رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
انْقَضَتْ لِي وَلَا يَئِسْت
مِنْهَا وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ : فِي النَّاسِ مَنْ تَسْهُلُ
الْمَطَالِبُ أَحْ يَانًا عَلَيْهِ وَرُبَّمَا صَعُبَتْ مَا كُلُّ ذِي
حَاجَةٍ بِمُدْرِكِهَا كَمْ مِنْ يَدٍ لَا تَنَالُ مَا طَلَبَتْ مَنْ لَمْ
يَسَعْهُ الْكَفَافُ مُعْتَدِلًا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الدُّنَا بِمَا
رَحُبَتْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : اسْتَعِينُوا عَلَى النَّاسِ فِي
حَوَائِجكُمْ بِالتَّثْقِيلِ فَذَلِكَ نُجْحٌ لَكُمْ وَقَالَ آخَرُ : مَنْ
عَفَّ خَفَّ عَلَى الصَّدِيقِ لِقَاؤُهُ وَأَخُو الْحَوَائِجِ وَجْهُهُ
مَمْلُولُ وَكَتَبَ أَبُو الْعَتَاهِيَة إلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ
يُعَاتِبُهُ فَقَالَ : لَئِنْ عُدْت بَعْدَ الْيَوْمِ إنِّي لَظَالِمٌ
سَأَصْرِفُ نَفْسِي حِينَ تُبْغَى الْمَكَارِمُ مَتَى يَنْجَحْ الْغَادِي
إلَيْك بِحَاجَةٍ وَنِصْفُك مَحْجُوبٌ وَنِصْفُكَ نَائِمُ وَسُئِلَ بَعْضُ
الْحُكَمَاءِ حَاجَةً فَامْتَنَعَ فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : لَأَنْ
يَحْمَرَّ وَجْهِي مَرَّةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَصْفَرَّ مِرَارًا .
وَقَالَ
مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ : مَنْ قَالَ لَا فِي حَاجَةٍ مَطْلُوبَةٍ فَمَا
ظَلَمْ وَإِنَّمَا الظَّالِمُ مَنْ قَالَ لَا بَعْدَ نَعَمْ وَقَالَ آخَرُ
: إنَّ لَا بَعْدَ نَعَمْ فَاحِشَةٌ فَبِلَا فَابْدَأْ إذَا خِفْتَ
النَّدَمْ وَإِذَا قُلْت نَعَمْ فَاصْبِرْ لَهَا بِنَجَازِ الْوَعْدِ إنَّ
الْخُلْفَ ذَمْ وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي الِاسْتِئْذَانِ ،
وَقَبْلَهُ فِي فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى
وُلَاةِ الْأُمُورِ .
وَفِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ
عَبْدَانِ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ : مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ
حَاجَةً إلَّا قُمْت لَهُ بِنَفْسِي ، فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا قُمْت لَهُ
بِمَالِي ، فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا اسْتَعَنَّا لَهُ بِالْإِخْوَانِ ،
فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا اسْتَعَنْت لَهُ بِالسُّلْطَانِ .
وَيَنْبَغِي
أَنْ لَا يَنْدَمَ مَنْ رُدَّتْ شَفَاعَتُهُ وَلَا يَتَأَذَّى عَلَى مَنْ
لَمْ يَقْبَلْهَا ، وَيَفْتَحُ بَابَ الْعُذْرِ وَسَيِّدُ الْخَلَائِقِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعْظَمُ
حَقًّا وَأَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ بِإِجْمَاعِ
الْعُلَمَاءِ ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ :
مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ
تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ : أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ
وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدك
قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ لَا إنَّمَا أَشْفَعُ
قَالَتْ : فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ } ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْأَمْرِ
وَرَدِّ شَفَاعَتِهِمْ وَعَدَمِ قَبُولِهَا مُتَفَاوِتُونَ جِدًّا ، كَمَا
هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ هَارُونُ الرَّقِّيُّ قَدْ عَاهَدَ
اللَّهَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ أَحَدٌ كِتَابَ شَفَاعَةٍ إلَّا فَعَلَ ،
فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَهُ قَدْ أُسِرَ بِالرُّومِ
وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى مَلِكِ الرُّوم فِي إطْلَاقِهِ ، فَقَالَ
لَهُ : وَيْحَكَ وَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُنِي وَإِذَا سَأَلَ عَنِّي قِيلَ
هُوَ مُسْلِمٌ فَكَيْف يَقْضِي حَقِّي ؟ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ :
اُذْكُرْ الْعَهْدَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَتَبَ لَهُ إلَى مَلِكِ
الرُّوم ، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ
شَفَعَ إلَيْنَا ؟ قِيلَ : هَذَا رَجُلٌ قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ لَا
يُسْأَلُ كِتَابَ شَفَاعَةٍ إلَّا كَتَبَهُ إلَى أَيِّ مَنْ كَانَ .
فَقَالَ
مَلِكُ الرُّومِ : هَذَا حَقِيقٌ بِالْإِسْعَافِ ، أَطْلِقُوا أَسِيرَهُ
وَاكْتُبُوا جَوَابَ كِتَابِهِ وَقُولُوا لَهُ : اُكْتُبْ بِكُلِّ حَاجَةٍ
تَعْرِضُ ، فَإِنَّا نُشَفِّعُك فِيهَا .
وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْكَلَامِ وَالْبُخْلِ .
وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَقْوَامًا
اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ مَا بَذَلُوهَا ،
فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا
مِنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إلَى
غَيْرِهِمْ } ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ الْأَخْضَرِ فِيمَنْ رَوَى عَنْ
أَحْمَدَ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ اللَّبَّادِ
أَبِي نَصْرٍ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ .
فَصْلٌ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ الْمَذْكُورِ عَنْ أَحْمَدَ
: إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ حَاجَةً فَقُولُوا : فِي عَافِيَةٍ ، قَالَ
سُلَيْمَانُ الْقَصِيرُ قُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : يَا أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ أَيْشٍ تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَهُ
قَرَابَةٌ وَلَهُمْ وَلِيمَةٌ تُرَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيُهْدِي لَهُمْ ،
قَالَ : نَعَمْ رَوَاهُ الْخَلَّالُ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ الشَّكْوَى مِنْ الْمَرَضِ وَالضَّيْرِ وَاسْتِحْبَابِ حَمْدِ اللَّهِ قَبْلَ ذِكْرَهُمَا ) .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي
الْفَضْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُتَطَبِّبِ ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الصَّلْتِ : سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ
الْمُتَطَبِّبَ يُعْرَفُ بِطَبِيبِ السُّنَّةِ يَقُولُ : دَخَلْت عَلَى
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَعُودُهُ فَقُلْت : كَيْف تَجِدُك ؟ فَقَالَ :
أَنَا بِعَيْنِ اللَّهِ ، ثُمَّ دَخَلْت عَلَى بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ
فَقُلْت : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ قَالَ أَحْمَدُ اللَّهَ إلَيْك ، أَجِدُ
كَذَا ، أَجِدُ كَذَا ، فَقُلْت : أَمَا تَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا
شَكْوَى ؟ فَقَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ
سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ
قَالَا : سَمِعْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا كَانَ الشُّكْرُ
قَبْلَ الشَّكْوَى فَلَيْسَ بِشَاكٍ } فَدَخَلْت عَلَى أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ فَحَدَّثْته فَكَانَ إذَا سَأَلْته قَالَ : أَحْمَدُ اللَّهَ
إلَيْك ، أَجِدُ كَذَا أَجِدُ كَذَا .
قَالَ الْخَلَّالُ فِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ هَذَا : كَانَ يَأْنَسُ بِهِ أَحْمَدُ وَبِشْرُ بْنُ
الْحَارِثِ وَيَخْتَلِفُ إلَيْهِمَا ، وَأَظُنُّ أَنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ
نَقَلَ هَذَا مِنْ كِتَابِ الْخَلَّالِ ، وَهَذَا الْخَبَرُ السَّابِقُ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ
الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ أَلَمٍ
وَوَجَعٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، لَا لِقَصْدِ الشَّكْوَى .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ لَمَّا قَالَتْ : { وَارَأْسَاهُ .
قَالَ
: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ } وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِقَوْلِ
ابْنِ مَسْعُودٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّك
لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ، فَقَالَ أَجَلْ إنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ
رَجُلَانِ مِنْكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي
الْفُنُونِ قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا
نَصَبًا } .
يَدُلُّ
عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرَاحَةِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الشَّكْوَى عِنْدَ
إمْسَاس الْبَلْوَى وَنَظِيرُهُ { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } {
مَسَّنِيَ الضُّرُّ } { مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي }
انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ .
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ
: كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِخَيْرٍ فِي
عَافِيَةٍ ، فَقَالَ : حُمِّمْتُ الْبَارِحَةَ قَالَ إذَا قُلْت لَك :
أَنَا فِي عَافِيَةٍ فَحَسْبُك لَا تُخْرِجْنِي إلَى مَا أَكْرَهُ ، قَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : إذَا كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِمَّا يُمْكِنُ
كِتْمَانُهَا فَكِتْمَانُهَا مِنْ أَعْمَالِ اللَّهِ الْخَفِيَّةِ .
وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : شَكْوَى الْمَرِيضِ مُخْرِجَةٌ
مِنْ التَّوَكُّلِ وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنِينَ الْمَرِيضِ
لِأَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْ الشَّكْوَى ، وَذُكِرَ هَذَا النَّصُّ عَنْ
أَحْمَدَ وَقَالَ : فَأَمَّا وَصْفُ الْمَرِيضِ لِلطَّبِيبِ مَا يَجِدُهُ
، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ إنَّ أُخْتَ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَتْ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ
: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنِينُ الْمَرِيضِ شَكْوَى قَالَ : أَرْجُو
أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَكْوَى وَلَكِنَّهُ اشْتَكَى إلَى اللَّهِ ،
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي كَرَاهَةِ الْأَنِينِ فِي الْمَرَضِ
رِوَايَتَيْنِ ، وَرُوِيَتْ الْكَرَاهَةُ عَنْ طَاوُسٍ ، وَذَكَرَ
الشَّيْخُ تَقِيّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ مَا ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ
أَنَّ الصَّبْرَ وَاجِبٌ قَالَ : وَالصَّبْرُ لَا تُنَافِيه الشَّكْوَى
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْعُبُودِيَّةِ : وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ صَبْرٌ
بِغَيْرِ شَكْوَى إلَى الْمَخْلُوقِ .
ثُمَّ حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ
تَرْكُهُ الْأَنِينَ لِمَا حُكِيَ لَهُ عَنْ طَاوُسٍ كَرَاهَتُهُ ، ثُمَّ
قَالَ : وَأَمَّا الشَّكْوَى إلَى الْخَالِقِ فَلَا تُنَافِي الصَّبْرَ
الْجَمِيلَ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى { يَا أَسَفَى
عَلَى يُوسُفَ } .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا لَفْظُ الشَّكْوَى فَأَيْنَ
الصَّبْرُ ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا : أَنَّهُ شَكَا
إلَى اللَّهِ لَا مِنْهُ وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الدُّعَاءَ
فَالْمَعْنَى
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
يَا رَبُّ ارْحَمْ أَسَفِي عَلَى يُوسُفَ وَقَالَ :
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَالْحُزْنُ وَنُفُورُ النُّفُوسِ مِنْ
الْمَكْرُوهِ وَالْبَلَاءِ لَا عَيْبَ فِيهِ ، وَلَا مَأْثَمَ إذَا لَمْ
يَنْطِقْ اللِّسَانُ بِكَلَامٍ مُؤَثِّمٍ وَلَمْ يَشْكُ مِنْ رَبِّهِ .
فَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ يَا أَسَفَى شَكْوَى إلَى رَبِّهِ ، كَانَ غَيْرَ مَلُومٍ .
فَصْلٌ ( فِي شُكْرِ النِّعَمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَفَوَائِدِهِ فِي الِالْتِجَاءِ إلَى اللَّهِ ) .
قَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : النَّعَمُ أَضْيَافٌ وَقِرَاهَا الشُّكْرُ
، وَالْبَلَايَا أَضْيَافٌ وَقِرَاهَا الصَّبْرُ ، فَاجْتَهِدْ أَنْ
تَرْحَلَ الْأَضْيَافُ شَاكِرَةً حُسْنَ الْقِرَى ، شَاهِدَةً بِمَا
تَسْمَعُ وَتَرَى .
وَقَالَ : مِنْ أَحْسَنِ ظَنِّي بِهِ أَنَّهُ
بَلَغَ مِنْ لُطْفِهِ أَنْ وَصَّى وَلَدِي إذَا كَبِرْت فَقَالَ : { فَلَا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } .
فَأَرْجُو إذَا صِرْتُ عِنْدَهُ رَمِيمًا
أَنْ لَا يَعْسِفَ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ ، تُشَاكِلُ أَقْوَالَهُ ،
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ
عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ
وَالضُّرِّ مَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ ، فَيَدْعُونَهُ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، وَيَرْجُونَهُ لَا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ
، فَتَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ
مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ ، وَحَلَاوَةِ
الْإِيمَانِ وَذَوْقِ طَعْمِهِ ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ مَا هُوَ
أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ ، أَوْ
الْجَدْبِ أَوْ الضُّرِّ ، وَمَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ
الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ الدِّينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ
مَقَالٌ ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ ،
وَلِهَذَا قِيلَ : يَا ابْنَ آدَمَ لَقَدْ بُورِكَ لَك فِي حَاجَةٍ
أَكْثَرْتَ فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ سَيِّدِك .
وَقَالَ بَعْضُ
الشُّيُوخِ : إنَّهُ لَيَكُونُ لِي إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ فَادْعُوهُ
فَيَفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ وَحَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ مَا
لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي أَوْ أَنْ يَنْصَرِفَ
عَنِّي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا وَقَدْ
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ
مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ
نَبِيًّا } .
وَقَالَ أَيْضًا : { وَجَدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ } فَوُجُودُ الْمُؤْمِنِ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ وَذَوْقُ
طَعْمِهِ أَمْرٌ يَعْرِفُهُ مَنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْوَجْهُ وَهَذَا الذَّوْقُ .
فَاَلَّذِي
يَحْصُلُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عِنْدَ تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ يَجْذِبُ
قُلُوبَهُمْ إلَى اللَّهِ وَإِقْبَالُهُمْ عَلَيْهِ دُونَ مَا سِوَاهُ ،
بِحَيْثُ يَكُونُونَ حُنَفَاءَ لِلَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ إلَى
أَنْ قَالَ : وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بُعِثَتْ بِهِ
الرُّسُلُ وَأُنْزِلَ بِهِ الْكُتُبُ ، وَهُوَ قُطْبُ الْقُرْآنِ الَّذِي
تَدُورُ عَلَيْهِ رَحَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِي الصَّبْرِ وَالصَّابِرِينَ وَفَوَائِدِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ ) .
قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى : { وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إذَا
أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ
رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ .
وَصَحَّ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ فِي أَحَادِيثَ .
وَرَوَى
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ : { مَا
مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ : { إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إلَيْهِ رَاجِعُونَ } اللَّهُمَّ اُؤْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ
لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ
لَهُ خَيْرًا مِنْهَا } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ { وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ
عَطَاءً خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ } وَخَيْرٌ مَرْفُوعٌ خَبَرُ
مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ خَيْرٌ .
وَرُوِيَ " خَيْرًا " قَالَ : { وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } .
فَإِذَا
عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّهُ وَمَا يَمْلِكُهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ حَقِيقَةً
؛ لِأَنَّهُ أَوْجَدَهُ مِنْ عَدَمٍ وَيُعْدِمُهُ أَيْضًا وَيَحْفَظُهُ
فِي حَالِ وُجُودِهِ ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْعَبْدُ إلَّا بِمَا
يُتَاحُ لَهُ وَأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى اللَّه ، وَلَا بُدَّ فَرْدًا كَمَا
قَالَ تَعَالَى : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } .
وَقَوْلُهُ { وَلَقَدْ
جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ
مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ
شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ
تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } .
وَأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ .
كَمَا قَالَهُ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي
أَنْفُسِكُمْ
إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا
آتَاكُمْ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } .
وَإِنَّ
اللَّهَ لَوْ شَاءَ جَعَلَ مُصِيبَتَهُ أَعْظَمَ مِمَّا هِيَ ، وَإِنَّهُ
إنْ صَبَرَ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَعْظَمَ مِنْ فَوَاتِ مُصِيبَتِهِ
، وَإِنَّ الْمُصِيبَةَ لَا تَخْتَصُّ بِهِ فَيَتَأَسَّى بِأَهْلِ
الْمَصَائِبِ ، وَمُصِيبَةُ بَعْضِهَا أَعْظَمُ ، وَإِنَّ سُرُورَ
الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَانْقِطَاعِهِ مُنَغِّصٌ .
وَقَدْ رُوِيَ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لِكُلِّ فَرْحَةٍ تَرْحَةٌ ، وَمَا مُلِئَ
بَيْتٌ فَرَحًا إلَّا مُلِئَ تَرَحًا وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ
اللَّهُ : مَا كَانَ ضَحِكٌ قَطُّ إلَّا كَانَ بَعْدَهُ بُكَاءٌ .
وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مِنْ تَغَيُّرِ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا فِي أَسْرَعِ مَا يَكُونُ الْعَجَائِبَ .
وَقَالَتْ
هِنْدُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ : لَقَدْ رَأَيْتنَا
وَنَحْنُ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ مُلْكًا ، ثُمَّ لَمْ
تَغِبْ الشَّمْسُ حَتَّى رَأَيْتنَا وَنَحْنُ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ ،
وَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَمْلَأَ دَارًا حِيَرَةً إلَّا
مِلْأَهَا عِبْرَةً ، وَبَكَتْ أُخْتُهَا حُرْقَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ
يَوْمًا وَهِيَ فِي عِزِّهَا فَقِيلَ : مَا يُبْكِيك لَعَلَّ أَحَدًا
آذَاك ؟ قَالَتْ : لَا ، وَلَكِنْ رَأَيْت غَضَارَةً فِي أَهْلِي
وَقَلَّمَا امْتَلَأَتْ دَارٌ سُرُورًا إلَّا امْتَلَأَتْ حُزْنًا .
وَالْغَضَارَةُ
طَيِّبُ الْعَيْشِ يَقُولُ : بَنُو فُلَانٍ مَغْضُورُونَ وَقَدْ
غَضَرَهُمْ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَفِي غَضَارَةٍ مِنْ الْعَيْشِ ، وَفِي
غَضْرَاءَ مِنْ الْعَيْشِ أَيْ : فِي خِصْبٍ وَخَيْرٍ قَالَ
الْأَصْمَعِيُّ : لَا يُقَالُ : أَبَادَ اللَّهُ غَضْرَاءَهُمْ ، وَلَكِنْ
أَبَادَ اللَّهُ غَضِرَاهُمْ ، أَيْ هَلَكَ خَيْرُهُمْ وَغَضَارَتُهُمْ .
وَقَالَتْ حُرْقَةُ أَيْضًا : مَا نَحْنُ فِيهِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِمَّا كُنَّا فِيهِ بِالْأَمْسِ .
إنَّا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل بَيْتٍ يَعِيشُونَ فِي حِيرَةٍ ، إلَّا سَيُعَقَّبُونَ بَعْدهَا غُبْرَةٌ .
وَإِنَّ الدَّهْرَ
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
لَمْ
يَظْهَرْ لِقَوْمٍ بِيَوْمٍ يُحِبُّونَهُ إلَّا بَطَنَ لَهُمْ بِيَوْمٍ
يَكْرَهُونَهُ ، ثُمَّ قَالَتْ : فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ
أَمْرُنَا إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ فَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا
يَدُومُ نَعِيمُهَا تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ تَنَصَّفَ أَيْ
خَدَمَ وَعَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ الْجَزَعَ لَا يَرُدُّ الْمُصِيبَةَ بَلْ
هُوَ مَرَضٌ يَزِيدُهَا ، وَإِنَّهُ يَسُرُّ عَدُوَّهُ وَيُسِيءُ
مُحِبَّهُ ، وَإِنَّ فَوَاتَ ثَوَابِهَا بِالْجَزَعِ أَعْظَمُ مِنْهَا ،
وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمْدِ الَّذِي يُبْنَى لَهُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى
حَمْدِهِ وَاسْتِرْجَاعِهِ .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : مَا لِعَبْدِي
الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إذَا قَبَضْت صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ
الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الْجَنَّةَ } وَفِي التِّرْمِذِيِّ
وَقَالَ غَرِيبٌ عَنْ جَابِرَ مَرْفُوعًا : { يَوَدُّ نَاسٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ تُقْرَضُ بِالْمَقَارِيضِ فِي
الدُّنْيَا ، لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلَاءِ } .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَا يُصِيبُ
الْمُسْلِمَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ ، وَلَا هَمٍّ ، وَلَا حُزْنٍ ،
وَلَا أَذًى ، وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ
اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ } .
وَعَنْ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ
أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ : الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ، ثُمَّ
الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلِ مِنْ النَّاسِ ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى
حَسْبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ
، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ ، وَمَا يَزَالُ
الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ
عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ } وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ { بِالْمُؤْمِنِ أَوْ
الْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَفِي مَالِهِ وَفِي وَلَدِهِ ، حَتَّى
يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ } صَحَّحَهُمَا التِّرْمِذِيُّ
وَرَوَى الثَّانِيَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ .
وَرَوَيَا أَيْضًا وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا : { مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِيبُ مِنْهُ } .
وَعَنْ
صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إنَّ أَمَرَهُ
كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا
لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ،
وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ } وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ ، إنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَقْضِ لَهُ قَضَاءً إلَّا كَانَ
خَيْرًا لَهُ } .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { أَشَدُّ النَّاسِ
بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ، إنْ كَانَ أَحَدُهُمْ
لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ ، كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ }
مُخْتَصَرٌ مِنْ ابْنِ مَاجَهْ .
وَعَنْ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا { يَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي
مُؤْمِنًا فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ
مَضْجَعِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنْ الْخَطَايَا } رَوَاهُ
أَحْمَدُ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ
يُقَالُ لَهُ : مَنْظُورٌ عَنْ عَمِّهِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا { إنَّ
الْمُؤْمِنَ إذَا أَصَابَهُ سَقَمٌ ثُمَّ أَعْفَاهُ اللَّهُ مِنْهُ ،
كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا
يَسْتَقْبِلُ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ
كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ ، فَلَمْ يَدْرِ لِمَ
عَقَلُوهُ وَلِمَ أَرْسَلُوهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا
، إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا
خَطِيئَةً } وَمَا كَفَى إنْ فَاتَ حَتَّى عَصَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ
أَسْخَطَ رَبَّهُ ، وَفَوَاتُ لَذَّةِ عَاقِبَةِ الصَّبْرِ وَاحْتِسَابُهُ
أَعْظَمُ مِمَّا أُصِيبَ بِهِ ، لَوْ بَقِيَ وَعَلِمَ أَنَّ فِي اللَّه
خَلَفًا وَدَرْكًا فَرَجَا الْخَلَفَ مِنْهُ .
وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ
:
إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ
هَالِكٍ ، وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ ، فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا ،
وَإِيَّاهُ فَارْجُوَا ، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ ،
وَعَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ حَظَّهُ مِنْ الْمُصِيبَةِ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ
خَيْرٍ وَشَرٍّ ، وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ مَرْفُوعًا { إنَّ
اللَّهَ إذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ
الرِّضَا ، وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَهُوَ
إسْنَادُ حَدِيثِ { إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا }
وَلِذَاكَ إسْنَادٌ آخَرُ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فِي
مَحْمُودٍ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيْرُهُ : لَا صُحْبَةَ
لَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَزَادَ { وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ
الْجَزَعُ } .
وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { إنَّ أَعْظَمَ الْجَزَاءِ
مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ قَوْمًا
ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ
السَّخَطُ } وَعَنْهُ أَيْضًا { إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا
عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ
الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ حَتَّى يُوَافِيَ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَرَوَى ابْنُ
مَاجَهْ الْأَوَّلَ وَرَوَى أَحْمَدُ الثَّانِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، وَعَلِمَ أَنَّ آخِرَ أَمْرِهِ الصَّبْرَ ،
وَهُوَ مُثَابٌ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { إنَّمَا
الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى } وَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ
قَيْسٍ : إنَّكَ إنْ صَبَرْتَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَإِلَّا سَلَوْتَ
الْبَهَائِمَ ، وَعَلِمَ أَنَّ الَّذِي ابْتَلَاهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ
وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لِيَمْتَحِنَ صَبْرَهُ وَيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ ،
وَيُخَوِّفَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ
بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }
وَقَالَ تَعَالَى { وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
} .
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ : يَا بُنَيَّ الْمُصِيبَةُ مَا
جَاءَتْ
لِتُهْلِكَ ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِتَمْتَحِنَ صَبْرَك وَإِيمَانَك ، يَا
بُنَيَّ الْقَدَرُ سَبُعٌ ، وَالسَّبُعُ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ،
فَالْمُصِيبَةُ كِيرُ الْعَبْدِ ، فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ ذَهَبًا أَوْ
خَبَثًا كَمَا قِيلَ : سَبَكْنَاهُ وَنَحْسَبُهُ لُجَيْنًا فَأَبْدَى
الْكِيرُ عَنْ خَبَثِ الْحَدِيدِ اللُّجَيْنُ الْفِضَّةُ جَاءَ مُصَغَّرًا
مِثْلَ الثُّرَيَّا وَكُمَيْتٌ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْلَا الْمَصَائِبُ
لَبَطَرَ الْعَبْدُ وَبَغَى وَطَغَى فَيَحْمِيهِ بِهَا مِنْ ذَلِكَ
وَيُطَهِّرُهُ مِمَّا فِيهِ ، فَسُبْحَانَ مِنْ يَرْحَمُ بِبَلَائِهِ ،
وَيَبْتَلِي بِنَعْمَائِهِ كَمَا قِيلَ : قَدْ يُنْعِمُ اللَّهُ
بِالْبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ وَيَبْتَلِي اللَّهُ بَعْضَ الْقَوْمِ
بِالنِّعَمِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَارَةَ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الْآخِرَةِ
وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ ، وَلِهَذَا قَالَ : عَلَيْهِ السَّلَامُ {
الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ } وَقَالَ : {
حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ }
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ احْتَمَلَ مَرَارَةَ سَاعَةٍ
لِحَلَاوَةِ الْأَبَدِ .
وَذُلَّ سَاعَةٍ لِعِزِّ الْأَبَدِ ، هَذَا
مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِ حَتَّى نَظَرَ فِي الْعَوَاقِبِ وَالْغَايَاتِ ،
وَالنَّاسُ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ آثَرُوا الْعَاجِلَ لِمُشَاهَدَتِهِ
وَضَعْفِ الْإِيمَانِ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يُحِبُّ رَبَّهُ وَأَنَّ
الْمُحِبَّ وَأَنَّهُ إنْ أَسْخَطَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي مَحَبَّتِهِ ،
وَلِهَذَا كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ
فِي مَرَضِهِ : أَحَبُّهُ إلَيَّ أَحَبُّهُ إلَيْهِ ، وَكَذَا أَبُو
الْعَالِيَة وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ
اللَّهَ إذَا قَضَى قَضَاءً أَحَبَّ أَنْ يُرْضَى بِهِ ، وَعَلِمَ أَنَّ
مَرَاتِبَ الْكَمَالِ مَنُوطَةٌ بِالصَّبْرِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ ،
وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنْ لَا يَتَّهِمَ رَبَّهُ فِي قَضَائِهِ لَهُ .
كَمَا
رَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَسَنُ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ الْحَارِثِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ جُنَادَةَ بْنَ
أَبِي أُمَيَّةَ يَقُولُ : سَمِعْت عُبَادَة بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ :
إنَّ
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ : { يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ :
الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقٌ بِهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ ، قَالَ
: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : السَّمَاحَةُ
وَالصَّبْرُ قَالَ : أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ : لَا تَتَّهِمْ اللَّهَ فِي شَيْءٍ قُضِيَ لَك } ابْنُ لَهِيعَةَ
فِيهِ كَلَامٌ مَشْهُورٌ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ السُّلَمِيِّ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { أَنَّ الْعَبْدَ إذَا سَبَقَتْ
لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ
تَعَالَى فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ، ثُمَّ
صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ
لَهُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ أَبُو دَاوُد ،
وَعَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ نَكْبَةٌ
فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إلَّا بِذَنْبٍ ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ
عَنْهُ أَكْثَرُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ .
فَإِذَا
عَلِمَ الْعَبْدُ هَذِهِ الْأُمُورَ نَظَرَ فِيهَا وَتَأَمَّلَهَا صَبَرَ
وَاحْتَسَبَ وَحَصَلَ لَهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا
يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا
مُتَفَاوِتُونَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمُورِ وَسَيَأْتِي آخِرَ فُصُولِ
التَّدَاوِي .
( فَصْلٌ فِي دَاءِ الْعِشْقِ ) لَهُ مُنَاسَبَةٌ
وَتَعَلُّقٌ بِهَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ مَا
أَنْشَدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ لِنَفْسِهِ : يَقُولُونَ
لِي فِي الصَّبْرِ رَوْحٌ وَرَاحَةٌ وَلَا عَهْدَ لِي بِالصَّبْرِ مُذْ
خُلِقَ الْحُبُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّبْرَ كَالصَّبِرِ طَعْمُهُ
وَإِنَّ سَبِيلَ الصَّبْرِ مُمْتَنِعٌ صَعْبُ وَقَدْ قَالَ أَبُو
الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ : السِّرُّ الْمَصُونُ اعْلَمْ
أَنَّ مِنْ طَلَبَ أَفْعَالَهُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلِ الْمُجَرَّدِ ،
فَلَمْ يَجِدْ يَعْتَرِضُ ، وَهَذِهِ حَالَةٌ قَدْ شَمِلَتْ خَلْقًا
كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ
وَالْجُهَّالِ أَوَّلَهُمْ إبْلِيسُ ،
فَإِنَّهُ نَظَرَ بِمُجَرَّدِ عَقْلِهِ فَقَالَ : كَيْفَ يُفَضَّلُ
الطِّينُ عَلَى جَوْهَرِ النَّارِ ؟ وَفِي ضِمْنِ اعْتِرَاضِهِ أَنَّ
حِكْمَتَك قَاصِرَةٌ وَأَنَّ رَأْيِي أَجْوَدُ ، فَلَوْ لَقِيت أَنَا
إبْلِيسَ كُنْت أَقُولُ لَهُ : حَدِّثْنِي عَنْ فَهْمِك هَذَا الَّذِي
رَفَعْت بِهِ أَمْرَ النَّارِ عَلَى الطِّينِ ، أَهُوَ وَهَبَهُ لَك أَمْ
حَصَلَ لَك مِنْ غَيْرِ مَوْهِبَتِهِ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ : وُهِبَ لِي ،
فَأَقُولُ : أَفِيهِ لَك كَمَالُ الْفَهْمِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ
حِكْمَتُهُ فَتَرَى أَنْتَ الصَّوَابَ ، وَيَرَى هُوَ الْخَطَأَ ؟
وَتَبِعَ إبْلِيسَ فِي تَغْفِيلِهِ وَاعْتِرَاضِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِثْلَ
ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمَعَرِّيّ وَمِنْ قَوْلِهِ : إذَا كَانَ لَا
يَحْظَى بِرِزْقِك عَاقِلٌ وَتَرْزُقُ مَجْنُونًا وَتَرْزُقُ أَحْمَقَا
فَلَا ذَنْبَ يَا رَبَّ السَّمَاءِ عَلَى امْرِئٍ رَأَى مِنْكَ مَا لَا
يُشْتَهَى فَتَزَنْدَقَا وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ يَقُول :
أَيَا رَبُّ تَخْلُقُ أَقْمَارَ لَيْلٍ وَأَغْصَانَ بَانٍ وَكُثْبَانَ
رَمْلِ وَتُبْدِعُ فِي كُلِّ طَرْفٍ بِسِحْرٍ وَفِي كُلِّ قَدٍّ وَسَبْقٍ
بِشَكْلِ وَتَنْهَى عِبَادَك أَنْ يَعْشَقُوا أَيَا حَاكِمَ الْعَدْلِ ذَا
حُكْمُ عَدْلِ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ يَقُولُ : لَيْسَ عَلَى
الْمَخْلُوقِ أَضَرُّ مِنْ الْخَالِقِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : دَخَلْت
عَلَى صَدَقَةَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِ وَكَانَ فَقِيهًا غَيْرَ
أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الِاعْتِرَاضِ ، وَكَانَ عَلَيْهِ جَرَبٌ فَقَالَ :
هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى جَمَلٍ لَا عَلَيَّ ، وَكَانَ
يَتَفَقَّدُهُ بَعْضُ الْأَكَابِرِ بِمَأْكُولٍ فَيَقُولُ : بُعِثَ لِي
هَذَا عَلَى الْكِبَرِ وَقْتَ لَا أَقْدِرُ آكُلُهُ ، وَكَانَ رَجُلٌ
يَصْحَبُنِي قَدْ قَارَبَ ثَمَانِينَ سَنَةً كَثِيرَ الصَّلَاةِ
وَالصَّوْمِ فَمَرِضَ وَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ فَقَالَ لِي : إنْ كَانَ
يُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ ، فَيُمِيتَنِي ، فَأَمَّا هَذَا التَّعْذِيبُ فَمَا
لَهُ مَعْنًى .
وَاَللَّهُ لَوْ أَعْطَانِي الْفِرْدَوْسَ كَانَ مَكْفُورًا .
وَرَأَيْت آخَرَ يَتَزَيَّا بِالْعِلْمِ إذَا ضَاقَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ يَقُولُ أَيْشٍ هَذَا التَّدْبِيرُ
؟ وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ إذَا ضَاقَتْ أَرْزَاقُهُمْ اعْتَرَضُوا ، وَرُبَّمَا قَالُوا : مَا تُرِيدُ نُصَلِّي .
وَإِذَا
رَأَوْا رَجُلًا صَالِحًا يُؤْذَى قَالُوا : مَا يَسْتَحِقُّ ، قَدْ حَافَ
الْقَدَرُ ، وَكَانَ قَدْ جَرَى فِي زَمَانِنَا تَسَلُّطٌ مِنْ
الظَّلَمَةِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَتَزَيَّا بِالدِّينِ : هَذَا حُكْمٌ
بَارِدٌ ، وَمَا فَهِمَ ذَاكَ الْأَحْمَقُ أَنَّ اللَّهَ يُمْلِي
لِلظَّالِمِ .
وَفِي الْحَمْقَى مَنْ يَقُولُ : أَيُّ فَائِدَةٍ فِي
خَلْقِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ ، وَمَا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ
أُنْمُوذَجٌ لِعُقُوبَةِ الْمُخَالِفِ وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ مَنْ
يَتَزَيَّا بِالْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ : اشْتَهَيْت أَنْ يَجْعَلَنِي
وَزِيرًا فَأَدْبَرَ .
وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ شَاعَ فَلِهَذَا مَدَدْت النَّفْسَ فِيهِ .
وَاعْلَمْ
أَنَّ الْمُعْتَرِضَ قَدْ ارْتَفَعَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا وَعَلَا عَلَى
الْخَالِقِ بِالتَّحَكُّمِ عَلَيْهِ ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَفَرَةٌ ؛
لِأَنَّهُمْ رَأَوْا حِكْمَةَ الْخَالِقِ قَاصِرَةٌ .
وَإِذَا كَانَ
تَوَقُّفُ الْقَلْبِ عَنْ الرِّضَا بِحُكْمِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ عَنْ الْإِيمَانِ .
قَالَ تَعَالَى : {
فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .
فَكَيْف يَصِحُّ الْإِيمَانُ مَعَ
الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ؟ وَكَانَ فِي زَمَنِ ابْن عَقِيلٍ
رَجُلٌ رَأَى بَهِيمَةً عَلَى غَايَةٍ مِنْ السَّقَمِ فَقَالَ : وَا
رَحْمَتِي لَك ، وَا قِلَّةَ حِيلَتِي فِي إقَامَةِ التَّأْوِيلِ
لِمُعَذِّبِكِ .
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى
حَمْلِ هَذَا الْأَمْرِ لِأَجْلِ رِقَّتِكَ الْحَيَوَانِيَّةِ ،
وَمُنَاسَبَتِك الْجِنْسِيَّةِ ، فَعِنْدَك عَقْلٌ تَعْرِفُ بِهِ
تَحَكُّمَ الصَّانِعِ ، وَحِكْمَتُهُ تُوجِبُ عَلَيْك التَّأْوِيلَ ،
فَإِنْ لَمْ تَجِدْ اسْتَطْرَحْت لِفَاطِرِ الْعَقْلِ ، حَيْثُ خَانَكَ
الْعَقْلُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ رِضَا الْعَقْلِ بِأَفْعَالِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ فِي الْعِبَادَاتِ أَشَدِّهَا وَأَصْعَبِهَا
.
ثُمَّ
ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَقِيلٍ وَفِيهِ : وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى
الْعَجْزِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْعَوَاقِبِ فَقَالَ تَعَالَى : وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ .
فَفِي عُقُولِنَا قُوَّةُ التَّسْلِيمِ وَلَيْسَ فِيهَا قُدْرَةُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ .
وَقَدْ
يَدْعُو الْإِنْسَانُ فَلَا يُجَابُ فَيَنْدَمُ ، وَهُوَ يُدْعَى إلَى
الطَّاعَةِ فَيَتَوَقَّف ، فَالْعَجَبُ مِنْ عَبِيدٍ يَقْتَضُونَ
الْمَوَالِيَ اقْتِضَاءَ الْغَرِيمِ ، وَلَا يَقْتَضُونَ الْغَرِيمَ وَلَا
يَقْتَضُونَ أَنْفُسَهُمْ بِحُقُوقِ الْمَوَالِي .
قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ : وَمَنْ تَأَمَّلَ دَقَائِقَ حِكْمَتِهِ وَمَحَاسِنَ
صِفَاتِهِ أَخْرَجَهُ حُبُّهُ إلَى الْهَيَمَانِ فِيهِ ، فَإِنَّ
الْمَعَانِيَ الْمُسْتَحْسَنَةَ تُحَبُّ أَكْثَرَ مِنْ الصُّوَرِ ،
وَلِهَذَا تُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ لِمَعَانِيهِمْ لَا لِصُوَرِهِمْ ، فَكَيْفَ لَا تَقَعُ
الْمَحَبَّةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْكَمَالِ الْمُنَزَّهِ عَنْ نَقْصٍ ؟
فَوَا أَسَفَا لِلْغَافِلِينَ عَنْهُ ، وَوَا حَسْرَتَا لِلْجَاهِلِينَ
بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَبْلَ ذَلِكَ : مَنْ نَظَرَ إلَى
أَفْعَالِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ أَنْكَرَ ، فَأَمَّا مَنْ عَلِمَ
أَنَّهُ مَالِكٌ وَحَكِيمٌ ، وَأَنَّ حِكْمَتَهُ قَدْ تَخْفَى سَلَّمَ
لِمَا لَمْ يَعْلَمْ عِلَّتَهُ بِأَفْعَالِهِ مُسْلِمًا إلَى حِكْمَتِهِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَنْ لَمْ يَحْتَرِزْ بِعَقْلِهِ مِنْ عَقْلِهِ هَلَكَ بِعَقْلِهِ .
وَهَذَا
كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا لِلْعَقْلِ هُوَ
حَكِيمٌ قَالَ : لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنِّي قَدْ رَأَيْت عَجَائِبَ
أَفْعَالِهِ الْمُحْكَمَةِ فَعَلِمْت أَنَّهُ حَكِيمٌ ، فَإِذَا رَأَيْت
مَا يُصْدَرُ مَا ظَاهِرُهُ يُنَافِي الْحِكْمَةَ ، نَسَبْت الْعَجْزَ
إلَيَّ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ تَسْلِيمُ
الْعُقُولِ لِمَا يُنَافِيهَا ، وَذَلِكَ عِبَادَةُ الْعُقُولِ قَالَ :
وَصَارَ هَذَا كَمَا خَفِيَ عَنْ مُوسَى حِكْمَةُ فِعْلِ الْخَضِرِ ،
وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْعَامِّيِّ مَا يَفْعَلُهُ الْمَلِكُ
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فَقَدْ
قَالَ الْمُتَنَبِّي : يَدِقُّ عَنْ الْأَفْكَارِ مَا أَنْتَ فَاعِلُ
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : الْوَاحِدُ مِنْ الْعَوَامّ إذَا
رَأَى مَرَاكِبَ مُقَلَّدَةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَدُورًا
مَشِيدَةً مَمْلُوءَةً بِالْخَدَمِ وَالزِّينَةِ قَالَ : اُنْظُرْ إلَى
مَا أَعْطَاهُمْ مَعَ سُوءِ أَفْعَالِهِمْ ، وَلَا يَزَالُ يَلْعَنُهُمْ
وَيَذُمُّ مُعْطِيَهُمْ وَيَسْقَفُ حَتَّى يَقُولَ : فُلَانٌ يُصَلِّي
الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ ، وَلَا يَذُوقُ قَطْرَةَ خَمْرٍ ، وَلَا
يُؤْذِي الذَّرَّ ، وَلَا يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ ، وَيُؤَدِّي
الزَّكَاةَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَيَحُجُّ وَيُجَاهِدُ ، وَلَا
يَنَالُ خُلَّةً بِقُلَّةٍ ، وَيُظْهِرُ الْإِعْجَابَ كَأَنَّهُ يَنْطِقُ
عَنْ تَخَايُلِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الشَّرَائِعُ حَقًّا لَكَانَ
الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا نَرَى ، وَكَانَ الصَّالِحُ غَنِيًّا
وَالْفَاسِقُ فَقِيرًا .
مَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ لَحَظَ أَنَّ
اللَّهَ أَعْطَى هَذَا أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ وَالْوُقُوفِ ، بِأَنْ
يَأْكُلَ الرِّبَا وَيُفَاسِدَ الْعُقُودَ ، وَهَذَا افْتِئَاتٌ
وَتَجَوُّزٌ وَسَخَطٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .
فَإِنَّ لِلَّهِ
كِتَابًا قَدْ مَلَأَهُ بِالنَّهْيِ وَحِرْمَانِ أَخْذِ الْمَالِ
الْحَرَامِ وَأَكْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَوْ كَانَ مُنْصِفًا لَقَالَ
لَهُ تَدَبَّرْ هَذَا كِتَابُ اللَّهِ مَمْلُوءٌ بِالنَّهْيِ وَالْوَعِيدِ
، فَصَارَ الْفَرِيقَانِ مَلْعُونَيْنِ ، هَذَا بِكُفْرِهِ وَهَذَا
بِارْتِكَابِ النَّهْيِ .
وَمِنْ الْفَسَادِ فِي هَذَا الِاعْتِقَادِ
أَنَّهُ لَا يُبْقِي فِي الْعَقْلِ ثِقَةً إلَى دَلَالَةٍ قَامَتْ عَلَى
شَرِيعَةٍ أَوْ حُكْمٍ .
فَإِنَّ يَنْبُوعَ الثِّقَةِ وَمَصْدَرَهَا
إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُؤَيِّدُ غَيْرَ
الصَّادِقِ ، وَلَا يُلْبِسُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ .
فَإِذَا لَمْ
تَسْتَقِرَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَلَا ثِقَةَ وَقَالَ أَيْضًا : إذَا
تَأَمَّلَ الْمُتَدَيِّنُ أَفْعَالَ الْخَلْقِ فِي مُقَابَلَةِ إنْعَامِ
الْحَقِّ اسْتَكْثَرَ لَهُمْ شَمَّ الْهَوَاءِ ، وَاسْتَقَلَّ لَهُمْ مِنْ
اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَكْثَرَ الْبَلَاءِ ، إذَا رَأَى هَذِهِ الدَّارَ
الْمُزَخْرَفَةَ بِأَنْوَاعِ الزَّخَارِيفِ ،
الْمُعَدَّةَ
لِجَمِيعِ التَّصَارِيفِ وَاصْطِبَاغًا وَأَشْرِبَةً وَأَدْوِيَةً ،
وَأَقْوَاتًا وَإِدَامًا وَفَاكِهَةً ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
الْعَقَاقِيرِ ، ثُمَّ إرْخَاءَ السَّحَابِ بِالْغُيُوثِ فِي زَمَنِ
الْحَاجَاتِ ثُمَّ تَطْيِيبَ الْأَمْزِجَةِ وَإِحْيَاءَ النَّبَاتِ ،
وَخَلْقَ هَذِهِ الْأَبْنِيَةِ عَلَى أَحْسَنِ إتْقَانٍ ، وَتَسْخِيرَ
الرِّيَاحِ وَالنَّسِيمِ الْمُعَدِّ لِلْأَنْفَاسِ ، إلَى غَيْر ذَلِكَ
مِنْ النِّعَمِ ، ثُمَّ نِعْمَةَ الْعَقْلِ وَالذِّهْنِ ثُمَّ سَائِرَ
الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الصَّانِعِ ، ثُمَّ إنْزَالَ الْكُتُبِ
الَّتِي تَحُثُّ عَلَى الطَّاعَاتِ وَتَرْدَعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ ،
ثُمَّ اللُّطْفَ بِالْمُكَلَّفِ ، وَإِبَاحَةَ الشِّرْكِ مَعَ
الْإِكْرَاهِ ، وَأَمَرَ بِالْجُمُعَةِ فَضَايَقُوهُ فِي سَاعَةِ السَّعْي
بِنَفْسِ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْبَيْعِ فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ ،
وَعَظَّمُوا كُلَّ مَا هَوَّنَهُ وَارْتَكَبُوا كُلَّ مَا هَوَّنَهُ
حَتَّى اسْتَخَفُّوا بِحُرْمَةِ كِتَابِهِ ، فَأَنَا أَسْتَقِلُّ لَهُمْ
كُلَّ مِحْنَةً .
وَقَالَ أَيْضًا : لَا تَتِمُّ الرُّجْلَةُ فِي
الْعَبْدِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَقَامِ اخْتِلَالِ أَحْوَالِهِ ،
وَإِشْبَاطِ أَخْلَاطِهِ وَأَفْرَاحِهِ ، وَتَسَلُّطِ أَعْدَائِهِ
ثَابِتًا بِثُبُوتِ الْمُتَلَقِّي وَالْمُتَوَقِّي ، فَيَتَلَقَّى
النِّعَمَ بِالشُّكْرِ لَا بِالْبَطَرِ ، مُتَمَاسِكًا عَنْ تَحَرُّكِ
الرَّعَنِ ، وَعِنْدَ الْمَصَائِبِ مُسْتَسْلِمًا نَاظِرًا إلَى
الْمُبْتَلَى بِعَيْنِ الْكَمَالِ ، وَعِنْدَ اشْتِطَاطِ الْغَضَبِ
مُتَلَقِّيًا بِالْحُكْمِ ، وَعِنْدَ الشَّهَوَاتِ مُسْتَحْضِرًا
لِلْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، فَسُبْحَانَ مَنْ كَمَنَ جَوَاهِرَ الرِّجَالِ
فِي هَذِهِ الْأَجْسَادِ ، ثُمَّ أَظْهَرَهَا بِابْتِلَائِهِ لِيُعْطِيَ
عَلَيْهَا جَزِيلَ ثَوَابِهِ ، وَيَجْعَلَهَا حُجَّةً عَلَى بَقِيَّةِ
عِبَادِهِ .
وَقَالَ : زِنُوا أَنْفُسَكُمْ : مِنْ الْمَبَادِئِ مَاءٌ
وَطِينٌ ، وَفِي الثَّوَانِي مَاءٌ مَهِينٌ ، وَفِي الْوَسَطِ عَبِيدٌ
مَحَاوِيج لَوْ حُبِسَ عَنْكُمْ نَسِيمُ الْهَوَاءِ لَأَصْبَحْتُمْ
جِيَفًا ، وَلَوْ مُكِّنَتْ مِنْكُمْ الْبُقُوقُ عَنْ السِّبَاعِ
لَأَكَلَتْكُمْ ، كُونُوا مُتَعَرِّفِينَ لَا عَارِفِينَ .
وَقَالَ
لَنَا : عِنْدَك ذَخَائِرُ وَوَدَائِعُ بِاَللَّهِ لَا تَضَعْهَا فِي
التُّرَّهَاتِ ، وَدُمُوعٌ وَدِمَاءٌ وَنُفُوسٌ ، بِاَللَّهِ لَا تَجْرِي
الدُّمُوعَ إلَّا عَلَى مَا فَاتَ وَيَفُوتُ ، وَلَا تُرِقْ الدِّمَاءَ ،
إلَّا فِي مُكَافَحَةِ الْأَعْدَاءِ ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِنَا ،
وَأَنْفَاسٌ مِنْ نَفَائِسِ الذَّخَائِرِ ، فَبِحَقِّنَا لَا تَتَنَفَّسْ
الصُّعَدَاءَ إلَّا فِي الشَّوْقِ إلَيْنَا ، وَالتَّأَسُّفِ عَلَيْنَا .
كَمْ
نَخْلَعُ عَلَيْك خِلْعَةً نَفِيسَةً تَبْذُلُهَا فِي الْأَقْذَارِ ،
وَتَخْلُقُهَا فِي خِدْمَةِ الْأَغْيَارِ ، اشْتَغَلْتَ بِالصُّوَرِ ،
شَغْلَ الْأَطْفَالِ بِاللَّعِبِ ، فَاتَتْكَ أَوْقَاتٌ لَا تَتَلَافَى
إلَى أَنْ قَالَ : فَإِنْ كَسَرْنَا عَلَيْك لُعْبَةً مِثْلَ أَنْ
نَسْلُبَك وَلَدًا مَنَحْنَاهُ ، أَخَذْت تُضَيِّعُ الدُّمُوعَ وَتَخْرُقُ
الْجُيُوبَ ، وَا أَسَفَا عَلَى أَوْقَاتٍ فَاتَتْ ، أَمَا رَأَيْت
الْمُتَدَارِكِينَ هَذَا يَقُولُ : هَلَكْت وَأَهْلَكْت ، وَهَذَا يَقُولُ
: زَنَيْت فَطَهِّرْنِي ، زَاهِدًا فِي مُصَاحَبَةِ نَفْسٍ خَائِنَةٍ
فِيمَا عَاهَدَتْ ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يُقِيمُ لَهَا التَّأْوِيلَ
وَيَقُولُ : " لَعَلَّكَ قَبِلْت " وَذَاكَ مُصِرٌّ عَلَى التَّشَفِّي
مِنْ النَّفْسِ الْمُخَالِفَةِ لِلْحَقِّ ، أَتُرَاهُ سَلَّطَ هَذِهِ
الْبَلَاوِيَ إلَّا لِيُظْهِرَ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ فِي الصَّبْرِ
عَلَيْهِ وَالْغَيْرَةِ ؟ تُرَى لَوْ دَامَ الْخَلِيلُ وَالذَّبِيحُ فِي
كَتْمِ الْعَزْمِ ، كَانَ وُجِدَ لِأَخْذِ قَدَمٍ ، إلَى أَنْ قَالَ :
فَصَارَ الْوَلَدُ كَالشَّاةِ الْمُعَدَّةِ لِلذَّبْحِ .
أَخْجَلَ وَاَللَّهِ هَذَا الْجَوْهَرُ الَّذِي أَظْهَرَهُ الِامْتِحَانُ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ .
{ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ } .
أَيْنَ
التَّسْبِيحُ مِنْ عَزْمِ الذَّبْحِ وَبَذْلِ الذَّبِيحِ ؟ لَقَدْ
تَرَكَتْ هَذِهِ الْمَكَارِمُ رُءُوسَ الْكُلِّ مُنَكَّسَةً خَجَلًا
بِبُخْلِهِمْ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ ، وَنِصْفَ دِينَارٍ مِنْ عِشْرِينَ .
وَتَعْجَبُ
مِنْ قَوْلِ الدَّبُوسِيِّ الْحَنَفِيِّ : إنَّ الدُّنْيَا دَارُ جَزَاءٍ
لِحَقِّ الْآدَمِيِّ ، فَأَمَّا لِحَقِّهِ فَيَتَأَخَّرُ إلَى الْآخِرَةِ
، وَإِنَّ هَذَا
خِلَافُ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ
تَعَالَى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا
تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا
أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ
كَثِيرٍ } .
وَقِيلَ لِأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ مَا بَالُ
الْعُقَلَاءِ أَزَالُوا اللَّوْمَ عَمَّنْ أَسَاءَهُمْ ، قَالَ : إنَّهُمْ
عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ .
وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ .
وَلِابْنِ
مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { كُلُّ بَنِي آدَمَ
خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ } وَلِأَحْمَدَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ
هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا } وَلِلتِّرْمِذِيِّ
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ
كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلَّا اللَّمَمَ } إنْ تَغْفِرْ
اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَك إلَّا أَلَمَّا .
فَصْلٌ
( فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ ) تُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ قَالَ
بَعْضُ الْأَصْحَابِ : وَتُكْرَهُ وَسَطَ النَّهَارِ نَصَّ عَلَيْهِ
وَقَالَ الْأَثْرَمُ : قِيلَ : لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فُلَانٌ مَرِيضٌ
وَكَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فِي الصَّيْفِ .
فَقَالَ :
لَيْسَ هَذَا وَقْتُ عِيَادَةٍ قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُ هَذَا
كَرَاهِيَةُ الْعِيَادَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتَهَى كَلَامُ
الْأَصْحَابِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : تُسْتَحَبُّ الْعِيَادَةُ
بُكْرَةً وَعَشِيَّةً لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ .
وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ عُدْت مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَرِيضًا بِاللَّيْلِ
وَكَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ قَالَ لِي : فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
يُعَادُ بِاللَّيْلِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ سَهْلِ بْنِ بَكَّارٍ
عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ
الْعَلَاءِ عَمَّةِ حَزَامِ بْنِ حَكِيمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَتْ : {
عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا
مَرِيضَةٌ وَقَالَ : أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلَاءِ فَإِنَّ مَرَضَ
الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ ، كَمَا تُذْهِبُ النَّارُ
خَبَثَ الْحَدِيدِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَأَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ :
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرِضَ الْحَبِيبُ فَعُدْتُهُ فَمَرِضْت مِنْ
حَذَرِي عَلَيْهِ فَأَتَى الْحَبِيبُ يَعُودُنِي فَشُفِيتُ مِنْ نَظَرِي
إلَيْهِ .
فَصْلٌ الْتِقَاط مَا يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ .
قَالَ
الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ رَأَيْت أَبِي إذَا
وَقَعَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ فَأَكْثَرُ لَا يَأْخُذُهَا وَلَا يَأْمُرُ
أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَهَا فَقُلْت لَهُ يَوْمًا يَا أَبَتِ السَّاعَةَ
سَقَطَتْ مِنْك هَذِهِ الْقِطْعَةُ فَلِمَ لَا تَأْخُذُهَا ؟ فَقَالَ
رَأَيْتُهَا وَلَكِنِّي لَا أُعَوِّدُ نَفْسِي أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ
الْأَرْضِ كَانَ لِي أَوْ لِغَيْرِي .
وَهَذَا رَأْيٌ مِنْ عَبْدِ
الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْلَى أَخْذُ مَا لَا يَجِبُ
الْتِقَاطُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حُصُولِ النَّفْعِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ
مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَكَذَا أَخْذُ مَا وَقَعَ مِنْهُ بَلْ يُنْهَى
عَنْ تَرْكِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ .
فَصْلٌ ( فِي أَدَبِ الصُّحْبَةِ وَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْمَلَلِ وَالْقَطِيعَةِ ) .
قَالَ
عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنِّي
لَأُحِبُّ أَنْ أَصْحَبَكَ إلَى مَكَّةَ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ
إلَّا أَنِّي أَخَافُ أَمَلَّكَ أَوْ تَمَلَّنِي ، فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ
قُلْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُوصِينِي بِشَيْءٍ قَالَ نَعَمْ أَلْزِمْ
التَّقْوَى قَلْبَكَ ، وَاجْعَلْ الْآخِرَةَ أَمَامَكَ .
وَرَوَى
الْخَلَّالُ فِي الْأَدَبِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ قُلْت لِلْحَسَنِ إنِّي
أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ قَالَ فَلَا تَصْحَبْ رَجُلًا
يَكْرُمُ عَلَيْكَ فَيَنْقَطِعَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَعَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ قُلْت لِصَدِيقٍ لِي مِنْ قُرَيْشٍ تَعَالَى أُوَاضِعُك
الرَّأْيَ فَانْظُرْ أَيْنَ رَأْيِي مِنْ رَأْيِك فَقَالَ لِي دَعْ
الْمَوَدَّةَ عَلَى حَالِهَا قَالَ فَغَلَبَنِي الْقُرَيْشِيُّ بِعَقْلِهِ
.
وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ أَقَامَ عَلَى صَاحِبٍ لَهُ مَرِضَ حَتَّى
فَاتَهُ الْحَجُّ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ قَدْ كُنْتُ رَافَقْتُ يَحْيَى وَنَحْنُ بِالْكُوفَةِ فَمَرِضَ
قَالَ فَتَرَكْتُ سَمَاعِي وَرَجَعْتُ مَعَهُ إلَى بَغْدَادَ قَالَ
فَكَانَ يَحْيَى يَشْكُرُ لِي ذَلِكَ .
فَصْلٌ ( فِي حُسْنِ
الْخُلُقِ ) قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
حُسْنِ الْخُلُقِ قَالَ أَنْ لَا تَغْضَبَ وَلَا تَحْتَدَّ ، قِيلَ لَهُ
الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فَلَمْ يَرَ
ذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ هُوَ بَسْطُ الْوَجْهِ وَأَنْ
لَا تَغْضَبَ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ .
وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
مَنْصُورٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ
فَقَالَ هُوَ أَنْ يَحْتَمِلَ مِنْ النَّاسِ مَا يَكُونُ إلَيْهِ .
وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ فِي تَفْسِيرِ حُسْنِ الْخُلُقِ فَأَنْشَدَ هَذَا الْبَيْتَ .
تَرَاهُ
إذَا مَا جِئْته مُتَهَلِّلَا كَأَنَّك مُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ
سَائِلُهْ وَرَوَى أَيْضًا عَنْ الْفُضَيْلِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَاءَ
خُلُقُهُ سَاءَ دِينُهُ ، وَحَسْبُهُ مَوَدَّتُهُ .
وَقَالَ مُهَنَّا
سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ ظَلَمَنِي وَتَعَدَّى عَلَيَّ وَوَقَعَ فِي
شَيْءٍ عِنْدَ السُّلْطَانِ أُعِينُ عَلَيْهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ قَالَ
لَا بَلْ اشْفَعْ فِيهِ إنْ قَدَرْت قُلْت سَرَقَنِي فِي الْمِكْيَالِ
وَالْمِيزَانِ أَدُسُّ إلَيْهِ مَنْ يُوقِفُهُ عَلَى السَّرِقَةِ قَالَ
إنْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ فَقَدَرْت أَنْ تَشْفَعَ لَهُ فَاشْفَعْ لَهُ
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ
بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ
الْخُلُقِ } .
وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي الْأَدَبِ لَهُ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { إنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا
النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ فَلْيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ طَلَاقَةُ الْوَجْهِ
وَحُسْنُ الْبِشْرِ } وَفِي حُسْنِ الْخُلُقِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فَفِي
الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ
أَخْلَاقًا } .
وَفِي بَعْضِ طُرُقٍ لِلْبُخَارِيِّ { إنَّ خِيَارَكُمْ
أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا } بِإِسْقَاطِ مِنْ وَقَالَ أَبُو دَاوُد
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو
الْجُمَاهِرِ ثَنَا أَبُو كَعْبٍ أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ { أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ
الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبَيْتٍ فِي
وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا
وَبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ } أَيُّوبُ
تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو الْجُمَاهِرِ لَكِنَّهُ ثِقَةٌ .
وَعَنْ
سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ
وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ تَرَكَ
الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا ، وَمَنْ حَسُنَ
خُلُقُهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا } سَلَمَةُ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَقُولُ { اللَّهُمَّ أَحْسَنْت خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي } وَعَنْ
عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَصَحَّحَ
ابْنُ حِبَّانَ خَبَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي
كِتَابِ الدَّعَوَاتِ .
وَقَالَ فِيهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِهِ فِي الْمِرْآةِ
ذَكَرَهُ ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي كِتَابِ
الْأَدْعِيَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَفِي آخِرِهِ {
وَحَرِّمْ وَجْهِي عَلَى النَّارِ } .
وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْقُرَظِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } .
أَيْ وَخُلُقَكَ فَحَسِّنْ وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { الشُّؤْمُ سُوءُ الْخُلُقِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَالشُّؤْمُ
ضِدُّ الْيُمْنِ يُقَالُ تَشَاءَمْت بِالشَّيْءِ وَتَيَمَّنْت بِهِ ،
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ
هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنْ النَّاسِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ الْبَرَاءُ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ
خُلُقًا } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
قِيلَ دِينُ الْإِسْلَامِ .
وَقِيلَ
أَدَبُ الْقُرْآنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الطَّبْعُ الْكَرِيمُ
فَسُمِّيَ خُلُقًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْخِلْقَةِ فِي صَاحِبِهِ .
فَأَمَّا
مَا طُبِعَ عَلَيْهِ فَيُسَمَّى الْخِيمَ فَيَكُونُ الْخِيمُ الطَّبْعُ
الْغَرِيزِيُّ وَالْخُلُقُ الطَّبْعُ الْمُتَكَلَّفُ .
انْتَهَى
كَلَامُهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْخُلْقُ وَالْخُلُقُ السَّجِيَّةُ
وَفُلَانٌ يَتَخَلَّقُ بِغَيْرِ خُلُقِهِ أَيْ يَتَكَلَّفُهُ قَالَ
الشَّاعِرُ يَا أَيُّهَا الْمُتَحَلِّي غَيْرَ شِيمَتِهِ إنَّ
التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ قَالَ وَالْخِيمُ بِالْكَسْرِ
السَّجِيَّةُ وَالطَّبِيعَةُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ فَدَلَّ
عَلَى التَّرَادُفِ خِلَافَ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ فِي
النِّهَايَةِ الْخُلُقُ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهَا الدِّينُ
وَالطَّبْعُ وَالسَّجِيَّةُ .
وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لِصُورَةِ
الْإِنْسَانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نَفْسُهُ وَأَوْصَافُهَا وَمَعَانِيهَا
الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْخُلُقِ لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ
وَأَوْصَافِهَا وَمَعَانِيهَا وَلَهَا أَوْصَافٌ حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ
وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ
الْبَاطِنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ
الظَّاهِرَةِ وَلِهَذَا تَكَرَّرَتْ الْأَحَادِيثُ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ
وَذَمِّ سُوءِ الْخُلُقِ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا
سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ : { كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ } .
أَيْ كَانَ مُتَمَسِّكًا
بِآدَابِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ
الْمَكَارِمِ وَالْمَحَاسِنِ وَالْأَلْطَافِ .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي
قَتَادَةَ { فِي قِصَّةِ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَمَّا
لَحِقَهُمْ وَقَدْ عَطِشُوا فَقَالَ لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ بِضَمِّ
الْهَاءِ الْهَلَاكُ ثُمَّ قَالَ أَطْلِقُوا إلَيَّ غُمَرِي بِضَمِّ
الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالرَّاءِ وَهُوَ الْقَدَحُ
الصَّغِيرُ وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ فَلَمْ
يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسِنُوا
الْمَلَأَ كُلُّكُمْ سَيَرْوَى قَالَ فَفَعَلُوا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى مَا
بَقِيَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي اشْرَبْ فَقُلْت لَا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا قَالَ
فَشَرِبْت وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَالْمَلَأُ
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ مَنْصُوبٌ مَفْعُولُ
أَحْسِنُوا وَالْمَلَأُ الْخُلُقُ وَالْعِشْرَةُ يُقَالُ مَا أَحْسَنَ
مَلَأَ فُلَانٍ أَيْ خُلُقَهُ وَعِشْرَتَهُ وَمَا أَحْسَنَ مَلَأَ بَنِي
فُلَانٍ أَيْ عِشْرَتَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ .
كَانَ يُقَالُ مَنْ سَاءَ
خُلُقُهُ قَلَّ صَدِيقُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ وَمَا اكْتَسَبَ
الْمَحَامِدَ طَالِبُوهَا بِمِثْلِ الْبِشْرِ وَالْوَجْهِ الطَّلِيقِ
وَقَالَ آخَرُ : خَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ لَا تَكُنْ كَلْبًا
عَلَى النَّاسِ تَهِرُّ وَقَالَ آخَرُ وَمَا حَسَنٌ أَنْ يَمْدَحَ
الْمَرْءُ نَفْسَهُ وَلَكِنَّ أَخْلَاقًا تُذَمُّ وَتُمْدَحُ .
وَلِأَبِي
دَاوُد عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَنْطَبِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا .
{ إنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ } .
كُلُّهُمْ
ثِقَاتٌ وَالْمُطَّلِبُ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُ وَقَالَ
أَبُو زُرْعَةَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ .
وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ لَمْ يُدْرِكْهَا ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا {
مَا مِنْ شَيْءٍ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ } إسْنَادٌ
جَيِّدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
وَلِلتِّرْمِذِيِّ فِي رِوَايَةٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَعْنَى حَدِيثِ
عَائِشَةَ .
وَقَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ
النَّاسَ الْجَنَّةَ قَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ
عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ قَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ
} رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَعَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ { يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ
تَتَزَوَّجُ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ ثُمَّ تَدْخُلُ
الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا مَنْ يَكُونُ زَوْجُهَا قَالَ إنَّهَا
تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّ
سَلَمَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } فِي
إسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَعَنْ
مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ مُعَاذٍ وَأَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا {
اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ
تَمْحُهَا وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ } سَنَدُهُ جَيِّدٌ إلَى
مَيْمُونٍ وَمَيْمُونٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ
وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ { اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ
تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ } وَلِمُسْلِمٍ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى