رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
كتاب : اللطائفالمؤلف : ابن الجوزي
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام العالم الحافظ، إمام
وقته، وفريد عصره، وعلامة دهره، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي
بن الجوزي: الحمد لله على ما يوليه، حمدا يرضيه، وصلى الله على من اجتمعت
كل المعالم فيه، وقرن اسمه باسم الحق عند الذكر ويكفيه، وعلى آله وأصحابه
وتابعيه.
هذا الكتاب رقت عباراته، ودقت إشارته، نثرته عند الإملاء نثرا
من فنون، فهو نصيب أكف لا تلتقط الدون، جعلته طرازا على ثوب الوعظ، وفصا
لخاتم اللفظ، يعمل في القلب قبل السمع، وغلى الله الرغبة في النفع.
الفصل الأول
في قوله تعالى هو الأول والآخرلا
بصفة الأول يحكم له مبدأ، ولا بالآخر صار له منتهى، ولا من الظاهر فهم له
شح، ولا من الباطن تعطل له وصف، خرست في حضرة القدس صولة لم؟ وكفت لهيبة
الحق كف كيف؟ وغشيت لأنوار العزة عين عين الفكرة، فأقدام الطلب واقفة على
حمى التسليم، جل عن أشباه وأثمال، وتقدس عن أن تضرب له الأمثال،وإنما يقع
الإشتباه والإشكال، في حق من له أنداد وأشكال، المشبه ملوثن بفرث التجسيم،
والمعطل نجس بدم الجحود، ونصيب المحق من بين فرث ودم لبن خالص، هو المتنزه
لا يقال: لم لفعله؟ ولا متى لكونه؟ ولا فيم لذاته؟ ولا كيف لوصفه؟ ليس في
صفاته أين؟ ولا مما يدخل في أحديته من طالع مرآة صمديته دلته صفاتها على
التنزيه، وعلم أنه لا ينطبع فيها شبح الشريك، ولا خيال التشبيه. (تفكروا
في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله فتهلكوا) إذا استقبل الرمد الريح
فقد تعرض لزيادة الرمد.
جاء البعوض إلى " سليمان " عليه السلام يشكو من
الريح، فاستحضر سليمان الريح، فذهب البعوض، فقال " سليمان " إلى أين؟
فقال: لو كان لي قوة الثبوت معها ما شكوت منها.
الفصل الثانيفي
ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام لما رأى نبينا صلى الله عليه وسلم تخليط
القوم في دعوى الشركن فر في بادية العرب، فتحرى غار حراء للفراغ، فراغ
إليه، فجاء مزاحم اقرأ يا راهب الصمت، تكلم لسان العجر البشري: لست
بقارىء، أنا بالأمس في حجر حجر حليمة، ودخلت في موت أبي في كفالة أبي
طالب، فحم لما حمّ، فزمزم بلطف زملوني، فعاد طيف اللطف ينعت الراقد: (يا
أَيُها المُزَمِل) قم يا أطيب ثماركن، يا محمولا عليه ثقل قل، يا من خلع
عليه خلعة (قُم فَأنذِر) ومن تحركت لتعظيمه السواكن فحن إليه الجذع، وكلمه
الذئب، وسبح في كفه الحصا، وتزلزل له الجبل، كل كنى عن شوقه بلسانه.
عجب
القوم من علو منزلته، فقالوا بألسنة الحسد (لَولا نُزِلَ هذا القرآن)
والقدر يقول: ماهذا التعجب من نخلة بسقت والأصل نواة؟ (ألم نَخلُقكُم مِن
ماءٍ مَهين) مرضوا لقوة داء الحسد فرأوه بغير عينه فقالوا: مجنون، يا
محمد: هذا نقش يرقانهمن لا لون وجهك، يا جملة الجمال، يا كل الكمال، أنت
واسطة العقد، وزينه الدهر، تزيد على الأنبياء زيادة الشمس على البدر،
والبحر على القطر، والسماء على الأرض. أنت صدرهم وبدرهم، وعليك يدور
أمرهم، أنت قطب فلكهم، وعين كثيبهم، وواسطة قلادتهم، ونقش فصهم، وبيت
قصيدتهم، شمس ضحاها، هلال ليلتها، در مقاصيرها، زبر جدها. الخلائق أشخاص،
والأنبياء قلوب، ونبينا عليه الصلاة والسلام سرهم.
لما أخذ في سير
أسرى، فنقل إلى المسجد الأقصى، خرج إليه عباد الأنبياء من صوامعهم،
فاقتدوا بصلاة راهب الوجود، لو كان " موسى وعيسى حيين " أمطها عنك يا عمر،
أمع الشمس سراج " .
بعث بالحنيفية السمحة، كانت شرائع الأنبياء كرمضان
الصوم، وشرع نبينا يوم العيد، عرضت عليه الجنة والنار حتى عرف الطبيب
العقاقير قبل تركيب الأدوية، فل غرب سيف (أََتجَعَلُ فيها) ليلة المعراج
ظنت الملائكة أن الآيات تختص بالسماء، فإذا آية الأرض قد علت، لا عجب من
ارتفاع صعودهم لأنهم ذوو أجنحة، إنما العجب من ارتفاع جسم طبعه الهبوط بلا
جناح جسداني، كان جبريل عليه السلام دليل الفلاح، فلما وصل إلى مفازة ليس
فيها علم يعرفه، علم ابن أجود أن الصدق أجود، فقال: ها أنت وربك.
وقع
في بادية القرب، فأوجبت هيبة التعظيم أن خرس لسان الطبع، فقال: لا أحصي
ثناء عليك، كادت الهيبة تلهبه لولا أن تدورك برش ماء: السلام عليك، فإذا
قامت القيامة، فموسى صاحبه، وعيسى حاجبه، والخليل أمير جنده، وآدم ينادي
بلسان حاله: يا ولد صورتي، يا والد معناي.
وقته، وفريد عصره، وعلامة دهره، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي
بن الجوزي: الحمد لله على ما يوليه، حمدا يرضيه، وصلى الله على من اجتمعت
كل المعالم فيه، وقرن اسمه باسم الحق عند الذكر ويكفيه، وعلى آله وأصحابه
وتابعيه.
هذا الكتاب رقت عباراته، ودقت إشارته، نثرته عند الإملاء نثرا
من فنون، فهو نصيب أكف لا تلتقط الدون، جعلته طرازا على ثوب الوعظ، وفصا
لخاتم اللفظ، يعمل في القلب قبل السمع، وغلى الله الرغبة في النفع.
الفصل الأول
في قوله تعالى هو الأول والآخرلا
بصفة الأول يحكم له مبدأ، ولا بالآخر صار له منتهى، ولا من الظاهر فهم له
شح، ولا من الباطن تعطل له وصف، خرست في حضرة القدس صولة لم؟ وكفت لهيبة
الحق كف كيف؟ وغشيت لأنوار العزة عين عين الفكرة، فأقدام الطلب واقفة على
حمى التسليم، جل عن أشباه وأثمال، وتقدس عن أن تضرب له الأمثال،وإنما يقع
الإشتباه والإشكال، في حق من له أنداد وأشكال، المشبه ملوثن بفرث التجسيم،
والمعطل نجس بدم الجحود، ونصيب المحق من بين فرث ودم لبن خالص، هو المتنزه
لا يقال: لم لفعله؟ ولا متى لكونه؟ ولا فيم لذاته؟ ولا كيف لوصفه؟ ليس في
صفاته أين؟ ولا مما يدخل في أحديته من طالع مرآة صمديته دلته صفاتها على
التنزيه، وعلم أنه لا ينطبع فيها شبح الشريك، ولا خيال التشبيه. (تفكروا
في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله فتهلكوا) إذا استقبل الرمد الريح
فقد تعرض لزيادة الرمد.
جاء البعوض إلى " سليمان " عليه السلام يشكو من
الريح، فاستحضر سليمان الريح، فذهب البعوض، فقال " سليمان " إلى أين؟
فقال: لو كان لي قوة الثبوت معها ما شكوت منها.
الفصل الثانيفي
ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام لما رأى نبينا صلى الله عليه وسلم تخليط
القوم في دعوى الشركن فر في بادية العرب، فتحرى غار حراء للفراغ، فراغ
إليه، فجاء مزاحم اقرأ يا راهب الصمت، تكلم لسان العجر البشري: لست
بقارىء، أنا بالأمس في حجر حجر حليمة، ودخلت في موت أبي في كفالة أبي
طالب، فحم لما حمّ، فزمزم بلطف زملوني، فعاد طيف اللطف ينعت الراقد: (يا
أَيُها المُزَمِل) قم يا أطيب ثماركن، يا محمولا عليه ثقل قل، يا من خلع
عليه خلعة (قُم فَأنذِر) ومن تحركت لتعظيمه السواكن فحن إليه الجذع، وكلمه
الذئب، وسبح في كفه الحصا، وتزلزل له الجبل، كل كنى عن شوقه بلسانه.
عجب
القوم من علو منزلته، فقالوا بألسنة الحسد (لَولا نُزِلَ هذا القرآن)
والقدر يقول: ماهذا التعجب من نخلة بسقت والأصل نواة؟ (ألم نَخلُقكُم مِن
ماءٍ مَهين) مرضوا لقوة داء الحسد فرأوه بغير عينه فقالوا: مجنون، يا
محمد: هذا نقش يرقانهمن لا لون وجهك، يا جملة الجمال، يا كل الكمال، أنت
واسطة العقد، وزينه الدهر، تزيد على الأنبياء زيادة الشمس على البدر،
والبحر على القطر، والسماء على الأرض. أنت صدرهم وبدرهم، وعليك يدور
أمرهم، أنت قطب فلكهم، وعين كثيبهم، وواسطة قلادتهم، ونقش فصهم، وبيت
قصيدتهم، شمس ضحاها، هلال ليلتها، در مقاصيرها، زبر جدها. الخلائق أشخاص،
والأنبياء قلوب، ونبينا عليه الصلاة والسلام سرهم.
لما أخذ في سير
أسرى، فنقل إلى المسجد الأقصى، خرج إليه عباد الأنبياء من صوامعهم،
فاقتدوا بصلاة راهب الوجود، لو كان " موسى وعيسى حيين " أمطها عنك يا عمر،
أمع الشمس سراج " .
بعث بالحنيفية السمحة، كانت شرائع الأنبياء كرمضان
الصوم، وشرع نبينا يوم العيد، عرضت عليه الجنة والنار حتى عرف الطبيب
العقاقير قبل تركيب الأدوية، فل غرب سيف (أََتجَعَلُ فيها) ليلة المعراج
ظنت الملائكة أن الآيات تختص بالسماء، فإذا آية الأرض قد علت، لا عجب من
ارتفاع صعودهم لأنهم ذوو أجنحة، إنما العجب من ارتفاع جسم طبعه الهبوط بلا
جناح جسداني، كان جبريل عليه السلام دليل الفلاح، فلما وصل إلى مفازة ليس
فيها علم يعرفه، علم ابن أجود أن الصدق أجود، فقال: ها أنت وربك.
وقع
في بادية القرب، فأوجبت هيبة التعظيم أن خرس لسان الطبع، فقال: لا أحصي
ثناء عليك، كادت الهيبة تلهبه لولا أن تدورك برش ماء: السلام عليك، فإذا
قامت القيامة، فموسى صاحبه، وعيسى حاجبه، والخليل أمير جنده، وآدم ينادي
بلسان حاله: يا ولد صورتي، يا والد معناي.
؟الفصل ؟الثالث
في ذكر آدم
عليه السلام؟؟؟ إياك والذنوب فإنها أذلت أباك بعد عز (اِسجدوا) وأخرجته من
أقطار (اسكُن) مذ سبى الهوى آدم هوى، دام حزنه، فخرج أولاده العقلاء
محزونين، وأولاده السبايا أذلة، أعظم الظلمة ما تقدمها ضوء، وأصعب الهجر
ما سبقه وصل، واشد عذاب المحب تذكاره وقت القرب، كان حين إخراجه لا تمشي
قدمه، والعجب كيف خطا.
وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَت ... عَنّي الطُلولُ تَلفَّتَ القَلبُ
واعجبا لجبريل بالأمس يسجد له واليوم يجر بناصيته، والمدنف يقول: ارفق بي:
يا سائقَ البَكَراتِ اِستَبِقِ فَضلَتَها ... عَلى الروي فظهر البكر مقعور
الأسى لأيام الوصال، واللسان يقول: يا ويلتاه والقلب ينادي: يا لهفاه
مِن مُعيٌ أَيامَ جَمعٍ عَلى ما ... كانَ مِنها وَأَينَ أَيّامُ جَمعِ
طالِباً بِالعِراقِ يَنشُدُ هيهات زماناً أَضَلّهُ بِالجَزعِ
كم قصة غصة بعثها مع بريد السر لا يدري بها سوى القلب، مكنونها التأسف، ومضمونها التلهف.
أَلا يا نَسيمَ الريحِ مِن أَرضِ بابلٍ ... تَحمِل إِلى أَهلِ العِراق سَلامي؟
وَإِنّي لأهوى أَن أَكونَ بِأرضِهِم ... عَلى أَنَني مِنها اِستَفدتُ غَرامي
أخذت صعداء أنفاس آدم من ذكر (وَعَصى) تحرقه لولا أنه تدارك الحريق بمياه (فَتابَ عَليه).
قُل لِجيرانِ الغَضا آَهٍ عَلى ... طيبِ عَيشٍ بالغضا لو كان داما
حَمّلوا ريحَ الصّبا نَشرُكُم ... قَبلَ أَن تَحمِل شيحاً وَثَماما
فكان كلما عاين الملائكة تنزل من السماء تذكر المرتع في المربع، فتأخذ العين في إعانة الحزين:
رَأى بارِقاً مِن أَرضِ نَجدٍ فَراعَهُ ... فَباتَ يُسحُّ الدَمعُ وَجداً عَلى وَجدِ
فيا شَجراتِ القاعِ مِن بَطنِ وَجرَةٍ ... سَقاكِ هَزيمَ الوَدقِ مُرتَجِسُ الرَعدُ
كان
عند رؤية الأملاكن يذكر إقطاعه الأملاك، فيكاد مما يأسى، يجعل الرجاء
يأسا، ثم قام بعد مراكب المنى يمشي إلى أرض منى، فلولا تلقن الكلمات مات.
هَل الأَعصَرُ اللاتي مَضينَ يَعُدنَ لي ... كَما كُنّ لي أَم لا سبَيلَ إِلى الرّدِّ
واعجبا
لقلق ابن آدم بلا معين على الحزن، هوام الأرض لا تفهم ما يقول، وملائكة
السماء عندها بقايا (أَتَجعَلُ فيها) فهو في كربه بلا رحيم
أَلا راحِمٌ مِن آلِ لَيلى فأَشتَكي ... لَهُ ما بِقَلبي حَتّى يَكِلَّ لِساني
بُكاءُ آَدَمَ لِفِراق الجَنَةِ لا كَبُكاءِ غَيرِهِ
وَكانَت بِالعِراقِ لَنا لَيالٍ ... سَرقناهُنَّ مِن رَيبِ الزَمانِ
ما كان هذا القلق لنفس الدار، بل لأجل رب الدار " وما بي لابان، بل من داره البان " .
صُحبي مَضَوا فَمَدامِعي ... مُنهِلّةٌ مِن إِثرِ صَحبي
ما فَوقَ الهِجرانُ سَهماً ... فانثني عَن قَصدِ قَلبي
كَلاَّ وَلا نادي الجَوى ... إلا وَكُنتُ أَنا المُلبّى
وَلَقَد وَقَفتُ عَلى مِنى ... لَولا المُنى لَقَضيتُ نَحبي
قال
" وهب بن منبه " رضي الله عنه: سجد آدم عليه السلام على " جبل الهند "
مائة عام يبكي حتى جرت دموعه في " وادي سرنديب " فنبت من دموعه "
الدارصيني " و " القرنفل " وجعل طوير الوادي الطواويس، ثم جاء جبريل عليه
السلام فقال: ارفع راسك فقد غفر لك، فرفع رأسه ثم طاف بالبيت اسبوعا فما
أتمه حتى خاض في دموعه.
دُموعُ عيني مَذ قَذ جَذَّ بَينُهُم ... مَثلُ الدَّوالي أَوهَنَّ الدَّوالي
كان " آدم " " يعقوب " البلاء جرى القضاء بزلله، فما ذنب اللقمة.
ولكن ظفرتم بالمحبين فارحموا قدح أُريد انكساره، فسلم إلى مرتعش لو لم تذنبوا واعجبا.
كان يبكي للدار مرة وللجار ألفا، والفراق يقلقل، والبعاد يزلزل
وَإنّي لَمُشتاقٌ إلى طيبِ وَصلُكُم ... كَما اِشتاقَ نَحو الدارَ مَن طالَ لَفتُهُ
سَأَبكي الدِّما شَوقاً إِلى ساكِنِ الحِمى ... فَأفني بِهِ كَنزَ اِصطِبارٍ ذَخَرتُهُ
وَلَم أَبكِ بُعدَ الدارِ عَني وَإِنّما ... بَكيتُ لِصَبرٍ كان لي فَعَدِمتُهُ
إِذا كانَ دَمعُ العَينِ بالسِرِّ شاهِداً ... فَلَيسَ بِخافٍ في الهوى ما جَحدتُهُ
الفصل الرابع
في صفة الربيع
إِذا
تأيمت الأرض من زوج القطر، ووجدت لفقده مس الجدب، أخذت في ثياب (فَتَرى
الأرضَ هامِدَةً) فإذا قوي فقر القفر، ألقى مد أكف الطلب يستعطي زكاة
السحاب، فساق الصانع بعلا يسقي بعلا، فثارت للغياث مثيرة، فجاء الغيث بلا
مثيرة (فَسُقناهُ إِلى بَلَدِ مَيت) وتأثير صناعة المعلم في البليد أعجب.
فلبس
الجو مطرفه الأدكن، وأقبلت خيالة القطر شاهرة سيوف البرق، فأخذ فراش
الهوى، يرش جيش النسيم، فباحث الريح بمكنون المطر، فاستعار السحاب جفون
العشاق، وأكف الأجواد، فامتلأت الأودية أنهارا، كلما مستها يد النسيم حكى
سلسالها سلاسل الفضة، فالشمس تسفر وتتنقب، والغمام يرش وينسكب " انعقد
بعقد الزوجين عقد حب الحب " فلما وقعت شمس الشتاء في الطفل، نشأ أطفال
الزرع فارتبع الربيع أوسط بلاد الزمان، فأعار الأرض أثواب الصبا، فانتبهت
عيون الأرض من سنة الكرى، ونهضت عرائس النبات ترفل في أنواع الحلل، فكأن
النرجس عين، وورقه ورق، فالشقائق يحكي لون الخجل والبهار يصف حال الوجل،
والبنفسج كآثار العض في البدن، والنيلوفر يغفو وينتبه، والأغصان تعتنق
وتفترق، والأراييج قد ثبت أسرارها إلى النسيم فنم، فاجتمعت في عرس التواصل
فنون القيان، فعلا كل ذي فن على فنن، فتطارحت الأطيار مناظرات السجوع،
فأعرب كل بلغته عن شوقه، فالحمام يهدر، والبلبل يخطب، والقمري يرجع،
والمكاء يغرد، والهدهد يهدد، والأغصان تتمايل كلها تشكر للذي بيده عقدة
النكاح، فحينئذ تج خياشيم المشوق ضالة وجده.
لي بِذاتِ البانِ أشجانُ ... حَبَّذا مِن أَجلِها البانُ
حَبَذا رَيَّاهُ يوقِظُهُ ... مِن نَسيمِ الفَجرِ رَيعانُ
حَبَذا وُرق الحَمامِ إِذا ... رَنَّحتها مِنهُ أَغصانُ
داعياتٌ بالهَديلِ لَها ... فيهِ أَسجاعٌ وأَلحانُ
أَعجمياتِ إِذا نَطَقتَ ... لَيس إِلا الشَوقُ تِبيانُ
كُلَما غَنَيتَني هَزَجاً ... هاجَني لِلذكرِ أَحزانُ
مالَ بي مَيلَ الغُصونِ بِها ... طَربي فالكُلُّ نَشوانُ
يا حَمامَ البانِ يَجمَعُنا ... وَجَدُنا إِذ نَحنُ جيرانُ
تُحنَ بالشكوة إِليَّ فَما ... بَينَ أَهلِ الشَوقِ كِتمانُ
يَتَشاكى الواجِدونَ جَوىً ... واحِداً وَالوَجدُ ألوانُ
أَنا مَخلوسُ القَرينِ وَأَنتُنَّ أَزواجٌ وَأَرقرانُ
وَبَعيدُ الدارِ عَن وَطَني ... وَلَكُنَّ البانُ أَوطانُ
لا تَزدَني يا عُذولُ جوى ... أَنا بِالأشواقِ سَكرانُ
الفصل الخامس
يذكر فيه إشارة من حال سلمان الفارسيتأيمت الأرض من زوج القطر، ووجدت لفقده مس الجدب، أخذت في ثياب (فَتَرى
الأرضَ هامِدَةً) فإذا قوي فقر القفر، ألقى مد أكف الطلب يستعطي زكاة
السحاب، فساق الصانع بعلا يسقي بعلا، فثارت للغياث مثيرة، فجاء الغيث بلا
مثيرة (فَسُقناهُ إِلى بَلَدِ مَيت) وتأثير صناعة المعلم في البليد أعجب.
فلبس
الجو مطرفه الأدكن، وأقبلت خيالة القطر شاهرة سيوف البرق، فأخذ فراش
الهوى، يرش جيش النسيم، فباحث الريح بمكنون المطر، فاستعار السحاب جفون
العشاق، وأكف الأجواد، فامتلأت الأودية أنهارا، كلما مستها يد النسيم حكى
سلسالها سلاسل الفضة، فالشمس تسفر وتتنقب، والغمام يرش وينسكب " انعقد
بعقد الزوجين عقد حب الحب " فلما وقعت شمس الشتاء في الطفل، نشأ أطفال
الزرع فارتبع الربيع أوسط بلاد الزمان، فأعار الأرض أثواب الصبا، فانتبهت
عيون الأرض من سنة الكرى، ونهضت عرائس النبات ترفل في أنواع الحلل، فكأن
النرجس عين، وورقه ورق، فالشقائق يحكي لون الخجل والبهار يصف حال الوجل،
والبنفسج كآثار العض في البدن، والنيلوفر يغفو وينتبه، والأغصان تعتنق
وتفترق، والأراييج قد ثبت أسرارها إلى النسيم فنم، فاجتمعت في عرس التواصل
فنون القيان، فعلا كل ذي فن على فنن، فتطارحت الأطيار مناظرات السجوع،
فأعرب كل بلغته عن شوقه، فالحمام يهدر، والبلبل يخطب، والقمري يرجع،
والمكاء يغرد، والهدهد يهدد، والأغصان تتمايل كلها تشكر للذي بيده عقدة
النكاح، فحينئذ تج خياشيم المشوق ضالة وجده.
لي بِذاتِ البانِ أشجانُ ... حَبَّذا مِن أَجلِها البانُ
حَبَذا رَيَّاهُ يوقِظُهُ ... مِن نَسيمِ الفَجرِ رَيعانُ
حَبَذا وُرق الحَمامِ إِذا ... رَنَّحتها مِنهُ أَغصانُ
داعياتٌ بالهَديلِ لَها ... فيهِ أَسجاعٌ وأَلحانُ
أَعجمياتِ إِذا نَطَقتَ ... لَيس إِلا الشَوقُ تِبيانُ
كُلَما غَنَيتَني هَزَجاً ... هاجَني لِلذكرِ أَحزانُ
مالَ بي مَيلَ الغُصونِ بِها ... طَربي فالكُلُّ نَشوانُ
يا حَمامَ البانِ يَجمَعُنا ... وَجَدُنا إِذ نَحنُ جيرانُ
تُحنَ بالشكوة إِليَّ فَما ... بَينَ أَهلِ الشَوقِ كِتمانُ
يَتَشاكى الواجِدونَ جَوىً ... واحِداً وَالوَجدُ ألوانُ
أَنا مَخلوسُ القَرينِ وَأَنتُنَّ أَزواجٌ وَأَرقرانُ
وَبَعيدُ الدارِ عَن وَطَني ... وَلَكُنَّ البانُ أَوطانُ
لا تَزدَني يا عُذولُ جوى ... أَنا بِالأشواقِ سَكرانُ
الفصل الخامس
سابقة
الأزل قضت لقوم بدليل (سَبَقَت) وعلى قوم بدليل (غَلَبَت عَلَينا
شِقوَتُنا) فواأسفا، أين المفر؟ توفيق (سَبَقَت) نور قلوب الجن (فَقالوا
إِنّا سَمِعنا قُرآناً عَجَبا) وخذلان (غَلَبَت) أعمى بصائر قريش فقالوا
(أَساطيرُ الأَولين) أهل الشمال في جانب جنون البعد، وأهل اليمين في مهب
شمال القرب، ما نفعت عبادة " إبليس " و " بلعام " ولا ضر عناد السحرة.
وحد " قس " وما رأى الرسول، وكفر " ابن أبي " وقد صلى معه، مع الضب ري يكفيه ولا ماء، والسمكة غائصة في الماء ولا ري.
دخل
الرسول عليه الصلاة إلى بيت يهودي يعوده فقال له: أسلم تسلم، فنظر المريض
إلى ابيه، فقال له: أجب أبا القاسم، فأسلم كان في ذلك البيت غريبا مثل "
سلمان منا " فصاحت ألسنة المخالفين: ما لمحمد ولنا؟ ولسان الحال يقول:
مريضنا عندكم! كيف انصرافي ولي في داركم شغل المناسبة تؤلف بين الأشخاص.
ما احتمل " موسى " مرارة الغربة في دار " فرعون " وإن كان في " آسية " ما
يسلين غير أن حق الأم أحق، فضرب على فيه فدام (وَحَرَمنا) إلى أنه أمته
الأم، فصوت عود العود عند اجتماع الشمل.
الأزل قضت لقوم بدليل (سَبَقَت) وعلى قوم بدليل (غَلَبَت عَلَينا
شِقوَتُنا) فواأسفا، أين المفر؟ توفيق (سَبَقَت) نور قلوب الجن (فَقالوا
إِنّا سَمِعنا قُرآناً عَجَبا) وخذلان (غَلَبَت) أعمى بصائر قريش فقالوا
(أَساطيرُ الأَولين) أهل الشمال في جانب جنون البعد، وأهل اليمين في مهب
شمال القرب، ما نفعت عبادة " إبليس " و " بلعام " ولا ضر عناد السحرة.
وحد " قس " وما رأى الرسول، وكفر " ابن أبي " وقد صلى معه، مع الضب ري يكفيه ولا ماء، والسمكة غائصة في الماء ولا ري.
دخل
الرسول عليه الصلاة إلى بيت يهودي يعوده فقال له: أسلم تسلم، فنظر المريض
إلى ابيه، فقال له: أجب أبا القاسم، فأسلم كان في ذلك البيت غريبا مثل "
سلمان منا " فصاحت ألسنة المخالفين: ما لمحمد ولنا؟ ولسان الحال يقول:
مريضنا عندكم! كيف انصرافي ولي في داركم شغل المناسبة تؤلف بين الأشخاص.
ما احتمل " موسى " مرارة الغربة في دار " فرعون " وإن كان في " آسية " ما
يسلين غير أن حق الأم أحق، فضرب على فيه فدام (وَحَرَمنا) إلى أنه أمته
الأم، فصوت عود العود عند اجتماع الشمل.
سَلامي عَليكُم كَيفَ حالُكُم ... وَهَل عِندَكُم مِن وَحشَةِ البَينِ ما عندي
سبق العلم بنبوة " موسى " و " إيمان " آسية " فسيق تابوته إلى بيتها، فيه طفل منفرد عن أم إلى امرأة خالية عن زوج.
قرينان مرتعنا واحد
لما
قضيت في القدم سلامة " سلمان " حملته صبا الصبا نحو الدين، كان أبوه على
اعتقاد المجوس، فعرج به دليل التوفيق إلى دير النصارى، فأقبل يناظر أباه
فلم يكن لأبيه جواب القيد، وهذا الجواب المرذول قديم من يوم (أَنا أُحيي
وَأُميت)، (ثُمّ نُكِسوا) (قالوا حَرِقوهُ) فنزل في البداية ضيف
(وَلَنَبلونَكُم) ولولا مكابدة البلاء ما نيلت مرتبة (رب أشعث أغبر، لو
أقسم على الله لأبره) فسمع أن ركبا على نية السفر، فسرق نفسه من حرز أبيه
ولا قطع، فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب الغنى، وغاص في مقر بحر البعث
ليقع على بدرة الوجود، فصاح به الهوى: إلى أين؟ فقال (إِنى ذاهبِبٌ إِلى
رَبي) وقف نفسه على خدمة الأدلاء، وقوف الأذلاء.
فلما أحس الرهبان
بانقراض دولتهم، زوده سفره إلى طلب علم الأعلام على علامات نبينا عليه
أفضل الصلاة والسلام، وقالوا: قد آن زمانه وأظل، فاحذر أن تضل، فإنه يخرج
بأرض العرب، ثم يهاجر إلى أرض بين حرتين، فلو رأيته قد فلى الفلاة،
والدليل شوقه، والحنين يزعجه، والتلهف يقلقه
وَأَبغَضتُ فيكَ النَخلَ وَالنَخلُ يانعٌ ... وَأَعجَبَني مِن حُبِكَ الطَلحُ وَالضالُ
وَأَهوى لِجَرّالُ السَّمَاوَةَ وَالفَضى ... وَلو أَنّ صَنفِيَةَ وَشاةٍ وعُذالُ
رحل
مع رفقة لم يرفقوا به (فَشَروهُ بِثَمَنٍ بَخس) فاشتراه يهودي بالمدينة،
فانجبر انكسار رقه بإنعام " سلمان منا " وتوقد شوقه برؤية الحرتين، وما
علم المنزل بوجد النازل.
أَيَدري الرَبعُ أَيَ دَمٍ أَراقا ... وَأَيَّ قُلوبٍ هَذا الرَكبُ ساقا؟
لَنا وَلأَهلِهِ أَبداً قُلوبُ ... تَلاقى في جُسومِ ما تَلاقى!!
فبينما
هو يكابد ساعات الانتظار جاء البشير بقدوم الرسول، و " سلمان " في رأس
نخلة، فكاد القلق يلقيه لولا أن الحزم أمسكه، كما جرى يوم (إِن كادَت
لَتُبدي بِهِ) ثم عجل النزول ليلقي ركب البشارة، وأي ثبات بقي ليعقوب في
حال (إِني لأجد).
خَليليَّ مِ، نَجدٍ قَفاني عَلى الرُّبافَقَد هَبَ مِ، تِلكَ الرُسومِ نَسيمُ طف صالح به المالك: مالك وهذا؟ انصرف إلى شغلك.
كيف انصرافي ولي في داركم شغل ثم أخذ يضربه، فأخذ لسان حال المشوق يترنم، لو سمع الأطروش؟
خَليليَّ لا وَاللَهِ ما أَنا مِنكُما ... إذا عَلَمٌ مِن آَلِ لَيلى بَدا لِيا
قضيت في القدم سلامة " سلمان " حملته صبا الصبا نحو الدين، كان أبوه على
اعتقاد المجوس، فعرج به دليل التوفيق إلى دير النصارى، فأقبل يناظر أباه
فلم يكن لأبيه جواب القيد، وهذا الجواب المرذول قديم من يوم (أَنا أُحيي
وَأُميت)، (ثُمّ نُكِسوا) (قالوا حَرِقوهُ) فنزل في البداية ضيف
(وَلَنَبلونَكُم) ولولا مكابدة البلاء ما نيلت مرتبة (رب أشعث أغبر، لو
أقسم على الله لأبره) فسمع أن ركبا على نية السفر، فسرق نفسه من حرز أبيه
ولا قطع، فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب الغنى، وغاص في مقر بحر البعث
ليقع على بدرة الوجود، فصاح به الهوى: إلى أين؟ فقال (إِنى ذاهبِبٌ إِلى
رَبي) وقف نفسه على خدمة الأدلاء، وقوف الأذلاء.
فلما أحس الرهبان
بانقراض دولتهم، زوده سفره إلى طلب علم الأعلام على علامات نبينا عليه
أفضل الصلاة والسلام، وقالوا: قد آن زمانه وأظل، فاحذر أن تضل، فإنه يخرج
بأرض العرب، ثم يهاجر إلى أرض بين حرتين، فلو رأيته قد فلى الفلاة،
والدليل شوقه، والحنين يزعجه، والتلهف يقلقه
وَأَبغَضتُ فيكَ النَخلَ وَالنَخلُ يانعٌ ... وَأَعجَبَني مِن حُبِكَ الطَلحُ وَالضالُ
وَأَهوى لِجَرّالُ السَّمَاوَةَ وَالفَضى ... وَلو أَنّ صَنفِيَةَ وَشاةٍ وعُذالُ
رحل
مع رفقة لم يرفقوا به (فَشَروهُ بِثَمَنٍ بَخس) فاشتراه يهودي بالمدينة،
فانجبر انكسار رقه بإنعام " سلمان منا " وتوقد شوقه برؤية الحرتين، وما
علم المنزل بوجد النازل.
أَيَدري الرَبعُ أَيَ دَمٍ أَراقا ... وَأَيَّ قُلوبٍ هَذا الرَكبُ ساقا؟
لَنا وَلأَهلِهِ أَبداً قُلوبُ ... تَلاقى في جُسومِ ما تَلاقى!!
فبينما
هو يكابد ساعات الانتظار جاء البشير بقدوم الرسول، و " سلمان " في رأس
نخلة، فكاد القلق يلقيه لولا أن الحزم أمسكه، كما جرى يوم (إِن كادَت
لَتُبدي بِهِ) ثم عجل النزول ليلقي ركب البشارة، وأي ثبات بقي ليعقوب في
حال (إِني لأجد).
خَليليَّ مِ، نَجدٍ قَفاني عَلى الرُّبافَقَد هَبَ مِ، تِلكَ الرُسومِ نَسيمُ طف صالح به المالك: مالك وهذا؟ انصرف إلى شغلك.
كيف انصرافي ولي في داركم شغل ثم أخذ يضربه، فأخذ لسان حال المشوق يترنم، لو سمع الأطروش؟
خَليليَّ لا وَاللَهِ ما أَنا مِنكُما ... إذا عَلَمٌ مِن آَلِ لَيلى بَدا لِيا
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الفصل السادس
تتجافى جنوبهم عن المضاجعسفر
الليل لا يطيقه إلى مضمر المجاعة، تجتمع جنود الكسل فتتشبث بذيل التواني،
فتزين حب النوم، وتزخرف طيب الفراش، وتخوف برد الماء، فإذا ثارت شعلة من
نار الحزم، أضاءت بها طريق القصد، فسمعت أذن اليقين هاتف: هل من سائل؟
فَقُمتُ أَفرِشُ خَدِّي في الطَريقِ لَهُ ... ذُلاً وَأَسحَبُ أَجفاني عَلى الأَثَرِ
نفس
المحب في الليل على آخر نفس، وفي " المتعبدين قوة " وهم يستغفرونن صراخ
الأطفال غير بكاء الرجال، سهر الليل هودج الأحباب، يوقظ نسيم الأسحار أعين
ذوق الأخطار، فلو رأيتهم
وَقَد لاحَت الجوزاءُ وَأنحَدَرَ النَّسرُ
قد
افترشوا بساط " قيس " وباتوا بليل " النابغة " إن ناموا توسدوا أذرع
الهمم، وإن قاموا فعلى أقدام القلق، كأن النوم حلف على جفاء أجفانهم
هَذا رِضاكَ نَفى نَومي فأَرَقَني ... فَكَيفَ يا أَمَلي إِن كُنتَ غَضبانا
مازالوا
على مطايا الأقدام إلى أن نم النسيم بالسحر، وقام الصارخ ينعي الظلام،
فلما تمخض الدجى بحمل السحر، تساندوا إلى رواحل الإستغفار.
شَكونا إِلى أَحبابِنا طَولَ لَيلَنا ... فَقالوا لَنا ما أَقصَرَ اللَيلَ عِندَنا
رياح الأسحار أقوات الأرواح، رقت، فراقت، فبردت حر الوجد، وبلغت رسائل الحب.
أَلا يا صِبا نَجِدُ مَتى هُجتَ مِن نَجدٍ ... لَقَد زادَني مَسراكَ وَجداً عَلى وَجدِ
مكروب الوجدن يرتاح إلى النسيم، وإن قلقل الواجد.
الليل لا يطيقه إلى مضمر المجاعة، تجتمع جنود الكسل فتتشبث بذيل التواني،
فتزين حب النوم، وتزخرف طيب الفراش، وتخوف برد الماء، فإذا ثارت شعلة من
نار الحزم، أضاءت بها طريق القصد، فسمعت أذن اليقين هاتف: هل من سائل؟
فَقُمتُ أَفرِشُ خَدِّي في الطَريقِ لَهُ ... ذُلاً وَأَسحَبُ أَجفاني عَلى الأَثَرِ
نفس
المحب في الليل على آخر نفس، وفي " المتعبدين قوة " وهم يستغفرونن صراخ
الأطفال غير بكاء الرجال، سهر الليل هودج الأحباب، يوقظ نسيم الأسحار أعين
ذوق الأخطار، فلو رأيتهم
وَقَد لاحَت الجوزاءُ وَأنحَدَرَ النَّسرُ
قد
افترشوا بساط " قيس " وباتوا بليل " النابغة " إن ناموا توسدوا أذرع
الهمم، وإن قاموا فعلى أقدام القلق، كأن النوم حلف على جفاء أجفانهم
هَذا رِضاكَ نَفى نَومي فأَرَقَني ... فَكَيفَ يا أَمَلي إِن كُنتَ غَضبانا
مازالوا
على مطايا الأقدام إلى أن نم النسيم بالسحر، وقام الصارخ ينعي الظلام،
فلما تمخض الدجى بحمل السحر، تساندوا إلى رواحل الإستغفار.
شَكونا إِلى أَحبابِنا طَولَ لَيلَنا ... فَقالوا لَنا ما أَقصَرَ اللَيلَ عِندَنا
رياح الأسحار أقوات الأرواح، رقت، فراقت، فبردت حر الوجد، وبلغت رسائل الحب.
أَلا يا صِبا نَجِدُ مَتى هُجتَ مِن نَجدٍ ... لَقَد زادَني مَسراكَ وَجداً عَلى وَجدِ
مكروب الوجدن يرتاح إلى النسيم، وإن قلقل الواجد.
بَينَ شَمالَ وَصِبا ... حَنَّ مَشوقٌ وَصَبا
فَلَم تَزِدهُ نَغَمات الشَوقِ إِلا وَصَبا
عبارة النسيم لا يفهمها إلا المشتاق، وحديث البروق لا يروق إلا للعشاق.
وَمُرنَّحِ فِطَنَ النَسيمُ بِوَجدِهِ ... فَروى لَهُ خَبَر العُذَييبِ مَعرِّضا
خلوا بالحبيب في دار المناجاة فكساهم ثياب الموصلة، وضمخهم بطيب المعاملة، وغالية السحر غالية، يصبحون وعليهم سيما القرب.
تفوح أرواح نجد من ثيابهم فتأسف يا جيفة النوم، وابك يا عريان الغفلة، أتدري كيف مر عليهم الليل، ألك علم بما جرى للقوم.
أيعلم
خال ما جرى للمتيم رحلت رفقة (تَتَجافى) قبل السحر، ومطرود النوم في حبس
الرقاد، فما فك عنه السجان القيد حتى استقر بالقوم المنزل، فقام يتلمح
الآثار على باب الكوفة، والقوم قد شرعوا في الإحرام.
مَن يَطَّلَع شَرَفاً فَيُعَلِمُني ... هَل رَوَّضَ الرَعيانُ بالإِبِلِ
أَم قَعقَعت عُمُدُ الخِيامِ أَم ... اِرتَفَعَت قِبابُهُم عَلى النُزل
أَم غَرَّدَ الحادي بِقافِيةٍ ... مِنها غُرابُ البَين " يَستَملي "
كان " حسان بن أبي سنان " يخادع امرأته حتى تنام، ثم يخرج من الفراش إلى الصلاة.
جَرى حُبُّهُ مَجرى دَمي في مَفاصِلي ... فَأَصبَحَ لي عَن كُلُّ شُغلٍ شُغلُ
كَأَنّ سَوادِ اللَيلِ يَعشَقُ مُقلَتي ... فَبَينَهُما في كُلِ هَجرٍ لَنا وَصلُ
كانت " أم الربيعبن خيثم " إذا رأت تقلقله بالليل تقول: يا بني لعلك قتلت قتيلا، فيقول: نعم قتلت نفسي.
وقالت
" أم عمر بن المنكدر " : أشتهي أن أراك نائما، فقال: يا أماه، من جن عليه
الليل وهو يخاف البيات، حق له أن لا ينام، يا أماه إن الليل ليرد عليَّ
فيهولني، فينقضي عني وما قضيت منه أربي.
ذق الهوى وإن استطعت الملام لم قيل لبعض الزهاد: إرفق بنفسك، فقال: الرفق أطلب.
كان
" أمية الشامي " يبكي في المسجد وينتحب حتى يعلو صوته، فأرسل إليه الأمير:
إنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك وارتفاع صوتك، فلو أمسكت قليلا،
فبكى وقال: إن حزن القيامة أورثني دموعا غزارا، فأنا أستريح إلى ذريها
أحياناً.
اللَوَّمُ فيكَ يَنصَحوني ... وَالنُصحُ خِيانَةَ اللَوائِم
المُقعِد،ُ وَالمُقيمُ عِندي ... ما دُمتَ عَلى الصُدودِ دائِم
مالي أَجِدُ الحَمامَ أَنَّى ... ناحَت بِآراكِها الحَمائم
كَم صَحَّ عَلى السَّلو عَزمي ... وَالحُبُّ يُحَلِّلُ العَزائِم
وَكَم مِن حَديثٍ قَد خَبأناهُ لِلقَسا ... فَلَما اِلتَقينا صِرتُ أَخرسَ أَلكنا
الفصل السابع
التوبة
يا مؤخر توبته بمطل التسويف (لأَي يَومٍ اُجِلَت) كنت تقول: إذا شبت تبت.
فهذي
شهور الصيف عنا قد انقضت لو كان لسيف عن عزيمتك جوهرية لقيك موت الهوى تحت
ظبته. كل يوم تضع قاعدة الإنابة ولكن على شفا جرف، كلما صدقت لك في التوبة
رغبة، حملت عليها جنود الهوى حملة فانهزمت، إذبح حنجرة بالهوى بسكين
العزيمة، فما دام الهوى حيا فلا تأمن من قلب قلبك.
اجعل بكاءك في الدجى
شفيعا في الزلل، فزند الشفيع توري نار النجاح. اكتب بمداد الدمع حسن الظن
إلى من يحققه، ولا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن " يعقوب " أو بصبر "
يوسف " عن الهوى، فإن لم تطق فبذل إخوته يوم (وَتَصَدق عَلَينا).
يا
معشر الأقوام، هذه مشاعل القبول. يا فارغ البيت من القوت، هذه أيام
اللقاط. يا مهجور " كنعان " متى تجد ريح " يوسف " يا سجن " مصر " متى يرى
الملك سبع بقرات، يا " ابن يا مين " الفراق متى تسمع نغمات (إِني أَنا
أَخوكَ) يا دائم الزلل متى تضع جبهة (وَإِن كُنا لَخاطِئِين).
اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ ... هَيهاتَ لَيسَ لِيومِ عَهدِكُمُ غَدُ
إذا وقعت عزيمة الصدق في قلب العبد التائب رضي الملك، فأنسى الملك، ما كتب، وأوحى إلى الأرض: اكتمي على عبدي.
فهذي
شهور الصيف عنا قد انقضت لو كان لسيف عن عزيمتك جوهرية لقيك موت الهوى تحت
ظبته. كل يوم تضع قاعدة الإنابة ولكن على شفا جرف، كلما صدقت لك في التوبة
رغبة، حملت عليها جنود الهوى حملة فانهزمت، إذبح حنجرة بالهوى بسكين
العزيمة، فما دام الهوى حيا فلا تأمن من قلب قلبك.
اجعل بكاءك في الدجى
شفيعا في الزلل، فزند الشفيع توري نار النجاح. اكتب بمداد الدمع حسن الظن
إلى من يحققه، ولا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن " يعقوب " أو بصبر "
يوسف " عن الهوى، فإن لم تطق فبذل إخوته يوم (وَتَصَدق عَلَينا).
يا
معشر الأقوام، هذه مشاعل القبول. يا فارغ البيت من القوت، هذه أيام
اللقاط. يا مهجور " كنعان " متى تجد ريح " يوسف " يا سجن " مصر " متى يرى
الملك سبع بقرات، يا " ابن يا مين " الفراق متى تسمع نغمات (إِني أَنا
أَخوكَ) يا دائم الزلل متى تضع جبهة (وَإِن كُنا لَخاطِئِين).
اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ ... هَيهاتَ لَيسَ لِيومِ عَهدِكُمُ غَدُ
إذا وقعت عزيمة الصدق في قلب العبد التائب رضي الملك، فأنسى الملك، ما كتب، وأوحى إلى الأرض: اكتمي على عبدي.
قتل
رجل قبلكم مائة نفس، ثم خرج تائبا فأدركه الموت، فاختصمت فيه ملائكة
الرحمة وملائكة العذاب، فبعث الله ملكا يحكم بينهم، فقال: قيسوا ما بين
القريتين، وأوحى إلى هذه أن تباعدي، وغلى هذه أن تقربي، فوجد أقرب إلى
قرية الخير بشبر، فغفر له.
والحاكم والخصوم لا يعرفون سر (كَذِلِكَ كِدنا لِيوسُفَ).
إذ
صدق التائب أجبناه وأحييناه (وَجَعَلنا لَهُ نوراً يَمشي بِهِ في الناس)
يا معاشر التائبين (أَوفوا بِالعُقُود) انظروا لمن عاهدتم (ولا تنقضوا
الأيمان بعد توكيدها) فإن زللتم من بعد التقويم، فارجعوا إلى دار المداراة
(فإنّ الله لا يمل حتى تملوا).
عودوا إلى الوَصلِ عودوا ... فالهَجرُ صَعبٌ شَديدُ
تَذكّرونا فَما ... عَهدي لَديكُم بَعيدُ
كُنا وَكُنتُم قَريباً ... فَأَينَ تِلكَ العُهودُ
هَل يَرجَعُ البانُ يَوماً ... أَم هَل تَعودُ زَرودُ
الفصل الثامن
مجاهدة النفس
يا
مقهورا بغلبة النفس، صل عليها بسوط العزيمة، فإنها إن عرفت جدك اِستأسرت
لك، وامنعها ملذوذ مباحها ليقع الإصطلاح على ترك الحرام، فإذا صبرت على
ترك المباح (فَإِما مناً بَعدُ وَإِما فِداء) الدنيا والشيطان خارجان عنك،
والنفس عدو مباطن، ومن أدب الجهاد (قاتِلوا الَّذَينَ يَلونَكُم) إِن
مالَت إٍلى الشَهوات فاكبِحها بِلِجامِ التَقوى، وإِن أعرضت عن الطاعات
فسقها بسوط المجاهدة، وإن استحلت شراب التواني، واستحسنت ثوب البطالة فصح
عليها بصوت العزم. فإن رمقت نفسها بعين العجب فذكرها خساسة الأصل، فإنك
والله ما لم تجد مرارة الدواء في حلقك، لم تقدر على ذرة من العافية في
بدنك، وقد إجتمعت عندك جنود الهوى في بيت النفس، فأحكمت حصن البطالة. فيا
حزب التقى جردوا سيوف العزائم، وادخلوا عليهم الباب.
النفس مثل كلب السوء، متى شبع نام، وإن جاع بصبص. الحر يلحى والعصا للعبد.
كان أحد السلف إذا قهر بترك شهوته أقبل يهتز الرامي إذا قرطس. إذا قوي عزم المجاهدة لأن له الأعداء بلا حرب.
لما
قويت مجاهدة نبينا صلى الله عليه وسلم تعدت إلى كل من تعدى، فأسلم شيطانه،
اللهم دلنا على قهر نفوسها التي هي أقرب أعدائنا إلينا، وأكثرهم نكاية
فينا، يا هذا: بدل اهتمامك بك،واسرق منك لك، فالعمر قليل، تظلم إلى ربك
منك، واستنصر خالقك عليك، يأمرك بالجد، وأنت على الضدّ. تفر إلى الزحف
ولكن لا إلى فئة.
تطلب نيل العلى وما ارتقيت درج المجاهدة، أتروم
الحصاد ولم تبذر؟؟؟ لولا إيثار " يوسف " (السِجنُ أَحبُ إِليّ) ماخرج إلى
راحة (وَكَذلِكَ مَكَنَّا) رب خفض تحت السرى، وغنى من عنا، ونضرة من شحوب.
لما
قوم المؤمنون أنفسهم بالرياضة وقع عقد (إِنّ اللَهَ اِشتَرى مِنَ
المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنّ لَهُم الجَنَة) النفس لم ترض
إذا لم ترض، لأنها كلب عقور، وإنما يراد الصيود لا العضوض.
ويحك،
الأعضاء كالسواقي، والمياه النجسة في الثمرة، أنت تستفتح النهار بإطلاق
الجوارح في صيد اللهو، فإذا حان حين الصلاة نعقت بها وليست معلمة فلا
تجيب. هيهات ان يخشع طرف ما قومه محتسب (يَغُضوا) وأن يحضر قلب ما أزعجه
تخويف (يَعلَمُ السِرَ وَأَخفى).
الناسُ مِنَ الهَوى عَلى أَصنافِ ... هَذا ناقِضُ العَهدِ وَهَذا وافي
هَيهَات مِنً الكُدورِ تَبغي الصافي ... ما يَصلُحُ لِلحَضرَةِ قَلبٌ جافي
الفصل التاسع
ذم الدنيامقهورا بغلبة النفس، صل عليها بسوط العزيمة، فإنها إن عرفت جدك اِستأسرت
لك، وامنعها ملذوذ مباحها ليقع الإصطلاح على ترك الحرام، فإذا صبرت على
ترك المباح (فَإِما مناً بَعدُ وَإِما فِداء) الدنيا والشيطان خارجان عنك،
والنفس عدو مباطن، ومن أدب الجهاد (قاتِلوا الَّذَينَ يَلونَكُم) إِن
مالَت إٍلى الشَهوات فاكبِحها بِلِجامِ التَقوى، وإِن أعرضت عن الطاعات
فسقها بسوط المجاهدة، وإن استحلت شراب التواني، واستحسنت ثوب البطالة فصح
عليها بصوت العزم. فإن رمقت نفسها بعين العجب فذكرها خساسة الأصل، فإنك
والله ما لم تجد مرارة الدواء في حلقك، لم تقدر على ذرة من العافية في
بدنك، وقد إجتمعت عندك جنود الهوى في بيت النفس، فأحكمت حصن البطالة. فيا
حزب التقى جردوا سيوف العزائم، وادخلوا عليهم الباب.
النفس مثل كلب السوء، متى شبع نام، وإن جاع بصبص. الحر يلحى والعصا للعبد.
كان أحد السلف إذا قهر بترك شهوته أقبل يهتز الرامي إذا قرطس. إذا قوي عزم المجاهدة لأن له الأعداء بلا حرب.
لما
قويت مجاهدة نبينا صلى الله عليه وسلم تعدت إلى كل من تعدى، فأسلم شيطانه،
اللهم دلنا على قهر نفوسها التي هي أقرب أعدائنا إلينا، وأكثرهم نكاية
فينا، يا هذا: بدل اهتمامك بك،واسرق منك لك، فالعمر قليل، تظلم إلى ربك
منك، واستنصر خالقك عليك، يأمرك بالجد، وأنت على الضدّ. تفر إلى الزحف
ولكن لا إلى فئة.
تطلب نيل العلى وما ارتقيت درج المجاهدة، أتروم
الحصاد ولم تبذر؟؟؟ لولا إيثار " يوسف " (السِجنُ أَحبُ إِليّ) ماخرج إلى
راحة (وَكَذلِكَ مَكَنَّا) رب خفض تحت السرى، وغنى من عنا، ونضرة من شحوب.
لما
قوم المؤمنون أنفسهم بالرياضة وقع عقد (إِنّ اللَهَ اِشتَرى مِنَ
المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنّ لَهُم الجَنَة) النفس لم ترض
إذا لم ترض، لأنها كلب عقور، وإنما يراد الصيود لا العضوض.
ويحك،
الأعضاء كالسواقي، والمياه النجسة في الثمرة، أنت تستفتح النهار بإطلاق
الجوارح في صيد اللهو، فإذا حان حين الصلاة نعقت بها وليست معلمة فلا
تجيب. هيهات ان يخشع طرف ما قومه محتسب (يَغُضوا) وأن يحضر قلب ما أزعجه
تخويف (يَعلَمُ السِرَ وَأَخفى).
الناسُ مِنَ الهَوى عَلى أَصنافِ ... هَذا ناقِضُ العَهدِ وَهَذا وافي
هَيهَات مِنً الكُدورِ تَبغي الصافي ... ما يَصلُحُ لِلحَضرَةِ قَلبٌ جافي
الفصل التاسع
أَنت
في حديث الدنيا أفصح من " سحبان " وفي ذكر الآخرة أعيى من " باقل " تقدم
على الفاني، ولا إقدام " بن معد يكرب " وتجبن عن الباقي ولا جبن " حسان "
ويحك إنما تعجب الدنيا من لا فهم له، كما أن أضغاث الأحلام تسر النائم،
لعب الخيال يحسبها الطفل حقيقة، فأما العاقل فلا يغتر.
كم أتلفت الدنيا
بيد حبها في بيداء طلبها، وكم عاقبت عن وصول بلد الوصل، كم ساع سعى إليها
سعي الرخ ردته معكوسا رد الفرازين يا أرباب الدنيا: إنها مذمومة في كل
شريعة، والولد عند الفقهاء يتبع الأم، متى نبت جسمك عن الحرام فمكاسبه
كزيت بها يوقد.
هذا " عمر " مع كماله يقول: يا " حذيفة " هل أنا منهم؟؟ وأنت تأمن مع ذنوبك.إذا كان " بنيامين " نسب إلى السرقة، فأي وجه لخلاص يرجى.
رؤي " عمر " بعد موته باثنتي عشرة سنة فقال: الآن تخلصت من حسابي واعجبا أقيم للحساب أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟.
يا
متلطخا بأقذار الظلم، بادر الغسل من مد العوافي قبل أن يجزرك، لا يغرنك
عيش أحلى من العسل، فالمحاسبة أمر من العلقم، ستعلم أيها الغريم قدر عزيمك.
إذ
يلتقي كل ذي دين وماطله الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، ليت الحلال
سلم، فكيف الحرام؟ كان لبان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فأهلك الغنم،
فجعل يبكي ويقول: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا.
ولسان الجزاء يناديه " يداك أوكتا وفوك نفخ " .
كم
بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم؟ (وَلَتَعلُمَنّ نَبَأَهُ
بَعدَ حين) واعجبا من الظلمة كيف ينسون طي الأيام سالف الجبابرة، وما
بلغوا معشار ما آتيناهم، أما شاهدوا مآلهم؟ (فَكُلاً أَخَذنا بِذَنبِهِ)
أما رحلوا عن أكوار الندم؟ (فَما بَكَت عَلَيهِم السَماءُ والأرض) أما صاح
هاتف الإنذار؟ (كَما تَرَكوا مِن جَناتٍ وَعُيون) واعجبا للمغترين (وَقَد
خَلَت مِن قَبلِهِم المَثُلات) أما يكفيهم من الزواجر (وَتَبَينَ لَكُم
كَيف فَعَلنا بِهِم) من لهم إذا طلبوا وقت العود؟ (فَحِيلَ بَينَهُم
وَبَينَ ما يَشتَهون) كم دار بنعم النعم دارت عليها دوائر النقم؟
(فَجَعلناها حَصيدا)؟ يا معاشر الظلمة: " سليمان " الحكم قد حبس " آصف "
العقوبة في سجن (فَلا تَعجَل عَلَيهِم) وأجرى الرجاء (لِئَلا يَكونَ
لِلناسِ عَلى اللَهِ حُجة) فلو ذهبت سموم الجزاء من مهب (وَلَئِن مَسَتهُم
نَفحَةٌ) لقلعت سكر (إِنّما نُملي لَهُم) (فَلا يَستَطيعونَ تَوصية).
فالحذر الحذر (أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتى) (وَلاتَ حينَ مَناص) أبقي في قوس الزجر منزع (أَفَنضرِبُ عَنكُمُ الذِكرَ صَفحاً).
سفينة
التقى تحتاج إلى إحكام تام، ولليم منافذ صغار في الدسر، فاحكم تلك البقاع
بقار الورع، هيهات قد خرقتها بالكبائر، وما تتنبه لما صنعت حتى يصيح " نوح
" الأسى (لا عاصِمَ) يا هؤلاء: فتعاش العدل إذا لم ينتزع شوك الظلم أثر ما
لم يؤمن تعديه إلى القلب، لا تعربوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصا.
ويحكم،
لا تحتقروا دعاء المظلوم، فشرار نار قلبه محمول بريح دعائه إلى سقف بيت
الظالم، نباله تصيب، نبله غريب، قوسه حرقه، وتره قلهه، مرماته هدف،
(لأَنصُرَنّكَ وَلَو بَعدَ حين) سهم سهمه الإصابة.
وقد رأيت وفي الأيام تجريب
في حديث الدنيا أفصح من " سحبان " وفي ذكر الآخرة أعيى من " باقل " تقدم
على الفاني، ولا إقدام " بن معد يكرب " وتجبن عن الباقي ولا جبن " حسان "
ويحك إنما تعجب الدنيا من لا فهم له، كما أن أضغاث الأحلام تسر النائم،
لعب الخيال يحسبها الطفل حقيقة، فأما العاقل فلا يغتر.
كم أتلفت الدنيا
بيد حبها في بيداء طلبها، وكم عاقبت عن وصول بلد الوصل، كم ساع سعى إليها
سعي الرخ ردته معكوسا رد الفرازين يا أرباب الدنيا: إنها مذمومة في كل
شريعة، والولد عند الفقهاء يتبع الأم، متى نبت جسمك عن الحرام فمكاسبه
كزيت بها يوقد.
هذا " عمر " مع كماله يقول: يا " حذيفة " هل أنا منهم؟؟ وأنت تأمن مع ذنوبك.إذا كان " بنيامين " نسب إلى السرقة، فأي وجه لخلاص يرجى.
رؤي " عمر " بعد موته باثنتي عشرة سنة فقال: الآن تخلصت من حسابي واعجبا أقيم للحساب أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟.
يا
متلطخا بأقذار الظلم، بادر الغسل من مد العوافي قبل أن يجزرك، لا يغرنك
عيش أحلى من العسل، فالمحاسبة أمر من العلقم، ستعلم أيها الغريم قدر عزيمك.
إذ
يلتقي كل ذي دين وماطله الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، ليت الحلال
سلم، فكيف الحرام؟ كان لبان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فأهلك الغنم،
فجعل يبكي ويقول: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا.
ولسان الجزاء يناديه " يداك أوكتا وفوك نفخ " .
كم
بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم؟ (وَلَتَعلُمَنّ نَبَأَهُ
بَعدَ حين) واعجبا من الظلمة كيف ينسون طي الأيام سالف الجبابرة، وما
بلغوا معشار ما آتيناهم، أما شاهدوا مآلهم؟ (فَكُلاً أَخَذنا بِذَنبِهِ)
أما رحلوا عن أكوار الندم؟ (فَما بَكَت عَلَيهِم السَماءُ والأرض) أما صاح
هاتف الإنذار؟ (كَما تَرَكوا مِن جَناتٍ وَعُيون) واعجبا للمغترين (وَقَد
خَلَت مِن قَبلِهِم المَثُلات) أما يكفيهم من الزواجر (وَتَبَينَ لَكُم
كَيف فَعَلنا بِهِم) من لهم إذا طلبوا وقت العود؟ (فَحِيلَ بَينَهُم
وَبَينَ ما يَشتَهون) كم دار بنعم النعم دارت عليها دوائر النقم؟
(فَجَعلناها حَصيدا)؟ يا معاشر الظلمة: " سليمان " الحكم قد حبس " آصف "
العقوبة في سجن (فَلا تَعجَل عَلَيهِم) وأجرى الرجاء (لِئَلا يَكونَ
لِلناسِ عَلى اللَهِ حُجة) فلو ذهبت سموم الجزاء من مهب (وَلَئِن مَسَتهُم
نَفحَةٌ) لقلعت سكر (إِنّما نُملي لَهُم) (فَلا يَستَطيعونَ تَوصية).
فالحذر الحذر (أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتى) (وَلاتَ حينَ مَناص) أبقي في قوس الزجر منزع (أَفَنضرِبُ عَنكُمُ الذِكرَ صَفحاً).
سفينة
التقى تحتاج إلى إحكام تام، ولليم منافذ صغار في الدسر، فاحكم تلك البقاع
بقار الورع، هيهات قد خرقتها بالكبائر، وما تتنبه لما صنعت حتى يصيح " نوح
" الأسى (لا عاصِمَ) يا هؤلاء: فتعاش العدل إذا لم ينتزع شوك الظلم أثر ما
لم يؤمن تعديه إلى القلب، لا تعربوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصا.
ويحكم،
لا تحتقروا دعاء المظلوم، فشرار نار قلبه محمول بريح دعائه إلى سقف بيت
الظالم، نباله تصيب، نبله غريب، قوسه حرقه، وتره قلهه، مرماته هدف،
(لأَنصُرَنّكَ وَلَو بَعدَ حين) سهم سهمه الإصابة.
وقد رأيت وفي الأيام تجريب
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الفصل العاشر
العمل للآخرة
يا
رابطا مناه بخيط الأمل، إنه ضعيف الفتل، لو فتحت عين التيقظ لرأيت حيطان
العمر قد تهدمت، فبكيت على خراب دار الأمل، جسمك عندنا وقلبك على فراسخ،
لا بالتسويف ترعوي، ولا بالتخويف تستوي، ضاعت مفاتيحي معك.
الفصل الحادي عشر
الخوف من الله تعالى
فنادى صائح الجهاد في جيش العسرة، فتتبع ساقة الأحباب، راكبا عجز العزم مع الضجر، والمحب لا يرى طول الطريق، إنما يتلمح المقصد.
ألا بَلَّغَ اللَهُ الحِمى مِن يُريدُهُ ... وَبلّغ أَكنافَ الحِمى مِن يُريدُها
خَلَيلي لَيسَ الشَيبُ عَيباً لَو أَنَنا ... وَجَدنا لأَيامِ الصِبا مَن يُعيدُها
فنزل
إليه ملك الموت بتوقيع: ألا طال شوق الأبرار إلى لقائي، فنزل ارسول يمهد
له اللحد لمأمور: إذا رأيت لي طالبا، فكن له خادما. وصاح بأبي بكر وعمر:
أدنيا إلي أَخاكما، وأنتدب لمرتبة لفظها: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض
عنه، فقال ابن مسعود: ليتني كنت صاحب هذا اللحد.
الفصل الثالث عشر
الغفلة عن الآخرة
فيالك من جرح تعز مراهمه.
كان عيش عشبة خضرا فأحالت الحال سنة، فكأن أيام الوصال كانت سنة، فكاد يقطع باليأس، حتى التقى الخضر بإلياس.
أَرقى قَد رَقّ لي مِن أَرقى ... وَرثي لي قَلقَي من قَلَقي
وَبُكائي مِن بُكائي قَد بَكى ... وَتَشَكَّت حُرقي مِن حِرقي
كان
إذا أراد النياحة نادى مناديه: ألا من أراد أن يسمع نوح داود فليخرج،
فتجتمع عليه أهل الأحزان في مأتم الندب، فتزداد الحرق بالتعاون.
يا بَعيدَ الدارِ عَن وَطَنِهِ ... مُغَرداً يَبكي عَلى شَجنِهِ
كُلُما جَد النَحيبُ بِهِ ... زادَت الأَسقامَ في بَدَنِهِ
وَلَقَد زادَ الفُؤادَ شَجىِّ ... طائِرٌ يَبكي عَلى فَنَنِهِ
شاقَهُ ما شاقَنَي فَبَكى ... كُلَّنا يَبكي عَلى سَكَنِهِ
الفصل الخامس عشر
الإخلاص
العمل للآخرة
إخواني
ارفضوا الدنيا فقد رفضت من كان أشغف بها منكم، اتعظوا بمن كان قبلكم قبل
أن يتعظ بكم من بعدكم، الدنيا خمر ساعدها تغريد طائر الطبع فاشتد سكر
الشاربن ففات موسم الريح، ثم بعد الإفاقة يقام الحد، فيقيم قائم الحزن،
ويكفي في الضرب فوت الخير فإذا ماتوا انتبهوا.
ويحك، إن الموت سحاب،
والشيب وبله، ومن بلغ السبعين اشتكى من غير علة، والعاقل من أصبح على وجل
من قرب الأجل، يا هذا: الدنيا وراءك، والأخرى أمامك، والطلب لما وراء
هزيمة، وإنما العزيمة في الإقدام، جاء طوفان الموت فاركب سفن التقى، ولا
ترافق " كنعان " الأمل، ويحك، انتبه لإغتنام عمرك، فكم يعيش الحيوان
حيران؟.
الأسقام تزعج الأبدان فلا بد من النحول ضرورة، كأنك بك في لحدك
على فراش الندم، وإنه والله لأخشن من الجندل، فازرع في ربيع حياتك قبل
جدوبة أرض شخصك، وادخر من وقت قدرتك قبل زمان عجزك، وأعتد رحلك قبل رحيلك
مخافة الفقر في القفر إلى الأزم، الحذار الحذار (أَن تَقولَ نَفسٌ يا
حَسرَتى).
الحازم يتزود لما به، قبل أن يصير لمآبه، شجرة الحزم أصلها
إحكام النظر، وفروعها المشاورة في المشكل، وثمرتها انتهاز الفرص، وكفى
بذهاب الفرصة ندما.
وَكَم فُرصَةٍ فاتَت فَأَصبَحَ رَبُّها ... يَعُضُ عَلَيها الكَفَّ أَو يَقرَع السَّنا
واعجبا؟ لمضيع العمر في التواني، فإذا جاء متقاضي الروح قال (إِنّي تُبتُ الآن) (وَأَنَى لَهُم التَناوُش مِن مَكانٍ بَعيد).
ارفضوا الدنيا فقد رفضت من كان أشغف بها منكم، اتعظوا بمن كان قبلكم قبل
أن يتعظ بكم من بعدكم، الدنيا خمر ساعدها تغريد طائر الطبع فاشتد سكر
الشاربن ففات موسم الريح، ثم بعد الإفاقة يقام الحد، فيقيم قائم الحزن،
ويكفي في الضرب فوت الخير فإذا ماتوا انتبهوا.
ويحك، إن الموت سحاب،
والشيب وبله، ومن بلغ السبعين اشتكى من غير علة، والعاقل من أصبح على وجل
من قرب الأجل، يا هذا: الدنيا وراءك، والأخرى أمامك، والطلب لما وراء
هزيمة، وإنما العزيمة في الإقدام، جاء طوفان الموت فاركب سفن التقى، ولا
ترافق " كنعان " الأمل، ويحك، انتبه لإغتنام عمرك، فكم يعيش الحيوان
حيران؟.
الأسقام تزعج الأبدان فلا بد من النحول ضرورة، كأنك بك في لحدك
على فراش الندم، وإنه والله لأخشن من الجندل، فازرع في ربيع حياتك قبل
جدوبة أرض شخصك، وادخر من وقت قدرتك قبل زمان عجزك، وأعتد رحلك قبل رحيلك
مخافة الفقر في القفر إلى الأزم، الحذار الحذار (أَن تَقولَ نَفسٌ يا
حَسرَتى).
الحازم يتزود لما به، قبل أن يصير لمآبه، شجرة الحزم أصلها
إحكام النظر، وفروعها المشاورة في المشكل، وثمرتها انتهاز الفرص، وكفى
بذهاب الفرصة ندما.
وَكَم فُرصَةٍ فاتَت فَأَصبَحَ رَبُّها ... يَعُضُ عَلَيها الكَفَّ أَو يَقرَع السَّنا
واعجبا؟ لمضيع العمر في التواني، فإذا جاء متقاضي الروح قال (إِنّي تُبتُ الآن) (وَأَنَى لَهُم التَناوُش مِن مَكانٍ بَعيد).
يا
رابطا مناه بخيط الأمل، إنه ضعيف الفتل، لو فتحت عين التيقظ لرأيت حيطان
العمر قد تهدمت، فبكيت على خراب دار الأمل، جسمك عندنا وقلبك على فراسخ،
لا بالتسويف ترعوي، ولا بالتخويف تستوي، ضاعت مفاتيحي معك.
الفصل الحادي عشر
الخوف من الله تعالى
خوف
السابقة وحذر الخاتمة قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجا (يَحولُ بَينَ
المَرءِ وَقَلبِهِ) ليس لهم في الدنيا راحة، كلما دخلوا سكة من سك السكون
أخرجهم الجزع إلى شارع من شوارع الخوف.
أَروحُ بِشجوٍ ثُمّ أَغدو بِمِثلِهِ ... وَتحسَبُ أَني في الثيابِ صَحيحُ
أعمار
الأغمار وانتبهوا فانتبهبوا الليل والنهار، وأخرجوا أقوى العزائم إلى
الأفعال، فلما قضوا ديون الجد، قضت علومهم بالحذر من الرد، حنوا فأنوا،
وانزعجوا فما اطمأنوا، أنفاسهم لا تخفى، نفوسهم تكاد تطفأ، لون المحب
غمار، دمع الشمون نمّام، من ضرورة دوران الدولاب أنينه.
أُخفي كَمَدَ الهَوى وَدَمعي ... في الخَدِ عَلى هواكَ شاهِدُ
فالجَفنُ مُقرٌ بِلوعَتي ... لِلعاذِلِ وَاللِسانُ جاحِدُ
تصادما
في قلب العارف جبل الرجاء وجبل الخوف فلما وصل " اسكندر " الفكر، ألقى زبر
الهموم حتى (ساوى بَينَ الصَدَفين) ثم صاح بجند الفهوم: (اِنفُخوا)
فاستغاث الواجد لتراكم الكرب.
أَيا جَبَلَي نُعمانَ بِالله خَلِيا ... نَسيمَ الصِبا يُخلِص إِلى " نَسيمُها "
لا راحة للمحب في الدنيا، إن أحس بالحجاب بكى على البعد، وإن فتح له باب الوصل خاف الطر.
فَيَبكي إِن نَأَوا شَوقاً إِليهِمُ ... وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ
من لم يذق لم يعرف:
مَن لَم يَبُت وَالحُبُّ حَشوُ فُؤَادِهِ ... لِم يَدرِ كَيفَ تَفَتُّتُ الأَكبادِ
الفراق أظلم من الليل، الوجد احر من الجمر.
فَفي فُؤادِ المُحِبِ نارُ جَوىً ... أَحرُّ نارِ الجَحيمِ أَبرَدُها
فقد
اشتد قلق الخوف " بابراهيم بن أدهم " فصاح: إلهي إن كنت أعطيت أحدا من
المحبين ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني، فقد أضر بي القلق.
لَو شِئتَ داويتَ قَلباً أَنتَ مُسقِمُهُ ... وَفي يَديكِ مِنَ البَلوى سَلامَتُهُ
عَلامَةٌ كُتِبَتن في خَدِّ عارِفِكُم ... مَن كانَ مِثلي فَقَد قامَت قِيامَتُهُ
فرأى
الحق جل جلاله في منامه وهو يقول: يا إبراهيم: ما استحييت مني؟؟ تسألني أن
أعطيك ما يسكن به قلبك؟ وهل يسكن قلب المشوق إلى غير حبيبه؟؟.
يا سائِقَ العَيسِ قَد بَراها ... حَملُ هُمُومٍ بِها عِظامُ
أشواقُها خَلفَها وَشَوقي ... خِلافَ أَشواقِها أَمامي
الفصل الثاني عشر
ذو البجادينالسابقة وحذر الخاتمة قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجا (يَحولُ بَينَ
المَرءِ وَقَلبِهِ) ليس لهم في الدنيا راحة، كلما دخلوا سكة من سك السكون
أخرجهم الجزع إلى شارع من شوارع الخوف.
أَروحُ بِشجوٍ ثُمّ أَغدو بِمِثلِهِ ... وَتحسَبُ أَني في الثيابِ صَحيحُ
أعمار
الأغمار وانتبهوا فانتبهبوا الليل والنهار، وأخرجوا أقوى العزائم إلى
الأفعال، فلما قضوا ديون الجد، قضت علومهم بالحذر من الرد، حنوا فأنوا،
وانزعجوا فما اطمأنوا، أنفاسهم لا تخفى، نفوسهم تكاد تطفأ، لون المحب
غمار، دمع الشمون نمّام، من ضرورة دوران الدولاب أنينه.
أُخفي كَمَدَ الهَوى وَدَمعي ... في الخَدِ عَلى هواكَ شاهِدُ
فالجَفنُ مُقرٌ بِلوعَتي ... لِلعاذِلِ وَاللِسانُ جاحِدُ
تصادما
في قلب العارف جبل الرجاء وجبل الخوف فلما وصل " اسكندر " الفكر، ألقى زبر
الهموم حتى (ساوى بَينَ الصَدَفين) ثم صاح بجند الفهوم: (اِنفُخوا)
فاستغاث الواجد لتراكم الكرب.
أَيا جَبَلَي نُعمانَ بِالله خَلِيا ... نَسيمَ الصِبا يُخلِص إِلى " نَسيمُها "
لا راحة للمحب في الدنيا، إن أحس بالحجاب بكى على البعد، وإن فتح له باب الوصل خاف الطر.
فَيَبكي إِن نَأَوا شَوقاً إِليهِمُ ... وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ
من لم يذق لم يعرف:
مَن لَم يَبُت وَالحُبُّ حَشوُ فُؤَادِهِ ... لِم يَدرِ كَيفَ تَفَتُّتُ الأَكبادِ
الفراق أظلم من الليل، الوجد احر من الجمر.
فَفي فُؤادِ المُحِبِ نارُ جَوىً ... أَحرُّ نارِ الجَحيمِ أَبرَدُها
فقد
اشتد قلق الخوف " بابراهيم بن أدهم " فصاح: إلهي إن كنت أعطيت أحدا من
المحبين ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني، فقد أضر بي القلق.
لَو شِئتَ داويتَ قَلباً أَنتَ مُسقِمُهُ ... وَفي يَديكِ مِنَ البَلوى سَلامَتُهُ
عَلامَةٌ كُتِبَتن في خَدِّ عارِفِكُم ... مَن كانَ مِثلي فَقَد قامَت قِيامَتُهُ
فرأى
الحق جل جلاله في منامه وهو يقول: يا إبراهيم: ما استحييت مني؟؟ تسألني أن
أعطيك ما يسكن به قلبك؟ وهل يسكن قلب المشوق إلى غير حبيبه؟؟.
يا سائِقَ العَيسِ قَد بَراها ... حَملُ هُمُومٍ بِها عِظامُ
أشواقُها خَلفَها وَشَوقي ... خِلافَ أَشواقِها أَمامي
الفصل الثاني عشر
اللهم نور ظلمة دنيانا بضوء من توفيقك، واقطع أيامنا في طلب الإتصال بك، فإنك إذا أقبلت سلّمت، وإذا أعرضت أسلمت.
إخواني: إذا سبقت سابقة السعادة لشخص دلته على الدليل قبل الطلب (وَلَقَد اِختَرناهُم عَلى عِلمٍ عَلى العالمين).
إِنّ المَقاديرَ إِذا ساعَدَت ... أَلحَقَت العاجِزَ بالحازِم
كان
" ذو البجادين " يتيما في الصغر، فلما عمه الفقر كفله عمه، فنازعته نفسه
في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهمب النهوض، فإذا بقية المرض مانعة،
فقال لسان التسويف للنفس: قفي حتى يتقدم العم، فلما تكملت الصحة نفد حبر
المشتاق، فقال: يا عم كنت أنتظر سلامتك بإسلامك، وما أرى زمن زمنك ينشط،
فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك!! فصاح لسان عزمته: نظرة من
محمد عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها.
هذا مذهب المحبين إجماعا من غير خلاف.
وَلَو قيلَ لِلمجَنونِ لَيلى وَوَصلِها ... تُريدُ أَم الدُنيا وَما في طواياها
لَقالَ غُبارٌ مِن تُرابِ دِيارِها ... أَحبُّ إِلى نَفسي وَأَشفى لِرؤياها
فعاد
العم في هبته حتى جرده من الثياب، فناولته الأم بجادا لها، فقطعه نصفين،
فاتزر بواحدة وارتدى بآخر، وخرج في حلة " دب أشعث أغبر " .
سُنَنَّة الأَحبابِ واحِدَةٌ ... فَإِذا أَحبَبتَ فاستَنِنِ
إخواني: إذا سبقت سابقة السعادة لشخص دلته على الدليل قبل الطلب (وَلَقَد اِختَرناهُم عَلى عِلمٍ عَلى العالمين).
إِنّ المَقاديرَ إِذا ساعَدَت ... أَلحَقَت العاجِزَ بالحازِم
كان
" ذو البجادين " يتيما في الصغر، فلما عمه الفقر كفله عمه، فنازعته نفسه
في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهمب النهوض، فإذا بقية المرض مانعة،
فقال لسان التسويف للنفس: قفي حتى يتقدم العم، فلما تكملت الصحة نفد حبر
المشتاق، فقال: يا عم كنت أنتظر سلامتك بإسلامك، وما أرى زمن زمنك ينشط،
فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك!! فصاح لسان عزمته: نظرة من
محمد عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها.
هذا مذهب المحبين إجماعا من غير خلاف.
وَلَو قيلَ لِلمجَنونِ لَيلى وَوَصلِها ... تُريدُ أَم الدُنيا وَما في طواياها
لَقالَ غُبارٌ مِن تُرابِ دِيارِها ... أَحبُّ إِلى نَفسي وَأَشفى لِرؤياها
فعاد
العم في هبته حتى جرده من الثياب، فناولته الأم بجادا لها، فقطعه نصفين،
فاتزر بواحدة وارتدى بآخر، وخرج في حلة " دب أشعث أغبر " .
سُنَنَّة الأَحبابِ واحِدَةٌ ... فَإِذا أَحبَبتَ فاستَنِنِ
فنادى صائح الجهاد في جيش العسرة، فتتبع ساقة الأحباب، راكبا عجز العزم مع الضجر، والمحب لا يرى طول الطريق، إنما يتلمح المقصد.
ألا بَلَّغَ اللَهُ الحِمى مِن يُريدُهُ ... وَبلّغ أَكنافَ الحِمى مِن يُريدُها
خَلَيلي لَيسَ الشَيبُ عَيباً لَو أَنَنا ... وَجَدنا لأَيامِ الصِبا مَن يُعيدُها
فنزل
إليه ملك الموت بتوقيع: ألا طال شوق الأبرار إلى لقائي، فنزل ارسول يمهد
له اللحد لمأمور: إذا رأيت لي طالبا، فكن له خادما. وصاح بأبي بكر وعمر:
أدنيا إلي أَخاكما، وأنتدب لمرتبة لفظها: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض
عنه، فقال ابن مسعود: ليتني كنت صاحب هذا اللحد.
الفصل الثالث عشر
الغفلة عن الآخرة
يا
هذا حب الدنيا أقتل من السم، وشرورها أكثر من النمل، وعين حرصك عليها أبصر
من الهدهد، وبطن أملك أعطش من الرمل، وفم شرهك أشرب من الهيم، وإن خضت في
حديثها فأنطق من " سحبان " وإن انتقدت دنانيرها فأنسب من " دغفل " حليتك
في تحصيلها أدق من الشعر، وأنت في تدبيرها أصنع من النحل، تجمع فيها الدر
جمع الذر.
يا رفيقا في البله لدود القز،، واعجبا! ما انتفعت بموهبة العقل؟؟!.
فَأَنتَ كَدَودِ القَزّ يَنسِجُ دائِماً ... وَيَهلِكُ غَماً وَسطَ ما هوَ ناسِجُهُ
حرصك بعد الشيب أحر من الجمر، أبقي عمر يا أبرد من الثلج؟ والدنيا في قلبك أعز من الروح، وستصير عند الموت أهون من الأرض.
أنت
في الشر أجرى من جواد، وفي الخير أبطأ من أعرج، معاصيك أشهر من الشمس،
وتوبتك أخفى من السها، الزكاة عندك أثقل من " أحد " والصلاة عليك كثقل صخر
على صدر طريق المسجد في حسبان كسلك، كفرسخي " دير كعب " صدرك عند حديث
الدنيا أوسع من البحر، ووقت العبادة أضيق من عقد التسعين.
يا من هو عن
نجاته أنوم من فهد، ضيعت وقتا أنفس من الدر، وإن عرضت خطيئة وثبت وثوب
النمر، فإذا لاحت طاعة رغت روغان الثعلب، فإذا عاملت الناس استعملت غدر
الذئب، تقدم على الظلم إقدام الأسد، وتختطف الأمانة اختطاف الحدأة.
يا
أظلم من " الجلندي " : ما تأتمنك غزلان الحرم، يا عذري الهوى في حب
الدنيا، يا كوفي الفقه في تحصيلها، يا بصري الزهد في طلب الآخرة، واعجبا
لقلب أضعف من البعوضة، كيف صار أقوى من الجندل؟ ما يعجبه سجع " فس " ولا
يؤثر فيه وعظ " الحسن " ولا يرق لغزل " جرير " فليته فسر منام الأمل على "
ابن سيرين " اليقظة قفل قلبك رومي ما يقع عليه فش.
الفصل الرابع عشر
مداواة النفسهذا حب الدنيا أقتل من السم، وشرورها أكثر من النمل، وعين حرصك عليها أبصر
من الهدهد، وبطن أملك أعطش من الرمل، وفم شرهك أشرب من الهيم، وإن خضت في
حديثها فأنطق من " سحبان " وإن انتقدت دنانيرها فأنسب من " دغفل " حليتك
في تحصيلها أدق من الشعر، وأنت في تدبيرها أصنع من النحل، تجمع فيها الدر
جمع الذر.
يا رفيقا في البله لدود القز،، واعجبا! ما انتفعت بموهبة العقل؟؟!.
فَأَنتَ كَدَودِ القَزّ يَنسِجُ دائِماً ... وَيَهلِكُ غَماً وَسطَ ما هوَ ناسِجُهُ
حرصك بعد الشيب أحر من الجمر، أبقي عمر يا أبرد من الثلج؟ والدنيا في قلبك أعز من الروح، وستصير عند الموت أهون من الأرض.
أنت
في الشر أجرى من جواد، وفي الخير أبطأ من أعرج، معاصيك أشهر من الشمس،
وتوبتك أخفى من السها، الزكاة عندك أثقل من " أحد " والصلاة عليك كثقل صخر
على صدر طريق المسجد في حسبان كسلك، كفرسخي " دير كعب " صدرك عند حديث
الدنيا أوسع من البحر، ووقت العبادة أضيق من عقد التسعين.
يا من هو عن
نجاته أنوم من فهد، ضيعت وقتا أنفس من الدر، وإن عرضت خطيئة وثبت وثوب
النمر، فإذا لاحت طاعة رغت روغان الثعلب، فإذا عاملت الناس استعملت غدر
الذئب، تقدم على الظلم إقدام الأسد، وتختطف الأمانة اختطاف الحدأة.
يا
أظلم من " الجلندي " : ما تأتمنك غزلان الحرم، يا عذري الهوى في حب
الدنيا، يا كوفي الفقه في تحصيلها، يا بصري الزهد في طلب الآخرة، واعجبا
لقلب أضعف من البعوضة، كيف صار أقوى من الجندل؟ ما يعجبه سجع " فس " ولا
يؤثر فيه وعظ " الحسن " ولا يرق لغزل " جرير " فليته فسر منام الأمل على "
ابن سيرين " اليقظة قفل قلبك رومي ما يقع عليه فش.
الفصل الرابع عشر
العقل
رفيق القلب، والطبع قرين النفس، فلا تقارب بين النفس والقلب، فرب جار جار،
سرادق القلب على أطناب العقل، وخيمة النفس على أوتار الهوى، اكسر حدة خمر
الطبع بمزاج ماء الرياضة، اشددن أزر العقل بجبال التقى، ماء طبعك أجاج،
وماء شرعك عذب، وقد مزج الإبتلاء بينهما، نور العقل يضيء في ليل الطبع،
فتتبين جادة الصواب للسالك، وزناد الفكر حين يوري يرى عواقب الأهوال.
"
يوسف " العقل ينظر إلى العواقب و " زليخا " الهوى تتلمح العاجيل، والعزائم
منازل الأبطال، والصبر دأب الرجال، وإنما رد " يوسف عقله وحمل " زليخا "
طبعها، ولا أقول لك: اقلع شجر الطبع من أرض الوضع، كيف يمكن وقد قال
(زُينَ لِلِناسِ حُبُّ الشَهوات) وإنما أقول لك: دم على المجاهدة في
الجسم، وكلما نبعت عروق الهوى فاقطع، وكلما كل ما به تقطع فاشحذ، واقنع
بساحة الذل، فعند المسجون شغل من " الرياض " ويحك، اترك وأنت تهوى.
وَفي القَلبِ ما في القَلبِ مِن لَوعَةِ الهَوى ... وَلَكِنَني أُبدي الصُدودَ مُبَهرَجاً
إخواني:
من أفسد حسابه بالخيانة استحيا من عرض الدستور، من توسخت ثياب معاملته
بالمعاصي لم يقرب من المقربين، من سودت الذنوب وجه جاهه ذل بين الأكرمين،
من ركب ظهر التفريط نزل به دار الندامة.
أما سمعتم أن " داود " أعطي
نعمة نغمة كان يقف لها الماء فلا يسير، والطير مع ذلك وقوف الأسير، فعمل
مرض (لا تَقفُ) في حجاب (يَغضوا) فامتدت به يد البصر، فقدمت قميص " يوسف "
العصمة، فآثر زلله حتى في تلاوته، وقد كان معمار الوصال يتفقد قديما آلات
صوته، فلما أقبل على الذنب أعرض المعمار عن المراعاة، فتشعث منزل الصفاء،
وانقطعت جامكية العسكر، فتفرقت جنود أوبي.
رفيق القلب، والطبع قرين النفس، فلا تقارب بين النفس والقلب، فرب جار جار،
سرادق القلب على أطناب العقل، وخيمة النفس على أوتار الهوى، اكسر حدة خمر
الطبع بمزاج ماء الرياضة، اشددن أزر العقل بجبال التقى، ماء طبعك أجاج،
وماء شرعك عذب، وقد مزج الإبتلاء بينهما، نور العقل يضيء في ليل الطبع،
فتتبين جادة الصواب للسالك، وزناد الفكر حين يوري يرى عواقب الأهوال.
"
يوسف " العقل ينظر إلى العواقب و " زليخا " الهوى تتلمح العاجيل، والعزائم
منازل الأبطال، والصبر دأب الرجال، وإنما رد " يوسف عقله وحمل " زليخا "
طبعها، ولا أقول لك: اقلع شجر الطبع من أرض الوضع، كيف يمكن وقد قال
(زُينَ لِلِناسِ حُبُّ الشَهوات) وإنما أقول لك: دم على المجاهدة في
الجسم، وكلما نبعت عروق الهوى فاقطع، وكلما كل ما به تقطع فاشحذ، واقنع
بساحة الذل، فعند المسجون شغل من " الرياض " ويحك، اترك وأنت تهوى.
وَفي القَلبِ ما في القَلبِ مِن لَوعَةِ الهَوى ... وَلَكِنَني أُبدي الصُدودَ مُبَهرَجاً
إخواني:
من أفسد حسابه بالخيانة استحيا من عرض الدستور، من توسخت ثياب معاملته
بالمعاصي لم يقرب من المقربين، من سودت الذنوب وجه جاهه ذل بين الأكرمين،
من ركب ظهر التفريط نزل به دار الندامة.
أما سمعتم أن " داود " أعطي
نعمة نغمة كان يقف لها الماء فلا يسير، والطير مع ذلك وقوف الأسير، فعمل
مرض (لا تَقفُ) في حجاب (يَغضوا) فامتدت به يد البصر، فقدمت قميص " يوسف "
العصمة، فآثر زلله حتى في تلاوته، وقد كان معمار الوصال يتفقد قديما آلات
صوته، فلما أقبل على الذنب أعرض المعمار عن المراعاة، فتشعث منزل الصفاء،
وانقطعت جامكية العسكر، فتفرقت جنود أوبي.
فيالك من جرح تعز مراهمه.
كان عيش عشبة خضرا فأحالت الحال سنة، فكأن أيام الوصال كانت سنة، فكاد يقطع باليأس، حتى التقى الخضر بإلياس.
أَرقى قَد رَقّ لي مِن أَرقى ... وَرثي لي قَلقَي من قَلَقي
وَبُكائي مِن بُكائي قَد بَكى ... وَتَشَكَّت حُرقي مِن حِرقي
كان
إذا أراد النياحة نادى مناديه: ألا من أراد أن يسمع نوح داود فليخرج،
فتجتمع عليه أهل الأحزان في مأتم الندب، فتزداد الحرق بالتعاون.
يا بَعيدَ الدارِ عَن وَطَنِهِ ... مُغَرداً يَبكي عَلى شَجنِهِ
كُلُما جَد النَحيبُ بِهِ ... زادَت الأَسقامَ في بَدَنِهِ
وَلَقَد زادَ الفُؤادَ شَجىِّ ... طائِرٌ يَبكي عَلى فَنَنِهِ
شاقَهُ ما شاقَنَي فَبَكى ... كُلَّنا يَبكي عَلى سَكَنِهِ
الفصل الخامس عشر
الإخلاص
الإخلاص
مسك مصون في مسك القلب، ينبه ريحه على حامله، العمل صورة، والإخلاص روح،
إذا لم تخلص فلا تتعب، لو قطعت سائر المنازل لم تكن حاجا إلا بشهود
الموقف، ولا تغتر بصورة الطاعات، فإن خصم الإخلاص إذا جاء عند حاكم الجزاء
ألزم الحبس عن القبول. سوق الإخلاص رائجة رابحة ليس فيها كساد، المخلص يعد
طاعاته لاحتقارها عرضا، وقلم القبول قد أثبتها في حيز الجوهر، المخلص
مبهرج على الحق بستر الحال، وببهرجته يصح النقد.
لما وصف الرسول صلى
الله عليه وسلم للصحابة جمال الخمول من حلة حلية " أويس " عمل معول الشوق
في قلب " عمر " فكان في كل عام ينشد بلفظ الطالب، ويسأل عن أهل اليمن.
ألا أيها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَجوا ... عَلَينا فَقَد أَمسى هوانا يَمانيا
نِسائِلُكُم هَل سالَ نِعمانُ بَعدَنا ... وَحُبَّ إلينا بَطنُ نِعمانَ وادِيا
فلما لقيه " عمر " قال: من أنت؟ قال: راعي غنم، وأجير قوم، وستر ذكر " أويس " .
الأولياء تحت ستر الخمول ما يعلمهم إلا قليل، فإن عرفتهم بسيماهم فتلمح نقاء الأسرار، لا دنس الثياب (وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم).
كان في " أيوب السختياني " بعض الطول لستر الحال، وكان إذا تحث فرق قلبه وجاء الدمع قال: ما أشد الزكام؟؟!.
أَفدي ظِباءَ فُلاةٍ ما عَرَفنَ بِها ... مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغ الحواجِبِ
كان " إبراهيم بن أدهم " إذا مرض يجعل عند رأسه ما يأكله الأصحاء كيلا يتشبه بالشاكين. هذه والله بهرجة أصح من نقدك.
قَد سَحَبَ الناسُ أّذيالَ الظُنونِ بِنا ... وَفَرَّقَ الناسُ فينا قَولَهُم فِرقا
فَكاذِبٌ قَد رَمى بِالظَنِ غَيرَكُمُ ... وَصادِقٌ لَيس يَدري أَنّهُ صَدَقا
للمؤمن في إخلاصه أحوال، يتصدق بيمنيه فيخفيها عن شماله. كان " النخعي " إذا قرأ في المصحف فدخل عليه داخل غطاه.
وكان " ابن أبي ليلى " يصلي، فإذا دخل عليه أحد نام على فراشه.
قال " الحسن " كان الرجل تأتيه عبرته فيسترها، فإذا خشي أن تسبقه قام من المجلس.
باحَ مَجنونُ عامِرٍ بِهواهُ ... وَكَتَمتُ الهَوى فَمَتَّ بِوجدي
سحقت نافجة مسك المحبة فبثت في محاريب المتعبدين، وليس كل ثوب يعلق به الطيب " رب قائم حظه السهر " .
كما
من مراء يتعب في تهجده، فتفض ريجح الرياء أوراق تعبده، فتبقى أغصان العمل
كالسلا، وليس للشوك نسيم (فَلَو صَدَقوا اللَهَ لَكانَ خَيرا لَهُم).
إذا بهرج المنافق على عمل المخلص، فماجت أراييج النفاق، القلوب لجيفته، فذهب عمله جفاء.
واعجبا
من أهل الرياء! على من يبهرجون؟ (وَرَبُكَ يَعلَمُ ما تَكِنُ صُدورُهُم)
غلب على المخلصين الخشوع، فجاء المرائي يبهرج، فقيل: مهلا، فالناقد بصير،
لما أخذ دود القز ينسج جاء العنكبوت يتشبه، فنادى لسان الحال الفاروق:
إِذا اِشتَبهت دُموعُ في خُدودٍ ... تَبينَّ مَن بَكى مِمَّن تَباكى).
مسك مصون في مسك القلب، ينبه ريحه على حامله، العمل صورة، والإخلاص روح،
إذا لم تخلص فلا تتعب، لو قطعت سائر المنازل لم تكن حاجا إلا بشهود
الموقف، ولا تغتر بصورة الطاعات، فإن خصم الإخلاص إذا جاء عند حاكم الجزاء
ألزم الحبس عن القبول. سوق الإخلاص رائجة رابحة ليس فيها كساد، المخلص يعد
طاعاته لاحتقارها عرضا، وقلم القبول قد أثبتها في حيز الجوهر، المخلص
مبهرج على الحق بستر الحال، وببهرجته يصح النقد.
لما وصف الرسول صلى
الله عليه وسلم للصحابة جمال الخمول من حلة حلية " أويس " عمل معول الشوق
في قلب " عمر " فكان في كل عام ينشد بلفظ الطالب، ويسأل عن أهل اليمن.
ألا أيها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَجوا ... عَلَينا فَقَد أَمسى هوانا يَمانيا
نِسائِلُكُم هَل سالَ نِعمانُ بَعدَنا ... وَحُبَّ إلينا بَطنُ نِعمانَ وادِيا
فلما لقيه " عمر " قال: من أنت؟ قال: راعي غنم، وأجير قوم، وستر ذكر " أويس " .
الأولياء تحت ستر الخمول ما يعلمهم إلا قليل، فإن عرفتهم بسيماهم فتلمح نقاء الأسرار، لا دنس الثياب (وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم).
كان في " أيوب السختياني " بعض الطول لستر الحال، وكان إذا تحث فرق قلبه وجاء الدمع قال: ما أشد الزكام؟؟!.
أَفدي ظِباءَ فُلاةٍ ما عَرَفنَ بِها ... مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغ الحواجِبِ
كان " إبراهيم بن أدهم " إذا مرض يجعل عند رأسه ما يأكله الأصحاء كيلا يتشبه بالشاكين. هذه والله بهرجة أصح من نقدك.
قَد سَحَبَ الناسُ أّذيالَ الظُنونِ بِنا ... وَفَرَّقَ الناسُ فينا قَولَهُم فِرقا
فَكاذِبٌ قَد رَمى بِالظَنِ غَيرَكُمُ ... وَصادِقٌ لَيس يَدري أَنّهُ صَدَقا
للمؤمن في إخلاصه أحوال، يتصدق بيمنيه فيخفيها عن شماله. كان " النخعي " إذا قرأ في المصحف فدخل عليه داخل غطاه.
وكان " ابن أبي ليلى " يصلي، فإذا دخل عليه أحد نام على فراشه.
قال " الحسن " كان الرجل تأتيه عبرته فيسترها، فإذا خشي أن تسبقه قام من المجلس.
باحَ مَجنونُ عامِرٍ بِهواهُ ... وَكَتَمتُ الهَوى فَمَتَّ بِوجدي
سحقت نافجة مسك المحبة فبثت في محاريب المتعبدين، وليس كل ثوب يعلق به الطيب " رب قائم حظه السهر " .
كما
من مراء يتعب في تهجده، فتفض ريجح الرياء أوراق تعبده، فتبقى أغصان العمل
كالسلا، وليس للشوك نسيم (فَلَو صَدَقوا اللَهَ لَكانَ خَيرا لَهُم).
إذا بهرج المنافق على عمل المخلص، فماجت أراييج النفاق، القلوب لجيفته، فذهب عمله جفاء.
واعجبا
من أهل الرياء! على من يبهرجون؟ (وَرَبُكَ يَعلَمُ ما تَكِنُ صُدورُهُم)
غلب على المخلصين الخشوع، فجاء المرائي يبهرج، فقيل: مهلا، فالناقد بصير،
لما أخذ دود القز ينسج جاء العنكبوت يتشبه، فنادى لسان الحال الفاروق:
إِذا اِشتَبهت دُموعُ في خُدودٍ ... تَبينَّ مَن بَكى مِمَّن تَباكى).
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الفصل السادس عشر
الإقبال على الله تعالىيا مختار القدر، اعرف قدر قدرك، خلقت الأكوان لأجلك، أقبل علي، فإني مقبل، متى رمت طلبي فاطلبني عندك بدليل " وسعني " .
ساكِنٌ في القَلبِ يَعمُرُهُ ... لَستُ أَنساهُ فأَذكُرُهُ
ساكِنٌ في القَلبِ يَعمُرُهُ ... لَستُ أَنساهُ فأَذكُرُهُ
غابَ عَن سَمعي وَعَن بَصَري ... وَسُويدَ القَلبِ يُبصِرُهُ
بيننا عهد (أَلستَ) شجراته تسقى بمياه " هل من سائل " .
إِذا مَرِضنا أَتيناكُم نَعُودُكُمُ ... وَتُذنِبونَ فَنَأتيكُم فَنَعتَذِرُ
أودعت إقرارك الحجر الأسود، وأمرتك بالحج لتستحي بالتذكر من نقض العهد.
تَشاغَلتُم عَنا بِصُحبَةِ غَيرِنا ... وَأَظهَرتُم الهِجرانَ ما هَكَذا كُنا
وَأَقسَمتُم أَن لا تُحَوِلوا عِنِ الهَوى ... فَقَد وَحَياةِ الحُبِ حُلتُم وَما حُلُنا
الحجر
الأسود صندوق أسرار المواثيق، مستمل لما أملى، المعاهد مشتمل على حفظ
العهود، فاستلم المشتمل المستملي، ليعلم أن إقرارك لا عن إكراه، إن كنت
نسيتني فما نسيتك.
فَلا تَحسَبوا أَني وِدادُكُم ... فَإِني وَإِن طالَ المَدى لَستُ أَنساكُم
حَفِظنا وَضَيَعتُم عُهودَ وِدادِنا ... فَلا كانَ مَن بالهَجرِ وَاللومِ أَغراكُمُ
يا
محدثا في عهد (بَلى) ما ليس فيه تطهر من أدران الزلل، فلا بد للمحدث من
طهارة: خلقتك يوم الفطرة طاهرا، ووفرت نصيبك من رش نوري عليك، فأينعت "
أغصان " الإقرار، وهدجأت حمائم الوفقا، وتدلت ثمار الوفاء، فلما تدنست
بالذنب عطشت أرض الوصال، فمالت أغصان المحبة، وقحلت روضة المعاملة، فطاف
على جنة العزم طائف المصارمة (فَأَصبَحَت كالصَرَيم) فنكس الآن رأس الذل
طول شتاء الهجر، وابعث بريد الأسى ليبعث مزن الحزن لعلها تبكي على قاع
الإفلاس، ومسكن المسكنة، فتدب المياه في عروق أغصان اللب، فتهتز العيدان
في ربيع الإستدراك، فما ارتوى زرع توبة قط إلا من داودل الحدق.
لَعلَ أَيامَنا التَي سَلَفَت ... تَعودُ بَيضا كَما عَهِدناها
يا هذا: لا ضرر يلحقنا في معاصيك، إنما المراد صيانتك، ولا نفع لنا في طاعتك، إنما المقصود ربحك، فتدبر أمرك.
يا قوم من غيرتنا عليكم حرمنا عليكم الفواحش.
كم ندعوك وتأبى إلا الهجر، فلا العهد رعيت، ولا للتقويم استويت.
يا مَن يَعزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم ... وَجِدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ
وَبَينَنا لَو رُعيتُم ذاك مَعرِفةٌ ... إنّ المَعارِفَ في أَهلِ الهَوى ذِمَمُ
الفصل السابع عشر
في
إغتنام العمر إخواني: من رأى تصرف الدهر انتبه، أما في الغير عبر، مهد
الطفل عنوان اللحد، ريح نقع الأجل يقشع غيم الأمل، الشباب باكورة الحياة،
والشيب رداء الردى، لو أن أيام الشباب تباع لبذلنا فيها أنفس الأنفس، متى
أسفر صبح المشيب هوى نجم الهوى، إذا قرع المرء بباب الكهولة فقد استأذن
على البلى، من عرف الستين أنكر نفسه، من بلغ السبعين اختلفت إليه رسل
المنية.
يا من انطوى برد شبابه، وجيئت خلع قلعه، وبلغت سفينة سفره الساحل، قف على ثنية الوداع.
فَلَم
يَبقَ إِلا نَظرَةٌ تَتَغَنَمُ قطع الشيب سلك العمر، فالتقط الخرز، ورث
سفاء الأمل، قاشدد بالعمل بعض الخرز. عمرك يذوب ذوبابن الثلج، وتوانيك
أبرد منه.
وَلَم يَبقَ مِن أَيامِ جَمعِ إِلى مِنى ... إِلى مَوقِفِ التَجميرِِ غَيرُ أَماني
أنت تحب الإقامة، ولكن ما تحمل المفازة، في نفس الجمل غير ما في نفس السائق، ولو ترك القطا لنام.
العاقل من استعد لما يجوز وقوعه كيف يغفل عما لا بد من كونه؟؟ زمن التررد قصير لا يحتمل التسويف.
واعجبا لعمر لو ملىء بالزاد خيف عليه العوز، فكيف إذا تناهبته أيدي البطالة.
واعجباب لمن ينشد وقد أضل نفسه، ولمن يشفق أن ينفق دراهمه وقد ضيع عمره.
كان " ثلاج " لا معاش له سوى بيع الثلج، فبقي عنده منه شيء، لم ينفق، فجعل يقول في مناداته: ارحموا من يذوب رأسه ماله.
إغتنام العمر إخواني: من رأى تصرف الدهر انتبه، أما في الغير عبر، مهد
الطفل عنوان اللحد، ريح نقع الأجل يقشع غيم الأمل، الشباب باكورة الحياة،
والشيب رداء الردى، لو أن أيام الشباب تباع لبذلنا فيها أنفس الأنفس، متى
أسفر صبح المشيب هوى نجم الهوى، إذا قرع المرء بباب الكهولة فقد استأذن
على البلى، من عرف الستين أنكر نفسه، من بلغ السبعين اختلفت إليه رسل
المنية.
يا من انطوى برد شبابه، وجيئت خلع قلعه، وبلغت سفينة سفره الساحل، قف على ثنية الوداع.
فَلَم
يَبقَ إِلا نَظرَةٌ تَتَغَنَمُ قطع الشيب سلك العمر، فالتقط الخرز، ورث
سفاء الأمل، قاشدد بالعمل بعض الخرز. عمرك يذوب ذوبابن الثلج، وتوانيك
أبرد منه.
وَلَم يَبقَ مِن أَيامِ جَمعِ إِلى مِنى ... إِلى مَوقِفِ التَجميرِِ غَيرُ أَماني
أنت تحب الإقامة، ولكن ما تحمل المفازة، في نفس الجمل غير ما في نفس السائق، ولو ترك القطا لنام.
العاقل من استعد لما يجوز وقوعه كيف يغفل عما لا بد من كونه؟؟ زمن التررد قصير لا يحتمل التسويف.
واعجبا لعمر لو ملىء بالزاد خيف عليه العوز، فكيف إذا تناهبته أيدي البطالة.
واعجباب لمن ينشد وقد أضل نفسه، ولمن يشفق أن ينفق دراهمه وقد ضيع عمره.
كان " ثلاج " لا معاش له سوى بيع الثلج، فبقي عنده منه شيء، لم ينفق، فجعل يقول في مناداته: ارحموا من يذوب رأسه ماله.
فقرك
من الخير مشوب بالكسل، ومتى كان الفقير كسلان فلا وجه للغنى، لو كانت لك
أنفة من التواني لخرجت من ربقة الذل، بعت قيام الليل بفضل لقمة، شربت كأس
النعاس ففاتتك رفقة (تَتَجافَى جُنُوبُهُم) امتلأت طعاما فإذا غريم الفراش
يتقاضاك بدين النوم، فضرب على أذنك لا في موافقة أهل الكهف، تناولت خمر
الرقاد فوقع بك صاحب الشرطة فعمل في حقك بمقتضى أنم وأرقم، فجعل حدك الحبس
عن قيام الليل، فخرج على توقيع قصتك وقت الفجر (رَضوا بِأَن يَكونُوا مَعَ
الخوالِف).
والله لو بعت لحظة من خلوة بنا بتعمير " نوح " في ملك " قارون " لغبنت، لا بل بما في الجنان كلها ما ربحت، ومن ذاق عرف.
الفصل الثامن عشر
أعمال الملائكة
خلقت
الملائكة من نور لا ظلمة فيه، وخلقت الشياطين من ظلمة لا نور فيها، وركب
البشر من الضدين، فظلام نفسه مقترن بنور عقله، بينهما حاجز لطيف، لا تعلمه
إلا بالمجاهدة، كما أن بين الشمس والظل خط لا يراه إلا المهندس، فالملل
يسبح لأنه صاف، والشيطان يعصي لأنه كدر، وإنما العجب تقوى من تقوى في حقه
الأضداد.
الآدمي عقل وهوى غير أن بين الهوى والهدى برزخ من التوفيق،
لولا لطائف الإعانة قلع سكر التماسك، ولم تطق البشرية المدافعة، لولا
لاحقة (لَنَهدِيَنّهُم) لسابقة (سَبَقَت لَهُم).
فالصبر الصبر أيها
المحارب، ولا تخف من كمين (وَاستَفزِز) ما دام لك مدد (يُثَبِتُ اللَهُ
الَّذَينَ آَمَنوا) هبت عواصف التكليف البشري فلم يتماسك " هاروت " و "
ماروت " فرمى بهما رمي " عاد " وقال موافق (أَتَجعَلُ فيها) إن للحرب
رجالا خلقوا، كانت الملائكة تدعو على العصاة قبل " هاروت " و " ماروت "
فلما جرت قصتهم صاروا يسبحون لمن في الأرض، كما كان " داود " يقول: لا
تغفر للخطائين، فلما زل عرف.
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتى ذُقتُهُ ... فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مِن لا يَعشَقُ
وَعَرَفتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبي أَنَني ... عَيَّرتُهُم فَلَقَيتُ فيهِم ما لَقوا
خب بحر الأمانة فوقفت الملائكة على الساحل ونهضت عزيمة الآدمي لسلوك سبيل الخطر، والمحب لا يرى العواقب، ولسكران الوجد إقدام.
يَغلِبُني شَوقي فَأَطوين السُّرى ... وَلَم يَزَل ذو الشَوقِ مَغلوباً
أين
مجاهدة الآدمي من تعبد الملائكة، حال الآدمي أعجب، تسبيح الملائكة يدور
على ألسنتهم بالطبع، تعبدهم لا عن تعب، ورد شجرهم خال من شوك الحب، الأغلب
على أوصافهم أنوثية السلامة، لا ذكورية الجهاد، سبح تسبيحهم عقود ما نظمها
التكليف، ثمرات زرعهم نشأت لا عن كلف، ساقها سيح العصمة، فكثر في زكوات
تبعدهم قدر الواجب (وَيَستَغفِرونَ لِمَ، في الأرض) ظنت الملائكة أن أيدي
العصمة أصنع من نظم التسبيح، ونسوا أن يبس الأشجار أيام الشتاء سبب لزهر
النور في الربيع.
الفصل التاسع عشر
عزيمة الرجالالملائكة من نور لا ظلمة فيه، وخلقت الشياطين من ظلمة لا نور فيها، وركب
البشر من الضدين، فظلام نفسه مقترن بنور عقله، بينهما حاجز لطيف، لا تعلمه
إلا بالمجاهدة، كما أن بين الشمس والظل خط لا يراه إلا المهندس، فالملل
يسبح لأنه صاف، والشيطان يعصي لأنه كدر، وإنما العجب تقوى من تقوى في حقه
الأضداد.
الآدمي عقل وهوى غير أن بين الهوى والهدى برزخ من التوفيق،
لولا لطائف الإعانة قلع سكر التماسك، ولم تطق البشرية المدافعة، لولا
لاحقة (لَنَهدِيَنّهُم) لسابقة (سَبَقَت لَهُم).
فالصبر الصبر أيها
المحارب، ولا تخف من كمين (وَاستَفزِز) ما دام لك مدد (يُثَبِتُ اللَهُ
الَّذَينَ آَمَنوا) هبت عواصف التكليف البشري فلم يتماسك " هاروت " و "
ماروت " فرمى بهما رمي " عاد " وقال موافق (أَتَجعَلُ فيها) إن للحرب
رجالا خلقوا، كانت الملائكة تدعو على العصاة قبل " هاروت " و " ماروت "
فلما جرت قصتهم صاروا يسبحون لمن في الأرض، كما كان " داود " يقول: لا
تغفر للخطائين، فلما زل عرف.
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتى ذُقتُهُ ... فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مِن لا يَعشَقُ
وَعَرَفتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبي أَنَني ... عَيَّرتُهُم فَلَقَيتُ فيهِم ما لَقوا
خب بحر الأمانة فوقفت الملائكة على الساحل ونهضت عزيمة الآدمي لسلوك سبيل الخطر، والمحب لا يرى العواقب، ولسكران الوجد إقدام.
يَغلِبُني شَوقي فَأَطوين السُّرى ... وَلَم يَزَل ذو الشَوقِ مَغلوباً
أين
مجاهدة الآدمي من تعبد الملائكة، حال الآدمي أعجب، تسبيح الملائكة يدور
على ألسنتهم بالطبع، تعبدهم لا عن تعب، ورد شجرهم خال من شوك الحب، الأغلب
على أوصافهم أنوثية السلامة، لا ذكورية الجهاد، سبح تسبيحهم عقود ما نظمها
التكليف، ثمرات زرعهم نشأت لا عن كلف، ساقها سيح العصمة، فكثر في زكوات
تبعدهم قدر الواجب (وَيَستَغفِرونَ لِمَ، في الأرض) ظنت الملائكة أن أيدي
العصمة أصنع من نظم التسبيح، ونسوا أن يبس الأشجار أيام الشتاء سبب لزهر
النور في الربيع.
الفصل التاسع عشر
العزائم في قلوب أربابها كالنار تشتعل، إنها لتستعمل البدن ولا تحس بالتعب.
يغلبني شوقي فأطوي السرى للعزائم رجال ليسوا في ثيابكم، وطنوا النفوس على الموت فحصلت الحياة.
لَو رَأَيتَ ذا العَزمِ قَد بَرَزَ في بُرازِ الجَدِيَمُدُ عِناناً لَم تُخنِةَ الشَكائِمُ
فلما
عاين هولا يلين له قلب الجبان، حن إلى عوده المعجوم من الإصابة، فهو في صف
الجهاد أثبت قلبا من القطب في الفلك، إن جن الليل لم تتصافح أجفانه، لا
تنتظر لقيامه وقت السحر، وكيف وغلة الصادي تأبى له.
انتظارا لوراد، فما مضى إلا قَليلٌ فَإِذا بِهِ ... عَلى قِمَةِ المَجدِ المُؤَثًلِ جالِسُ
من لم يقم في طلاب المجد ... لم ينم في ظلال الشرف
تَقولُ سُلَيمى لَو أَقَمتَ بِأَرضِنا ... وَلَم تَدر أَني لِلمُقامِ أَطوفُ
كل الصحابة هاجروا سرا، و " عمر " خرج ظاهرا وقال للمشركين: ها أنا اخرج إلى الهجرة، فمن أراد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي.
فليت
رجالا فيك قد نذروا دمي مذ عزم " عمر " على طلاق الهوى أحد أهله عن زينة
الدنيا، فكان بيته - وهو أمير المؤمنين - كبيت فقير من المسلمين.
تَجَمَعت في فُؤادِهِ هَمَمُ ... مِثلُ فُؤادِ الزَمانِ إِحداها
يغلبني شوقي فأطوي السرى للعزائم رجال ليسوا في ثيابكم، وطنوا النفوس على الموت فحصلت الحياة.
لَو رَأَيتَ ذا العَزمِ قَد بَرَزَ في بُرازِ الجَدِيَمُدُ عِناناً لَم تُخنِةَ الشَكائِمُ
فلما
عاين هولا يلين له قلب الجبان، حن إلى عوده المعجوم من الإصابة، فهو في صف
الجهاد أثبت قلبا من القطب في الفلك، إن جن الليل لم تتصافح أجفانه، لا
تنتظر لقيامه وقت السحر، وكيف وغلة الصادي تأبى له.
انتظارا لوراد، فما مضى إلا قَليلٌ فَإِذا بِهِ ... عَلى قِمَةِ المَجدِ المُؤَثًلِ جالِسُ
من لم يقم في طلاب المجد ... لم ينم في ظلال الشرف
تَقولُ سُلَيمى لَو أَقَمتَ بِأَرضِنا ... وَلَم تَدر أَني لِلمُقامِ أَطوفُ
كل الصحابة هاجروا سرا، و " عمر " خرج ظاهرا وقال للمشركين: ها أنا اخرج إلى الهجرة، فمن أراد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي.
فليت
رجالا فيك قد نذروا دمي مذ عزم " عمر " على طلاق الهوى أحد أهله عن زينة
الدنيا، فكان بيته - وهو أمير المؤمنين - كبيت فقير من المسلمين.
تَجَمَعت في فُؤادِهِ هَمَمُ ... مِثلُ فُؤادِ الزَمانِ إِحداها
كان رضي الله عنه يقول: لئن عشت لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى أحد بعدي.
وَهِمَّةٌ بَعَثتُها هِمِةُ زُحَلُ ... مِن تَحتِها بِمَكانِ التُّربِ مِن زُحَلِ
لما
ولي " عمر بن عبد العزيز " سمع البكاء في داره، فقيل: ما لهم؟ قيل: إنه
خير النساء والجواري قال: من شاءت فلتقم، ومن شاءت فلتذهب، فإنه قد جاء
أمر شغلني عنكن.
أَقسَمُ بِالعِفَةِ لأتيِّمَهُ ... ظَبيٌ رَنا أَو غُصنُ تَأَوَّدا
وَكُلَما قيلَ لَه تَهِنَّ قَد ... حَزَتِ المِنى فَقَد جَزَت المَدى
واعجبا! أين العزائم؟ إن العجز لشريك الحرمان، وإيثار الراحة يورث التعب.
وَالهُونَ في ظلِ الهُوينا كامِنٌ ... وَجَلالَةُ الأَخطارِ في الأخطارِ
اغسل وجه الجد من غبار الكسل، وأنفق كيس الصبقر في طريق الفضائل، إن كانت لك عزيمة فليس في لغة أولي العزم ربما وعسى.
لَيسَ عَزماً ما مَرِض القَلبُ فيه ... لَيس هَماً ما عاقَ عَنهُ الظَلامُ
الفصل العشرون
الظلام والتيه
يا
تائها في ظلمة ظلمه، ياموغلا في مفازة تيهه، يا باحثا عن مدية حتفه، يا
حافرا زبية هلاكه، يا معمقا مهواة مصرعه، بئسما اخترت لأحب الأنفس إليك.
ويحك!
تلمح الجادة فأنت في ظلال عين أملك ترى المحبوب وتعمى عن المكاره، إذا كان
عمرك في إدبار والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى، كيف يبقى على حالته من
يعمل الدهر في إحالته؟ كيف تطيب الدنيا لمن لا يأمن الموت ساعة، ولا يتمل
له سرور يوم؟ كم قرع الزمان بوعظه فما سمعت (لِيُنذِرَ مَن كانَ حَياً)
صاح ديك الإيقاظ في سحر ليل العبر فما تيقظت، فتنبه إذا نعق غراب البين
بين البين.
وَمَشَتِتِ العَزَماتِ يُنِفقُ عُمرَهُ ... حَيرانَ لا ظَفَرٌ وَلا إِخفاقُ
يا مؤثرا ما يفني على ما يبقى، هذا رأي طبعك، هلا استشرت عقلك لتسمع أنصح النصائح، من كان دليله البوم كان مأواه الخراب.
ويحك!
شهوات الدنيا أحلام يزخر منها نوم الغفلة، ونظر الجاهل لا يتعدى سور
الهوى، ولا يخرق حجاب الغفلة، فأما ذو الفهم فيرى ما وراء الستر، لاحت
الشهوات لأعين الطباع فغمض عنها (الَّذَينَ يُؤمِنونَ بالغَيب) فوقع أكثر
الخلق في التيه، والقوم (عَلى هُدى مِن رَبِهِم).
رحل الصالحون وفي
القوم تثبط، تالله لقد علموا شرف المقصد، ولكن بعدت عليهم الشقة، واأسفا!
لو عرفوا عمن انقطعوا لتقطعوا، يصبحون في جمع الحكام، ويبيتون على فراش
الآثام، وينفقون في الهوى بضائع الأيام (أَُولَئِكَ الَّذَينَ اِشتَروا
الضَلالَةَ بِالهُدى) سلمت إليهم أموال الأعمار فأنفقوها في ديار البطالة
(فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم) هذا والعبر تصيح (فَهَل يَنتَظِرونَ إِلا
مِثلُ أَيامِ الَّذَينَ خَلَوا مِن قَبلِهِم) غير أن المسامع قد تملكها
الصمم، ويحهم!! هلا تدبروا فساد رأي أمل (وَأَن عَسى أَن يكونَ قَد
اِقترَبَ أَجَلُهُم) إن في الماضي للمقيم عبرة، وليس المرء من غده على
ثقة، ولا العمر إذا مر يعود، وغواري الليالي في ضمان الإرتجاع، والدهر
يسير بالمقيم، فاشتر نفسك والسوق قائمة والثمن موجود، ولا تسمعن حديث
التسويف.
فَما لِغَدٍ مِ، حادِثٍ بِكَفيلِ
الفصل الحادي والعشرون
الإنتصار على الهوىتائها في ظلمة ظلمه، ياموغلا في مفازة تيهه، يا باحثا عن مدية حتفه، يا
حافرا زبية هلاكه، يا معمقا مهواة مصرعه، بئسما اخترت لأحب الأنفس إليك.
ويحك!
تلمح الجادة فأنت في ظلال عين أملك ترى المحبوب وتعمى عن المكاره، إذا كان
عمرك في إدبار والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى، كيف يبقى على حالته من
يعمل الدهر في إحالته؟ كيف تطيب الدنيا لمن لا يأمن الموت ساعة، ولا يتمل
له سرور يوم؟ كم قرع الزمان بوعظه فما سمعت (لِيُنذِرَ مَن كانَ حَياً)
صاح ديك الإيقاظ في سحر ليل العبر فما تيقظت، فتنبه إذا نعق غراب البين
بين البين.
وَمَشَتِتِ العَزَماتِ يُنِفقُ عُمرَهُ ... حَيرانَ لا ظَفَرٌ وَلا إِخفاقُ
يا مؤثرا ما يفني على ما يبقى، هذا رأي طبعك، هلا استشرت عقلك لتسمع أنصح النصائح، من كان دليله البوم كان مأواه الخراب.
ويحك!
شهوات الدنيا أحلام يزخر منها نوم الغفلة، ونظر الجاهل لا يتعدى سور
الهوى، ولا يخرق حجاب الغفلة، فأما ذو الفهم فيرى ما وراء الستر، لاحت
الشهوات لأعين الطباع فغمض عنها (الَّذَينَ يُؤمِنونَ بالغَيب) فوقع أكثر
الخلق في التيه، والقوم (عَلى هُدى مِن رَبِهِم).
رحل الصالحون وفي
القوم تثبط، تالله لقد علموا شرف المقصد، ولكن بعدت عليهم الشقة، واأسفا!
لو عرفوا عمن انقطعوا لتقطعوا، يصبحون في جمع الحكام، ويبيتون على فراش
الآثام، وينفقون في الهوى بضائع الأيام (أَُولَئِكَ الَّذَينَ اِشتَروا
الضَلالَةَ بِالهُدى) سلمت إليهم أموال الأعمار فأنفقوها في ديار البطالة
(فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم) هذا والعبر تصيح (فَهَل يَنتَظِرونَ إِلا
مِثلُ أَيامِ الَّذَينَ خَلَوا مِن قَبلِهِم) غير أن المسامع قد تملكها
الصمم، ويحهم!! هلا تدبروا فساد رأي أمل (وَأَن عَسى أَن يكونَ قَد
اِقترَبَ أَجَلُهُم) إن في الماضي للمقيم عبرة، وليس المرء من غده على
ثقة، ولا العمر إذا مر يعود، وغواري الليالي في ضمان الإرتجاع، والدهر
يسير بالمقيم، فاشتر نفسك والسوق قائمة والثمن موجود، ولا تسمعن حديث
التسويف.
فَما لِغَدٍ مِ، حادِثٍ بِكَفيلِ
الفصل الحادي والعشرون
لما
عرف الصالحون قدر الحياة أماتوا فيها الهوى فعاشوا، انتهبوا بأكف الجد ما
قد نثرته أيدي البطالين، ثم تخيلوا القيامة فاحتقروا الأعمال فماتت قلوبهم
بالمخافة، فاشتاقت إليهم الجوامد، فالجذع يحن إلى الرسول، والجنة تشتاق
إلى " علي " .
كم شخص أشخصه الشوق إلى الحج، يكاد مودع المواثيق قبل
تقبيله يقبله، فلما قضى الناسك المناسك، ثم رجع، بقي سهم الشوق إليه في
قلب منى، خواطرهم تراقب حدود الشرع، وقلوبهم وقف على محبة الخالق.
وَقَفَ الهَوى بي حَيثُ أَنتَ فَلَيس لي ... مُتَقَدّمٌ عَنهُ وَلا مُتَأَخّرُأنفوا
من مزاحمة الخلق في أسواق الهوى، وقوي شوقهم فلم يحتملوا حصر الدنيا،
فخرجوا إلى فضاء العز في صحراء التقوى، وضربوا مخيم المجد في ساحة الهدى،
وتخيروا شواطىء أنهار الصدق، فشرعوا فيها مشارع البكاء، وانفردوا بقلقهم
فساعدهم ريم الفلا، وترنمت بلابل بلبالهم في ظلام الدجى، فلو رأيت حزينهم
يتقلب على جمر الغضا.
فيا محصورا عنهم في حبس الجهل والمنى، إن خرجت من
سجنك لترويح شجنك من غم البلاء، عرج بذلك الوادي. تلمح القوم الوجود
ففهموا المقصود، فجمعوا الرحل قبل الرحيل، وشمروا في سواء السبيل، فالناس
يخوضون في وحل الإكتساب، وهم في ظل القناعة، ومرض الهوى يستغيثون في
مارستان البلاء، وهم في قصور السلامة، وكسالى البطالة على فراش التواني
وهم في حلبات السباق (يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبور) يجرون خيل العزائم في
ميادين المبادرة، ويضربون الدنيا بصولجان الأنفة، فما مضت إلا ايام حتى
عبروا القنطرة، وقد سلموا من المكس. غناهم في قلوبهم (سيماهُم في
وُجوهِهِم) ما ضرهم ما عزهم، أعقبهم ما سرهم، هان عليهم طول الطريق لعلمهم
بشرف المقصد، وحلت لهم مرارات البلاء لتعجيل السلامة، فيابشراهم يوم (هَذا
يُومُكُم).
شَقينا في الهَوى زَمناً فَلَما ... تَلاقينا كَأَنّا ما شَقَينا
سَخِطنا عِندَما جَنَتِ اللَيالي ... فَما زالَت بِنا حَتى رَضينا
سِعدنا بِالوِصالِ وَكَم سُقينا ... بِكاساتِ النَعيمِ وَكَم شُقينا
فَمَن لَم يَحيَ بَعدَ المَوتِ يَوماً ... فَإِنّا بَعدَ مَيتَتِنا حَيِينا
عرف الصالحون قدر الحياة أماتوا فيها الهوى فعاشوا، انتهبوا بأكف الجد ما
قد نثرته أيدي البطالين، ثم تخيلوا القيامة فاحتقروا الأعمال فماتت قلوبهم
بالمخافة، فاشتاقت إليهم الجوامد، فالجذع يحن إلى الرسول، والجنة تشتاق
إلى " علي " .
كم شخص أشخصه الشوق إلى الحج، يكاد مودع المواثيق قبل
تقبيله يقبله، فلما قضى الناسك المناسك، ثم رجع، بقي سهم الشوق إليه في
قلب منى، خواطرهم تراقب حدود الشرع، وقلوبهم وقف على محبة الخالق.
وَقَفَ الهَوى بي حَيثُ أَنتَ فَلَيس لي ... مُتَقَدّمٌ عَنهُ وَلا مُتَأَخّرُأنفوا
من مزاحمة الخلق في أسواق الهوى، وقوي شوقهم فلم يحتملوا حصر الدنيا،
فخرجوا إلى فضاء العز في صحراء التقوى، وضربوا مخيم المجد في ساحة الهدى،
وتخيروا شواطىء أنهار الصدق، فشرعوا فيها مشارع البكاء، وانفردوا بقلقهم
فساعدهم ريم الفلا، وترنمت بلابل بلبالهم في ظلام الدجى، فلو رأيت حزينهم
يتقلب على جمر الغضا.
فيا محصورا عنهم في حبس الجهل والمنى، إن خرجت من
سجنك لترويح شجنك من غم البلاء، عرج بذلك الوادي. تلمح القوم الوجود
ففهموا المقصود، فجمعوا الرحل قبل الرحيل، وشمروا في سواء السبيل، فالناس
يخوضون في وحل الإكتساب، وهم في ظل القناعة، ومرض الهوى يستغيثون في
مارستان البلاء، وهم في قصور السلامة، وكسالى البطالة على فراش التواني
وهم في حلبات السباق (يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبور) يجرون خيل العزائم في
ميادين المبادرة، ويضربون الدنيا بصولجان الأنفة، فما مضت إلا ايام حتى
عبروا القنطرة، وقد سلموا من المكس. غناهم في قلوبهم (سيماهُم في
وُجوهِهِم) ما ضرهم ما عزهم، أعقبهم ما سرهم، هان عليهم طول الطريق لعلمهم
بشرف المقصد، وحلت لهم مرارات البلاء لتعجيل السلامة، فيابشراهم يوم (هَذا
يُومُكُم).
شَقينا في الهَوى زَمناً فَلَما ... تَلاقينا كَأَنّا ما شَقَينا
سَخِطنا عِندَما جَنَتِ اللَيالي ... فَما زالَت بِنا حَتى رَضينا
سِعدنا بِالوِصالِ وَكَم سُقينا ... بِكاساتِ النَعيمِ وَكَم شُقينا
فَمَن لَم يَحيَ بَعدَ المَوتِ يَوماً ... فَإِنّا بَعدَ مَيتَتِنا حَيِينا
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى