لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية  الجزء السادس عشر - صفحة 2 Empty كتاب : الآداب الشرعية الجزء السادس عشر {الجمعة 27 مايو - 17:22}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :


فَتَقَدَّمَ بِهَا مِنْ سَاعَتِهِ .
قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ امْتَنَعَ مِنْ
النَّحْوِيِّينَ مِنْ مُلَازَمَةِ السُّلْطَانِ ، إجْلَالًا لِلْعِلْمِ
وَغِنَى نَفْسٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمَازِنِيُّ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : كَانَ الْخَلِيلُ مِنْ
الزُّهَّادِ الْمُنْقَطِعِينَ إلَى الْعِلْمِ ، وَمِنْ خِيَارِ عِبَادِ
اللَّهِ الْمُتَقَشِّفِينَ فِي الْعِبَادَةِ ، أَرْسَلَ إلَيْهِ
سُلَيْمَانُ بْنُ حُبَيْتٍ الْمُهَلَّبِيُّ لَمَّا وَلِيَ ، فَنَثَرَ
بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِهِ كَثِيرًا وَامْتَنَعَ أَنْ يَأْتِيَهُ وَكَتَبَ
إلَيْهِ : أَبْلِغْ سُلَيْمَانَ أَنِّي عَنْهُ فِي سَعَةٍ وَفِي غِنًى
غَيْرَ أَنِّي لَسْت ذَا مَالِ شُحًّا بِنَفْسِي إنِّي لَا أَرَى أَحَدًا
يَمُوتُ هُزْلًا وَلَا يَبْقَى عَلَى حَالِ وَالرِّزْقُ عَنْ قَدَرٍ لَا
الضَّعْفُ يُنْقِصُهُ وَلَا يَزِيدَنَّ فِيهِ حَوْلُ مُحْتَالِ
وَالرِّزْقُ يَغْشَى أُنَاسًا لَا طَبَاخَ لَهُمْ كَالسَّيْلِ يَغْشَى
أُصُولَ الدِّنْدِنِ الْبَالِي كُلُّ امْرِئٍ بِسَبِيلِ الْمَوْتِ
مُرْتَهَنٌ فَاعْمَلْ لِبَالِك إنِّي شَاغِلٌ بَالِي وَالْفَقْرُ فِي
النَّفْسِ لَا فِي الْمَالِ نَعْرِفُهُ وَمِثْلُ ذَاكَ الْغِنَى فِي
النَّفْسِ لَا الْمَالِ وَأَمَّا الْمَازِنِيُّ ، فَأَشْخَصَهُ الْوَاثِقُ
إلَى سُرَّ مَنْ رَأَى لِأَنَّ جَارِيَةً غَنَّتْ وَرَاءَ سِتَارِهِ
أَظُلَيْمُ إنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلًا أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
فَقَالَ لَهَا الْوَاثِقُ : رَجُلٌ ، فَقَالَتْ : لَا أَقُولُ إلَّا كَمَا
عَلِمْت ، فَقَالَ لِلْفَتْحِ : كَيْفَ هُوَ يَا فَتْحُ ؟ فَقَالَ : هُوَ
خَبَرُ إنَّ كَمَا قُلْت ، فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ : عَلَّمَنِي أَعْلَمُ
النَّاسِ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَازِنِيُّ فَأَمَرَ بِإِشْخَاصِهِ
فَأُشْخِصَ ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى : فَلَقِيَنِي يَعْقُوبُ بْنُ
السِّكِّيتِ فَسَأَلَنِي فَأَجَبْته بِالنَّصْبِ فَقَالَ : فَأَيْنَ
خَبَرُ إنَّ قُلْت ظُلْمُ ، ثُمَّ أَتَى الْمَازِنِيُّ ، فَأَجَابَهُ
بِمَقَالَةِ الْجَارِيَةِ .
قَالَ الْمَازِنِيُّ : قُلْت لِابْنِ
قَادِمٍ وَلِابْنِ سَعْدٍ ، لَمَّا كَابَرَنِي : كَيْفَ تَقُولُ نَفَقَتُك
دِينَارًا أَصْلَحُ مِنْ دِرْهَمٍ ؟ فَقَالَ : دِينَارًا قُلْت :
كَيْفَ
تَقُولُ : ضَرْبُك زَيْدًا خَيْرٌ لَك ؟ فَنَصَبَ ، قُلْت : فَرِّقْ
بَيْنَهُمَا فَانْقَطَعَ ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْوَاثِقِ وَحَضَرَ
ابْنُ السِّكِّيتِ فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ : هَاتِ مَسْأَلَةً فَقُلْت
لِيَعْقُوبَ : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ } .
مَا
وَزْنُهُ مِنْ الْفِعْلِ ؟ قَالَ : نَفْعَلْ ، قَالَ الْوَاثِقُ : غَلِطْت
، ثُمَّ قَالَ لِي : فَسِّرْهُ ، فَقُلْت : نَكْتَلْ تَقْدِيرُهُ
نَفْتَعِلُ نَكْتَيِلُ فَانْقَلَبَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِفَتْحِ مَا
قَبْلَهَا ، فَصَارَ لَفْظُهَا نَكْتَالُ ، فَأُسْكِنَتْ اللَّامُ
لِلْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ ، وَحُذِفَتْ الْأَلِفُ
لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ، فَقَالَ : هَذَا هُوَ الْجَوَابُ ،
فَلَمَّا خَرَجْنَا عَاتَبَنِي يَعْقُوبُ ، فَقُلْت : وَاَللَّهِ مَا
قَصَدْت تَخْطِئَتَك وَلَكِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِي هَيِّنَةَ الْجَوَابِ ،
وَلَمْ أَظُنَّ أَنَّهَا تَعْزُبُ عَلَيْك .
قَالَ : وَحَضَرَ يَوْمًا
آخَرَ وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ فَقَالَ لِي
الْوَاثِقُ : يَا مَازِنِيُّ ، هَاتِ مَسْأَلَةً فَقُلْت : مَا تَقُولُونَ
فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَمَا كَانَتْ أُمُّك بَغِيًّا } وَلَمْ
يَقُلْ : بَغِيَّةً وَهِيَ صِفَةٌ لِمُؤَنَّثٍ فَأَجَابُوا بِجَوَابَاتٍ
لَيْسَتْ مُرْضِيَةً ، فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ : هَاتِ الْجَوَابَ ،
فَقُلْت : لَوْ كَانَتْ بَغِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى
فَاعِلَةٍ لَحِقَتْهَا الْهَاءُ إذًا لَكَانَتْ مَفْعُولَةً بِمَعْنَى :
امْرَأَةٌ قَتِيلٌ وَكَفٌّ خَضِيبٌ ، وَتَقْدِيرُ بَغِيٍّ هَهُنَا لَيْسَ
بِفَعِيلٍ إنَّمَا هُوَ فَعُولٌ ، وَفَعُولٌ لَا تَلْحَقُهُ الْهَاءُ فِي
وَصْفِ التَّأْنِيثِ نَحْوَ امْرَأَةٌ سُكُونٌ وَبِئْرٌ شَطُونٌ إذَا
كَانَتْ بَعِيدَةَ الرِّشَاءِ ، وَتَقْدِيرُ بَغِيٍّ بَغَوِيٌّ قُلِبَتْ
الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ نَحْوَ سَيِّدٍ
وَمَيِّتٍ ، فَاسْتَحْسَنَ الْجَوَابَ ثُمَّ اسْتَأْذَنْته فِي الْخُرُوجِ
فَقَالَ : أَلَا أَقَمْت عِنْدَنَا : فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
إنَّ لِي بُنَيَّةً أُشْفِقُ أَغِيبُ عَنْهَا قَالَ : كَأَنِّي بِهَا قَدْ
قَالَتْ مَا قَالَتْ ابْنَةُ الْأَعْشَى لِلْأَعْشَى : أُرَانَا إذَا
أَضْمَرَتْك الْبِلَادُ
نُجْفَى وَتُقْطَعُ مِنَّا الرَّحِمْ
وَقُلْت أَنْتَ : تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَحِلًا يَا رَبِّ
جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت
فَاغْتَمِضِي يَوْمًا فَإِنَّ بِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
فَوَاَللَّهِ مَا أَخْطَأَ مَا فِي نَفْسِي ، فَأَمَرَ لِي بِجَائِزَةٍ
وَأَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ :
وَفَرَّ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ مِنْ الْحَجَّاجِ قَالَ :
فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إذْ سَمِعْت رَجُلًا يُنْشِدُ : رُبَّمَا
تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنْ الْأَمْرِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ الْعِقَالِ
قَدْ مَاتَ الْحَجَّاجُ فَلَمْ أَدْرِ بِأَيِّهِمَا كُنْت أَشَدَّ فَرَحًا
؟ أَبِمَوْتِ الْحَجَّاجِ أَوْ قَوْلِهِ : فُرْجَةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ وَالنَّحْوِيِّينَ
: كَانَ مُمْتَنِعَ الْجَانِبِ قَلِيلَ الْغِشْيَانِ لِلسُّلْطَانِ حَتَّى
ذَكَرَهُ الْفَرَزْدَقُ وَعَيَّرَهُ الْكِبْرَ وَهَجَاهُ .
قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ وَمِنْ النَّحْوِيِّينَ مَنْ سَارَعَ إلَى السَّلَاطِينِ وَلَمْ
يَحْمَدْ الْعَاقِبَة ، مِنْهُمْ سِيبَوَيْهِ وَابْنُ السِّكِّيتِ كَمَا
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى
وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَا لَمَّا وَرَدَ سِيبَوَيْهِ إلَى
الْعِرَاقِ شَقَّ أَمْرُهُ عَلَى الْكِسَائِيّ ، فَأَتَى جَعْفَرَ بْنَ
يَحْيَى وَالْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى فَقَالَ : أَنَا وَلِيُّكُمَا
وَصَاحِبُكُمَا ، وَهَذَا الرَّجُلُ قَدْ قَدِمَ لِيُذْهِبَ مَحَلِّي ،
قَالَا فَاحْتَمِلْ لِنَفْسِك فَسَنَجْمَعُ بَيْنَكُمَا ، فَجُمِعَا
عِنْدَ الْبَرَامِكَةِ وَحَضَرَ سِيبَوَيْهِ وَحْدَهُ ، وَحَضَرَ
الْكِسَائِيُّ وَمَعَهُ الْفَرَّاءُ وَعَلِيٌّ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُمَا
مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَسَأَلُوهُ كَيْفَ تَقُولُ : كُنْت أَظُنُّ أَنَّ
الْعَقْرَبَ أَشَدُّ لَسْعَةً مِنْ الزُّنْبُورِ ، فَإِذَا هُوَ هِيَ أَوْ
هُوَ إيَّاهَا ؟ فَقَالَ : أَقُولُ : فَإِذَا هُوَ هِيَ ، فَقَالَ لَهُ :
أَخْطَأْت وَلَحَنْت ، فَقَالَ يَحْيَى : هَذَا مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ فَمَنْ
يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابُ بِالْبَابِ ،
فَأُدْخِلَ أَبُو الْجَرَّاحِ وَجَمَاعَةٌ
مَعَهُ فَسُئِلُوا
فَقَالُوا نَقُولُ : فَإِذَا هُوَ إيَّاهَا فَانْصَرَمَ الْمَجْلِسُ عَلَى
أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَدْ أَخْطَأَ وَحُكِمَ عَلَيْهِ ، فَأَعْطَاهُ
الْبَرَامِكَةُ وَأُخِذَ لَهُ مِنْ الرَّشِيدِ وَبُعِثَ بِهِ إلَى
بَلْدَةٍ فَيُقَالُ : إنَّهُ مَا لَبِثَ إلَّا يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ
كَمَدًا قَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ : وَأَصْحَابُ سِيبَوَيْهِ إلَى
هَذِهِ الْغَايَةِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى مَا
قَالَ سِيبَوَيْهِ ، وَهُوَ فَإِذَا هُوَ هِيَ وَهَذَا مَوْضِعُ الرَّفْعِ
.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَمَّا ابْنُ السِّكِّيتِ فَحَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ النَّحْوِيُّ قَالَ قَالَ لِي يَعْقُوبُ بْنُ
السِّكِّيتِ : أُرِيدُ أُشَاوِرُك فِي شَيْءٍ قُلْت : قُلْ قَالَ : إنَّ
الْمُتَوَكِّلَ قَدْ أَدْنَانِي وَقَرَّبَنِي وَنَدَبَنِي إلَى
مُنَادَمَتِهِ فَمَا تَرَى ؟ قُلْت : لَا تَفْعَلْ وَكَرِهْت لَهُ
النِّهَايَةَ ، فَدَافَعَ بِهِ يَعْقُوبُ ثُمَّ تَطَلَّعَتْ نَفْسُهُ
إلَيْهِ فَشَاوَرَنِي ، فَقُلْت : يَا أَخِي أُحَذِّرُك عَلَى نَفْسِك ،
فَإِنَّهُ سُلْطَانٌ وَأَكْرَهُ أَنْ تَزِلَّ بِشَيْءٍ ، فَحَمَلَهُ حُبُّ
ذَلِكَ عَلَى أَنْ خَالَفَنِي فَقَتَلَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لِشَيْءٍ
جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي أَمْرِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ
عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَكَانَ أَوَّلُهُ مِزَاحًا
وَكَانَ ابْنُ السِّكِّيتِ يَتَشَيَّعُ فَقَتَلَهُ .
قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ : وَمِنْ النَّحْوِيِّينَ مَنْ قَرُبَ مِنْ السَّلَاطِينِ
فَحَظِيَ عِنْدَهُمْ ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ يُونُسُ بْنُ
حَبِيبٍ : أَقَامَ الْكِسَائِيُّ بِالْبَصْرَةِ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ
رَحَلَ إلَى الْكُوفَةِ ، فَأَخَذَ عَنْ أَعْرَابٍ لَيْسُوا بِفُصَحَاءَ
فَأَفْسَدَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ، فَقَدْ صَارَ النَّحْوُ كُلُّهُ مِنْ
الْبَصْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْكِسَائِيَّ مِنْهُمْ تَعَلَّمَ ، ثُمَّ قَرَأَ
عَلَى الْأَخْفَشِ كِتَابَ سِيبَوَيْهِ ، وَيُحْكَى أَنَّهُ دَفَعَ
إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَيْسَ أَحَدٌ
مِنْ الرُّؤَسَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي النَّحْوِ إلَّا بَصْرِيٌّ ،
حَتَّى إنَّهُمْ حُجَجٌ
فِي اللُّغَةِ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ
لِفَصَاحَتِهِمْ ، وَكَانُوا لَا يَأْخُذُونَ إلَّا عَنْ الْفُصَحَاءِ
مِنْ الْأَعْرَابِ ، وَلَهُمْ السَّبْقُ وَالتَّقْدِيمُ ، مِنْهُمْ أَبُو
الْأَسْوَدِ وَأَبُو عَمْرٍو ، وَسَمِعْت عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ
يَقُولُ : سَاءَنِي أَنَّ خَلَفًا الْبَزَّارَ عَلَى جَلَالَتِهِ
وَمَحَلَّهُ تَرَكَ الْكِسَائِيَّ ، وَهُوَ أُسْتَاذُهُ فَلَمْ يَرْوِ
عَنْهُ حَرْفًا وَاحِدًا ، مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي تَصْنِيفِهِ
كِتَابَ الْقِرَاءَاتِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : ثُمَّ عَرَّفَنِي
غَيْرُ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ
لِأَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : قَالَ لِي سَيِّدِي الرَّشِيدُ ، فَتَرَكَهُ
وَقَالَ : إنَّ إنْسَانًا مِقْدَارُ الدُّنْيَا عِنْدَهُ أَنْ يَجْعَلَ
مِنْ أَجْلِهَا هَذَا الْإِجْلَالَ ، لَحَرِيٌّ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ
شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ كَانَ
الْأَصْمَعِيُّ مُتَّصِلًا بِالرَّشِيدِ وَكَانَ يُقَدِّمُهُ
وَيَتَكَلَّمُ فِي مَجْلِسِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَاسِمُ
بْنُ مُخَيْمِرَةَ أَنَّهُ قَالَ : النَّحْوُ أَوَّلُهُ شُغْلٌ ،
وَآخِرُهُ بَغْيٌ ، وَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى ذَلِكَ ، وَسِيقَ فِي
فُصُولِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ فِي الْكِتَابَةِ ، وَيَأْتِي بَعْدَ
نِصْفِ كُرَّاسَةٍ أَيْضًا .
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي بَاب
الِاصْطِلَاحِ الْمُحْدَثَ الَّذِي اسْتِعْمَالُهُ خَطَأٌ قَالَ :
وَاسْتَعْمَلُوا يَفْعَلْ ذَلِكَ بِغَيْرِ لَامِ الْأَمْرِ ، وَهَذَا مِنْ
الْخَطَأِ الْقَبِيحِ الَّذِي يُقْلَبُ مَعَهُ الْمَعْنَى فَيَصِيرُ
خَبَرًا ، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ ، وَإِنْ جُزِمَ أَيْضًا فَخَطَأٌ ؛
لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَامٍ إلَّا فِي شُذُوذٍ
وَاضْطِرَارٍ ، عَلَى أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ حَذْفُ اللَّامِ
مِنْ الْأَمْرِ لِلْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا تُضْمَرُ ؛
وَلِأَنَّ عَوَامِلَ الْأَفْعَالِ أَضْعَفُ مِنْ عَوَامِلِ الْأَسْمَاءِ ،
وَأَنَّ مَا أُنْشِدَ فِيهِ مِنْ الشِّعْرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ ، وَهُوَ : مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْسِ
كَذَا قَالَ وَقَدْ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى : { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } .
قِيلَ
هُوَ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ عَنْ حَالِهِمْ وَقَالَ الزَّجَّاجُ : إنَّهُ
أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ لَهُمْ بِالْحَذَرِ ، فَتَقْدِيرُهُ لِيَحْذَرْ
الْمُنَافِقُونَ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَالْعَرَبُ رُبَّمَا
أَخْرَجَتْ الْأَمْرَ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ فَيَقُولُونَ : يَرْحَمُ
اللَّهُ الْمُؤْمِنَ وَيُعَذِّبُ الْكَافِرَ ، يُرِيدُونَ لِيَرْحَمْ
وَيُعَذِّبْ فَيُسْقِطُونَ اللَّامَ وَيُجْرُونَهُ مَجْرَى الْخَبَرِ فِي
الرَّفْعِ ، وَهُمْ لَا يَنْوُونَ إلَّا الدُّعَاءَ ، وَالدُّعَاءُ
مُضَارِعٌ لِلْأَمْرِ .
وَأَمَّا الْجَزْمُ بِلَامٍ مُقَدَّرَةٍ
فَيَجُوزُ كَثِيرًا مُطَّرِدًا بَعْدَ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ
لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ } .
وَالْأَشْهَرُ
أَنَّهُ جَوَابُ قُلْ ، وَالتَّقْدِيرُ : قُلْ لَهُمْ أَقِيمُوا
الصَّلَاةَ يُقِيمُوا ، أَيْ إنْ تَقُلْ لَهُمْ يُقِيمُوا .
وَرَدَّهُ
قَوْمٌ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَهُمْ لَا يُوجِبُ أَنْ يُقِيمُوا ، وَاخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ هَذَا
الرَّدَّ ، وَلَمْ يَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ
بِالْعِبَادِ الْكُفَّارَ ، بَلْ الْمُؤْمِنِينَ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ { لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا } وَإِذَا أَمَرَهُمْ الرَّسُولُ
قَامُوا .
وَقِيلَ : يُقِيمُوا جَوَابُ أَقِيمُوا الْمَحْذُوفَةِ أَيْ
: أَنْ يُقِيمُوا ، يُقِيمُوا وَرُدَّ بِوُجُوبِ مُخَالَفَةِ جَوَابِ
الشَّرْطِ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ أَوْ فِيهِمَا ، فَلَا يَجُوزُ
قُمْ تَقُمْ ، وَبِأَنَّ الْمُقَدَّرَ لِلْمُوَاجَهَةِ وَيُقِيمُوا عَلَى
لَفْظِ الْغَيْبَةِ ، وَهُوَ خَطَأٌ إذَا كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا ،
وَيَجُوزُ الْجَزْمُ فَاللَّامُ الْأَمْرِ مُقَدَّرَةً قَلِيلًا بَعْدَ
قَوْلٍ بِلَا أَمْرٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ ، وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ
بِهَا بِلَا أَمْرٍ وَلَا قَوْلٍ وَلَا ضَرُورَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنَّمَا
ذَكَرْت ذَلِكَ لِكَثْرَةِ كِتَابَةِ " يُعْتَمَدُ ذَلِكَ " وَنَحْوِهَا
وَكَثْرَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا إنْكَارَهُ فَيُنْكِرُهُ ،
وَيُوَافِقُهُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْلَمُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ
.
فَصْلٌ ( فِي إصْلَاحِ اللَّحْنِ الْعَارِضِ لِمَتْنِ الْحَدِيثِ وَمَتَى يَجُوزُ التَّحْدِيثُ وَمَنْ يُقَدَّمُ ) .
قَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ : سَمِعْت ابْنَ زَنْجُوَيْهِ يَسْأَلُ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ : يَجِيءُ الْحَدِيثُ فِيهِ اللَّحْنُ وَشَيْءٌ فَاحِشٌ ،
فَتَرَى أَنْ يُغَيِّرَ أَوْ يُحَدِّثَ بِهِ كَمَا سَمِعَ قَالَ :
يُغَيِّرُهُ شَدِيدٌ ؛ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا يَلْحَنُونَ ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ اللَّحْنُ
مِمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَيَنْبَغِي
لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُصْلِحَ اللَّحْنَ فِي كِتَابِهِ ، ذَكَرَ
ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَفْعَلُهُ قَالَ : وَيُصْلِحُ
الْغَلَطَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ ، وَذَكَرَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ .
وَالْأَوْلَى
لَا يُحَدِّثُ حَتَّى أَنْ يَتِمَّ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، إلَّا أَنْ
يُحْتَاجَ إلَيْهِ فَقَدْ حَدَّثَ بُنْدَارٌ وَلَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ
سَنَةً ، وَحَدَّثَ الْبُخَارِيُّ وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ ،
وَيُكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ أَوْ
أَعْلَمُ ، فَقَدْ كَانَ الشَّعْبِيُّ إذَا حَضَرَ مَعَ إبْرَاهِيمَ لَمْ
يَتَكَلَّمْ إبْرَاهِيمُ .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لِسُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ مَا لَك لَا تُحَدِّثُ ؟ فَقَالَ : أَمَّا وَأَنْتَ حَيٌّ
فَلَا وَقَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لَقَدْ كُنْت عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا ، فَكُنْت أَحْفَظُ
عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْقَوْلِ إلَّا أَنَّ هَهُنَا رِجَالًا
هُمْ أَسَنُّ مِنِّي ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ
فِيهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَدَثِ أَنْ يُوَقِّرَ الشُّيُوخَ ،
وَأَنَّهُ إذَا رُئِيَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُزَاحِمْهُمْ بِالرِّوَايَةِ لَهُ
، فَإِنَّهُ يَعْرِضُ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهُمْ فَيَرْوِيَ فِي حَالَةِ
عَدَمِهِمْ فَيَكُونَ ذَلِكَ فِي مَوْقِعِهِ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُمْ
لَمْ تَكُنْ تُغْنِي رِوَايَتُهُ ، لِمَا يَعْرِفُهُ الشُّيُوخُ طَائِلًا
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَسَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى بِنَحْوِ كُرَّاسَيْنِ
فِي فَصْلٍ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إذَا تَرَكَ الْعَالِمُ لَا
أَدْرِي .
وَقَدْ
ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْقَارِئِ الْغَلَطَ الْخَطَأَ
كَمَا عَلَيْهِ عَادَةُ الْعُلَمَاءِ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ
الْمَقْدِسِيُّ الْحَافِظُ : سَمِعْت أَبَا إِسْحَاقَ الْحَبَّالَ
بِمِصْرَ يَقُولُ : لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ أَبِي الْقَاسِمِ
سَعْدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيِّ فِي الْفَضْلِ ، وَكَانَ يَحْضُرُ
مَعَنَا الْمَجَالِسَ وَيُقْرَأُ الْخَطَأُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَا
يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا ، وَلَوْ قُرِئَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكُفْرُ
، إلَّا أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ أَجَابَ ، وَأُرِيَ يَوْمًا بَعْضَ
الصِّبْيَانِ يَتْبَعُونَ الْأَغْلَاطَ وَيُبَادِرُونَ بِالرَّدِّ عَلَى
الْمُقْرِئِ وَلَا يُحْسِنُونَ الْأَدَبَ .
وَمُرَادُ أَبِي إِسْحَاقَ
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ لَا يُبَادِرُ بِالرَّدِّ ،
وَلَعَلَّهُ يَكْتَفِي بِغَيْرِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ وَلَوْ قُرِئَ بَيْنَ
يَدَيْهِ الْكُفْرُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَحِلُّ عَدَمُ
بَيَانِهِ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ : سَمِعْت
الْفَقِيهَ أَبَا مُحَمَّدٍ هَيَّاجَ بْنَ عُبَيْدٍ إمَامَ الْحَرَمِ
وَمُفْتِيَهُ يَقُولُ : يَوْمٌ لَا أَرَى فِيهِ سَعْدَ بْنَ عَلِيٍّ
الزَّنْجَانِيَّ لَا أَعْتَدُّ أَنِّي عَمِلْت خَيْرًا .
قَالَ ابْنُ
طَاهِرٍ وَكَانَ هَيَّاجٌ يَعْتَمِرُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ عُمَرَ ،
وَيُوَاصِلُ الصَّوْمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَيَدْرُسُ عِدَّةَ دُرُوسٍ ،
وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ نَظْرَةً إلَى الشَّيْخِ
سَعْدٍ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَجَلُّ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ ،
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ
أَحْمَدَ الْكَرْخِيَّ يَقُولُ : لَمَّا عَزَمَ الشَّيْخُ سَعْدٌ عَلَى
الْإِقَامَةِ بِالْحَرَمِ وَالْمُجَاوَرَةِ بِهِ ، عَزَمَ عَلَى نَفْسِهِ
نَيِّفًا وَعِشْرِينَ عَزِيمَةً أَنَّهُ يُلْزِمُ نَفْسَهُ مِنْ
الْمُجَاهَدَاتِ وَالْعِبَادَاتِ ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ
سَنَةً وَلَمْ يُخَلِّ مِنْهَا عَزِيمَةً وَاحِدَةً رَحِمَهُ اللَّهُ .
فَصْلٌ ( فِي مَكَانَةِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَإِقْبَالِ الْأُلُوفِ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَحَسَدِ الْخُلَفَاءِ لَهُمْ ) .
قَالَ
جَعْفَرُ بْنُ دُرُسْتَوَيْهِ كُنَّا نَأْخُذُ الْمَجْلِسَ فِي مَجْلِسِ
عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَقْتَ الْعَصْرِ ، الْيَوْمَ لِمَجْلِسِ غَدٍ
، فَنَقْعُدُ طُولَ اللَّيْلِ مَخَافَةَ أَنْ لَا نَلْحَقَ مِنْ الْغَدِ
مَوْضِعًا نَسْمَعُ فِيهِ ، فَرَأَيْت شَيْخًا فِي الْمَجْلِسِ يَبُولُ
فِي طَيْلَسَانِهِ ، وَيُدْرِجُ الطَّيْلَسَانَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْخَذَ
مَكَانُهُ إنْ قَامَ لِلْبَوْلِ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ
فِي مَجْلِسِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ يَحْزِرُ بِسَبْعِينَ أَلْفًا ،
وَأَمَرَ الْمُعْتَصِمُ بِحَزْرِ مَجْلِسِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ
فَحَزَرُوا الْمَجْلِسَ عِشْرِينَ أَلْفًا وَمِائَةَ أَلْفٍ ، وَأَمْلَى
الْبُخَارِيُّ بِبَغْدَادَ فَاجْتَمَعَ لَهُ عِشْرُونَ أَلْفًا .
وَقَالَ
أَبُو الْفَضْلِ الزُّهْرِيُّ كَانَ فِي مَجْلِسِ جَعْفَرٍ
الْفِرْيَابِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ يَكْتُبُ حُدُودَ
عَشَرَةِ آلَافٍ ، مَا بَقِيَ مِنْهُمْ غَيْرِي سِوَى مَنْ لَا يَكْتُبُ ،
وَأَمْلَى أَبُو مُسْلِمٍ اللُّجِّيُّ فِي رَحْبَةِ غَسَّانَ ، فَكَانَ
فِي مَجْلِسِهِ سَبْعَةُ مُسْتَمْلِينَ يُبَلِّغُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
صَاحِبَهُ الَّذِي يَلِيهِ ، وَكَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ قِيَامًا
بِأَيْدِيهِمْ الْمَحَابِرُ ، ثُمَّ مُسِحَتْ الرَّحْبَةُ وَحُسِبَ مَنْ
حَضَرَ بِمِحْبَرَةٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ
مِحْبَرَةٍ سِوَى الْعِطَارَةِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَدْ
كَانَتْ الْهِمَمُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا ، ثُمَّ مَا
زَالَتْ تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ حَتَّى اضْمَحَلَّتْ فَحَكَى شَيْخُنَا
أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ طَفْرٍ الْمَغَازِلِيُّ قَالَ : كُنَّا فِي
حَلْقَةِ ابْنِ يُوسُفَ نَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَطَلَبْنَا مِحْبَرَةً
نَكْتُبُ بِهَا السَّمَاعَ ، فَمَا وَجَدْنَا قَالَ : وَقَدْ كَانَ
الْخُلَفَاءُ وَالْكُبَرَاءُ يَغْبِطُونَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى هَذِهِ
الْمَرْتَبَةِ ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ
الْجُمَحِيِّ أَنَّهُ قَالَ : قِيلَ لِلْمَنْصُورِ : هَلْ مِنْ لَذَّاتِ
الدُّنْيَا شَيْءٌ لَمْ تَنَلْهُ ؟ قَالَ
: بَقِيَتْ خَصْلَةٌ أَنْ
أَقْعُدَ فِي مِصْطَبَةٍ وَحَوْلِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَيَقُولُ
الْمُسْتَمْلِي : مَنْ ذَكَرْت رَحِمَك اللَّهُ ؟ قَالَ فَغَدَا عَلَيْهِ
النُّدَمَاءُ وَأَبْنَاءُ الْوُزَرَاءِ بِالْمَحَابِرِ وَالدَّفَاتِرِ
فَقَالَ : لَسْتُمْ بِهِمْ إنَّمَا هُمْ الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ ،
الْمُتَشَقِّقَةُ أَرْجُلُهُمْ ، الطَّوِيلَةُ شُعُورُهُمْ ، بَرْدُ
الْآفَاقِ وَنَقَلَةُ الْحَدِيثِ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ
قَالَ لِي الرَّشِيدُ : مَا أَنْبَلُ الْمَرَاتِبِ قُلْت : مَا أَنْتَ
فِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : فَتَعْرِفُ أَجَلَّ مِنِّي ؟
قُلْت : لَا قَالَ : لَكِنِّي أَعْرِفُهُ رَجُلٌ فِي حَلْقَةٍ يَقُولُ :
حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : هَذَا
خَيْرٌ مِنْك وَأَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ نَعَمْ
وَيْلَك هَذَا خَيْرٌ مِنِّي ؛ لِأَنَّ اسْمَهُ مُقْتَرِنٌ بِاسْمِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ أَبَدًا ،
وَنَحْنُ نَمُوتُ وَنَفْنَى وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ
.
وَقَالَ الْمَأْمُونُ : مَا طَلَبَتْ مِنِّي نَفْسِي شَيْئًا إلَّا
وَقَدْ نَالَتْهُ مَا خَلَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَإِنِّي كُنْت أُحِبُّ
أَنْ أَقْعُدَ عَلَى كُرْسِيٍّ وَيُقَالُ لِي : مَنْ حَدَّثَك ؟ فَأَقُولُ
: حَدَّثَنِي فُلَانٌ قِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلِمَ لَا
تُحَدِّثُ ؟ قَالَ لَا يَصْلُحُ الْمِلْكُ وَالْخِلَافَةُ مَعَ الْحَدِيثِ
.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ وَلِيت الْقَضَاءَ وَقَضَاءَ
الْقَضَاءِ وَالْوَزَارَةَ وَكَذَا وَكَذَا ، مَا سُرِرْت لِشَيْءٍ
كَسُرُورِي بِقَوْلِ الْمُسْتَمْلِي مَنْ ذَكَرْت رَضِيَ اللَّهُ عَنْك .
فَصْلٌ ( فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ) .
تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ لِلْعِلْمِ وَالْحَذَرِ مِنْ الرِّيَاءِ ،
وَقَالَ فِي صَيْدِ الْخَاطِرِ : يَا قَوْمِ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ
الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ ، وَقَدْ فَهِمْتُمْ قَوْله تَعَالَى { أَلَا
لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } .
وَقَدْ سَمِعْتُمْ عَنْ السَّلَفِ
أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُعَلِّمُونَ وَلَا يَقُولُونَ حَتَّى تَتَقَدَّمَ
النِّيَّةُ وَتَصِحَّ ، أَيَذْهَبُ زَمَانُكُمْ يَا فُقَهَاءُ فِي
الْجَدَلِ وَالصِّيَاحِ ، وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُكُمْ عِنْدَ اجْتِمَاعِ
الْعَوَامّ تَقْصِدُونَ الْمُغَالَبَةَ ، ثُمَّ يُقْدِمُ أَحَدُكُمْ عَلَى
الْفَتْوَى وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ
يَتَدَافَعُونَهَا ، وَيَا مَعْشَرَ الْمُتَزَهِّدِينَ إنَّهُ يَعْلَمُ
السِّرَّ وَمَا يَخْفَى ، أَتُظْهِرُونَ الْفَقْرَ فِي لِبَاسِكُمْ
وَأَنْتُمْ تَشْتَهُونَ شَهَوَاتٍ ، وَتُظْهِرُونَ التَّخَشُّعَ
وَالْبُكَاءَ فِي الْجَلَوَاتِ دُونَ الْخَلَوَاتِ ، كَانَ ابْنُ سِيرِينَ
يَضْحَكُ وَيُقَهْقِهُ ، فَإِذَا خَلَا بَكَى فَأَكْثَرَ وَقَالَ
سُفْيَانَ لِصَاحِبِهِ : مَا أَوْقَحَك تُصَلِّي وَالنَّاسُ يَرَوْنَك .
أَفْدِي
ظِبَاءَ فَلَاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا مَضْغَ الْكَلَامِ وَلَا صَبْغَ
الْحَوَاجِيبِ آهٍ لِلْمُرَائِي مِنْ يَوْمَ يُحَصَّلُ مَا فِي الصُّدُورِ
، وَهِيَ النِّيَّاتُ وَالْعَقَائِدُ ، فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِمَا لَا
عَلَى الظَّوَاهِرِ ، فَأَفِيقُوا مِنْ سَكْرَتِكُمْ ، وَتُوبُوا مِنْ
زَلَلِكُمْ وَاسْتَقِيمُوا عَلَى الْجَادَّةِ .
{ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } .

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية  الجزء السادس عشر - صفحة 2 Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء السادس عشر {الجمعة 27 مايو - 17:48}


فَصْلٌ ( فِي قِيَامِ أَهْلِ الْحَدِيثِ اللَّيْلَ وَخُشُوعِهِمْ ) .
بَاتَ
عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَجُلٌ فَوَضَعَ عِنْدَهُ مَاءً قَالَ
الرَّجُلُ : فَلَمْ أَقُمْ بِاللَّيْلِ وَلَمْ اسْتَعْمِلْ الْمَاءَ ،
فَلَمَّا أَصْبَحْت قَالَ لِي : لِمَ لَا تَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ ؟
فَاسْتَحْيَيْت وَسَكَتُّ فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ
مَا سَمِعْت بِصَاحِبِ حَدِيثٍ لَا يَقُومُ بِاللَّيْلِ .
وَجَرَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مَعَهُ لِرَجُلٍ آخَرَ ، فَقَالَ لَهُ : أَنَا مُسَافِرٌ قَالَ : وَإِنْ كُنْتَ مُسَافِرًا .
حَجَّ مَسْرُوقٌ فَمَا نَامَ إلَّا سَاجِدًا .
قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : فِيهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ
تَرْكُ قِيَامِ اللَّيْلِ ، وَإِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ .
وَقَالَ
بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ : يَنْبَغِي لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنْ
يُنْزِلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ يَعْلَمُونَ مِنْ كُلِّ
مِائَتَيْنِ خَمْسَةً .
وَقَالَ سُفْيَانُ فِي الْإِنْجِيلِ : لَا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا حَتَّى تَعْمَلُوا بِمَا قَدْ عَلِمْتُمْ .
وَصَحَّ
عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يَسْمَعُ الْبَابَ مِنْ أَبْوَابِ
الْعِلْمِ فَيَعْلَمُهُ فَيَعْمَلُ بِهِ ، فَيَكُونُ خَيْرًا لَهُ مِنْ
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، لَوْ كَانَتْ لَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْآخِرَةِ .
وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ بَدِيلٍ : لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ
نَكْتُبُ الْحَدِيثَ فَمَا يُسْمَعُ إلَّا صَوْتُ قَلَمٍ أَوْ بَاكٍ .
وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ كَانَ أَبِي ، سَاعَةَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ
يَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّبَاحِ يُصَلِّي
وَيَدْعُو .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ شِمَاسٍ : كُنْت أَعْرِفُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَهُوَ غُلَامٌ وَهُوَ يُحْيِي اللَّيْلَ .
فَصْلٌ ( فِي الْأَدَبِ مَعَ الْمُحَدِّثِ وَمِنْهُ التَّجَاهُلُ وَالْإِقْبَالُ وَالِاسْتِمَاعُ ) .
قَالَ
الْخَلَّالُ : أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ سَمِعْت أَبَا عُبَيْدٍ
الْقَاسِمَ بْنَ سَلَامٍ يَقُولُ : إنَّ مِنْ شُكْرِ الْعِلْمَ أَنْ
يَجْلِسَ مَعَ رَجُلٍ فَيُذَاكِرَهُ بِشَيْءٍ لَا يَعْرِفُهُ ، فَيَذْكُرَ
لَهُ الْحَرْفَ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَذْكُرَ ذَلِكَ الْحَرْفَ الَّذِي
سَمِعْت مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ ، فَيَقُولَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنْ هَذَا
شَيْءٌ حَتَّى سَمِعْت فُلَانًا يَقُولُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا .
فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ شَكَرْت الْعِلْمَ وَلَا تُوهِمُهُمْ أَنَّك قُلْت هَذَا مِنْ نَفْسِك .
.
وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَإِذَا رَوَى الْمُحَدِّثُ حَدِيثًا قَدْ عَرَفَهُ
السَّامِعُ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَاخِلَهُ فِيهِ قَالَ عَطَاءُ بْن
أَبِي رَبَاحٍ : إنَّ الشَّابَّ لَيُحَدِّثُنِي بِحَدِيثٍ فَأَسْتَمِعُ
لَهُ كَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ ، وَلَقَدْ سَمِعْته قَبْلَ أَنْ يُولَدَ ،
ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ : إذَا
رَأَيْت مُحَدِّثًا يُحَدِّثُ حَدِيثًا قَدْ سَمِعْته أَوْ يُخْبِرُ
بِخَبَرٍ قَدْ عَلِمْتُهُ ، فَلَا تُشَارِكْهُ فِيهِ حِرْصًا عَلَى أَنْ
يَعْلَمَ مَنْ حَضَرَك أَنَّك قَدْ عَلِمْته ، فَإِنَّ ذَلِكَ خِفَّةٌ
فِيك وَسُوءُ أَدَبٍ .
وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي
الْأَدَبِ لَهُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : إنِّي لَأَسْمَعُ مِنْ
الرَّجُلِ الْحَدِيثَ قَدْ سَمِعْته قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَ أَبَوَاهُ
فَأُنْصِتُ لَهُ كَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ ، ثُمَّ رَوَى مَا تَقَدَّمَ
عَنْ عَطَاء ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ جَلِيسَ أَبِي أَحْمَدَ الْفَقِيهَ الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ :
يُرْوَى عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : وَتَرَاهُ يَعْجَبُ
مِنْ حَدِيثٍ وَلَعَلَّةُ أَدْرَى بِهِ ، وَرَوَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ
خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ بَطَّةَ .
قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ : وَمَتَى أَشْكَلَ شَيْءٌ مِنْ الْحَدِيثِ عَلَى الطَّالِبِ
صَبَرَ حَتَّى يَنْتَهِي الْحَدِيثُ ، ثُمَّ يَسْتَفْهِمُ الشَّيْخَ
بِأَدَبٍ وَلُطْفٍ وَلَا يَقْطَعْ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ الْحَدِيثِ قَالَ :
وَفِي أَصْحَابِ
الْحَدِيثِ مِنْ يُنْزِلُ جُزْءًا فِي جُزْءٍ
وَيُوهِمُ الشَّيْخَ أَنَّهُ جُزْءٌ وَاحِدٌ ، وَمِثْلُ هَذِهِ
الْأَفْعَالِ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهَا .
وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ
إبْرَاهِيمَ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ حَكِيمٌ لِابْنِهِ : تَعَلَّمْ حُسْنَ
الِاسْتِمَاعِ كَمَا تَعْلَمُ حُسْنَ الْكَلَامِ ، فَإِنَّ حُسْنَ
الِاسْتِمَاعَ إمْهَالُكَ لِلْمُتَكَلِّمِ حَتَّى يُفْضِي إلَيْك
بِحَدِيثِهِ ، وَالْإِقْبَالُ بِالْوَجْهِ وَالنَّظَرُ ، وَتَرْكُ
الْمُشَارَكَةِ لَهُ فِي حَدِيثٍ أَنْتَ تَعْرِفُهُ وَأَنْشَدَ : وَلَا
تُشَارِكْ فِي الْحَدِيثِ أَهْلَهُ وَإِنْ عَرَفْت فَرْعَهُ وَأَصْلَهُ
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ قَالَتْ
الْحُكَمَاءُ : مِنْ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ
مُغَالَبَةُ الرَّجُلِ عَلَى كَلَامِهِ ، وَالِاعْتِرَاضُ فِيهِ لِقَطْعِ
حَدِيثِهِ ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ :
إيَّاكَ إذَا سُئِلَ غَيْرُك أَنْ تَكُونَ أَنْتَ الْمُجِيبُ كَأَنَّك
أَصَبْت غَنِيمَةً أَوْ ظَفِرْت بِعَطِيَّةٍ ، فَإِنَّك إنْ فَعَلْت
ذَلِكَ أَزْرَيْت بِالْمَسْئُولِ ، وَعَنَّفْت السَّائِلَ ، وَدَلَلْت
السُّفَهَاءَ عَلَى سَفَاهَةِ حِلْمِك وَسُوءِ أَدَبِك ، يَا بُنَيَّ
لِيَشْتَدَّ حِرْصُك عَلَى الثَّنَاءِ مِنْ الْأَكْفَاءِ ، وَالْأَدَبِ
النَّافِعِ ، وَالْإِخْوَانِ الصَّالِحِينَ قَالَ ابْنُ بَطَّةَ : كُنْت
عِنْدَ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ فَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَبَادَرْت
أَنَا فَأَجَبْت السَّائِلَ ، فَالْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ لِي : تَعْرِفُ
الْفُضُولِيَّاتِ الْمُنْتَقِبَاتِ يَعْنِي : أَنْتَ فُضُولِيٌّ
فَأَخْجَلَنِي .
وَذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا أَبُو جَعْفَرٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي الْآدَابِ لَهُ .
فَصْلٌ
فِي طَبَقَاتِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ
نَقَلَ عَنْ إمَامِنَا أَشْيَاءَ مِنْهَا قَالَ قُلْتُ لِأَحْمَدَ إنَّ
فُلَانًا يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ رُبَّمَا سَعَى فِي الْأُمُورِ مِثْلَ
الْمَصَانِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْآبَارِ ، فَقَالَ لِي أَحْمَدُ : لَا ،
لَا ، نَفْسُهُ أَوْلَى بِهِ .
وَكَرِهَ أَنْ يَبْذُلَ الرَّجُلُ
وَجْهَهُ وَنَفْسَهُ لِهَذَا ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْخَلَّالُ وَأَبُو
يُوسُفَ هُوَ الْغَسُّولِي .
وَقَالَ مُهَنَّا سَمِعْت بِشْرَ بْنَ
الْحَارِثِ وَذُكِرَ لَهُ أَيْضًا رَجُلٌ يَسْأَلُ النَّاسَ فَقَالَ
بِشْرٌ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي هَذَا ؟ فَقَالَ : مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ
، فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ أُرِيدُ أَرْفَعَ مِنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ ،
فَسَمِعْت بِشْرًا يَقُولُ لَهُ لَا تَفْعَلْ وَلَا تَطْلُبْ مِنْ صَاحِبِ
دُنْيَا حَاجَةً ، دَعْهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَطْلُبُ إلَيْكَ .
وَكَانَ
الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ يَبْعَثُ يَحْيَى بْنَ خَاقَانَ إلَى
الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَثِيرًا أَوْ يَسْأَلُ عَنْ أَشْيَاءَ قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَدْ جَاءَنِي يَحْيَى
بْنُ خَاقَانَ وَمَعَهُ شَرًى فَجَعَلَ يُقَلِّلُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
، فَقُلْتُ لَهُ قَالُوا إنَّهَا أَلْفُ دِينَارٍ قَالَ هَكَذَا
فَرَدَدْتُهَا عَلَيْهِ فَبَلَغَ الْبَابَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ إنْ
جَاءَكَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِك شَيْءٌ تَقْبَلُهُ ؟ قُلْتُ لَا قَالَ :
إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَ الْخَلِيفَةَ بِهَذَا .
قُلْتُ لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْكَ لَوْ أَخَذْتَهَا
فَقَسَمْتَهَا فَكَلَحَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ إذَا أَنَا قَسَمْتَهَا
أَيَّ شَيْءٍ كُنْتُ أُرِيدُ أَكُونُ لَهُ قَهْرَمَانًا ؟ وَقَالَ أَبُو
طَالِبٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ جَاءَنِي وَمَعَهُ دَرَاهِمُ
فَقَالَ لِي خُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَتَصَدَّقْ بِهَا فِي جِيرَانِك
فَأَبَيْتُ فَلَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ إلَيَّ فَأَبَيْتُ فَقَالَ لَا يَحِلُّ
لَكَ وَلَا يَسَعُك أَنْ تَمْنَعَ الْمَسَاكِينَ وَالْفُقَرَاءَ ، فَلَمْ
آخُذْهَا أَكُونُ قَدغ أَثِمْت إذَا أَرَدْتُهَا ؟ قَالَ : لِمَ لَا
تَأْثَمُ مَنْ يَسْلَمُ مِنْ هَذَا ؟ قَدْ أَحْسَنْتَ ، لَوْ أَخَذْتَهَا
لَمْ تَسْلَمْ .
وَرَوَى يَعْقُوبُ عَنْهُ : إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ
لَهُ كَانَ أَسْلَمَ لَهُ ، وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
قَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إلَيَّ ثَلَاثَةَ آلَافِ
دِينَارٍ فَأَتَصَدَّقُ بِهَا ، فَقِيلَ لَهُ : أَوَلَمْ تُؤْجَرْ وَلَا
تَرُدَّ شَيْئًا ؟ قَالَ : إنِّي أَخَافُ وَسَاوِسَ نَفْسِي وَعَوَاذِلَ
قَوْمِي ، فَيُحْبِطُ ذَلِكَ أَجْرِي ، وَالسَّلَامَةُ أَحَبُّ إلَيَّ .
وَقَالَ
الْخَلَّالُ فِي الْأَخْلَاقِ : ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
حَاتِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ عَنْ
هَارُونَ بْنِ سُفْيَانَ الْمُسْتَمْلِي قَالَ : جِئْتُ إلَى أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي
جَاءَتْهُ مِنْ الْمُتَوَكِّلِ قَالَ فَأَعْطَانِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
فَقُلْتُ : لَا تَكْفِينِي قَالَ : لَيْسَ هَهُنَا غَيْرُهَا ، وَلَكِنْ
هُوَ ذَا أَعْمَلُ بِكَ شَيْئًا أُعْطِيكَ ثَلَاثَمِائَةٍ تُفَرِّقُهَا ،
قَالَ : فَلَمَّا أَخَذْتُهَا قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ
وَاَللَّهِ أُعْطِي أَحَدًا مِنْهَا شَيْئًا فَتَبَسَّمَ .
وَقَالَ
صَالِحٌ لِأَبِيهِ : مَا تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ مِسْكِينَةٍ تَكُونُ مَعِي
فِي دَارِي فَرُبَّمَا أَتَوْنِي بِشَيْءٍ لِلْمَسَاكِينِ فَأُعْطِيهَا
مِنْهُ إذَا قَسَمْتُ ، فَقَالَ لَا تَحْلِبْهَا وَأَعْطِهَا كَمَا
تُعْطِي غَيْرَهَا .
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية  الجزء السادس عشر - صفحة 2 Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء السادس عشر {الجمعة 27 مايو - 17:49}


فَصْلٌ ( فِي الِاشْتِغَالِ بِالْمُذَاكَرَةِ عَنْ النَّوَافِلِ ، وَفَضْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَصْدِقَاءِ ) .
قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ لَمَّا قَدِمَ أَبُو زُرْعَةَ نَزَلَ عِنْد
أَبِي فَكَانَ كَثِيرَ الْمُذَاكَرَةِ لَهُ ، فَسَمِعْت أَبِي يَوْمًا
يَقُولُ : مَا صَلَّيْت غَيْرَ الْفَرَائِضِ اسْتَأْثَرْت بِمُذَاكَرَةِ
أَبِي زُرْعَةَ عَلَى نَوَافِلِي .
وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي أَخْلَاقِ
أَحْمَدَ أَنَّ إِسْحَاقَ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ : فَمَضَيْنَا مَعَهُ إلَى الْمُصَلَّى
يَوْمَ عِيدٍ قَالَ : فَلَمْ يُكَبِّرْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَا أَنَا
وَلَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ فَقَالَ لَنَا : رَأَيْتُ مَعْمَرًا
وَالثَّوْرِيَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ كَبَّرَا فَكَبَّرْت ،
وَرَأَيْتُكُمَا لَا تُكَبِّرَانِ فَلَمْ أُكَبِّرْ قَالَ :
وَرَأَيْتُكُمَا لَا تُكَبِّرَانِ فَهِبْتُ .
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
فَلِمَ لَمْ تُكَبِّرَا ؟ قَالَ فَقُلْنَا : نَحْنُ نَرَى التَّكْبِيرَ
وَلَكِنْ شُغِلْنَا بِأَيِّ شَيْء نَبْتَدِئُ مِنْ الْكُتُبِ .
وَقَالَ
صَالِحُ بْنُ مُوسَى أَبُو الْوَجِيهِ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ : وَمَنْ يَفْلِتُ مِنْ التَّصْحِيفِ ؟ لَا يَفْلِتُ أَحَدٌ
مِنْهُ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : أَنْبَأَنَا طَالِبُ بْنُ حَرَّةَ
الْأُذْنِيُّ قَالَ : حَضَرْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقَالَ : عَلَامَةُ
الْمُرِيدِ ، قَطِيعَةُ كُلِّ خَلِيطٍ لَا يُرِيدُ مَا تُرِيدُ .
وَفِي
طَبَقَاتِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
الصُّفْرِ ثَنَا هِبَةُ اللَّهِ الشِّيرَازِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَبِي قَالَ : قُبُورُ أَهْلِ
السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ رَوْضَةٌ ، وَقُبُورُ أَهْلِ
الْبِدَعِ الزَّنَادِقَةِ حُفْرَةٌ ، فُسَّاقُ أَهْلِ السُّنَّةِ
أَوْلِيَاءُ اللَّهِ ، وَزُهَّادُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَعْدَاءُ اللَّهِ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : سُئِلَ أَبِي لِمَ لَا تَصْحَبُ النَّاسَ ؟ قَالَ لِوَحْشَةِ الْفِرَاقِ .
وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ : وَحْشَةُ
الِانْفِرَادِ ، أَبْقَى لِلْعِزِّ مِنْ مُؤَانَسَةِ اللِّقَاءِ .
.
وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ :
وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ فَيُكْثِرُ قَالَ :
يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ الْعَمَلَ بِهِ عَلَى قَدْرِ زِيَادَتِهِ فِي
الطَّلَبِ ، ثُمَّ قَالَ : سَبِيلُ الْعِلْمِ مِثْلُ سَبِيلِ الْمَالِ
أَنَّ الْمَالَ إذَا زَادَ زَادَتْ زَكَاتُهُ .
وَفِي طَبَقَاتِ
الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ وَأَنْبَأَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمَهْرَوَانِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
سَمِعْت الْمُطِيعَ الْخَلِيفَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ فِي يَوْمِ
عِيدٍ : سَمِعْت شَيْخِي عَبْدَ اللَّهِ الْبَغَوِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت
الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ : إذَا مَاتَ أَصْدِقَاءُ
الرَّجُلِ ذَلَّ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ : قَالَ لِي أَيُّوبُ : إنَّهُ
لَيَبْلُغُنِي مَوْتُ الرَّجُلِ مِنْ إخْوَانِي فَكَأَنَّمَا سَقَطَ
عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِي .
فَصْلٌ ( فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا لَدَى الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَاطِينِ ) .
قَدْ سَبَقَ فِي الِاسْتِئْذَانِ كَلَامٌ يَتَعَلَّقُ بِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْمُسَاعَدَةِ عَلَيْهَا .
وَجَاءَ
رَجُلٌ إلَى الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ يَسْتَشْفِعُ بِهِ فِي حَاجَةٍ
فَقَضَاهَا فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ يَشْكُرُهُ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ
سَهْلٍ : عَلَامَ تَشْكُرُنَا وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ لِلْجَاهِ زَكَاةً
كَمَا أَنَّ لِلْمَالِ زَكَاةً ؟ وَفِي لَفْظٍ وَنَحْنُ نَرَى كَتْبَ
الشَّفَاعَاتِ زَكَاةَ مُرُوآتِنَا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُول : فُرِضَتْ
عَلَيَّ زَكَاةُ مَا مَلَكَتْ يَدِي وَزَكَاةُ جَاهِي أَنْ أُعِينَ
وَأَشْفَعَا فَإِذَا مَلَكْتَ فَجُدْ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاجْهَدْ
بِوُسْعِك كُلِّهِ أَنْ تَنْفَعَا قَالَ الْقَاضِي الْمُعَافَى بْنُ
زَكَرِيَّا : وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ : وَإِذَا امْرُؤٌ أَهْدَى
إلَيْك صَنِيعَةً مِنْ جَاهِهِ فَكَأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ وَرَوَى ابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ
عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ جَهْمَانَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ وَزَكَاةُ الْجَسَدِ
الصَّوْمُ } .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَإِذَا السَّعَادَةُ أَحْرَسَتْك
عُيُونُهَا نَمْ فَالْمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ وَاصْطَدْ بِهَا
الْعَنْقَاءَ فَهْيَ حَبَائِلُ وَاقْتَدْ بِهَا الْجَوْزَاءَ فَهْيَ
عَنَانُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَانَ إذَا أَتَاهُ
السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا ،
وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ } رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي لَفْظِهِ " تُؤْجَرُوا " رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَلِأَبِي دَاوُد { اشْفَعُوا إلَيَّ لِتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ
عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ } .
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ
الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي عَنْ الشَّيْءِ فَأَمْنَعُهُ كَيْ تَشْفَعُوا
لَهُ فَتُؤْجَرُوا } وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { : اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا } رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ
هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ هَمَّامٍ عَنْ
مُعَاوِيَةَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْد الْبَرِّ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
اسْتَعِينُوا عَلَى حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي
نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ } وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ لِقُتَيْبَةِ بْنِ
مُسْلِمٍ : إنِّي أَتَيْتُك فِي حَاجَةٍ رَفَعْتهَا إلَى اللَّهِ قَبْلَك
فَإِنْ يَأْذَنْ اللَّهُ فِيهَا قَضَيْتهَا وَحَمِدْنَاك ، وَإِنْ لَمْ
يَأْذَنْ فِيهَا لَمْ تَقْضِهَا وَعَذَرْنَاك .
وَقَالَ يُونُسُ :
أَنْزَلْتُ بِالْحُرِّ إبْرَاهِيمَ مَسْأَلَةً أَنْزَلْتُهَا قَبْلَ
إبْرَاهِيمَ بِاَللَّهِ فَإِنْ قَضَى حَاجَتِي فَاَللَّهُ يَسَّرَهَا هُوَ
الْمُقَدِّرُهَا وَالْآمِرُ النَّاهِي إذَا أَبَى اللَّهُ شَيْئًا ضَاقَ
مَذْهَبُهُ عَنْ الْكَبِيرِ الْعَرِيضِ الْقَدْرِ وَالْجَاهِ قَالَ أَبُو
الْعَتَاهِيَةِ : خَيْرُ الْمَذَاهِبِ فِي الْحَاجَاتِ أَنْجَحُهَا
وَأَضْيَقُ الْأَمْرِ أَدْنَاهُ إلَى الْفَرَجِ وَكَتَبَ سَوَّارُ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّارِ الْقَاضِي إلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ : لَنَا حَاجَةٌ وَالْعُذْرُ فِيهَا مُقَدَّمٌ
خَفِيفٌ وَمَعْنَاهَا مُضَاعَفَةُ الْأَجْرِ فَإِنْ تَقْضِهَا فَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّنَا وَإِنْ تَكُنْ الْأُخْرَى فَفِي وَاسِعِ الْعُذْرِ عَلَى
أَنَّهُ الرَّحْمَنُ مُعْطٍ وَمَانِعٌ وَلِلرِّزْقِ أَسْبَابٌ إلَى قَدَرٍ
يَجْرِي فَأَجَابَهُ مُحَمَّدُ بْنِ طَاهِرٍ : فَسَلْهَا تَجِدْنِي
مُوجِبًا لِقَضَائِهَا سَرِيعًا إلَيْهَا لَا يُخَاطِبُنِي فِكْرُ شَكُورٌ
بِإِفْضَالِي عَلَيْك بِمِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا حَوَتْهُ
يَدِي شُكْرُ فَهَذَا قَلِيلٌ لِلَّذِي قَدْ رَأَيْته لِحَقِّك لَا مَنٌّ
لَدَيَّ وَلَا ذُخْرُ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : حَاجَةُ
الرَّجُلُ إلَى أَخِيهِ فِتْنَةٌ لَهُمَا ، إنْ أَعْطَاهُ شَكَرَ مَنْ
لَمْ يُعْطِهِ ، وَإِنْ مَنَعَهُ ذَمَّ مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ .
وَقَالَ
خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ : لَا تَطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ غَيْرِ
أَهْلِهَا ، وَلَا تَطْلُبُوهَا فِي غَيْرِ حِينِهَا ، وَلَا تَطْلُبُوا
مَا لَا
تَسْتَحِقُّونَ مِنْهَا ، فَإِنَّ مَنْ طَلَبَ مَا لَا يَسْتَحِقُّ اسْتَوْجَبَ الْحِرْمَانَ .
وَقَالَ
رَجُلٌ لِلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَوْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْعَبَّاسِ أَتَيْتُك فِي حَاجَةٍ صَغِيرَةٍ قَالَ : فَاطْلُبْ لَهَا
رَجُلًا صَغِيرًا .
وَقِيلَ لِآخَرَ أَتَيْتُك فِي حَاجَةٍ صَغِيرَةٍ
قَالَ : اُذْكُرْهَا عِنْدَ الْحُرِّ يَقُومُ بِصَغِيرِ الْحَاجَاتِ
وَكَبِيرِهَا ، كَأَنْ يُقَالَ : لَا تَسْتَعِنْ عَلَى حَاجَةٍ بِمَنْ
هِيَ طُعْمَتُهُ ، وَلَا تَسْتَعِنْ بِكَذَّابٍ ، فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ
الْبَعِيدَ وَيُبَاعِدُ الْقَرِيبَ ، وَلَا تَسْتَعِنْ عَلَى رَجُلٍ
بِمَنْ لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَصْلُ الْعِبَادَةِ أَنْ لَا تَسْأَلَ سِوَى اللَّهِ حَاجَةً .
فَلِكُلِّ
أَحَدٍ فِي اللَّهِ عِوَضٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ
اللَّهِ عِوَضٌ بِأَحَدٍ وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدُ : وَإِذَا طَلَبْتَ
إلَى كَرِيمٍ حَاجَةً فَلِقَاؤُهُ يَكْفِيك وَالتَّسْلِيمُ وَإِذَا
طَلَبْت إلَى لَئِيمٍ حَاجَةً فَأَلِحَّ فِي رَقٍّ وَأَنْتَ مُدِيمُ
وَقَالَ آخَرُ : لَا تَطْلُبَنَّ إلَى لَئِيمٍ حَاجَةً وَاقْعُدْ فَإِنَّك
قَائِمٌ كَالْقَاعِدِ يَا خَادِعَ الْبُخَلَاءِ عَنْ أَمْوَالِهِمْ
هَيْهَاتَ تَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بَارِدِ وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ :
اقْضِ الْحَوَائِجَ مَا اسْتَطَعْ تَ وَكُنْ لِهَمِّ أَخِيكَ فَارِجْ
فَلَخَيْرُ أَيَّامِ الْفَتَى يَوْمٌ قَضَى فِيهِ الْحَوَائِجْ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ قَالُوا مَنْ صَبَرَ عَلَى حَاجَتِهِ ظَفِرَ بِهَا ، وَمَنْ
أَدْمَنَ قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ وَقَالَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ : اصْبِرْ عَلَى مَضَضِ الْإِدْلَاجِ فِي السَّحَرِ
وَفِي الرَّوَاحِ إلَى الْحَاجَاتِ وَالْبَكْرِ لَا تَضْجَرَنَّ وَلَا
يُعْجِزْكَ مَطْلَبُهَا فَالنُّجْحُ يَتْلَفُ بَيْنَ الْعَجْزِ
وَالْقِصَرِ إنِّي رَأَيْت وَفِي الْأَيَّامِ تَجْرِبَةٌ لِلصَّبْرِ
عَاقِبَةً مَحْمُودَةَ الْأَثَرِ وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي شَيْءٍ
تَطَلَّبَهُ وَاسْتَشْعَرَ الصَّبْرَ إلَّا فَازَ بِالظَّفَرِ وَقَالَ
سُفْيَانُ : الْإِلْحَاحُ لَا يَصْلُحُ وَلَا يَجْمُلُ إلَّا عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ سَأَلْت رَبِّي
حَاجَةً عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى