صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُسْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } .
وَقَدْ
{ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ
وَشَرْطٍ } وَقَدْ كُنْت أَشْرُطُ الْخِيَارَ لِنَفْسِي فَأَسْتَغْفِرُ
اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ إذَا وَرَدَ وَسَمِعَهُ
الْعَوَامُّ كَانَ نَسْخًا عِنْدَهُمْ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا
الرَّاوِي إذَا كَانَ قَادِرًا أَنْ يُبَيِّنَ خُصُوصَ الْعَامِّ
الْمُخَصَّصِ وَتَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِتَقْيِيدِهِ وَإِلَّا
فَمُخَاطَرَةٌ ، وَرُبَّمَا قَرَأَ نَفْسَ الرَّحْمَنِ مِنْ الْيَمِينِ "
وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ
اعْتَقَدَ ظَاهِرَ هَذَا كَفَرَ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي
كِتَابِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ لَا يَصْلُحُ لِإِيدَاعِ الْأَسْرَارِ
كُلُّ أَحَدٍ وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ وَقَعَ بِكَنْزٍ أَنْ يَكْتُمَهُ
مُطْلَقًا فَرُبَّمَا ذَهَبَ هُوَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالْكَنْزِ ،
وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُخَاطِبَ الْعَوَامَّ
بِكُلِّ عِلْمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ الْخَوَاصَّ بِأَسْرَارِ
الْعِلْمِ لِاحْتِمَالِ هَؤُلَاءِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ أُولَئِكَ ،
وَقَدْ عُلِمَ تَفَاوُتُ الْأَفْهَامِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ
رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ } .
وَقَالَ { وَمَا يَعْقِلُهَا إلَّا
الْعَالِمُونَ } وَقَالَ { اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } الْآيَةَ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } وَقَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ بَثَثْتُ أَحَدَهُمَا وَلَوْ
بَثَثْتُ الْآخَرَ لَقُطِعَ هَذَا الْحُلْقُومُ .
وَهَذَا يُشْكِلُ
فَيُقَالُ كَيْفَ كَتَمَ الْعِلْمَ ؟ وَلَا أَحْسِبُ هَذَا الْمَكْتُومَ
إلَّا مِثْلَ قَوْلِهِ { إذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلَاثِينَ
رَجُلًا جَعَلُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلًا } وَمِثْلَ ذِكْرِ قَتْلِ
عُثْمَانَ وَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ الْفِتَنِ .
وَمِنْ التَّغْفِيلِ تَكَلُّمِ الْقُصَّاصِ عِنْدَ الْعَوَامّ الْجَهَلَةِ بِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي
أَنْ
يُخَاطَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ وَمُخَاطَبَةُ الْعَوَامّ
صَعْبَةٌ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَرَى رَأْيًا يُخَالِفُ فِيهِ
الْعُلَمَاءَ وَلَا يَنْتَهِي .
وَقَدْ رَأَيْنَا أَنَّ امْرَأَةً
قَالَتْ لِوَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا : هَذَا زَوْجِي كَافِرٌ قَالَ
: وَكَيْفَ ؟ قَالَتْ : طَلَّقَنِي بُكْرَةً وَضَاجَعَنِي فِي اللَّيْلِ ،
فَقَالَ : أَنَا أَقْتُلُهُ وَمَا عَلِمَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ
وَأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى ارْتِجَاعِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا ،
أَوْ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوَطْءَ رَجْعَةٌ وَرَأَى رَجُلٌ رَجُلًا
يَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ فَهَمَّ بِقَتْلِهِ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ
مُسَافِرٌ فَالْوَيْلُ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ مُقَاسَاةِ الْجَهَلَةِ .
ثُمَّ
رَوَى بِإِسْنَادِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَا
أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْمًا حَدِيثًا لَمْ تَبْلُغْهُ عُقُولُهُمْ إلَّا
كَانَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِتْنَةً } وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسِرُّ إلَى
قَوْمٍ وَلَا يُحَادِثُ قَوْمًا وَقَالَ عَمَّنْ وَعَظَ الْعَوَامَّ
لِيَحْذَرَ الْخَوْضَ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ ذَلِكَ
لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْفِتَنَ وَرُبَّمَا كَفَّرُوهُ مَعَ كَوْنِهِمْ
جَهَلَةً .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْدَحَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا يَتَعَرَّضَ بِتَخْطِئَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَقَلَّ
أَنْ يَرْجِعَ ذُو هَوًى عَنْ عَصَبِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا
فَمَا يَسْتَفِيدُ مُكَلِّمُ النَّاسِ بِمَا قَدْ رَسَخَ فِي قُلُوبِهِمْ
غَيْرُهُ إلَّا الْبُغْضَ وَالْوَقِيعَةَ فِيهِ فَإِنْ سَأَلَهُ ذُو هَوًى
تَلَطَّفَ فِي الْأَمْرِ وَأَشَارَ لَهُ إلَى الصَّوَابِ ، وَذَكَرْتُ
مَرَّةً أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعَلَوِيِّينَ خَرَجُوا عَلَى
الْخُلَفَاءِ فَعَادَانِي الْعَلَوِيُّونَ وَقُلْتُ مَا أَسْلَمَ أَبُو
طَالِبٍ فَزَادَتْ عَدَاوَتُهُمْ ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْوَاعِظِ أَنْ
يَتَعَرَّضَ لِغَيْرِ الْوَعْظِ فَإِنَّهُ يُعَادَى وَمَا يَتَغَيَّرُ ذُو
عَقِيدَةٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَغْرَاضَ الْعَوَامّ لَا يَقْدِرُ
الْعُلَمَاءُ عَلَى تَغْيِيرِهَا فَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ الْوُعَّاظِ مَنْ
كَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّشَيُّعِ ذُكِرَ يَوْمًا أَنَّ عَلَيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ
يَوْمًا شَرِبَ الْخَمْرَ حِينَ كَانَتْ مُبَاحَةً
فَهَجَرُوهُ وَسَبُّوهُ وَسُئِلَ آخَرُ هَلْ يَسْمَعُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ صَلَاةَ مَنْ يُصَلِّي
عَلَيْهِ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ فَضَجُّوا بِلَعْنَتِهِ .
وَقَالَ
آخَرُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ فَغَضِبَ قَوْمٌ
وَقَالُوا كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مُسْلِمًا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ
مُخَاطَبَةِ مَنْ لَا يَفْهَمُ بِمَا لَا يُحْتَمَلُ .
وَقَدْ جَرَتْ
فِتَنٌ بَيْنَ أَهْلِ الْكَرْخِ وَأَهْلِ بَابِ الْبَصْرَةِ سِنِينَ
قُتِلَ فِيهَا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ
لِمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمْ أَهْوَاءٌ
مَعَ الصَّحَابَةِ فَاسْتَبَاحُوا بِأَهْوَائِهِمْ الْقَتْلَ فَاحْذَرْ
الْعَوَامَّ كُلَّهُمْ وَالْخَلْقَ جُمْلَةً فَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ :
فَسَدَ الزَّمَانُ فَلَا كَرِيمٌ يُرْتَجَى مِنْهُ النَّوَالُ وَلَا
مَلِيحٌ يُعْشَقُ .
فَصْلٌ ( فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلَامِ ) .
قَالَ
أَبُو دَاوُد بَابُ الْهَدْيِ فِي الْكَلَامِ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ يَعْنِي
ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ
عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ يَتَحَدَّثُ يُكْثِرُ أَنْ
يَرْفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ } ابْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ ، ثُمَّ
رَوَى مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرٍ سَمِعْتُ شَيْخًا فِي الْمَسْجِدِ سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : { كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ
اللَّهِ تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ } .
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ
سُفْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ
كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامًا
فَصْلًا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُهُ ، وَقَالَتْ كَانَ يُحَدِّثُنَا
حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ وَقَالَتْ إنَّهُ لَمْ
يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ { إذَا
تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ فَإِذَا
أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ ثَلَاثًا } .
فَصْلٌ كَرَاهَةُ التَّشَدُّقِ فِي الْكَلَامِ .
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ
بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرُ بِلِسَانِهَا } إسْنَادُهُ
جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي يَتَشَدَّقُ فِي الْكَلَامِ
وَيُفَخِّمُ بِهِ لِسَانَهُ وَيَلُفُّهُ كَمَا تَلُفُّ الْبَقَرَةُ
الْكَلَأَ بِلِسَانِهَا لَفًّا ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ مَنِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ
بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الْإِيمَانِ ،
وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ } كُلُّهُمْ
ثِقَاتٌ .
وَفِي أَطْرَافِ الْحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ حَسَّانُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَإِنَّمَا
جُعِلَ الْحَيَاءُ وَهُوَ غَرِيزَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَهُوَ اكْتِسَابٌ
لِأَنَّ الْمُسْتَحْيِي يَنْقَطِعُ بِحَيَائِهِ عَنْ الْمَعَاصِي فَصَارَ
كَالْإِيمَانِ الَّذِي يَقْطَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ، وَإِنَّمَا
جَعَلَهُ بَعْضَهُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَنْقَسِمُ إلَى ائْتِمَارِ مَا
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَانْتِهَاءٍ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .
فَإِذَا
حَصَلَ الِانْتِهَاءُ بِالْحَيَاءِ كَانَ بَعْضَ الْإِيمَانِ ، وَالْعِيُّ
قِلَّةُ الْكَلَامِ ، وَالْبَذَاءُ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ .
وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ
الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا حَسَّانُ بْنُ هِلَالٍ ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ
فَضَالَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ
مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ
أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارِينَ وَالْمُتَشَدِّقِينَ
فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ : الْمُتَكَبِّرُونَ } مُبَارَكٌ ثِقَةٌ
تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ جِهَةِ التَّدْلِيسِ وَقَدْ زَالَ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَرَوَاهُ
بَعْضُهُمْ عَنْ مُبَارَكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ
جَابِرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ رَبِّهِ وَهَذَا أَصَحُّ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ الثَّرْثَارُ الَّذِي يُكْثِرُ الْكَلَامَ تَكَلُّفًا
وَخُرُوجًا عَنْ الْحَقِّ ، وَالثَّرْثَرَةُ كَثْرَةُ الْكَلَامِ
وَتَرْدِيدُهُ .
وَالْمُتَشَدِّقُ الْمُتَوَسِّعُ فِي الْكَلَامِ مِنْ
غَيْرِ احْتِيَاطٍ وَاحْتِرَازٍ ، وَقِيلَ الْمُسْتَهْزِئُ بِالنَّاسِ
يَلْوِي شِدْقَهُ بِهِمْ وَعَلَيْهِمْ قَالَ وَالْمُتَفَيْهِقُ الَّذِي
يَتَوَسَّعُ فِي الْكَلَامِ وَيَفْتَحُ فَاهُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ
الْفَهْقِ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ الِاتِّسَاعُ يُقَالُ أَفْهَقْتُ
الْإِنَاءَ فَفَهِقَ يَفْهَقُ فَهْقًا .
ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي
هَذَا الْبَابِ وَهُوَ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُتَشَدِّقِ فِي الْكَلَامِ
ثَنَا ابْنُ السَّرْحِ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ
تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلَامِ لِيَسْبِيَ بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ أَوْ
النَّاسِ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا
عَدْلًا } عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيِّبِ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ
وَهْبٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَرْفُ الْحَدِيثِ مَا يَتَكَلَّفُهُ
الْإِنْسَانُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا
كُرِهَ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالتَّصَنُّعِ وَلِمَا
يُخَالِطُهُ مِنْ الْكَذِبِ وَالتَّزَيُّدِ .
يُقَالُ فُلَانٌ لَا
يُحْسِنُ صَرْفَ الْكَلَامِ أَيْ فَضْلُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ ، وَهُوَ
مِنْ صَرْفِ الدَّرَاهِمِ وَتَفَاضُلِهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ .
وَالصَّرْفُ التَّوْبَةُ وَقِيلَ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ وَقِيلَ
الْفَرِيضَةُ وَتَكَرَّرَتْ هَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ فِي الْحَدِيثِ .
وَرَوَى
أَيْضًا ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ قَرَأَ فِي
أَصْلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَحَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
ابْنَهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ
عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو طِيبَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ
يَوْمًا وَقَالَ رَجُلٌ فَأَكْثَرَ الْقَوْلَ فَقَالَ عَمْرُو لَوْ قَصَدَ
فِي قَوْلِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { أُمِرْتُ أَنْ أَتَجَوَّزَ فِي
الْقَوْلِ فَإِنَّ الْجَوَازَ هُوَ خَيْرٌ } مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
لَيْسَ بِذَاكَ وَضَمْضَمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّذِينَ يُشَقِّقُونَ الْكَلَامَ تَشْقِيقَ الشِّعْرِ }
رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ
الْمَشْرِقِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا فَقَالَ { إنَّ
مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا أَوْ إنَّ مِنْ بَعْضِ الْبَيَانِ لَسِحْرًا }
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ أَيْ مِنْهُ مَا يَصْرِفُ قُلُوبَ السَّامِعِينَ وَإِنْ
كَانَ غَيْرَ حَقٍّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إنَّ مِنْ الْبَيَانِ مَا
يُكْتَسَبُ بِهِ مِنْ الْإِثْمِ مَا يَكْتَسِبُهُ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ
فَيَكُونُ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْرِضِ
الْمَدْحِ لِأَنَّهُ تُسْتَمَالُ بِهِ الْقُلُوبُ وَيَتَرَضَّى بِهِ
السَّاخِطُ وَيُسْتَنْزَلُ بِهِ الصَّعْبُ .
وَالسِّحْرُ فِي
كَلَامِهِمْ صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ تَأَوَّلَتْهُ طَائِفَةٌ عَلَى الذَّمِّ لِأَنَّ السِّحْرَ
مَذْمُومٌ وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ
الْأَدَبِ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْمَدْحِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
مَدَحَ الْبَيَانَ وَأَضَافَهُ إلَى الْقُرْآنِ .
قَالَ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ حَاجَةٍ فَأَحْسَنَ الْمَسْأَلَةَ فَأَعْجَبَهُ
قَوْلُهُ
فَقَالَ هَذَا وَاَللَّهِ السِّحْرُ الْحَلَالُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ
الْعَبَّاسِ الرُّومِيُّ : وَحَدِيثُهَا السِّحْرُ الْحَلَالُ لَوْ
أَنَّهَا لَمْ تَجْنِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ الْمُتَحَرِّزِ وَقَالَ
الْحَسَنُ الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ وَرَجُلٌ بِلِسَانِهِ
وَرَجُلٌ بِمَالِهِ وَنَظَرَ مُعَاوِيَةُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ ثُمَّ قَالَ مُتَمَثِّلًا : إذَا قَالَ لَمْ
يَتْرُكْ مَقَالًا لِقَائِلٍ مُصِيبٍ وَلَمْ يَثْنِ اللِّسَانَ عَلَى
هُجْرِ يُصَرِّفُ بِالْقَوْلِ اللِّسَانَ إذَا انْتَحَى وَيَنْظُرُ فِي
أَعْطَافِهِ نَظَرَ الصَّقْرِ وَلِحَسَّانٍ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا : إذَا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ مَقَالًا لِقَائِلِ
بِمُلْتَقَطَاتٍ لَا تَرَى بَيْنَهَا فَصْلًا شَفَى وَكَفَى مَا فِي
النُّفُوسِ فَلَمْ يَدَعْ لِذِي إرْبَةٍ فِي الْقَوْلِ جِدًّا وَلَا
هَزْلَا قَالَ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا
فَارِسُ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ حَدَّثَنِي أَبُو
جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي صَخْرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ {
إنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا ، وَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا ، وَإِنَّ
مِنْ الشِّعْرِ حِكَمًا ، وَإِنَّ مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا } فَقَالَ
صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ صَدَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَّا قَوْلُهُ { إنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا } فَالرَّجُلُ
يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلَحْنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ
الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ ،
وَأَمَّا قَوْلُهُ " إنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا " .
فَتَكَلُّفُ
الْعَالِمِ إلَى عِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ فَيُجْهِلُهُ ذَلِكَ ،
وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ الشِّعْرِ حِكَمًا " فَهِيَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ
وَالْأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ بِهَا النَّاسُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ
مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا " فَعَرْضُكَ كَلَامَكَ وَحَدِيثَكَ عَلَى مَنْ
لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَلَا يُرِيدُهُ ، وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { لَا
تُحَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ } وَقَوْلُهُ { لَا تُعْطُوا
الْحِكْمَةَ غَيْرَ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا وَلَا تَمْنَعُوهَا
أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ } قَالَ وَقَدْ ضُرِبَ لِذَلِكَ مَثَلٌ أَنَّهُ
كَتَعْلِيقِ اللَّآلِئِ فِي أَعْنَاقِ الْخَنَازِيرِ وَيَأْتِي بِنَحْوِ
كُرَّاسَةٍ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِمَا لَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُهُمْ
أَبُو جَعْفَرٍ تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو تُمَيْلَةَ وَأَمَّا صَعْصَعَةُ
فَثِقَةٌ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ أَمِيرًا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ
فِي " إنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا " قِيلَ هُوَ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا لَا
يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالنُّجُومِ وَعُلُومِ الْأَوَائِلِ وَيَدْعُ مَا
يَحْتَاجُهُ فِي دِينِهِ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ
وَالْحُكْمُ الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ وَالْقَضَاءُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ
مَصْدَرُ حَكَمَ يَحْكُمُ .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ { إنَّ مِنْ الشِّعْرِ
حِكْمَةً } قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهِيَ الْحِكَمُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ
{ الصَّمْتُ حِكَمٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ } وَقَالَ { إنَّ مِنْ الْقَوْلِ
عَيْلًا } يُقَالُ عِلْتُ الضَّالَّةَ أَعِيلُ عَيْلًا إذَا لَمْ تَدْرِ
أَيَّ جِهَةٍ تَبْغِيهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ لِمَنْ يَطْلُبُ
كَلَامَهُ فَعَرَضَهُ عَلَى مَنْ لَا يُرِيدُهُ .
وَلِلشَّافِعِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا { الشِّعْرُ كَلَامٌ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ
وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ } وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِذِكْرِ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَلِأَحْمَدَ
وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {
لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ خَيْرٌ لَهُ
مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا } وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ { بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يَنْشُدُ فَقَالَ خُذُوا
الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ
أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا }
وَلِأَحْمَدَ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " امْرُؤُ الْقِيسِ
صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَرَاءِ إلَى النَّارِ " .
وَعَنْ الشَّرِيدِ
قَالَ { كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي
الصَّلْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ
فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا قَالَ هِيهِ
حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ فَقَالَ لَقَدْ كَادَ أَنْ يُسْلِمَ
فِي شِعْرِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا { وَلَمَّا
دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ
يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَقُولُ : خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ
سَبِيلِهِ الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ
الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ قَالَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَرَمِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ تَقُولُ الشِّعْرَ قَالَ خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَلَهِيَ
أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ وَقَدْ رَوَى فِي
غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ { أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ
الْقَضَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ } وَهَذَا أَصَحُّ
عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ كَانَتْ
بَعْدَ مَوْتِهِ { وَقَالَ لَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ إنِّي قَدْ
حَمِدْتُ رَبِّي بِمَحَامِدِ مَدْحٍ وَإِيَّاكَ ، فَقَالَ أَمَا إنَّ
رَبَّكَ يُحِبُّ الْمَدْحَ فَهَاتِ مَا امْتَدَحْتَ بِهِ رَبَّكَ عَزَّ
وَجَلَّ فَأَنْشَدْتُهُ فَاسْتَأْذَنَ رَجُل فَاسْتَنْصَتَنِي لَهُ
فَتَكَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَ ، فَأَنْشَدْتُهُ ثُمَّ رَجَعَ
فَاسْتَنْصَتَنِي فَقُلْتُ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ هَذَا رَجُلٌ لَا يُحِبُّ
الْبَاطِلَ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ثَنَا
حَسَنُ بْنُ مُوسَى ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ
زَيْدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
وَأَكْثَرُهُمْ لَيَّنَهُ .
وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى ذِكْرِ مَنْ ضَعَّفَهُ عَقِبَ هَذَا الْخَبَرِ .
وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ
عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْهُ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ
الْمَدِينِيِّ لَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ الْأَسْوَدِ وَعَنْ
الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِحَسَّانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ { اُهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ
مَعَكَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَأَشْفَى .
وَرَوَى
أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ
{ إنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ وَاَلَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْحُ النَّبْلِ } حَدِيثٌ
صَحِيحٌ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ { لَمَّا هَجَانَا
الْمُشْرِكُونَ شَكَوْنَا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : قُولُوا لَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ لَكُمْ
فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نُعَلِّمُهُ إمَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ } مُحَمَّدٌ
لَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً ، وَبَاقِيهِ حَسَنٌ وَسَبَقَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِالْوَعْظِ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
فِي الْإِنْكَارِ عَلَى الْوُلَاةِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا { إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا
غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا
بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ } .
وَفِي
لَفْظِ { سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوَا وَرَوِّحُوا ، وَشَيْئًا مِنْ
الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا } رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ
" الدِّينُ " مَرْفُوع عَلَى
مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَرُوِيَ
مَنْصُوبًا " لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدًا " وَقَوْلُهُ : " إلَّا
غَلَبَهُ " أَيْ غَلَبَهُ الدِّينُ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَالْغَدْوَةُ
أَوَّلُ النَّهَارِ وَالرَّوْحَةُ آخِرُهُ وَالدُّلْجَةُ آخِرُ اللَّيْلِ
وَالْمُرَادُ الْعَمَلُ وَقْتَ النَّشَاطِ وَالْفَرَاغِ كَمَا أَنَّ
الْمُسَافِرَ يَسِيرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِلْيُسْرِ .
وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ
قَالَهَا ثَلَاثًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
الْمُتَنَطِّعُونَ الْمُبَالِغُونَ فِي الْأُمُورِ .
وَرَوَى
أَبُو دَاوُد ( فِي بَابِ الْحَسَدِ ) ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ حَدَّثَهُ
أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي
الْمَدِينَةِ فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : كَانَ يَقُولُ : { لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ
يُشَدِّدْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي
الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا
كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } } إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
عَنْ عَائِشَةَ : { مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ
يَكُنْ إثْمًا وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ
فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ } ، زَادَ مُسْلِمٌ { وَمَا ضَرَبَ شَيْئًا بِيَدِهِ
وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { يَسِّرُوا
وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا } رَوَى أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ
الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ } وَرَوَى
أَيْضًا حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ قَالَ
الْحَنِيفَةُ السَّمْحَةُ } وَذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَثَلُ
الَّذِي يَجْلِسُ لِيَسْمَعَ الْحِكْمَةَ ثُمَّ لَا يُحَدِّثُ عَنْ
صَاحِبٍ إلَّا بِشَرِّ مَا يَسْمَعُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى رَاعِيًا
فَقَالَ يَا رَاعٍ اخْتَرْ لِي شَاةً مِنْ غَنَمِكَ قَالَ : اذْهَبْ
فَخُذْ بِأُذْنِ خَيْرِهَا فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِأُذْنِ كَلْبِ الْغَنَمِ }
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { لَا
يُدْرِكُنِي زَمَانٌ وَلَا تُدْرِكُوا زَمَانًا لَا يُتَّبَعُ فِيهِ
الْعِلْمُ وَلَا يُسْتَحْيَى فِيهِ مِنْ الْحَكِيمِ ، قُلُوبُهُمْ
الْأَعَاجِمُ وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ } .
وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلِيَنْظُرْ مَا
يَتَمَنَّى فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا كُتِبَ لَهُ مِنْ أَمْنِيَّتِهِ }
رَوَاهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
فَصْلٌ ( فِي قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ ) .
سُئِلَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي
رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فَغَضِبَ فَقَالَ : هَذِهِ
مَسْأَلَةُ مُسْلِمٍ ؟ وَغَضِبَ .
وَظَاهِرُهُ الْإِنْكَارُ وَذَكَرَهُ
الْقَاضِي ثُمَّ احْتَجَّ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
لَمَّا رَأَى فِي يَدِ عُمَرَ قِطْعَةً مِنْ التَّوْرَاةِ غَضِبَ وَقَالَ
أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً } ؟ الْحَدِيثَ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَة مُجَالِدٍ وَجَابِرٍ
الْجُعْفِيِّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ وَلِأَنَّهَا كُتُبٌ مُبَدَّلَةٌ
مُغَيَّرَةٌ فَلَمْ تَجُزْ قِرَاءَتُهَا وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا .
قَالَ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَرَتْ بَيْنَ شُيُوخِنَا الْعُكْبَرِيِّينَ فَكَانَ
ابْنُ هُرْمُزَ وَالِدُ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ يَقُصُّ بِهَذِهِ
الْكُتُبِ وَكَانَتْ مُعَرَّبَةً فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ ذَلِكَ وَصَنَّفَ فِيهِ جُزْءًا ذَكَرَ مَا
حَكَيْنَا مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ
رِوَايَةَ ابْنِ أَبِي يَحْيَى النَّاقِدِ قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ
يَقُولُ : الِاشْتِغَالُ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الْقَدِيمَةِ يَقْطَعُ
عَنْ الْعِلْمِ وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَرَ .
وَذَكَرَ أَيْضًا
بِإِسْنَادِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا كَعْبٌ يَقُصُّ .
فَقَالَ
: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ {
مَنْ قَصَّ بِغَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ نَبِيِّهِ فَاضْرِبُوا
رَأْسَهُ } فَمَا رُئِيَ كَعْبٌ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بَعْدُ .
وَبِإِسْنَادِهِ
أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَدِيَّةً ،
فَقَالَتْ : وَلَا حَاجَةَ لِي فِي هَدِيَّتِهِ بَلَغَنِي أَنَّهُ
يَتَتَبَّعُ الْكُتُبَ الْأُوَلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : { أَوَ
لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى
عَلَيْهِمْ } .
ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الْجَامِعِ عِنْدَ الْكَلَامِ
عَلَى
الْقِرَاءَةِ وَالْمُصْحَفِ ، وَسَبَقَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي بَيَانِ
الْكَذِبِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { حَدِّثُوا عَنْ بَنِي
إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ } وَكَلَامُ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُسْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } .
وَقَدْ
{ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ
وَشَرْطٍ } وَقَدْ كُنْت أَشْرُطُ الْخِيَارَ لِنَفْسِي فَأَسْتَغْفِرُ
اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ إذَا وَرَدَ وَسَمِعَهُ
الْعَوَامُّ كَانَ نَسْخًا عِنْدَهُمْ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا
الرَّاوِي إذَا كَانَ قَادِرًا أَنْ يُبَيِّنَ خُصُوصَ الْعَامِّ
الْمُخَصَّصِ وَتَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِتَقْيِيدِهِ وَإِلَّا
فَمُخَاطَرَةٌ ، وَرُبَّمَا قَرَأَ نَفْسَ الرَّحْمَنِ مِنْ الْيَمِينِ "
وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ
اعْتَقَدَ ظَاهِرَ هَذَا كَفَرَ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي
كِتَابِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ لَا يَصْلُحُ لِإِيدَاعِ الْأَسْرَارِ
كُلُّ أَحَدٍ وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ وَقَعَ بِكَنْزٍ أَنْ يَكْتُمَهُ
مُطْلَقًا فَرُبَّمَا ذَهَبَ هُوَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالْكَنْزِ ،
وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُخَاطِبَ الْعَوَامَّ
بِكُلِّ عِلْمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ الْخَوَاصَّ بِأَسْرَارِ
الْعِلْمِ لِاحْتِمَالِ هَؤُلَاءِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ أُولَئِكَ ،
وَقَدْ عُلِمَ تَفَاوُتُ الْأَفْهَامِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ
رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ } .
وَقَالَ { وَمَا يَعْقِلُهَا إلَّا
الْعَالِمُونَ } وَقَالَ { اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } الْآيَةَ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } وَقَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ بَثَثْتُ أَحَدَهُمَا وَلَوْ
بَثَثْتُ الْآخَرَ لَقُطِعَ هَذَا الْحُلْقُومُ .
وَهَذَا يُشْكِلُ
فَيُقَالُ كَيْفَ كَتَمَ الْعِلْمَ ؟ وَلَا أَحْسِبُ هَذَا الْمَكْتُومَ
إلَّا مِثْلَ قَوْلِهِ { إذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلَاثِينَ
رَجُلًا جَعَلُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلًا } وَمِثْلَ ذِكْرِ قَتْلِ
عُثْمَانَ وَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ الْفِتَنِ .
وَمِنْ التَّغْفِيلِ تَكَلُّمِ الْقُصَّاصِ عِنْدَ الْعَوَامّ الْجَهَلَةِ بِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي
أَنْ
يُخَاطَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ وَمُخَاطَبَةُ الْعَوَامّ
صَعْبَةٌ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَرَى رَأْيًا يُخَالِفُ فِيهِ
الْعُلَمَاءَ وَلَا يَنْتَهِي .
وَقَدْ رَأَيْنَا أَنَّ امْرَأَةً
قَالَتْ لِوَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا : هَذَا زَوْجِي كَافِرٌ قَالَ
: وَكَيْفَ ؟ قَالَتْ : طَلَّقَنِي بُكْرَةً وَضَاجَعَنِي فِي اللَّيْلِ ،
فَقَالَ : أَنَا أَقْتُلُهُ وَمَا عَلِمَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ
وَأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى ارْتِجَاعِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا ،
أَوْ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوَطْءَ رَجْعَةٌ وَرَأَى رَجُلٌ رَجُلًا
يَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ فَهَمَّ بِقَتْلِهِ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ
مُسَافِرٌ فَالْوَيْلُ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ مُقَاسَاةِ الْجَهَلَةِ .
ثُمَّ
رَوَى بِإِسْنَادِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَا
أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْمًا حَدِيثًا لَمْ تَبْلُغْهُ عُقُولُهُمْ إلَّا
كَانَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِتْنَةً } وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسِرُّ إلَى
قَوْمٍ وَلَا يُحَادِثُ قَوْمًا وَقَالَ عَمَّنْ وَعَظَ الْعَوَامَّ
لِيَحْذَرَ الْخَوْضَ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ ذَلِكَ
لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْفِتَنَ وَرُبَّمَا كَفَّرُوهُ مَعَ كَوْنِهِمْ
جَهَلَةً .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْدَحَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا يَتَعَرَّضَ بِتَخْطِئَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَقَلَّ
أَنْ يَرْجِعَ ذُو هَوًى عَنْ عَصَبِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا
فَمَا يَسْتَفِيدُ مُكَلِّمُ النَّاسِ بِمَا قَدْ رَسَخَ فِي قُلُوبِهِمْ
غَيْرُهُ إلَّا الْبُغْضَ وَالْوَقِيعَةَ فِيهِ فَإِنْ سَأَلَهُ ذُو هَوًى
تَلَطَّفَ فِي الْأَمْرِ وَأَشَارَ لَهُ إلَى الصَّوَابِ ، وَذَكَرْتُ
مَرَّةً أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعَلَوِيِّينَ خَرَجُوا عَلَى
الْخُلَفَاءِ فَعَادَانِي الْعَلَوِيُّونَ وَقُلْتُ مَا أَسْلَمَ أَبُو
طَالِبٍ فَزَادَتْ عَدَاوَتُهُمْ ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْوَاعِظِ أَنْ
يَتَعَرَّضَ لِغَيْرِ الْوَعْظِ فَإِنَّهُ يُعَادَى وَمَا يَتَغَيَّرُ ذُو
عَقِيدَةٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَغْرَاضَ الْعَوَامّ لَا يَقْدِرُ
الْعُلَمَاءُ عَلَى تَغْيِيرِهَا فَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ الْوُعَّاظِ مَنْ
كَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّشَيُّعِ ذُكِرَ يَوْمًا أَنَّ عَلَيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ
يَوْمًا شَرِبَ الْخَمْرَ حِينَ كَانَتْ مُبَاحَةً
فَهَجَرُوهُ وَسَبُّوهُ وَسُئِلَ آخَرُ هَلْ يَسْمَعُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ صَلَاةَ مَنْ يُصَلِّي
عَلَيْهِ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ فَضَجُّوا بِلَعْنَتِهِ .
وَقَالَ
آخَرُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ فَغَضِبَ قَوْمٌ
وَقَالُوا كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مُسْلِمًا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ
مُخَاطَبَةِ مَنْ لَا يَفْهَمُ بِمَا لَا يُحْتَمَلُ .
وَقَدْ جَرَتْ
فِتَنٌ بَيْنَ أَهْلِ الْكَرْخِ وَأَهْلِ بَابِ الْبَصْرَةِ سِنِينَ
قُتِلَ فِيهَا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ
لِمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمْ أَهْوَاءٌ
مَعَ الصَّحَابَةِ فَاسْتَبَاحُوا بِأَهْوَائِهِمْ الْقَتْلَ فَاحْذَرْ
الْعَوَامَّ كُلَّهُمْ وَالْخَلْقَ جُمْلَةً فَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ :
فَسَدَ الزَّمَانُ فَلَا كَرِيمٌ يُرْتَجَى مِنْهُ النَّوَالُ وَلَا
مَلِيحٌ يُعْشَقُ .
فَصْلٌ ( فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلَامِ ) .
قَالَ
أَبُو دَاوُد بَابُ الْهَدْيِ فِي الْكَلَامِ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ يَعْنِي
ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ
عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ يَتَحَدَّثُ يُكْثِرُ أَنْ
يَرْفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ } ابْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ ، ثُمَّ
رَوَى مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرٍ سَمِعْتُ شَيْخًا فِي الْمَسْجِدِ سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : { كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ
اللَّهِ تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ } .
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ
سُفْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ
كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامًا
فَصْلًا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُهُ ، وَقَالَتْ كَانَ يُحَدِّثُنَا
حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ وَقَالَتْ إنَّهُ لَمْ
يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ { إذَا
تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ فَإِذَا
أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ ثَلَاثًا } .
فَصْلٌ كَرَاهَةُ التَّشَدُّقِ فِي الْكَلَامِ .
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ
بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرُ بِلِسَانِهَا } إسْنَادُهُ
جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي يَتَشَدَّقُ فِي الْكَلَامِ
وَيُفَخِّمُ بِهِ لِسَانَهُ وَيَلُفُّهُ كَمَا تَلُفُّ الْبَقَرَةُ
الْكَلَأَ بِلِسَانِهَا لَفًّا ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ مَنِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ
بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الْإِيمَانِ ،
وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ } كُلُّهُمْ
ثِقَاتٌ .
وَفِي أَطْرَافِ الْحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ حَسَّانُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَإِنَّمَا
جُعِلَ الْحَيَاءُ وَهُوَ غَرِيزَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَهُوَ اكْتِسَابٌ
لِأَنَّ الْمُسْتَحْيِي يَنْقَطِعُ بِحَيَائِهِ عَنْ الْمَعَاصِي فَصَارَ
كَالْإِيمَانِ الَّذِي يَقْطَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ، وَإِنَّمَا
جَعَلَهُ بَعْضَهُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَنْقَسِمُ إلَى ائْتِمَارِ مَا
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَانْتِهَاءٍ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .
فَإِذَا
حَصَلَ الِانْتِهَاءُ بِالْحَيَاءِ كَانَ بَعْضَ الْإِيمَانِ ، وَالْعِيُّ
قِلَّةُ الْكَلَامِ ، وَالْبَذَاءُ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ .
وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ
الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا حَسَّانُ بْنُ هِلَالٍ ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ
فَضَالَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ
مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ
أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارِينَ وَالْمُتَشَدِّقِينَ
فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ : الْمُتَكَبِّرُونَ } مُبَارَكٌ ثِقَةٌ
تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ جِهَةِ التَّدْلِيسِ وَقَدْ زَالَ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَرَوَاهُ
بَعْضُهُمْ عَنْ مُبَارَكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ
جَابِرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ رَبِّهِ وَهَذَا أَصَحُّ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ الثَّرْثَارُ الَّذِي يُكْثِرُ الْكَلَامَ تَكَلُّفًا
وَخُرُوجًا عَنْ الْحَقِّ ، وَالثَّرْثَرَةُ كَثْرَةُ الْكَلَامِ
وَتَرْدِيدُهُ .
وَالْمُتَشَدِّقُ الْمُتَوَسِّعُ فِي الْكَلَامِ مِنْ
غَيْرِ احْتِيَاطٍ وَاحْتِرَازٍ ، وَقِيلَ الْمُسْتَهْزِئُ بِالنَّاسِ
يَلْوِي شِدْقَهُ بِهِمْ وَعَلَيْهِمْ قَالَ وَالْمُتَفَيْهِقُ الَّذِي
يَتَوَسَّعُ فِي الْكَلَامِ وَيَفْتَحُ فَاهُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ
الْفَهْقِ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ الِاتِّسَاعُ يُقَالُ أَفْهَقْتُ
الْإِنَاءَ فَفَهِقَ يَفْهَقُ فَهْقًا .
ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي
هَذَا الْبَابِ وَهُوَ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُتَشَدِّقِ فِي الْكَلَامِ
ثَنَا ابْنُ السَّرْحِ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ
تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلَامِ لِيَسْبِيَ بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ أَوْ
النَّاسِ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا
عَدْلًا } عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيِّبِ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ
وَهْبٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَرْفُ الْحَدِيثِ مَا يَتَكَلَّفُهُ
الْإِنْسَانُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا
كُرِهَ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالتَّصَنُّعِ وَلِمَا
يُخَالِطُهُ مِنْ الْكَذِبِ وَالتَّزَيُّدِ .
يُقَالُ فُلَانٌ لَا
يُحْسِنُ صَرْفَ الْكَلَامِ أَيْ فَضْلُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ ، وَهُوَ
مِنْ صَرْفِ الدَّرَاهِمِ وَتَفَاضُلِهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ .
وَالصَّرْفُ التَّوْبَةُ وَقِيلَ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ وَقِيلَ
الْفَرِيضَةُ وَتَكَرَّرَتْ هَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ فِي الْحَدِيثِ .
وَرَوَى
أَيْضًا ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ قَرَأَ فِي
أَصْلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَحَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
ابْنَهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ
عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو طِيبَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ
يَوْمًا وَقَالَ رَجُلٌ فَأَكْثَرَ الْقَوْلَ فَقَالَ عَمْرُو لَوْ قَصَدَ
فِي قَوْلِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { أُمِرْتُ أَنْ أَتَجَوَّزَ فِي
الْقَوْلِ فَإِنَّ الْجَوَازَ هُوَ خَيْرٌ } مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
لَيْسَ بِذَاكَ وَضَمْضَمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّذِينَ يُشَقِّقُونَ الْكَلَامَ تَشْقِيقَ الشِّعْرِ }
رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ
الْمَشْرِقِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا فَقَالَ { إنَّ
مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا أَوْ إنَّ مِنْ بَعْضِ الْبَيَانِ لَسِحْرًا }
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ أَيْ مِنْهُ مَا يَصْرِفُ قُلُوبَ السَّامِعِينَ وَإِنْ
كَانَ غَيْرَ حَقٍّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إنَّ مِنْ الْبَيَانِ مَا
يُكْتَسَبُ بِهِ مِنْ الْإِثْمِ مَا يَكْتَسِبُهُ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ
فَيَكُونُ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْرِضِ
الْمَدْحِ لِأَنَّهُ تُسْتَمَالُ بِهِ الْقُلُوبُ وَيَتَرَضَّى بِهِ
السَّاخِطُ وَيُسْتَنْزَلُ بِهِ الصَّعْبُ .
وَالسِّحْرُ فِي
كَلَامِهِمْ صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ تَأَوَّلَتْهُ طَائِفَةٌ عَلَى الذَّمِّ لِأَنَّ السِّحْرَ
مَذْمُومٌ وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ
الْأَدَبِ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْمَدْحِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
مَدَحَ الْبَيَانَ وَأَضَافَهُ إلَى الْقُرْآنِ .
قَالَ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ حَاجَةٍ فَأَحْسَنَ الْمَسْأَلَةَ فَأَعْجَبَهُ
قَوْلُهُ
فَقَالَ هَذَا وَاَللَّهِ السِّحْرُ الْحَلَالُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ
الْعَبَّاسِ الرُّومِيُّ : وَحَدِيثُهَا السِّحْرُ الْحَلَالُ لَوْ
أَنَّهَا لَمْ تَجْنِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ الْمُتَحَرِّزِ وَقَالَ
الْحَسَنُ الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ وَرَجُلٌ بِلِسَانِهِ
وَرَجُلٌ بِمَالِهِ وَنَظَرَ مُعَاوِيَةُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ ثُمَّ قَالَ مُتَمَثِّلًا : إذَا قَالَ لَمْ
يَتْرُكْ مَقَالًا لِقَائِلٍ مُصِيبٍ وَلَمْ يَثْنِ اللِّسَانَ عَلَى
هُجْرِ يُصَرِّفُ بِالْقَوْلِ اللِّسَانَ إذَا انْتَحَى وَيَنْظُرُ فِي
أَعْطَافِهِ نَظَرَ الصَّقْرِ وَلِحَسَّانٍ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا : إذَا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ مَقَالًا لِقَائِلِ
بِمُلْتَقَطَاتٍ لَا تَرَى بَيْنَهَا فَصْلًا شَفَى وَكَفَى مَا فِي
النُّفُوسِ فَلَمْ يَدَعْ لِذِي إرْبَةٍ فِي الْقَوْلِ جِدًّا وَلَا
هَزْلَا قَالَ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا
فَارِسُ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ حَدَّثَنِي أَبُو
جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي صَخْرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ {
إنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا ، وَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا ، وَإِنَّ
مِنْ الشِّعْرِ حِكَمًا ، وَإِنَّ مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا } فَقَالَ
صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ صَدَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَّا قَوْلُهُ { إنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا } فَالرَّجُلُ
يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلَحْنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ
الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ ،
وَأَمَّا قَوْلُهُ " إنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا " .
فَتَكَلُّفُ
الْعَالِمِ إلَى عِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ فَيُجْهِلُهُ ذَلِكَ ،
وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ الشِّعْرِ حِكَمًا " فَهِيَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ
وَالْأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ بِهَا النَّاسُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ
مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا " فَعَرْضُكَ كَلَامَكَ وَحَدِيثَكَ عَلَى مَنْ
لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَلَا يُرِيدُهُ ، وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { لَا
تُحَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ } وَقَوْلُهُ { لَا تُعْطُوا
الْحِكْمَةَ غَيْرَ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا وَلَا تَمْنَعُوهَا
أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ } قَالَ وَقَدْ ضُرِبَ لِذَلِكَ مَثَلٌ أَنَّهُ
كَتَعْلِيقِ اللَّآلِئِ فِي أَعْنَاقِ الْخَنَازِيرِ وَيَأْتِي بِنَحْوِ
كُرَّاسَةٍ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِمَا لَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُهُمْ
أَبُو جَعْفَرٍ تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو تُمَيْلَةَ وَأَمَّا صَعْصَعَةُ
فَثِقَةٌ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ أَمِيرًا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ
فِي " إنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا " قِيلَ هُوَ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا لَا
يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالنُّجُومِ وَعُلُومِ الْأَوَائِلِ وَيَدْعُ مَا
يَحْتَاجُهُ فِي دِينِهِ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ
وَالْحُكْمُ الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ وَالْقَضَاءُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ
مَصْدَرُ حَكَمَ يَحْكُمُ .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ { إنَّ مِنْ الشِّعْرِ
حِكْمَةً } قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهِيَ الْحِكَمُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ
{ الصَّمْتُ حِكَمٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ } وَقَالَ { إنَّ مِنْ الْقَوْلِ
عَيْلًا } يُقَالُ عِلْتُ الضَّالَّةَ أَعِيلُ عَيْلًا إذَا لَمْ تَدْرِ
أَيَّ جِهَةٍ تَبْغِيهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ لِمَنْ يَطْلُبُ
كَلَامَهُ فَعَرَضَهُ عَلَى مَنْ لَا يُرِيدُهُ .
وَلِلشَّافِعِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا { الشِّعْرُ كَلَامٌ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ
وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ } وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِذِكْرِ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَلِأَحْمَدَ
وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {
لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ خَيْرٌ لَهُ
مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا } وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ { بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يَنْشُدُ فَقَالَ خُذُوا
الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ
أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا }
وَلِأَحْمَدَ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " امْرُؤُ الْقِيسِ
صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَرَاءِ إلَى النَّارِ " .
وَعَنْ الشَّرِيدِ
قَالَ { كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي
الصَّلْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ
فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا قَالَ هِيهِ
حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ فَقَالَ لَقَدْ كَادَ أَنْ يُسْلِمَ
فِي شِعْرِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا { وَلَمَّا
دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ
يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَقُولُ : خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ
سَبِيلِهِ الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ
الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ قَالَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَرَمِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ تَقُولُ الشِّعْرَ قَالَ خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَلَهِيَ
أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ وَقَدْ رَوَى فِي
غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ { أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ
الْقَضَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ } وَهَذَا أَصَحُّ
عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ كَانَتْ
بَعْدَ مَوْتِهِ { وَقَالَ لَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ إنِّي قَدْ
حَمِدْتُ رَبِّي بِمَحَامِدِ مَدْحٍ وَإِيَّاكَ ، فَقَالَ أَمَا إنَّ
رَبَّكَ يُحِبُّ الْمَدْحَ فَهَاتِ مَا امْتَدَحْتَ بِهِ رَبَّكَ عَزَّ
وَجَلَّ فَأَنْشَدْتُهُ فَاسْتَأْذَنَ رَجُل فَاسْتَنْصَتَنِي لَهُ
فَتَكَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَ ، فَأَنْشَدْتُهُ ثُمَّ رَجَعَ
فَاسْتَنْصَتَنِي فَقُلْتُ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ هَذَا رَجُلٌ لَا يُحِبُّ
الْبَاطِلَ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ثَنَا
حَسَنُ بْنُ مُوسَى ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ
زَيْدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
وَأَكْثَرُهُمْ لَيَّنَهُ .
وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى ذِكْرِ مَنْ ضَعَّفَهُ عَقِبَ هَذَا الْخَبَرِ .
وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ
عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْهُ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ
الْمَدِينِيِّ لَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ الْأَسْوَدِ وَعَنْ
الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِحَسَّانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ { اُهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ
مَعَكَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَأَشْفَى .
وَرَوَى
أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ
{ إنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ وَاَلَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْحُ النَّبْلِ } حَدِيثٌ
صَحِيحٌ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ { لَمَّا هَجَانَا
الْمُشْرِكُونَ شَكَوْنَا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : قُولُوا لَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ لَكُمْ
فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نُعَلِّمُهُ إمَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ } مُحَمَّدٌ
لَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً ، وَبَاقِيهِ حَسَنٌ وَسَبَقَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِالْوَعْظِ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
فِي الْإِنْكَارِ عَلَى الْوُلَاةِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا { إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا
غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا
بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ } .
وَفِي
لَفْظِ { سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوَا وَرَوِّحُوا ، وَشَيْئًا مِنْ
الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا } رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ
" الدِّينُ " مَرْفُوع عَلَى
مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَرُوِيَ
مَنْصُوبًا " لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدًا " وَقَوْلُهُ : " إلَّا
غَلَبَهُ " أَيْ غَلَبَهُ الدِّينُ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَالْغَدْوَةُ
أَوَّلُ النَّهَارِ وَالرَّوْحَةُ آخِرُهُ وَالدُّلْجَةُ آخِرُ اللَّيْلِ
وَالْمُرَادُ الْعَمَلُ وَقْتَ النَّشَاطِ وَالْفَرَاغِ كَمَا أَنَّ
الْمُسَافِرَ يَسِيرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِلْيُسْرِ .
وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ
قَالَهَا ثَلَاثًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
الْمُتَنَطِّعُونَ الْمُبَالِغُونَ فِي الْأُمُورِ .
وَرَوَى
أَبُو دَاوُد ( فِي بَابِ الْحَسَدِ ) ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ حَدَّثَهُ
أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي
الْمَدِينَةِ فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : كَانَ يَقُولُ : { لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ
يُشَدِّدْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي
الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا
كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } } إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
عَنْ عَائِشَةَ : { مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ
يَكُنْ إثْمًا وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ
فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ } ، زَادَ مُسْلِمٌ { وَمَا ضَرَبَ شَيْئًا بِيَدِهِ
وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { يَسِّرُوا
وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا } رَوَى أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ
الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ } وَرَوَى
أَيْضًا حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ قَالَ
الْحَنِيفَةُ السَّمْحَةُ } وَذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَثَلُ
الَّذِي يَجْلِسُ لِيَسْمَعَ الْحِكْمَةَ ثُمَّ لَا يُحَدِّثُ عَنْ
صَاحِبٍ إلَّا بِشَرِّ مَا يَسْمَعُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى رَاعِيًا
فَقَالَ يَا رَاعٍ اخْتَرْ لِي شَاةً مِنْ غَنَمِكَ قَالَ : اذْهَبْ
فَخُذْ بِأُذْنِ خَيْرِهَا فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِأُذْنِ كَلْبِ الْغَنَمِ }
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { لَا
يُدْرِكُنِي زَمَانٌ وَلَا تُدْرِكُوا زَمَانًا لَا يُتَّبَعُ فِيهِ
الْعِلْمُ وَلَا يُسْتَحْيَى فِيهِ مِنْ الْحَكِيمِ ، قُلُوبُهُمْ
الْأَعَاجِمُ وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ } .
وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلِيَنْظُرْ مَا
يَتَمَنَّى فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا كُتِبَ لَهُ مِنْ أَمْنِيَّتِهِ }
رَوَاهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
فَصْلٌ ( فِي قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ ) .
سُئِلَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي
رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فَغَضِبَ فَقَالَ : هَذِهِ
مَسْأَلَةُ مُسْلِمٍ ؟ وَغَضِبَ .
وَظَاهِرُهُ الْإِنْكَارُ وَذَكَرَهُ
الْقَاضِي ثُمَّ احْتَجَّ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
لَمَّا رَأَى فِي يَدِ عُمَرَ قِطْعَةً مِنْ التَّوْرَاةِ غَضِبَ وَقَالَ
أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً } ؟ الْحَدِيثَ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَة مُجَالِدٍ وَجَابِرٍ
الْجُعْفِيِّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ وَلِأَنَّهَا كُتُبٌ مُبَدَّلَةٌ
مُغَيَّرَةٌ فَلَمْ تَجُزْ قِرَاءَتُهَا وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا .
قَالَ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَرَتْ بَيْنَ شُيُوخِنَا الْعُكْبَرِيِّينَ فَكَانَ
ابْنُ هُرْمُزَ وَالِدُ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ يَقُصُّ بِهَذِهِ
الْكُتُبِ وَكَانَتْ مُعَرَّبَةً فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ ذَلِكَ وَصَنَّفَ فِيهِ جُزْءًا ذَكَرَ مَا
حَكَيْنَا مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ
رِوَايَةَ ابْنِ أَبِي يَحْيَى النَّاقِدِ قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ
يَقُولُ : الِاشْتِغَالُ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الْقَدِيمَةِ يَقْطَعُ
عَنْ الْعِلْمِ وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَرَ .
وَذَكَرَ أَيْضًا
بِإِسْنَادِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا كَعْبٌ يَقُصُّ .
فَقَالَ
: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ {
مَنْ قَصَّ بِغَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ نَبِيِّهِ فَاضْرِبُوا
رَأْسَهُ } فَمَا رُئِيَ كَعْبٌ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بَعْدُ .
وَبِإِسْنَادِهِ
أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَدِيَّةً ،
فَقَالَتْ : وَلَا حَاجَةَ لِي فِي هَدِيَّتِهِ بَلَغَنِي أَنَّهُ
يَتَتَبَّعُ الْكُتُبَ الْأُوَلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : { أَوَ
لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى
عَلَيْهِمْ } .
ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الْجَامِعِ عِنْدَ الْكَلَامِ
عَلَى
الْقِرَاءَةِ وَالْمُصْحَفِ ، وَسَبَقَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي بَيَانِ
الْكَذِبِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { حَدِّثُوا عَنْ بَنِي
إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ } وَكَلَامُ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الطَّرِيقَ إلَى الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ .
وَقَالَ
الرَّبِيعُ : مَرَّ الشَّافِعِيُّ بِيُوسُفَ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ يَذْكُرُ
شَيْئًا مِنْ الْحَدِيثِ فَقَالَ : يَا يُوسُفُ تُرِيدُ تَحْفَظُ
الْحَدِيثَ وَتَحْفَظُ الْفِقْهَ هَيْهَاتَ .
وَقَالَ صَاحِبُ
الْمُحِيطِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : أَفْضَلُ الْعُلُومِ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَصْلِ الدِّينِ وَعِلْمِ الْيَقِينِ
مَعْرِفَةُ الْفِقْهِ وَالْأَحْكَامِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْحَلَالِ
وَالْحَرَامِ .
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى قَالَ : قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ :
يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ تَعَلَّمُوا مَعَانِيَ الْحَدِيثِ فَإِنِّي
تَعَلَّمْتُ مَعَانِيَ الْحَدِيثِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ، قَالَ :
فَتَرَكُوهُ وَقَالُوا : عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَمَّنْ ؟ وَقَالَ أَبُو
حَيَّانَ النَّحْوِيُّ الْمُتَأَخِّرُ الْمَشْهُورُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ
لَهُ : وَأَمَّا إنَّ صَاحِبَ تَنَاتِيفٍ وَيَنْظُرُ فِي عُلُومٍ
كَثِيرَةٍ ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَةَ فِي شَيْءٍ
مِنْهَا ، وَقَدْ قَالَ الْعُقَلَاءُ : ازْدِحَامُ الْعُلُومِ مُضِلَّةٌ
لِلْمَفْهُومِ ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ مَنْ بَلَغَ الْإِمَامَةَ مِنْ
الْمُتَقَدِّمِينَ فِي عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ لَا يَكَادُ يَشْتَغِلُ
بِغَيْرِهِ ، وَلَا يُنْسَبُ إلَى غَيْرِهِ وَقَدْ نَظَمْتُ أَبْيَاتًا
فِي شَأْنِ مَنْ يَنْهَزُ بِنَفْسِهِ .
وَيَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْ
الصُّحُفِ بِفَهْمِهِ : يَظُنُّ الْغَمْرُ أَنَّ الْكُتْبَ تَهْدِي أَخَا
فَهْمٍ لِإِدْرَاكِ الْعُلُومِ وَمَا يَدْرِي الْجَهُولُ بِأَنَّ فِيهَا
غَوَامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الْفَهِيمِ إذَا رُمْت الْعُلُومَ بِغَيْرِ
شَيْخٍ ضَلَلْت عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَتَلْتَبِسُ الْعُلُومُ
عَلَيْك حَتَّى تَصِيرَ أَضَلَّ مِنْ تُوِّمَا الْحَكِيمِ أَشَرْت إلَى
قَوْلِ بَعْضِهِمْ : قَالَ حِمَارُ الْحَكِيمِ تُوِّمَا لَوْ أَنْصَفُونِي
لَكُنْت أَرْكَبُ لِأَنَّنِي جَاهِلٌ بَسِيطٌ وَصَاحِبِي جَاهِلٌ
مُرَكَّبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا لَمْ تَكُنْ حَافِظًا وَاعِيًا
فَجَمْعُك لِلْكُتْبِ لَا يَنْفَعُ وَتَحْضُرُ بِالْجَهْلِ فِي مَوْضِعٍ
وَعِلْمُك فِي الْكُتْبِ مُسْتَوْدَعُ وَمَنْ كَانَ فِي
عُمُرِهِ
هَكَذَا يَكُنْ دَهْرَهُ الْقَهْقَرَى يَرْجِعُ وَمِنْ الْمَشْهُورِ :
فَدَعْ عَنْك الْكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا وَلَوْ سَوَّدْت وَجْهَك
بِالْمِدَادِ وَلِلْعُلُومِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهَا وَلِلدَّوَاوِينِ
كُتَّابٌ وَحُسَّابُ .
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَمِنْ
عُلُومِ الْحَدِيثِ مَعْرِفَةُ عِلَلِهِ ، وَذَلِكَ بِجَمْعِ طُرُقِهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : إذَا لَمْ يُجْمَعْ طُرُقُ الْحَدِيثِ
لَمْ يُفْهَمْ ، وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا .
وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : لَأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ الْحَدِيثِ
هُوَ عِنْدِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْتُبَ عِشْرِينَ حَدِيثًا
لَيْسَتْ عِنْدِي ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ عَنْ
الرَّبِيعِ قَالَ : إنَّ مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ضَوْءٌ كَضَوْءِ
النَّهَارِ نَعْرِفُهُ ، وَإِنَّ مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ظُلْمَةٌ
كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ نُنْكِرُهُ ، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قُلْت
لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ : كَيْفَ تَعْرِفُ صَحِيحَ
الْحَدِيثِ مِنْ خَطَئِهِ ؟ فَقَالَ : كَمَا يَعْرِفُ الطَّبِيبُ
الْمَجْنُونَ .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ
ابْنِ مَهْدِيٍّ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ : أَرَأَيْت لَوْ أَتَيْت النَّاقِدَ فَأَرَيْته دَرَاهِمَك ،
فَقَالَ : هَذَا جَيِّدٌ وَهَذَا مَسْتُوقٌ ، وَهَذَا مُبَهْرَجٌ ،
أَكُنْت تَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ ، أَوْ كُنْت تُسَلِّمُ الْأَمْرَ لَهُ ؟
قَالَ : بَلْ كُنْت أُسَلِّمُ الْأَمْرَ إلَيْهِ قَالَ : فَهَذَا كَذَلِكَ
لِطُولِ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالْخِبْرَةِ .
وَعَنْ ابْنِ
مَهْدِيٍّ قَالَ : عِلْمُنَا بِصِلَةِ الْحَدِيثِ كِهَانَةٌ عِنْدَ
الْجَاهِلِ وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي زُرْعَةَ فَقَالَ : مَا الْحُجَّةُ
فِي تَعْلِيلِكُمْ الْحَدِيثَ ؟ فَقَالَ : الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنْ
تَسْأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لَهُ عِلَّةٌ فَأَذْكُرَ عِلَّتَهُ ، ثُمَّ
تَقْصِدَ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ فَتَسْأَلَهُ عَنْهُ
فَيُعَلِّلَهُ ، ثُمَّ تَقْصِدَ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ فَيُعَلِّلَهُ
، ثُمَّ تَنْظُرَ فَإِنْ وَجَدْت بَيْنَنَا اخْتِلَافًا فِي عِلَّتِهِ
فَاعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنَّا تَكَلَّمَ عَلَى مُرَادِهِ ، وَإِنْ
وَجَدْت الْكَلِمَةَ مُتَّفِقَةً فَاعْلَمْ حَقِيقَةَ هَذَا الْعِلْمِ ،
فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَاتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ ، فَقَالَ :
أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ إلْهَامٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمْ .
وَقَالَ
أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ : ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ
ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ سَمِعْت الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : كُنَّا
نَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَنَعْرِضُهُ عَلَى أَصْحَابِنَا كَمَا نَعْرِضُ
الدِّرْهَمَ الْمُزَيَّفَ ، فَمَا عَرَفُوا مِنْهُ أَخَذْنَا وَمَا
أَنْكَرُوا مِنْهُ تَرَكْنَا .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ : كَانَ
إبْرَاهِيمُ صَيْرَفِيَّ الْحَدِيثِ فَكُنْت إذَا سَمِعْت الْحَدِيثَ مِنْ
بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَتَيْته فَعَرَضْته عَلَيْهِ .
وَقَالَ قَبِيصَةُ
بْنُ عُقْبَةَ : رَأَيْت زَائِدَةَ يَعْرِضُ كُتُبَهُ عَلَى سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى رَجُلٍ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ : مَا
لَكَ لَا تَعْرِضُ كُتُبَك عَلَى الْجَهَابِذَةِ كَمَا نَعْرِضُ ؟ وَقَالَ
زَائِدَةُ : كُنَّا نَأْتِي الْأَعْمَشَ فَيُحَدِّثُنَا بِكَثِيرٍ ، ثُمَّ
نَأْتِي سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فَنَذْكُرُ لَهُ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ
فَيَقُولُ : لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ فَنَقُولُ : صَدَقَ
سُفْيَانُ لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ فَنَقُولُ هُوَ
حَدَّثَنَاهُ السَّاعَةَ فَيَقُولُ : اذْهَبُوا فَقُولُوا لَهُ إنْ
شِئْتُمْ فَنَأْتِي الْأَعْمَشَ فَنُخْبِرُهُ ، فَيَقُولُ : صَدَقَ
سُفْيَانُ لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِنَا .
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ :
لَوْلَا الْجَهَابِذَةُ كَثُرَتْ السَّتُّوقُ وَالزُّيُوفُ فِي رُوَاةِ
الشَّرِيعَةِ أَمَا تَحْفَظُ قَوْلَ شُرَيْحٍ : إنَّ لِلْأَثَرِ
جَهَابِذَةً كَجَهَابِذَةِ الْوَرِقِ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ قَالَ
الشَّافِعِيُّ : لَا تَسْتَدِلُّ عَلَى أَكْثَرِ الْحَدِيثِ وَكَذِبِهِ
إلَّا بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ وَكَذِبِهِ ، إلَّا فِي الْخَاصِّ الْقَلِيلِ
مِنْ الْحَدِيثِ ، وَذَلِكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ
فِيهِ بِأَنْ يُحَدِّثَ الْمُحَدِّثُ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مِثْلُهُ ، أَوْ يُخَالِفُهُ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ وَأَكْثَرُ دَلَالَاتٍ
بِالصِّدْقِ مِنْهُ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ
يَحْيَى بْنِ آدَمَ يَعْنِي مَا يَأْتِي فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ
الضَّعِيفِ فِي آدَابِ الدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ ، قَالَ :
وَإِنْ كَانَتْ رُوَاتُهُ ثِقَاتٍ .
فَهُوَ
مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِتَصْدِيقِ مَنْ أَخْبَرَ
عَنْهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ
وَهُوَ ثِقَةٌ ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ وَأَرْسَلَهُ
بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَشْبَهُ ، وَالْخَطَأُ فِي مَرَاسِيلِ الْمَقْبُرِيِّ
مُتَوَهَّمٌ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثَ أُخَرَ
مُعَلَّلَةً ، إلَى أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ
الْكِتَابِ فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسَبَقَ
قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ حَدِيثُ {
يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ } .
فَصْلٌ ( فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ ) .
قَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَمِنْ الْعُلُومِ الَّتِي تَلْزَمُ صَاحِبَ
الْحَدِيثِ مَعْرِفَتُهُ لِلْإِعْرَابِ لِئَلَّا يَلْحَنَ وَلِيُورِدَ
الْحَدِيثَ عَلَى الصِّحَّةِ .
كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ
عَلَى اللَّحْنِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ عَلَى اللَّحْنِ قَالَ :
وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَمَّا
بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ وَتَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ ،
أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، إسْنَادٌ
جَيِّدٌ ، وَرُوِيَ الثَّانِي عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ ، فَذَكَرَهُ ، وَهُوَ
مُنْقَطِعٌ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ
: تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ
فِي الْمُرُوءَةِ ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
وَقَالَ شُعْبَةُ : مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْحَدِيثَ وَلَا
يَتَعَلَّمُ النَّحْوَ مَثَلُ الْبُرْنُسِ لَا رَأْسَ لَهُ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ اللَّحْنُ فِي الْكَلَامِ أَقْبَحُ مِنْ آثَارِ الْجُدَرِيِّ فِي الْوَجْهِ .
وَقَالَ
ابْنُ شُبْرُمَةَ إذَا سَرَّك أَنْ تَعْظُمَ فِي عَيْنِ مَنْ كُنْت فِي
عَيْنِهِ صَغِيرًا ، أَوْ يَصْغُرَ فِي عَيْنِك مَنْ كَانَ فِيهَا
كَبِيرًا ، فَتَعَلَّمْ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُجَرِّئُك عَلَى
الْمَنْطِقِ وَتُدْنِيك مِنْ السُّلْطَانِ قَالَ الشَّاعِرُ : اللَّحْنُ
يَصْلُحُ مِنْ لِسَانِ الْأَلْكَنِ وَالْمَرْءُ تُعْظِمُهُ إذَا لَمْ
يَلْحَنِ وَلَحْنُ الشَّرِيفِ مَحَطَّةٌ مِنْ قَدْرِهِ فَتَرَاهُ يَسْقُطُ
مِنْ لِحَانِ الْأَعْيُنِ وَتَرَى الدَّنِيَّ إذَا تَكَلَّمَ مُعْرِبًا
حَازَ النِّهَايَةَ بِاللِّسَانِ الْمُعْلِنِ وَإِذَا طَلَبْت مِنْ
الْعُلُومِ أَجَلَّهَا فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الْأَلْسُنِ وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ أَنَّ قَائِلَ هَذَا لَوْ كَانَ
مُهْتَدِيًا لَقَالَ : فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الْأَدْيُنِ وَمَا
قَالَهُ
حَقٌّ قَالَ : وَقَالُوا الْعَرَبِيَّةُ تَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ
وَقَالُوا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجِدَ فِي نَفْسِهِ الْكِبَرَ
فَلْيَتَعَلَّمْ النَّحْوَ ، كَذَا قَالَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ
النَّحَّاسُ : وَيُرْوَى أَنَّ الْمَأْمُونَ كَانَ يَتَفَقَّدُ مَا
يَكْتُبُ بِهِ الْكُتَّابُ ، فَيُسْقِطُ مَنْ لَحَنَ ، وَيَحُطُّ
مِقْدَارَ مَنْ أَتَى بِمَا غَيْرُهُ أَجْوَدُ مِنْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ
، فَكَانَ الْكُتَّابُ يُثَابِرُونَ عَلَى النَّحْوِ لَمَّا كَانَ
الرُّؤَسَاءُ يَتَفَقَّدُونَ هَذَا مِنْهُمْ وَيُقَرِّبُونَ الْعُلَمَاءَ
، كَمَا قَالَ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ : جَاءَنِي رَسُولُ الرَّشِيدِ
فَنَهَضْت وَدَخَلْت وَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ ،
وَمُحَمَّدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَأْمُونُ عَنْ يَسَارِهِ ،
وَالْكِسَائِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ يُطَارِحُهُمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ
وَالشِّعْرِ ، فَقَالَ لِي الرَّشِيدُ : كَمْ اسْمٌ { فَسَيَكْفِيكَهُمْ
اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ؟ فَقُلْت : ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْكَافُ
الثَّانِيَةُ اسْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْهَاءُ مَعَ الْمِيمِ اسْمُ الْكُفَّارِ ، قَالَ الرَّشِيدُ : كَذَا
قَالَ الرَّجُلُ ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الْكِسَائِيّ ، ثُمَّ
الْتَفَتَ إلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَفَهِمْت ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ :
فَارْدُدْهُ عَلَيَّ إنْ كُنْت صَادِقًا ، فَرَدَّهُ عَلَى مَا لَفَظْت
بِهِ ، فَقَالَ : أَحْسَنْت أَمْتَعَ اللَّهُ بِك .
ثُمَّ أَقْبَلَ
عَلَيَّ فَقَالَ مَنْ يَقُولُ : نَفْلِقُ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ أَكُفُّنَا
بِأَسْيَافِنَا هَامَ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ فَقُلْت الْفَرَزْدَقُ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : كَيْفَ يَفْلِقُ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ
كَفُّهُ ؟ قُلْت : عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، كَأَنَّهُ قَالَ
نَفْلِقُ بِأَسْيَافِنَا مِنْ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ هَامًا لَمْ
تَنَلْهُ أَكُفُّنَا عَلَى التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ ، فَقَالَ
أَصَبْت ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْكِسَائِيّ فَحَادَثَهُ سَاعَةً ثُمَّ
الْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ : أَعِنْدَك مَسْأَلَةٌ ؟ قُلْت : نَعَمْ ،
لِصَاحِبِ هَذَا الْبَيْتِ قَالَ : هَاتِ ، فَقُلْت :
أَخَذْنَا
بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ
الطَّوَالِعُ قَالَ الرَّشِيدُ : أَفَادَنَا هَذَا الشَّيْخُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ ؟ قَالَا نَعَمْ ، عَلَّمَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ أَنَّ
الْقَمَرَيْنِ هَهُنَا الشَّ
الطَّرِيقَ إلَى الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ .
وَقَالَ
الرَّبِيعُ : مَرَّ الشَّافِعِيُّ بِيُوسُفَ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ يَذْكُرُ
شَيْئًا مِنْ الْحَدِيثِ فَقَالَ : يَا يُوسُفُ تُرِيدُ تَحْفَظُ
الْحَدِيثَ وَتَحْفَظُ الْفِقْهَ هَيْهَاتَ .
وَقَالَ صَاحِبُ
الْمُحِيطِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : أَفْضَلُ الْعُلُومِ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَصْلِ الدِّينِ وَعِلْمِ الْيَقِينِ
مَعْرِفَةُ الْفِقْهِ وَالْأَحْكَامِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْحَلَالِ
وَالْحَرَامِ .
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى قَالَ : قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ :
يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ تَعَلَّمُوا مَعَانِيَ الْحَدِيثِ فَإِنِّي
تَعَلَّمْتُ مَعَانِيَ الْحَدِيثِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ، قَالَ :
فَتَرَكُوهُ وَقَالُوا : عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَمَّنْ ؟ وَقَالَ أَبُو
حَيَّانَ النَّحْوِيُّ الْمُتَأَخِّرُ الْمَشْهُورُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ
لَهُ : وَأَمَّا إنَّ صَاحِبَ تَنَاتِيفٍ وَيَنْظُرُ فِي عُلُومٍ
كَثِيرَةٍ ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَةَ فِي شَيْءٍ
مِنْهَا ، وَقَدْ قَالَ الْعُقَلَاءُ : ازْدِحَامُ الْعُلُومِ مُضِلَّةٌ
لِلْمَفْهُومِ ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ مَنْ بَلَغَ الْإِمَامَةَ مِنْ
الْمُتَقَدِّمِينَ فِي عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ لَا يَكَادُ يَشْتَغِلُ
بِغَيْرِهِ ، وَلَا يُنْسَبُ إلَى غَيْرِهِ وَقَدْ نَظَمْتُ أَبْيَاتًا
فِي شَأْنِ مَنْ يَنْهَزُ بِنَفْسِهِ .
وَيَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْ
الصُّحُفِ بِفَهْمِهِ : يَظُنُّ الْغَمْرُ أَنَّ الْكُتْبَ تَهْدِي أَخَا
فَهْمٍ لِإِدْرَاكِ الْعُلُومِ وَمَا يَدْرِي الْجَهُولُ بِأَنَّ فِيهَا
غَوَامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الْفَهِيمِ إذَا رُمْت الْعُلُومَ بِغَيْرِ
شَيْخٍ ضَلَلْت عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَتَلْتَبِسُ الْعُلُومُ
عَلَيْك حَتَّى تَصِيرَ أَضَلَّ مِنْ تُوِّمَا الْحَكِيمِ أَشَرْت إلَى
قَوْلِ بَعْضِهِمْ : قَالَ حِمَارُ الْحَكِيمِ تُوِّمَا لَوْ أَنْصَفُونِي
لَكُنْت أَرْكَبُ لِأَنَّنِي جَاهِلٌ بَسِيطٌ وَصَاحِبِي جَاهِلٌ
مُرَكَّبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا لَمْ تَكُنْ حَافِظًا وَاعِيًا
فَجَمْعُك لِلْكُتْبِ لَا يَنْفَعُ وَتَحْضُرُ بِالْجَهْلِ فِي مَوْضِعٍ
وَعِلْمُك فِي الْكُتْبِ مُسْتَوْدَعُ وَمَنْ كَانَ فِي
عُمُرِهِ
هَكَذَا يَكُنْ دَهْرَهُ الْقَهْقَرَى يَرْجِعُ وَمِنْ الْمَشْهُورِ :
فَدَعْ عَنْك الْكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا وَلَوْ سَوَّدْت وَجْهَك
بِالْمِدَادِ وَلِلْعُلُومِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهَا وَلِلدَّوَاوِينِ
كُتَّابٌ وَحُسَّابُ .
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَمِنْ
عُلُومِ الْحَدِيثِ مَعْرِفَةُ عِلَلِهِ ، وَذَلِكَ بِجَمْعِ طُرُقِهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : إذَا لَمْ يُجْمَعْ طُرُقُ الْحَدِيثِ
لَمْ يُفْهَمْ ، وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا .
وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : لَأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ الْحَدِيثِ
هُوَ عِنْدِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْتُبَ عِشْرِينَ حَدِيثًا
لَيْسَتْ عِنْدِي ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ عَنْ
الرَّبِيعِ قَالَ : إنَّ مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ضَوْءٌ كَضَوْءِ
النَّهَارِ نَعْرِفُهُ ، وَإِنَّ مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ظُلْمَةٌ
كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ نُنْكِرُهُ ، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قُلْت
لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ : كَيْفَ تَعْرِفُ صَحِيحَ
الْحَدِيثِ مِنْ خَطَئِهِ ؟ فَقَالَ : كَمَا يَعْرِفُ الطَّبِيبُ
الْمَجْنُونَ .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ
ابْنِ مَهْدِيٍّ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ : أَرَأَيْت لَوْ أَتَيْت النَّاقِدَ فَأَرَيْته دَرَاهِمَك ،
فَقَالَ : هَذَا جَيِّدٌ وَهَذَا مَسْتُوقٌ ، وَهَذَا مُبَهْرَجٌ ،
أَكُنْت تَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ ، أَوْ كُنْت تُسَلِّمُ الْأَمْرَ لَهُ ؟
قَالَ : بَلْ كُنْت أُسَلِّمُ الْأَمْرَ إلَيْهِ قَالَ : فَهَذَا كَذَلِكَ
لِطُولِ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالْخِبْرَةِ .
وَعَنْ ابْنِ
مَهْدِيٍّ قَالَ : عِلْمُنَا بِصِلَةِ الْحَدِيثِ كِهَانَةٌ عِنْدَ
الْجَاهِلِ وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي زُرْعَةَ فَقَالَ : مَا الْحُجَّةُ
فِي تَعْلِيلِكُمْ الْحَدِيثَ ؟ فَقَالَ : الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنْ
تَسْأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لَهُ عِلَّةٌ فَأَذْكُرَ عِلَّتَهُ ، ثُمَّ
تَقْصِدَ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ فَتَسْأَلَهُ عَنْهُ
فَيُعَلِّلَهُ ، ثُمَّ تَقْصِدَ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ فَيُعَلِّلَهُ
، ثُمَّ تَنْظُرَ فَإِنْ وَجَدْت بَيْنَنَا اخْتِلَافًا فِي عِلَّتِهِ
فَاعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنَّا تَكَلَّمَ عَلَى مُرَادِهِ ، وَإِنْ
وَجَدْت الْكَلِمَةَ مُتَّفِقَةً فَاعْلَمْ حَقِيقَةَ هَذَا الْعِلْمِ ،
فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَاتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ ، فَقَالَ :
أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ إلْهَامٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمْ .
وَقَالَ
أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ : ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ
ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ سَمِعْت الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : كُنَّا
نَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَنَعْرِضُهُ عَلَى أَصْحَابِنَا كَمَا نَعْرِضُ
الدِّرْهَمَ الْمُزَيَّفَ ، فَمَا عَرَفُوا مِنْهُ أَخَذْنَا وَمَا
أَنْكَرُوا مِنْهُ تَرَكْنَا .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ : كَانَ
إبْرَاهِيمُ صَيْرَفِيَّ الْحَدِيثِ فَكُنْت إذَا سَمِعْت الْحَدِيثَ مِنْ
بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَتَيْته فَعَرَضْته عَلَيْهِ .
وَقَالَ قَبِيصَةُ
بْنُ عُقْبَةَ : رَأَيْت زَائِدَةَ يَعْرِضُ كُتُبَهُ عَلَى سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى رَجُلٍ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ : مَا
لَكَ لَا تَعْرِضُ كُتُبَك عَلَى الْجَهَابِذَةِ كَمَا نَعْرِضُ ؟ وَقَالَ
زَائِدَةُ : كُنَّا نَأْتِي الْأَعْمَشَ فَيُحَدِّثُنَا بِكَثِيرٍ ، ثُمَّ
نَأْتِي سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فَنَذْكُرُ لَهُ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ
فَيَقُولُ : لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ فَنَقُولُ : صَدَقَ
سُفْيَانُ لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ فَنَقُولُ هُوَ
حَدَّثَنَاهُ السَّاعَةَ فَيَقُولُ : اذْهَبُوا فَقُولُوا لَهُ إنْ
شِئْتُمْ فَنَأْتِي الْأَعْمَشَ فَنُخْبِرُهُ ، فَيَقُولُ : صَدَقَ
سُفْيَانُ لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِنَا .
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ :
لَوْلَا الْجَهَابِذَةُ كَثُرَتْ السَّتُّوقُ وَالزُّيُوفُ فِي رُوَاةِ
الشَّرِيعَةِ أَمَا تَحْفَظُ قَوْلَ شُرَيْحٍ : إنَّ لِلْأَثَرِ
جَهَابِذَةً كَجَهَابِذَةِ الْوَرِقِ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ قَالَ
الشَّافِعِيُّ : لَا تَسْتَدِلُّ عَلَى أَكْثَرِ الْحَدِيثِ وَكَذِبِهِ
إلَّا بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ وَكَذِبِهِ ، إلَّا فِي الْخَاصِّ الْقَلِيلِ
مِنْ الْحَدِيثِ ، وَذَلِكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ
فِيهِ بِأَنْ يُحَدِّثَ الْمُحَدِّثُ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مِثْلُهُ ، أَوْ يُخَالِفُهُ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ وَأَكْثَرُ دَلَالَاتٍ
بِالصِّدْقِ مِنْهُ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ
يَحْيَى بْنِ آدَمَ يَعْنِي مَا يَأْتِي فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ
الضَّعِيفِ فِي آدَابِ الدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ ، قَالَ :
وَإِنْ كَانَتْ رُوَاتُهُ ثِقَاتٍ .
فَهُوَ
مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِتَصْدِيقِ مَنْ أَخْبَرَ
عَنْهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ
وَهُوَ ثِقَةٌ ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ وَأَرْسَلَهُ
بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَشْبَهُ ، وَالْخَطَأُ فِي مَرَاسِيلِ الْمَقْبُرِيِّ
مُتَوَهَّمٌ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثَ أُخَرَ
مُعَلَّلَةً ، إلَى أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ
الْكِتَابِ فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسَبَقَ
قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ حَدِيثُ {
يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ } .
فَصْلٌ ( فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ ) .
قَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَمِنْ الْعُلُومِ الَّتِي تَلْزَمُ صَاحِبَ
الْحَدِيثِ مَعْرِفَتُهُ لِلْإِعْرَابِ لِئَلَّا يَلْحَنَ وَلِيُورِدَ
الْحَدِيثَ عَلَى الصِّحَّةِ .
كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ
عَلَى اللَّحْنِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ عَلَى اللَّحْنِ قَالَ :
وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَمَّا
بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ وَتَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ ،
أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، إسْنَادٌ
جَيِّدٌ ، وَرُوِيَ الثَّانِي عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ ، فَذَكَرَهُ ، وَهُوَ
مُنْقَطِعٌ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ
: تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ
فِي الْمُرُوءَةِ ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
وَقَالَ شُعْبَةُ : مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْحَدِيثَ وَلَا
يَتَعَلَّمُ النَّحْوَ مَثَلُ الْبُرْنُسِ لَا رَأْسَ لَهُ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ اللَّحْنُ فِي الْكَلَامِ أَقْبَحُ مِنْ آثَارِ الْجُدَرِيِّ فِي الْوَجْهِ .
وَقَالَ
ابْنُ شُبْرُمَةَ إذَا سَرَّك أَنْ تَعْظُمَ فِي عَيْنِ مَنْ كُنْت فِي
عَيْنِهِ صَغِيرًا ، أَوْ يَصْغُرَ فِي عَيْنِك مَنْ كَانَ فِيهَا
كَبِيرًا ، فَتَعَلَّمْ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُجَرِّئُك عَلَى
الْمَنْطِقِ وَتُدْنِيك مِنْ السُّلْطَانِ قَالَ الشَّاعِرُ : اللَّحْنُ
يَصْلُحُ مِنْ لِسَانِ الْأَلْكَنِ وَالْمَرْءُ تُعْظِمُهُ إذَا لَمْ
يَلْحَنِ وَلَحْنُ الشَّرِيفِ مَحَطَّةٌ مِنْ قَدْرِهِ فَتَرَاهُ يَسْقُطُ
مِنْ لِحَانِ الْأَعْيُنِ وَتَرَى الدَّنِيَّ إذَا تَكَلَّمَ مُعْرِبًا
حَازَ النِّهَايَةَ بِاللِّسَانِ الْمُعْلِنِ وَإِذَا طَلَبْت مِنْ
الْعُلُومِ أَجَلَّهَا فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الْأَلْسُنِ وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ أَنَّ قَائِلَ هَذَا لَوْ كَانَ
مُهْتَدِيًا لَقَالَ : فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الْأَدْيُنِ وَمَا
قَالَهُ
حَقٌّ قَالَ : وَقَالُوا الْعَرَبِيَّةُ تَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ
وَقَالُوا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجِدَ فِي نَفْسِهِ الْكِبَرَ
فَلْيَتَعَلَّمْ النَّحْوَ ، كَذَا قَالَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ
النَّحَّاسُ : وَيُرْوَى أَنَّ الْمَأْمُونَ كَانَ يَتَفَقَّدُ مَا
يَكْتُبُ بِهِ الْكُتَّابُ ، فَيُسْقِطُ مَنْ لَحَنَ ، وَيَحُطُّ
مِقْدَارَ مَنْ أَتَى بِمَا غَيْرُهُ أَجْوَدُ مِنْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ
، فَكَانَ الْكُتَّابُ يُثَابِرُونَ عَلَى النَّحْوِ لَمَّا كَانَ
الرُّؤَسَاءُ يَتَفَقَّدُونَ هَذَا مِنْهُمْ وَيُقَرِّبُونَ الْعُلَمَاءَ
، كَمَا قَالَ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ : جَاءَنِي رَسُولُ الرَّشِيدِ
فَنَهَضْت وَدَخَلْت وَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ ،
وَمُحَمَّدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَأْمُونُ عَنْ يَسَارِهِ ،
وَالْكِسَائِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ يُطَارِحُهُمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ
وَالشِّعْرِ ، فَقَالَ لِي الرَّشِيدُ : كَمْ اسْمٌ { فَسَيَكْفِيكَهُمْ
اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ؟ فَقُلْت : ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْكَافُ
الثَّانِيَةُ اسْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْهَاءُ مَعَ الْمِيمِ اسْمُ الْكُفَّارِ ، قَالَ الرَّشِيدُ : كَذَا
قَالَ الرَّجُلُ ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الْكِسَائِيّ ، ثُمَّ
الْتَفَتَ إلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَفَهِمْت ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ :
فَارْدُدْهُ عَلَيَّ إنْ كُنْت صَادِقًا ، فَرَدَّهُ عَلَى مَا لَفَظْت
بِهِ ، فَقَالَ : أَحْسَنْت أَمْتَعَ اللَّهُ بِك .
ثُمَّ أَقْبَلَ
عَلَيَّ فَقَالَ مَنْ يَقُولُ : نَفْلِقُ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ أَكُفُّنَا
بِأَسْيَافِنَا هَامَ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ فَقُلْت الْفَرَزْدَقُ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : كَيْفَ يَفْلِقُ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ
كَفُّهُ ؟ قُلْت : عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، كَأَنَّهُ قَالَ
نَفْلِقُ بِأَسْيَافِنَا مِنْ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ هَامًا لَمْ
تَنَلْهُ أَكُفُّنَا عَلَى التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ ، فَقَالَ
أَصَبْت ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْكِسَائِيّ فَحَادَثَهُ سَاعَةً ثُمَّ
الْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ : أَعِنْدَك مَسْأَلَةٌ ؟ قُلْت : نَعَمْ ،
لِصَاحِبِ هَذَا الْبَيْتِ قَالَ : هَاتِ ، فَقُلْت :
أَخَذْنَا
بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ
الطَّوَالِعُ قَالَ الرَّشِيدُ : أَفَادَنَا هَذَا الشَّيْخُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ ؟ قَالَا نَعَمْ ، عَلَّمَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ أَنَّ
الْقَمَرَيْنِ هَهُنَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، قَالُوا سِيرَةُ
الْعُمَرَيْنِ يُرِيدُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، كَمَا قِيلَ : مَا
اطَّرَدَ الْأَسْوَدَانِ ، يُرِيدُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قُلْت :
أَزِيدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي السُّؤَالِ قَالَ : زِدْ قُلْت :
فَلِمَ اسْتَحْسَنُوا هَذَا قَالَ : لَمَّا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ مِنْ
جِنْسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشْهَرَ مِنْ الْآخَرِ غَلَبَ
الْأَشْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ أَشْهَرُ عِنْدَ الْعَرَبِ لِأُنْسِهِ
وَكَثْرَةِ بُرُوزِهِمْ فِيهِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ إيَّاهُ دُونَ الشَّمْسِ
فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ ، وَتِلْكَ الْقِصَّةُ فِي قَوْلِهِمْ :
الْعُمْرَانِ لِطُولِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَثْرَةِ الْفُتُوحِ فِيهَا ،
وَكَذَلِكَ اللَّيْلُ لِأَنَّهُمْ فِيهِ أَفْرَغُ ، وَسَمَرُهُمْ فِيهِ
أَكْثَرُ .
قُلْت : أَفِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ هَذَا ؟
قَالَ : مَا أَعْلَمُهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى الْكِسَائِيّ فَقَالَ :
أَتَعْرِفُ فِي هَذَا غَيْرَ مَا قُلْنَاهُ مِمَّا أَفَدْتنَاهُ ؟ قَالَ :
لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهُوَ وَفَاءُ الْمَعْنَى ، فَأَمْسَكَ
عَنِّي قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ : أَتَعْرِفُ فِيهِ أَنْتَ أَكْثَرَ مِنْ
هَذَا قُلْت : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَقِيَتْ الْغَايَةُ
الَّتِي افْتَخَرَ بِهَا قَائِلُ هَذَا الشِّعْرِ قَالَ قُلْت : الشَّمْسُ
أَرَادَ بِهَا إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ ، وَالْقَمَرُ ابْنُ عَمِّك
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنُّجُومُ أَنْتَ
وَالْخُلَفَاءُ مِنْ آبَائِك وَمَنْ يَكُونُ مِنْ وَلَدِك إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ، قَالَ : فَتَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَقَالَ : حَسَنٌ وَاَللَّهِ
، وَالْعِلْمُ كَثِيرٌ لَا يُحَاطُ بِهِ ، وَلَعَلَّ هَذَا الشَّيْخَ لَمْ
يَسْمَعْ هَذَا فَيُفِيدَنَاهُ ، وَإِنَّ هَذَا الْعُمَرِيَّ لَأَبْلَغُ
إلَى غَايَةِ الْفَخْرُ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى الْفَضْلِ بْنِ
الرَّبِيعِ فَقَالَ تَحْمِلُ إلَى مَنْزِلِ الشَّيْخِ عَشَرَةَ آلَافِ
دِرْهَمٍ
مْسُ وَالْقَمَرُ ، قَالُوا سِيرَةُ
الْعُمَرَيْنِ يُرِيدُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، كَمَا قِيلَ : مَا
اطَّرَدَ الْأَسْوَدَانِ ، يُرِيدُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قُلْت :
أَزِيدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي السُّؤَالِ قَالَ : زِدْ قُلْت :
فَلِمَ اسْتَحْسَنُوا هَذَا قَالَ : لَمَّا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ مِنْ
جِنْسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشْهَرَ مِنْ الْآخَرِ غَلَبَ
الْأَشْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ أَشْهَرُ عِنْدَ الْعَرَبِ لِأُنْسِهِ
وَكَثْرَةِ بُرُوزِهِمْ فِيهِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ إيَّاهُ دُونَ الشَّمْسِ
فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ ، وَتِلْكَ الْقِصَّةُ فِي قَوْلِهِمْ :
الْعُمْرَانِ لِطُولِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَثْرَةِ الْفُتُوحِ فِيهَا ،
وَكَذَلِكَ اللَّيْلُ لِأَنَّهُمْ فِيهِ أَفْرَغُ ، وَسَمَرُهُمْ فِيهِ
أَكْثَرُ .
قُلْت : أَفِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ هَذَا ؟
قَالَ : مَا أَعْلَمُهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى الْكِسَائِيّ فَقَالَ :
أَتَعْرِفُ فِي هَذَا غَيْرَ مَا قُلْنَاهُ مِمَّا أَفَدْتنَاهُ ؟ قَالَ :
لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهُوَ وَفَاءُ الْمَعْنَى ، فَأَمْسَكَ
عَنِّي قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ : أَتَعْرِفُ فِيهِ أَنْتَ أَكْثَرَ مِنْ
هَذَا قُلْت : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَقِيَتْ الْغَايَةُ
الَّتِي افْتَخَرَ بِهَا قَائِلُ هَذَا الشِّعْرِ قَالَ قُلْت : الشَّمْسُ
أَرَادَ بِهَا إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ ، وَالْقَمَرُ ابْنُ عَمِّك
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنُّجُومُ أَنْتَ
وَالْخُلَفَاءُ مِنْ آبَائِك وَمَنْ يَكُونُ مِنْ وَلَدِك إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ، قَالَ : فَتَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَقَالَ : حَسَنٌ وَاَللَّهِ
، وَالْعِلْمُ كَثِيرٌ لَا يُحَاطُ بِهِ ، وَلَعَلَّ هَذَا الشَّيْخَ لَمْ
يَسْمَعْ هَذَا فَيُفِيدَنَاهُ ، وَإِنَّ هَذَا الْعُمَرِيَّ لَأَبْلَغُ
إلَى غَايَةِ الْفَخْرُ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى الْفَضْلِ بْنِ
الرَّبِيعِ فَقَالَ تَحْمِلُ إلَى مَنْزِلِ الشَّيْخِ عَشَرَةَ آلَافِ
دِرْهَمٍ
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى