لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية الجزء العشرون - صفحة 2 Empty كتاب : الآداب الشرعية الجزء العشرون {السبت 28 مايو - 20:25}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :


تَذْهَبُ
الشَّحْنَاءُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ :
الْمُصَافَحَةُ تَجْلِبُ الْمَوَدَّةَ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ
الرَّازِيّ فِيمَا أَلَّفَهُ فِي ابْتِدَاءِ الشَّافِعِيِّ وَلَقِيَهُ
مَالِكٌ أَخْبَرَنِي أَبُو رَافِعٍ أُسَامَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعْدٍ
بِمِصْرَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ
: سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الِاعْتِنَاقِ فِي الْحَمَّامِ لِلْغَائِبِ
، فَقَالَ : لَا يَجُوزُ لَا دَاخِلَ وَلَا خَارِجَ قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ
يَكْرَهُ الْمُصَافَحَةَ فَكَيْفَ الِاعْتِنَاقُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ
اتَّفَقُوا أَنَّ مُصَافَحَةَ الرَّجُلِ حَلَالٌ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : {
خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
طَائِفَةٍ مِنْ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى
جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ
فَاطِمَةَ فَقَالَ : أَثَمَّ لُكَعُ ؟ أَثَمَّ لُكَعُ يَعْنِي حَسَنًا
فَظَنَنَّا أَنَّهُ إنَّمَا تَحْبِسُهُ أَمَةٌ لَأَنْ تُغَسِّلَهُ
وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى حَتَّى
اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ
فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ } قَوْلُهُ فِي طَائِفَةٍ : أَيْ
قِطْعَةٍ مِنْهُ وَقَيْنُقَاعَ مُثَلَّثُ النُّونِ ، وَلُكَعُ هُنَا
الصَّغِيرُ ، وَالْخِبَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ بَيْتُهَا .
وَالسِّخَابُ
بِكَسْرِ السِّينِ جَمْعُهُ سُخُبُ الْقِلَادَةِ مِنْ الْقُرُنْفُلِ
وَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَخْلَاطِ الطِّيبِ يُعْمَلُ
عَلَى هَيْئَةِ السُّبْحَةِ وَيُجْعَلُ قِلَادَةً لَلصِّبْيَانِ
وَالْجَوَارِي .
وَقِيلَ هُوَ خَيْطٌ سُمِّيَ سِخَابًا لِصَوْتِ
خَرَزِهِ عِنْدَ حَرَكَتِهِ مِنْ السَّخَبِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْخَاءِ
وَيُقَالُ الصَّخَبُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ .
وَفِيهِ جَوَازُ
لِبَاسِ الصِّبْيَانِ الْقَلَائِدَ وَالسُّخُبَ مِنْ الزِّينَةِ ،
وَتَنْظِيفِهِمْ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ لِقَاءَ أَهْلِ الْفَضْلِ ،
وَمُلَاطَفَةِ الصَّبِيِّ وَالتَّوَاضُعِ
.
وَكَرِهَ مَالِكٌ
مُعَانَقَةَ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَقَالَ بِدْعَةٌ ، وَاعْتَذَرَ عَنْ
فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِجَعْفَرٍ
حِين قَدِمَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ مَا
تَخُصُّهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَسَكَتَ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
وَسُكُوتُهُ دَلِيلٌ لِتَسْلِيمِ قَوْلِ سُفْيَانَ وَمُوَافَقَتِهِ وَهُوَ
الصَّوَابُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى التَّخْصِيصِ .
فَصْلٌ فِي
تَقْبِيلِ الْمَحَارِمِ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ )
قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يُقَبِّلُ الرَّجُلُ ذَاتَ
مَحْرَمٍ مِنْهُ ؟ قَالَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى
نَفْسِهِ ، وَذَكَرَ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ إِسْحَاقُ
بْنُ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَ { النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ الْغَزْوِ فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ } وَلَكِنْ
لَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ أَبَدًا ، الْجَبْهَةِ أَوْ الرَّأْسِ .
وَقَالَ
بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَسُئِلَ
عَنْ الرَّجُلِ يُقَبِّلُ أُخْتَهُ ؟ قَالَ قَدْ قَبَّلَ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ أُخْتَهُ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ
الْمُصَافَحَةِ لِذِي مَحْرَمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقِيَامِ حَدِيثُ
عَائِشَةَ فِي تَقْبِيلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفَاطِمَةَ .
فَصْلٌ ( فِي التَّنَاجِي وَكَلَامِ السِّرِّ وَأَمَانَةِ الْمَجَالِسِ ) .
وَيُكْرَهُ
أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ ثَالِثِهِمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ
وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ وَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ ،
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا { لَا يَحِلُّ
لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ
الثَّالِثِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّهْي عَامٌّ وِفَاقًا
لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ
بِالسَّفَرِ ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ فِي
أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، وَمُرَادُهُمْ جَمَاعَةٌ دُونَ وَاحِدٍ ،
وَأَنَّهُ إنْ أَذِنَ فَلَا نَهْيَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ .
وَقَدْ
قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ يُكْرَهُ أَنْ يَتَنَاجَى الْجَمِيعُ دُونَ
مُفْرَدٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَأَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ فِي سِرِّ
قَوْمٍ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِيهِ وَالْجُلُوسُ وَالْإِصْغَاءُ إلَى مَنْ
يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِدُونِ إذْنِهِ ، وَقِيلَ يَحْرُمُ وَظَاهِرُهُ
عَوْدُهُ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي
الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ ، وَإِنْ كَانَ إذْنُهُ
اسْتِحْيَاءً فَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ يُكْرَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مَنْ أَعْطَى مَالًا حَيَاءً لَمْ يَجُزْ
الْأَخْذُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَعْنَى الْفُصُولِ .
وَلَا
يَجُوزُ الِاسْتِمَاعُ إلَى كَلَامِ قَوْمٍ يَتَشَاوَرُونَ وَيَجِبُ
حِفْظُ سِرِّ مَنْ يَلْتَفِتُ فِي حَدِيثِهِ حَذَرًا مِنْ إشَاعَتِهِ ؛
لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَوْدَعِ لِحَدِيثِهِ .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ وَهُوَ ثِقَةٌ .
وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ
عَتِيكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { إذَا حَدَّثَ
الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذًا هِيَ أَمَانَةٌ } ثُمَّ
قَالَ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَرَأْت عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنْ
ابْنِ أَخِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمَجَالِسُ
بِالْأَمَانَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ مَجَالِسَ : سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ وَفَرْجٌ
حَرَامٌ ، وَاقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ } وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثٍ
أَبِي الدَّرْدَاءِ { مَنْ سَمِعَ مِنْ رَجُلٍ حَدِيثًا لَا يَشْتَهِي
أَنْ يُذْكَرَ عَنْهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْتِمْهُ }
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ
بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ .
وَلَهُ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ { : مَا خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا
قَالَ : لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا
عَهْدَ لَهُ } .
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {
أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَتَى السَّاعَةُ قَالَ : إذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ
السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إذَا
وُسِّدَ الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ } .
وَسَبَقَ
فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ أَنَّهُ
يَحْرُمُ إفْشَاءُ السِّرِّ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ : الْمُصَرِّ .
وَفِي
مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحَيْنِ أَنَّ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَيْنَبَ
امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمَرْأَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ لَمَّا
سَأَلَهُ " مَنْ هُمَا ؟ " بَعْدَ قَوْلِهِمَا لَا تُخْبِرْهُ مَنْ ،
نَحْنُ ، وَكَانَتَا تَسْتَفْتِيَانِهِ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
جَوَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ وَلَا يُقَدَّمُ
عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ بُدِئَ بِأَهَمِّهَا
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَسَرَّ إلَى أَخِيهِ
سِرًّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُفْشِيَهُ عَلَيْهِ } وَقَالَ الْعَبَّاسُ
بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا بُنَيَّ إنَّ أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ
يُدْنِيك يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا : لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا ، وَلَا
تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا ، وَلَا يَطَّلِعَنَّ مِنْك عَلَى كِذْبَةٍ
.
وَقَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ : إنَّ سِرَّك مِنْ دَمِك فَانْظُرْ
أَيْنَ تُرِيقُهُ وَكَانَ يُقَالُ أَكْثَرُ مَا يُتِمُّ التَّدْبِيرَ
الْكِتْمَانُ وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً
وَرَّى بِغَيْرِهَا .
قَالَ الشَّاعِرُ : وَسِرُّك مَا كَانَ عِنْدَ
امْرِئٍ وَسِرُّ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ الْخَفِيِّ وَقَالَ آخَرُ : فَلَا
تُخْبِرْ بِسِرِّك كُلُّ سِرٍّ إذَا مَا جَاوَزَ الِاثْنَيْنِ فَاشِ
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ السِّرَّ مَا أَسْرَرْته فِي نَفْسِك
وَلَمْ تُبْدِهِ إلَى أَحَدٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مَا
اسْتَوْدَعْت رَجُلًا سِرًّا فَأَفْشَاهُ فَلُمْته لِأَنِّي كُنْت
أَضْيَقَ صَدْرًا مِنْهُ حَيْثُ اسْتَوْدَعْته إيَّاهُ ، وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَ الْقَائِلُ : إذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ
فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ وَأَنْشَدَ بَعْضُ
الْأَعْرَابِ : وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أَبُثُّهَا وَلَا
أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَقْتُلُنِي غَمَّا وَإِنَّ سَخِيفَ الرَّأْيِ مَنْ
بَاتَ لَيْلَةً حَزِينًا بِكِتْمَانٍ كَأَنَّ بِهِ حُمَّى وَفِي بَثِّك
الْأَسْرَارَ لِلْقَلْبِ رَاحَةٌ وَتَكْشِفُ بِالْإِفْشَاءِ عَنْ قَلْبِك
الْهَمَّا وَقَالَ آخَرُ : وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أُذِيعُهَا
وَلَا أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَغْلِي عَلَى قَلْبِي وَإِنَّ ضَعِيفَ
الْقَلْبِ مَنْ بَاتَ لَيْلَةً تُقَلِّبُهُ الْأَسْرَارُ جَنْبًا عَلَى
جَنْبِ وَكَانَ يُقَالُ لَا تُطْلِعُوا النِّسَاءَ عَلَى سِرِّكُمْ ،
يَصْلُحُ لَكُمْ أَمْرُكُمْ وَكَانَ يُقَالُ كُلُّ شَيْءٍ تَكْتُمُهُ عَنْ
عَدُوِّك فَلَا تُظْهِرْ عَلَيْهِ صَدِيقَك .
قَالَ الشَّاعِرُ : إذَا
كَتَمَ الصَّدِيقُ أَخَاهُ سِرًّا فَمَا فَضْلُ الْعَدُوِّ عَلَى
الصَّدِيقِ وَقَالَ آخَرُ : أُدَارِي خَلِيلِي مَا اسْتَقَامَ بِوُدِّهِ
وَأَمْنَحُهُ وُدِّي إذَا يَتَجَنَّبُ وَلَسْت بِبَادٍ صَاحِبِي
بِقَطِيعَةٍ وَلَا أَنَا مُبْدٍ سِرَّهُ حِينَ يَغْضَبُ وَقَالَ آخَرُ :
إذَا مَا ضَاقَ صَدْرُك عَنْ
حَدِيثٍ فَأَفْشَتْهُ الرِّجَالُ
فَمَنْ تَلُومُ إذَا عَاتَبْتُ مَنْ أَفْشَى حَدِيثِي وَسِرِّي عِنْدَهُ
فَأَنَا الظَّلُومُ وَإِنِّي حِينَ أَسْأَمُ حَمْلَ سِرِّي وَقَدْ
ضَمَّنْته صَدْرِي سَئُومُ وَلَسْت مُحَدِّثًا سِرِّي خَلِيلًا وَلَا
عِرْسِي إذَا خَطَرَتْ هُمُومُ وَأَطْوِي السِّرَّ دُونَ النَّاسِ إنِّي
لِمَا اسْتَوْدَعْت مِنْ سِرِّي كَتُومُ وَقَدْ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ
الثَّالِثِ ، } وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { إذَا كُنْتُمْ
ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا
بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
فَصْلٌ ( مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِإِسْكَاتِ الْغَضَبِ ) .
قَالَ
الْقَاضِي وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ غَضِبَ إنْ كَانَ قَائِمًا جَلَسَ ،
وَإِذَا كَانَ جَالِسًا اضْطَجَعَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَيُسْتَحَبُّ
لِمَنْ غَضِبَ أَنْ يُغَيِّرَ ، فَإِنْ كَانَ جَالِسًا قَامَ وَاضْطَجَعَ
، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا مَشَى ، وَقَوْلُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَلِأَحْمَدَ
وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ { إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ
قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا
فَلْيَضْطَجِعْ } إسْنَادُهُ صَحِيحٌ { وَقَدْ اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْد
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ غَضَبُ
أَحَدِهِمَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ
قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فَفِي خَبَرِ مُعَاذٍ اللَّهُمَّ
إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .
وَفِي خَبَرِ
سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ
فِي خَبَرِ مُعَاذٍ فَأَبَى وَمَحِكَ وَجَعَلَ يَزْدَادُ غَضَبًا .
وَفِي خَبَرِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ الرَّجُلُ هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ } رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ خَبَرَ سُلَيْمَانَ وَرَوَى أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ مُعَاذٍ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ
لِخَبَرِ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ
مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
فَصْلٌ ( فِي الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ وَالْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ بِهِ ) .
يُكْرَهُ
رَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : سَمِعْت
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : يَنْبَغِي أَنْ يُسِرَّ دُعَاءَهُ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا
} .
قَالَ هَذَا الدُّعَاءُ قَالَ : وَسَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ وَكَانَ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالدُّعَاءِ لَا
سِيَّمَا عِنْد شِدَّةِ الْحَرْبِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَالْمَشْيِ
بِهَا وَقِيلَ يُسَنُّ أَنْ يَسْمَعَ الْمَأْمُومُ الدُّعَاءَ .
قَدَّمَهُ
ابْنُ تَمِيمٍ ، وَقِيلَ مَعَ قَصْدِ تَعْلِيمِهِ وَلَا يَجِبُ لَهُ
الْإِنْصَاتُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ
حَمْدَانَ ، وَقِيلَ خَفْضُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ أَوْلَى قَالَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ
يُخْفِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { اُدْعُوا رَبَّكُمْ
تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } .
فَأَمَرَ بِذَلِكَ .
وَعَنْ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ
عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي } وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ
مَاجَهْ { أَنَا مَعَ عَبْدِي إذَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ
} وَلِأَحْمَدَ { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا
فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا فَلَهُ } قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ
مَرْفُوعًا { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إذَا
دَعَانِي } وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ الْجَوْزِيِّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ
غَيْرُ أَبِي الْمَلِيحِ الْفَارِسِيِّ وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ ،
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ
يَغْضَبْ عَلَيْهِ } وَعَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا { لَيْسَ شَيْءٌ
أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ } وَفِيهِ عِمْرَانُ الْقَطَّانُ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ
حَدِيثِهِ ، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَرَوَى أَحْمَدُ الثَّانِيَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ .
وَرَوَى أَبُو
يَعْلَى
الْمُوصِلِيِّ ثنا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ
عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجِزَ بِالدُّعَاءِ ، وَأَبْخَلُ
النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَسْرُوقٌ
وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ ،
يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ حَمْلِ
الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ شِدَّةِ الْقِتَالِ ، وَلَا يُكْرَهُ الْإِلْحَاحُ
بِهِ لِلْأَثَرِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَدُعَاءُ الرَّغْبَةِ
بِبَطْنِ الْكَفِّ وَدُعَاءُ الرَّهْبَةِ بِظَهْرِهِ مَعَ قِيَامِ
السَّبَّابَةِ كَدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى تُسْتَحَبُّ
الْإِشَارَةُ إلَى نَحْوِ السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ قَالَ صَالِحٌ فِي
مَسَائِلِهِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ قَالَ :
يَدْعُو بِدُعَاءٍ مَعْرُوفٍ .
فَصْلٌ ( فِي الدُّعَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَمُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ وَسُؤَالِ الْمَخْلُوقِ ) .
قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اللَّهُ هُوَ الَّذِي
خَلَقَ السَّبَبَ وَالْمُسَبِّبَ وَالدُّعَاءُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ
الَّتِي يُقَدِّرُهَا ، فَالِالْتِفَاتُ إلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي
التَّوْحِيدِ ، وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا نَقْصٌ فِي
الْعَقْلِ ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي
الشَّرْعِ ، بَلْ الْعَبْدُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَوَكُّلُهُ وَدُعَاؤُهُ
وَسُؤَالُهُ وَرَغْبَتُهُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاَللَّهُ
يُقَدِّرُ لَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ مِنْ دُعَاءِ الْخَلْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
مَا يَشَاءُ ، وَالدُّعَاءُ مَشْرُوعٌ أَنْ يَدْعُوَ الْأَعْلَى
لِلْأَدْنَى وَالْأَدْنَى لِلْأَعْلَى .
وَمِنْ ذَلِكَ طَلَبُ
الشَّفَاعَةِ وَالدُّعَاءُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ، وَذَكَرَ الْأَخْبَارَ
فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ : فَالدُّعَاءُ لِلْغَيْرِ يَنْتَفِعُ بِهِ
الدَّاعِي وَالْمَدْعُوُّ لَهُ ، فَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اُدْعُ لِي
قَصَدَ انْتِفَاعَهُمَا جَمِيعًا بِذَلِكَ كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ
مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، فَهُوَ نَبَّهَ
الْمَسْئُولَ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِمَا يَنْفَعُهُمَا ، وَالْمَسْئُولُ
فَعَلَ مَا يَنْفَعُهُمَا ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِبِرٍّ
وَتَقْوَى فَيُثَابُ الْمَأْمُورُ عَلَى فِعْلِهِ وَالْآمِرُ أَيْضًا
يُثَابُ مِثْلَ ثَوَابِهِ لِكَوْنِهِ دَعَاهُ إلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ
وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ مَخْلُوقًا أَنْ يَسْأَلَ مَخْلُوقًا شَيْئًا
لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ الْمَخْلُوقَ الْمَسْئُولَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ
الْعَبْدَ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ إلَى أَنْ قَالَ :
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ مَخْلُوقًا أَنْ يَسْأَلَ
مَخْلُوقًا إلَّا مَا كَانَ مَصْلَحَةً لِذَلِكَ الْمَخْلُوقِ
الْمَسْئُولِ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ
لَا يَطْلُبُ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا ذَلِكَ فَكَيْفَ يَأْمُرُ غَيْرَهُ
أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ ، بَلْ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْعَبْدِ
أَنْ يَسْأَلَ الْعَبْدَ مَسْأَلَةً إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِنْ
كَانَ
إعْطَاءُ الْمَالِ مُسْتَحَبًّا ، ثُمَّ مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ
وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا إنْ كَانَ قَصْدُهُ مَصْلَحَةَ الْمَأْمُورِ
أَيْضًا فَهَذَا مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ حُصُولَ
مَطْلُوبِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ لِانْتِفَاعِ الْمَأْمُورِ فَهَذَا
مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ حُصُولُ مَطْلُوبِهِ مِنْ
غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ لِانْتِفَاعِ الْمَأْمُورِ فَهَذَا مِنْ نَفْسِهِ
أَتَى .
وَمِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ لَا يَأْمُرُ اللَّهِ بِهِ قَطُّ
بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهُ ؛ إذْ هَذَا سُؤَالٌ مَحْضٌ لِلْمَخْلُوقِ مِنْ
غَيْرِ قَصْدِهِ لِنَفْعِهِ وَلَا لِمَصْلَحَتِهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى
يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَنَرْغَبَ إلَيْهِ وَيَأْمُرُنَا أَنْ
نُحْسِنَ إلَى عِبَادِهِ ، وَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ هَذَا وَلَا هَذَا إلَى
أَنْ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ لَا يَأْثَمُ بِمِثْلِ هَذَا
السُّؤَالِ لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يُؤْمَرُ الْعَبْدُ بِهِ وَمَا
يُؤْذَنُ لَهُ فِيهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ
السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ
" إنَّهُمْ لَا يَسْتَرْقُونَ " وَإِنْ كَانَ الِاسْتِرْقَاءُ جَائِزًا ،
إلَى أَنْ قَالَ : الْأَصْلُ فِي سُؤَالِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ
مُحَرَّمًا فَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ فَإِنَّ فِيهِ الظُّلْمَ
الْمُتَعَلِّقَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَظُلْمَ الْعِبَادِ ،
وَظُلْمَ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ إلَى أَنْ قَالَ الطَّاعَةُ وَالْإِيتَاءُ
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَشْيَةُ وَالتَّحَسُّبُ لِلَّهِ وَحْدَهُ إلَى
أَنْ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ فِي الْأَسْبَابِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ :
( أَحَدُهَا ) أَنَّ السَّبَبَ الْمُعَيَّنَ لَا يَسْتَقِلُّ
بِالْمَطْلُوبِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ أَسْبَابٍ أُخْرَى ، وَمَعَ
هَذَا فَلَهَا مَوَانِعُ ، فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ اللَّهُ الْأَسْبَابَ
وَيَدْفَعْ الْمَوَانِعَ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ ( الثَّانِي )
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنَّ الشَّيْءَ سَبَبٌ إلَّا بِعِلْمٍ كَمَنْ
يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فِي دَفْعِ الْبَلَاءِ وَحُصُولِ
النَّعْمَاءِ ( الثَّالِثُ ) أَنَّ الْأَعْمَالَ الدِّينِيَّةَ لَا
يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ شَيْءٌ سَبَبًا
إلَّا أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ
فِي كَوْنِ التَّوَكُّلِ وَالدُّعَاءِ نَافِعَيْنِ فِي الدُّنْيَا لَا
عِبَادَتَيْنِ لِنَفْعِ الْآخِرَةِ وَحْدَهُ ) قَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا
ظَنَّ طَائِفَةٌ أَنَّ التَّوَكُّلَ لَا يَحْصُلُ بِهِ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ
وَلَا دَفْعُ مَضَرَّةٍ ، بَلْ كَانَ مَقْدُورًا بِدُونِ التَّوَكُّلِ
فَهُوَ مَقْدُورٌ مَعَهُ وَلَكِنَّ التَّوَكُّلَ عِبَادَةٌ يُثَابُ
عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ يُشْبِهُ
قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الدُّعَاءَ لَا يَحْصُلُ بِهِ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ
وَلَا دَفْعُ مَضَرَّةٍ بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ
قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ وَالدَّاعِيَ
يَحْصُلُ لَهُ مِنْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ مَا لَا
يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ هُوَ
سَبَبٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَعَلَامَةٌ وَأَمَارَةٌ عِنْدَ مَنْ
يَنْفِي الْأَسْبَابَ وَيَقُولُ إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ عِنْدَهَا لَا
بِهَا وَيَقُولُونَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَذَكَرَ كَلَامًا
كَثِيرًا ، احْتَجَّ بِالْآيَاتِ الْمَشْهُورَةِ .
وَذُكِرَ فِي
التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ أَنَّ التَّوَكُّلَ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ
أَئِمَّةِ الدِّينِ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ
رَحِمَهُمُ اللَّهُ اسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِتَكْمُلَ صِفَاتُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ ،
وَشَرَعَهُ أَيْضًا تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ .
وَفِي هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ
هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ، وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيحِ وَاَلَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ
الْفَتَاوَى فِي الْأَمْصَارِ فِي كُلِّ الْأَعْصَارِ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ
مِنْ الزُّهَّادِ وَأَهْلِ الْمَعَارِفِ إلَى أَنَّ تَرْكَ الدُّعَاءِ
أَفْضَلُ اسْتِسْلَامًا لِلْقَضَاءِ .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إنْ
دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ دَعَا لِنَفْسِهِ فَالْأَوْلَى
تَرْكُهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ بَاعِثًا
لِلدُّعَاءِ اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَدَلِيلُ الْفُقَهَاءِ
ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية الجزء العشرون - صفحة 2 Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء العشرون {السبت 28 مايو - 20:29}


فَصْلٌ
( رِوَايَةُ التَّكْبِيرِ مَعَ الْقُرْآنِ مِنْ سُورَةِ الضُّحَى إلَى
آخِرِ الْقُرْآنِ ) وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ
سُورَةِ الضُّحَى إلَى أَنْ يَخْتِمَ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ،
وَهُوَ قِرَاءَةُ أَهْلِ مَكَّةَ أَخَذَهَا الْبَزِّيُّ عَنْ ابْنِ
كَثِيرٍ وَأَخَذَهَا ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَخَذَهَا مُجَاهِدٌ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخَذَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
وَأَخَذَهَا أُبَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رَوَى
ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ : الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَالسَّبَبُ
فِي ذَلِكَ انْقِطَاعُ الْوَحْيِ ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ رِوَايَةُ
أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزِّيِّ وَهُوَ ثَبْتٌ
فِي الْقِرَاءَةِ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ الرَّازِيّ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ .
وَقَالَ
أَبُو الْبَرَكَاتِ : يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ مِنْ سُورَةِ { أَلَمْ نَشْرَحْ
} وَقَالَ فِي الشَّرْحِ : اسْتَحْسَنَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّكْبِيرَ
عِنْدَ آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ وَمِنْ الضُّحَى إلَى أَنْ يَخْتِمَ ؛
لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ
رَوَاهُ الْقَاضِي .
وَعَنْ الْبَزِّيِّ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا وَعَنْ
قُنْبُلٍ هَكَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : لَا تَكْبِيرَ
كَمَا هُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْقُرَّاءِ .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ :
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ
وَمِنْ الضُّحَى وَهُوَ رَاوِي قُرَّاءِ مَكَّةَ .
وَقَالَ الْآمِدِيُّ يُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ الْبَزِّيِّ ، وَسَائِرُ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلَافِهِ .
وَقَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَسُئِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ قَرَءُوا بِغَيْرِ
تَهْلِيلٍ وَلَا تَكْبِيرٍ قَالَ : إذَا قَرَءُوا بِغَيْرِ حَرْفِ ابْنِ
كَثِيرٍ كَانَ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلُ ، بَلْ الْمَشْرُوعُ
الْمَسْنُونُ .
وَإِذَا قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ مَعَ غَيْرِهَا
قَرَأَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُكَرِّرُ ثَلَاثًا نَصَّ عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ مَنَعَ أَحْمَدُ الْقَارِئَ مِنْ
تَكْرَارِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثًا إذَا وَصَلَ إلَيْهَا .
فَصْلٌ ( فِي تَرْتِيلِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَالتَّخَشُّعِ وَالتَّغَنِّي بِهِ ) .
وَيُسْتَحَبُّ
تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ وَإِعْرَابُهَا وَتَمَكُّنُ حُرُوفِ الْمَدِّ
وَاللِّينِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ ، قَالَ أَحْمَدُ : تُعْجِبُنِي
الْقِرَاءَةُ السَّهْلَةُ ، وَكَرِهَ السُّرْعَةَ فِي الْقِرَاءَةِ قَالَ
حَرْبُ : سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ السُّرْعَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فَكَرِهَهُ
إلَّا أَنْ يَكُونَ لِسَانُ الرَّجُلِ كَذَلِكَ أَوْ لَا يَقْدِرُ أَنْ
يَتَرَسَّلَ ، قِيلَ : فِيهِ إثْمٌ ؟ قَالَ أَمَّا الْإِثْمُ فَلَا
أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي : يَعْنِي إذَا لَمْ تَبِنْ
الْحُرُوفُ مَعَ أَنَّهُ قَالَ : ظَاهِرُ هَذَا كَرَاهَةُ السُّرْعَةِ
وَالْعَجَلَةِ .
قَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ وَقَدْ
سُئِلَ إذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ اللَّيْلِ أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْكَ :
التَّرَسُّلُ أَوْ السُّرْعَةُ ؟ فَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ : بِكُلِّ
حَرْفٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ؟ قُولُوا لَهُ فِي السُّرْعَةِ قَالَ :
إذَا صَوَّرَ الْحَرْفَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْهِجَاءِ
قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ اخْتَارَ السُّرْعَةَ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : كَرِهَ أَحْمَدُ سُرْعَتَهَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ
الْقَاضِي : أَقَلُّ التَّرْتِيلِ تَرْكُ الْعَجَلَةِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ
الْإِبَانَةِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ مَا يَقْرَأُ بِهِ
فَقَدْ أَتَى بِالتَّرَسُّلِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْجِلًا فِي قِرَاءَتِهِ
، وَأَكْمَلَهُ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَيَتَوَقَّفَ فِيهَا مَا
لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى التَّمْدِيدِ وَالتَّمْطِيطِ ، فَإِذَا
انْتَهَى إلَى التَّمْطِيطِ كَانَ مَمْنُوعًا ، قَالَ وَقَدْ أَوْمَأَ
أَحْمَدُ إلَى مَعْنَى هَذَا فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ :
يُعْجِبُنِي مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ السَّهْلَةُ وَلَا تُعْجِبُنِي
هَذِهِ الْأَلْحَانُ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : أَظُنُّهُ
حِكَايَةً عَنْ أَبِي مُوسَى ، وَالتَّفَهُّمُ فِيهِ وَالِاعْتِبَارُ
فِيهِ مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ إدْرَاجِهِ بِغَيْرِ
تَفَهُّمٍ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : يُحَسِّنُ الْقَارِئُ صَوْتَهُ
بِالْقُرْآنِ
وَيَقْرَؤُهُ بِحُزْنٍ وَتَدَبُّرٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : عَلَيْهِ
السَّلَامُ { : مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ
يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ } نَصَّ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : أَذِنَ بِكَسْرِ الذَّالِ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِمَاعُ .
وَقَوْلُهُ
: " كَأَذَنِهِ " هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ وَهُوَ مَصْدَرُ
أَذِنَ يَأْذَنُ أَذَنًا كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا .
وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ : " كَإِذْنِهِ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : هُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَعْنَى الْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرِ بِهِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { : مَا أَذِنَ اللَّهُ
لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ
يَجْهَرُ بِهِ } وَمَعْنَاهُ أَذِنَ اسْتَمَعَ .
وَقَالَ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ .
}
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، كَذَا عَزَاهُ فِي الشَّرْحِ وَذَكَرَ
النَّوَوِيُّ أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ عَنْ
عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْوَرْدِ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ : مَرَّ بِنَا أَبُو لُبَابَةَ
فَذَكَرَهُ فِي قِصَّةٍ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ : يُخَالَفُ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ .
وَوَثَّقَهُ
غَيْرُهُ ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي مُسْنَدِ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَأَظُنُّهُ رَوَاهُ فِي غَيْرِ الْمُسْنَدِ .
قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَى قَوْلِهِ : { مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ }
، أَيْ : يَسْتَغْنِي بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْغِنَاءِ بِالصَّوْتِ
لَكَانَ مَنْ لَمْ يُغَنِّ بِالْقُرْآنِ ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا
التَّفْسِيرِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْبَزِّيُّ : هَذَا قَوْلُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ : يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ،
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ
أَحْمَدَ ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ تَفْسِيرُهُ
التَّحَزُّنُ .
وَقَالَ
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ : تَفْسِيرُهُ الِاسْتِغْنَاءُ ، أَمَا سَمِعْتَ
قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : فَتَغَنَّوْا
وَلَوْ بِحُزَمِ الْحَطَبِ } وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يُحَسِّنُ صَوْتَهُ بِهِ .
وَلِأَبِي
دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { زَيِّنُوا الْقُرْآنَ
بِأَصْوَاتِكُمْ } .
قَالَ الْهَرَوِيُّ : مَعْنَاهُ الْهَجُوا
بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَزَيَّنُوا بِهِ ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ عَلَى
تَطْرِيبِ الصَّوْتِ وَالتَّحْزِينِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ كُلِّ
أَحَدٍ قَالَ : وَهَكَذَا قَوْلُهُ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ
بِالْقُرْآنِ } .
وَقَالَ فِيهِ الْبَغَوِيّ قَرِيبًا مِنْهُ ، قَالَ : إنَّهُ مِنْ الْمَقْلُوبِ كَقَوْلِهِمْ خَرَقَ الثَّوْبُ الْمِسْمَارَ .
وَقَالَ
` تَعَالَى : { مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ } أَيْ :
تَنْهَضُ وَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ { : زَيِّنُوا
أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ } .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا
وَغَيْرِهِمْ مِنْهُمْ الْآجُرِّيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو مُوسَى
لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ آدَابًا ، مِنْهَا إدْمَانُ تِلَاوَتِهِ ،
وَمِنْهَا الْبُكَاءُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالتَّبَاكِي ، وَمِنْهَا
حَمْدُ اللَّهِ عِنْدُ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ عَلَى تَوْفِيقِهِ
وَنِعْمَتِهِ وَسُؤَالُ الثَّبَاتِ وَالْإِخْلَاصِ ، وَمِنْهَا السُّؤَالُ
ابْتِدَاءً ، وَمِنْهَا أَنْ يَسْأَلَ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ
وَيَتَعَوَّذَ عِنْدَ آيَةِ الْعَذَابِ وَمِنْهَا أَنْ يَجْهَرَ
بِالْقِرَاءَةِ لَيْلًا لَا نَهَارًا ، وَمِنْهَا أَنْ يُوَالِيَ
قِرَاءَتَهُ ، وَلَا يَقْطَعُهَا حَدِيثُ النَّاسِ ، وَفِيهَا نَظَرٌ إذَا
عَرَضَتْ حَاجَةٌ ، وَمِنْهَا أَنْ يَقْرَأَ بِالْقِرَاءَةِ
الْمُسْتَفِيضَةِ لَا الشَّاذَّةِ الْغَرِيبَةِ ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ
قِرَاءَتُهُ عَنْ الْعُدُولِ الصَّالِحِينَ الْعَارِفِينَ بِمَعَانِيهَا ،
وَمِنْهَا أَنْ يَقْرَأَ مَا أَمْكَنَهُ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ
أَفْضَلُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ ؛ وَلِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ : أَنَّ
الْقِرَاءَةَ فِيهَا تُضَاعَفُ
عَلَى الْقِرَاءَةِ خَارِجًا عَنْهَا .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ : ( كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَخْتِمُوا فِي
رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ أَوْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ ) .
وَمِنْهَا
أَنْ يَتَحَرَّى قِرَاءَتَهُ مُتَطَهِّرًا ، وَمِنْهَا إنْ كَانَ قَاعِدًا
اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، وَمِنْهَا كَثْرَةُ تِلَاوَتِهِ فِي رَمَضَانَ
، وَمِنْهَا أَنْ يَتَحَرَّى أَنْ يَعْرِضَهُ كُلَّ عَامٍ عَلَى مَنْ هُوَ
أَقْرَأُ مِنْهُ ، وَمِنْهَا بِالْإِعْرَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ .
وَقَالَ
بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إنَّ الْمَعْنَى الِاجْتِهَادُ عَلَى حِفْظِ
إعْرَابِهِ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ عَمْدًا فَإِنَّ
ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ لِتَغْيِيرِهِ الْقُرْآنَ ،
وَمِنْهَا أَنْ يُفَخِّمَهُ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { : نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ } قَالَ الْحَافِظُ
أَبُو مُوسَى : مَعْنَاهُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الرِّجَالِ
وَلَا يُخْضِعَ الصَّوْتَ بِهِ كَكَلَامِ النِّسَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ
كَرَاهَةَ الْإِمَالَةِ وَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهَا ، ثُمَّ رُخِّصَ فِيهَا
، وَمِنْهَا أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ سُورَةٍ مِمَّا قَبْلَهَا إمَّا
بِالْوَقْفِ أَوْ التَّسْمِيَةِ وَلَا يَقْرَأُ مِنْ أُخْرَى قَبْلَ
فَرَاغِ الْأُولَى ، وَمِنْهَا الْوَقْفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَإِنْ
لَمْ يُتِمَّ الْكَلَامَ لِوَقْفِهِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى
كُلِّ آيَةٍ ، وَلَمْ يُتِمَّ الْكَلَامَ قَالَ أَبُو مُوسَى وَلِأَنَّ
الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ لَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِهِ ، وَقَدْ
يَتَعَلَّقُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَسُورَةِ الْفِيلِ مَعَ قُرَيْشٍ :
وَمِنْهَا أَنْ يَعْتَقِدَ جَزِيلَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ إذْ
أَهَّلَهُ لِحِفْظِ كِتَابِهِ ، وَيَسْتَصْغِرَ عَرَضَ الدُّنْيَا
أَجْمَعَ فِي جَنْبِ مَا خَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَيَجْتَهِدُ فِي
شُكْرِهِ .
وَمِنْهَا تَرْكُ الْمُبَاهَاةِ وَأَنْ لَا يَطْلُبَ بِهِ
الدُّنْيَا ، بَلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَقْرَأَ فِي
الْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَا سَكِينَةٍ
وَوَقَارٍ وَقَنَاعَةٍ وَرِضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى مُجَانِبًا
لِلدَّنَايَا مُحَاسِبًا
لِنَفْسِهِ ، يُعْرَفُ الْقُرْآنُ فِي
سَمْتِهِ وَخُلُقِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَلِكِ وَالْمُطَّلِعُ عَلَى
مَا قَدْ وُعِدَ فِيهِ وَهُدِّدَ فَإِذَا بَدَرَتْ مِنْهُ سَيِّئَةٌ
بَادَرَ مَحْوَهَا بِالْحَسَنَةِ .
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى
بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : يَنْبَغِي لِحَامِلِ
الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إذْ النَّاسُ نَائِمُونَ ،
وَبِنَهَارِهِ إذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ ، وَبِحُزْنِهِ إذَا النَّاسُ
يَفْرَحُونَ ، وَبِبُكَائِهِ إذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ ، وَبِصَمْتِهِ
إذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ ، وَبِخُشُوعِهِ إذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ ،
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَاكِيًا مَحْزُونًا حَكِيمًا عَلِيمًا سَكِينًا
، وَلَا يَكُون جَافِيًا ، وَلَا غَافِلًا وَلَا صَاخِبًا وَلَا صَيَّاحًا
وَلَا حَدِيدًا .
فَصْلٌ ( فِي التِّلَاوَةِ بِأَلْحَانِ الْخَاشِعِينَ لَا أَلْحَانِ الْمُطْرِبِينَ ) .
وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ وَقَالَ حَرْبٌ : هِيَ حَسَنَةٌ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : قِرَاءَةُ الْإِدَارَةِ وَتَقْطِيعُ حُرُوفُ الْقُرْآنِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ الْأَلْحَانِ وَقَالَ هِيَ بِدْعَةٌ .
قِيلَ
: يُهْجَرُ مَنْ سَمِعَهَا قَالَ لَا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ لَا
يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَعَلَّمَ الرَّجُلُ الْأَلْحَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ
حَزْمُهُ مِثْلَ حَزْمِ أَبِي مُوسَى .
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : فَيُكَلَّمُونَ ؟ قَالَ : لَا كُلُّ ذَا .
وَرَأَيْتُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حِزْبَهُ فَيَقْرَأُ بِحُزْنٍ مِثْلَ صَوْتِ أَبِي مُوسَى .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ : أَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ بِالْأَلْحَانِ .
وَقَالَ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : لَا أَكْرَهُهَا قَالَ أَصْحَابُهُ : حَيْثُ
كَرِهَهَا أَرَادَ إذَا مَطَّطَ وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ عَنْ مَوْضُوعِهَا
، وَحَيْثُ أَبَاحَهَا أَرَادَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغْيِيرٌ
لِمَوْضُوعِ الْكَلَامِ .
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : اخْتَلَفُوا فِي
الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ
لِخُرُوجِهَا عَمَّا جَاءَ الْقُرْآنُ لَهُ مِنْ الْخُشُوعِ
وَالتَّفَهُّمِ وَأَبَاحَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ
لِلْأَحَادِيثِ ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلرِّقَّةِ وَإِثَارَةِ الْخَشْيَةِ
وَإِقْبَالِ النُّفُوسِ عَلَى اسْتِمَاعِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِصِفَةِ التَّلْحِينِ الَّذِي
يُشْبِهُ تَلْحِينَ الْغِنَاءِ مَكْرُوهٌ مُبْتَدَعٌ كَمَا نَصَّ عَلَى
ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ
مِنْ الْأَئِمَّةِ .
فَصْلٌ ( إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ النَّاسِ
لَمْ يَزِدْ الْفَاتِحَةَ وَخَمْسًا مِنْ الْبَقَرَةِ ) نَصَّ عَلَيْهِ
وَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ : { وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } ؛ لِأَنَّ
( الم ) آيَةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَهِيَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ غَيْرُ
آيَةٍ ، قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عِنْدَهُ
أَثَرٌ صَحِيحٌ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ بَعْدَ الدُّعَاءِ ، وَقِيلَ :
يُسْتَحَبُّ .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ
الْمُرِّيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي
أَوْفَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ :
الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ غَرِيبٌ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ زُرَارَةَ مُرْسَلًا ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا عِنْدِي أَصَحُّ .
قَالَ
الْقَاضِي بَعْدَ ذِكْرِهِ لِمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
ذَلِكَ ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَثُّ عَلَى تَكْرَارِ
الْخَتْمِ خَتْمَةً بَعْدَ خَتْمَةٍ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَتَعَقَّبُ الْخَتْمَةَ .
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية الجزء العشرون - صفحة 2 Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء العشرون {السبت 28 مايو - 20:30}


فَصْلٌ ( فِي الِاسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ وَالْإِنْصَاتِ وَالْأَدَبِ لَهُ ) .
وَيُسْتَحَبُّ
اسْتِمَاعُ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَيُكْرَهُ
الْحَدِيثُ عِنْدَهَا بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَحَكَى ابْنُ
الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ
، وَتَكَلَّمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى
الْخُشُوعِ وَعَلَى ذَمِّ قَسْوَةِ الْقَلْبِ ، وَقَالَ : فَإِنْ قِيلَ
فَخُشُوعُ الْقَلْبِ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَاجِبٌ
قِيلَ نَعَمْ ، لَكِنَّ النَّاسَ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ : مُقْتَصِدٌ
وَسَابِقٌ ، فَالسَّابِقُونَ يَخْتَصُّونَ بِالْمُسْتَحَبَّاتِ ،
وَالْمُقْتَصِدُونَ الْأَبْرَارُ هُمْ عُمُومُ الْمُؤْمِنِينَ
الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْجَنَّةِ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا
هَؤُلَاءِ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ مَا أَخْوَفَنِي أَنْ أُسَاكِنَ مَعْصِيَةً
فَتَكُونَ سَبَبًا فِي سُقُوطِ عَمَلِي وَسُقُوطِ مَنْزِلَةٍ إنْ كَانَتْ
عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَمَا سَمِعْتُ قَوْله تَعَالَى { لَا
تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ فِي بَعْضِ التَّسَبُّبِ وَسُوءِ الْأَدَبِ عَلَى
الشَّرِيعَةِ مَا يُحْبِطُ الْأَعْمَالَ ، وَلَا يَشْعُرُ الْعَامِلُ
إلَّا أَنَّهُ عِصْيَانٌ يَنْتَهِي إلَى رُتْبَةِ الْإِحْبَاطِ ، هَذَا
يَتْرُكُ الْفَطِنَ خَائِفًا وَجِلًا مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَآثِمِ
ثُمَّ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهَا مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا يُشَاكِلُ
هَذِهِ إلَى أَنْ قَالَ : أَلَيْسَ بَيْنَنَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَهُوَ كَلَامُهُ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَزَمَّلُ وَيَتَدَثَّرُ لِنُزُولِهِ ، وَالْجِنُّ
تُنْصِتُ لِاسْتِمَاعِهِ وَأَمَرَ بِالتَّأَدُّبِ بِقَوْلِهِ : {
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } .
فَعَمَّ كُلَّ قَارِئٍ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ بَيْنَنَا .
فَلَمَّا أُمِرْنَا بِالْإِنْصَاتِ إلَى كَلَامٍ مَخْلُوقٍ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ بِالْإِنْصَاتِ إلَى كَلَامِهِ أَوْلَى .
وَالْقَارِئُ يَقْرَأُ
وَأَنْتُمْ
مُعْرِضُونَ ، وَرُبَّمَا أَصْغَيْتُمْ إلَى النَّغْمَةِ اسْتِثَارَةً
لِلْهَوَى ، فَاَللَّهَ اللَّهَ لَا تَنْسَ الْأَدَبَ فِيمَا وَجَبَ
عَلَيْكَ فِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ ، مَا أَخْوَفَنِي أَنْ يَكُونَ
الْمُصْحَفُ فِي بَيْتِكَ وَأَنْتَ مُرْتَكِبٌ لِنَوَاهِي الْحَقِّ
سُبْحَانَهُ فِيهِ فَتَدْخُلَ تَحْتَ قَوْلِهِ : { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ
ظُهُورِهِمْ } .
فَهِجْرَانُ الْأَوَائِلِ كَلَامَ الْحَقِّ يُوجِبُ
عَلَيْكَ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبْعَادِ وَالْمَقْتِ ، فَقَدْ
نَبَّهَكَ عَلَى التَّأَدُّبِ لَهُ مِنْ أَدَبِكَ لِلْوَالِدَيْنِ ،
وَالتَّأَدُّبُ لِلْأَبَوَيْنِ يُوجِبُ التَّأَدُّبَ لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبْتَدِئُ بِالنِّعَمِ ، فَاَللَّهَ اللَّهَ فِي
إهْمَالِ مَا وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْأَدَبِ عِنْدَ تِلَاوَةِ
الْقُرْآنِ ، وَالْإِنْصَاتُ لِلْفَهْمِ وَالنَّهْضَةُ لِلْعَمَلِ
بِالْحُكْمِ إيفَاءٌ لِلْحُقُوقِ إذَا وَجَبَتْ ، وَصَبْرًا عَلَى
أَثْقَالِ التَّكَالِيفِ إذَا حَضَرَتْ ، وَتَلَقِّيًا بِالتَّسْلِيمِ
لِلْمَصَائِبِ إذَا نَزَلَتْ ، وَحِشْمَةً لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ فِي
كُلِّ أَخْذٍ وَتَرْكٍ حَيْثُ نَبَّهَكَ عَلَى سَبَبِ الْحِشْمَةِ فَقَالَ
: { وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } { أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : كُرِهَ
السُّؤَالُ بِالْقُرْآنِ لِثَلَاثِ مَعَانٍ : ( أَحَدِهَا ) : أَنَّ
النَّاسَ يَكْرَهُونَ بِالطَّبْعِ سَمَاعَ سُؤَالِ السَّائِلِ فَإِذَا
أَعْرَضُوا عَنْ الْقَارِئِ الَّذِي يَسْأَلُ بِالْقُرْآنِ أَعْرَضُوا
عَنْ الْقُرْآنِ فَيَحْمِلهُمْ الْقَارِئُ عَلَى أَنْ يَأْثَمُوا .
(
وَالثَّانِي ) : أَنَّهُ رُبَّمَا قَرَأَ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهُ ،
وَقَدْ أُمِرُوا بِالْإِنْصَاتِ لِلْقُرْآنِ فَيُعَرِّضُهُمْ لِلْإِثْمِ
أَيْضًا .
( الثَّالِثِ ) : أَنْ يَأْتِيَ بِأَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فَيَسْتَشْفِعُ بِهِ فِي أَخَسِّهَا .
فَصْلٌ
وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَنْ
أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِ إنَّمَا هُوَ
فَيْضُ الدُّمُوعِ ، وَاقْشِعْرَارُ الْجُلُودِ ، وَلِينُ الْقُلُوبِ ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } .
{
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمَّا بَلَغَ إلَى قَوْلِهِ : { وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ
شَهِيدًا } قَالَهَا : حَسْبُكَ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ
تَذْرِفَانِ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَأَمَّا
الصَّعْقُ وَالْغَشْيُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَحَدَثَ فِي التَّابِعِينَ
لِقُوَّةِ الْوَارِدِ وَضَعْفِ الْمَوْرُودِ عَلَيْهِ وَالصَّحَابَةُ
لِقُوَّتِهِمْ وَكَمَالِهِمْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِمْ ، فَأَقْدَمُ مَنْ
عَلِمْتُ هَذَا عَنْهُ الْإِمَامُ الرَّبَّانِيُّ مِنْ أَعْيَانِ
التَّابِعِينَ الْكِبَارِ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَقُولُ : { إذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا
تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } فَصَعِقَ وَكَانَ قَبْلَ الظُّهْرِ فَلَمْ يُفِقْ
إلَى اللَّيْلِ ، وَكَذَا الْإِمَامُ الْقَاضِي التَّابِعِيُّ
الْمُتَوَسِّطُ زُرَارَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَرَأَ فِي
الصَّلَاةِ فَلَمَّا بَلَغَ : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ } .
شَهِقَ
فَمَاتَ ، وَكَانَ هَذَا الْحَالُ يَحْصُلُ كَثِيرًا لِلْإِمَامِ عِلْمًا
وَعَمَلًا شَيْخِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَحْيَى بْنَ الْقَطَّانَ وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ : لَوْ دَفَعَ أَوْ لَوْ قَدَرَ أَحَدٌ أَنْ يَدْفَعَ
هَذَا عَنْ نَفْسِهِ دَفَعَهُ يَحْيَى .
وَحَدَثَ ذَلِكَ لِغَيْرِ
هَؤُلَاءِ فَمِنْهُمْ الصَّادِقُ فِي حَالِهِ وَمِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ
وَلَعَمْرِي إنَّ الصَّادِقَ مِنْهُمْ عَظِيمُ الْقَدْرِ ؛ لِأَنَّهُ
لَوْلَا حُضُورُ قَلْبٍ حَيٍّ وَعِلْمُ مَعْنَى الْمَسْمُوعِ وَقَدْرِهِ ،
وَاسْتِشْعَارُ مَعْنَى مَطْلُوبٍ يُتَلَمَّحُ مِنْهُ ، لَمْ يَحْصُلْ
ذَلِكَ لَكِنَّ الْحَالَ الْأَوَّلَ أَكْمَلُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ
لِصَاحِبِهِ مَا يَحْصُلُ لِهَؤُلَاءِ وَأَعْظَمُ مَعَ ثَبَاتِهِ
وَقُوَّةِ جَنَانِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ .
لَكِنَّ
كَثِيرًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَصْدُقُ فِي هَذَا الْحَالِ ،
فَسُبْحَانَ عَلَّامِ الْغُيُوبِ ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ كُلِّ
رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ .
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ فِي
الْفُنُونِ بَعْدَ السُّؤَالِ عَمَّا يَعْتَرِي الْمُتَصَوِّفَةُ عِنْدَ
سَمَاعِ الْوَعْظِ وَالْغِنَاءِ هَلْ هُوَ مَمْدُوحٌ أَوْ مَذْمُومٌ ؟
قَالَ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ عَنْهَا مُجِيبٌ حَتَّى يُبَيِّنَ
تَحْقِيقَ السُّؤَالِ ، فَإِنَّ الصَّعْقَ دَخِيلٌ عَلَى الْقَلْبِ
وَغَمًّا لَا عَزْمًا غَيْرُ مُكْتَسَبٍ وَلَا مُجْتَلَبٍ ، وَمَا كَانَ
بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِ الشَّرْعِ بِأَمْرٍ وَلَا
نَهْيٍ وَلَا إبَاحَةٍ ، وَأَمَّا الَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْ سُؤَالِكِ
أَنْ نَقُولَ : هَذَا التَّصَدِّي لِلسَّمَاعِ الْمُزْعِجِ لِلْقُلُوبِ
الْمُهَيِّجِ لَلطِّبَاعِ الْمُوجِبِ لِلصَّعْقِ جَائِزٌ أَوْ مَحْظُورٌ ؟
وَهُوَ كَسُؤَالِ السَّائِلِ عَنْ الْعَطْسَةِ هَلْ هِيَ مُبَاحَةٌ أَوْ
مَحْظُورَةٌ ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا يُجَابُ
عَنْهَا جُمْلَةً وَلَا جَوَابًا مُطْلَقًا ، بَلْ فِيهَا تَفْصِيلٌ
وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : إنْ عَلِمَ هَذَا الْمُصْغِي إلَى إنْشَادِ
الْأَشْعَارِ أَنَّهُ يَزُولُ عَقْلُهُ وَيَعْزُبُ رَأْيُهُ بِحَيْثُ لَا
يَدْرِي مَا يَصْنَعُ مِنْ إفْسَادٍ أَوْ جِنَايَةٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَالْمُتَعَمِّدِ لِشُرْبِ النَّبِيذِ الَّذِي
يُزِيلَ عَقْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ
فَإِنَّهُ تَارَةً يُصْعَقُ وَتَارَةً لَا ، فَهَذَا لَا يَحْرُمُ
عَلَيْهِ ، وَلَا يُكْرَهُ ، كَذَا قَالَ وَيَتَوَجَّهُ كَرَاهَتُهُ
بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّهُ وَإِنْ غَطَّى عَلَى الْعَقْلِ فَإِنَّهُ
لَا يُوَرِّثُ اضْطِرَابًا تَفْسُدُ بِهِ الْأَمْوَالُ ، بَلْ يُغَطَّى
عَقْلُ النَّائِمِ ثُمَّ يَحْصُلُ مَعَهُ الرَّاحَةُ .
قَالَ : وَإِذَا
اسْتَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ ، وَسَمِعَ تِلَاوَةَ
الْقُرْآنِ لَمْ يَسْمَعْ التِّلَاوَةَ إلَّا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا
فَصَعِقَ السَّامِعُ خُضُوعًا لِلْمَسْمُوعِ عَنْهُ إلَى أَنْ قَالَ :
فَهُوَ الصَّعْقُ الْمَمْدُوحُ يُعَطِّلُ حُكْمَ الظَّاهِرِ ، وَيُوَفِّرُ
دَرْكَ
النَّاظِرِ ، لَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ لَقُلْتُمْ : مَجَانِينَ
، وَالظَّاهِرُ مِنْ خَارِجِ أَحْوَالِهِمْ ، خَلَى مِمَّا يَلُوحُ لَهُمْ
.
وَالْأَصْلُ فِي تَفَاوُتِ هَذَا صَفَاءُ الْمَدَارِكِ وَاخْتِلَافُ
الْمَسَالِكِ ، فَالْقُلُوبُ تَسْمَعُ الْأَصْوَاتَ وَتَرْجِيعَ
الْأَلْحَانِ فَيُحَرِّكُهُمْ طَرَبُ الطِّبَاعِ ، وَمَا عِنْدَهُمْ
ذَوْقٌ مِنْ الْوَجْدِ فِي السَّمَاعِ ، وَالْخَوَاصُّ يُدْرِكُونَ
بِصَفَاءِ مَدَارِكِهِمْ أَرْوَاحَ الْأَلْفَاظِ وَهِيَ الْمَعَانِي ،
وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْإِيهَامُ الْبَرَّانِيُّ يَتَعَجَّبُ مِمَّا
يَسْمَعُ مِنْ الْقَوْمِ ، وَقَدْ قَالَ الْوَاجِدُ : لَوْ يَسْمَعُونَ
كَمَا سَمِعْتُ كَلَامَهَا خَرُّوا لِعَزَّةِ رُكَّعًا وَسُجُودَا وَقَالَ
بَعْضُ الْمَشَايِخِ : النَّاظِرُ إلَى الْقَوْمِ مِنْ خَارِجِ حَالِهِمْ
يَتَعَجَّبُ دَهْشًا ، وَالْمُلَاحِظُ يَذُوقُ الْمُنَاسَبَةَ يَتَلَظَّى
عَطَشًا ، كَمَا قَالَ الْقَوَّالُ : صَغِيرُ هَوَاكِ عَذَّبَنِي فَكَيْفَ
بِهِ إذَا احْتَنَكَا وَمُرَادُ ابْنِ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَمُ
الْإِنْكَارِ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الْحَالِ كَمَا يَرَاهُ بَعْضُ
النَّاسِ أَيْ : الصَّادِقُ مِنْهُمْ وَمَدْحُ حَالِهِ لَا هَذِهِ
الْحَالُ هِيَ الْغَايَةُ .
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ أَوْ غَيْرُهُ
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمَّا حَدَّثَ بِحَدِيثِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ
تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ زَفَرَ زَفْرَةً وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ
ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً ثُمَّ حَدَّثَ بِهِ .
وَالْحَدِيثُ
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ، فَإِنْ
صَحَّ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَلِمْتُ حَدَثَ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي الْفُنُونِ : لَمَّا
رَأَيْنَا الشَّرِيعَةَ تَنْهَى عَنْ تَحْرِيكَاتِ الطِّبَاعِ
بِالرَّعُونَاتِ ، وَكَسَرَتْ الطُّبُولَ وَالْمَعَازِفَ ، وَنَهَتْ عَنْ
النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ وَالْمَدْحِ وَجَرِّ الْخُيَلَاءِ فَعَلِمْنَا
أَنَّ الشَّرْعَ يُرِيدُ الْوَقَارَ دُونَ الْخَلَاعَةِ ، فَمَا بَالُ
التَّغْيِيرِ وَالْوَجْدِ ، وَتَخْرِيقِ الثِّيَابِ وَالصَّعْقِ ،
وَالتَّمَاوُتِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَصَوِّفَة ؟ وَكُلُّ مُهَيِّجٍ مِنْ
هَؤُلَاءِ الْوُعَّاظِ الْمُنْشِدِينَ
مِنْ غَزَلِ الْأَشْعَارِ
وَذِكْرِ الْعُشَّاقِ فَهُمْ كَالْمُغَنِّي وَالنَّائِحِ ، فَيَجِبُ
تَعْزِيرُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ يُهَيِّجُونَ الطِّبَاعَ ، وَالْعَقْلُ
سُلْطَانُ هَذِهِ الطِّبَاعِ فَإِذَا هَيَّجَهَا صَارَ إهَاجَةَ
الرَّعَايَا عَلَى السُّلْطَانِ أَمَا سَمِعْتَ : ( يَا أَنْجَشَةُ )
رُوَيْدَكَ سُوقًا بِالْقَوَارِيرِ وَمَا الْعِلْمُ إلَّا الْحِكْمَةُ
الْمُتَلَقَّاةُ مَعَ السُّكُونِ وَالدَّعَةِ وَاعْتِدَالِ الْأَمْزِجَةِ
، أَمَا رَأَيْتَهُ عَزَلَ الْقَاضِيَ حِينَ غَضَبِهِ ، وَكَذَلِكَ
يَعْزِلُ حَالَ طَرَبِهِ أَمَا سَمِعْتَ : { فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا
أَنْصِتُوا } .
فَأَيْنَ الطَّرَبُ مِنْ الْأَدَبِ ؟ وَاَللَّهِ مَا
رَقَصَ قَطُّ عَاقِلٌ ، وَلَا تَعَرَّضَ لِلطَّرِبِ فَاضِلٌ ، وَلَا صَغَى
إلَى تَلْحِينِ الشِّعْرِ إلَّا بَطِرٌ ، أَلَيْسَ بَيْنَنَا الْقُرْآنُ ؟
وَقَدْ قَالَ : طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى ، وَذَلِكَ
أَنَّ بِدَايَةَ الطَّلَبِ صَعْبَةٌ فَهُوَ كَلُعْبَةِ الْمَفْطُومِ ثُمَّ
يَسْتَغْنِي عَنْهَا بِقُوَّةِ النَّهِمِ فَيَدَعُ الثَّدْيَ تَقَذُّرًا
وَاسْتِقْذَارًا .
وَقَالَ أَيْضًا : هَذِهِ فِتَنٌ وَمِحَنٌ دَخَلَتْ
عَلَى الْعُقُولِ مِنْ غَلَبَةِ الطِّبَاعِ وَالْأَهْوَاءِ ، وَهَلْ
يَحْكُم عَلَى الْعُقُولِ حَقٌّ قَطُّ ؟ وَهَلْ رَأَيْتُمْ فِي السَّلَفِ
أَوْ سَمِعْتُمْ رَجُلًا زَعَقَ أَوْ خَرَقَ ؟ بَلْ سَمَاعُ صَوْتٍ
وَفَهْمٌ وَاسْتِجَابَةٌ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّخَبُّطَ
لَيْسَ مِنْ قَانُونِ الشَّرْعِ ، لَكِنْ أَمْرٌ بِخَفْضِ الصَّوْتِ
وَغَضِّهِ ، وَأَمَّا التَّوَاجُدُ وَالْحَرَكَةُ وَالتَّخْرِيقُ
فَالْأَشْبَهُ بِدَاعِيَةِ الْحَقِّ الْخَمُودِ ، ثَكِلْتُ نَفْسِي حِينَ
أَسْمَعُ الْقُرْآنَ وَلَا أَخْشَعُ ، وَأَسْمَعُ كَلَامَ الطُّرُقِيِّينَ
فَيَظْهَرُ مِنِّي الِانْزِعَاجُ ، هَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ
الطِّبَاعَ تُوَرِّثُ مَا تُورَثُ مِنْ التَّغْيِيرَاتِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ
الْكَلَامَ صَدَرَ عَنْ طَبْعٍ فَأَهَاجَ طَبْعًا ، وَلِلْحَقِّ ثِقَلٌ ،
فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ تَحَرُّكُ الطِّبَاعِ بِالْأَسْجَاعِ وَالْأَلْحَانِ
فَإِنَّمَا هُوَ كَعَمَلِ الْأَوْتَارِ وَالْأَصْوَاتِ ، وَهَلْ نَهَتْ
الشَّرِيعَةُ عَنْ سُكْرِ الْعَقَارِ إلَّا لِمَا يُؤَدِّي
إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْفَسَادِ وَذَكَرَ كَلَامَهُ كَثِيرًا .
وَذَكَرَ
الْحَافِظُ بْنُ الْأَخْضَرِ فِيمَنْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ فِي تَرْجَمَةِ
إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَانِسِيِّ قَالَ : قِيلَ
لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : إنَّ الصُّوفِيَّةَ يَجْلِسُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ بِلَا عِلْمٍ عَلَى سَبِيلِ التَّوَكُّلِ قَالَ : الْعِلْمُ
أَجْلَسَهُمْ ؟ فَقَالَ : لَيْسَ مُرَادُهُمْ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا
كِسْرَةُ خُبْزٍ وَخِرْقَةٌ ، فَقَالَ : لَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ أَقْوَامًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ قِيلَ إنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ
وَيَتَوَاجَدُونَ قَالَ : دَعُوهُمْ يَفْرَحُونَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى
سَاعَةً قِيلَ : فَمِنْهُمْ مَنْ يُغْشَى عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمُوتُ فَقَالَ : { وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا
يَحْتَسِبُونَ } .
كَذَا رَوَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، وَالْمَعْرُوفُ
خِلَافُ هَذَا عَنْهُ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ
وَيَتَوَاجَدُونَ عِنْدَ الْقُرْآنِ فَيَحْصُلُ لِبَعْضِهِمْ مَا يَحْصُلُ
مِنْ الْغَشْيِ وَالْمَوْتِ كَمَا كَانَ يَحْصُلُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْقَطَّانِ ، وَعَذَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَلَا يُخَالِفُهُ ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِي سُوءِ حَالِ الِاجْتِمَاعِ فِي
الْمَسَاجِدِ فِي لَيَالِي الْمَوَاسِمِ وَالذَّهَابِ فِي أَيَّامِهَا
إلَى الْمَقَابِرِ ) .
هَلْ يُسْتَحَبُّ الِاجْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ
وَالدُّعَاءِ ؟ سَبَقَ قَرِيبًا مِنْ ثُلُثِ الْكِتَابِ فِي الْفُصُولِ
مِنْ كَلَامٍ عِنْدَ ذِكْرِ الْقِصَاصِ وَالْكَلَامِ فِي الْوَسَاوِسِ
وَالْخَطَرَاتِ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : أَنَا
أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ وَقْتِنَا فِي
الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ لَيَالِي يُسَمُّونَهَا إحْيَاءً ، لَعَمْرِي
إنَّمَا لِإِحْيَاءِ أَهْوَائِهِمْ وَإِيقَاظِ شَهَوَاتِهِمْ جُمُوعِ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، مَخَارِجُ الْأَمْوَالِ فِيهَا أَفْسَدُ
الْمَقَاصِدِ ، وَهُوَ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ وَمَا فِي خِلَالِ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ اللِّعْبِ وَالْكَذِبِ وَالْغَفْلَةِ ، مَا كَانَ أَحْوَجَ
الْجَوَامِعِ أَنْ تَكُونَ مُظْلِمَةً مِنْ سَرْجِهِمْ مُنَزَّهَةً عَنْ
مَعَاصِيهِمْ وَفِسْقِهِمْ ، مُرْدَانٌ وَنِسْوَةٌ وَفِسْقُ الرَّجُلِ
عِنْدِي مَنْ وَزَنَ فِي نَفْسِهِ ثَمَنَ الشَّمْعَةِ فَأَخْرَجَ بِهَا
دُهْنًا وَحَطَبًا إلَى بُيُوتِ الْفُقَرَاءِ وَوَقَفَ فِي زَاوِيَةِ
بَيْتِهِ بَعْدَ إرْضَاءِ عَائِلَتِهِ بِالْحُقُوقِ فَكُتِبَ فِي
الْمُتَهَجِّدِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِحُزْنٍ ، وَدَعَا لِنَفْسِهِ
وَأَهْلِهِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَبَكَّرَ إلَى مَعَاشِهِ لَا
إلَى الْمَقَابِرِ .
فَتَرْكُ الْمَقَابِرِ فِي ذَلِكَ عِبَادَةٌ يَا
هَذَا اُنْظُرْ إلَى خُرُوجِكَ إلَى الْمَقَابِرِ كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
مَا وَصَفْتُ لَهُ قَالَ : " تُذَكِّركُمْ الْآخِرَةَ " مَا أَشْغَلَكَ
بِتَلَمُّحِ الْوُجُوهِ النَّاضِرَةِ فِي تِلْكَ الْجُمُوعِ لِزَرْعِ
اللَّذَّةِ فِي قَلْبِكَ ، وَالشَّهْوَةِ فِي نَفْسِكَ عَنْ مُطَالَعَةِ
الْعِظَامِ النَّاخِرَةِ ، تَسْتَدْعِي بِهَا ذِكْرَ الْآخِرَةِ ؟ كَلًّا
مَا خَرَجْت إلَّا مُتَنَزِّهًا ، وَلَا عُدْت إلَّا مُتَأَثِّمًا ، وَلَا
فَرْقَ عِنْدَكَ بَيْنَ الْقُبُورِ وَالْبَسَاتِينِ مَعَ الْفَرْحَةِ ،
إلَّا أَقَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي بَيْنَ الْجُدْرَانِ ،
فَإِمَّا أَنْ تَجْعَلَ الْمَقَابِرَ وَالْمَشَاهِدَ عِلَّةً فِي
الِاشْتِهَارِ فَإِذَا فَعَلَ مَنْ فَطِنَ
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : الآداب الشرعية الجزء العشرون - صفحة 2 Empty رد: كتاب : الآداب الشرعية الجزء العشرون {السبت 28 مايو - 20:31}


لِقَوْلِهِ فِي رَجَبٍ وَأَمْثَالِهِ : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } .
عَزَّ
عَلَيَّ بِقَوْمٍ فَاتَتْهُمْ أَيَّامُ الْمَوَاسِمِ الَّتِي يَحْظَى
فِيهَا قَوْمٌ بِأَنْوَاعِ الْأَرْبَاحِ ، وَلَيْتَهُمْ خَرَجُوا مِنْهَا
بِالْبَطَالَةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ : مَا قَنَعُوا حَتَّى جَعَلُوهَا مِنْ
السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ خَلْسًا لِاسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ ،
وَاسْتِسْلَامِ الشَّهَوَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ ، مَا بَالُ الْوُجُوهِ
الْمَصُونَةِ فِي جُمَادَى هُتِكَتْ فِي رَجَبٍ بِحُجَّةِ الزِّيَارَاتِ ؟
{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } ؟ { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ
لِلَّهِ وَقَارًا } .
تُرَى بِمَاذَا تُحَدِّثُ عَنْك سَوَارِي
الْمَسْجِدِ فِي الظُّلَمِ وَأَفْنِيَةُ الْقُبُورِ وَالْقِبَابِ
بِالْبُكَاءِ وَمِنْ خَوْفِ الْوَعِيدِ وَالتَّذَكُّرِ لِلْآخِرَةِ
يَنْظُرُ الْعَبْرَةَ ، إذَا تَحَدَّثْتُ عَنْ أَقْوَامٍ خَتَمُوا فِي
بُيُوتِهِمْ الْخَتَمَاتِ وَصَانُوا الْأَهْلَ ، اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ انْسَلَّ مِنْ فِرَاشِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إلَى الْمَسْجِدِ لَا شُمُوعَ وَلَا
جُمُوعَ ، طُوبَى لِمَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ فَانْزَوَى إلَى
زَاوِيَةِ بَيْتِهِ ، وَانْتَصَبَ لِقِرَاءَةِ جُزْءٍ فِي رَكْعَتَيْنِ
بِتَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ ، فَيَالَهَا مِنْ لَحْظَةٍ مَا أَصْفَاهَا مِنْ
أَكْدَارِ الْمُخَالَطَاتِ ، وَأَقْذَارِ الرِّيَاءِ غَدًا يَرَى أَهْلُ
الْجُمُوعِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تَلْعَنُهُمْ وَالْمَقَابِرَ تَسْتَغِيثُ
مِنْهُمْ ، يُبَكِّرُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ أَنَا صَائِمٌ ، قَدْ أَفْلَحَ
عُرْسُكَ حَتَّى يَكُونَ لَك صُبْحُهُ ، قُلْ لِي يَا مَنْ أَحْيَاهُ فِي
الْجَامِعِ بِأَيِّ قَلْبٍ رُحْتَ ؟ مَاتَ وَاَللَّهِ قَلْبُكَ ،
وَعَاشَتْ نَفْسُكَ وَمَا أَخْوَفَنِي عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ
فِي هَذِهِ اللَّيَالِي أَنْ يَخَافَ فِي مَوْطِنِ الْأَمْنِ وَيَظْمَأَ
فِي مَقَامَاتِ الرَّيِّ .
فَصْلٌ ( فِي التَّعَوُّذِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْبَسْمَلَةِ لِكُلِّ سُورَةٍ ) .
وَيُسَنُّ
التَّعَوُّذُ فِي الْقِرَاءَةِ ، فَإِنْ قَطَعَهَا قَطْعَ تَرْكٍ
وَإِهْمَالٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهَا أَعَادَ التَّعَوُّذَ
إذَا رَجَعَ إلَيْهَا ، وَإِنْ قَطَعَهَا بِعُذْرٍ عَازِمًا عَلَى
إتْمَامِهَا إذَا زَالَ عُذْرُهُ كَفَاهُ التَّعَوُّذُ الْأَوَّلُ ،
وَإِنْ تَرَكَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا
ثُمَّ يَقْرَأُ ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ
فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِهَا إذَنْ ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي
ذَلِكَ ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى فَرَغَ سَقَطَتْ لِعَدَمِ
الْقِرَاءَةِ .
وَتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ
كُلِّ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ : لَا
يَدَعَهَا قِيلَ لَهُ : فَإِنْ قَرَأَ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ يَقْرَؤُهَا ؟
قَالَ لَا بَأْسَ فَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ شَاءَ جَهَرَ
بِالْبَسْمَلَةِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَجْهَرْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
رِوَايَتِهِ أَبِي دَاوُد وَمُهَنَّا قَالَ الْقَاضِي : مَحْصُولُ
الْمَذْهَبِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَالْإِسْرَارِ كَمَا كَانَ مُخَيَّرًا
فِي أَصْلِ الْقِرَاءَةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ .
وَكَالِاسْتِعَاذَةِ وَعَنْهُ يَجْهَرُ بِهَا مَعَ الْقِرَاءَةِ وَعَنْهُ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ قُرْبَةً ، فَلَا يَجُوزُ .
وَقَالَ
صَالِحُ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ سُورَةِ
الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ التَّوْبَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ
يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ
أَبِي : يَنْتَهِي فِي الْقُرْآنِ إلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُزَادُ فِيهِ
وَلَا يَنْقُصُ .
وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَ الْفَضْلُ وَأَبُو الْحَارِثِ .
فَصْلٌ ( فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ ) .
قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينُ : مَنْ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالنَّاسُ
يُصَلُّونَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ جَهْرًا يُشْغِلُهُمْ
بِهِ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ
عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ السَّحَرِ فَقَالَ : {
أَيُّهَا النَّاسُ كُلّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ
عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ } انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَرَوَى
أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ { أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ
بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا يُغَلِّطُ أَصْحَابَهُ
وَهُمْ يُصَلُّونَ } وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُ أَنَّ
مِنْ جُمْلَةِ الْأَدَبِ أَنْ لَا يَجْهَرَ بَيْنَ مُصَلِّينَ أَوْ
نِيَامٍ أَوْ تَالِينَ جَهْرًا يُؤْذِيهِمْ .
فَصْلٌ ( فِي ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ كُلُّ حَرْفٍ بِحَسَنَةٍ مُضَاعَفَةٍ ) .
عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { : مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ
وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ ، وَلَكِنْ
أَلِفٌ حَرْفٌ ، وَلَامٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ
: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ، وَالْمُرَادُ بِالْحَرْفِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
حَرْفُ التَّهَجِّي الَّذِي هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْكَلِمَةِ صَرَّحَ بِهَذَا
الْمَعْنَى الْقَاضِي فِي الْكَلَامِ عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَذَكَرَ
جَمَاعَةٌ فِيمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ هَلْ يَقْرَأُ مِنْ
غَيْرِهَا بِعَدَدِ الْحُرُوفِ أَوْ بِعَدَدِ الْآيَات ؟ وَقَدْ قَالَ
أَحْمَد فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ : إذَا اخْتَلَفَتْ الْقِرَاءَاتُ فَكَانَتْ
فِي إحْدَاهَا زِيَادَةُ حَرْفٍ أَنَا أَخْتَارُ الزِّيَادَةَ وَلَا
يَتْرُكُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ مِثْلُ ( فَأَزَلَّهُمَا فَأَزَالَهُمَا
وَوَصَّى وَأَوْصَى ) قَالَ الْقَاضِي فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ
يَخْتَارُ الزِّيَادَةَ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ زِيَادَةِ الثَّوَابِ
بِزِيَادَةِ الْحُرُوفِ .
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ
الْمُرَادَ بِالْحُرُوفِ الْكَلِمَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ اسْمًا أَوْ فِعْلًا
أَوْ حَرْفًا أَوْ اصْطِلَاحًا .
وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ
، فَلَوْلَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْفِ الْكَلِمَةُ لَا حَرْفُ
الْهِجَاءِ كَانَ فِي أَلِفْ لَامْ مِيم تِسْعُونَ حَسَنَةً ، وَالْخَبَرُ
إنَّمَا جَعَلَ فِيهَا ثَلَاثِينَ حَسَنَةً ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ
خِلَافَ الْمَفْهُومِ وَالْمَعْرُوفِ مِنْ إطْلَاقِ الْحَرْفِ فَقَدْ
اسْتَعْمَلَهُ الشَّارِعُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ فِي (
فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ ) أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ
: عَلَيْهِ السَّلَامُ { : خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ
وَعَلَّمَهُ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ
عُثْمَانَ وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { يَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : مَنْ
شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ
مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ
الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهُوَ عَنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ .
وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ شَاهِينَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْبَغَوِيّ ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ثنا
صَفْوَانُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ سَالِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { :
مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا
أُعْطِي السَّائِلِينَ } .
قَالَ ابْنُ شَاهَيْنِ : وَقَدْ فَسَّرَ
هَذَا الْكَلَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حَدِيثٍ آخَرَ ثُمَّ رُوِيَ حَدِيثَ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْمَذْكُورِ قَالَ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي
عَنْ مَسْأَلَتِي مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ ذِكْرِهِ لِي ، وَذَلِكَ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } .
اُذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أَذْكُرْكُمْ بِرَحْمَتِي انْتَهَى كَلَامُهُ .
الْحِمَّانِيُّ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : لَمْ أَرَ فِي أَحَادِيثِهِ مَنَاكِيرَ .
وَصَفْوَانُ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
وَقَالَ
أَيْضًا فِي الضُّعَفَاءِ : يَرْوِي مَا لَا أَصْلَ لَهُ لَا يَجُوزُ
الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ ، وَذَكَرُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
الْخَبَرَيْنِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ الْخَبَرِ الثَّانِي : هَذَا مَوْضُوعُ مَا رَوَاهُ
الْأَصْفَوَانُ
مَرْفُوعًا وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ { : مَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إلَى
اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ } قَالَ أَبُو النَّضْرِ : يَعْنِي
الْقُرْآنَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ أَبِي
النَّضْرِ عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بَكْرٌ ضَعِيفٌ
عِنْدَهُمْ وَلَيْثٌ ضَعَّفَهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : غَرِيبٌ لَا
نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى
الْمَوْصِلِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْمِصْرِيُّ وَأَبُو هَمَّامٍ
قَالَا ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ
بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ جُبَيْرٍ { عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَنْ تَرْجِعُوا إلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ يَخْرُجُ
مِنْهُ } يَعْنِي الْقُرْآنَ مُرْسَلٌ حَسَنٌ .
وَرَوَى الْإِمَامُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآن عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ { : أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ
} .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي كِنَانَة
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ مِنْ إجْلَالِ اللَّهِ إكْرَامَ ذِي
الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ
وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ }
قَوْلُهُ " غَيْرَ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ " قَالَ فِي
النِّهَايَةِ : وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ أَخْلَاقِهِ
وَآدَابِهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الْقَصْدَ فِي الْأُمُورِ ، وَخَيْرُ
الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا ، وَكِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ ،
وَسَبَقَ هَذَا الْخَبَرُ فِي فَضَائِلِ الْقِيَامِ .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ
بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ .
وَعَنْ زَبَّانِ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ
الْجُهَنِيِّ
عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا : { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ
أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ
ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَ فِيكُمْ فَمَا
ظَنُّكُمْ بِاَلَّذِي عَمِلَ بِهَذَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد زَبَّانٌ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَد : أَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ .
وَسَهْلٌ
ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ : لَا
أَدْرِي أَوَقَعَ التَّخْلِيطُ مِنْهُ أَوْ مِنْ زَبَّانٍ ؟ وَعَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَظْهَرَهُ فَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ أَدْخَلَهُ
اللَّهُ الْجَنَّةَ وَشَفَّعَهُ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَهْلِهِ كُلُّهُمْ
قَدْ وَجَبَتْ النَّارُ لَهُمْ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : غَرِيبٌ .
وَابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يَذْكُرْ : فَاسْتَظْهَرَهُ فَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ .
{ وَقَدَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ فِي الْقَبْرِ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا .
وَرُوِيَ
أَنَّهُ قَدَّمَ شَابًّا عَلَى سَرِيَّةٍ فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُمْ : أَنَا
أَكْبَرُ مِنْهُ ، فَقَالَ : إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْكَ قُرْآنًا } وَكَتَبَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عُمَّالِهِ : لَا تَسْتَعِينُوا عَلَى
شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِي إلَّا بِأَهْلِ الْقُرْآنِ ، فَكَتَبُوا إلَيْهِ
اسْتَعْمَلْنَا أَهْلَ الْقُرْآنِ فَوَجَدْنَاهُمْ خَوَنَةً ، فَكَتَبَ
إلَيْهِمْ : لَا تَسْتَعْمِلُوا إلَّا أَهْلَ الْقُرْآنِ فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ عِنْدَهُمْ خَيْرٌ فَغَيْرُهُمْ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ
خَيْرٌ .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى