لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية  الجزء السادس عشر Empty كتاب : الآداب الشرعية الجزء السادس عشر {الجمعة 27 مايو - 17:22}


فَتَقَدَّمَ بِهَا مِنْ سَاعَتِهِ .
قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ امْتَنَعَ مِنْ
النَّحْوِيِّينَ مِنْ مُلَازَمَةِ السُّلْطَانِ ، إجْلَالًا لِلْعِلْمِ
وَغِنَى نَفْسٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمَازِنِيُّ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : كَانَ الْخَلِيلُ مِنْ
الزُّهَّادِ الْمُنْقَطِعِينَ إلَى الْعِلْمِ ، وَمِنْ خِيَارِ عِبَادِ
اللَّهِ الْمُتَقَشِّفِينَ فِي الْعِبَادَةِ ، أَرْسَلَ إلَيْهِ
سُلَيْمَانُ بْنُ حُبَيْتٍ الْمُهَلَّبِيُّ لَمَّا وَلِيَ ، فَنَثَرَ
بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِهِ كَثِيرًا وَامْتَنَعَ أَنْ يَأْتِيَهُ وَكَتَبَ
إلَيْهِ : أَبْلِغْ سُلَيْمَانَ أَنِّي عَنْهُ فِي سَعَةٍ وَفِي غِنًى
غَيْرَ أَنِّي لَسْت ذَا مَالِ شُحًّا بِنَفْسِي إنِّي لَا أَرَى أَحَدًا
يَمُوتُ هُزْلًا وَلَا يَبْقَى عَلَى حَالِ وَالرِّزْقُ عَنْ قَدَرٍ لَا
الضَّعْفُ يُنْقِصُهُ وَلَا يَزِيدَنَّ فِيهِ حَوْلُ مُحْتَالِ
وَالرِّزْقُ يَغْشَى أُنَاسًا لَا طَبَاخَ لَهُمْ كَالسَّيْلِ يَغْشَى
أُصُولَ الدِّنْدِنِ الْبَالِي كُلُّ امْرِئٍ بِسَبِيلِ الْمَوْتِ
مُرْتَهَنٌ فَاعْمَلْ لِبَالِك إنِّي شَاغِلٌ بَالِي وَالْفَقْرُ فِي
النَّفْسِ لَا فِي الْمَالِ نَعْرِفُهُ وَمِثْلُ ذَاكَ الْغِنَى فِي
النَّفْسِ لَا الْمَالِ وَأَمَّا الْمَازِنِيُّ ، فَأَشْخَصَهُ الْوَاثِقُ
إلَى سُرَّ مَنْ رَأَى لِأَنَّ جَارِيَةً غَنَّتْ وَرَاءَ سِتَارِهِ
أَظُلَيْمُ إنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلًا أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
فَقَالَ لَهَا الْوَاثِقُ : رَجُلٌ ، فَقَالَتْ : لَا أَقُولُ إلَّا كَمَا
عَلِمْت ، فَقَالَ لِلْفَتْحِ : كَيْفَ هُوَ يَا فَتْحُ ؟ فَقَالَ : هُوَ
خَبَرُ إنَّ كَمَا قُلْت ، فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ : عَلَّمَنِي أَعْلَمُ
النَّاسِ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَازِنِيُّ فَأَمَرَ بِإِشْخَاصِهِ
فَأُشْخِصَ ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى : فَلَقِيَنِي يَعْقُوبُ بْنُ
السِّكِّيتِ فَسَأَلَنِي فَأَجَبْته بِالنَّصْبِ فَقَالَ : فَأَيْنَ
خَبَرُ إنَّ قُلْت ظُلْمُ ، ثُمَّ أَتَى الْمَازِنِيُّ ، فَأَجَابَهُ
بِمَقَالَةِ الْجَارِيَةِ .
قَالَ الْمَازِنِيُّ : قُلْت لِابْنِ
قَادِمٍ وَلِابْنِ سَعْدٍ ، لَمَّا كَابَرَنِي : كَيْفَ تَقُولُ نَفَقَتُك
دِينَارًا أَصْلَحُ مِنْ دِرْهَمٍ ؟ فَقَالَ : دِينَارًا قُلْت :
كَيْفَ
تَقُولُ : ضَرْبُك زَيْدًا خَيْرٌ لَك ؟ فَنَصَبَ ، قُلْت : فَرِّقْ
بَيْنَهُمَا فَانْقَطَعَ ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْوَاثِقِ وَحَضَرَ
ابْنُ السِّكِّيتِ فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ : هَاتِ مَسْأَلَةً فَقُلْت
لِيَعْقُوبَ : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ } .
مَا
وَزْنُهُ مِنْ الْفِعْلِ ؟ قَالَ : نَفْعَلْ ، قَالَ الْوَاثِقُ : غَلِطْت
، ثُمَّ قَالَ لِي : فَسِّرْهُ ، فَقُلْت : نَكْتَلْ تَقْدِيرُهُ
نَفْتَعِلُ نَكْتَيِلُ فَانْقَلَبَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِفَتْحِ مَا
قَبْلَهَا ، فَصَارَ لَفْظُهَا نَكْتَالُ ، فَأُسْكِنَتْ اللَّامُ
لِلْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ ، وَحُذِفَتْ الْأَلِفُ
لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ، فَقَالَ : هَذَا هُوَ الْجَوَابُ ،
فَلَمَّا خَرَجْنَا عَاتَبَنِي يَعْقُوبُ ، فَقُلْت : وَاَللَّهِ مَا
قَصَدْت تَخْطِئَتَك وَلَكِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِي هَيِّنَةَ الْجَوَابِ ،
وَلَمْ أَظُنَّ أَنَّهَا تَعْزُبُ عَلَيْك .
قَالَ : وَحَضَرَ يَوْمًا
آخَرَ وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ فَقَالَ لِي
الْوَاثِقُ : يَا مَازِنِيُّ ، هَاتِ مَسْأَلَةً فَقُلْت : مَا تَقُولُونَ
فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَمَا كَانَتْ أُمُّك بَغِيًّا } وَلَمْ
يَقُلْ : بَغِيَّةً وَهِيَ صِفَةٌ لِمُؤَنَّثٍ فَأَجَابُوا بِجَوَابَاتٍ
لَيْسَتْ مُرْضِيَةً ، فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ : هَاتِ الْجَوَابَ ،
فَقُلْت : لَوْ كَانَتْ بَغِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى
فَاعِلَةٍ لَحِقَتْهَا الْهَاءُ إذًا لَكَانَتْ مَفْعُولَةً بِمَعْنَى :
امْرَأَةٌ قَتِيلٌ وَكَفٌّ خَضِيبٌ ، وَتَقْدِيرُ بَغِيٍّ هَهُنَا لَيْسَ
بِفَعِيلٍ إنَّمَا هُوَ فَعُولٌ ، وَفَعُولٌ لَا تَلْحَقُهُ الْهَاءُ فِي
وَصْفِ التَّأْنِيثِ نَحْوَ امْرَأَةٌ سُكُونٌ وَبِئْرٌ شَطُونٌ إذَا
كَانَتْ بَعِيدَةَ الرِّشَاءِ ، وَتَقْدِيرُ بَغِيٍّ بَغَوِيٌّ قُلِبَتْ
الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ نَحْوَ سَيِّدٍ
وَمَيِّتٍ ، فَاسْتَحْسَنَ الْجَوَابَ ثُمَّ اسْتَأْذَنْته فِي الْخُرُوجِ
فَقَالَ : أَلَا أَقَمْت عِنْدَنَا : فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
إنَّ لِي بُنَيَّةً أُشْفِقُ أَغِيبُ عَنْهَا قَالَ : كَأَنِّي بِهَا قَدْ
قَالَتْ مَا قَالَتْ ابْنَةُ الْأَعْشَى لِلْأَعْشَى : أُرَانَا إذَا
أَضْمَرَتْك الْبِلَادُ
نُجْفَى وَتُقْطَعُ مِنَّا الرَّحِمْ
وَقُلْت أَنْتَ : تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَحِلًا يَا رَبِّ
جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت
فَاغْتَمِضِي يَوْمًا فَإِنَّ بِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
فَوَاَللَّهِ مَا أَخْطَأَ مَا فِي نَفْسِي ، فَأَمَرَ لِي بِجَائِزَةٍ
وَأَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ :
وَفَرَّ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ مِنْ الْحَجَّاجِ قَالَ :
فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إذْ سَمِعْت رَجُلًا يُنْشِدُ : رُبَّمَا
تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنْ الْأَمْرِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ الْعِقَالِ
قَدْ مَاتَ الْحَجَّاجُ فَلَمْ أَدْرِ بِأَيِّهِمَا كُنْت أَشَدَّ فَرَحًا
؟ أَبِمَوْتِ الْحَجَّاجِ أَوْ قَوْلِهِ : فُرْجَةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ وَالنَّحْوِيِّينَ
: كَانَ مُمْتَنِعَ الْجَانِبِ قَلِيلَ الْغِشْيَانِ لِلسُّلْطَانِ حَتَّى
ذَكَرَهُ الْفَرَزْدَقُ وَعَيَّرَهُ الْكِبْرَ وَهَجَاهُ .
قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ وَمِنْ النَّحْوِيِّينَ مَنْ سَارَعَ إلَى السَّلَاطِينِ وَلَمْ
يَحْمَدْ الْعَاقِبَة ، مِنْهُمْ سِيبَوَيْهِ وَابْنُ السِّكِّيتِ كَمَا
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى
وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَا لَمَّا وَرَدَ سِيبَوَيْهِ إلَى
الْعِرَاقِ شَقَّ أَمْرُهُ عَلَى الْكِسَائِيّ ، فَأَتَى جَعْفَرَ بْنَ
يَحْيَى وَالْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى فَقَالَ : أَنَا وَلِيُّكُمَا
وَصَاحِبُكُمَا ، وَهَذَا الرَّجُلُ قَدْ قَدِمَ لِيُذْهِبَ مَحَلِّي ،
قَالَا فَاحْتَمِلْ لِنَفْسِك فَسَنَجْمَعُ بَيْنَكُمَا ، فَجُمِعَا
عِنْدَ الْبَرَامِكَةِ وَحَضَرَ سِيبَوَيْهِ وَحْدَهُ ، وَحَضَرَ
الْكِسَائِيُّ وَمَعَهُ الْفَرَّاءُ وَعَلِيٌّ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُمَا
مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَسَأَلُوهُ كَيْفَ تَقُولُ : كُنْت أَظُنُّ أَنَّ
الْعَقْرَبَ أَشَدُّ لَسْعَةً مِنْ الزُّنْبُورِ ، فَإِذَا هُوَ هِيَ أَوْ
هُوَ إيَّاهَا ؟ فَقَالَ : أَقُولُ : فَإِذَا هُوَ هِيَ ، فَقَالَ لَهُ :
أَخْطَأْت وَلَحَنْت ، فَقَالَ يَحْيَى : هَذَا مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ فَمَنْ
يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابُ بِالْبَابِ ،
فَأُدْخِلَ أَبُو الْجَرَّاحِ وَجَمَاعَةٌ
مَعَهُ فَسُئِلُوا
فَقَالُوا نَقُولُ : فَإِذَا هُوَ إيَّاهَا فَانْصَرَمَ الْمَجْلِسُ عَلَى
أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَدْ أَخْطَأَ وَحُكِمَ عَلَيْهِ ، فَأَعْطَاهُ
الْبَرَامِكَةُ وَأُخِذَ لَهُ مِنْ الرَّشِيدِ وَبُعِثَ بِهِ إلَى
بَلْدَةٍ فَيُقَالُ : إنَّهُ مَا لَبِثَ إلَّا يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ
كَمَدًا قَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ : وَأَصْحَابُ سِيبَوَيْهِ إلَى
هَذِهِ الْغَايَةِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى مَا
قَالَ سِيبَوَيْهِ ، وَهُوَ فَإِذَا هُوَ هِيَ وَهَذَا مَوْضِعُ الرَّفْعِ
.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَمَّا ابْنُ السِّكِّيتِ فَحَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ النَّحْوِيُّ قَالَ قَالَ لِي يَعْقُوبُ بْنُ
السِّكِّيتِ : أُرِيدُ أُشَاوِرُك فِي شَيْءٍ قُلْت : قُلْ قَالَ : إنَّ
الْمُتَوَكِّلَ قَدْ أَدْنَانِي وَقَرَّبَنِي وَنَدَبَنِي إلَى
مُنَادَمَتِهِ فَمَا تَرَى ؟ قُلْت : لَا تَفْعَلْ وَكَرِهْت لَهُ
النِّهَايَةَ ، فَدَافَعَ بِهِ يَعْقُوبُ ثُمَّ تَطَلَّعَتْ نَفْسُهُ
إلَيْهِ فَشَاوَرَنِي ، فَقُلْت : يَا أَخِي أُحَذِّرُك عَلَى نَفْسِك ،
فَإِنَّهُ سُلْطَانٌ وَأَكْرَهُ أَنْ تَزِلَّ بِشَيْءٍ ، فَحَمَلَهُ حُبُّ
ذَلِكَ عَلَى أَنْ خَالَفَنِي فَقَتَلَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لِشَيْءٍ
جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي أَمْرِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ
عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَكَانَ أَوَّلُهُ مِزَاحًا
وَكَانَ ابْنُ السِّكِّيتِ يَتَشَيَّعُ فَقَتَلَهُ .
قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ : وَمِنْ النَّحْوِيِّينَ مَنْ قَرُبَ مِنْ السَّلَاطِينِ
فَحَظِيَ عِنْدَهُمْ ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ يُونُسُ بْنُ
حَبِيبٍ : أَقَامَ الْكِسَائِيُّ بِالْبَصْرَةِ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ
رَحَلَ إلَى الْكُوفَةِ ، فَأَخَذَ عَنْ أَعْرَابٍ لَيْسُوا بِفُصَحَاءَ
فَأَفْسَدَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ، فَقَدْ صَارَ النَّحْوُ كُلُّهُ مِنْ
الْبَصْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْكِسَائِيَّ مِنْهُمْ تَعَلَّمَ ، ثُمَّ قَرَأَ
عَلَى الْأَخْفَشِ كِتَابَ سِيبَوَيْهِ ، وَيُحْكَى أَنَّهُ دَفَعَ
إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَيْسَ أَحَدٌ
مِنْ الرُّؤَسَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي النَّحْوِ إلَّا بَصْرِيٌّ ،
حَتَّى إنَّهُمْ حُجَجٌ
فِي اللُّغَةِ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ
لِفَصَاحَتِهِمْ ، وَكَانُوا لَا يَأْخُذُونَ إلَّا عَنْ الْفُصَحَاءِ
مِنْ الْأَعْرَابِ ، وَلَهُمْ السَّبْقُ وَالتَّقْدِيمُ ، مِنْهُمْ أَبُو
الْأَسْوَدِ وَأَبُو عَمْرٍو ، وَسَمِعْت عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ
يَقُولُ : سَاءَنِي أَنَّ خَلَفًا الْبَزَّارَ عَلَى جَلَالَتِهِ
وَمَحَلَّهُ تَرَكَ الْكِسَائِيَّ ، وَهُوَ أُسْتَاذُهُ فَلَمْ يَرْوِ
عَنْهُ حَرْفًا وَاحِدًا ، مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي تَصْنِيفِهِ
كِتَابَ الْقِرَاءَاتِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : ثُمَّ عَرَّفَنِي
غَيْرُ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ
لِأَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : قَالَ لِي سَيِّدِي الرَّشِيدُ ، فَتَرَكَهُ
وَقَالَ : إنَّ إنْسَانًا مِقْدَارُ الدُّنْيَا عِنْدَهُ أَنْ يَجْعَلَ
مِنْ أَجْلِهَا هَذَا الْإِجْلَالَ ، لَحَرِيٌّ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ
شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ كَانَ
الْأَصْمَعِيُّ مُتَّصِلًا بِالرَّشِيدِ وَكَانَ يُقَدِّمُهُ
وَيَتَكَلَّمُ فِي مَجْلِسِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَاسِمُ
بْنُ مُخَيْمِرَةَ أَنَّهُ قَالَ : النَّحْوُ أَوَّلُهُ شُغْلٌ ،
وَآخِرُهُ بَغْيٌ ، وَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى ذَلِكَ ، وَسِيقَ فِي
فُصُولِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ فِي الْكِتَابَةِ ، وَيَأْتِي بَعْدَ
نِصْفِ كُرَّاسَةٍ أَيْضًا .
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي بَاب
الِاصْطِلَاحِ الْمُحْدَثَ الَّذِي اسْتِعْمَالُهُ خَطَأٌ قَالَ :
وَاسْتَعْمَلُوا يَفْعَلْ ذَلِكَ بِغَيْرِ لَامِ الْأَمْرِ ، وَهَذَا مِنْ
الْخَطَأِ الْقَبِيحِ الَّذِي يُقْلَبُ مَعَهُ الْمَعْنَى فَيَصِيرُ
خَبَرًا ، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ ، وَإِنْ جُزِمَ أَيْضًا فَخَطَأٌ ؛
لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَامٍ إلَّا فِي شُذُوذٍ
وَاضْطِرَارٍ ، عَلَى أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ حَذْفُ اللَّامِ
مِنْ الْأَمْرِ لِلْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا تُضْمَرُ ؛
وَلِأَنَّ عَوَامِلَ الْأَفْعَالِ أَضْعَفُ مِنْ عَوَامِلِ الْأَسْمَاءِ ،
وَأَنَّ مَا أُنْشِدَ فِيهِ مِنْ الشِّعْرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ ، وَهُوَ : مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْسِ
كَذَا قَالَ وَقَدْ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى : { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } .
قِيلَ
هُوَ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ عَنْ حَالِهِمْ وَقَالَ الزَّجَّاجُ : إنَّهُ
أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ لَهُمْ بِالْحَذَرِ ، فَتَقْدِيرُهُ لِيَحْذَرْ
الْمُنَافِقُونَ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَالْعَرَبُ رُبَّمَا
أَخْرَجَتْ الْأَمْرَ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ فَيَقُولُونَ : يَرْحَمُ
اللَّهُ الْمُؤْمِنَ وَيُعَذِّبُ الْكَافِرَ ، يُرِيدُونَ لِيَرْحَمْ
وَيُعَذِّبْ فَيُسْقِطُونَ اللَّامَ وَيُجْرُونَهُ مَجْرَى الْخَبَرِ فِي
الرَّفْعِ ، وَهُمْ لَا يَنْوُونَ إلَّا الدُّعَاءَ ، وَالدُّعَاءُ
مُضَارِعٌ لِلْأَمْرِ .
وَأَمَّا الْجَزْمُ بِلَامٍ مُقَدَّرَةٍ
فَيَجُوزُ كَثِيرًا مُطَّرِدًا بَعْدَ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ
لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ } .
وَالْأَشْهَرُ
أَنَّهُ جَوَابُ قُلْ ، وَالتَّقْدِيرُ : قُلْ لَهُمْ أَقِيمُوا
الصَّلَاةَ يُقِيمُوا ، أَيْ إنْ تَقُلْ لَهُمْ يُقِيمُوا .
وَرَدَّهُ
قَوْمٌ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَهُمْ لَا يُوجِبُ أَنْ يُقِيمُوا ، وَاخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ هَذَا
الرَّدَّ ، وَلَمْ يَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ
بِالْعِبَادِ الْكُفَّارَ ، بَلْ الْمُؤْمِنِينَ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ { لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا } وَإِذَا أَمَرَهُمْ الرَّسُولُ
قَامُوا .
وَقِيلَ : يُقِيمُوا جَوَابُ أَقِيمُوا الْمَحْذُوفَةِ أَيْ
: أَنْ يُقِيمُوا ، يُقِيمُوا وَرُدَّ بِوُجُوبِ مُخَالَفَةِ جَوَابِ
الشَّرْطِ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ أَوْ فِيهِمَا ، فَلَا يَجُوزُ
قُمْ تَقُمْ ، وَبِأَنَّ الْمُقَدَّرَ لِلْمُوَاجَهَةِ وَيُقِيمُوا عَلَى
لَفْظِ الْغَيْبَةِ ، وَهُوَ خَطَأٌ إذَا كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا ،
وَيَجُوزُ الْجَزْمُ فَاللَّامُ الْأَمْرِ مُقَدَّرَةً قَلِيلًا بَعْدَ
قَوْلٍ بِلَا أَمْرٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ ، وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ
بِهَا بِلَا أَمْرٍ وَلَا قَوْلٍ وَلَا ضَرُورَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنَّمَا
ذَكَرْت ذَلِكَ لِكَثْرَةِ كِتَابَةِ " يُعْتَمَدُ ذَلِكَ " وَنَحْوِهَا
وَكَثْرَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا إنْكَارَهُ فَيُنْكِرُهُ ،
وَيُوَافِقُهُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْلَمُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ
.
فَصْلٌ ( فِي إصْلَاحِ اللَّحْنِ الْعَارِضِ لِمَتْنِ الْحَدِيثِ وَمَتَى يَجُوزُ التَّحْدِيثُ وَمَنْ يُقَدَّمُ ) .
قَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ : سَمِعْت ابْنَ زَنْجُوَيْهِ يَسْأَلُ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ : يَجِيءُ الْحَدِيثُ فِيهِ اللَّحْنُ وَشَيْءٌ فَاحِشٌ ،
فَتَرَى أَنْ يُغَيِّرَ أَوْ يُحَدِّثَ بِهِ كَمَا سَمِعَ قَالَ :
يُغَيِّرُهُ شَدِيدٌ ؛ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا يَلْحَنُونَ ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ اللَّحْنُ
مِمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَيَنْبَغِي
لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُصْلِحَ اللَّحْنَ فِي كِتَابِهِ ، ذَكَرَ
ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَفْعَلُهُ قَالَ : وَيُصْلِحُ
الْغَلَطَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ ، وَذَكَرَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ .
وَالْأَوْلَى
لَا يُحَدِّثُ حَتَّى أَنْ يَتِمَّ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، إلَّا أَنْ
يُحْتَاجَ إلَيْهِ فَقَدْ حَدَّثَ بُنْدَارٌ وَلَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ
سَنَةً ، وَحَدَّثَ الْبُخَارِيُّ وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ ،
وَيُكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ أَوْ
أَعْلَمُ ، فَقَدْ كَانَ الشَّعْبِيُّ إذَا حَضَرَ مَعَ إبْرَاهِيمَ لَمْ
يَتَكَلَّمْ إبْرَاهِيمُ .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لِسُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ مَا لَك لَا تُحَدِّثُ ؟ فَقَالَ : أَمَّا وَأَنْتَ حَيٌّ
فَلَا وَقَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لَقَدْ كُنْت عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا ، فَكُنْت أَحْفَظُ
عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْقَوْلِ إلَّا أَنَّ هَهُنَا رِجَالًا
هُمْ أَسَنُّ مِنِّي ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ
فِيهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَدَثِ أَنْ يُوَقِّرَ الشُّيُوخَ ،
وَأَنَّهُ إذَا رُئِيَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُزَاحِمْهُمْ بِالرِّوَايَةِ لَهُ
، فَإِنَّهُ يَعْرِضُ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهُمْ فَيَرْوِيَ فِي حَالَةِ
عَدَمِهِمْ فَيَكُونَ ذَلِكَ فِي مَوْقِعِهِ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُمْ
لَمْ تَكُنْ تُغْنِي رِوَايَتُهُ ، لِمَا يَعْرِفُهُ الشُّيُوخُ طَائِلًا
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَسَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى بِنَحْوِ كُرَّاسَيْنِ
فِي فَصْلٍ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إذَا تَرَكَ الْعَالِمُ لَا
أَدْرِي .
وَقَدْ
ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْقَارِئِ الْغَلَطَ الْخَطَأَ
كَمَا عَلَيْهِ عَادَةُ الْعُلَمَاءِ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ
الْمَقْدِسِيُّ الْحَافِظُ : سَمِعْت أَبَا إِسْحَاقَ الْحَبَّالَ
بِمِصْرَ يَقُولُ : لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ أَبِي الْقَاسِمِ
سَعْدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيِّ فِي الْفَضْلِ ، وَكَانَ يَحْضُرُ
مَعَنَا الْمَجَالِسَ وَيُقْرَأُ الْخَطَأُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَا
يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا ، وَلَوْ قُرِئَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكُفْرُ
، إلَّا أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ أَجَابَ ، وَأُرِيَ يَوْمًا بَعْضَ
الصِّبْيَانِ يَتْبَعُونَ الْأَغْلَاطَ وَيُبَادِرُونَ بِالرَّدِّ عَلَى
الْمُقْرِئِ وَلَا يُحْسِنُونَ الْأَدَبَ .
وَمُرَادُ أَبِي إِسْحَاقَ
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ لَا يُبَادِرُ بِالرَّدِّ ،
وَلَعَلَّهُ يَكْتَفِي بِغَيْرِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ وَلَوْ قُرِئَ بَيْنَ
يَدَيْهِ الْكُفْرُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَحِلُّ عَدَمُ
بَيَانِهِ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ : سَمِعْت
الْفَقِيهَ أَبَا مُحَمَّدٍ هَيَّاجَ بْنَ عُبَيْدٍ إمَامَ الْحَرَمِ
وَمُفْتِيَهُ يَقُولُ : يَوْمٌ لَا أَرَى فِيهِ سَعْدَ بْنَ عَلِيٍّ
الزَّنْجَانِيَّ لَا أَعْتَدُّ أَنِّي عَمِلْت خَيْرًا .
قَالَ ابْنُ
طَاهِرٍ وَكَانَ هَيَّاجٌ يَعْتَمِرُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ عُمَرَ ،
وَيُوَاصِلُ الصَّوْمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَيَدْرُسُ عِدَّةَ دُرُوسٍ ،
وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ نَظْرَةً إلَى الشَّيْخِ
سَعْدٍ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَجَلُّ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ ،
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ
أَحْمَدَ الْكَرْخِيَّ يَقُولُ : لَمَّا عَزَمَ الشَّيْخُ سَعْدٌ عَلَى
الْإِقَامَةِ بِالْحَرَمِ وَالْمُجَاوَرَةِ بِهِ ، عَزَمَ عَلَى نَفْسِهِ
نَيِّفًا وَعِشْرِينَ عَزِيمَةً أَنَّهُ يُلْزِمُ نَفْسَهُ مِنْ
الْمُجَاهَدَاتِ وَالْعِبَادَاتِ ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ
سَنَةً وَلَمْ يُخَلِّ مِنْهَا عَزِيمَةً وَاحِدَةً رَحِمَهُ اللَّهُ .
فَصْلٌ ( فِي مَكَانَةِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَإِقْبَالِ الْأُلُوفِ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَحَسَدِ الْخُلَفَاءِ لَهُمْ ) .
قَالَ
جَعْفَرُ بْنُ دُرُسْتَوَيْهِ كُنَّا نَأْخُذُ الْمَجْلِسَ فِي مَجْلِسِ
عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَقْتَ الْعَصْرِ ، الْيَوْمَ لِمَجْلِسِ غَدٍ
، فَنَقْعُدُ طُولَ اللَّيْلِ مَخَافَةَ أَنْ لَا نَلْحَقَ مِنْ الْغَدِ
مَوْضِعًا نَسْمَعُ فِيهِ ، فَرَأَيْت شَيْخًا فِي الْمَجْلِسِ يَبُولُ
فِي طَيْلَسَانِهِ ، وَيُدْرِجُ الطَّيْلَسَانَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْخَذَ
مَكَانُهُ إنْ قَامَ لِلْبَوْلِ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ
فِي مَجْلِسِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ يَحْزِرُ بِسَبْعِينَ أَلْفًا ،
وَأَمَرَ الْمُعْتَصِمُ بِحَزْرِ مَجْلِسِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ
فَحَزَرُوا الْمَجْلِسَ عِشْرِينَ أَلْفًا وَمِائَةَ أَلْفٍ ، وَأَمْلَى
الْبُخَارِيُّ بِبَغْدَادَ فَاجْتَمَعَ لَهُ عِشْرُونَ أَلْفًا .
وَقَالَ
أَبُو الْفَضْلِ الزُّهْرِيُّ كَانَ فِي مَجْلِسِ جَعْفَرٍ
الْفِرْيَابِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ يَكْتُبُ حُدُودَ
عَشَرَةِ آلَافٍ ، مَا بَقِيَ مِنْهُمْ غَيْرِي سِوَى مَنْ لَا يَكْتُبُ ،
وَأَمْلَى أَبُو مُسْلِمٍ اللُّجِّيُّ فِي رَحْبَةِ غَسَّانَ ، فَكَانَ
فِي مَجْلِسِهِ سَبْعَةُ مُسْتَمْلِينَ يُبَلِّغُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
صَاحِبَهُ الَّذِي يَلِيهِ ، وَكَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ قِيَامًا
بِأَيْدِيهِمْ الْمَحَابِرُ ، ثُمَّ مُسِحَتْ الرَّحْبَةُ وَحُسِبَ مَنْ
حَضَرَ بِمِحْبَرَةٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ
مِحْبَرَةٍ سِوَى الْعِطَارَةِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَدْ
كَانَتْ الْهِمَمُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا ، ثُمَّ مَا
زَالَتْ تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ حَتَّى اضْمَحَلَّتْ فَحَكَى شَيْخُنَا
أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ طَفْرٍ الْمَغَازِلِيُّ قَالَ : كُنَّا فِي
حَلْقَةِ ابْنِ يُوسُفَ نَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَطَلَبْنَا مِحْبَرَةً
نَكْتُبُ بِهَا السَّمَاعَ ، فَمَا وَجَدْنَا قَالَ : وَقَدْ كَانَ
الْخُلَفَاءُ وَالْكُبَرَاءُ يَغْبِطُونَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى هَذِهِ
الْمَرْتَبَةِ ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ
الْجُمَحِيِّ أَنَّهُ قَالَ : قِيلَ لِلْمَنْصُورِ : هَلْ مِنْ لَذَّاتِ
الدُّنْيَا شَيْءٌ لَمْ تَنَلْهُ ؟ قَالَ
: بَقِيَتْ خَصْلَةٌ أَنْ
أَقْعُدَ فِي مِصْطَبَةٍ وَحَوْلِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَيَقُولُ
الْمُسْتَمْلِي : مَنْ ذَكَرْت رَحِمَك اللَّهُ ؟ قَالَ فَغَدَا عَلَيْهِ
النُّدَمَاءُ وَأَبْنَاءُ الْوُزَرَاءِ بِالْمَحَابِرِ وَالدَّفَاتِرِ
فَقَالَ : لَسْتُمْ بِهِمْ إنَّمَا هُمْ الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ ،
الْمُتَشَقِّقَةُ أَرْجُلُهُمْ ، الطَّوِيلَةُ شُعُورُهُمْ ، بَرْدُ
الْآفَاقِ وَنَقَلَةُ الْحَدِيثِ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ
قَالَ لِي الرَّشِيدُ : مَا أَنْبَلُ الْمَرَاتِبِ قُلْت : مَا أَنْتَ
فِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : فَتَعْرِفُ أَجَلَّ مِنِّي ؟
قُلْت : لَا قَالَ : لَكِنِّي أَعْرِفُهُ رَجُلٌ فِي حَلْقَةٍ يَقُولُ :
حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : هَذَا
خَيْرٌ مِنْك وَأَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ نَعَمْ
وَيْلَك هَذَا خَيْرٌ مِنِّي ؛ لِأَنَّ اسْمَهُ مُقْتَرِنٌ بِاسْمِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ أَبَدًا ،
وَنَحْنُ نَمُوتُ وَنَفْنَى وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ
.
وَقَالَ الْمَأْمُونُ : مَا طَلَبَتْ مِنِّي نَفْسِي شَيْئًا إلَّا
وَقَدْ نَالَتْهُ مَا خَلَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَإِنِّي كُنْت أُحِبُّ
أَنْ أَقْعُدَ عَلَى كُرْسِيٍّ وَيُقَالُ لِي : مَنْ حَدَّثَك ؟ فَأَقُولُ
: حَدَّثَنِي فُلَانٌ قِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلِمَ لَا
تُحَدِّثُ ؟ قَالَ لَا يَصْلُحُ الْمِلْكُ وَالْخِلَافَةُ مَعَ الْحَدِيثِ
.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ وَلِيت الْقَضَاءَ وَقَضَاءَ
الْقَضَاءِ وَالْوَزَارَةَ وَكَذَا وَكَذَا ، مَا سُرِرْت لِشَيْءٍ
كَسُرُورِي بِقَوْلِ الْمُسْتَمْلِي مَنْ ذَكَرْت رَضِيَ اللَّهُ عَنْك .
فَصْلٌ ( فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ) .
تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ لِلْعِلْمِ وَالْحَذَرِ مِنْ الرِّيَاءِ ،
وَقَالَ فِي صَيْدِ الْخَاطِرِ : يَا قَوْمِ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ
الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ ، وَقَدْ فَهِمْتُمْ قَوْله تَعَالَى { أَلَا
لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } .
وَقَدْ سَمِعْتُمْ عَنْ السَّلَفِ
أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُعَلِّمُونَ وَلَا يَقُولُونَ حَتَّى تَتَقَدَّمَ
النِّيَّةُ وَتَصِحَّ ، أَيَذْهَبُ زَمَانُكُمْ يَا فُقَهَاءُ فِي
الْجَدَلِ وَالصِّيَاحِ ، وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُكُمْ عِنْدَ اجْتِمَاعِ
الْعَوَامّ تَقْصِدُونَ الْمُغَالَبَةَ ، ثُمَّ يُقْدِمُ أَحَدُكُمْ عَلَى
الْفَتْوَى وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ
يَتَدَافَعُونَهَا ، وَيَا مَعْشَرَ الْمُتَزَهِّدِينَ إنَّهُ يَعْلَمُ
السِّرَّ وَمَا يَخْفَى ، أَتُظْهِرُونَ الْفَقْرَ فِي لِبَاسِكُمْ
وَأَنْتُمْ تَشْتَهُونَ شَهَوَاتٍ ، وَتُظْهِرُونَ التَّخَشُّعَ
وَالْبُكَاءَ فِي الْجَلَوَاتِ دُونَ الْخَلَوَاتِ ، كَانَ ابْنُ سِيرِينَ
يَضْحَكُ وَيُقَهْقِهُ ، فَإِذَا خَلَا بَكَى فَأَكْثَرَ وَقَالَ
سُفْيَانَ لِصَاحِبِهِ : مَا أَوْقَحَك تُصَلِّي وَالنَّاسُ يَرَوْنَك .
أَفْدِي
ظِبَاءَ فَلَاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا مَضْغَ الْكَلَامِ وَلَا صَبْغَ
الْحَوَاجِيبِ آهٍ لِلْمُرَائِي مِنْ يَوْمَ يُحَصَّلُ مَا فِي الصُّدُورِ
، وَهِيَ النِّيَّاتُ وَالْعَقَائِدُ ، فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِمَا لَا
عَلَى الظَّوَاهِرِ ، فَأَفِيقُوا مِنْ سَكْرَتِكُمْ ، وَتُوبُوا مِنْ
زَلَلِكُمْ وَاسْتَقِيمُوا عَلَى الْجَادَّةِ .
{ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } .
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية  الجزء السادس عشر Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء السادس عشر {الجمعة 27 مايو - 17:24}


فَصْلٌ ( فِي جَرْحِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ ) .
سَأَلَ
رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ فَقَالَ : كَانَ
كَذَّابًا يَضَعُ الْحَدِيثَ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا ابْنُ عَمِّهِ قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي
الدِّينِ مُحَابَاةٌ .
وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت ابْنَ مَعِينٍ عَنْ
الْوَاقِدِيِّ قَالَ : أَنْتَ تَعْرِفُهُ وَأُحِبُّ أَنْ تُعْفِيَنِي
قُلْت لِمَ قَالَ : إنَّ ابْنَهُ أَخٌ لِي قُلْت فَدَعْهُ ، وَسَأَلَ
أَحْمَدُ رَجُلًا عَنْ مَوْتِ ابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالَ مَا تَصْنَعُ
بِهَذَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَعْرِفُ بِهِ الْكَذَّابِينَ .
وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْت شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ بْنَ سَعِيدٍ
وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ الرَّجُلِ
يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ يُخْطِئُ فِيهِ أَوْ يَكْذِبُ فِيهِ فَقَالُوا
جَمِيعًا بَيِّنْ أَمْرَهُ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا هُوَ
كَمَا قَالُوا ، فَقُلْت لَهُ أَمَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ
الْفَاحِشَةِ قَالَ لَا هَذَا دِينٌ وَنَقَلَ غَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ
أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مَعْنَى الْغِيبَةِ فَقَالَ : إذَا لَمْ تُرِدْ
عَيْبَ الرَّجُلِ قُلْت قَدْ جَاءَ يَقُولُ فُلَانٌ لَمْ يَسْمَعْ
وَفُلَانٌ يُخْطِئُ قَالَ لَوْ تَرَكَ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ الصَّحِيحُ
مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ شُعْبَةُ وَقِيلَ لَهُ تُمْسِكُ عَنْ أَبَانَ بْنِ
أَبِي عَيَّاشٍ ؟ فَقَالَ مَا أَرَى يَسَعُنِي السُّكُوتُ عَنْهُ ، وَقَدْ
سَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَفِي فُصُولِ
الْهِجْرَةِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ .
وَقِيلَ لِيَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ أَمَا تَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَكْت
حَدِيثَهُمْ خُصَمَاءَك عِنْدَ اللَّهِ قَالَ : ذَاكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
أَنْ يَكُونَ خَصْمِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ لِمَ حَدَّثْت عَنِّي حَدِيثًا تَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ .
وَقَالَ
بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي
الْمُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَغْتَابُ ؟
فَقَالَ لَهُ : اُسْكُتْ إذَا لَمْ نُبَيِّنْ كَيْفَ
نَعْرِفُ
الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ هَذَا مِنْ
الْغِيبَةِ ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ وَآثَارٌ كَثِيرَةٌ .
وَقَالَ
أَبُو الْحَارِثِ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ
: مَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي النَّاسِ إلَّا سَقَطَ وَذَهَبَ حَدِيثُهُ
قَدْ كَانَ بِالْبَصْرَةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْأَفْطَسُ كَانَ يَرْوِي
عَنْ الْأَعْمَشِ وَالنَّاسِ ، وَكَانَتْ لَهُ مَجَالِسُ وَكَانَ صَحِيحَ
الْحَدِيثِ ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْلَمُ عَلَى لِسَانِهِ أَحَدٌ
فَذَهَبَ حَدِيثُهُ وَذِكْرُهُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ
وَذَكَرَ الْأَفْطَسَ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ :
إنَّمَا سَقَطَ بِلِسَانِهِ فَلَيْسَ نَسْمَعُ أَحَدًا يَذْكُرُهُ .
وَتَكَلَّمَ
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي أَبِي بَدْرٍ فَدَعَا عَلَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ :
فَأُرَاهُ اُسْتُجِيبَ لَهُ ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
عَدَمُ التَّثَبُّتِ وَالْغِيبَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَقَالَ أَبُو
زُرْعَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْأَفْطَسُ : كَانَ عِنْدِي
صَدُوقًا لَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ
وَيَحْيَى الْقَطَّانِ ، وَذُكِرَ لَهُ يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ
فَقَالَ : لَا يَنْتَهِي يُونُسُ حَتَّى يَقُولَ سَمِعْت الْبَرَاءَ .
قَالَ
أَبُو زُرْعَةَ فَانْظُرْ كَيْفَ يُرَدُّ أَمْرُهُ ، كُلُّ مَنْ لَمْ
يَتَكَلَّمْ فِي هَذَا الشَّأْنِ عَلَى الدِّيَانَةِ فَإِنَّمَا يُعْطِبُ
نَفْسَهُ ، وَكَانَ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي النَّاسِ
عَلَى الدِّيَانَةِ فَيَنْفُذُ قَوْلُهُمْ ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ
يَتَكَلَّمْ فِيهِمْ عَلَى غَيْرِ الدِّيَانَةِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ
عَلَيْهِ .
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَذَكَرَ أَبَا قَتَادَةَ
الْحَرَّانِيَّ فَقَالَ سَمِعْت ابْنَ نُفَيْلٍ يَقُولُ : قَرَأَ يَعْنِي
أَبَا قَتَادَةَ كِتَابَ مِسْعَرٍ فَبَلَغَ : وَشَكَّ أَبُو نُعَيْمٍ ،
فَقَالَ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ : وَذَكَرَ ابْنُ نُفَيْلٍ
يَوْمًا مَاتَ فُلَانٌ سَنَةَ كَذَا لِشُيُوخِهِ فَقِيلَ لَهُ : مَتَى
مَاتَ أَبُو قَتَادَةَ ؟ فَقَالَ : إنَّمَا نُسْأَلُ عَنْ تَارِيخِ
الْعُلَمَاءِ ، فَظَنَنْت أَنَّهُ سُلِّطَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ
أَنَّ
ابْنَ نُفَيْلٍ حَدَّثَ فَقِيلَ لِأَبِي قَتَادَةَ حَدَّثَ ابْنُ نُفَيْلٍ
، فَقَالَ ابْنُ أُخْتِ ذَاكَ الصَّبِيِّ يَعْنِي سَعِيدَ بْنَ جَعْفَرٍ :
فَجَعَلْت أَعْجَبُ مِنْ اسْتِخْفَافِهِ هَذَا بِهِ ثُمَّ سُلِّطَ
عَلَيْهِ تُرَى انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ
وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ عِنْدَ
الْأَئِمَّةِ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَوَّاهُ أَحْمَدُ ، وَكَذَا
ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ وَلَا رِوَايَةَ لَهُ فِي الْكُتُبِ
السِّتَّةِ ، وَمَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ ، فَمَنْ هَذِهِ
حَالُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ
لَا سِيَّمَا بِغَيْرِ إنْصَافٍ فِيمَنْ عَظَّمَهُ الْأَئِمَّةُ
وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَبُو جَعْفَرٍ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ النُّفَيْلِيُّ
الْحَرَّانِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ ثِقَةٌ ، وَتُوُفِّيَا سَنَةَ
بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فَلَمْ يَضُرَّهُمَا كَلَامُ أَبِي
قَتَادَةَ وَانْضَرَّ هُوَ ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالسَّتْرَ .
وَقَالَ
أَبُو زُرْعَةَ : ذَكَرْت لِأَبِي جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيِّ أَنَّ أَحْمَدَ
بْنَ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فَاغْتَمَّ وَقَالَ : قَدْ
كَتَبْت إلَيْهِ أَنْ لَا يُحَدِّثَ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا عَنْهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ .
فَصْلٌ ( فِي خَطَإِ الثِّقَاتِ وَكَوْنِهِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ ) .
قَالَ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : لَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ
يُنْكِرَ حَدِيثًا يُلْقَى عَلَيْهِ كَانَ وَكِيعٌ يَقُولُ : لَيْسَ هَذَا
عِنْدَنَا وَلَا يَقُولُ : لَمْ أَسْمَعْهُ يَسْكُتُ قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ : وَكَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ ذُكِرَ لَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ
عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إذَا أَقَرَّ بِالْحَدِّ ثُمَّ
أَنْكَرَ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ ، فَأَنْكَرَهُ إنْكَارًا شَدِيدًا ثُمَّ
نَظَرَ فَوَجَدَهُ فِي كِتَابِهِ .
وَقَالَ مُهَنَّا لِأَحْمَدَ كَانَ
غُنْدَرٌ يَغْلَطُ قَالَ : أَلَيْسَ هُوَ مِنْ النَّاسِ ؟ ، وَقَالَ
الْبُوَيْطِيُّ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : قَدْ أَلَّفْت هَذِهِ
الْكُتُبَ وَلَمْ آلُ فِيهَا ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا الْخَطَأُ
إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ
اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } .
فَمَا وَجَدْتُمْ
فِي كُتُبِي هَذِهِ مِمَّا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَدْ
رَجَعْت عَنْهُ وَقَالَ حَنْبَلٌ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ
: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَقَلَّ خَطَأً مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ يَعْنِي
الْقَطَّانَ ، وَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيثَ قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ : وَمَنْ يَعْرَى مِنْ الْخَطَإِ وَالتَّصْحِيفِ ؟ وَنَقَلَ
إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ كَانَ وَكِيعٌ يَحْفَظُ عَنْ
الْمَشَايِخِ وَلَمْ يَكُنْ يُصَحِّفُ وَكُلُّ مَنْ كَتَبَ يَتَّكِلُ
عَلَى الْكِتَابِ يُصَحِّفُ .
وَنَقَلَ إِسْحَاقُ أَيْضًا عَنْ
أَحْمَدَ : مَا أَكْثَرَ مَا يُخْطِئُ شُعْبَةُ فِي أَسَامٍ وَقَالَ
عَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ : سَمِعْت يَحْيَى يَقُولُ : مَنْ لَا يُخْطِئُ فِي
الْحَدِيثِ فَهُوَ كَذَّابٌ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ :
مَنْ يُبَرِّئْ نَفْسَهُ مِنْ الْخَطَإِ فَهُوَ مَجْنُونٌ وَقَالَ مَالِكٌ
: وَمَنْ ذَا الَّذِي لَا يُخْطِئُ ؟ ، .
فَصْلٌ ( فِي صِفَاتِ مَنْ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْحَدِيثُ وَالدِّينُ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ ) .
قَالَ
الصَّاغَانِيُّ رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ
الْخُزَاعِيِّ وَكُنْت قَائِمًا فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : يَا أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ هَهُنَا ، فَأَبَى حَتَّى كَتَبَ الْمَجْلِسَ ، وَهُوَ
قَائِمٌ .
وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ الْعِجْلِيُّ : سَمِعْت أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : بَلَغَنِي أَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ سُئِلَ
عَنْ حَدِيثٍ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ تَسْأَلُ ؟ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ قَائِمٌ ؟ وَقَالَ
حَنْبَلٌ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : إنَّمَا يَحْيَا
النَّاسُ بِالْمَشَايِخِ ، فَإِذَا ذَهَبَ الْمَشَايِخُ فَمَاذَا بَقِيَ ؟
وَقَالَ الْحَافِظُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الْأَخْضَرِ فِي تَسْمِيَةِ
مَنْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الْبُخَارِيُّ : سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ
حَنْبَلٍ يَقُولُ : إنَّمَا النَّاسُ بِشُيُوخِهِمْ فَإِذَا ذَهَبَ
الشُّيُوخُ فَمَعَ مَنْ الْعَيْشُ ؟ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ :
الْعِلْمُ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ ؟ ذَكَرَهُ
مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ عَنْ
وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَامِرِ
بْنِ عَبْدَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ : إنَّ
الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةٍ فَيَأْتِي الْقَوْمَ
فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنْ الْكَذِبِ ، فَيَتَفَرَّقُونَ ،
فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَمِعْت رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلَا
أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ عَامِرٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ الْمُسَيِّبُ .
وَرَوَى
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي
أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا
آبَاؤُكُمْ ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ } .
وَفِي لَفْظٍ { يَكُونُ
فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنْ
الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ،
فَإِيَّاكُمْ لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ } .
وَقَالَ
مَالِكٌ
لِرَجُلٍ : اُطْلُبْ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ وَقَالَ
مَالِكٌ أَيْضًا لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ : إنَّك امْرُؤٌ ذُو
هَيْئَةٍ وَكِبَرٍ ، فَانْظُرْ عَمَّنْ تَأْخُذُ ؟ وَقَالَ مَالِكٌ : لَا
يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ وَيُؤْخَذُ عَمَّنْ سِوَاهُمْ ، لَا
يُؤْخَذُ عَنْ مُعْلِنٍ بِالسَّفَهِ ، وَلَا عَمَّنْ جُرِّبَ عَلَيْهِ
الْكَذِبُ ، وَلَا عَنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إلَى هَوَاهُ ،
وَلَا عَنْ شَيْخٍ لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا
يُحَدِّثُ بِهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا : إنَّ هَذَا الْعِلْمَ
دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ ، لَقَدْ أَدْرَكْنَا
فِي هَذَا الْمَسْجِدِ سَبْعِينَ مِمَّنْ يَقُولُ قَالَ فُلَانٌ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ أَحَدَهُمْ
لَوْ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَكَانَ أَمِينًا عَلَيْهِ فَمَا
أَخَذْت مِنْهُمْ شَيْئًا ، لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ ،
وَيَقْدَمُ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ
وَهُوَ شَابٌّ فَنَزْدَحِمُ عَلَى بَابِهِ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ
الْقَطَّانِ : كَمْ مِنْ رَجُلٍ صَالِحٍ لَوْ لَمْ يُحَدِّثْ لَكَانَ
خَيْرًا لَهُ وَقَالَ أَيْضًا : مَا رَأَيْت الْكَذِبَ فِي أَحَدٍ
أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَنْ يُنْسَبُ إلَى الْخَيْرِ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
: لِأَنَّهُمْ اشْتَغَلُوا بِالْعِبَادَةِ عَنْ ضَبْطِ الْحَدِيثِ
وَإِتْقَانِهِ ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الْكَذَّابُونَ مَا لَيْسَ مِنْ
حَدِيثِهِمْ ، وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَوَهَّمُوا أَنَّ فِي وَضْعِ
الْأَحَادِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَجْرًا ، وَجَهِلُوا مَا
فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ كَبِيرِ الْإِثْمِ .
وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
مَرْفُوعًا { لَا تَأْخُذُوا الْعِلْمَ إلَّا مِمَّنْ تُجِيزُونَ
شَهَادَتَهُ } وَرَوَى الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ مُرْسَلًا وَقَالَ
بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ : دِينُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُطْلَبَ عَلَيْهِ
الْعُدُولُ .
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ قَالَ : كَانُوا إذَا أَتَوْا الرَّجُلَ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ
نَظَرُوا إلَى سَمْتِهِ ، وَإِلَى
صَلَاتِهِ ، وَإِلَى حَالِهِ ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ .
وَقَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ
جَابِرٍ : لَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ إلَّا عَمَّنْ شُهِدَ لَهُ بِطَلَبِ
الْعِلْمِ وَقَالَ رَبِيعَةُ : مِنْ إخْوَانِنَا مَنْ نَرْجُو بَرَكَةَ
دُعَائِهِ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَنَا عَلَى شَهَادَةٍ مَا قَبِلْنَا .
وَاشْتَرَطَ
الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا إنْ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ ،
حَافِظًا لِكِتَابِهِ إنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ
نَحْوُ هَذَا ، لِئَلَّا يُدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ .
وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ : يُكْتَبُ الْحَدِيثُ عَنْ النَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا
عَنْ ثَلَاثَةٍ : صَاحِبُ هَوًى يَدْعُو إلَيْهِ ، أَوْ كَذَّابٌ ، أَوْ
رَجُلٌ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ .
وَقَالَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : لَا يُؤْخَذُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا
عَنْ الرُّؤَسَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ
الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، وَلَا بَأْسَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ
الْمَشَايِخِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ مُوسَى قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ لَا تَأْخُذُوا الْعِلْمَ عَنْ
الصُّحُفِيِّينَ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : تُكْتَبُ الْآثَارُ مِمَّنْ كَانَ عَدْلًا فِي هَوَاهُ
إلَّا الشِّيعَةَ ، فَإِنَّ أَصْلَ عَقِيدَتهمْ تَضْلِيلُ أَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ
طَائِعًا حَتَّى انْقَادَتْ الْعَامَّةُ لَهُ ، فَذَاكَ لَا يَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ حَرْمَلَةُ : سَمِعْت
الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : مَا فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْمٌ أَشْهَدُ
بِالزُّورِ مِنْ الرَّافِضَةِ .
وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لَا
يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ
وَعَنْ عُلَمَائِهِمْ وَأُمَنَائِهِمْ ، فَإِذَا أَخَذُوهُ مِنْ
أَصَاغِرِهِمْ وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا .
وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ : سَمِعْت أَبَا مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيَّ
الْحَافِظَ
الْحَسَنَ بْنَ أَحْمَدَ سَمِعْت أَبَا الْعَبَّاسِ الْمُسْتَغْفِرِيَّ
الْحَافِظَ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ
مَنْدَهْ الْحَافِظَ يَقُولُ : إذَا رَأَيْت فِي إسْنَادٍ حَدَّثَنَا
فُلَانٌ الزَّاهِدُ فَاغْسِلْ يَدَك مِنْ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ .
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية  الجزء السادس عشر Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء السادس عشر {الجمعة 27 مايو - 17:46}


فَصْلٌ ( فِي سَمْتِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْحَدِيثُ وَالْعِلْمُ وَهَدْيِهِمْ ) .
رَوَى
الْخَلَّالُ فِي أَخْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ :
كَانُوا إذَا أَتَوْا الرَّجُلَ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ نَظَرُوا إلَى
صَلَاتِهِ وَإِلَى سَمْتِهِ وَإِلَى هَيْئَتِهِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ
وَقَدْ سَبَقَ .
وَعَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ : كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ مِنْ الْفَقِيهِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى لِبَاسَهُ وَنَعْلَيْهِ .
وَقِيلَ
لِابْنِ الْمُبَارَكِ أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : إلَى الْبَصْرَةِ ،
فَقِيلَ لَهُ مَنْ بَقِيَ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ آخُذُ مِنْ أَخْلَاقِهِ
آخُذُ مِنْ آدَابِهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ :
كُنَّا نَأْتِي الرَّجُلَ مَا نُرِيدُ عِلْمَهُ لَيْسَ إلَّا أَنْ
نَتَعَلَّمَ مِنْ هَدْيِهِ وَسَمْتِهِ وَدَلِّهِ ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ
الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ يَحْضُرُونَ عِنْدَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْقَطَّانِ مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْمَعُوا شَيْئًا إلَّا يَنْظُرُوا
إلَى هَدْيِهِ وَسَمْتِهِ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
سَمِعْت ابْنَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ : رَأَيْت فِي كُتُبِ
أَبِي سِتَّةَ أَجْزَاءٍ مَذْهَبَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَخْلَاقَهُ ،
وَرَأَيْت أَحْمَدَ يَفْعَلُ كَذَا وَيَفْعَلُ كَذَا وَبَلَغَنِي عَنْهُ
كَذَا وَكَذَا .
قَالَ الشَّاعِرُ : إذَا أَعْجَبَتْك طِبَاعُ امْرِئٍ
فَكُنْهُ يَكُنْ مِنْك مَا يُعْجِبُك فَلَيْسَ عَلَى الْجُودِ
وَالْمَكْرُمَاتِ حِجَابٌ إذَا جِئْته يَحْجُبُك .
فَصْلٌ ( فِي الْإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ عَنْ غَيْرِهَا ) .
قَالَ
الْفَرَبْرِيُّ : سَمِعْت الْبُخَارِيَّ يَقُولُ : دَخَلْت بَغْدَادَ
آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بْنَ
حَنْبَلٍ فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَرَدَ عَنْهُ : يَا أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ تَتْرُكُ الْعِلْمَ وَالنَّاسَ وَتَصِيرُ إلَى خُرَاسَانَ ؟ قَالَ
الْبُخَارِيُّ فَأَنَا الْآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ
بْنُ خَرَزٍ إذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَخَلَفُ بْنُ
سَالِمٍ حَلَبَ ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِخَلَفٍ ارْحَلْ بِنَا
عَنْ هَذَا الْبَلَدِ ، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ يَضِيعُ فِيهِ الْعِلْمُ .
فَصْلٌ ( فِي خَطَرِ كِتْمَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ التَّعْلِيمِ وَمَا قِيلَ فِي أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ ) .
قَالَ
مُثَنَّى : إنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي
جَاءَ { مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ
نَارٍ } فَرَفَعَهُ وَلَمْ يَرَ إذَا سُئِلْت عَنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ
أُجِيبَ عَلِمْت ، وَلَمْ يَرَ الْجُلُوسَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ
لِمَكَانِ الشُّهْرَةِ ، وَلَمْ يَكْرَهْ أَنْ أُحَدِّثَ فِيهِ إذَا مَنْ
أَرَادَ ذَلِكَ مِنِّي وَإِنْ كُنْت مُتَعَلِّمًا .
وَقَالَ
الْخَلَّالُ : سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ
صَدَقَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : الْأَحَادِيثُ فِيمَنْ
كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ لَا يَصِحُّ
مِنْهَا شَيْءٌ .
قَالَ أَبُو دَاوُد ( بَابُ كَرَاهِيَةِ مَنْعِ
الْعِلْمِ ) ثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادٌ أَنَا عَلِيُّ
بْنُ الْحَكَمِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ
فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ
عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ لَهُ طُرُقٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،
وَعَلِيٌّ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو
دَاوُد وَغَيْرُهُمَا .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ صَالِحُ
الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَاهُ صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى ، وَهُوَ ضَعِيفٌ
عِنْدَهُمْ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا
أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ
لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ
اللَّاعِنُونَ } .
قَالَ : وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوجِبُ إظْهَارَ عُلُومِ
الدِّينِ مَنْصُوصَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً ، وَتَدُلُّ عَلَى
امْتِنَاعِ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ
اسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ عَلَى مَا يَجِبُ فِعْلُهُ ، كَذَا قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ وَقَدْ يُسْتَحَقُّ الْأَجْرُ عَلَى مَا
يَجِبُ فِعْلُهُ كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ مَشْهُورٍ فِيهِ .
ثُمَّ
ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ قَالَ : إنَّكُمْ تَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ الْمُوعِدِ
وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْت أَحَدًا
بِشَيْءٍ أَبَدًا ثُمَّ تَلَا { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا
أَنْزَلْنَا } إلَى آخِرِهَا .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ عِلْمًا
ثُمَّ يُعَلِّمَهُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ } .
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا هَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ ذَكَرَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي
بَعْضِ كَلَامِهِ وَقَالَ : إنَّ كَاتِمَ الْعِلْمِ يَلْعَنُهُ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُ اللَّاعِنُونَ ، وَمُرَادُ هَؤُلَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ
عُذْرٌ وَغَرَضٌ صَحِيحٌ فِي كِتْمَانِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ
سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : عِلْمٌ لَا يُقَالُ بِهِ
كَكَنْزٍ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَوَّلُ بَابٍ مِنْ الْعِلْمِ الصَّمْتُ ثُمَّ
اسْتِمَاعُهُ ثُمَّ الْعَمَلُ بِهِ ثُمَّ نَشْرُهُ .
وَعَنْ الْمَسِيحِ
مَنْ تَعَلَّمَ وَعَمِلَ فَذَاكَ يُسَمَّى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ
السَّمَاءِ ، وَعَنْ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلِّمْ مَجَّانًا
كَمَا عُلِّمْت مَجَّانًا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إيَّاكُمْ وَغُلُولَ
الْكُتُبِ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : إذَا كَتَمَ الْعَالَمُ عِلْمَهُ
اُبْتُلِيَ إمَّا بِمَوْتِ الْقَلْبِ ، أَوْ يُنَسَّى ، أَوْ يَتْبَعُ
السُّلْطَانَ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ هَذَا
الْمَعْنَى بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ فِي فَصْلِ " جَاءَ رَجُلَانِ "
وَقَبْلَهُ بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ فِي فَصْلٍ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ :
وَيُشْتَرَطُ فَهْمُ الْمُتَعَلِّمِ وَالسَّائِلِ وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ
بِذَلِكَ ، عَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ إمَامِنَا وَأَصْحَابِنَا ،
وَهُوَ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ ، وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ
حِفْظَهُ وَضَبْطَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ
التَّعْلِيمُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ فَرَائِضِهِ
وَلَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِالْحِفْظِ .
وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت
أَحْمَدَ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : رُبَّمَا جَاءَنِي مَنْ
يَسْتَأْهِلُ فَلَا أُحَدِّثُهُ ، وَيَجِيءُ مَنْ لَا يَسْتَأْهِلُ أَنْ
أُحَدِّثَهُ فَأُحَدِّثُهُ .
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
شَيْءٍ بَعْدَ مَا ضُرِبَ قَالَ : هَذَا زَمَانُ حَدِيثٍ ؟ فَقَالَ لَهُ
السَّائِلُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ : يَحِلُّ لَك أَنْ تَمْنَعَنِي
حَقِّي وَتَمْنَعَ هَذَا حَقَّهُ ؟ لِرَجُلٍ آخَرَ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ ،
فَقَالَ : وَمَا حَقّكُمْ قَالَ : مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ قَالَ : فَسَكَتَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ .
وَعَنْهُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ
نَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ : قَدْ قُلْتُ الْيَوْمَ لَا أُجِيبُ
فِي مَسْأَلَةٍ وَلَكِنْ تَرْجِعُونَ فَأُجِيبَكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى .
وَقَالَ الْأَثْرَمُ : أَتَيْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي
عَشْرِ الْأَضْحَى فَقَالَ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ : كُنَّا نَأْتِي
الْجَرِيرِيَّ فِي الْعَشْرِ فَيَقُولُ : هَذِهِ أَيَّامُ شُغْلٍ
وَلِلنَّاسِ حَاجَاتٌ فَابْنُ آدَمَ إلَى الْمُلَالِ مَا هُوَ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ
كَأَنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَحُثَّهُ عَلَى الْحَدِيثِ قَالَ : لَيْسَ لَهُمْ
إكْرَامٌ لِلشُّيُوخِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى
بَابِنَا فَقَالَ لِي أَبِي اُخْرُجْ إلَيْهِ فَقُلْ لَهُ : لَسْتُ
أُحَدِّثُكَ وَلَا أُحَدِّثُ قَوْمًا أَنْتَ فِيهِمْ ، فَقُلْتُ : مَا
شَأْنُهُ يَا أَبَتِ ؟ قَالَ : رَأَيْتُهُ يَمْجُنُ عَلَى بَابِ عَفَّانَ .
وَعَنْ
أَحْمَدَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى الْكُتَّابِ لِيُحَدِّثَ قَالَ الرَّاوِي :
فَأَخْرَجْنَا الْكُتُبَ فَاطَّلَعَ رَجُلٌ صَاحِبُ هَيْئَةٍ وَلِبَاسٍ
فَنَظَرَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فَأَطْبَقَ الْكِتَابَ وَغَضِبَ وَقَامَ ،
فَقَالَ الرَّجُلُ : أَنَا أَذْهَبُ فَحَدِّثْ الْقَوْمَ ، فَقَالَ :
لَيْسَ أُحَدِّثُ الْيَوْمَ .
وَعَنْ مُغِيرَةَ قَالَ : كُنْتُ أُحَدِّثُ النَّاسَ رَغْبَةً فِي الْأَجْرِ ، فَأَنَا أَمْنَعُهُمْ
الْيَوْمَ
رَغْبَةً فِي الْأَجْرِ ، وَعَنْ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : وَخَرَجَ إلَيْنَا فَرَأَى جَمَاعَتَنَا فَشَكَا
ذَلِكَ إلَيْنَا ، وَأَخْبَرَنَا بِمَا يَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَكَانِ
السُّلْطَانِ قَالَ : وَلَوْلَا ذَلِكَ لَخَفَّ عَلَيَّ أَنْ آتِيَهُمْ
فِي مَنَازِلِهِمْ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ قُلْت لِأَحْمَدَ : أَيَسَعُك
أَلَّا تُحَدِّثَ ؟ قَالَ : لِمَ لَا يَسَعُنِي ؟ ، أَنَا قَدْ حَدَّثْتُ
وَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ بْنُ فَارَةَ : يَا أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ لِمَ قَطَعْتَ الْحَدِيثَ وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ فَمَنْ فَعَلَ
هَذَا ؟ فَسَمَّى رَبَاحَ بْنَ زَيْدٍ وَحِبَّانَ أَبُو حَبِيبٍ يَعْنِي
ابْنَ هِلَالٍ حَدَّثَا ثُمَّ قَطَعَا .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَأَلُونِي يَعْنِي فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي
وَرَدَتْ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْخَلِيفَةِ فَلَمْ أُجِبْ قُلْتُ :
فَلِأَيِّ شَيْءٍ امْتَنَعْتَ أَنْ تُجِيبَ ؟ قَالَ خِفْتُ أَنْ تَكُونَ
ذَرِيعَةً إلَى غَيْرِهَا ؛ قَالَ : وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
وَسَأَلَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ وَقَالَ :
قَدْ فَقَدْتُ بَعْضَ ذِهْنِي وَسَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
خَاقَانَ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ وَقَالَ : قَدْ فَقَدْتُ بَعْضَ
ذِهْنِي .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي أَوَائِلِ صَيْدِ الْخَاطِرِ
: أَنَا لَا أَرَى تَرْكَ التَّحْدِيثِ بِعِلَّةِ قَوْلِ قَائِلِهِمْ :
إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَهْوَةً لِلتَّحْدِيثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ وُجُودِ شَهْوَةِ الرِّيَاسَةِ فَإِنَّهَا جِبِلَّةٌ فِي الطِّبَاعِ .
وَإِنَّمَا يَنْبَغِي مُجَاهَدَتُهَا .
وَلَا يُتْرَكُ حَقٌّ لِلْبَاطِلِ .
فَصْلٌ ( مُخَاطَبَةُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ ) .
قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ
الْعَدْلِ فَقَالَ : لَا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا فَإِنَّك لَا تُدْرِكُهُ
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : حَرَامٌ عَلَى عَالِمٍ قَوِيِّ
الْجَوْهَرِ أَدْرَكَ بِجَوْهَرِيَّتِهِ وَصَفَاءِ نَحِيزَتِهِ عِلْمًا
أَطَاقَهُ فَحَمَلَهُ أَنْ يُرَشِّحَ بِهِ إلَى ضَعِيفٍ لَا يَحْمِلُهُ
وَلَا يَحْتَمِلُهُ ، فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ
النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ } انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهَذَا
الْخَبَرُ رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنُ التَّمِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي
كِتَابِ الْعَقْلِ لَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ : { نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ نُخَاطِبُ النَّاسَ عَلَى
قَدْرِ عُقُولِهِمْ } .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَاكَمَدَاهُ مِنْ
مَخَافَةِ الْأَغْيَار ، وَاحَصْرَاهُ مِنْ أَجْلِ اسْتِمَاعِ ذِي
الْجَهَالَةِ لِلْحَقِّ وَالْإِنْكَارِ ، وَاَللَّهِ مَا زَالَ خَوَاصُّ
عِبَادِ اللَّهِ يُتَطَلَّبُونَ لِتَرَوُّحِهِمْ رُءُوسَ الْجِبَالِ ،
وَالْبَرَارِي وَالْقِفَارَ ، لِمَا يَرَوْنَهُ مِنْ الْمُنْكَرِينَ
لِشَأْنِهِمْ مِنْ الْأَغْمَارِ ، وَالسَّفِيرُ الْأَكْبَرُ يَهْرُبُ مِنْ
فَرْشِ الزَّوْجَاتِ إلَى خَلْوَةٍ بِمَسْجِدٍ لِلتَّرَوُّحِ بِتِلْكَ
الْمُنَاجَاةِ ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُنْكِرَ تَكْدِيرَ
عِيشَةٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُسْلِمًا
إلَى أَنْ يَضِيقَ بِهِ عَيْشٌ ، وَإِنَّمَا دِينُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى
شَعَثِ الدُّنْيَا وَصَلَاحِ الْآخِرَةِ .
فَمَنْ طَلَبَ بِهِ الْعَاجِلَةَ أَخْطَأَهُ .
وَرَوَى
الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ
بْنِ زِيَادٍ الْعَتَكِيِّ ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ سَالِمِ ثَنَا أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ الزَّرَّادُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلَانَ عَنْ نَافِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أُمِرْنَا مَعْشَرَ
الْأَنْبِيَاءِ
أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ } ثُمَّ قَالَ
الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الزَّرَّادُ : لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
وَلَا الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ الْكُنَى .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْلِيَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ عُقُولُ الْعَوَامّ .
وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَدِّثُوا النَّاسَ
بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ ، أَتُحِبُّونَ أَنْ
يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَا أَنْتَ
بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلَّا كَانَ
فِتْنَةً لِبَعْضٍ ، رَوَاهُ مُسْلِمٍ فِي الْمُقَدِّمَة وَعَزَاهُ
بَعْضُهُمْ إلَى الْبُخَارِيِّ .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ
الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ مَرْفُوعًا { إذَا حَدَّثْتُمْ النَّاسَ
عَنْ رَبِّهِمْ فَلَا تُحَدِّثُوهُمْ مَا يَعْزُبُ عَنْهُمْ وَيَشُقُّ
عَلَيْهِمْ } وَسَبَقَ بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ الْكَلَامُ فِي الْقِصَاصِ
وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا .
وَرَوَى
الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ
النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ قَالَ : سُئِلَ الْخَلِيلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ
فَأَبْطَأَ بِالْجَوَابِ فِيهَا قَالَ : فَقُلْتُ مَا فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ كُلُّ هَذَا النَّظَرِ قَالَ : فَرَغْتُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ
وَجَوَابِهَا وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجِيبَك جَوَابًا يَكُونُ أَسْرَعَ
إلَى فَهْمِكَ قَالَ أَبُو قُدَامَةَ : فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُبَيْدٍ
فَسُرَّ بِهِ .
وَفِي تَارِيخِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ
السَّرَخْسِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَقِيهِ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
حَامِدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ سَمِعْتُ
الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ كَانَ
يُكَلِّمُنَا عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ مَا فَهِمْنَا عَنْهُ لَكِنَّهُ كَانَ
يُكَلِّمُنَا عَلَى قَدْرِ عُقُولِنَا فَنَفْهَمُهُ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ
عَنْ { قَزَعَةَ قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَهُوَ
مَكْثُورٌ عِنْدَهُ ، أَيْ : عِنْدَهُ نَاسٌ كَثِيرُونَ ، فَلَمَّا
تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ قُلْتُ : أَسْأَلُكَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا لَكَ فِي ذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ .
فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ } .
وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : مَعْنَاهُ أَنَّك لَا تَسْتَطِيعُ
الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهَا ، وَإِنْ تَكَلَّفْتَ ذَلِكَ شَقَّ عَلَيْكَ
وَلَمْ تُحَصِّلْهُ ، فَتَكُونُ قَدْ عَلِمْتَ السُّنَّةَ وَتَرَكْتَهَا .
وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي رَمْي الْعَالِمِ الْمَسْأَلَةَ وَسُؤَالِ النَّاسِ لَهُ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرْتُ
الشَّافِعِيَّ يَوْمًا بِحَدِيثٍ وَأَنَا غُلَامٌ فَقَالَ مَنْ حَدَّثَكَ
؟ فَقُلْتُ : أَنْتَ قَالَ : مَا حَدَّثْتُكَ مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ كَمَا
حَدَّثْتُكَ ، وَإِيَّاكَ وَالرِّوَايَةَ عَنْ الْأَحْيَاءِ .
فَصْلٌ ( فِي وَضْع الْعَالِمِ الْمِحْبَرَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَوَازِ اسْتِمْدَادِ الرَّجُلِ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ ) .
وَضَعَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِحْبَرَةً
فَقِيلَ لَهُ : أَسْتَمِدُّ مِنْهَا فَتَبَسَّمَ وَقَالَ : قَدْ رُوِيَ
عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ مِحْبَرَةٌ
فَقَالُوا : نَسْتَمِدُّ مِنْهَا فَقَالَ : إنَّهَا عَارِيَّةٌ .
نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ .
وَقَالَ
حَرْبٌ قُلْتُ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ يَسْتَمِدُّ الرَّجُلُ مِنْ
مِحْبَرَةِ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : لَا يَسْتَمِدُّ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ
الْخَلَّالُ ( كَرَاهِيَةُ أَنْ يَسْتَمِدَّ الرَّجُلُ مِنْ مِحْبَرَةِ
الرَّجُلِ إلَّا بِإِذْنِهِ ) وَذَكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِمِرْبَعٍ : كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مِحْبَرَةٌ فَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
حَدِيثًا فَاسْتَأْذَنْتُهُ بِأَنْ أَكْتُبَ مِنْ مِحْبَرَتِهِ ، فَقَالَ
: اُكْتُبْ يَا هَذَا فَهَذَا وَرَعٌ مُظْلِمٌ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ طَارِقٍ الْبَغْدَادِيُّ : كُنْتُ جَالِسًا إلَى جَانِبِ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَسْتَمِدُّ مِنْ
مِحْبَرَتِك ؟ فَنَظَرَ إلَيَّ وَقَالَ : لَمْ يَبْلُغْ وَرَعِي وَرَعَك
هَذَا .
وَعَنْ وَكِيعٍ وَجَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ : إنِّي
أَمُتُّ إلَيْكَ بِحُرْمَةٍ قَالَ : وَمَا حُرْمَتُكَ قَالَ : كُنْتَ
تَكْتُبُ مِنْ مِحْبَرَتِي فِي مَجْلِسِ الْأَعْمَشِ ، فَوَثَبَ فَدَخَلَ
مَنْزِلَهُ فَأَخْرَجَ صُرَّةً فِيهَا دَنَانِيرُ وَقَالَ لَهُ :
اُعْذُرْنِي فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ
زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْأَحْوَلُ جِئْتُ يَوْمًا وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ يُمْلِي فَجَلَسْتُ أَكْتُبُ فَاسْتَمْدَيْتُ مِنْ مِحْبَرَةِ
إنْسَانٍ فَنَظَرَ إلَيَّ أَحْمَدُ فَقَالَ : يَا يَحْيَى اسْتَأْذَنْتَهُ
؟ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : لَزِمْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ
سِنِينَ فَكَانَ إذَا خَرَجَ لِيُحَدِّثَنَا يُخْرِجُ مَعَهُ مِحْبَرَةً
مُجَلَّدَةً بِجِلْدٍ أَحْمَرَ وَقَلَمًا .
فَإِذَا مَرَّ بِهِ سَقْطٌ أَوْ خَطَأٌ فِي كِتَابِهِ أَسْقَطَهُ بِقَلَمِهِ مِنْ مِحْبَرَتِهِ
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية  الجزء السادس عشر Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء السادس عشر {الجمعة 27 مايو - 17:46}


يَتَوَرَّعُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مِحْبَرَةِ أَحَدِنَا شَيْئًا .
وَحَكَى
ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْفُصُول عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ
قَالَ : رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَنْعُ الْكَتْبِ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ
بِغَيْرِ إذْنِهِ .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لِمَنْ اسْتَأْذَنَهُ هَذَا مِنْ الْوَرَعِ الْمُظْلِمِ .
فَحَمَلْنَا الْأَوَّلَ عَلَى كَتْبٍ يَطُولُ .
وَالثَّانِي عَلَى غَمْسِهِ قَلَمًا لِكَتْبِ كَلِمَةٍ .
أَوْ فِي حَقِّ مَنْ يَنْبَسِطُ إلَيْهِ وَيَأْذَنُ لَهُ حُكْمًا وَعُرْفًا انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَالْأَوْلَى
أَنْ يُقَالَ : يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى كَتْبٍ يَطُولُ ، وَالثَّانِي
عَلَى كَتْبٍ قَلِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِهِ عَادَةً وَعُرْفًا .
أَوْ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ قَلْبُهُ وَلَا يَأْذَنُ فِيهِ .
وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى مَنْ يَطِيبُ بِهِ وَيَأْذَنُ فِيهِ .
فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَالْكُتُبِ وَالْكُتَّابِ وَأَدَوَاتِهِمْ الْكِتَابِيَّةِ .
قَالَ
الْخَلَّالُ : التَّوَقِّي أَنْ لَا يُتَرَّبَ الْكِتَابُ إلَّا مِنْ
الْمُبَاحَاتِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ كَانَ يَجِيءُ مَعَهُ بِشَيْءٍ ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ تُرَابِ
الْمَسْجِدِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ بْنَ
مُقَاتِلٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : رَأَيْتُهُمْ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ
فِي دُورِ السَّبِيلِ ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِمُوهُ أَرْسَلُوا
إلَى الْبَحْرِ فَأَخَذُوا الطِّينَ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي كِتَابِ فَاتِحَةِ الْعِلْمِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَحْرُمُ .
وَعَنْ
جَابِرٍ مَرْفُوعًا { تَرِّبُوا صُحُفَكُمْ أَنْجَحُ لَهَا فَإِنَّ
التُّرَابَ مُبَارَكٌ } وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا { ضَعْ
الْقَلَمَ عَلَى أُذُنِكَ فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لِلْمُمْلِي } رَوَاهُمَا
التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُمَا ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ الْأَوَّلَ .
قَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { تَرِّبُوا الْكُتُبَ وَسَحُّوهَا مِنْ
أَسْفَلِهَا فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ } وَذَكَرَ أَيْضًا الْخَبَرَ
الْمَشْهُورَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ : { نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ } .
وَرُوِيَ
عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ ،
وَيَكْثُرَ التُّجَّارُ ، وَيَظْهَرَ الْقَلَمُ } يَعْنِي الْكِتَابَةَ ،
كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدُ الْبَرِّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ {
يُرْفَعُ الْعِلْمُ وَيَفِيضُ الْمَالُ } حَسْبُ .
قَالَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ : لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ :
تَاجِرُ بَنِي فُلَانٍ وَكَاتِبُ بَنِي فُلَانٍ ، مَا يَكُونُ فِي
الْحَيِّ إلَّا التَّاجِرُ الْوَاحِدُ وَالْكَاتِبُ الْوَاحِدُ .
وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا : لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي الْحَيَّ الْعَظِيمَ فَمَا يَجِدُ بِهِ كَاتِبًا .
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَيْضًا { فُشُوُّ الْقَلَمِ وَفُشُوُّ التِّجَارَةِ
مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ " فُشُوُّ الْقَلَمِ " ظُهُورَ الْكِتَابَةِ وَكَثْرَةَ الْكُتَّابِ .
وَعَنْ
بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ يُوسُفَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي
حَفِيظٌ عَلِيمٌ } .
قَالَ : كَاتِبٌ حَاسِبٌ .
وَقَدْ كَتَبَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ
أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ
وَحَنْظَلَةُ الْأَسَدِيُّ وَمُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْأَرْقَمِ ، وَكَانَ كَاتِبَهُ الْمُوَاظِبَ عَلَى الرَّسَائِلِ
وَالْأَجْوِبَةِ ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ الْوَحْيَ كُلَّهُ وَأَمَرَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَعَلَّمَ
كِتَابَ السُّرْيَانِيَّةِ لِيُجِيبَ عَنْهُ مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ بِهَا ،
فَتَعَلَّمَهَا فِي ثَمَانِيَةِ عَشَرَ يَوْمًا .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِكَاتِبِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي رَافِعٍ : إذَا كَتَبْتَ فَأَلْقِ دَوَاتَكَ .
وَأَطِلْ سِنَّ قَلَمِكَ ، وَفَرِّجْ السُّطُورَ ، وَقَارِبْ بَيْنَ الْحُرُوفِ .
وَقَالَتْ الْعَرَبُ : الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ ، وَقَالُوا : الْخَطُّ الْحَسَنُ يَزِيدُ الْحَقَّ وُضُوحًا .
وَقَالَ
الْمَأْمُونُ : الْخَطُّ لِسَانُ السَّيِّدِ وَهُوَ أَفْضَلُ أَجْزَاءِ
الْيَدِ ، وَأَمَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ بِسَجْنِ طَائِفَةٍ مِنْ
الْكُتَّابِ عَتَبَ عَلَيْهِمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ طَرِيقِ
السَّجْنِ : أَطَالَ اللَّهُ عُمُرَكَ فِي صَلَاحٍ وَعِزٍّ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَا بِعَفْوِك نَسْتَجِيرُ فَإِنْ تُجِرْنَا فَإِنَّك
رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَا وَنَحْنُ الْكَاتِبُونَ وَقَدْ أَسَأْنَا
فَهَبْنَا لِلْكِرَامِ الْكَاتِبِينَا قَالَ : فَعَفَا عَنْهُمْ وَأَمَرَ
بِتَخْلِيَتِهِمْ .
وَاسْمُ الْكَاتِبِ بِالْفَارِسِيَّةِ دِيوَانٌ
أَيْ شَيَاطِينُ لِحِذْقِهِمْ بِالْأُمُورِ وَلُطْفِهِمْ ، فَسُمِّيَ
الدِّيوَانُ بِاسْمِهِمْ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِ مِائَةٍ قَالَ : مَعْنَى
الدِّيوَانِ الْأَصْلُ الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ وَيُعْمَلُ بِمَا فِيهِ
كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إذَا سَأَلْتُمُونِي عَنْ شَيْءٍ مِنْ
غَرِيبِ الْقُرْآنِ فَالْتَمِسُوهُ فِي الشَّعْرِ ، فَإِنَّ الشِّعْرَ
دِيوَانُ الْعَرَبِ ، أَيْ : أَصْلُهُ وَيُقَال : دَوَّنَ هَذَا أَيْ :
أَثْبَتَهُ وَجَعَلَهُ أَصْلًا .
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ
أَنَّ أَصْلَهُ عَجَمِيٌّ وَبَعْضُهُمْ يَقُول : عَرَبِيٌّ وَقَدْ
ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَتَكَلَّمَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ
دِوَانٌ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ فِي الْجَمْعِ
دَوَاوِينُ .
وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ أَبْدَلُوا مِنْ أَحَدِ الْوَاوَيْنِ يَاءً .
وَنَظِيرُهُ دِينَارٌ الْأَصْلُ فِيهِ دَنَارٌ وَكَذَا قِيرَاطٌ الْأَصْلُ فِيهِ قِرَاطٌ .
فَأَمَّا
الْفَرَّاءُ فَيَزْعُمُ أَنَّك إذَا سَمَّيْتَ رَجُلًا بِدِيوَانٍ ،
وَأَنْتَ تُرِيدُ كَلَامَ الْأَعَاجِمِ لَمْ تَصْرِفْهُ ، وَهَذَا عِنْدِي
غَلَطٌ لِأَنَّك إذَا سَمَّيْتَ رَجُلًا دِيوَانًا عَلَى أَنَّهُ
أَعْجَمِيٌّ لَمْ يَجُزْ إلَّا صَرْفُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ
لَا يَدْخُلَانِ فِيهِ فَقَدْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ طَاوُسٍ وَرَاقُودٍ
وَمَا أَشْبَهَهُمَا ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ عَرَبِيًّا صَرَفْتَهُ أَيْضًا
لِأَنَّهُ فِعَالٌ ، الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ دَوَاوِينَ ،
وَدِيوَانَ بِالْفَتْحِ غَلَطٌ ، وَلَوْ كَانَ بِالْفَتْحِ لَمْ يَجُزْ
قَلْبُ الْوَاوِ يَاءً ، فَإِنْ قِيلَ : الْيَاءُ أَصْلٌ قِيلَ هَذَا
خَطَأٌ ، وَلَوْ كَانَ كَذَا لَقِيلَ فِي الْجَمْعِ دَيَاوِينُ ،
فَدِيوَانٌ لَا يُقَالُ كَمَا لَا يُقَالُ دِينَارٌ وَلَا قِيرَاطٌ ،
وَزَعَمَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَّ أَصْلَهُ أَعْجَمِيٌّ .
وَرَوَى أَنَّ
كِسْرَى أَمَرَ الْكُتَّابَ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي دَارٍ فَيَعْلَمُوا
حِسَابَ السَّوَادِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَاجْتَمَعُوا فِي الدَّارِ
وَاجْتَهَدُوا فَأَشْرَفَ
عَلَيْهِمْ ، وَبَعْضُهُمْ يَعْقِدُ
وَبَعْضُهُمْ يَكْتُبُ فَقَالَ : " إيشان ديواشد " أَيْ : هَؤُلَاءِ
مَجَانِين ، فَلَزِمَ مَوْضِعَ الْكِتَابَةِ هَذَا الِاسْمُ مِنْ ذَلِكَ
الدَّهْرِ ثُمَّ عَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ فَقَالَتْ : دِيوَانٌ انْتَهَى مَا
ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ .
قَالَ وَالدَّفْتَرُ اسْمٌ عَرَبِيٌّ لَا
نَعْلَمُ لَهُ اشْتِقَاقًا ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ
كُلَّ اسْمٍ عَرَبِيٍّ ، فَهُوَ مُشْتَقٌّ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا غَابَ
عَنْ الْعَالِمِ شَيْءٌ وَعَرَفَهُ غَيْرُهُ ، يُقَالُ لَهُ : دَفْتَرٌ
وَدَفْتَرٌ وَتَفْتُرُ ثَلَاثُ لُغَاتٍ .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ :
الدَّفْتَرُ وَاحِدُ الدَّفَاتِرِ وَهِيَ الْكَرَارِيسُ قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ : وَالْكُرَّاسَةُ مَعْنَاهَا الْكُتُبُ الْمَضْمُومَةُ
بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، وَالْوَرَقُ الَّذِي أُلْصِقَ بَعْضُهُ إلَى
بَعْضٍ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ : رَسْمٌ مُكَرَّسٌ إذَا أَلْصَقَتْ
الرِّيحُ التُّرَابَ بِهِ .
وَقَالَ الْخَلِيلُ : الْكُرَّاسَةُ
مَأْخُوذَةٌ مِنْ كُرَّاسِ الْغَنَمِ وَهُوَ أَنْ يَبُولَ فِي الْمَوْضِعِ
شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَيَتَلَبَّدَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : أَصْلُ الْكُرَّاسِ وَالْكَرَارِيسُ الْعِلْمُ ،
وَمِنْهُ قِيلَ لِصَحِيفَةٍ يَكُونُ فِيهَا عِلْمٌ مَكْتُوبٌ : كُرَّاسَةٌ
.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَالْكُرَّاسَةُ وَاحِدَةُ الْكُرَّاسِ
وَالصَّحِيفَةُ الْكِتَابُ وَالْجَمْعُ صُحُفٍ وَصَحَائِفُ قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ وَقِيلَ : مُصْحَفٌ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْوَرِقِ الَّذِي
يُصَحَّفُ فِيهِ مِنْ أَصْحَفَ كَمُكْرَمٍ ، وَمَنْ قَالَ مَصْحِفٌ
بِفَتْحِ الْمِيمِ جَعَلَهُ مِنْ صَحِفْتُ مُصْحَفًا مِثْل جَلَسْتُ
مَجْلِسًا ، وَمَنْ كَسَرَ الْمِيمَ شَبَّهَهُ بِمِنْقَلٍ .
وَأَمَّا
السِّفْرُ فَمُشْتَقٌّ مِنْ أَسْفَرَ الشَّيْءُ إذَا تَبَيَّنَ فَهُوَ
الَّذِي فِيهِ الْبَيَانُ ، وَمِنْهُ أَسْفَرَ الصُّبْحُ إذَا تَبَيَّنَ ،
وَأَسْفَرَ وَجْهُ الْمَرْأَةِ إذَا أَضَاءَ .
وَسُمِّيَ الْقَلَمُ
قَلَمًا لِأَنَّهُ يُقْلَمُ أَيْ يُقْطَعُ مِنْهُ ، وَمِنْهُ قَلَّمْت
أَظْفَارِي ، وَقِيلَ : قَطْعُهُ لَيْسَ بِقَلَمٍ وَلَكِنَّهُ أُنْبُوبٌ ،
وَقِيلَ الْقَلَمُ مُشْتَقٌّ مِنْ القلام وَهُوَ نَبْتٌ ضَعِيفٌ وَاهِي
الْأَصْل ، فَقِيلَ قَلَمٌ لِأَنَّهُ خُفِّفَ وَأُضْعِفَ بِمَا أُخِذَ
مِنْهُ ، وَرَجُلٌ مُقَلَّمُ الْأَظْفَارِ مِنْ هَذَا ، أَيْ ضَعِيفٌ فِي
الْحَرْبِ نَاقِصٌ ، وَيُقَالُ رَعَفَ الْقَلَمُ إذَا قَطَرَ ، وَرَاعَفَ
الرَّجُلُ الْقَلَمَ إذَا أَخَذَ فِيهِ مِدَادًا كَثِيرًا حَتَّى يَقْطُرَ
وَيُقَالُ اسْتَمِدَّ وَلَا تَرْعُفْ .
أَيْ لَا تُكْثِرْ الْمِدَادَ
حَتَّى يَقْطُرَ ، وَيُقَال ذَنَبْتُ الْقَلَمَ فَهُوَ مِذْنَبٌ ،
فَأَمَّا الرُّطَبُ فَيُقَالُ فِيهِ مِذْنَبٌ مِنْ ذَنَب هُوَ وَيُقَالُ
حَفِيَ الْقَلَمُ يَحْفَى حَفْوَةً وَحُفْوَةً وَحِفْيَةً وَحَفَاوَة
وَحِفًا مَقْصُورٌ ، فَأَمَّا الْحَفَاءُ مَمْدُودٌ فَمَشْيُ الرَّجُلِ
بِلَا نَعْلٍ .
وَيُقَالُ لِلْقِطْعَةِ الَّتِي تُقْطَعُ مِنْ
الْأُنْبُوبَةِ شَظِيَّةٌ مُشْتَقٌّ مِنْ شَظِيَ الْقَوْمُ تَفَرَّقُوا ،
وَيُقَالُ : قَلَمٌ ذَنُوبٌ إذَا كَانَ طَوِيلَ الذَّنَبِ ، كَمَا يُقَالُ
: فَرَسٌ ذَنُوبٌ ، وَلِلْقَلَمِ سِنَّانِ فَإِذَا كَانَ الْأَيْمَنُ
أَرْفَعَ قِيلَ مُحَرَّفٌ ، وَإِنْ اسْتَوَيَا قِيلَ قَلَمٌ مُسْتَوِي
السِّنَّيْنِ ، وَأَشْحَمْتُ الْقَلَمَ تَرَكْتُ شَحْمَهُ فَلَمْ آخُذْهُ
، فَإِنْ أَخَذْتُ شَحْمَهُ قُلْت بَطَّنْتُهُ تَبْطِينًا ، وَيُقَالُ :
بَرَيْت الْقَلَمَ بَرْيًا وَمَا سَقَطَ بُرَايَةٌ وَقَدْ يُقَالُ
لِلْقَلَمِ نَفْسِهِ بُرَايَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ فُعَالَةً
لِكُلِّ مَا نَقَصَ مِنْهُ فَيَقُولُونَ قُطَاعَةً وَقُوَارَةً ذَكَرَهُ
أَبُو جَعْفَرٍ .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَوَّرَهُ وَاقْتَوَرَهُ
وَاقْتَارَهُ بِمَعْنَى قَطَعَهُ مُدَوَّرًا ، وَمِنْهُ قُوَارَةُ
الْقَمِيصِ وَالْبِطِّيخِ وَقَالَ : وَالْقُطَاعَةُ بِالضَّمِّ مَا سَقَطَ
عَنْ الْقَطْعِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يُقَالُ : قَطِطْتُ الْقَلَمَ
أَيْ : قَطَعْت مِنْهُ وَالْقَلَمُ مَقْطُوطٌ ، وَقُطَيْطٌ ، وَالْمِقَطُّ
الَّذِي يُقَطُّ الْقَلَمُ عَلَيْهِ ، وَالْمَقَطُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ
الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقَطُّ مِنْ رَأْسِ الْقَلَمِ ، وَهُوَ
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية  الجزء السادس عشر Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء السادس عشر {الجمعة 27 مايو - 17:47}


مُشْتَقٌّ
مِنْ قَطِطْتُ أَيْ قَطَعْت ، وَمَا رَأَيْتُهُ قَطُّ أَيْ : انْقَطَعَتْ
الرُّؤْيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَالْقَطُّ الْكِتَابُ بِالْجَائِزَةِ ؛
لِأَنَّهُ يُقْطَعُ ، وَمِنْهُ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَثَائِقَ ، وَقَطُّ
بِمَعْنَى حَسْبُ .
وَالدَّوَاةُ جَمْعُهَا دَوِيَّاتُ فِي
الْعَدَدِ الْقَلِيلِ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَفِي الْكَثِيرِ
دُوِيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا وَدِوِيٌّ وَدِوَايًا ،
وَيُقَالُ : أَدْوَيْتُ دَوَاةً إذَا اتَّخَذْتَهَا ، وَقَدْ دَوِيَ
الدَّوَاةَ أَيْ عَمِلَهَا ، فَهُوَ مُدْوٍ مِثْلَ مُقْنٍ لِلَّذِي
يَعْمَلُ الْقَنَا ، وَيُقَالُ لِمَنْ يَبِيعُهَا دَوَاءٍ مِثْلَ تَبَّانٍ
لِلَّذِي يَبِيعُ التِّبْنَ ، وَاَلَّذِي يَحْمِلُهَا وَيُمْسِكُهَا دَاوٍ
وَمِثْلُهُ رَامِحٌ لِلَّذِي يَحْمِلُ الرُّمْحَ ، وَاشْتِقَاقُ
الْمِدَادِ مِنْ الْمَدَدِ لِلْكَاتِبِ ، وَهِيَ جَمْعُ مِدَادَةٍ
يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ .
قَالَ الْفَرَّاءُ وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ
زِيَادٍ الْكُوفِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ : إنْ جَعَلْت
الْمِدَادَ مَصْدَرًا لَمْ تُثَنِّهِ وَلَمْ تَجْمَعْهُ ، وَيُقَالُ
أُمِدَّتْ الدَّوَاةُ إذَا جَعَلْتَ فِيهَا الْمِدَادَ ، فَإِنْ زِدْت
عَلَى مِدَادِهَا قُلْت : مَدَدْتُهَا .
وَاسْتَمْدَدْتُ مِنْهَا أَيْ
: أَخَذْت فَإِنْ أَخَذْت مِدَادَهَا كُلَّهُ قُلْت : قَعُرَتْ الدَّوَاةُ
أَقْعَرَهَا قَعْرًا ، وَاشْتِقَاقُهُ أَنَّك بَلَغْت إلَى قَعْرِهَا ،
وَقَدْ سُمِعَ أَقْعَرْت الْإِنَاءَ إقْعَارًا إذَا جَعَلْت لَهُ قَعْرًا .
وَإِذَا
أُلْصِقَ الْقُطْنُ يَعْنِي أَوْ غَيْرُهُ بِالدَّوَاةِ ، فَهُوَ لَيْقَةٌ
، مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ : مَا يَلِيقُ فُلَانٌ بِقَلْبِي أَيْ مَا
يَلْصَقُ بِهِ ، وَيُقَالُ : أَلَقْتُ الدَّوَاةَ إلَاقَةً ، وَلِقْتُهَا
لَيْقًا وَلُيُوقًا وَلَيَقَانًا إذَا أَلْصَقْت مِدَادَهَا ، وَقَدْ
أَنْعَمْت لِيقَةَ الدَّوَاةِ إنْعَامًا أَيْ : زِدْت فِي لَيْقِهَا
وَأَنْعَمَ الشَّيْءُ إذَا زَادَ ، وَمِنْهُ الْحَدِيث { وَإِنَّ أَبَا
بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا } أَيْ : زَادَ عَلَى ذَلِكَ .
وَمِنْهُ
سَحَقْت الْمِدَادَ سَحْقًا نَعَمًا قِيلَ لِلْفَرَّاءِ لِمَ سُمِّيَ
الْمِدَادُ حِبْرًا قَالَ : يُقَالُ لِلْعَالِمِ : حَبْرٌ وَحِبْرٌ
وَإِنَّمَا أَرَادُوا مِدَادَ حَبْرٍ فَحَذَفُوا مِدَادًا ثُمَّ جَعَلُوا
مَكَانه حِبْرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } وَقَالَ
الْأَصْمَعِيُّ : لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ لِتَأْثِيرِهِ عَلَى
أَسْنَانِهِ حَبْرَةٌ
يُقَالُ إذَا كَثُرَتْ فِيهَا الصُّفْرَةُ
حَتَّى تَضْرِبَ إلَى السَّوَادِ قَالَ مُحَمَّدُ بْن يَزِيدَ : وَأَنَا
أَحْسَبُ أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ حِبْرًا لِأَنَّهُ تُحْبَرُ بِهِ
الْكُتُبُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ : مِنْ حُسْنِ
تَقْدِيرِ الْكَاتِبِ أَلَّا يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ
إلَيْهِ فِي سَطْرٍ ، وَكَذَا أَعَزَّهُ اللَّهُ ، وَكَذَا أَحَدَ عَشَرَ
لِأَنَّهُ كَاسْمٍ وَاحِدٍ ، وَيُسْتَحْسَنُ الْمَشْقُ فِي الشِّينِ
وَالسِّينِ إلَّا فِي أَوَاخِرِ الْكَلِمِ نَحْوَ النَّاسِ ، وَأَصْلُ
الْمَشْقِ فِي اللُّغَةِ الْخِفَّةُ ، يُقَالُ : مَشَقَ بِالرُّمْحِ
وَمَشَقَ الرَّجُلُ الرَّغِيفَ إذَا أَكَلَهُ أَكْلًا خَفِيفًا ،
فَمَعْنَى مَشَقَ الْكَاتِبُ إذَا خَفَّفَ يَدَهُ ، وَهَذَا اخْتِيَارٌ
مُحْدَثٌ ، وَأَمَّا رُؤَسَاءُ الْكُتَّابِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَكَانُوا
يَكْرَهُونَ الْمَشْقَ كُلَّهُ وَإِرْسَالَ الْيَدِ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ
: هُوَ لِلْمُبْتَدِي مَفْسَدَةٌ لِخَطِّهِ وَدَلِيلٌ عَلَى تَهَاوُنِهِ
بِمَا يَكْتُبُهُ .
وَقَدْ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَكْتُبَ بِسْمِ اللَّهِ بِغَيْرِ سِينٍ .
وَيَسْتَحْسِنُونَ إذَا تَوَالَتْ السِّينُ وَالشِّينُ فِي كَلِمَةٍ أَنْ يُقَدِّرَ الْكَاتِبُ فَصْلًا بِمَدَّةٍ .
وَيَسْتَحْسِنُونَ
فِي كِتَابَةِ نَحْوِ بَيْنَ أَنْ يَرْفَعَ الْوُسْطَى مِنْ الثَّلَاثِ
فَرْقًا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ السِّينِ وَالشِّينِ ، وَيَسْتَحِبُّونَ
أَنْ تَكُونَ الْكَافُ غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ إذَا كَانَتْ طَرَفًا عِنْدهمْ
، وَيُحِبُّونَ تَعْلِيمَهَا إذَا كَانَتْ مُتَوَسِّطَةً وَلَا تُعَلَّم
إذَا كَانَتْ طَرَفًا ، وَيَسْتَحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ
سَهْلَةً سَمْحَةً غَيْرَ بَشِعَةٍ .
وَمِمَّا يَسْتَحْسِنُونَ
لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْدِيٍّ تَوْقِيعُهُ إلَى كَاتِبِهِ : إيَّاكَ
وَالتَّتَبُّعَ لِحُوشِيِّ الْكَلَامِ طَمَعًا فِي نَيْلِ الْبَلَاغَةِ
فَإِنَّ ذَلِكَ الْعِيُّ الْأَكْبَرُ ، وَعَلَيْك بِمَا يَسْهُلُ مَعَ
تَجَنُّبِك لِلْأَلْفَاظِ السُّفْلَى .
وَكَذَا مَا رُوِيَ مِنْ صِفَةِ
يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ قَالَ : أَخَذَ بِذِمَامِ
الْكَلَامِ فَقَادَهُ أَسْهَلَ مُقَادٍ ، وَسَاقَهُ أَحْسَنَ مَسَاقٍ ،
فَاسْتَرْجَعَ بِهِ الْقُلُوبَ النَّافِرَةَ ، وَاسْتَصْرَفَ بِهِ
الْأَبْصَارَ الطَّامِحَةَ .
قَالَ الْجَاحِظُ : لَمْ أَرَ قَوْمًا
أَمْثَلَ طَبَقَةً فِي الْبَلَاغَةِ مِنْ الْكُتَّابِ وَذَلِكَ
لِأَنَّهُمْ الْتَمِسُوا مَا لَمْ يَكُنْ
مُتَوَعِّرًا مِنْ الْأَلْفَاظِ حُوشِيًّا ، وَلَا سَاقِطًا عَامِّيًّا .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ صَاحِبُ كِتَابِ الدِّيبَاجِ : يَجِبُ
لِلْكَاتِبِ أَنْ يَعْدِلَ بِكَلَامِهِ عَنْ الْغَرِيبِ الْحُوشِيِّ ،
وَالْعَامِّيِّ السُّوقِيِّ ، وَالرَّذْلِ السَّلِيقِيِّ ، وَيُجَانِبَ
التَّقْعِيرَ ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْمِلَ نَفْسَهُ فِي تَنْزِيلِ
الْأَلْفَاظِ ، وَسُئِلَ أَعْرَابِيٌّ مَنْ أَبْلَغُ النَّاسِ ؟ قَالَ :
أَسْهَلُهُمْ لَفْظًا وَأَحْسَنُهُمْ بَدِيهَةً ، وَقَدْ سَبَقَ فِي
فُصُولِ رَدِّ السَّلَامِ رَدُّ جَوَابِ الْكُتَّابِ وَمَا يَتَعَلَّقُ
بِذَلِكَ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْخَرَاجِ عَنْ عَمْرو بْنِ
عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمَةَ سُلَيْمَانَ
بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ عَنْ صَالِح بْنِ يَحْيَى بْنِ
الْمِقْدَامِ عَنْ جَدِّهِ وَفِي نُسْخَةِ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِهِ
ثُمَّ قَالَ لَهُ : { أَفْلَحْتَ يَا قَدِيمُ إنْ مِتَّ وَلَمْ تَكُنْ
أَمِيرًا وَلَا كَاتِبًا وَلَا عَرِيفًا } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَرَّانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
حَرْبٍ الْأَبْرَشِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ صَالِحٍ عَنْ جَدِّهِ صَالِحٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ : فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي
الثِّقَاتِ يُخْطِئ .
فَصْلٌ ( فِي نَظَرِ الرَّجُلِ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ رِضَاهُ ) .
قَالَ
الْخَلَّالُ كَرَاهِيَةُ النَّظَرِ فِي كِتَابِ الرَّجُلِ إلَّا
بِإِذْنِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَسْكَرٍ : كُنْت عِنْد أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ ، وَعِنْدَهُ الْهَيْثَمُ بْن خَارِجَةُ فَذَهَبْت أَنْظُرُ فِي
كِتَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَكَرِهَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أَنْ أَنْظُرَ
فِي كِتَابِهِ ، وَاطَّلَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ فِي
كِتَابِ أَبِي عَوَانَةَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ
مَرَّتَيْنِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ
رَهَنَ مُصْحَفًا هَلْ يَقْرَأُ فِيهِ ؟ قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ
مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ مُصْحَفٌ رُهِنَ لَا يَقْرَأُ إلَّا بِإِذْنِهِ .
وَقَالَ
فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ رُهِنَ عِنْدَهُ
الْمُصْحَفُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْقِرَاءَةِ فِيهِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ
قَرَأَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : أَمَّا
مَنْعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ مَعَ قَوْلِنَا :
إنَّهُ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ إذَا طَلَبَهُ الْغَيْرُ لِلْقِرَاءَةِ ،
فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ مُصْحَفًا غَيْرَهُ .
وَإِنَّمَا
يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ عِنْدَ
مَسْأَلَةِ رَهْنِ الْمُصْحَفِ : وَلَا يَقْرَأُ أَحَدٌ فِي الْمُصْحَفِ
بِلَا إذْنِ رَبِّهِ ، وَقِيلَ : بَلَى إنْ لَمْ يَضُرَّ مَالِيَّتَهُ ،
وَإِنْ طَلَبَهُ أَحَدٌ لِيَقْرَأَ فِيهِ لَمْ يَجِبْ بَذْلُهُ وَقِيلَ
يَجِبُ ، وَقِيلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَذَكَرَ بَعْضُ
الشَّافِعِيَّةِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ النَّظَرَ فِي كِتَابِ
الْغَيْرِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ لَا يَحْرُمُ ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ
أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ } قَالَ
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ : وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكِتَابِ
الَّذِي فِيهِ سِرٌّ وَأَمَانَةٌ يَكْرَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يُطَّلَعَ
عَلَيْهِ ، قَالَ : وَقِيلَ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ
كِتَابٍ .
وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ : بَابُ مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ مَنْ يُحْذَرُ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَبِينَ أَمْرَهُ وَذَكَرَ كِتَابَ حَاطِبِ بْنِ
أَبِي بَلْتَعَةَ وَقِصَّتَهُ .
وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ مَعَ الْعِلْمِ ،
وَمَعَ الظَّنِّ فِيهِ نَظَرٌ وَيَحْرُمُ مَعَ الشَّكِّ ، وَالْقِصَّةُ
قَضِيَّةُ عَيْنٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : فِيهِ هَتْكُ سَتْرِ
الْمُفْسِدِ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَوْ كَانَ فِي السَّتْرِ
مَفْسَدَةٌ ، وَإِنَّمَا يُنْدَبُ السَّتْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ
مَفْسَدَةٌ وَلَا تَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَةٌ .
فَصْلٌ فِي بَذْلِ
الْعِلْمِ وَمِنْهُ إعَارَةُ الْكُتُبِ قَالَ الْخَلَّالُ كَرَاهِيَةُ
حَبْسِ الْكِتَابِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ :
رَجُلٌ سَقَطَتْ مِنْهُ وَرَقَةٌ فِيهَا أَحَادِيثُ فَوَائِدُ
فَأَخَذْتهَا ، تُرَى أَنْ أَنْسَخَهَا وَأَسْمَعَهَا ؟ قَالَ : لَا إلَّا
بِإِذْنِ صَاحِبِهَا .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ : إيَّاكَ وَغُلُولَ الْكُتُبِ قَالَ حَبْسُهَا عَنْ أَهْلِهَا .
انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ .
وَقَالَ
الطَّحَاوِيَّ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ طَلَبَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ كِتَابَ السِّيَرِ فَلَمْ يُجِبْهُ إلَى الْإِعَارَةِ فَكَتَبَ
إلَيْهِ : قُلْ لِلَّذِي لَمْ تَرَ عَيْنُ مَنْ رَآهُ مِثْلَهُ حَتَّى
كَأَنَّ مَنْ رَآهُ قَدْ رَأَى مَنْ قَبْلَهُ الْعِلْمُ يَنْهَى أَهْلَهُ
أَنْ يَمْنَعُوهُ أَهْلَهُ لَعَلَّهُ يَبْذُلُهُ لِأَهْلِهِ لَعَلَّهُ
فَوَجَّهَ إلَيْهِ بِهِ فِي الْحَالِ هَدِيَّةً لَا عَارِيَّة ، وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : يَنْبَغِي لِمَنْ مَلَكَ كِتَابًا أَنْ لَا يَبْخَلَ
بِإِعَارَتِهِ لِمَنْ هُوَ أَهْلُهُ ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إفَادَةُ
الطَّالِبِينَ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْأَشْيَاخِ وَتَفْهِيمِ الْمُشْكِلِ
، فَإِنَّ الطَّلَبَةَ قَلِيلٌ وَقَدْ عَمَّهُمْ الْفَقْرُ فَإِذَا بُخِلَ
عَلَيْهِمْ بِالْكِتَابِ وَالْإِفَادَةِ كَانَ سَبَبًا لِمَنْعِ الْعِلْمِ
.
قَالَ سُفْيَانُ : تَعَجَّلُوا بَرَكَةَ الْعِلْمِ ، لِيُفِدْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، فَإِنَّكُمْ لَعَلَّكُمْ لَا تَبْلُغُونَ مَا
تُؤَمِّلُونَ وَقَالَ وَكِيعٌ : أَوَّلُ بَرَكَةِ الْحَدِيثِ إعَارَةُ
الْكُتُبِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ
اُبْتُلِيَ بِثَلَاثٍ : إمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عِلْمُهُ أَوْ
يَنْسَاهُ أَوْ يَتَّبِعَ السُّلْطَانَ .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى