رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ورد عمر بن الخطاب على الحباب فقال :
هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل1 بباطل أو متجانف2 لإثم أو متورط في هلكة، فقام الحباب بن المنذر فقال :
يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا علكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد، وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين، أنا جذيلها المحكك3 وعذيقها4 المرجب5، أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة.
لقد لج الحباب في الخصومة، واستعمل في خطبته ألفاظا شديدة وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتدا: إذن يقتلك الله، قال: بل إياك يقتل.
قال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل.
وعندئذ قام بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري، ويكنى أبا النعمان فقال :
يا معشر الأنصار إنا والله كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا، وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك، ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش وقومه أحق به وأولى، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر، أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم.
فأراد أبو بكر بحكمته أن يضع حدا لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من المهاجرين قائلا: هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا.
فقالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك، أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك نبايعك، فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مدل الباطل: أي فيه جراءة وعلامة على الباطل.
2- متجانف: أي متمايل متعمد.
3- الجذل المحكك: الذي بنصب في العطن لتحتك به الإبل الجربى
4- عذيقها: كل غصن له شعب
5- المرجب: وهو تصغير " تعظيم"، وأراد بالترجيب التعظيم. وقوله: أنا جذيها المحكك وعذيقها المرجب، مثل يضرب لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه.
ص -23- ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير "الذي كان رئيس الأوس يوم بعاث ومن أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان أحد المشهود لهم بالعقل وأحد النقباء" :
والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم1.
ولم يلق الرأي الذي قاله الأنصار "منا أمير ومنكم أمير" قبولا حتى سعد نفسه فإنه لما سمع به قال: هذا أول الوهن. لأن انقسام القوة موهن لها، و كذا رفضه عمر حيث قال: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن. وأسرع عمر في مبايعة أبي بكر علما منه بمكانته واعترافا بفضله.
أقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب، وأقبلت أسلم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا فكان عمر يقول: ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر وكاد الناس من شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذي كان يومئذ مريضا ولا يستطيع النهوض، وحدثت بينه وبين عمر مشادة، وأخيرا حمل سعد وأدخل في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال :
أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل، وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل، وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي.2
هذا ما أجاب به سعد من دعوه إلى مبايعة أبي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد امتناعه عن البيعة، وليس له أنصار ولا أغلبية! لقد طمع في الخلافة، وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق3 من حياتهم، إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه.
فلما علم أبو بكر بما قال سعد، قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال له بشير بن سعد: إنه قد لج وأبى، وليس بمبايعتكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده، وأهل بيته، وطائفة من عشيرته، فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد، فتركوه عملا برأي بشير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/243.
2- تاريخ الطبري:2/244
3- الرمق: بقية الحياة.
هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل1 بباطل أو متجانف2 لإثم أو متورط في هلكة، فقام الحباب بن المنذر فقال :
يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا علكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد، وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين، أنا جذيلها المحكك3 وعذيقها4 المرجب5، أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة.
لقد لج الحباب في الخصومة، واستعمل في خطبته ألفاظا شديدة وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتدا: إذن يقتلك الله، قال: بل إياك يقتل.
قال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل.
وعندئذ قام بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري، ويكنى أبا النعمان فقال :
يا معشر الأنصار إنا والله كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا، وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك، ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش وقومه أحق به وأولى، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر، أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم.
فأراد أبو بكر بحكمته أن يضع حدا لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من المهاجرين قائلا: هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا.
فقالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك، أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك نبايعك، فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مدل الباطل: أي فيه جراءة وعلامة على الباطل.
2- متجانف: أي متمايل متعمد.
3- الجذل المحكك: الذي بنصب في العطن لتحتك به الإبل الجربى
4- عذيقها: كل غصن له شعب
5- المرجب: وهو تصغير " تعظيم"، وأراد بالترجيب التعظيم. وقوله: أنا جذيها المحكك وعذيقها المرجب، مثل يضرب لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه.
ص -23- ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير "الذي كان رئيس الأوس يوم بعاث ومن أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان أحد المشهود لهم بالعقل وأحد النقباء" :
والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم1.
ولم يلق الرأي الذي قاله الأنصار "منا أمير ومنكم أمير" قبولا حتى سعد نفسه فإنه لما سمع به قال: هذا أول الوهن. لأن انقسام القوة موهن لها، و كذا رفضه عمر حيث قال: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن. وأسرع عمر في مبايعة أبي بكر علما منه بمكانته واعترافا بفضله.
أقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب، وأقبلت أسلم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا فكان عمر يقول: ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر وكاد الناس من شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذي كان يومئذ مريضا ولا يستطيع النهوض، وحدثت بينه وبين عمر مشادة، وأخيرا حمل سعد وأدخل في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال :
أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل، وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل، وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي.2
هذا ما أجاب به سعد من دعوه إلى مبايعة أبي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد امتناعه عن البيعة، وليس له أنصار ولا أغلبية! لقد طمع في الخلافة، وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق3 من حياتهم، إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه.
فلما علم أبو بكر بما قال سعد، قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال له بشير بن سعد: إنه قد لج وأبى، وليس بمبايعتكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده، وأهل بيته، وطائفة من عشيرته، فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد، فتركوه عملا برأي بشير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تاريخ الطبري: 2/243.
2- تاريخ الطبري:2/244
3- الرمق: بقية الحياة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى