صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ
بِالصِّبْيَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ : وَإِنَّهُ قَدِمَ مَرَّةً
مِنْ سَفَرِهِ فَسَبَقَ بِي إلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ
جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ إمَّا حَسَنٌ وَإِمَّا حُسَيْنٌ
فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ قَالَ : فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى
دَابَّةٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد
( بَابٌ فِي رُكُوبِ ثَلَاثَةٍ عَلَى دَابَّةٍ ) .
وَفِي الْبُخَارِيِّ
عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ
عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ } وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ : { لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ } .
وَقَدْ رَوَى
أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ زَاذَانَ قَالَ : { رَأَى
عَلِيٌّ ثَلَاثَةً عَلَى بَغْلٍ فَقَالَ : لِيَنْزِلْ أَحَدُكُمْ فَإِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الثَّالِثَ } .
إسْنَادٌ
جَيِّدٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ لَمْ تَطُقْ
الثَّلَاثَةَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
وَمَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ
التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى
يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
خَوْلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: { السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ
وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرٍ
فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، نَهْمَتُهُ
مَقْصُودُهُ .
فَصْلٌ ( مَا يَحْرُمُ مِنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ غَيْرِ ذِي
رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا ) .
قَالَ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ غَيْرِ
ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا سَفَرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ ،
وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَأَكْثَرَ لَا فِي حَجِّ فَرِيضَةٍ وَلَا
نَافِلَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ضَرُورَةٍ وَخَوْفٍ عَلَى
نَفْسِهَا وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَفِي اعْتِبَارِ الْمَحْرَمِ فِي
السَّفَرِ الْقَصِيرِ رِوَايَتَانِ وَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
وَالرِّعَايَةِ اعْتِبَارَ الْمَحْرَمِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ .
وَمَعْلُومٌ
أَنَّ السَّفَرَ الْقَصِيرَ عِنْدَنَا مَا دُونَ الْيَوْمَيْنِ ، وَعَنْ
أَحْمَدَ لَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ فِي سَفَرِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ .
وَالْمَذْهَبُ
اعْتِبَارُهُ ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُرْدِفَهَا عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ
الْأَمْنِ وَعَدَمِ سُوءِ الظَّنِّ ؟ يَتَوَجَّهُ خِلَافٌ بِنَاءً عَلَى
أَنَّ إرَادَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُرْدِفَ أَسْمَاءً يَخْتَصُّ
بِهِ .
وَاخْتَارَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَاوِيُّ الْجَوَازَ وَاخْتَارَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَنْعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ سَفَرِ الرَّجُلِ وَمَبِيتِهِ وَحْدَهُ )
.
قَالَ
الْخَلَّالُ ( مَا يُكْرَهُ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ
يُسَافِرَ وَحْدَهُ ) أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ
لَا يُسَافِرُ الرَّجُلُ وَحْدَهُ وَلَا يَبِيتُ الرَّجُلُ فِي بَيْتٍ
وَحْدَهُ وَقَالَ جَعْفَرٌ سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيتُ
وَحْدَهُ قَالَ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلِكَ قَالَ :
وَسَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُسَافِرُ وَحْدَهُ قَالَ : لَا
يُعْجِبُنِي .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
الْحَسَنِ : مَا أُحِبُّ ذَلِكَ يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا أَنْ
يُضْطَرَّ مُضْطَرٌّ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي الرَّجُلِ يَسِيرُ
وَحْدَهُ : مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ .
وَقَالَ : قَالَ
الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدَ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُد ( بَابٌ فِي
الرَّجُلِ يُسَافِرُ وَحْدَهُ ) ثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ
شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ .
فَصْلٌ ( فِيمَا يَقُولُ مَنْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ أَوْ ضَلَّ
الطَّرِيقَ ) .
وَرَوَى
ابْنُ السُّنِّيِّ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضٍ
فَلَاةٍ فَلْيَقُلْ يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا فَإِنَّ لِلَّهِ فِي
الْأَرْضِ حَاضِرًا سَيَحْبِسُهُ } قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إمَامِنَا
أَحْمَدَ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : حَجَجْت خَمْسَ حِجَجٍ مِنْهَا
اثْنَتَيْنِ رَاكِبًا وَثَلَاثًا مَاشِيًا فَجَعَلْت أَقُولُ يَا عِبَادَ
اللَّهِ دُلُّونَا عَلَى الطَّرِيقِ فَلَمْ أَزَلْ أَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى
وَقَعْت عَلَى الطَّرِيقِ ، أَوْ كَمَا قَالَ أَبِي .
فَصْلٌ ( فِيمَا يُقَالُ عِنْدَ أَخْذِ الرَّجُلِ شَيْئًا مِنْ
لِحْيَةِ الرَّجُلِ ) .
قَالَ
الْخَلَّالُ فِي الْأَدَبِ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الشَّيْءَ مِنْ لِحْيَةِ
الرَّجُلِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْخَفَّافُ : أَخَذَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مِنْ لِحْيَةِ رَجُلٍ شَيْئًا فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيْشٍ
أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا ؟ فَقَالَ : فِيهِ شَيْءٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ :
لَا عَدِمْت نَافِعًا قَالَ الْخَلَّالُ وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ
الْمَدِينِيُّ قَالَ : سَمِعْت عَبَّاسَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ : وَقَدْ
أَخَذَ رَجُلٌ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ عَبَّاسٌ لَا عَدِمْت
نَافِعًا قَالَ : يَعْنِي كُلَّ شَيْءٍ نَفَعَهُ لَا عَدِمَهُ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ ( بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ وَأُنْسِ
الْمَجَالِسِ لَهُ ) عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : لَوْ أَنَّ إنْسَانًا أَخَذَ
مِنْ رَأْسِي شَيْئًا قُلْت : صَرَفَ اللَّهُ عَنْك السُّوءَ .
وَعَنْ عُمَرَ قَالَ : إذَا أَخَذَ أَحَدٌ عَنْك شَيْئًا فَقُلْ أَخَذْت
بِيَدِك خَيْرًا .
وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَقَدْ أَخَذَ عَنْهُ أَذًى :
نَزَعَ اللَّهُ عَنْك مَا تَكْرَهُ يَا أَبَا أَيُّوبَ } .
وَفِي
الْأَدَبِ لِأَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ ( مَا يُسْتَحَبُّ إذَا أَخَذَ
مِنْ لِحْيَةِ الرَّجُلِ شَيْئًا أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهُ ) ثُمَّ رُوِيَ
أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ مِنْ لِحْيَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا
وَكَانَ لَا يَزَالُ يَفْعَل ذَلِكَ فَأَخَذَ عُمَرُ يَدَهُ ذَاتَ يَوْمٍ
فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئًا فَقَالَ : أَمَا اتَّقَيْت اللَّهَ ؟ أَمَا
عَلِمْت أَنَّ الْمَلَقَ كَذِبٌ ؟ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ
عُمَرَ قَالَ : إذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ مِنْ رَأْسِ أَخِيهِ شَيْئًا
فَلْيُرِهِ إيَّاهُ قَالَ الْحَسَنُ : نَهَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ
الْمَلَقِ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ السِّيَاحَةِ إلَى غَيْرِ مَكَان
مَعْلُومٍ وَلَا غَرَضٍ مَشْرُوعٍ ) .
قَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : السِّيَاحَةُ فِي الْأَرْضِ لَا لِمَقْصُودٍ وَلَا
إلَى مَكَان مَعْرُوفٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا
رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا تَبَتُّلَ وَلَا سِيَاحَةَ فِي
الْإِسْلَامِ } وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَا السِّيَاحَةُ مِنْ
الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ ، وَلَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّينَ وَلَا
الصَّالِحِينَ ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ يُشَتِّتُ الْقَلْبَ فَلَا يَنْبَغِي
لِلْمُرِيدِ أَنْ يُسَافِرَ إلَّا فِي طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ
شَيْخٍ يَقْتَدِي بِهِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنَّهُ قَالَ : سِيَاحَةُ
أُمَّتِي الصَّوْمُ ، وَرَهْبَانِيّتهمْ الْجِهَادُ } .
وَفِي
حَدِيثٍ آخَرَ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ : { سِيَاحَةُ أُمَّتِي الْجِهَادُ
وَرَهْبَانِيّتهمْ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ }
فَأَمَّا الْحَدِيثُ فِي أَنَّ { السِّيَاحَةَ الصَّوْمُ } فَرَوَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا قَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا
وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فِي أَنَّ { السِّيَاحَةَ
الْجِهَادُ } فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَبُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ .
وَرَوَى
ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي الْجِهَادُ } .
وَعَنْ
عِكْرِمَةَ فِي قَوْله تَعَالَى { السَّائِحُونَ } قَالَ : هُمْ طَلَبَةُ
الْحَدِيثِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْخَيَّاطُ : سَأَلْت أَحْمَدَ
بْنَ حَنْبَلٍ مَا تَقُولُ فِي السِّيَاحَةِ ؟ قَالَ : لَا ، التَّزْوِيجُ
وَلُزُومُ الْمَسْجِدِ .
ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَخْضَرِ فِيمَنْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ .
فَصْلٌ
( فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَطَاعَتِهِمَا وَوَلِيِّ الْأَمْرِ
وَالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَمُعَلِّمِ الْخَيْرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ) .
قَالَ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَمِنْ الْوَاجِبِ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ
كَانَا فَاسِقَيْنِ وَطَاعَتُهُمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ
تَعَالَى ، فَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَلْيُصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفًا ، وَلَا يُطِعْهُمَا فِي كُفْرٍ وَلَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ
وَعَلَى الْوَالِدَيْنِ أَنْ يُعَلِّمَا وَلَدَهُمَا الْكِتَابَةَ وَمَا
يُتْقِنُ بِهِ دِينَهُ مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ ، وَالسِّبَاحَةَ
وَالرَّمْيَ وَأَنْ يُوَرِّثَهُ طَيِّبًا ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ
يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ لِوَالِدَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ وَأَنْ يَصِلَ
رَحِمَهُ ، وَعَلَيْهِ مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ وَالنَّصِيحَةُ لَهُمْ ،
وَفُرِضَ عَلَيْهِ النَّصِيحَةُ لِإِمَامِهِ ، وَطَاعَتُهُ فِي غَيْرِ
مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَالذَّبُّ عَنْهُ وَالْجِهَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ
إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ لِذَلِكَ ، وَاعْتِقَادُ إمَامَتِهِ وَإِنْ بَاتَ
لَيْلَةً لَا يَعْتَقِدُ فِيهَا إمَامَتَهُ فَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ كَانَتْ
مِيتَةً جَاهِلِيَّةً .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي
رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي غُلَامٍ يَصُومُ وَأَبَوَاهُ
يَنْهَيَانِهِ عَنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ
يَصُومَ إذَا نَهَيَاهُ ، لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْهَاهُ يَعْنِي عَنْ
التَّطَوُّعِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ يَصُومُ
التَّطَوُّعَ فَسَأَلَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ قَالَ
: يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ : يُفْطِرُ وَلَهُ أَجْرُ
الْبِرِّ وَأَجْرُ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ
بْنِ مُوسَى : إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا
الْمَكْتُوبَةَ قَالَ : يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ : فَفِي الصَّوْمِ كُرِهَ الِابْتِدَاءُ فِيهِ إذَا نَهَاهُ
وَاسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَالَ
يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ نَصَّ
أَحْمَدُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ إذَا سَأَلَهُ أَحَدُ
وَالِدَيْهِ ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ
وَالِدٌ يَكُونُ جَالِسًا فِي بَيْتٍ مَفْرُوشٍ بِالدِّيبَاجِ يَدْعُوهُ
لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ قَالَ : لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ قُلْت : يَا أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ وَالِدُهُ أَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : يَلُفُّ
الْبِسَاطَ مِنْ تَحْتِ رِجْلَيْهِ وَيَدْخُلُهُ .
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وَقَالَ فِي
رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ الْمُقْرِي فِي الرَّجُلِ
يَأْمُرُهُ وَالِدُهُ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ لِيُصَلِّيَ بِهِ قَالَ
يُؤَخِّرُهَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : فَلَوْ كَانَ
تَأْخِيرُهَا لَا يَجُوزُ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ فِي
رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَنْهَاهُ أَبُوهُ عَنْ الصَّلَاةِ
فِي جَمَاعَةٍ قَالَ لَيْسَ طَاعَتُهُ فِي الْفَرْضِ .
وَقَالَ
الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ فُصُولِ الْقُرُبَاتِ
عُقَيْبَ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ فَقَدْ أَمَرَ بِطَاعَةِ
أَبِيهِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَتَرْكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ ،
وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ نُدِبَ إلَى طَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَرْكِ
صَوْمِ النَّفْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً
وَطَاعَةً ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ هَارُونَ الْمَذْكُورَةَ .
وَقَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبِي دَاوُد : إنْ كَانَ لَهُ
أَبَوَانِ يَأْمُرَانِهِ بِالتَّزْوِيجِ أَمَرْته أَنْ يَتَزَوَّجَ ، أَوْ
كَانَ شَابًّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمَرْته أَنْ
يَتَزَوَّجَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي حَجِّ
التَّطَوُّعِ إنَّ لِلْوَالِدِ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ
؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ
الْكِفَايَاتِ ، وَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ ( لَا
يُجَاهِدُ مَنْ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا يَعْنِي
تَطَوُّعًا ) إنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَإِنَّهُ
قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَجَّ
بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ : وَلِأَنَّ بِرَّ
الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفَرْضُ
الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ ، فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ سَقَطَ
إذْنُهُمَا ، وَكَذَلِكَ كُلُّ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ
مَا وَجَبَ كَالْحَجِّ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمَعِ وَالسَّفَرِ
لِلْعِلْمِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ
الْأَبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ .
وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ
أَنَّ التَّطَوُّعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ الْوَالِدَيْنِ كَمَا يَقُولهُ
فِي الْجِهَادِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ اخْتِصَاصُ الْجِهَادِ
بِهَذَا الْحُكْمِ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا
يُسَافِرُ لِمُسْتَحَبٍّ إلَّا بِإِذْنِهِ كَسَفَرِ الْجِهَادِ .
وَأَمَّا
مَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُهُ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَعْتَبِرُهُ وَلَا
وَجْهَ لَهُ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَتَوَجَّهُ
أَنْ يُرَادَ بِالسَّفَرِ مَا فِيهِ خَوْفٌ كَالْجِهَادِ مَعَ أَنَّ
الْجِهَادَ يُرَادُ بِهِ الشَّهَادَةُ ، وَمِثْلُهُ الدُّخُولُ فِيمَا
يُخَافُ فِي الْحَضَرِ كَإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِهَذَا
ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَدِينِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ
بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي
الرَّجُلِ
يَغْزُو وَلَهُ وَالِدَةٌ قَالَ إذَا أَذِنَتْ لَهُ وَكَانَ لَهُ مَنْ
يَقُومُ بِأَمْرِهَا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد يَظْهَرُ
سُرُورُهَا قَالَ : هَلْ تَأْذَنُ لِي قَالَ إنْ أَذِنَتْ لَك مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهَا وَإِلَّا فَلَا تَغْزُ وَقَالَ
الْمَيْمُونِيُّ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ كَانَ الشَّافِعِيُّ
يَقُولُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ قَالَ لَا أَدْرِي قُلْت : فَمَالِكٌ
قَالَ : وَلَا أَدْرِي قُلْت : فَتَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فَرْضٌ
قَالَ : لَا أَعْلَمُهُ قُلْت : مَا تَقُولُ أَنْتَ فَرْضٌ قَالَ : فَرْضٌ
؟ هَكَذَا وَلَكِنْ أَقُولُ وَاجِبٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً .
ثُمَّ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَلَا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } وَقَالَ { : أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك } .
قَالَ
الْمَيْمُونِيُّ قَالَ : عَلِيٌّ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ { سَأَلْت
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ
؟ قَالَ : الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ }
وَيَقُولُ فِي الْجِهَادِ : { الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ
رِجْلَيْهَا } وَيَقُولُ : { ارْجِعْ فَأَضْحِكْهُمَا مِنْ حَيْثُ
أَبْكَيْتَهُمَا } قُلْت : فِيهِ تَغْلِيظٌ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ قَالَ
: نَعَمْ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَ
السَّبَقِ وَالرَّمْيِ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ
فَرْضٌ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِرَّ الْجَدِّ فَرْضٌ ، كَذَا قَالَ ،
وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاجِبٌ .
وَنَقْلُ الْإِجْمَاعِ فِي
الْجَدِّ فِيهِ نَظَرٌ ، وَلِهَذَا عِنْدَنَا يُجَاهِدُ الْوَلَدُ وَلَا
يَسْتَأْذِنُ الْجَدَّ وَإِنْ سَخِطَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةُ الْكَبَائِرِ .
وَكَذَا
ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَكْحُولٍ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي
الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ مَنْ أَغْضَبَ وَالِدَيْهِ
وَأَبْكَاهُمَا يَرْجِعُ فَيُضْحِكُهُمَا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ : رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ { : جَاءَ
رَجُلٌ
إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَبَايَعَهُ فَقَالَ : جِئْت لِأُبَايِعَك عَلَى الْجِهَادِ وَتَرَكْت
أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ : ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا
أَبْكَيْتَهُمَا } وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَعْدَ قَوْلِ
أَبِي بَكْرٍ : هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يَبْرَأَ فِي جَمِيعِ
الْمُبَاحَاتِ فَمَا أَمَرَاهُ ائْتَمَرَ وَمَا نَهَيَاهُ انْتَهَى ،
وَهَذَا فِيمَا كَانَ مَنْفَعَةً لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ
ظَاهِرٌ مِثْلُ تَرْكِ السَّفَرِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ عَنْهُمَا نَاحِيَةً
.
وَاَلَّذِي يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يُسْتَضَرُّ هُوَ
بِطَاعَتِهِمَا فِيهِ قِسْمَانِ : قِسْمٌ يَضُرُّهُمَا تَرْكُهُ فَهَذَا
لَا يُسْتَرَابُ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِيهِ ، بَلْ عِنْدَنَا هَذَا
يَجِبُ لِلْجَارِ .
وَقِسْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ
أَيْضًا طَاعَتُهُمَا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ ، فَأَمَّا مَا
كَانَ يَضُرُّهُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُمَا فِيهِ
لَكِنْ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ ، وَإِنَّمَا لَمْ
يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ مِنْ
الطَّهَارَةِ وَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تَسْقُطُ بِالضَّرَرِ
فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا بَنَيْنَا
أَمْرَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّا جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ مَا لَهُ مَا لَمْ
يَضُرُّهُ ، فَأَخْذُ مَنَافِعِهِ كَأَخْذِ مَالِهِ ، وَهُوَ مَعْنَى
قَوْلِهِ : { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ
بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ .
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
: نُصُوصُ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ
الْفَرْضِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي عَدَمِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ
تَأْخِيرِ الْحَجِّ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ
تَسْأَلُهُ أُمُّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مِلْحَفَةً لِلْخُرُوجِ قَالَ :
إنْ كَانَ خُرُوجُهَا فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ
مَرِيضٍ أَوْ جَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ لِأَمْرٍ وَاجِبٍ لَا بَأْسَ ، وَإِنْ
كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يُعِينُهَا عَلَى الْخُرُوجِ وَقَالَ فِي
رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ لَهُ إنْ أَمَرَنِي أَبِي
بِإِتْيَانِ السُّلْطَانِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ قَالَ لَا .
وَذَكَرَ
أَبُو الْبَرَكَاتِ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ
مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ ، وَكَذَا الْمُكْرِي وَالزَّوْجُ
وَالسَّيِّدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ ،
وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا
تَأَكَّدَ شَرْعًا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ فَلَا يُطِيعُهُ
فِيهِ ، وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ لَا يُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ
نَفْلٍ مُؤَكَّدٍ كَطَلَبِ عِلْمٍ لَا يَضُرُّهُمَا بِهِ وَتَطْلِيقِ
زَوْجَةٍ بِرَأْيٍ مُجَرَّدٍ قَالَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { :
لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } وَطَلَاقُ زَوْجَتِهِ لِمُجَرَّدِ هَوًى
ضَرَرٌ بِهَا وَبِهِ .
وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ وُجُوبُ طَاعَةِ
الْوَالِدِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النَّظْمِ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ السَّابِقِ فِي قَوْلُهُ :
وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ لِأَنَّ الْكَافِرَيْنِ لَا تَجِبُ
طَاعَتُهُمَا وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا إذْنَ
لَهُمَا فِي الْجِهَادِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَمْ لَا ، وَيُعَامِلُهُمَا
بِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ اتِّبَاعًا لِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَالَتْ
أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { جَاءَتْنِي
أُمِّي مُشْرِكَةً فَسَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَصِلُهَا قَالَ نَعَمْ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَى
الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَدْ
ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ
الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ .
فَأَمَرَهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَقْبَلَ
هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا .
قَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : وَهَذِهِ الْآيَةُ رُخْصَةٌ
فِي صِلَةِ الَّذِينَ لَمْ يَنْصِبُوا الْحَرْبَ لِلْمُسْلِمِينَ
وَجَوَازِ بِرِّهِمْ وَإِنْ كَانَتْ الْمُوَالَاةُ مُنْقَطِعَةً ،
وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ نَسْخُهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا آيَةُ السَّيْفِ
.
قَالَ : وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : لَا وَجْهَ لَهُ ؛ لِأَنَّ بِرَّ
الْمُؤْمِنِينَ الْمُحَارِبِينَ قَرَابَةً كَانُوا أَوْ غَيْرَ قَرَابَةٍ
لَا يَحْرُمُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَقْوِيَةٌ عَلَى الْحَرْبِ
بِكُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ ، أَوْ دَلَالَةٌ عَلَى عَوْرَةِ أَهْلِ
الْإِسْلَامِ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ .
وَلَنَا قَوْلٌ لَا تَصِحُّ
الْوَصِيَّةُ لِحَرْبِيٍّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَاحْتَجَّ
فِي الْمُغْنِي عَلَيْهِمْ بِإِهْدَاءِ عُمَرَ الْحُلَّةَ الْحَرِيرَ إلَى
أَخِيهِ الْمُشْرِكِ وَبِحَدِيثِ أَسْمَاءَ قَالَ : وَهَذَانِ فِيهِمَا
صِلَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَبِرُّهُمْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي
حَدِيثِ أَسْمَاءَ وَفِيهِ جَوَازُ صِلَةِ الْقَرِيبِ الْمُشْرِكِ
وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ طَاعَةُ
الْكَافِرِ كَالْمُسْلِمِ لَا سِيَّمَا فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ
وَالطَّاعَاتِ وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَكِنْ يُعَامَلُ بِمَا ذَكَرَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَا سَبِيلَ لِلْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ إلَى
مَنْعِهِ مِنْ الْجِهَادِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَطَاعَتُهُمَا
حِينَئِذٍ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ مَعُونَةٌ لِلْكُفَّارِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ
أَنْ يَبَرَّهُمَا وَيُطِيعَهُمَا فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ ، كَذَا
قَالَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا عَلَى سَبِيلِ
الِاسْتِحْبَابِ .
وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ : إنَّ
لِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعَ بِزَوْجَتِهِ مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ
الْفَرَائِضِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا .
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وَقَالَ حَنْبَلٌ سَمِعْت
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَسُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَصُومُ فَيَمْنَعُهَا
زَوْجُهَا تَرَى لَهَا أَنْ تَصُومَ ؟ قَالَ : لَا تَصُومُ وَلَا تُحْدِثُ
فِي نَفْسِهَا مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا ،
إلَّا الْوَاجِبَ الْفَرْضَ ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَصُومُ إلَّا
بِإِذْنِهِ وَتُطِيعُهُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ
: وَتُطِيعُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَهَا بِهِ مِنْ الطَّاعَةِ .
وَقَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَبْدِ
يُرْسِلُهُ مَوْلَاهُ فِي حَاجَةٍ فَتَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ قَالَ : إذَا
عَلِمَ أَنَّهُ إذَا قَضَى حَاجَةَ مَوْلَاهُ أَصَابَ مَسْجِدًا يُصَلِّي
فِيهِ قَضَى حَاجَةَ مَوْلَاهُ ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ
مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ صَلَّى ثُمَّ قَضَى حَاجَةَ مَوْلَاهُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ : إنْ وَجَدَ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ
قَضَى حَاجَةَ مَوَالِيهِ وَإِنْ صَلَّى فَلَا بَأْسَ .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ الْإِغْضَاءُ عَنْ زَلَّاتِ
الْوَالِدَيْنِ يَجِبُ الْإِغْضَاءُ عَنْ زَلَّاتِ الْقُرُونِ
الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { : خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } وَإِذَا شَبَّهْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ يَجِبُ
تَوْقِيرُهُمْ وَاحْتِرَامُهُمْ كَمَا فِي الْوَالِدَيْنِ .
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ أَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فَرْضٌ
فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْآخَرُونَ بِالْإِجْمَاعِ .
وَلَعَلَّ مُرَادَ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ مَا يَرْجِعُ إلَى
السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ .
وَقَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الطَّاعَةِ
، وَتَحْرُمُ فِي الْمَعْصِيَةِ .
وَتُسَنُّ
فِي الْمَسْنُونِ ، وَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ ، وَلَا نِزَاعَ أَنَّهُ
يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ طَاعَةُ سَيِّدِهِ فَلَوْ قُلْنَا لَيْسَتْ
صَلَاةُ الْجُمُعَةِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْهُ وَإِنْ
أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ مَا لَا
يَجِبُ بِالشَّرْعِ لَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ عَلَى
وَجْهِ التَّعَبُّدِ كَالنَّوَافِلِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْمَعَالِي ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّ الْإِمَامَ
لَوْ نَذَرَ الِاسْتِسْقَاءَ مِنْ الْجَدْبِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَيْسَ
لَهُ أَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ نَذْرَهُ
انْعَقَدَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَهُمْ .
وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ
يَأْمُرُ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا عَلَى
السَّارِقِ
أَنْ يَلُوا قَطْعَ يَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَيْسَ هَذَا بِوَاجِبٍ بَلْ
طَاعَةُ الْإِمَامِ أَوْ الْأَمِيرِ فِي هَذَا وَاجِبَةٌ ؛ لِأَنَّهُ
أَمْرٌ بِمَشْرُوعٍ وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَاوِيُّ فِي قَوْلِ
مَرْوَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ : عَزَمْت عَلَيْك إلَّا
مَا ذَهَبْت إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَدَدْت عَلَيْهِ مَا يَقُولُ .
يَعْنِي مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ .
قَالَ
: أَيْ أَمَرْتُك أَمْرًا جَازِمًا عَزِيمَةً مُجْتَمِعَةً ، وَأَمْرُ
وُلَاةِ الْأُمُورِ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَقَالَ فِي
قَوْلِ عَمَّارٍ لَمَّا حَدَّثَ بِتَيَمُّمِ الْجُنُبِ وَقَالَ لَهُ
عُمَرُ : اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ .
قَالَ : إنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ .
مَعْنَى
قَوْلِ عُمَرَ تَثَبَّتْ فَلَعَلَّك نَسِيت أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْك ،
وَمَعْنَى قَوْلِ عَمَّارٍ إنْ رَأَيْتَ الْمَصْلَحَةَ فِي إمْسَاكِي عَنْ
التَّحْدِيثِ بِهِ رَاجِحَةً مَصْلَحَةَ تَحْدِيثِي أَمْسَكْتُ فَإِنَّ
طَاعَتَك وَاجِبَةٌ عَلَيَّ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ .
وَأَصْلُ تَبْلِيغِ هَذِهِ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ قَدْ حَصَلَ .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ تَحْدِيثًا
شَائِعًا .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَعَنْ
ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ
الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ
فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ } .
وَعَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي
الْمَعْرُوفِ } مُخْتَصَرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ أُخِذَ
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى ظَاهِرِهِ تَوَجَّهَ أَنْ تُخَرَّجَ
مَسْأَلَتُهُ بِمَا لَوْ أُمِرَ بِالصِّيَامِ لِأَجْلِ الِاسْتِسْقَاءِ
هَلْ يَجِبُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا وَجَبَ الْعُشْرُ عَلَى فَلَّاحٍ أَوْ غَيْرِهِ
وَأَمَرَ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِصَرْفِهِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ
وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْتَنِعَ
مِنْ ذَلِكَ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَيَنْبَغِي احْتِرَامُ
الْمُعَلِّمِ وَالتَّوَاضُعُ لَهُ ، وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ
مَعْرُوفٌ وَيَأْتِي ذَلِكَ بَعْدَ نَحْوِ كُرَّاسٍ فِي الْفُصُولِ
الْمُتَعَلِّقَةِ بِفَضَائِلَ أَحْمَدَ وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ
فِي الْعِلْمِ وَالْعَالِمِ وَبَعْدَ فُصُولِ آدَابِ الْإِنْسَانِ فِيمَنْ
مَشَى مَعَ إنْسَانٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ
قَبْلَ السَّبَقِ وَالرَّمْيِ فِي الْإِجْمَاعِ : اتَّفَقُوا عَلَى
إيجَابِ تَوْقِيرِ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ وَالنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ وَالْفَاضِلُ
وَالْعَالِمُ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي كِتَابِهِ فَاتِحَةِ
الْعِلْمِ أَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْوَالِدِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ
لِتَحْصِيلِ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ ، وَالْوَالِدُ سَبَبٌ لِحُصُولِ
الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ وَعَلَى هَذَا تَجِبُ طَاعَتُهُ وَتَحْرُمُ
مُخَالَفَتُهُ ، وَأَظُنُّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْعِلْمِ لَا مُطْلَقًا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْمُشْتَبَهِ فِيهِ
وَحُكْمِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْ الْحَرَامِ ) .
هَلْ
تَجِبُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ فِي تَنَاوُلِ الْمُشْتَبَهِ وَهُوَ مَا
بَعْضُهُ حَلَالٌ وَبَعْضُهُ حَرَامٌ ؟ يَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةِ
تَحْرِيمِ تَنَاوُلِهِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ فِي الْمَذْهَبِ ( أَحَدُهُمَا
) التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا قَطَعَ بِهِ شَرَفُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ
الْوَهَّابِ فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَخَبِ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ بَابِ
الصَّيْدِ .
وَعَلَّلَ الْقَاضِي وُجُوبَ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ
الْحَرْبِ بِتَحْرِيمِ الْكَسْبِ عَلَيْهِ هُنَاكَ لِاخْتِلَاطِ
الْأَمْوَالِ لِأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَوَضْعِهِ فِي غَيْرِ
حَقِّهِ قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
كَمَا قُلْنَا فِي اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي الطَّاهِرَةِ بِالنَّجِسَةِ ،
وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ
اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ
يَأْكُلَ مِنْهُ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ الَّذِي يَتَعَامَلُ بِالرِّبَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ قَالَ : لَا ،
قَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ
الرِّبَا وَمُوكِلَهُ ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْحَلَالُ
بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا
يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ
اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ
فِي الْحَرَامِ } .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ : إذَا دَخَلْت عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ
وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ .
.
وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ
مَرْفُوعًا { دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
( وَالثَّانِي ) إنْ زَادَ الْحَرَامُ عَلَى الثُّلُثِ حَرُمَ الْأَكْلُ
وَإِلَّا فَلَا ،
قَدَّمَهُ
فِي الرِّعَايَةِ لِأَنَّ الثُّلُثَ ضَابِطٌ فِي مَوَاضِعَ ( وَالثَّالِثُ
) إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ الْحَرَامَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا إقَامَةَ
لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ ، قَطَعَ
بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ أَنَّهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ .
وَقَدْ نَقَلَ الْأَثْرَمُ
وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَنْ وَرِثَ مَالًا
يَنْبَغِي إنْ عَرَفَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَنْ يَرُدَّهُ وَإِذَا كَانَ
الْغَالِبُ فِي مَالِهِ الْفَسَادَ تَنَزَّهَ عَنْهُ أَوْ نَحْوُ هَذَا ،
وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ فِي الرَّجُلِ يَخْلُفُ مَالًا إنْ كَانَ
غَالِبُهُ نَهْبًا أَوْ رِبًا يَنْبَغِي لِوَارِثِهِ أَنْ يَتَنَزَّهَ
عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُعْرَفُ ، وَنَقَلَ عَنْهُ
أَيْضًا هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ وَرَثَةِ إنْسَانٍ مَالًا
مُضَارَبَةً يَنْفَعُهُمْ وَيَنْتَفِعُ قَالَ إنْ كَانَ غَالِبَهُ
الْحَرَامُ فَلَا .
( وَالرَّابِعُ ) عَدَمُ التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا
قَلَّ الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ وَقَدَّمَهُ
غَيْرُ وَاحِدٍ لَكِنْ يُكْرَهُ ، وَتَقْوَى الْكَرَاهَةُ وَتَضْعُفُ
بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ .
قَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ
وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا { إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ
عَنْهُ وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا مِنْ شَرَابِهِ فَلْيَشْرَبْ مِنْ
شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَرَوَى
جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
كُهَيْلٍ عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ
رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ : لِي جَارٌ يَأْكُلُ الرِّبَا وَلَا يَزَالُ
يَدْعُونِي قَالَ الثَّوْرِيُّ إنْ عَرَفْته بِعَيْنِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ
: وَمُرَادُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَلَامُهُ لَا يُخَالِفُ هَذَا .
وَرَوَى
جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
الزُّبَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : إذَا كَانَ لَك
صَدِيقٌ عَامِلٌ فَدَعَاك إلَى طَعَامٍ فَاقْبَلْهُ
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فَإِنَّ مَهْنَأَهُ لَك وَإِثْمَهُ عَلَيْهِ .
قَالَ
مَعْمَرٌ : وَكَانَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ عَامِلُ الْبَصْرَةِ يَبْعَثُ
إلَى الْحَسَنِ كُلَّ يَوْمٍ بِجِفَانِ ثَرِيدٍ فَيَأْكُلُ مِنْهَا
وَيُطْعِمُ أَصْحَابَهُ .
وَبَعَثَ عَدِيٌّ إلَى الشَّعْبِيِّ وَابْنِ
سِيرِينَ وَالْحَسَنِ فَقَبِلَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَرَدَّ ابْنُ
سِيرِينَ قَالَ : وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ طَعَامِ الصَّيَارِفَةِ فَقَالَ
: قَدْ أَخْبَرَكُمْ اللَّهُ عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ
كَانُوا يَأْكُلُونَ الرِّبَا وَأَحَلَّ لَكُمْ طَعَامَهُمْ .
وَقَالَ
مَنْصُورٌ : قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَرِيفٌ لَنَا يُصِيبُ
مِنْ الظُّلْمِ وَيَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُهُ ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ :
لِلشَّيْطَانِ غَرَضٌ بِهَذَا لِيُوقِعَ عَدَاوَةً ، قَدْ كَانَ
الْعُمَّالُ يَهْمِطُونَ وَيُصِيبُونَ ، ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُجَابُونَ
قُلْت : نَزَلْتُ بِعَامِلٍ فَنَزَّلَنِي وَأَجَازَنِي قَالَ : اقْبَلْ
قُلْت : فَصَاحِبُ رِبًا قَالَ : اقْبَلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ .
قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : الْهَمْطُ الظُّلْمُ وَالْخَبْطُ يُقَالُ هَمَطَ
النَّاسَ فُلَانٌ يَهْمِطُهُمْ حَقَّهُمْ ، وَالْهَمْطُ أَيْضًا الْأَخْذُ
بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَكَمَا لَوْ لَمْ
يَتَيَقَّنْ مُحَرَّمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالِاحْتِمَالِ وَإِنْ
كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى ، وَقَدْ احْتَجَّ لِهَذَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ {
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى تَمْرَةً فِي
الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ
الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي هَذَا
الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا نَظَرٌ ، لَكِنْ إنْ قَوِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ
فَظَنَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ كَآنِيَةِ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَثِيَابِهِمْ ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ
حُكْمُ مُعَامَلَتِهِ وَقَبُولُ ضِيَافَتِهِ وَهَدِيَّتِهِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ :
إنَّهُ يَحْرُمُ الْأَكْثَرُ وَيَجِبُ السُّؤَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
أَكْثَرَ فَالْوَرَعُ التَّفْتِيشُ وَلَا يَجِبُ ، فَإِنْ كَانَ هُوَ
الْمَسْئُولَ وَعَلِمْت أَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي
حُضُورِك وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِ فَلَا تَثِقُ بِقَوْلِهِ
وَيَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ
يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَى الدَّعْوَةِ وَلَوْ
قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ أَنَّ
سَتْرَ الْحِيطَانِ بِسُتُورٍ لَا صُوَرَ فِيهَا أَوْ فِيهَا غَيْرُ
صُوَرِ الْحَيَوَانِ أَنْ تَكُونَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ عَلَى
رِوَايَةِ الْكَرَاهَةِ ، وَسَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ فُصُولِ
الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، وَقَدْ
كَرِهَ مُعَامَلَةَ الْجُنْدِيِّ وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ ، وَقَدْ قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ هَلْ لِلْوَالِدَيْنِ
طَاعَةٌ فِي الشُّبْهَةِ ؟ فَقَالَ فِي مِثْلِ الْأَكْلِ قُلْت : نَعَمْ
قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمَا عَلَيْهَا وَمَا أُحِبُّ أَنْ
يَعْصِيَهُمَا ، يُدَارِيهِمَا ، وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ
عَلَى الشُّبْهَةِ مَعَ وَالِدَيْهِ .
وَذَكَرَ الْمَرُّوذِيُّ لَهُ
قَوْلَ الْفُضَيْلِ : كُلْ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ
، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَمَا يُدْرِيهِ أَيَّهُمَا الْحَرَامُ
؟ وَذَكَرَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ قَوْلَ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَسُئِلَ
هَلْ لِلْوَالِدَيْنِ طَاعَةٌ فِي الشُّبْهَةِ ؟ فَقَالَ : لَا قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا شَدِيدٌ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ :
فَلِلْوَالِدَيْنِ طَاعَةٌ فِي الشُّبْهَةِ ؟ فَقَالَ : إنَّ
لِلْوَالِدَيْنِ حَقًّا قُلْت : فَلَهُمَا طَاعَةٌ فِيهَا قَالَ أُحِبُّ
أَنْ تُعْفِيَنِي ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْهِ
أَشَدَّ مِمَّا يَأْتِي قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إنِّي سَأَلْت
مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ الْعَبَّادَانِيُّ عَنْهَا فَقَالَ لِي : بِرَّ
وَالِدَيْك .
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُقَاتِلٍ قَدْ رَأَيْت مَا قَالَ ، وَهَذَا بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ
قَالَ مَا قَالَ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مَا أَحْسَنَ أَنْ
يُدَارِيَهُمْ .
وَرَوَى الْمَرُّوذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ
أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشُّبْهَةِ فَقَالَ أَطِعْ وَالِدَيْك ، وَسُئِلَ
عَنْهَا بِشْرُ بْنُ
الْحَارِثِ فَقَالَ لَا تُدْخِلْنِي بَيْنَك وَبَيْنَ وَالِدَيْك
.
وَذَكَرَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةَ الْمَرُّوذِيِّ ثُمَّ قَالَ :
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ فِيمَا هُوَ شُبْهَةٌ فَتَعْرِضُ
عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ فَقَالَ : إذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ
فَلَا يَأْكُلُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : مَفْهُومُ هَذِهِ
الرِّوَايَةِ أَنَّهُمَا قَدْ يُطَاعَانِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ
حَرَامٌ ، وَرِوَايَةُ الْمَرُّوذِيِّ فِيهَا أَنَّهُمَا لَا يُطَاعَانِ
فِي الشُّبْهَةِ ، وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْلَا الشُّبْهَةُ
لَوَجَبَ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ يُطَيِّبُ
نَفْسَهُمَا .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَإِنْ أَرَادَ مَنْ مَعَهُ
حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إثْمِ الْحَرَامِ فَنَقَلَ
الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْحَلَالُ
وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الصَّيْدِ وَعَنْ أَحْمَدَ
أَيْضًا إنَّمَا قُلْته فِي دِرْهَمٍ حَرَامٍ مَعَ آخَرَ وَعَنْهُ فِي
عَشَرَةٍ فَأَقَلَّ لَا تُجْحَفُ بِهِ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَأَلْت
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ
مِنْهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَا يَعْرِفُهُ فَقَالَ : لَا يَأْكُلُ مِنْهَا
شَيْئًا حَتَّى يَعْرِفَهُ وَاحْتَجَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ
عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ { أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ
كَلْبًا آخَرَ فَقَالَ : لَا تَأْكُلْ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ كَلْبَك
قَتَلَهُ .
قُلْت لَهُ : فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً فَقَالَ :
ثَلَاثِينَ أَوْ نَحْوَهَا فِيهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ أَخْرِجْ الدِّرْهَمَ
قُلْت : إنَّ بِشْرًا قَالَ تُخْرِجُ دِرْهَمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ } ،
فَقَالَ : بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ قُلْت : لَا بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ
قَالَ : مَا ظَنَنْته إلَّا قَوْلَ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ .
هَذَا
قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي
مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي الطَّاهِرَةِ بِالنَّجِسَةِ : ظَاهِرُ
مَقَالَةِ أَصْحَابِنَا يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَأَبَا عَلِيٍّ النَّجَّادَ
وَأَبَا
إِسْحَاقَ يَتَحَرَّى فِي عَشَرَةٍ طَاهِرَةٍ فِيهَا إنَاءٌ نَجِسٌ
لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ فِيهَا دِرْهَمٌ
حَرَامٌ ، فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ مِنْهَا ،
وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ امْتَنَعَ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ
امْتَنَعَ مِنْ جَمِيعِهَا قَالَ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا حَدًّا
، إنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا كَثُرَ عَادَةً وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ كَلَامَ
أَحْمَدَ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ
قَدْرِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا حَرُمَ
لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ فَإِذَا أَخْرَجَ عِوَضَهُ زَالَ
التَّحْرِيمُ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا فَرَضِيَ
بِعِوَضِهِ فَظَاهِرُ هَذَا ، وَلَوْ عَلِمَ صَاحِبَهُ أَوْ اُسْتُهْلِكَ
فِيهِ كَزَيْتٍ اخْتَلَطَ بِزَيْتٍ وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي
مَسْأَلَة الْأَوَانِي قَدْ قُلْت : إذَا اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَرَامٌ
بِدَرَاهِمَ يَعْزِلُ قَدْرَ الْحَرَامِ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَاقِي
فَقَالَ إذَا كَانَ لِلدَّرَاهِمِ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ
يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مُنْفَرِدًا وَإِلَّا عَزَلَ قَدْرَ
الْحَرَامِ وَتَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إذَا
كَانَ مَعْرُوفًا فَهُوَ شَرِيكٌ مَعَهُ فَهُوَ يَتَوَصَّلُ إلَى
مُقَاسَمَتِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ
أَنَّهُ مَالٌ لِلْفُقَرَاءِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا
اخْتَلَطَ زَيْتٌ حَرَامٌ بِمُبَاحٍ تَصَدَّقَ بِهِ ، هَذَا مُسْتَهْلَكٌ
وَالنَّقْدُ يُتَحَرَّى قَالَهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ أَبِي
طَالِبٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الزَّيْتِ أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ
يَتَصَدَّقَ بِهِ هَذَا غَيْرَ الدَّرَاهِمِ .
وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ
فِي النَّقْدِ أَنَّ الْوَرَعَ تَرْكُ الْجَمِيعِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ
الْوَرَعِ وَمَتَى جَهِلَ قَدْرَ الْحَرَامِ تَصَدَّقَ بِهِ بِمَا
يَرَاهُ
حَرَامًا قَالَهُ أَحْمَدُ فَدَلَّ هَذَا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالظَّنِّ
وَقَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ
مَا لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ خَبِيرٌ ، وَبِأَكْلِ الْحَلَالِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ وَتَلِينُ .
وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِ أَوَّلَ كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَمَآلِ
بَيْتِ الْمَالِ فِي آخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ
لَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ إلْزَامُ الْوَلَدِ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يُرِيدُ
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ لَيْسَ
لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَنْ يُلْزِمَ الْوَلَدَ بِنِكَاحِ مَنْ لَا
يُرِيدُ ، وَإِنَّهُ إذَا امْتَنَعَ لَا يَكُونُ عَاقًّا ، وَإِذَا لَمْ
يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَكْلِ مَا يَنْفِرُ مِنْهُ مَعَ
قُدْرَتِهِ عَلَى أَكْلِ مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُهُ كَانَ النِّكَاحُ
كَذَلِكَ وَأَوْلَى ، فَإِنَّ أَكْلَ الْمَكْرُوهِ مَرَارَةٌ سَاعَةً
وَعِشْرَةَ الْمَكْرُوهِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى طُولٍ تُؤْذِي
صَاحِبَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ فِرَاقُهُ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ
أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ فَعَلَ لَمْ آمُرْهُ أَنْ
يُفَارِقَهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَالِدَانِ يَأْمُرَانِهِ
بِالتَّزْوِيجِ أَمَرْته أَنْ يَتَزَوَّجَ ، وَإِنْ كَانَ شَابًّا يَخَافُ
الْعَنَتَ أَمَرْته أَنْ يَتَزَوَّجَ إذَا قَالَ : فُلَانَةُ فَإِنَّهُ
يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا وَهَذَا مَعَ مَا نَقَلَهُ
الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي
مَسَائِلَ لَهُ فِي الْعُقُودِ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوَرَعِ احْتِيَاطًا
أَنْ لَا يَأْتِيَ الشُّبُهَاتِ { فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ
اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ } ، إلَّا إذَا أَمَرَهُ الشَّارِعُ
بِالتَّزَوُّجِ إمَّا لِحَاجَتِهِ أَوْ لِأَمْرِ أَبَوَيْهِ فَهُنَا إنْ
تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ عَاصِيًا فَلَا تُتْرَكُ الشُّبْهَةُ بِرُكُوبِ
مَعْصِيَةٍ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ إنَّ أَبِي مَاتَ
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَالٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ
أَسْتَوْفِيَهُ قَالَ : أَتَدَعُ ذِمَّةَ أَبِيك مُرْتَهَنَةً ؟ يَعْنِي
أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ فَلَا تُتَّقَى شُبْهَةٌ بِتَرْكِ
وَاجِبٍ .
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فَصْلٌ لَا تَجِبُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ بِطَلَاقِ
امْرَأَتِهِ فَإِنْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَجِبْ ،
ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ سِنْدِيٌّ سَأَلَ رَجُلٌ لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ إنَّ أَبِي يَأْمُرُنِي أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي
قَالَ : لَا تُطَلِّقْهَا قَالَ : أَلَيْسَ عُمَرُ أَمَرَ ابْنَهُ عَبْدَ
اللَّهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ قَالَ حَتَّى يَكُونَ أَبُوك مِثْلَ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ
أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِابْنِ عُمَرَ ، وَنَصِّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ إذَا أَمَرَتْهُ أُمُّهُ بِالطَّلَاقِ لَا
يُعْجِبُنِي أَنْ يُطَلِّقَ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْأَبِ
وَنَصَّ أَحْمَدَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ
لَا يُطَلِّقُ لِأَمْرِ أُمِّهِ فَإِنْ أَمَرَهُ الْأَبُ بِالطَّلَاقِ
طَلَّقَ إذَا كَانَ عَدْلًا وَقَوْلُ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا
يُعْجِبُنِي كَذَا هَلْ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ أَوْ الْكَرَاهَةَ فِيهِ
خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
فِيمَنْ تَأْمُرُهُ أُمُّهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ قَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ
أَنْ يُطَلِّقَهَا ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَبَرَّهَا وَلَيْسَ تَطْلِيقُ
امْرَأَتِهِ مِنْ بِرِّهَا .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
فَصْلٌ ( حُكْمُ أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ الْوَلَدَ بِالزَّوَاجِ
أَوْ بَيْعِ سُرِّيَّتِهِ ) .
قَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إذَا خَافَ الْعَنَتَ أَمَرْته أَنْ
يَتَزَوَّجَ ، وَإِذَا أَمَرَهُ وَالِدُهُ أَمَرْته أَنْ يَتَزَوَّجَ
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ وَاَلَّذِي يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ
لَا يَتَزَوَّجُ أَبَدًا قَالَ إنْ أَمَرَهُ أَبُوهُ تَزَوَّجَ .
قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَأَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ الْمُضَافَ إلَى
النِّكَاحِ ، كَذَا قَالَ ، أَوْ إنْ كَانَ مُزَوَّجًا فَحَلَفَ أَنْ لَا
يَتَزَوَّجَ أَبَدًا سِوَى امْرَأَتِهِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَالِدَاهُ
يَمْنَعَانِهِ مِنْ التَّزَوُّجِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ
رَجُلٌ لِي جَارِيَةٌ وَأُمِّي تَسْأَلُنِي أَنْ أَبِيعَهَا قَالَ :
تَتَخَوَّفُ أَنْ تُتْبِعَهَا نَفْسَك قَالَ : نَعَمْ قَالَ : لَا
تَبِعْهَا قَالَ : إنَّهَا تَقُولُ لَا أَرْضَى عَنْك أَوْ تَبِيعَهَا
قَالَ إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ .
قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِأَنَّهُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ يَبْقَى
إمْسَاكُهَا وَاجِبًا أَوْ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا .
وَمَفْهُومُ
كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ يُطَبِّعُهَا فِي
تَرْكِ التَّزَوُّجِ وَفِي بَيْعِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ
حِينَئِذٍ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ لَا دِينًا وَلَا دُنْيَا وَقَالَ
أَيْضًا قُيِّدَ أَمْرُهُ بِبَيْعِ السُّرِّيَّةِ إذَا خَافَ عَلَى
نَفْسِهِ لِأَنَّ بَيْعَ السُّرِّيَّةِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا ضَرَرَ
عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الثَّمَنَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ
فَإِنَّهُ مُضِرٌّ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا
مُتَّهَمَةٌ فِي الطَّلَاقِ مَا لَا تُتَّهَمُ فِي بَيْعِ السُّرِّيَّةِ .
فَصْلٌ
فِي أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمَا عَنْ الْمُنْكَرِ
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
حَنْبَلٍ إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُعَلِّمُهُ
بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ
وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَقَالَ فِي
رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ يَبِيعَانِ
الْخَمْرَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِمْ وَخَرَجَ عَنْهُمْ .
وَقَالَ
فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ إذَا كَانَ لَهُ أَبَوَانِ
لَهُمَا كَرْمٌ يَعْصِرَانِ عِنَبَهُ وَيَجْعَلَانِهِ خَمْرًا يَسْقُونَهُ
يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا خَرَجَ مِنْ
عِنْدِهِمْ وَلَا يَأْوِي مَعَهُمْ .
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ .
وَذَكَرَ
الْمَرُّوذِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ حِمْصَ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ لَهُ كُرُومٌ يُرِيدُ أَنْ يُعَاوِنَهُ عَلَى
بَيْعِهَا قَالَ إنْ عَلِمْت أَنَّهُ يَبِيعُهَا مِمَّنْ يَعْصِرُهَا
خَمْرًا فَلَا تُعَاوِنُهُ .
فَصْلٌ ( فِي اسْتِئْذَانِ الْأُمِّ لِلْخُرُوجِ مِنْ مَكَانِ
الْمُنْكَرِ ) .
قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ يَرَى الْمُنْكَرَ
وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَهُ قَالَ يَسْتَأْذِنُهَا فَإِنْ أَذِنَتْ
لَهُ خَرَجَ .
فَصْلٌ ( فِي اتِّقَاءِ غَضَبِ الْأُمِّ إذَا سَاعَدَ قَرِيبَهُ
) .
قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَرِيبٍ لِي أَكْرَهُ
نَاحِيَتَهُ يَسْأَلُنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا أَوْ أُسَلِّمَ
لَهُ غَزْلًا ، فَقَالَ : لَا تُعِنْهُ وَلَا تَسْتُرْ لَهُ إلَّا
بِأَمْرِ وَالِدَتِك فَإِنْ أَمَرَتْك فَهُوَ أَسْهَلُ لَعَلَّهَا أَنْ
تَغْضَبَ .
فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ ضَرْبِ الْأَوْلَادِ
بِشَرْطِهِ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْت أَحْمَدَ عَمَّا
يَجُوزُ فِيهِ ضَرْبُ الْوَلَدِ قَالَ : الْوَلَدُ يُضْرَبُ عَلَى
الْأَدَبِ قَالَ وَسَأَلْت أَحْمَدَ هَلْ يُضْرَبُ الصَّبِيُّ عَلَى
الصَّلَاةِ قَالَ إذَا بَلَغَ عَشْرًا وَقَالَ حَنْبَلٌ إنَّ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ الْيَتِيمُ يُؤَدَّبُ وَيُضْرَبُ ضَرْبًا خَفِيفًا .
وَقَالَ
الْأَثْرَمُ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ
الصِّبْيَانَ فَقَالَ : عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ
الضَّرْبَ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَلَا يَضْرِبُهُ وَقَالَ
الْخَلَّالُ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ عَنْ
أَيُّوبَ قَالَ سَأَلْت أَبَا هَاشِمٍ عَنْ الْغُلَامِ يُسَلِّمُهُ
أَبُوهُ إلَى الْكُتَّابِ فَيَبْعَثُهُ الْمُعَلِّمُ فِي غَيْرِ
الْكِتَابَةِ فَمَاتَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهَذَا
يَتَوَجَّهُ عَلَى أَصْلِ مَسْأَلَتِنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ فِيمَنْ اسْتَقْضَى غُلَامَ الْغَيْرِ فِي حَاجَةٍ أَنَّهُ
يَضْمَنُ .
فَصْلٌ ( فِي صِلَةِ الرَّحِمِ وَحَدِّ مَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ
مِنْهَا ) .
قَدْ
تَقَدَّمَ أَنَّ عَلَيْهِ صِلَةَ رَحِمِهِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ أَدْخَلْت
عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ الثَّغْرِ فَقَالَ لِي
قِرَابَةٌ بِالْمَرَاغَةِ فَتَرَى لِي أَنْ أَرْجِعَ إلَى الثَّغْرِ أَوْ
تَرَى أَنْ أَذْهَبَ فَأُسَلِّمَ عَلَى قَرَابَتِي وَإِنَّمَا جِئْت
قَاصِدًا لِأَسْأَلَك ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَدْ رُوِيَ
{ صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ } اسْتَخِرْ اللَّهَ
وَاذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَقَالَ مُثَنَّى قُلْت لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ : الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا
يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَيْشْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ بِرِّهِمْ
وَفِي كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَهُمْ قَالَ : اللُّطْفُ وَالسَّلَامُ .
وَقَدْ
ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ
بِالْمِلْكِ : قَدْ تَوَعَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَطْعِ الْأَرْحَامِ
بِاللَّعْنِ وَإِحْبَاطِ الْعَمَلِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ
يُرِدْ صِلَةَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ وَقَرَابَةٍ إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ
لَوَجَبَ صِلَةُ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ضَبْطِ
ذَلِكَ بِقَرَابَةٍ تَجِبُ صِلَتُهَا وَإِكْرَامُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا
وَتِلْكَ قَرَابَةُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ .
وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ
عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا ، وَلَا عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا
وَأُخْتِهَا فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَّعْتُمْ
أَرْحَامَكُمْ } .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ
إلَّا صِلَةُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ
وَنَصُّ أَحْمَدَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ تَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ مَحْرَمًا
كَانَ أَوْ لَا ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ
لَا يَكْفِي فِي صِلَةِ الرَّحِمِ مُجَرَّدُ السَّلَامِ وَكَلَامُ
أَحْمَدَ مُحْتَمَلٌ .
قَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ : رَجُلٌ لَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ بِأَرْضِ غَصْبٍ تَرَى
أَنْ يَزُورَهُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَزُورُهُمْ وَيُرَاوِدُهُمْ عَلَى
الْخُرُوجِ
مِنْهَا فَإِنْ أَجَابُوا إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَقُمْ
مَعَهُمْ ، وَلَا يَدَعُ زِيَارَتَهُمْ .
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى