ص644
934 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب. والطعن في الأنساب, والاستسقاء بالنجوم , والنياحة, وقال:النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب"
فإذا كان شقّ الثوب ولطم الوجه محرماً, فكيف بقتل النفس الذي كادت الخنساء أن تفعله من أجل صخر ؟!
الرثاء عند العرب
بالرغم من الطبيعة الرجولية التي جبل عليها العربي والبيئة الصحراوية التي أحاطت بنشأته ، إلا أنَّ رقة العاطفة ، ولين المشاعر ظلت مصاحبة له في كل حال ..
فكان فقد حبيب أو قريب أو صاحب مؤذناً بانبعاث قريحة الشاعر وإتحاف السامعين بأبيات تسكب عبرات الجبال ..
فهذا متمم بن نويرة يقدم المدينة على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بعد أن قُتل أخوه مالك بن نويرة كافراً فيلقى على مسامع المصلين عقب صلاة الفجر تلك القصيدة الباكية ومنها قوله :
أبى الصبرَ آياتٌ أراها وإنني
أرى كلّ حبل بعد حبلك أقطعا
وإنّي متى ما ادعُ باسمك لا تُجب
وكُنْتَ جديراً أن تجيبَ وتُسمعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا
أصاب المنايا رَهْطَ كسرى وتُبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً
لطولِ اجتماعٍ لم نبتْ ليلة معا
وكًنّا كندماني جذيمةَ حقبةً
من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
فإن تكن الأيام فرقن بيننا
فقد بان محموداً أخي حين ودّعا
بل حتى الشعراء المعروفون بكثرة الهجاء ومنازلة الخصوم بأبيات ساخنة , وقصائد لاذعة كانوا سريعاً ما تجيش عواطفهم فينظمون المراثي ويذرفون العيون !
فهذا الفرزدق الشاعر المشهور ذو العداوة المستحكمة لجرير في قصائد معروفة يلُقي بقافية الهجاء بعيدا ويستبدلها بقافية الرثاء يبكي صاحبة عطية ويقول :
لو لم يفارقني عطيةُ لم أهُن
ولم أعطِ أعدائي الذي كنت أمنعً
شجاعٌ إذا لاقى ورام إذا رمى
وهادٍ إذا ما أظلم اليلُ مِصْدَعُ
سأبكيك حتى تنفذَ العينُ ماءها
ويشفي منّى الدمعُ ما أَتوجعُ
ولم تكن المراثي وقفاً على الرجال بل حتى النساء كان لهن من أبيات الرثاء حظ وافرٌ ، فهاهي الخنساء ترثي أخاها صخراً .. فتقول :
ولو لا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لَقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن
أعزّي النفس عنه بالتأسي
يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره لكل غروب شمس
وهذه امرأة من بني الحارث بن كعب ، وكان لها طفلان من عبيد الله بن العباس وكان عاملاً لعلي بن أبي طالب على اليمن ، فوجّه معاوية إلى اليمن بسر بن أرطأة فأُرشد على الطفلين فوارتهما أمهما تحت ذيلها فأخذهما وذبحهما تحت عينها فقالت :
يا من أحسّ بنيي اللذين هما
كالدرتين تشظى عنهما الصدفُ
يا من أحسّ بنيي اللذين هما
سمعي وطرفي فطرفي اليوم مختطفُ
يا من أحسّ بنيي اللذين هما
مُخُّ العظام فمخي اليوم مُزْدَهَفُ
قولها : أحس ّ أي قتل : قال الله : {إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ} أي تقتلونهم
يقول الرافعي وهو يسوق هذه الأبيات الدامعات : " ولا أبلغ بلاغة ولا أحسن حكاية لصوت البكاء والندب من قولها بنييّ ، فهاتان الياءان المشددتان تعصران الدموع عصراً وتصوران غصص العبرات مترددة في حلق الباكية أبدع تصوير" تاريخ آداب العرب 3 / 48
قلت :
والإسلام لا يُحرم الحزن على الأموات ولا ذرف الدموع عليهم؛ لأنه دين الفطرة فلا يصادم الطبيعة ولا يلغي الأحاسيس والمشاعر ، ففي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام وهو يودع فلذة كبده إبراهيم ( إنْ القلب ليحزن ، وإنَ العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ).
لكنَّ الرثاء نظماً ونثراً لا يجوز أن يتخطى الحدود ، ويتجاوز المباح فينقلب تسخطاً على الأقدار أو نياحة وشقاً للثياب .
صحيح مسلم ج2/ص644
934 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب. والطعن في الأنساب, والاستسقاء بالنجوم , والنياحة, وقال:النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب"
فإذا كان شقّ الثوب ولطم الوجه محرماً, فكيف بقتل النفس الذي كادت الخنساء أن تفعله من أجل صخر ؟!
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى