صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
قَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ : مِثْلُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مَثَلُ الْعَيْنِ
وَدَوَاءُ الْعَيْنِ تَرْكُ مَسِّهَا ، وَفِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ { :
عِلَاجُ الرَّمَدِ تَقْطِيرُ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْعَيْنِ } وَهُوَ
لِلرَّمَدِ الْحَارِّ مِنْ أَعْظَمِ الدَّوَاءِ ، وَيَأْتِي خَبَرُ ابْنِ
مَسْعُودٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّمَدَ وَرَمُ الْمُلْتَحِمِ أَوْ
تَكَدُّرُهُ ، وَقَدْ يَكْفِي فِي نَوْعِ التَّكَدُّرِ تَقْطِيرُ لَبَنِ
النِّسَاءِ ، وَبَيَاضُ الْبَيْضِ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : وَيُدَبَّرُ فِي
كُلِّ أَنْوَاعِ الرَّمَدِ بِالتَّدْبِيرِ اللَّطِيفِ ؛ فَيُغَذَّى
الْمُزَوِّدَاتِ وَيُسْقَى شَرَابَ اللُّوفَرِ مَعَ السَّكَنْجَبِينِ .
وَيُمْنَعُ
مِنْ الْحَوَامِضِ الصِّرْفَةِ وَالْقَابِضَةِ وَالْمَالِحَةِ وَعَنْ
كُلِّ مَا يُرَطِّبُ وَمِنْ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ الْكَيْمُوسُ وَإِنْ
تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى الْفَاكِهَةِ فَمِنْ السَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى
.
وَيُمْنَعُ مِنْ أَكْلِ الْحَلْوَى وَيُجْعَلُ فِي بَيْتٍ لَيْسَ
قَوِيَّ الضَّوْءِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ وَرَقُ الْخِلَافِ ، وَالْآسُ
الرَّطْبُ رَائِحَتُهُ تُقَوِّي الدِّمَاغَ وَيَأْتِي مَا يُسَكِّنُ
الْوَجَعَ فِي عِلَاجِ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ ، قَالَ وَالتَّمْرُ حَارٌّ
قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : رَطْبٌ غَلِيظٌ كَثِيرُ الْإِغْذَاءِ يُورِثُ
إدْمَانُهُ غِلَظًا فِي الْأَحْشَاءِ وَيُورِثُ السَّدَدَ وَيُفْسِدُ
الْأَسْنَانَ وَيَزِيدُ فِي الدَّمِ وَالْمَنِيِّ لَا سِيَّمَا مَعَ حَبِّ
الصَّنَوْبَرِ ، وَيُصَدِّعُ وَيُصْلِحُهُ اللَّوْزُ وَالْخَشْخَاشُ
وَبَعْدَهُ سَكَنْجَبِينُ سَاذَجٌ وَهُوَ مُقَوٍّ لِلْكَبِدِ وَيُبْرِئُ
لِلطَّبْعِ مُلَيِّنٌ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ ، وَأَكْلُهُ عَلَى
الرِّيقِ يُضْعِفُ الدُّودَ وَيَقْتُلُهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى لِمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ .
وَبَاقِي أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدٍ .
وَفِي
الرَّمَدِ مَنَافِعُ كَالْحِمْيَةِ وَالِاسْتِفْرَاغِ وَزَوَالِ
الْفَضْلَةِ وَالْعُفُونَةِ وَالْكَفِّ عَمَّا يُؤْذِي النَّفْسَ
وَالْبَدَنَ كَحَرَكَةٍ عَنِيفَةٍ وَغَضَبٍ وَهَمٍّ وَحُزْنٍ .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا تَكْرَهُوا الرَّمَدَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عِرْقَ الْعَمَى .
فَصْلٌ ( فِي الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بِاعْتِدَالِهَا ) .
اعْلَمْ أَنَّ قِوَامَ الْبَدَنِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ ، وَقِوَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى .
فَالْحَرَارَةُ
تَحْفَظُ الرُّطُوبَةَ وَتَمْنَعُهَا مِنْ الْفَسَادِ وَالِاسْتِحَالَةِ
وَتَدْفَعُ فَضَلَاتِهَا وَتُلَطِّفُهَا وَإِلَّا أَفْسَدَتْ الْبَدَنَ ،
وَالرُّطُوبَةُ تَغْذُو الْحَرَارَةَ وَإِلَّا أَحْرَقَتْ الْبَدَنَ
وَأَيْبَسَتْهُ ، وَيَنْحَرِفُ مِزَاجُ الْبَدَنِ بِحَسَبِ زِيَادَةِ
أَحَدِهِمَا .
وَلَمَّا كَانَتْ الْحَرَارَةُ تُحَلِّلُ الرُّطُوبَةَ
احْتَاجَ الْبَدَنُ إلَى مَا يُخْلِفُ عَلَيْهِ مَا حَلَّلَتْهُ
الْحَرَارَةُ ضَرُورَةَ بَقَائِهِ ، وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ
فَمَتَى زَادَ عَلَى مِقْدَارِ التَّحَلُّلِ ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ عَنْ
تَحْلِيلِ فَضَلَاتِهِ فَاسْتَحَالَتْ مَوَادَّ رَدِيئَةً فَتَنَوَّعَتْ
الْأَمْرَاضُ لِتَنَوُّعِ مَوَادِّهَا وَقَبُولِ الْأَعْضَاءِ
وَاسْتِعْدَادِهَا ؛ فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلَا تُسْرِفُوا } .
فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِإِدْخَالِ مَا يُقِيمُ
الْبَدَنَ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَابِ عِوَضَ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ
بِقَدْرِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَدَنُ ، فَمَتَى جَاوَزَهُ أَسْرَفَ ،
فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْغِذَاءِ وَالْإِسْرَافِ فِيهِ مَانِعٌ
مِنْ الصِّحَّةِ جَالِبٌ لِلْمَرَضِ ؛ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ
الطِّبُّ حِفْظُ الصِّحَّةِ فِي بَعْضِ آيَةٍ ، فَالْبَدَنُ فِي
التَّحَلُّلِ وَالِاسْتِخْلَافِ دَائِمًا ، فَكُلَّمَا كَثُرَ
التَّحَلُّلُ ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ لِفَنَاءِ الرُّطُوبَةِ وَهِيَ
مَادَّةُ الْحَرَارَةِ ، وَإِذَا ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ ضَعُفَ الْهَضْمُ
وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تَفْنَى الرُّطُوبَةُ وَتَنْطَفِئَ
الْحَرَارَةُ جُمْلَةً فَيَمُوتُ ، فَغَايَةُ الطَّبِيبِ أَنْ يَحْمِيَ
الرُّطُوبَةَ عَمَّا يُفْسِدُهَا مِنْ الْعُفُونَةِ وَغَيْرِهَا ،
وَالْحَرَارَةَ عَمَّا يُضْعِفُهَا وَيَعْدِلُ بَيْنَهَا بِالْعَدْلِ فِي
التَّدْبِيرِ الَّذِي قَامَ بِهِ الْبَدَنُ فَالْمَخْلُوقَاتُ قِوَامُهَا
بِالْعَدْلِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ عَنْ النَّبِيِّ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِمَا
كَحَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : { نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ
: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثِ سَلَمَةَ
بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مُحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ { : مَنْ
أَصْبَحَ مُعَافًى فِي جِسْمِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ
يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا .
} سَلَمَةُ فِيهِ جَهَالَةٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَحَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نَصِحَّ جِسْمَكَ
وَنَرْوِكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ غَرِيبٌ .
{ وَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
عَائِشَةَ إنْ عَلِمَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ
إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي } صَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { لَا
يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، قَالُوا : فَمَاذَا
نَقُولُ ؟ قَالَ : سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ } حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِأَبِي دَاوُد هَذَا
الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرٍو .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا : { مَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ
إلَيْهِ مِنْ الْعَافِيَةِ } وَلِابْنِ مَاجَهْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَعَنْ أَنَسٍ { : أَنَّ رَجُلًا قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : سَلْ رَبَّك
الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعَادَهُ .
ثُمَّ
سَأَلَهُ فَأَعَادَهُ وَزَادَ : فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَفْوَ
وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ } .
مُخْتَصَرٌ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، { وَسَأَلَهُ
الْعَبَّاسُ : عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ : سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ .
قَالَ : فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ سَأَلَهُ .
فَقَالَ
: يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا .
{
سَلُوا اللَّهَ الْيَقِينَ وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ
الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْمُعَافَاةِ } وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ { سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ
وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ يَقِينٍ خَيْرًا مِنْ
مُعَافَاةٍ } فَالشَّرُّ الْمَاضِي يَزُولُ بِالْعَفْوِ وَالْحَاضِرُ
بِالْعَافِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ بِالْمُعَافَاةِ لِتَضَمُّنِهَا دَوَامَ
الْعَافِيَةِ مِنْ أَجْلِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ ؛ فَيَتَعَيَّنُ
مُرَاعَاتُهَا وَحِفْظُهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَكْمَلُ الطُّرُقِ
وَحَالُهُ أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ .
فَصْلٌ ( فِي الْعِلَاجِ وَحِفْظِ الصِّحَّةِ بِدَفْعِ كُلِّ شَيْءٍ بِضِدِّهِ ) .
وَاعْلَمْ
أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِلَاجِ وَفِي حِفْظِ الصِّحَّةِ وَقُوَّةِ
الْبَدَنِ دَفْعُ ضَرَرِ شَيْءٍ بِمُقَابِلِهِ كَالْبَارِدِ بِالْحَارِّ
وَالرَّطْبِ بِالْيَابِسِ وَبِالضِّدِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ
التَّعْدِيلِ وَدَفْعِ ضَرَرِ كُلِّ كَيْفِيَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا
يُقَابِلُهَا وَمِنْ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { : رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الرُّطَبَ
بِالْقِثَّاءِ } .
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ
تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ حَتَّى
أَطْعَمَتْنِي الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ فَسَمِنْت عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ
السِّمَنِ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَالرُّطَبُ
حَارٌّ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ الْبَارِدَةَ
وَيُوَافِقُهَا وَيَزِيدُ فِي الْبَاءَةِ وَيَغْذُو وَهُوَ مُعَطِّشٌ ،
مُكَدِّرٌ لِلدَّمِ ، مُصَدِّعٌ ، مُوَلِّدٌ لِلسَّدَدِ ، وَوَجَعُ
الْمَثَانَةِ يَضُرُّ بِالْأَسْنَانِ ، سَرِيعُ التَّعَفُّنِ ، قَالَ
بَعْضُهُمْ : هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ ، وَالْقِثَّاءُ بَارِدٌ
رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ يُسَكِّنُ الْحَرَارَةَ
وَالصَّفْرَاءَ وَالْعَطَشَ ، يُقَوِّي الْمَعِدَةَ فَيُدْفَعُ ضَرَرُهُ
بِتَمْرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَيْمُوسُهُ رَدِيءٌ مُسْتَعِدٌّ
لِلْعُفُونَةِ ، وَيُهَيِّجُ حُمَّيَاتٍ صَعْبَةً لِذَهَابِهِ فِي
الْعُرُوقِ ، وَهُوَ مُنْعِشٌ لِلْقُوَى مُدِرٌّ لِلْبَوْلِ مُوَافِقٌ
لِلْمَثَانَةِ .
وَفِي مَعْنَى هَذَا عَنْ عَائِشَةَ : قَالَتْ { :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ
الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ ، يَقُولُ يَدْفَعُ حَرَّ هَذَا بَرْدُ هَذَا }
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ
غَرِيبٌ .
وَالْمُرَادُ بِالْبِطِّيخِ فِي هَذَا الْبِطِّيخُ
الْأَخْضَرُ ، وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ نَافِعٌ
لِلْأَمْرَاضِ الْحَادَّةِ وَالْحُمَّيَاتِ الْمُحْرِقَةِ
وَالْأَمْزِجَةِ الْمُلْتَهِبَةِ وَيُسَكِّنُ الْعَطَشَ مَعَ السَّكَنْجَبِينَ .
وَيُدِرُّ
الْبَوْلَ وَيَغْسِلُ الْمَثَانَةَ ، وَمَاؤُهُ مَعَ السُّكَّرِ أَبْلَغُ
فِي التَّبْرِيدِ وَهُوَ يُسِيءُ الْهَضْمَ وَيَضُرُّ بِالْمَشَايِخِ
وَالْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَيَفْجُجُ الْأَخْلَاطَ ، وَيَصْلُحُ
السُّكَّرُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهُ مَعَهُ أَوْ عَقِبَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ
: يُؤْكَلُ قَبْلَ الطَّعَامِ .
وَيُتْبَعُ بِهِ وَإِلَّا غَثِيَ
وَقَيَأَ ، قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : هُوَ قَبْلَ الطَّعَامِ يَغْسِلُ
الْبَطْنَ غَسْلًا ، وَيَذْهَبُ بِالدَّاءِ أَصْلًا .
وَفِي
الْبِطِّيخِ أَحَادِيثُ لَا تَصِحُّ وَأَكْثَرُهَا أَوْ كُلُّهَا
مَوْضُوعَةٌ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ أَوْ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ لَا
يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُهُ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا
يَصِحُّ عَنْ أَحْمَدَ ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُهُ .
وَأَمَّا
الْبِطِّيخُ الْأَصْفَرُ فَبَارِدٌ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ رَطْبٌ فِي
آخِرِهَا ، قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ .
وَقَالَ
بَعْضُهُمْ : إنَّهُ حَارٌّ وَهُوَ مُبَرِّدٌ يُدِرُّ وَيَقْطَعُ
وَيَجْلُو وَيَنْفَعُ مِنْ حِصِيِّ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ الصِّغَارِ ،
وَيُرْخِي الْأَحْشَاءَ ، وَرُبَّمَا عَرَضَتْ مِنْهُ الْهَيْضَةُ
وَيُثَوِّرُ الْمِرَّةَ الصَّفْرَاءَ ، وَأَيُّ خَلْطٍ صَادَفَهُ فِي
الْمَعِدَةِ اسْتَحَالَ إلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَهُ
السَّكَنْجَبِينُ وَنَحْوُهُ كَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَأَنْ يُؤْكَلَ
بَيْنَ طَعَامَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ : أَوْ يُخْلَطُ بِالطَّعَامِ
وَإِذَا فَسَدَ صَارَ كَالسُّمِّ فَلَا يُتْرَكُ وَيُتَّقَى ،
وَلْيَحْذَرْ الْبِطِّيخَ مَنْ كَانَتْ بِهِ حُمَّى وَهُوَ يُصَفِّي
ظَاهِرَ الْبَدَنِ يَقْلَعُ الْبَهَقَ وَالْكَلَفَ وَالْوَسَخَ خُصُوصًا
إنْ دُقَّ بِزْرُهُ وَنُخِلَ وَاسْتُعْمِلَ غَسُولًا .
وَقِشْرُهُ
يُلْزَقُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَيَمْنَعُ النَّوَازِلَ إلَى الْعَيْنِ
وَدِرْهَمَانِ مِنْ أَصْلِهِ يُحَرِّكُ الْقَيْءَ بِلَا عُنْفٍ ، قَالَ
بَعْضُهُمْ : وَإِذَا كَانَ الْبِطِّيخُ فِي بَيْتٍ
لَا يَخْتَمِرُ
فِيهِ الْعَجِينُ أَصْلًا وَبَذْرُ الْبِطِّيخِ حَارٌّ رَطْبٌ فِي
الثَّانِيَة يُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ وَيُكْثِرُ
الْجِمَاعَ وَيُقَوِّي عَلَيْهِ ، وَقِشْرُ الْبِطِّيخِ إذَا يَبِسَ كَانَ
صَالِحًا لِجَلَاءِ الْآنِيَةِ مِنْ الزُّهُومَةِ قَالَ أَبُقْرَاطُ :
قِشْرُهُ إذَا جُفِّفَ وَرُمِيَ مَعَ اللَّحْمِ أَنْضَجَهُ بِخَاصَّتِهِ .
وَلِأَحْمَدَ
وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ { :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفْطِرُ عَلَى
رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٍ
فَتَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٍ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ } .
وَرَوَاهُ
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ
مَرْفُوعًا : { إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ }
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّوْمَ يُخْلِي الْمَعِدَةَ مِنْ الْغِذَاءِ
فَتَضْعُفُ الْكَبِدُ وَالْقُوَى ، وَالْحُلْوُ تَجْذِبُهُ الْقُوَى
وَتُحِبُّهُ فَتَقْوَى بِهِ سَرِيعًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ
يُطْفِئُ حَرَارَةَ الصَّوْمِ وَلَهَبَ الْمَعِدَةِ فَتَأْخُذُ الْغِذَاءَ
بِشَهْوَةٍ ، ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا
الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ غَيْرَ
التَّمْرِ مِنْ الْحُلْوِ كَالتَّمْرِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُقَدَّمُ
عَلَيْهِ الْمَاءُ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ،
وَيَتَوَجَّهُ بِمِثْلِهِ احْتِمَالٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى
الْمَذْكُورِ ، وَيَكُونُ خِطَابُ الشَّارِعِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَعَلَى كُلٍّ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ .
وَعَنْ
عَائِشَةَ مَرْفُوعًا : { كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ فَإِنَّ ابْنَ
آدَمَ إذَا أَكَلَهُ غَضِبَ الشَّيْطَانُ ، وَيَقُول : بَقِيَ ابْنُ آدَمَ
حَتَّى أَكَلَ الْحَدِيثَ بِالْعَتِيقِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ { : إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْزَنُ
بَدَلَ الْغَضَبِ } وَمَدَارُ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَبِي
زُكَيْرٍ يَحْيَى بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ ،
وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ ،
وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ ، وَالْمُرَاد :
كُلُوا هَذَا مَعَ هَذَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ بَعْضُ
أَطِبَّاءِ : الْإِسْلَامِ أَمَرَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَلَحَ بَارِدٌ
يَابِسٌ وَالتَّمْرَ حَارٌّ رَطْبٌ فَفِي كُلٍّ مِنْهَا إصْلَاحٌ
لِلْآخَرِ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ مَعَ التَّمْرِ ؛ لِأَنَّ
كُلًّا مِنْهُمَا حَارٌّ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : أَوَّلُ التَّمْرِ
طَلْعٌ ثُمَّ خِلَالٌ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ
تَمْرٌ الْوَاحِدَة بَلَحَةٌ وَبُسْرَةٌ ، وَقَدْ أَبْلَحَ النَّخْلُ
وَأَبْسَرَ أَيْ : صَارَ مَا عَلَيْهِ بَلَحًا وَبُسْرًا قَالَ
الْأَطِبَّاءُ : الْبَلَحُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ يُغْزِرُ
الْبَوْلَ ، وَشَرَابُهُ يَعْقِلُ الطَّبْعَ خَاصَّةً مَعَ شَرَابٍ
قَابِضٍ وَيَمْنَعُ النَّزْفَ وَالسَّيَلَانَ وَالْبَوَاسِيرَ وَيَدْبُغُ
الْفَمَ وَاللِّثَةَ وَالْمَعِدَةَ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ أَكْلِهِ
يُوقِعُ فِي النَّافِضِ وَالْقُشَعْرِيرَةُ وَيَنْفُخُ خَاصَّةً إذَا
شُرِبَ الْمَاءُ عَلَى أَثَرِهِ ، وَتُدْفَعُ مَضَرَّتُهُ بِالتَّمْرِ
أَوْ الْعَسَلِ ، وَيَضُرُّ بِالصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَيُصْلِحُهُ
الْبَنَفْسَجُ الْمُرَبَّى بَعْدَهُ وَهُوَ بَطِيءٌ فِي الْمَعِدَةِ
يَسِيرُ التَّغْذِيَةِ قَالُوا : وَالْبُسْرُ حَارٌّ فِي الْأُولَى
يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ : بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ،
وَالْحُلْوُ مِنْهُ يَمِيلُ إلَى الْحَرَارَةِ وَفِيهِ قَبْضٌ وَكَذَلِكَ
طَبِيخُهُ يَحْبِسُ الطَّبْعَ وَيُسْكِنُ اللَّهْثَ مَعَ حِفْظِ
الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ .
وَالْأَخْضَرُ مِنْهُ أَشَدُّ حَبْسًا لِلطَّبْعِ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَنْفَعُ اللِّثَةَ وَالْفَمَ .
قَالَهُ
بَعْضُهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مُضِرٌّ بِالْفَمِ وَالْأَسْنَانِ عَسِرُ
الْهَضْمِ وَيُوَلِّدُ رِيحًا وَسَدَادًا وَيُصْلِحُهُ السَّكَنْجَبِينُ
السَّاذَجُ وَمِنْ ذَلِكَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَشْرَبُ
نَقِيعَ التَّمْرِ إذَا أَصْبَحَ وَيَوْمَهُ ذَلِكَ وَعِشَاءً } ،
وَدَعَاهُ أَبُو أَسِيدٍ السَّاعِدِيُّ فِي عُرْسِهِ وَامْرَأَتُهُ
وَهِيَ
الْعَرُوسُ خَادِمُهُمْ ، وَكَانَتْ أَنْقَعَتْ لَهُمْ تَمَرَاتٍ فِي
تَوْرٍ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ وَإِيَّاهُ ، وَفِي لَفْظٍ فَلَمَّا
فَرَغَ مِنْ الطَّعَام أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ تَخُصُّهُ بِذَلِكَ .
وَذَلِكَ
فِي الصَّحِيحَيْنِ : { إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ
فَامْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ
شِفَاءً } وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { فَإِنَّهُ
يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ } " اُمْقُلُوهُ " اغْمِسُوهُ
لِيَخْرُجَ الشِّفَاءُ كَمَا خَرَجَ الدَّاءُ ، يُقَال لِلرَّجُلَيْنِ :
هُمَا يَتَمَاقَلَانِ إذَا تَغَاطَى فِي الْمَاءِ ، وَفِي الذُّبَابِ
قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ وَالْحَكَّةُ
الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ وَهِيَ كَالسِّلَاحِ فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا
يُؤْذِيه أَلْقَاهُ بِسِلَاحِهِ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
الْأَطِبَّاءِ أَنَّ لَسْعَ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إذَا دُلِّكَ
مَوْضِعُهُ بِالذُّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيِّنًا ، وَسَكَّنَهُ
لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّفَاءِ ، وَإِذَا دُلِّكَ بِهِ الْوَرَمُ الَّذِي
يَخْرُجُ فِي شَعْرِ الْعَيْنِ الْمُسَمَّى شُعَيْرَةٌ بَعْدَ قَطْعِ
رَأْسِ الذُّبَابِ أَبْرَأَهُ .
وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَطِبَّاءُ :
يُكْرَهُ الْجَمْعُ فِي الْمَعِدَةِ بَيْنَ حَارَّيْنِ أَوْ بَارِدَيْنِ
أَوْ لَزِجَيْنِ أَوْ مُسْتَحِيلَيْنِ إلَى خَلْطٍ وَاحِدٍ أَوْ
مِنْفَخَيْنِ أَوْ قَابِضَيْنِ أَوْ مُسَهِّلَيْنِ أَوْ غَلِيظَيْنِ أَوْ
مُرْخِيَيْنِ ، أَوْ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ كَقَابِضٍ وَمُسَهِّلٍ
وَسَرِيعِ الْهَضْمِ وَبَطِيئِهِ ، وَشِوَاءٍ وَطَبِيخٍ ، وَبَيْنَ لَحْمٍ
وَسَمَكٍ ، وَبَيْنَ لَحْمٍ طَرِيٍّ وَقَدِيدٍ ، وَبَيْنَ الْحَامِضِ
وَاللَّبَنِ ، قَالُوا : وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيْضِ وَالسَّمَكِ
يُوَلِّدُ الْبَوَاسِيرَ وَالْقُولَنْجَ وَالْفَالِجَ وَاللَّقْوَةَ
وَوَجَعَ الضِّرْسِ ، وَالْجَمْعُ بَيْن السَّمَكِ وَاللَّبَنِ يُوَلِّدُ
الْبَرَصَ وَالْبَهَقَ وَالْجُذَامَ وَالنِّقْرِسَ ، وَاللَّبَنُ
وَالنَّبِيذُ يُوَلِّدُ الْبَرَصَ وَالنِّقْرِسَ ، وَالْبَصَلُ النَّيْءُ
وَالسَّمَكُ يُوَلِّدَانِ السَّوَادَ فِي الْوَجْهِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ
الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَأَكْلِ الْمُلُوحَةِ زَادَ بَعْضُهُمْ بَعْد
الْحَمَّامِ يُوَلِّدُ الْجَرَبَ وَالْبَهَقَ .
وَالنُّزُولُ فِي
الْمَاءِ الْبَارِد عَقِيبَ أَكْلِ السَّمَكِ رُبَّمَا وَلَّدَ الْفَالِجَ
، وَشُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَقِيبَ الْجِمَاعِ رُبَّمَا أَوْرَثَ
الِاسْتِرْخَاءَ ، وَالْحَامِضُ بَعْدَ الْجِمَاعِ رَدِيءٌ وَالنَّوْمُ
بَعْدَ أَكْلِ السَّمَكِ عَقِيبَ غَيْظٍ أَوْ جِمَاعٍ رُبَّمَا وَلَّدَ
اللَّقْوَةَ ، وَكَذَا لَبَنُ الْحَلِيبِ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ بَعْدَهُ
، وَالْإِكْثَارُ مِنْ الْبَيْضِ الْمَسْلُوقِ يُوَلِّدُ الطِّحَالَ
وَكَذَلِكَ الْكَبُّودَ ، قَالُوا وَيُكْرَهُ الْخَلُّ بَعْدَ الْأَرُزِّ
، وَالرُّمَّانُ بَعْدَ الْهَرِيسِ ، وَالْمَاءُ الْحَارُّ بَعْدَ
الْأَغْذِيَةِ الْمَالِحَةِ ، وَالْمَاءُ الْبَارِدُ عَقِيبَ الْفَاكِهَةِ
، أَوْ الْحُلْوِ أَوْ الطَّعَامِ الْحَارِّ ، وَلَا يُشْرَبُ بَعْدَ
الْأَكْلِ إلَى أَنْ يَخِفَّ أَعَالِي الْبَطْنِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا
يَسْكُنُ بِهِ الْعَطَشُ ، وَلَا يُشْرَبُ الْمَاءُ الْبَارِدُ دَفْعَةً
وَاحِدَةً عَقِيبَ حَمَّامٍ وَلَا فِيهِ وَجِمَاعٍ وَشِوَاءٍ وَحَرَكَةٍ
ثَقِيلَةٍ يَتَجَرَّعُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا ، وَلَا يَشْرَبُ بِاللَّيْلِ
إذَا انْتَبَهَ إذَا كَانَ الْعَطَشُ كَاذِبًا ،
قَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ : مِثْلُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مَثَلُ الْعَيْنِ
وَدَوَاءُ الْعَيْنِ تَرْكُ مَسِّهَا ، وَفِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ { :
عِلَاجُ الرَّمَدِ تَقْطِيرُ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْعَيْنِ } وَهُوَ
لِلرَّمَدِ الْحَارِّ مِنْ أَعْظَمِ الدَّوَاءِ ، وَيَأْتِي خَبَرُ ابْنِ
مَسْعُودٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّمَدَ وَرَمُ الْمُلْتَحِمِ أَوْ
تَكَدُّرُهُ ، وَقَدْ يَكْفِي فِي نَوْعِ التَّكَدُّرِ تَقْطِيرُ لَبَنِ
النِّسَاءِ ، وَبَيَاضُ الْبَيْضِ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : وَيُدَبَّرُ فِي
كُلِّ أَنْوَاعِ الرَّمَدِ بِالتَّدْبِيرِ اللَّطِيفِ ؛ فَيُغَذَّى
الْمُزَوِّدَاتِ وَيُسْقَى شَرَابَ اللُّوفَرِ مَعَ السَّكَنْجَبِينِ .
وَيُمْنَعُ
مِنْ الْحَوَامِضِ الصِّرْفَةِ وَالْقَابِضَةِ وَالْمَالِحَةِ وَعَنْ
كُلِّ مَا يُرَطِّبُ وَمِنْ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ الْكَيْمُوسُ وَإِنْ
تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى الْفَاكِهَةِ فَمِنْ السَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى
.
وَيُمْنَعُ مِنْ أَكْلِ الْحَلْوَى وَيُجْعَلُ فِي بَيْتٍ لَيْسَ
قَوِيَّ الضَّوْءِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ وَرَقُ الْخِلَافِ ، وَالْآسُ
الرَّطْبُ رَائِحَتُهُ تُقَوِّي الدِّمَاغَ وَيَأْتِي مَا يُسَكِّنُ
الْوَجَعَ فِي عِلَاجِ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ ، قَالَ وَالتَّمْرُ حَارٌّ
قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : رَطْبٌ غَلِيظٌ كَثِيرُ الْإِغْذَاءِ يُورِثُ
إدْمَانُهُ غِلَظًا فِي الْأَحْشَاءِ وَيُورِثُ السَّدَدَ وَيُفْسِدُ
الْأَسْنَانَ وَيَزِيدُ فِي الدَّمِ وَالْمَنِيِّ لَا سِيَّمَا مَعَ حَبِّ
الصَّنَوْبَرِ ، وَيُصَدِّعُ وَيُصْلِحُهُ اللَّوْزُ وَالْخَشْخَاشُ
وَبَعْدَهُ سَكَنْجَبِينُ سَاذَجٌ وَهُوَ مُقَوٍّ لِلْكَبِدِ وَيُبْرِئُ
لِلطَّبْعِ مُلَيِّنٌ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ ، وَأَكْلُهُ عَلَى
الرِّيقِ يُضْعِفُ الدُّودَ وَيَقْتُلُهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى لِمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ .
وَبَاقِي أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدٍ .
وَفِي
الرَّمَدِ مَنَافِعُ كَالْحِمْيَةِ وَالِاسْتِفْرَاغِ وَزَوَالِ
الْفَضْلَةِ وَالْعُفُونَةِ وَالْكَفِّ عَمَّا يُؤْذِي النَّفْسَ
وَالْبَدَنَ كَحَرَكَةٍ عَنِيفَةٍ وَغَضَبٍ وَهَمٍّ وَحُزْنٍ .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا تَكْرَهُوا الرَّمَدَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عِرْقَ الْعَمَى .
فَصْلٌ ( فِي الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بِاعْتِدَالِهَا ) .
اعْلَمْ أَنَّ قِوَامَ الْبَدَنِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ ، وَقِوَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى .
فَالْحَرَارَةُ
تَحْفَظُ الرُّطُوبَةَ وَتَمْنَعُهَا مِنْ الْفَسَادِ وَالِاسْتِحَالَةِ
وَتَدْفَعُ فَضَلَاتِهَا وَتُلَطِّفُهَا وَإِلَّا أَفْسَدَتْ الْبَدَنَ ،
وَالرُّطُوبَةُ تَغْذُو الْحَرَارَةَ وَإِلَّا أَحْرَقَتْ الْبَدَنَ
وَأَيْبَسَتْهُ ، وَيَنْحَرِفُ مِزَاجُ الْبَدَنِ بِحَسَبِ زِيَادَةِ
أَحَدِهِمَا .
وَلَمَّا كَانَتْ الْحَرَارَةُ تُحَلِّلُ الرُّطُوبَةَ
احْتَاجَ الْبَدَنُ إلَى مَا يُخْلِفُ عَلَيْهِ مَا حَلَّلَتْهُ
الْحَرَارَةُ ضَرُورَةَ بَقَائِهِ ، وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ
فَمَتَى زَادَ عَلَى مِقْدَارِ التَّحَلُّلِ ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ عَنْ
تَحْلِيلِ فَضَلَاتِهِ فَاسْتَحَالَتْ مَوَادَّ رَدِيئَةً فَتَنَوَّعَتْ
الْأَمْرَاضُ لِتَنَوُّعِ مَوَادِّهَا وَقَبُولِ الْأَعْضَاءِ
وَاسْتِعْدَادِهَا ؛ فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلَا تُسْرِفُوا } .
فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِإِدْخَالِ مَا يُقِيمُ
الْبَدَنَ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَابِ عِوَضَ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ
بِقَدْرِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَدَنُ ، فَمَتَى جَاوَزَهُ أَسْرَفَ ،
فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْغِذَاءِ وَالْإِسْرَافِ فِيهِ مَانِعٌ
مِنْ الصِّحَّةِ جَالِبٌ لِلْمَرَضِ ؛ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ
الطِّبُّ حِفْظُ الصِّحَّةِ فِي بَعْضِ آيَةٍ ، فَالْبَدَنُ فِي
التَّحَلُّلِ وَالِاسْتِخْلَافِ دَائِمًا ، فَكُلَّمَا كَثُرَ
التَّحَلُّلُ ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ لِفَنَاءِ الرُّطُوبَةِ وَهِيَ
مَادَّةُ الْحَرَارَةِ ، وَإِذَا ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ ضَعُفَ الْهَضْمُ
وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تَفْنَى الرُّطُوبَةُ وَتَنْطَفِئَ
الْحَرَارَةُ جُمْلَةً فَيَمُوتُ ، فَغَايَةُ الطَّبِيبِ أَنْ يَحْمِيَ
الرُّطُوبَةَ عَمَّا يُفْسِدُهَا مِنْ الْعُفُونَةِ وَغَيْرِهَا ،
وَالْحَرَارَةَ عَمَّا يُضْعِفُهَا وَيَعْدِلُ بَيْنَهَا بِالْعَدْلِ فِي
التَّدْبِيرِ الَّذِي قَامَ بِهِ الْبَدَنُ فَالْمَخْلُوقَاتُ قِوَامُهَا
بِالْعَدْلِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ عَنْ النَّبِيِّ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِمَا
كَحَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : { نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ
: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثِ سَلَمَةَ
بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مُحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ { : مَنْ
أَصْبَحَ مُعَافًى فِي جِسْمِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ
يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا .
} سَلَمَةُ فِيهِ جَهَالَةٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَحَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نَصِحَّ جِسْمَكَ
وَنَرْوِكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ غَرِيبٌ .
{ وَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
عَائِشَةَ إنْ عَلِمَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ
إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي } صَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { لَا
يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، قَالُوا : فَمَاذَا
نَقُولُ ؟ قَالَ : سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ } حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِأَبِي دَاوُد هَذَا
الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرٍو .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا : { مَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ
إلَيْهِ مِنْ الْعَافِيَةِ } وَلِابْنِ مَاجَهْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَعَنْ أَنَسٍ { : أَنَّ رَجُلًا قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : سَلْ رَبَّك
الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعَادَهُ .
ثُمَّ
سَأَلَهُ فَأَعَادَهُ وَزَادَ : فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَفْوَ
وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ } .
مُخْتَصَرٌ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، { وَسَأَلَهُ
الْعَبَّاسُ : عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ : سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ .
قَالَ : فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ سَأَلَهُ .
فَقَالَ
: يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا .
{
سَلُوا اللَّهَ الْيَقِينَ وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ
الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْمُعَافَاةِ } وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ { سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ
وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ يَقِينٍ خَيْرًا مِنْ
مُعَافَاةٍ } فَالشَّرُّ الْمَاضِي يَزُولُ بِالْعَفْوِ وَالْحَاضِرُ
بِالْعَافِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ بِالْمُعَافَاةِ لِتَضَمُّنِهَا دَوَامَ
الْعَافِيَةِ مِنْ أَجْلِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ ؛ فَيَتَعَيَّنُ
مُرَاعَاتُهَا وَحِفْظُهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَكْمَلُ الطُّرُقِ
وَحَالُهُ أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ .
فَصْلٌ ( فِي الْعِلَاجِ وَحِفْظِ الصِّحَّةِ بِدَفْعِ كُلِّ شَيْءٍ بِضِدِّهِ ) .
وَاعْلَمْ
أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِلَاجِ وَفِي حِفْظِ الصِّحَّةِ وَقُوَّةِ
الْبَدَنِ دَفْعُ ضَرَرِ شَيْءٍ بِمُقَابِلِهِ كَالْبَارِدِ بِالْحَارِّ
وَالرَّطْبِ بِالْيَابِسِ وَبِالضِّدِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ
التَّعْدِيلِ وَدَفْعِ ضَرَرِ كُلِّ كَيْفِيَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا
يُقَابِلُهَا وَمِنْ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { : رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الرُّطَبَ
بِالْقِثَّاءِ } .
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ
تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ حَتَّى
أَطْعَمَتْنِي الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ فَسَمِنْت عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ
السِّمَنِ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَالرُّطَبُ
حَارٌّ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ الْبَارِدَةَ
وَيُوَافِقُهَا وَيَزِيدُ فِي الْبَاءَةِ وَيَغْذُو وَهُوَ مُعَطِّشٌ ،
مُكَدِّرٌ لِلدَّمِ ، مُصَدِّعٌ ، مُوَلِّدٌ لِلسَّدَدِ ، وَوَجَعُ
الْمَثَانَةِ يَضُرُّ بِالْأَسْنَانِ ، سَرِيعُ التَّعَفُّنِ ، قَالَ
بَعْضُهُمْ : هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ ، وَالْقِثَّاءُ بَارِدٌ
رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ يُسَكِّنُ الْحَرَارَةَ
وَالصَّفْرَاءَ وَالْعَطَشَ ، يُقَوِّي الْمَعِدَةَ فَيُدْفَعُ ضَرَرُهُ
بِتَمْرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَيْمُوسُهُ رَدِيءٌ مُسْتَعِدٌّ
لِلْعُفُونَةِ ، وَيُهَيِّجُ حُمَّيَاتٍ صَعْبَةً لِذَهَابِهِ فِي
الْعُرُوقِ ، وَهُوَ مُنْعِشٌ لِلْقُوَى مُدِرٌّ لِلْبَوْلِ مُوَافِقٌ
لِلْمَثَانَةِ .
وَفِي مَعْنَى هَذَا عَنْ عَائِشَةَ : قَالَتْ { :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ
الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ ، يَقُولُ يَدْفَعُ حَرَّ هَذَا بَرْدُ هَذَا }
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ
غَرِيبٌ .
وَالْمُرَادُ بِالْبِطِّيخِ فِي هَذَا الْبِطِّيخُ
الْأَخْضَرُ ، وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ نَافِعٌ
لِلْأَمْرَاضِ الْحَادَّةِ وَالْحُمَّيَاتِ الْمُحْرِقَةِ
وَالْأَمْزِجَةِ الْمُلْتَهِبَةِ وَيُسَكِّنُ الْعَطَشَ مَعَ السَّكَنْجَبِينَ .
وَيُدِرُّ
الْبَوْلَ وَيَغْسِلُ الْمَثَانَةَ ، وَمَاؤُهُ مَعَ السُّكَّرِ أَبْلَغُ
فِي التَّبْرِيدِ وَهُوَ يُسِيءُ الْهَضْمَ وَيَضُرُّ بِالْمَشَايِخِ
وَالْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَيَفْجُجُ الْأَخْلَاطَ ، وَيَصْلُحُ
السُّكَّرُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهُ مَعَهُ أَوْ عَقِبَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ
: يُؤْكَلُ قَبْلَ الطَّعَامِ .
وَيُتْبَعُ بِهِ وَإِلَّا غَثِيَ
وَقَيَأَ ، قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : هُوَ قَبْلَ الطَّعَامِ يَغْسِلُ
الْبَطْنَ غَسْلًا ، وَيَذْهَبُ بِالدَّاءِ أَصْلًا .
وَفِي
الْبِطِّيخِ أَحَادِيثُ لَا تَصِحُّ وَأَكْثَرُهَا أَوْ كُلُّهَا
مَوْضُوعَةٌ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ أَوْ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ لَا
يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُهُ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا
يَصِحُّ عَنْ أَحْمَدَ ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُهُ .
وَأَمَّا
الْبِطِّيخُ الْأَصْفَرُ فَبَارِدٌ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ رَطْبٌ فِي
آخِرِهَا ، قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ .
وَقَالَ
بَعْضُهُمْ : إنَّهُ حَارٌّ وَهُوَ مُبَرِّدٌ يُدِرُّ وَيَقْطَعُ
وَيَجْلُو وَيَنْفَعُ مِنْ حِصِيِّ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ الصِّغَارِ ،
وَيُرْخِي الْأَحْشَاءَ ، وَرُبَّمَا عَرَضَتْ مِنْهُ الْهَيْضَةُ
وَيُثَوِّرُ الْمِرَّةَ الصَّفْرَاءَ ، وَأَيُّ خَلْطٍ صَادَفَهُ فِي
الْمَعِدَةِ اسْتَحَالَ إلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَهُ
السَّكَنْجَبِينُ وَنَحْوُهُ كَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَأَنْ يُؤْكَلَ
بَيْنَ طَعَامَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ : أَوْ يُخْلَطُ بِالطَّعَامِ
وَإِذَا فَسَدَ صَارَ كَالسُّمِّ فَلَا يُتْرَكُ وَيُتَّقَى ،
وَلْيَحْذَرْ الْبِطِّيخَ مَنْ كَانَتْ بِهِ حُمَّى وَهُوَ يُصَفِّي
ظَاهِرَ الْبَدَنِ يَقْلَعُ الْبَهَقَ وَالْكَلَفَ وَالْوَسَخَ خُصُوصًا
إنْ دُقَّ بِزْرُهُ وَنُخِلَ وَاسْتُعْمِلَ غَسُولًا .
وَقِشْرُهُ
يُلْزَقُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَيَمْنَعُ النَّوَازِلَ إلَى الْعَيْنِ
وَدِرْهَمَانِ مِنْ أَصْلِهِ يُحَرِّكُ الْقَيْءَ بِلَا عُنْفٍ ، قَالَ
بَعْضُهُمْ : وَإِذَا كَانَ الْبِطِّيخُ فِي بَيْتٍ
لَا يَخْتَمِرُ
فِيهِ الْعَجِينُ أَصْلًا وَبَذْرُ الْبِطِّيخِ حَارٌّ رَطْبٌ فِي
الثَّانِيَة يُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ وَيُكْثِرُ
الْجِمَاعَ وَيُقَوِّي عَلَيْهِ ، وَقِشْرُ الْبِطِّيخِ إذَا يَبِسَ كَانَ
صَالِحًا لِجَلَاءِ الْآنِيَةِ مِنْ الزُّهُومَةِ قَالَ أَبُقْرَاطُ :
قِشْرُهُ إذَا جُفِّفَ وَرُمِيَ مَعَ اللَّحْمِ أَنْضَجَهُ بِخَاصَّتِهِ .
وَلِأَحْمَدَ
وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ { :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفْطِرُ عَلَى
رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٍ
فَتَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٍ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ } .
وَرَوَاهُ
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ
مَرْفُوعًا : { إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ }
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّوْمَ يُخْلِي الْمَعِدَةَ مِنْ الْغِذَاءِ
فَتَضْعُفُ الْكَبِدُ وَالْقُوَى ، وَالْحُلْوُ تَجْذِبُهُ الْقُوَى
وَتُحِبُّهُ فَتَقْوَى بِهِ سَرِيعًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ
يُطْفِئُ حَرَارَةَ الصَّوْمِ وَلَهَبَ الْمَعِدَةِ فَتَأْخُذُ الْغِذَاءَ
بِشَهْوَةٍ ، ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا
الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ غَيْرَ
التَّمْرِ مِنْ الْحُلْوِ كَالتَّمْرِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُقَدَّمُ
عَلَيْهِ الْمَاءُ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ،
وَيَتَوَجَّهُ بِمِثْلِهِ احْتِمَالٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى
الْمَذْكُورِ ، وَيَكُونُ خِطَابُ الشَّارِعِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَعَلَى كُلٍّ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ .
وَعَنْ
عَائِشَةَ مَرْفُوعًا : { كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ فَإِنَّ ابْنَ
آدَمَ إذَا أَكَلَهُ غَضِبَ الشَّيْطَانُ ، وَيَقُول : بَقِيَ ابْنُ آدَمَ
حَتَّى أَكَلَ الْحَدِيثَ بِالْعَتِيقِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ { : إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْزَنُ
بَدَلَ الْغَضَبِ } وَمَدَارُ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَبِي
زُكَيْرٍ يَحْيَى بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ ،
وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ ،
وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ ، وَالْمُرَاد :
كُلُوا هَذَا مَعَ هَذَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ بَعْضُ
أَطِبَّاءِ : الْإِسْلَامِ أَمَرَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَلَحَ بَارِدٌ
يَابِسٌ وَالتَّمْرَ حَارٌّ رَطْبٌ فَفِي كُلٍّ مِنْهَا إصْلَاحٌ
لِلْآخَرِ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ مَعَ التَّمْرِ ؛ لِأَنَّ
كُلًّا مِنْهُمَا حَارٌّ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : أَوَّلُ التَّمْرِ
طَلْعٌ ثُمَّ خِلَالٌ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ
تَمْرٌ الْوَاحِدَة بَلَحَةٌ وَبُسْرَةٌ ، وَقَدْ أَبْلَحَ النَّخْلُ
وَأَبْسَرَ أَيْ : صَارَ مَا عَلَيْهِ بَلَحًا وَبُسْرًا قَالَ
الْأَطِبَّاءُ : الْبَلَحُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ يُغْزِرُ
الْبَوْلَ ، وَشَرَابُهُ يَعْقِلُ الطَّبْعَ خَاصَّةً مَعَ شَرَابٍ
قَابِضٍ وَيَمْنَعُ النَّزْفَ وَالسَّيَلَانَ وَالْبَوَاسِيرَ وَيَدْبُغُ
الْفَمَ وَاللِّثَةَ وَالْمَعِدَةَ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ أَكْلِهِ
يُوقِعُ فِي النَّافِضِ وَالْقُشَعْرِيرَةُ وَيَنْفُخُ خَاصَّةً إذَا
شُرِبَ الْمَاءُ عَلَى أَثَرِهِ ، وَتُدْفَعُ مَضَرَّتُهُ بِالتَّمْرِ
أَوْ الْعَسَلِ ، وَيَضُرُّ بِالصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَيُصْلِحُهُ
الْبَنَفْسَجُ الْمُرَبَّى بَعْدَهُ وَهُوَ بَطِيءٌ فِي الْمَعِدَةِ
يَسِيرُ التَّغْذِيَةِ قَالُوا : وَالْبُسْرُ حَارٌّ فِي الْأُولَى
يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ : بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ،
وَالْحُلْوُ مِنْهُ يَمِيلُ إلَى الْحَرَارَةِ وَفِيهِ قَبْضٌ وَكَذَلِكَ
طَبِيخُهُ يَحْبِسُ الطَّبْعَ وَيُسْكِنُ اللَّهْثَ مَعَ حِفْظِ
الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ .
وَالْأَخْضَرُ مِنْهُ أَشَدُّ حَبْسًا لِلطَّبْعِ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَنْفَعُ اللِّثَةَ وَالْفَمَ .
قَالَهُ
بَعْضُهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مُضِرٌّ بِالْفَمِ وَالْأَسْنَانِ عَسِرُ
الْهَضْمِ وَيُوَلِّدُ رِيحًا وَسَدَادًا وَيُصْلِحُهُ السَّكَنْجَبِينُ
السَّاذَجُ وَمِنْ ذَلِكَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَشْرَبُ
نَقِيعَ التَّمْرِ إذَا أَصْبَحَ وَيَوْمَهُ ذَلِكَ وَعِشَاءً } ،
وَدَعَاهُ أَبُو أَسِيدٍ السَّاعِدِيُّ فِي عُرْسِهِ وَامْرَأَتُهُ
وَهِيَ
الْعَرُوسُ خَادِمُهُمْ ، وَكَانَتْ أَنْقَعَتْ لَهُمْ تَمَرَاتٍ فِي
تَوْرٍ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ وَإِيَّاهُ ، وَفِي لَفْظٍ فَلَمَّا
فَرَغَ مِنْ الطَّعَام أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ تَخُصُّهُ بِذَلِكَ .
وَذَلِكَ
فِي الصَّحِيحَيْنِ : { إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ
فَامْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ
شِفَاءً } وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { فَإِنَّهُ
يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ } " اُمْقُلُوهُ " اغْمِسُوهُ
لِيَخْرُجَ الشِّفَاءُ كَمَا خَرَجَ الدَّاءُ ، يُقَال لِلرَّجُلَيْنِ :
هُمَا يَتَمَاقَلَانِ إذَا تَغَاطَى فِي الْمَاءِ ، وَفِي الذُّبَابِ
قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ وَالْحَكَّةُ
الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ وَهِيَ كَالسِّلَاحِ فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا
يُؤْذِيه أَلْقَاهُ بِسِلَاحِهِ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
الْأَطِبَّاءِ أَنَّ لَسْعَ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إذَا دُلِّكَ
مَوْضِعُهُ بِالذُّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيِّنًا ، وَسَكَّنَهُ
لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّفَاءِ ، وَإِذَا دُلِّكَ بِهِ الْوَرَمُ الَّذِي
يَخْرُجُ فِي شَعْرِ الْعَيْنِ الْمُسَمَّى شُعَيْرَةٌ بَعْدَ قَطْعِ
رَأْسِ الذُّبَابِ أَبْرَأَهُ .
وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَطِبَّاءُ :
يُكْرَهُ الْجَمْعُ فِي الْمَعِدَةِ بَيْنَ حَارَّيْنِ أَوْ بَارِدَيْنِ
أَوْ لَزِجَيْنِ أَوْ مُسْتَحِيلَيْنِ إلَى خَلْطٍ وَاحِدٍ أَوْ
مِنْفَخَيْنِ أَوْ قَابِضَيْنِ أَوْ مُسَهِّلَيْنِ أَوْ غَلِيظَيْنِ أَوْ
مُرْخِيَيْنِ ، أَوْ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ كَقَابِضٍ وَمُسَهِّلٍ
وَسَرِيعِ الْهَضْمِ وَبَطِيئِهِ ، وَشِوَاءٍ وَطَبِيخٍ ، وَبَيْنَ لَحْمٍ
وَسَمَكٍ ، وَبَيْنَ لَحْمٍ طَرِيٍّ وَقَدِيدٍ ، وَبَيْنَ الْحَامِضِ
وَاللَّبَنِ ، قَالُوا : وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيْضِ وَالسَّمَكِ
يُوَلِّدُ الْبَوَاسِيرَ وَالْقُولَنْجَ وَالْفَالِجَ وَاللَّقْوَةَ
وَوَجَعَ الضِّرْسِ ، وَالْجَمْعُ بَيْن السَّمَكِ وَاللَّبَنِ يُوَلِّدُ
الْبَرَصَ وَالْبَهَقَ وَالْجُذَامَ وَالنِّقْرِسَ ، وَاللَّبَنُ
وَالنَّبِيذُ يُوَلِّدُ الْبَرَصَ وَالنِّقْرِسَ ، وَالْبَصَلُ النَّيْءُ
وَالسَّمَكُ يُوَلِّدَانِ السَّوَادَ فِي الْوَجْهِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ
الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَأَكْلِ الْمُلُوحَةِ زَادَ بَعْضُهُمْ بَعْد
الْحَمَّامِ يُوَلِّدُ الْجَرَبَ وَالْبَهَقَ .
وَالنُّزُولُ فِي
الْمَاءِ الْبَارِد عَقِيبَ أَكْلِ السَّمَكِ رُبَّمَا وَلَّدَ الْفَالِجَ
، وَشُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَقِيبَ الْجِمَاعِ رُبَّمَا أَوْرَثَ
الِاسْتِرْخَاءَ ، وَالْحَامِضُ بَعْدَ الْجِمَاعِ رَدِيءٌ وَالنَّوْمُ
بَعْدَ أَكْلِ السَّمَكِ عَقِيبَ غَيْظٍ أَوْ جِمَاعٍ رُبَّمَا وَلَّدَ
اللَّقْوَةَ ، وَكَذَا لَبَنُ الْحَلِيبِ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ بَعْدَهُ
، وَالْإِكْثَارُ مِنْ الْبَيْضِ الْمَسْلُوقِ يُوَلِّدُ الطِّحَالَ
وَكَذَلِكَ الْكَبُّودَ ، قَالُوا وَيُكْرَهُ الْخَلُّ بَعْدَ الْأَرُزِّ
، وَالرُّمَّانُ بَعْدَ الْهَرِيسِ ، وَالْمَاءُ الْحَارُّ بَعْدَ
الْأَغْذِيَةِ الْمَالِحَةِ ، وَالْمَاءُ الْبَارِدُ عَقِيبَ الْفَاكِهَةِ
، أَوْ الْحُلْوِ أَوْ الطَّعَامِ الْحَارِّ ، وَلَا يُشْرَبُ بَعْدَ
الْأَكْلِ إلَى أَنْ يَخِفَّ أَعَالِي الْبَطْنِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا
يَسْكُنُ بِهِ الْعَطَشُ ، وَلَا يُشْرَبُ الْمَاءُ الْبَارِدُ دَفْعَةً
وَاحِدَةً عَقِيبَ حَمَّامٍ وَلَا فِيهِ وَجِمَاعٍ وَشِوَاءٍ وَحَرَكَةٍ
ثَقِيلَةٍ يَتَجَرَّعُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا ، وَلَا يَشْرَبُ بِاللَّيْلِ
إذَا انْتَبَهَ إذَا كَانَ الْعَطَشُ كَاذِبًا ،
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فِي الصَّبْرِ نَحْوَ نِصْفِ الْكِتَابِ
قَبْلَ الْكَلَامِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَالزُّهْدِ وَسَبَقَ الْكَلَامُ
فِي الصَّوْمِ وَالْجُوعِ فِي ذِكْرِ الْحِمْيَةِ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُبَلِّغُ بِهِ النَّبِيُّ : صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ
رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إذَا نَامَ يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ
عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ
فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ
عُقْدَتَانِ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا
طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ }
قَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرَهُ ، وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشِّعْرِ .
وَهَذِهِ
الْعُقَدُ قِيلَ : حَقِيقَةٌ كَعُقَدِ السِّحْرِ ، وَقِيلَ : هُوَ قَوْلٌ
يَقُولُهُ ، وَقِيلَ : هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ ، وَقِيلَ : هُوَ مِنْ
عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ ، فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ
بِبَقَاءِ اللَّيْلِ ، وَقِيلَ : هُوَ مَجَازٌ كَنَّى بِهِ عَنْ تَثْبِيطِ
الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ :
وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ
وَالصَّلَاةِ وَإِلَّا دَخَلَ فِيمَنْ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ
كَسْلَانَ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ
: وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ إنْ لَمْ يَأْتِ
بِبَعْضِ ذَلِكَ ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
الَّذِي بَاتَ عِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مِنْ
اللَّيْلِ ، وَإِنَّمَا كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ إذَا اسْتَيْقَظَ
وَيُصَلِّي قَبْلَ نَوْمِهِ مَا قُدِّرَ لَهُ ، وَلِهَذَا كَانَتْ
التَّرَاوِيحُ قِيَامَ اللَّيْلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا خَلْقٌ ، فَلَا
يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَصْبَحَ
خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ الْقَوْلُ
بِظَاهِرِهِ فِيمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةٍ
وَاسْتِغْفَارٍ وَدُعَاءٍ حَتَّى تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ، أَوْ
اشْتَغَلَ بِرِبَاطٍ
أَوْ غَيْرِهِ مَعَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ
وَالصَّلَاةِ ، أَوْ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَقَدَّمْ
مِنْهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ فِيمَنْ
اسْتَيْقَظَ فَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ
فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا
التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ } فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُصْبِحَ خَبِيثَ
النَّفْسِ كَسْلَانَ .
فَإِنْ قِيلَ فَفِي مُسْلِمٍ أَوْ فِي
الصَّحِيحَيْنِ { : أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ
: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ ، أَوْ قَالَ : فِي
أُذُنَيْهِ } فَلَمْ يُعْذَرْ بِالنَّوْمِ ، قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي
رَجُلٍ خَاصٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ
الْعِشَاءِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ هُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ .
وَلَمْ
أَجِدْ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ حُجَّةً فِي صَلَاةِ
اللَّيْلِ ، فَيُقَالُ : لَا عُقُوبَةَ فِي هَذَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا
تَمَكَّنَ مِنْهُ فَثَبَّطَهُ عَنْ فِعْلِ الْمُبْرَزِينَ فِي
الْخَيْرَاتِ بِنَوْمِهِ ، وَأَمَّا هُنَا فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ
مُسْتَقْبَلَةٌ لِمَا سَبَقَ مِنْهُ .
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبَا
الدَّرْدَاءِ وَأَظُنُّ فِي مُسْلِمٍ وَأَبَا ذَرٍّ فِي النَّسَائِيّ
بِالْوَتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ ،
وَبِصَلَاةِ الضُّحَى بَدَلًا عَمَّا فَاتَهُمْ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ؛
وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِمَا سِوَاهُمْ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ ،
وَلَا يُظَنُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ
كَسْلَانَ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ
ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو
دَاوُد فِي بَابِ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَدَبِ ثَنَا
مُسَدَّدٌ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا مُسَعَّرُ بْنُ كَدَامٍ عَنْ
عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ : قَالَ
رَجُلٌ
قَالَ مُسَعَّرٌ : أَرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ
وَاسْتَرَحْتُ ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ : سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { يَا بِلَالُ
أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا } .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ
أَنْبَأَ إسْرَائِيلُ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَالِمِ
بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ
الْحَنَفِيَّةِ قَالَ : انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبِي إلَى صِهْرٍ لَنَا مِنْ
الْأَنْصَارِ نَعُودُهُ ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَالَ لِبَعْضِ
أَهْلِهِ : يَا جَارِيَةُ ائْتُونِي بِوَضُوءٍ لَعَلِّي أُصَلِّي
فَأَسْتَرِيحَ فَقَالَ : فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ فَقَالَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { يَا بِلَالُ
أَقِمْ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ } إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ ، وَاحْتَجَّ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ : وَلَمْ
يَقُلْ أَرِحْنَا مِنْهَا .
فَصْلٌ ( فِي الْأَكْحَالِ وَفَضِيلَةِ الْإِثْمِدِ مِنْهَا ) .
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
قَالَ : خَيْرُ أَكْحَالِكُمْ الْإِثْمِدُ ، إنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ
وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلَفْظُهُمْ مِنْ خَيْرِ .
وَابْنُ
خُثَيْمَ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ : ضَعِيفٌ لَيَّنُوهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ .
وَعَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فِي
عَيْنٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَفِيهِ { كَانَتْ لَهُ
مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةً فِي هَذِهِ
وَثَلَاثَةً فِي هَذِهِ } ، وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ رِوَايَةِ عَبَّادِ
بْنِ مَنْصُورِ النَّاجِي وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقِيلَ رَوَاهُ عَنْ
إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى ، وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي
الْيُمْنَى ثَلَاثًا يَبْتَدِئُ بِهَا وَيَخْتِمُ بِهَا وَفِي الْيُسْرَى
ثِنْتَيْنِ .
وَرَوَى وَكِيعٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
أَنَسٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَفِي الْيُسْرَى
مَرَّتَيْنِ } .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ
مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ
عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ : لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ } رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ وَسُئِلَ أَحْمَدُ الْإِمَامُ عَنْهُ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ
مُنْكَرٌ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ .
وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَأَبُوهُ تَفَرَّدَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْمُرَوَّحُ الْمُطَيَّبُ بِالْمِسْكِ
قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ .
وَفِي الْكُحْلِ حِفْظُ صِحَّةِ الْعَيْنِ ، وَتَقْوِيَةٌ
لِلنُّورِ الْبَاصِرِ وَجَلَاؤُهَا وَتَلْطِيفٌ لِلْمَادَّةِ الرَّدِيئَةِ وَاسْتِخْرَاجٌ لَهَا .
وَعِنْدَ النَّوْمِ أَفْضَلُ لِعَدَمِ الْحَرَكَةِ الْمُضِرَّةِ وَخِدْمَةِ الطَّبِيعَةِ وَفِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ زِينَةٌ .
وَالْإِثْمِدُ
هُوَ حَجَرُ الْكُحْلِ الْأَسْوَدِ وَأَفْضَلُهُ مَا يَأْتِي مِنْ
أَصْفَهَانَ وَيَأْتِي مِنْ الْغَرْبِ أَيْضًا ، وَأَجْوَدُهُ سَرِيعُ
التَّفَتُّتِ لِفُتَاتِهِ بَصِيصٌ وَدَاخِلُهُ أَمْلَسُ وَلَا وَسَخَ
فِيهِ وَهُوَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَيَنْفَعُ الْعَيْنَ وَيُقَوِّيهَا
وَيَشُدُّ أَعْصَابَهَا وَيَحْفَظُ صِحَّتَهَا وَيُذْهِبُ اللَّحْمَ
الزَّائِدَ فِي الْقُرُوحِ وَيَدْمُلُهَا ، وَيُنَقِّي أَوْسَاخَهَا
وَيَجْلُوهَا وَيُذْهِبُ الصُّدَاعَ إذَا اُكْتُحِلَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ
الْمَائِيِّ الرَّقِيقِ ، وَهُوَ أَجْوَدُ أَكْحَالِ الْعَيْنِ لَا
سِيَّمَا لِلْمَشَايِخِ وَمَنْ ضَعُفَ بَصَرُهُ إذَا جُعِلَ مَعَهُ شَيْءٌ
مِنْ الْمِسْكِ وَإِذَا دُقَّ وَخُلِطَ بِبَعْضِ الشُّحُومِ الطَّرِيَّةِ
وَلُطِخَ عَلَى حَرْقِ النَّارِ لَمْ يُعَوَّضْ فِيهِ خشكريشة وَنَفَعَ
مِنْ النَّقْطِ الْحَادِثِ بِسَبَبِهِ .
فَصْلٌ ( فِي الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَفَائِدَتِهَا فِي الصِّحَّةِ ) .
وَلِلرَّائِحَةِ
الطَّيِّبَةِ أَثَرٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا غِذَاءُ الرُّوحِ ،
وَالرُّوحُ مَطِيَّةُ الْقُوَى ، وَالْقُوَى تَزْدَادُ بِالطِّيبِ وَهُوَ
يَنْفَعُ الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ كَالدِّمَاغِ وَالْقَلْبِ وَيَسُرُّ
النَّفْسَ ، وَهُوَ أَصْدَقُ شَيْءٍ لِلرُّوحِ وَأَشَدُّهُ مُلَاءَمَةً ،
وَلِهَذَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ تَبَخَّرَ { بِالْأَلْوَةِ } بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا
، وَهِيَ الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ
مَعَهَا .
وَلِلنَّسَائِيِّ وَالْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَطَّيَّبُ
بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ ، } وَفِي الصَّحِيحِ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ
{ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ لِإِحْرَامِهِ وَلِحِلِّهِ مِنْهُ بِالْمِسْكِ } .
رَوَى
النَّسَائِيُّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى الْقُومِسِيُّ عَنْ عَفَّانَ
عَنْ سَلَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{ حُبِّبَ إلَى مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَتْ
قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ أَوْ
عَنْ غَيْرِهِ عَنْ سَلَامٍ .
وَسَلَامٌ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ : لَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : صَدُوقٌ .
وَقَالَ
الْعُقَيْلِيُّ : لَا يُتَابَعُ حَدِيثُهُ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
، قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِسَنَدٍ فِيهِ
لِينٌ أَيْضًا .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ
مُسْلِمٍ عَنْ سَيَّارِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَفِي مُسْلِمٍ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ
مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ طَيِّبُ
الرِّيحِ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ } .
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد
وَالنَّسَائِيِّ { : مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدُّهُ ؛
فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ } وَفِي
الْبُخَارِيِّ عَنْ
أَنَسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ } وَرَوَى هَؤُلَاءِ إلَّا
الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمِسْكِ : هُوَ أَطْيَبُ طِيبِكُمْ }
وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ
وَالسِّوَاكُ وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ طِيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ }
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ تُحِبُّ
الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ وَتَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ الْخَبِيثَةِ
كَمَا فِي قِصَّةِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْكُرَّاثِ ، وَالشَّيَاطِينُ
لَعَنَهُمْ اللَّهُ عَكْسُهُمْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ { إنَّ
هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ } أَيْ : بِالشَّيَاطِينِ .
وَفِي
مُسْنَدِ الْبَزَّارِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نَظِيفٌ يُحِبُّ
النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرِيمَ ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ ،
فَنَظِّفُوا أَفْنَاءَكُمْ وَسَاحَاتِكُمْ ، وَلَا تَشَبَّهُوا
بِالْيَهُودِ يَجْمَعُونَ الْأَكْبَاءَ فِي دُورِهِمْ } الْكِبَا بِكَسْرِ
الْكَافِ مَقْصُورٌ : الْكُنَاسَةُ ، وَالْجَمْعُ الْأَكْبَاءُ مِثْلُ :
مِعًى وَأَمْعَاءَ ، وَالْكُبَةُ مِثْلُهُ وَالْجَمْعُ كُبُونَ .
ذِكْرُ
أَنْوَاعِ مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ شَمًّا أَوْ بَخُورًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ
قَالَ الْأَطِبَّاءُ : أَظْفَارُ الطِّيبِ هِيَ أَظْفَارٌ تُشْبِهُ
الْأَظْفَارَ عَطِرَةُ الرَّائِحَةِ ، حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ،
مُلَطِّفٌ إذَا تَبَخَّرَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ ، وَدُخَانُهُ
يَنْفَعُ مَنْ بِهَا اخْتِنَاقُ الرَّحِمِ ، وَإِذَا شُرِبَ حَرَّكَ
الْبَطْنَ .
( بَانٌ ) حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : حَرَارَتُهُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : رَطْبٌ وَقِيلَ قِشْرُهُ قَابِضٌ .
وَهُوَ
يَجْلُو وَيَقْطَعُ وَيَقْلَع الثَّآلِيلَ وَالْكَلَفَ وَالْبَهَقَ
وَيَنْفَعُ الْأَوْرَامَ الصُّلْبَةَ مَعَ الْمَرْهَمِ وَيَنْفَعُ مِنْ
الْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَالْبُثُورِ ، وَيُسَخِّنُ الْعَصَبَ وَيَقْطَعُ
الرُّعَافَ بِقَبْضِهِ وَيَفْتَحُ سَدَدَ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ ،
وَيُلَيِّنُ صَلَابَتَهُمَا ضِمَادًا مَعَ دَقِيقِ الْكِرْسِنَّةِ
وَيَنْفَعُ مِنْ السَّوْدَاءِ وَالْبَلْغَمِ قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ :
مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْهُ يُسَهِّلُ الْبَلْغَمَ وَهُوَ يُؤْذِي
الْمَعِدَةَ وَيُغْثِي وَيُصْلِحُهُ الرازيانج وَبَدَلُهُ وَزْنُهُ فُوهُ
، وَنِصْفُ وَزْنِهِ قُشُورُ السَّلِيخَةِ وَعُشْرُ وَزْنِهِ بَسْبَاسَةٌ .
( الْبَنَفْسَجُ ) بَارِدٌ فِي الثَّانِيَةِ رَطْبٌ فِي الثَّالِثَةِ يَجْلِبُ النَّوْمَ وَيُسَكِّنُ الصُّدَاعَ الْحَارَّ .
( رَيْحَانٌ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } [ الْوَاقِعَةَ ] .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ } .
وَسَبَقَ
الْحَدِيثُ عَنْهُ ، وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
: أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا ،
هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ،
وَقَصْرٌ مَشِيدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ ،
وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ ، وَمَقَامٌ فِي
أَبَدٍ فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ ، وَفَاكِهَةٍ وَخَضِرَةٍ وَحَبْرَةٍ
وَنِعْمَةٍ فِي مَحِلِّهِ ، عَالِيَةٌ بَهِيَّةٌ .
قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ
قَالَ : قُولُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَقَالَ
الْقَوْمُ : إنْ شَاءَ اللَّهُ } ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ
الضَّحَّاكِ الْمَعَافِرِيِّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ
مُهَاجِرٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
أَهْلُ الْمَغْرِبِ يَخُصُّونَ
الرَّيْحَانَ بِالْآسِ وَهُوَ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ
الرَّيْحَانِ ، وَهُوَ بَارِدٌ فِي الْأَوَّلِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ،
وَالْأَكْثَرُ فِيهِ الْجَوْهَرُ الْأَرَاضِي الْبَارِدُ وَفِيهِ مَعَ
هَذَا شَيْءٌ حَارٌّ لَطِيفٌ ، فَهُوَ لِذَلِكَ يُجَفِّفُ تَجْفِيفًا
قَوِيًّا ، قُوَّتُهُ قَابِضَةٌ حَابِسَةٌ مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ مَعًا ،
قَاطِعٌ لِلْإِسْهَالِ الصَّفْرَاوِيِّ ، وَهُوَ يُنَشِّفُ الرُّطُوبَاتِ
فِي الْمَعِدَةِ ، وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَالْقَلْبَ ، وَيُذْهِبُ
الْخَفَقَانَ وَيُوَلِّدُ السَّهَرَ ، إصْلَاحُهُ بِالْبَنَفْسَجِ
الطَّرِيِّ نَافِعٌ لِلْبُخَارِ الْحَارِّ الرَّطْبِ إذَا شُمَّ وَأُكِلَ
حَبُّهُ ، وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ جِدًّا وَشَمُّهُ نَافِعٌ لِلْوَبَاءِ ،
وَكَذَلِكَ افْتِرَاشُهُ فِي الْبَيْتِ ، وَيُبْرِئُ الْأَوْرَامَ
الْحَادِثَةَ فِي الْحَالِبَيْنِ إذَا وُضِعَ عَلَيْهَا ، وَإِذَا دُقَّ
وَرَقُهُ غَضًّا وَضُرِبَ بِالْخَلِّ وَوُضِعَ عَلَى الرَّأْسِ قَطَعَ
الرُّعَافَ ، وَإِذَا سُحِقَ وَرَقُهُ الْيَابِسُ وَذُرَّ عَلَى
الْقُرُوحِ ذَوَاتِ الرُّطُوبَةِ نَفَعَهَا ، وَتَقْوَى الْأَعْضَاءُ
الْوَاهِنَةُ إذَا ضُمِّدَ بِهِ ، وَيَنْفَعُ الدَّاحِسَ وَفِي الْآبَاطِ
وَالْأُرْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا الْمُتَغَيِّرِ الرَّائِحَةِ ، وَيَقْطَعُ
عَرَقَ مَنْ بِهِ خَفَقَانٌ وَيُقَوِّيهِ .
وَيُؤْكَلُ حَبُّهُ رَطْبًا
وَيَابِسًا لِنَفْثِ الدَّمِ ، وَطَبِيخُ ثَمَرِهِ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ ،
وَحَبُّهُ صَالِحٌ لِلسُّعَالِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَلَاوَةِ
الطَّبِيعِيَّةِ وَلَيْسَ بِضَارٍّ لِلصَّدْرِ وَلَا الرِّئَةِ .
قَاطِعٌ
لِلْعَطَشِ ذَاهِبٌ بِالْقَيْءِ وَلَيْسَ فِي الْأَشْرِبَةِ مَا يَعْقِلُ
وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الرِّئَةِ وَالسُّعَالِ غَيْرُ شَرَابِهِ ،
وَإِذَا جُلِسَ فِي طَبِيخِهِ نَفَعَ مِنْ خُرُوجِ الْمَقْعَدَةِ
وَالرَّحِمِ وَمِنْ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ ، وَإِذَا صُبَّ عَلَى
كَسُوَرِ الْعِظَامِ الَّتِي لَمْ تُلْحَمُ
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى