صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
النية بين الصدق والغفلة
قال اشدهم لها حبا
قلت فمن أبعد الناس من صدق النية
قال ازهدهم فيها وازهد الزاهدين فيها انساهم لها وانسى الناس لها اجهلهم
بها
وقال اول علامات الرياء رضا الرجل بجهالة صدق النية في اعماله واول علامات
صدق الرجل عنايته بمعرفة صدق النية واخلاص العمل
وقال النبي صلى الله عليه وسلم العمل بالنية
وقال اخوف ما اخاف عليكم الشهوة الخفية
فما بال العبد يتعلم كيف يعمل ويتحمل مؤنة العمل فيعمل بما قد علم ولا
يتعلم كيف ينوي فيتعلم من العلم ما يعمل به وما لا يعمل ولا يتعلم صدق
النية لا فيما يعمل به ولا فيما لا يعمل
يعيش ما عاش ويموت اذا مات ولم ينتبه لذلك والرسول صلى الله عليه وسلم ومن
بعده الائمة واهل العلم والمعرفة يحذرون من الرياء حتى ان بعضهم قال ادخل
البيت المظلم فأصلي فيه ركعتين لعلها تخلص لي وقال الثوري ما كنت اعتد
بعمل يراه الناس
قلت فمن احق الناس بصدق النية
ولو كتبنا في هذا الكتاب مثل هذا لاحتجنا الى دفاتر
فالذي قد عرف من الرياء ما جهله غيره وعني به واهتم له في ليله ونهاره
ولعل ما يخدع فيه ويغلب عليه اكثر من الذي يصير الى ما يريد منه فكيف
بالجاهل به المعرض عنه
علوم النجاة
جماع ما يجب من العلم
فأما الذي بينهم وبين الناس فالنصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم الدين
النصيحة فيما خفي من الاشياء وفيما ظهر وما قل وما كثر للقريب والبعيد
والعدو والصديق
والذي بينهم وبين الله تعالى باب النية وتصحيحها والارادة في الاعمال فيما
خفي وما ظهر وما قل وما كثر لقول النبي صلى الله عليه وسلم الاعمال بالنية
والباب الثاني معرفة الرجل نفسه
وثلاثة ابواب من العلم على الناس ان يعرفوا ما خفي منها وما ظهر بابان
فيما بينهم وبين الله تعالى وباب بينهم وبين الناسحقيقة النصح
فإن كانت هذه سيرته في خاصته وعلى هذا نيته في العامة رجوت انه في كل امر
جليل ونعمة عظيمة لا يعلم قدرها الا الله تعالى
وان خالفت سيرته في خاصته وعامته هذا الوصف فلا حظ له في النصح الخاص ولا
العام وكان ما يدعي انه يضمر وينوي في سريرته من نصح الخاصة والعامة
مردودا عليه غير مقبول منه
ولا نعرف في ابواب العلم حديثا اجمع في الاشياء كلها من هذا الحديث وهو
قوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة ولا اقرب ولا اقصد قصدا ولا احسن
في اعمال البر كلها حسنا ولا بطريق الصالحين اشد اتباعا من هذا الحديث ولا
احوط في الحق والعدل ولا ارضى عند الخاصة والعامة وهو ان تحب للناس ما تحب
لنفسك وتكره للناس ما تكرهه لها
والنصح اصله من اعمال القلوب وفروعه من اعمال الجوارح فربما اجري بالقلب
ولربما لم يجر الا باللسان وربما لم يجر الا بالقلب واللسان والجوارح
واما باب النصح فتكون نيته وسيرته ومذهبه في السر والعلانية ان امور الامة
كلها لو اجريت على ما في ضميره وسريرته لاحب انها رشدت امورها واطاعت ربها
وصار الى كل واحد منهم حظه من الحق والعدلآداب لا بد منها
واعلم ان الشر شهوة والخير كراهية والشهوة سابقة على الكراهية وغالبة
عليها حتى يجيء العلم والصدق فيزيلان الشهوة ويجعلان الكراهة مكانها فمن
لم يفقه ولم يفهم هذا حين يسمعه لم يحسن مراجعة سريرته ولا يجيء على
اصلاحها حتى يتعلمه ممن يحسنه ويحسن وصفه ولولا كثرة القول فيه لكتبناه
وقال نعم الصاحبان الهم والحزن بأمر الآخرة ونعم الشغل
وقال ان الشيء يغلب الشيء والشيء يشغل عن الشيء والشيء ينسي الشيء والشيء
يهيج الشيء والشيء يزيد الشيء والمحاسب نفسه قد عرف هذا وادناه التيقظ
واعلاه النسيان
المحاسبة وصاحب الهم والحزن والمحاسبة يجعل الساعة التي
ليس فيها هم ولا حزن ولا محاسبة ساعة بطالة واقل قليل الغفلة عنده كأكثر
الذنوب عند غيره
ومن علامة اليقين في العبد ادامة الحزن فيه
يا أخي ولو لم يحزن العبد الا لما يكون فيما يستقبل من الاعمال من الجفاء
والسهو والغفلة وقلة الصدق في فرضه ونافلته مثل الذي قد عمل ولما يجد فيها
من قلة الحياء والمراقبة لكان جديرا ان يحزن ويهتم
ولو لم يحزن ويهتم الا لانه لو جاء من الاعمال بمثل اعمال الملائكة والجن
والانس والعالمين كلهم لم يكن عنده علم في ذلك انه في المقبول او في
المردود ولا يدري ايقبل من ذلك كله مثقال ذرة او يرد عليه لكان ينبغي له
ان يحزن
ولو لم يحزن الا لانه لو قيل له اختر من عمرك أي ساعة شئت لم تعص الله
فيها لسبب من الاسباب لما كان يجد ذلك لقد كان ينبغي له ان يحزن
ولو لم يحزن الا لانه لو قيل له هل تعرف ساعة واحدة من عمرك اديت الى الله
سبحانه فيها جميع ما اوجبه عليك كما اوجبه لقال ما اعرفها لقد كان ينبغي
له ان يحزن
النفس واختبارها في المعرفة والسلوك
قلت كيف احاسب نفسي في معرفتها
ان مثل الناس في جملتهم وفي تفرقهم بعد المعرفة بهم والخبرة لهم وتفاوتهم
وتفاضلهم مثل سفط موضوع في طريق فيه قوارير مملوءة موكاة الرءوس يمر به
الناس لا يدرون ما فيه فعرض له من الناس عارض من المارة فقال لاكشفن عن
هذا السفط فلأنظرن ما فيه فكشف عنه فراى قوارير مملوءة لا يدري ما فيها
فحل اوكيتهن كلهن فبدا له من هذه رائحة المسك ومن هذه رائحة العنبر ومن
هذه رائحة البان ومن هذه رائحة الخلوف ومن هذه رائحة الغالية ومن هذه
رائحة الياسمين ومن هذه رائحة الورد وسائر الطيب والادهان
ومن هذه رائحة الكبريت ومن هذه رائحة النفط ومن هذه رائحة القطران وما لا
طاقة له بالقيام عندها من شدة نتن ريحها
فالناس في جملتهم مثل السفط والقوارير وهم في معرفتهم والبحث عن اخلاقهم
متفرقون على قدر القوارير
ومثل السفط ايضا في جملته مثلك انت وحدك والقوارير اخلاقك وآدابك وريحها
الطيب خير اخلاقك وآدابك الحسنة المرغوب فيها والرائحة المنتنة شر اخلاقك
وآدابك السيئة القبيحة
ولا تعرف النفس حتى تمتحن وتختبر
فاختبر نفسك حتى تعلم ما فيها وان اردت ذلك فعاملها بالموافقة لها
والمفاتشة لهمتها في وقت الهمة و أحد اليها النظر حتى تعرف حلمك في الوقت
الذي عرض لك فيه سفيه فسفه عليك ليس في الوقت الذي وافق هواك
قال ان الاشياء تعرف بالدلالات والعلامات والامثال وسأضرب لك في ذلك مثلا
يكون علما لما سألت عنه
واعرف صمتك عند الخوف من سقوط جاهك عند من لك عنده الجاه والقدر
واعرف صدقك عند الحالة التي يتصنع ويتزين في مثلها المتزينون والمتصنعون
واعرف نصحك عند حبك لنفسك ولصديقك وعدوك حتى تعلم هل تحب لغيرك ما تحب
لنفسك ام لا
واعرف صبرك عند ترك شهوة قد ملكها هل تستطيع تركها على ذلك ام لا
واعرف ورعك عند الحالة التي استمكنت منها هل تستطيع الوقوف عندها اذا
التبست عليك ام لا
واعرف تواضعك في وقت ما جفاك جاف واكرمك مكرم فإن فيهما الفتنة فإن العبد
ربما اظهر التواضع عند الكرامة ليزداد منها وربما تواضع عند الجفاء ليثبت
له بالتواضع عند ذلك منزلة بين الناس فتوقف عند ذلك كله وفاتش الهمة
واعرف امانتك عند هواك في الوقت الذي تهواه هل تضبط اداء امانتك في ذلك
الوقت ام لا
واعرف طمعك في وقت هيجان رغبتك هل تستطيع عند ذلك الاياس ام لا
فإن كنت في هذه الحالات والاوقات محمودا فما احسن خيرك واحمد الله واسأله
الزيادة من فضله وامض فإنك على سبيل الاستقامة وطريق المحبة و محجة
الايمان
وان كنت في هذه الحالات مذموما فأخلاقك وسيرتك اولى بك ان تصلحها فإن فيك
فسادا عظيما ولست على سبيل الاستقامة ولا على طريق المحبة ولا محجة
الايمان
فاتق الله وراجع مفاتشة نفسك واصلاح فسادها
قلت يجيء مني في بعض احوالي ما امقت نفسي عليه وتشتد عليه ندامتي
قال مقتك لها من معرفتك بها وندامتك عليها دواؤها فإذا نظرت الى عثرة غيرك
فاذكر عثرتك ومقتك لنفسك ولو ان مصلحة النفس ومنفعتها كانت فيما تهوى او
تشتهي لكان الناس كلهم صالحين ولكن جعل صلاحها فيما تكره وفسادها فيما تحب
وتشتهي
واعرف عقلك عند ترك ما لا نفع لك فيه في الدنيا ولا في الاخرة ولا ثواب لك
فيه عند الله تعالى هل تستطيع ترك ذلك ام لا
ومن محاسبتك لها ان تخلو بها وترد عليها فعالها فتقول يا نفس انك لا
تقدرين ان تخادعي الله ولا تغالبيه فلا تقبلي مخادعة الشيطان ولا مغالبته
ولا تبتغي هواك فيرديك ويهلكك
واني لست احملك على ما لا طاقة لك به ولا علم لك فيه واني اراك تحب لنفسك
ما تمقت عليه غيرك وتكره لنفسك ما تحب عليه غيرك
اما انها لا تكره الصلاح والخير ولكن تكره المكروه الذي به تنال الصلاح
والخير ولو امكنها درجة الابرار بأعمال الفجار لقبلتها فأما الشر فإنها
تحبه وتحب خصاله وطرائقه وكل شيء منه
قال اشدهم لها حبا
قلت فمن أبعد الناس من صدق النية
قال ازهدهم فيها وازهد الزاهدين فيها انساهم لها وانسى الناس لها اجهلهم
بها
وقال اول علامات الرياء رضا الرجل بجهالة صدق النية في اعماله واول علامات
صدق الرجل عنايته بمعرفة صدق النية واخلاص العمل
وقال النبي صلى الله عليه وسلم العمل بالنية
وقال اخوف ما اخاف عليكم الشهوة الخفية
فما بال العبد يتعلم كيف يعمل ويتحمل مؤنة العمل فيعمل بما قد علم ولا
يتعلم كيف ينوي فيتعلم من العلم ما يعمل به وما لا يعمل ولا يتعلم صدق
النية لا فيما يعمل به ولا فيما لا يعمل
يعيش ما عاش ويموت اذا مات ولم ينتبه لذلك والرسول صلى الله عليه وسلم ومن
بعده الائمة واهل العلم والمعرفة يحذرون من الرياء حتى ان بعضهم قال ادخل
البيت المظلم فأصلي فيه ركعتين لعلها تخلص لي وقال الثوري ما كنت اعتد
بعمل يراه الناس
قلت فمن احق الناس بصدق النية
ولو كتبنا في هذا الكتاب مثل هذا لاحتجنا الى دفاتر
فالذي قد عرف من الرياء ما جهله غيره وعني به واهتم له في ليله ونهاره
ولعل ما يخدع فيه ويغلب عليه اكثر من الذي يصير الى ما يريد منه فكيف
بالجاهل به المعرض عنه
علوم النجاة
جماع ما يجب من العلم
فأما الذي بينهم وبين الناس فالنصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم الدين
النصيحة فيما خفي من الاشياء وفيما ظهر وما قل وما كثر للقريب والبعيد
والعدو والصديق
والذي بينهم وبين الله تعالى باب النية وتصحيحها والارادة في الاعمال فيما
خفي وما ظهر وما قل وما كثر لقول النبي صلى الله عليه وسلم الاعمال بالنية
والباب الثاني معرفة الرجل نفسه
وثلاثة ابواب من العلم على الناس ان يعرفوا ما خفي منها وما ظهر بابان
فيما بينهم وبين الله تعالى وباب بينهم وبين الناس
فإن كانت هذه سيرته في خاصته وعلى هذا نيته في العامة رجوت انه في كل امر
جليل ونعمة عظيمة لا يعلم قدرها الا الله تعالى
وان خالفت سيرته في خاصته وعامته هذا الوصف فلا حظ له في النصح الخاص ولا
العام وكان ما يدعي انه يضمر وينوي في سريرته من نصح الخاصة والعامة
مردودا عليه غير مقبول منه
ولا نعرف في ابواب العلم حديثا اجمع في الاشياء كلها من هذا الحديث وهو
قوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة ولا اقرب ولا اقصد قصدا ولا احسن
في اعمال البر كلها حسنا ولا بطريق الصالحين اشد اتباعا من هذا الحديث ولا
احوط في الحق والعدل ولا ارضى عند الخاصة والعامة وهو ان تحب للناس ما تحب
لنفسك وتكره للناس ما تكرهه لها
والنصح اصله من اعمال القلوب وفروعه من اعمال الجوارح فربما اجري بالقلب
ولربما لم يجر الا باللسان وربما لم يجر الا بالقلب واللسان والجوارح
واما باب النصح فتكون نيته وسيرته ومذهبه في السر والعلانية ان امور الامة
كلها لو اجريت على ما في ضميره وسريرته لاحب انها رشدت امورها واطاعت ربها
وصار الى كل واحد منهم حظه من الحق والعدل
واعلم ان الشر شهوة والخير كراهية والشهوة سابقة على الكراهية وغالبة
عليها حتى يجيء العلم والصدق فيزيلان الشهوة ويجعلان الكراهة مكانها فمن
لم يفقه ولم يفهم هذا حين يسمعه لم يحسن مراجعة سريرته ولا يجيء على
اصلاحها حتى يتعلمه ممن يحسنه ويحسن وصفه ولولا كثرة القول فيه لكتبناه
وقال نعم الصاحبان الهم والحزن بأمر الآخرة ونعم الشغل
وقال ان الشيء يغلب الشيء والشيء يشغل عن الشيء والشيء ينسي الشيء والشيء
يهيج الشيء والشيء يزيد الشيء والمحاسب نفسه قد عرف هذا وادناه التيقظ
واعلاه النسيان
المحاسبة وصاحب الهم والحزن والمحاسبة يجعل الساعة التي
ليس فيها هم ولا حزن ولا محاسبة ساعة بطالة واقل قليل الغفلة عنده كأكثر
الذنوب عند غيره
ومن علامة اليقين في العبد ادامة الحزن فيه
يا أخي ولو لم يحزن العبد الا لما يكون فيما يستقبل من الاعمال من الجفاء
والسهو والغفلة وقلة الصدق في فرضه ونافلته مثل الذي قد عمل ولما يجد فيها
من قلة الحياء والمراقبة لكان جديرا ان يحزن ويهتم
ولو لم يحزن ويهتم الا لانه لو جاء من الاعمال بمثل اعمال الملائكة والجن
والانس والعالمين كلهم لم يكن عنده علم في ذلك انه في المقبول او في
المردود ولا يدري ايقبل من ذلك كله مثقال ذرة او يرد عليه لكان ينبغي له
ان يحزن
ولو لم يحزن الا لانه لو قيل له اختر من عمرك أي ساعة شئت لم تعص الله
فيها لسبب من الاسباب لما كان يجد ذلك لقد كان ينبغي له ان يحزن
ولو لم يحزن الا لانه لو قيل له هل تعرف ساعة واحدة من عمرك اديت الى الله
سبحانه فيها جميع ما اوجبه عليك كما اوجبه لقال ما اعرفها لقد كان ينبغي
له ان يحزن
النفس واختبارها في المعرفة والسلوك
قلت كيف احاسب نفسي في معرفتها
ان مثل الناس في جملتهم وفي تفرقهم بعد المعرفة بهم والخبرة لهم وتفاوتهم
وتفاضلهم مثل سفط موضوع في طريق فيه قوارير مملوءة موكاة الرءوس يمر به
الناس لا يدرون ما فيه فعرض له من الناس عارض من المارة فقال لاكشفن عن
هذا السفط فلأنظرن ما فيه فكشف عنه فراى قوارير مملوءة لا يدري ما فيها
فحل اوكيتهن كلهن فبدا له من هذه رائحة المسك ومن هذه رائحة العنبر ومن
هذه رائحة البان ومن هذه رائحة الخلوف ومن هذه رائحة الغالية ومن هذه
رائحة الياسمين ومن هذه رائحة الورد وسائر الطيب والادهان
ومن هذه رائحة الكبريت ومن هذه رائحة النفط ومن هذه رائحة القطران وما لا
طاقة له بالقيام عندها من شدة نتن ريحها
فالناس في جملتهم مثل السفط والقوارير وهم في معرفتهم والبحث عن اخلاقهم
متفرقون على قدر القوارير
ومثل السفط ايضا في جملته مثلك انت وحدك والقوارير اخلاقك وآدابك وريحها
الطيب خير اخلاقك وآدابك الحسنة المرغوب فيها والرائحة المنتنة شر اخلاقك
وآدابك السيئة القبيحة
ولا تعرف النفس حتى تمتحن وتختبر
فاختبر نفسك حتى تعلم ما فيها وان اردت ذلك فعاملها بالموافقة لها
والمفاتشة لهمتها في وقت الهمة و أحد اليها النظر حتى تعرف حلمك في الوقت
الذي عرض لك فيه سفيه فسفه عليك ليس في الوقت الذي وافق هواك
قال ان الاشياء تعرف بالدلالات والعلامات والامثال وسأضرب لك في ذلك مثلا
يكون علما لما سألت عنه
واعرف صمتك عند الخوف من سقوط جاهك عند من لك عنده الجاه والقدر
واعرف صدقك عند الحالة التي يتصنع ويتزين في مثلها المتزينون والمتصنعون
واعرف نصحك عند حبك لنفسك ولصديقك وعدوك حتى تعلم هل تحب لغيرك ما تحب
لنفسك ام لا
واعرف صبرك عند ترك شهوة قد ملكها هل تستطيع تركها على ذلك ام لا
واعرف ورعك عند الحالة التي استمكنت منها هل تستطيع الوقوف عندها اذا
التبست عليك ام لا
واعرف تواضعك في وقت ما جفاك جاف واكرمك مكرم فإن فيهما الفتنة فإن العبد
ربما اظهر التواضع عند الكرامة ليزداد منها وربما تواضع عند الجفاء ليثبت
له بالتواضع عند ذلك منزلة بين الناس فتوقف عند ذلك كله وفاتش الهمة
واعرف امانتك عند هواك في الوقت الذي تهواه هل تضبط اداء امانتك في ذلك
الوقت ام لا
واعرف طمعك في وقت هيجان رغبتك هل تستطيع عند ذلك الاياس ام لا
فإن كنت في هذه الحالات والاوقات محمودا فما احسن خيرك واحمد الله واسأله
الزيادة من فضله وامض فإنك على سبيل الاستقامة وطريق المحبة و محجة
الايمان
وان كنت في هذه الحالات مذموما فأخلاقك وسيرتك اولى بك ان تصلحها فإن فيك
فسادا عظيما ولست على سبيل الاستقامة ولا على طريق المحبة ولا محجة
الايمان
فاتق الله وراجع مفاتشة نفسك واصلاح فسادها
قلت يجيء مني في بعض احوالي ما امقت نفسي عليه وتشتد عليه ندامتي
قال مقتك لها من معرفتك بها وندامتك عليها دواؤها فإذا نظرت الى عثرة غيرك
فاذكر عثرتك ومقتك لنفسك ولو ان مصلحة النفس ومنفعتها كانت فيما تهوى او
تشتهي لكان الناس كلهم صالحين ولكن جعل صلاحها فيما تكره وفسادها فيما تحب
وتشتهي
واعرف عقلك عند ترك ما لا نفع لك فيه في الدنيا ولا في الاخرة ولا ثواب لك
فيه عند الله تعالى هل تستطيع ترك ذلك ام لا
ومن محاسبتك لها ان تخلو بها وترد عليها فعالها فتقول يا نفس انك لا
تقدرين ان تخادعي الله ولا تغالبيه فلا تقبلي مخادعة الشيطان ولا مغالبته
ولا تبتغي هواك فيرديك ويهلكك
واني لست احملك على ما لا طاقة لك به ولا علم لك فيه واني اراك تحب لنفسك
ما تمقت عليه غيرك وتكره لنفسك ما تحب عليه غيرك
اما انها لا تكره الصلاح والخير ولكن تكره المكروه الذي به تنال الصلاح
والخير ولو امكنها درجة الابرار بأعمال الفجار لقبلتها فأما الشر فإنها
تحبه وتحب خصاله وطرائقه وكل شيء منه
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
قمة الخداع النفسي وحقيقة التوسل بالصالحين
اراك تحب اهل التواضع والصدق والامانة حتى لو رأيت قبورهم وآثارهم
لاحببتها فيما تزعم وتكره خصالهم التي بها نالوا الحب منك حتى لو قدرت ان
تكون في اعدى عدوك بعد ان تزول عنك لكان ذلك منيتك
يا أخي ان الجائع يحب الخبز وان العطشان يحب الماء ولو جعل الخبز والماء
بين ايديهما على مائدة او علق في اعناقهما ما نفعهما علمهما بأن الخبز
والماء معهما ولا ينفعهما قربهما منهما دون ان يأكلا من الطعام ويشربا من
الشراب
وهكذا انت لا ينفعك علمك بالخير ولا قربه منك ولا حبك له حتى يكون فيك
وتكون من اهله بل لا ازعم انك تحبه ولكنك مخدوع او مخادع في دعواك انك
تحبه
يا أخي هل رأيت عطشان استمكن من الماء البارد فلم يشربه الا مدع للعطش ليس
بعطشان
أو هل رأيت جوعان وجد طعاما قد امكنه فلم يأكله الا مدع للجوع ليس بجوعان
فما ابين ابطال دعواك فيما تزعم انك تحب الخير واهله اذا قست ما تحب من
الدنيا بما تحب من الآخرة لاني اراك اذا احببت شيئا من الدنيا احببت الا
يكون له مالك غيرك هذا هو الحب الصادق بعينه فإذا احببت شيئا من اعمال
الصالحين فيما تزعم فليس شيء اثقل عليك من ان تكون انت صاحبه ولو كنت محبا
له لاحببت الا يكون احد سبقك ولا يملك منه اكثر من الذي تملك
يا أخي اما آن لك ان تمل وتشبع من الكذب والاغترار بالله تعالى اما آن لك
ان تحب ان يكون اسمك يوما واحدا من جميع عمرك مع
فإما ان تكون تريد مخادعة الله اذ علمت انه يطلع منك على ذلك واما ان تكون
لا تحسن ان تطلب الخير
اسماء الصالحين المتواضعين المخلصين الناصحين الشاكرين
الراضين الصابرين المسلمين الواثقين المتوكلين المفوضين الخائفين
المشتاقين العارفين العالمين الموقنين
بحق اقول لك لو مات احد من العجب كان ينبغي لك ان تموت مكانك اذا نظرت
فيما انت فيه من ايثارك للدنيا واقبالك عليها مع استيقانك بأنها لا شيء
ورضاك بترك طريق الصالحين واهل الخير وصحبة محمد صلى الله عليه وسلم
ومجاورته في الجنة
فلو كانت صحبته في الدنيا ثم تركت الدنيا كلها واثرت صحبته لكان الذي تركت
حقيرا عند الذي نلت فكيف الصحبة في الجنة مع دوام الملك في جوار الله
وجوار احبابه مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن اولئك رفيقا في الحبرة والنعمة والسرور الدائم الابدي
فراجع نفسك يا أخي وانظر ما في هذه المخادعة وما الذي قد غلبك وغلب يقينك
او ما هذه الخدعة التي دخلت عليك
وفكر فيما تصير اليه من موازنة عملك وسؤال الله اياك عن مثاقيل الذر
والخردل وما فوق ذلك ودون ذلك
وفكر في سرعة انقضاء الاجل وعليك بقصر الامل فلا تفارقه ولا يفارقك طرفة
عين لا في ليل ولا في نهار
يا سبحان الله كيف لا تدهش ولا يذهب عقلك تعجبا من امرك
فراجع امرك وانظر ما يراد منك فإنما يراد منك اذا عملت
ويراد منك مع ذلك ان تريد للناس الخير وان لم ترد لهم الخير فلا ترد لهم
الشر فهل تكون اقل من هذا او ترضى لنفسك ان الناس يريدون لك الخير وانت
تريد لهم الشر
ويراد منك الا تجعل نفسك فوق الناس في نفسك لا بقلبك ولا بلسانك افتكون
اقل من هذا وقد دعيت انت والناس الى هذا لا انت وحدك
عملا ان تريد به وجه الله او لا تعمله فهل تكون اقل من هذا هذا في ذوفلك
واما فرائضك فإنك غير معذور في تضييع مثقال ذرة منها حتى تعمل بما امرت به
وتنتهي عما نهيت عنه وما كلفت امرا لا تطيقه وما كلفت ما لم يكلف به غيرك
المخادعون المتاجرون بالدين
اولست تعلم انك ابعد ما تكون من الله اذا كنت كذلك
ومع هذا لا اراك تطلب الدنانير والدراهم فتنتفع بها وترتفق بها في ايامك
هذه وانما تطلب بذلك الثناء والجاه والقدر وقد اخترت سيرة
وقال اخبرني ان انت خالفت هذا الامر واردت بعملك غير الله واردت ان ترفع
نفسك فوق الناس او لم تحب لهم ما تحب لنفسك اتدرك او تنال ما تأمل من ذلك
تستوجب بها البغض من خالفك وتستوجب البغض ايضا ممن
وافقك عليها لو ظهر من امرك ما خفي ولا بد من ان يظهر يوما ما
وقال الصبر ما ترك للناس عذرا ولا حجة فمن لم يلق الله بما امره بحلاوة
الرضا فليلقه بالصبر وكراهته ومن لم يلق الله ببغض ما نهاه عنه فلا يلقاه
بالحب له بل بالصبر فما ترك الصبر للناس حجة
وقال من القليل ما يعتبر به الكثير وان اهل الدنيا اذا ارادوا ان يعملوا
شيئا بدأوا بالطلب فطلبوا اداة ما يعمل به ذلك العمل والا فلا سبيل لهم
الى ذلك العمل البتة
ولو اجتمع اهل الدنيا كلهم ومعهم اداة كل صناعة هل قدروا ان يثقبوا ابرة
الا بأداتها التي هي اداتها وهكذا جميع الاشياء
هل رأيت بيطارا قط قدر على صناعته بأداة خياط
او قدر الخياط على صناعته بأداة البيطار
وهكذا كل عمل لا يقدر الحداد على عمله بأداة النجار ولا النجار بأداة
الاسكاف
وهكذا اعمال الآخرة لا يقدر عليها الا بأداتها وأصل أداة أعمال الآخرة
العلم والمعرفة والاعتبار فإنها من دلالات الاداة
حب الدنيا رأس كل بلاء
ويروى عن عيسى عليه السلام انه قال حب الدنيا راس كل خطيئة
وانفع ما عالج به المؤمن في امر دينه قطع حب الدنيا من قلبه فإذا فعل ذلك
هان عليه ترك الدنيا وسهل عليه طلب الآخرة ولا يقدر على قطعه الا بأداته
اما اني لا اقول اداته الفقر وقلة الشيء وكثرة الصيام والصلاة والحج
والجهاد ولكن اصل اداته الفكر وقصر الامل ومراجعة التوبة والطهارة واخراج
العز من القلب ولزوم التواضع وعمارة القلب بالتقوى وادامة الحزن وكثرة
الهم بما هو وارد عليه
وما اكثر من يعمل هذه الاعمال التي وصفنا وحب الدنيا في قلبه زائد وكثير
من الناس من لا يكثر من هذه الاعمال وحبه للدنيا في نقص لانه اخذه من وجهه
وجهه ان يلزم نفسه الفكر ويقصر عليه من الامل ولكن الاشياء من حيث اباحها
الله فيضعها حيث امره الله ويلزم قلبه ذكر قرب مفارقتها ومفارقة ما فيه
وما يصير اليه من الشدائد من القبر والوقوف بين يدي الله عز وجل وطول
الحساب ولا يدري في أي الصنفين عدده
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حبك الشيء يعمي ويصم
ولا في أي الزمرتين اسمه افي الذين يحشرون الى الجنة
زمرا ام في الذين يحشرون الى جهنم وردا
وتفكر في ذنوبه التي لو اخذ اهل الدنيا بذنب منها لهلكوا وطول خلود اهل
النار في النار
واشد من ذلك غضب الله على اهل النار
ولما يخاف ان يفوته من رضى الله عن اهل الجنة
ويقل الفكر في الدنيا وفي نعيمها فإن القلب مع الفكر يحيا ان كانت الفكرة
في الآخرة ويموت ان كانت الفكرة في الدنيا
وقال وما على العبد ان يعزم على ان يجعل حظه من بقية عمره في الدنيا ما
كان من جاه او ثناء او محمدة من الناس او قدر عندهم وما كان من فضول
النعمة فيها فيعزم على ان يجعل ذلك كله لأعدى عدو له ولأحسد حاسد له لا
يقسم على اقاربه واصدقائه منها شيئا بعد ان يرجو ان يكون ذلك كله فكاكه من
النار حتى لو دعى اليه وحبس في الحبس الضيق ليقبله لم يقبله واختار الحبس
عليه ولحذره ونفر منه كما كان يطلبه قبل ذلك
فلعمري لو لم يكن فيه الا ما يرجو ان يدرك به صلاح ما افسد فيما مضى من
عمره فليصلحه وليتخلص مما مضى ويجعل الحزن والهم وقلة ملاقاة الناس عدة له
مع الدعاء والتضرع ويجعل الموت نصب عينيه
ويستعين بسرعة الخروج من الدنيا فما اهون عند من نزل
منزلا وهو يريد الارتحال منه تركه لجاره وما اقل شفقته عليه وما اشفق من
نزل منزلا وهو يريد المقام فيه واحرص على عمارته
جماع صلاح النفوس
قلت ذكرت شيئا ينسي شيئا فمثل أي شيء هذا من الاشياء
قال مثل الشبع فإنه يهيج الشهوة ويورث القسوة والبطر والثقل والنوم
ومثل كثرة الكلام فإنه يقسي القلب ويقل البهاء والمهابة ويعقم الحكمة
ويكثر السقط
ومثل طول الامل فإنه ينسي الآخرة ويذكر الدنيا ويحسنها ويحببهما اليك
ويورث الحسد والتسويف ويقوي الهوى ويكثر الشهوات
وفي هذا ما تستدل به على اضداده فإذا فكرت فيه عرفت من الاشياء ما يورث
الخير وما يورث الشر وكل شغل يشغل عن غيره من الاشغال لان القلب واحد لا
يمكنه ان يشتغل الا بشيء واحد
وقال ان الناسك ان لم يقبل الحكمة ولا الموعظة ولا النصيحة من العدو
والصديق والسفيه والحليم فنسكه نسك الملوكالارادة والصدق والهوى
اتفاق الهوى والصدق على عمل البر
قلت الصدق والهوى متفقان على عمل البر
قال ان الله قادر على ان يسخر الهوى للصدق وان كان فقليل والذي يعرف هذا
القليل في الناس هم قليل والذي يجهله كثير لان الارادة للعمل قبل العمل
والهوى والشهوة مما يلي العمل والنية والصدق من ورائهما
فكلما اراد العبد او هم بالعمل من قريب او بعيد ابتدر الهوى والشهوة
والنية الصادقة فيهما الى القلب بذكر ما يرجى وما يؤمل من مثل ذلك العمل
من حاجات الدنيا وشهواتها ومنافعها ومرافقها ولذاتها وما يؤنس بمثله من
الاشياء وما حسن موقعه من الناس وذكرهم له بالثناء والمحمدة والقدر والجاه
والرفعة والرئاسة
والارادة الصادقة بعد غائبة وما دامت غائبة فالقلب يقبل هذه
الاشياء لا يرد منها شيئا لانه لا بد ان يكون للقلب امل
في هذا العمل الذي اراده وهم به والانسان اكثر شيء نسيانا واكثر النسيان
في ذلك الوقت لأن هذه الاشياء التي جاءت بها النفس والهوى الى القلب مما
ذكرنا من الثناء والمحمدة والرفق والقدر والجاه والرئاسة والمنزلة كلها
مما يتحلى به القلب ويشتهيه ويرغب فيه فلذلك تكثر الغفلة والنسيان للارادة
الصادقة
ولو كان مكان الذي يستحليه القلب ويشتهيه مرارة وكراهية لما كان يقبل
النسيان والغفلة ولكن حيث جاءت الموافقة سكن القلب الى هذه الخلال
فمن شاء الله عز وجل ان ينعم عليه حتى تكون الارادة الصادقة امام الهوى
وشهوة النفس وحتى يريد بالعمل وجه الله والدار الآخرة ففي هذا يكون شغل
القلب عند ذلك وفيما يؤمل فيه من رضى الله عز وجل وثوابه وما جاءت به
النفس والهوى مما ذكرناه لم يقبله القلب ورده عليهم ففي هذا اعظم النعم
وعلى صاحبه اكثر الشكر
سبق الهوى على الارادة الصادقة في العمل
وان كانت النفس والهوى والشهوة سابقات على الارادة الصادقة فلا بد لصاحبها
من الوقوف والنظر والفكر حتى ينقي قلبه مما عرضت به النفس والهوى والشهوة
ويجعل ارادة الله مكان ذلك وامامه فيقبله
القلب ساءه او سره ثم يتحفظ ويتعاهد حتى يختم العمل
الذي افتتحه بالارادة الصادقة بمثل ذلك وبعد فراغه من العمل ما دام الروح
في جسده
واعلم ان احكام هذا اعز واشد من نقل الصخر وركوب الاسنة الا من رزقه الله
احكام ذلك والعناية به مخافة تلف نفسه واحباط عمله لان العدو ملح مجد
محتال له في ادخال الآفات التي تفسد الاعمال فهو يرصده قبل دخوله في العمل
وبعدما يدخل فيه وبعد ما يخرج منه
عروض الهوى بعد تقديم الإرادة الصادقة
وإن هو لم يقبل ما عرض له به في العمل ونفاه ودفعه لم يضره ذلك شيئا
وإن هو قبله ثم انتبه قبل ان يفرغ من العمل فندم ورجع وتيقظ وأزال الغفلة
ثم ختم العمل بالندم لم يضره ذلك شيئا
فإن قدم الإرادة والنية الصادقة الصحيحة التي بلا سقم فيها ودخل بها العمل
ونفى الهوى ودفع النفس وخالف الشهوة وجاهد العدو فإن صده بعد دخوله في
العمل فعرض له بما ذكرنا من الآفات التي تفسد الاعمال فإن قبلها حتى يختم
العمل بقبولها فسد عليه أصله الصحيح الذي كان قد أصل ودخل بها في العمل
فينبغي للعبد أن يتقي الله وأن يخلص له العمل ويقدم له النية أمام كل عمل
وبعد كل عمل الى الممات حتى تكون أعماله كلها لله وحده ولا يطلب الثواب
إلا من الله وحده ويجاهد هذا العدو المسلط ويخالف هذا الهوى ويكابد هذه
النفس ويتقي هذه الشهوة الهائجة في قلبه ويعلم من يعامل ولمن يعمل له
وثواب من يطلب
ويعمل العمل بهيجان الرغبة في ثواب الله تعالى وهيجان الرهبة من عقاب الله
تعالى وانه إن عمل على ذلك عمل العمل بشهوة وخفة ومحبة لما قد هاج من
رغبته ورهبته فأزال عنه ما ذكرنا من الآفات التي تفسد الأعمال
فإذا عمل على ذلك فكأنما جمع له الهوى والصدق جميعا ولا يبالي إذا كان
هكذا موافقة الهوى أو مخالفته وما عليه من مخالفة الهوى إذا سلم من شره
وكان ذلك لا يضره فكأنما وافقه
فلا بد أن يوقف العبد ويسأل عما عمل ولمن عمل وماذا أراد بما عمل
وإن هو ختم العمل بالصدق والصحة فإنه يطالبه في ذلك العمل ليفسده عليه ولو
بعد حين
اراك تحب اهل التواضع والصدق والامانة حتى لو رأيت قبورهم وآثارهم
لاحببتها فيما تزعم وتكره خصالهم التي بها نالوا الحب منك حتى لو قدرت ان
تكون في اعدى عدوك بعد ان تزول عنك لكان ذلك منيتك
يا أخي ان الجائع يحب الخبز وان العطشان يحب الماء ولو جعل الخبز والماء
بين ايديهما على مائدة او علق في اعناقهما ما نفعهما علمهما بأن الخبز
والماء معهما ولا ينفعهما قربهما منهما دون ان يأكلا من الطعام ويشربا من
الشراب
وهكذا انت لا ينفعك علمك بالخير ولا قربه منك ولا حبك له حتى يكون فيك
وتكون من اهله بل لا ازعم انك تحبه ولكنك مخدوع او مخادع في دعواك انك
تحبه
يا أخي هل رأيت عطشان استمكن من الماء البارد فلم يشربه الا مدع للعطش ليس
بعطشان
أو هل رأيت جوعان وجد طعاما قد امكنه فلم يأكله الا مدع للجوع ليس بجوعان
فما ابين ابطال دعواك فيما تزعم انك تحب الخير واهله اذا قست ما تحب من
الدنيا بما تحب من الآخرة لاني اراك اذا احببت شيئا من الدنيا احببت الا
يكون له مالك غيرك هذا هو الحب الصادق بعينه فإذا احببت شيئا من اعمال
الصالحين فيما تزعم فليس شيء اثقل عليك من ان تكون انت صاحبه ولو كنت محبا
له لاحببت الا يكون احد سبقك ولا يملك منه اكثر من الذي تملك
يا أخي اما آن لك ان تمل وتشبع من الكذب والاغترار بالله تعالى اما آن لك
ان تحب ان يكون اسمك يوما واحدا من جميع عمرك مع
فإما ان تكون تريد مخادعة الله اذ علمت انه يطلع منك على ذلك واما ان تكون
لا تحسن ان تطلب الخير
اسماء الصالحين المتواضعين المخلصين الناصحين الشاكرين
الراضين الصابرين المسلمين الواثقين المتوكلين المفوضين الخائفين
المشتاقين العارفين العالمين الموقنين
بحق اقول لك لو مات احد من العجب كان ينبغي لك ان تموت مكانك اذا نظرت
فيما انت فيه من ايثارك للدنيا واقبالك عليها مع استيقانك بأنها لا شيء
ورضاك بترك طريق الصالحين واهل الخير وصحبة محمد صلى الله عليه وسلم
ومجاورته في الجنة
فلو كانت صحبته في الدنيا ثم تركت الدنيا كلها واثرت صحبته لكان الذي تركت
حقيرا عند الذي نلت فكيف الصحبة في الجنة مع دوام الملك في جوار الله
وجوار احبابه مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن اولئك رفيقا في الحبرة والنعمة والسرور الدائم الابدي
فراجع نفسك يا أخي وانظر ما في هذه المخادعة وما الذي قد غلبك وغلب يقينك
او ما هذه الخدعة التي دخلت عليك
وفكر فيما تصير اليه من موازنة عملك وسؤال الله اياك عن مثاقيل الذر
والخردل وما فوق ذلك ودون ذلك
وفكر في سرعة انقضاء الاجل وعليك بقصر الامل فلا تفارقه ولا يفارقك طرفة
عين لا في ليل ولا في نهار
يا سبحان الله كيف لا تدهش ولا يذهب عقلك تعجبا من امرك
فراجع امرك وانظر ما يراد منك فإنما يراد منك اذا عملت
ويراد منك مع ذلك ان تريد للناس الخير وان لم ترد لهم الخير فلا ترد لهم
الشر فهل تكون اقل من هذا او ترضى لنفسك ان الناس يريدون لك الخير وانت
تريد لهم الشر
ويراد منك الا تجعل نفسك فوق الناس في نفسك لا بقلبك ولا بلسانك افتكون
اقل من هذا وقد دعيت انت والناس الى هذا لا انت وحدك
عملا ان تريد به وجه الله او لا تعمله فهل تكون اقل من هذا هذا في ذوفلك
واما فرائضك فإنك غير معذور في تضييع مثقال ذرة منها حتى تعمل بما امرت به
وتنتهي عما نهيت عنه وما كلفت امرا لا تطيقه وما كلفت ما لم يكلف به غيرك
المخادعون المتاجرون بالدين
اولست تعلم انك ابعد ما تكون من الله اذا كنت كذلك
ومع هذا لا اراك تطلب الدنانير والدراهم فتنتفع بها وترتفق بها في ايامك
هذه وانما تطلب بذلك الثناء والجاه والقدر وقد اخترت سيرة
وقال اخبرني ان انت خالفت هذا الامر واردت بعملك غير الله واردت ان ترفع
نفسك فوق الناس او لم تحب لهم ما تحب لنفسك اتدرك او تنال ما تأمل من ذلك
تستوجب بها البغض من خالفك وتستوجب البغض ايضا ممن
وافقك عليها لو ظهر من امرك ما خفي ولا بد من ان يظهر يوما ما
وقال الصبر ما ترك للناس عذرا ولا حجة فمن لم يلق الله بما امره بحلاوة
الرضا فليلقه بالصبر وكراهته ومن لم يلق الله ببغض ما نهاه عنه فلا يلقاه
بالحب له بل بالصبر فما ترك الصبر للناس حجة
وقال من القليل ما يعتبر به الكثير وان اهل الدنيا اذا ارادوا ان يعملوا
شيئا بدأوا بالطلب فطلبوا اداة ما يعمل به ذلك العمل والا فلا سبيل لهم
الى ذلك العمل البتة
ولو اجتمع اهل الدنيا كلهم ومعهم اداة كل صناعة هل قدروا ان يثقبوا ابرة
الا بأداتها التي هي اداتها وهكذا جميع الاشياء
هل رأيت بيطارا قط قدر على صناعته بأداة خياط
او قدر الخياط على صناعته بأداة البيطار
وهكذا كل عمل لا يقدر الحداد على عمله بأداة النجار ولا النجار بأداة
الاسكاف
وهكذا اعمال الآخرة لا يقدر عليها الا بأداتها وأصل أداة أعمال الآخرة
العلم والمعرفة والاعتبار فإنها من دلالات الاداة
حب الدنيا رأس كل بلاء
ويروى عن عيسى عليه السلام انه قال حب الدنيا راس كل خطيئة
وانفع ما عالج به المؤمن في امر دينه قطع حب الدنيا من قلبه فإذا فعل ذلك
هان عليه ترك الدنيا وسهل عليه طلب الآخرة ولا يقدر على قطعه الا بأداته
اما اني لا اقول اداته الفقر وقلة الشيء وكثرة الصيام والصلاة والحج
والجهاد ولكن اصل اداته الفكر وقصر الامل ومراجعة التوبة والطهارة واخراج
العز من القلب ولزوم التواضع وعمارة القلب بالتقوى وادامة الحزن وكثرة
الهم بما هو وارد عليه
وما اكثر من يعمل هذه الاعمال التي وصفنا وحب الدنيا في قلبه زائد وكثير
من الناس من لا يكثر من هذه الاعمال وحبه للدنيا في نقص لانه اخذه من وجهه
وجهه ان يلزم نفسه الفكر ويقصر عليه من الامل ولكن الاشياء من حيث اباحها
الله فيضعها حيث امره الله ويلزم قلبه ذكر قرب مفارقتها ومفارقة ما فيه
وما يصير اليه من الشدائد من القبر والوقوف بين يدي الله عز وجل وطول
الحساب ولا يدري في أي الصنفين عدده
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حبك الشيء يعمي ويصم
ولا في أي الزمرتين اسمه افي الذين يحشرون الى الجنة
زمرا ام في الذين يحشرون الى جهنم وردا
وتفكر في ذنوبه التي لو اخذ اهل الدنيا بذنب منها لهلكوا وطول خلود اهل
النار في النار
واشد من ذلك غضب الله على اهل النار
ولما يخاف ان يفوته من رضى الله عن اهل الجنة
ويقل الفكر في الدنيا وفي نعيمها فإن القلب مع الفكر يحيا ان كانت الفكرة
في الآخرة ويموت ان كانت الفكرة في الدنيا
وقال وما على العبد ان يعزم على ان يجعل حظه من بقية عمره في الدنيا ما
كان من جاه او ثناء او محمدة من الناس او قدر عندهم وما كان من فضول
النعمة فيها فيعزم على ان يجعل ذلك كله لأعدى عدو له ولأحسد حاسد له لا
يقسم على اقاربه واصدقائه منها شيئا بعد ان يرجو ان يكون ذلك كله فكاكه من
النار حتى لو دعى اليه وحبس في الحبس الضيق ليقبله لم يقبله واختار الحبس
عليه ولحذره ونفر منه كما كان يطلبه قبل ذلك
فلعمري لو لم يكن فيه الا ما يرجو ان يدرك به صلاح ما افسد فيما مضى من
عمره فليصلحه وليتخلص مما مضى ويجعل الحزن والهم وقلة ملاقاة الناس عدة له
مع الدعاء والتضرع ويجعل الموت نصب عينيه
ويستعين بسرعة الخروج من الدنيا فما اهون عند من نزل
منزلا وهو يريد الارتحال منه تركه لجاره وما اقل شفقته عليه وما اشفق من
نزل منزلا وهو يريد المقام فيه واحرص على عمارته
جماع صلاح النفوس
قلت ذكرت شيئا ينسي شيئا فمثل أي شيء هذا من الاشياء
قال مثل الشبع فإنه يهيج الشهوة ويورث القسوة والبطر والثقل والنوم
ومثل كثرة الكلام فإنه يقسي القلب ويقل البهاء والمهابة ويعقم الحكمة
ويكثر السقط
ومثل طول الامل فإنه ينسي الآخرة ويذكر الدنيا ويحسنها ويحببهما اليك
ويورث الحسد والتسويف ويقوي الهوى ويكثر الشهوات
وفي هذا ما تستدل به على اضداده فإذا فكرت فيه عرفت من الاشياء ما يورث
الخير وما يورث الشر وكل شغل يشغل عن غيره من الاشغال لان القلب واحد لا
يمكنه ان يشتغل الا بشيء واحد
وقال ان الناسك ان لم يقبل الحكمة ولا الموعظة ولا النصيحة من العدو
والصديق والسفيه والحليم فنسكه نسك الملوك
اتفاق الهوى والصدق على عمل البر
قلت الصدق والهوى متفقان على عمل البر
قال ان الله قادر على ان يسخر الهوى للصدق وان كان فقليل والذي يعرف هذا
القليل في الناس هم قليل والذي يجهله كثير لان الارادة للعمل قبل العمل
والهوى والشهوة مما يلي العمل والنية والصدق من ورائهما
فكلما اراد العبد او هم بالعمل من قريب او بعيد ابتدر الهوى والشهوة
والنية الصادقة فيهما الى القلب بذكر ما يرجى وما يؤمل من مثل ذلك العمل
من حاجات الدنيا وشهواتها ومنافعها ومرافقها ولذاتها وما يؤنس بمثله من
الاشياء وما حسن موقعه من الناس وذكرهم له بالثناء والمحمدة والقدر والجاه
والرفعة والرئاسة
والارادة الصادقة بعد غائبة وما دامت غائبة فالقلب يقبل هذه
الاشياء لا يرد منها شيئا لانه لا بد ان يكون للقلب امل
في هذا العمل الذي اراده وهم به والانسان اكثر شيء نسيانا واكثر النسيان
في ذلك الوقت لأن هذه الاشياء التي جاءت بها النفس والهوى الى القلب مما
ذكرنا من الثناء والمحمدة والرفق والقدر والجاه والرئاسة والمنزلة كلها
مما يتحلى به القلب ويشتهيه ويرغب فيه فلذلك تكثر الغفلة والنسيان للارادة
الصادقة
ولو كان مكان الذي يستحليه القلب ويشتهيه مرارة وكراهية لما كان يقبل
النسيان والغفلة ولكن حيث جاءت الموافقة سكن القلب الى هذه الخلال
فمن شاء الله عز وجل ان ينعم عليه حتى تكون الارادة الصادقة امام الهوى
وشهوة النفس وحتى يريد بالعمل وجه الله والدار الآخرة ففي هذا يكون شغل
القلب عند ذلك وفيما يؤمل فيه من رضى الله عز وجل وثوابه وما جاءت به
النفس والهوى مما ذكرناه لم يقبله القلب ورده عليهم ففي هذا اعظم النعم
وعلى صاحبه اكثر الشكر
سبق الهوى على الارادة الصادقة في العمل
وان كانت النفس والهوى والشهوة سابقات على الارادة الصادقة فلا بد لصاحبها
من الوقوف والنظر والفكر حتى ينقي قلبه مما عرضت به النفس والهوى والشهوة
ويجعل ارادة الله مكان ذلك وامامه فيقبله
القلب ساءه او سره ثم يتحفظ ويتعاهد حتى يختم العمل
الذي افتتحه بالارادة الصادقة بمثل ذلك وبعد فراغه من العمل ما دام الروح
في جسده
واعلم ان احكام هذا اعز واشد من نقل الصخر وركوب الاسنة الا من رزقه الله
احكام ذلك والعناية به مخافة تلف نفسه واحباط عمله لان العدو ملح مجد
محتال له في ادخال الآفات التي تفسد الاعمال فهو يرصده قبل دخوله في العمل
وبعدما يدخل فيه وبعد ما يخرج منه
عروض الهوى بعد تقديم الإرادة الصادقة
وإن هو لم يقبل ما عرض له به في العمل ونفاه ودفعه لم يضره ذلك شيئا
وإن هو قبله ثم انتبه قبل ان يفرغ من العمل فندم ورجع وتيقظ وأزال الغفلة
ثم ختم العمل بالندم لم يضره ذلك شيئا
فإن قدم الإرادة والنية الصادقة الصحيحة التي بلا سقم فيها ودخل بها العمل
ونفى الهوى ودفع النفس وخالف الشهوة وجاهد العدو فإن صده بعد دخوله في
العمل فعرض له بما ذكرنا من الآفات التي تفسد الاعمال فإن قبلها حتى يختم
العمل بقبولها فسد عليه أصله الصحيح الذي كان قد أصل ودخل بها في العمل
فينبغي للعبد أن يتقي الله وأن يخلص له العمل ويقدم له النية أمام كل عمل
وبعد كل عمل الى الممات حتى تكون أعماله كلها لله وحده ولا يطلب الثواب
إلا من الله وحده ويجاهد هذا العدو المسلط ويخالف هذا الهوى ويكابد هذه
النفس ويتقي هذه الشهوة الهائجة في قلبه ويعلم من يعامل ولمن يعمل له
وثواب من يطلب
ويعمل العمل بهيجان الرغبة في ثواب الله تعالى وهيجان الرهبة من عقاب الله
تعالى وانه إن عمل على ذلك عمل العمل بشهوة وخفة ومحبة لما قد هاج من
رغبته ورهبته فأزال عنه ما ذكرنا من الآفات التي تفسد الأعمال
فإذا عمل على ذلك فكأنما جمع له الهوى والصدق جميعا ولا يبالي إذا كان
هكذا موافقة الهوى أو مخالفته وما عليه من مخالفة الهوى إذا سلم من شره
وكان ذلك لا يضره فكأنما وافقه
فلا بد أن يوقف العبد ويسأل عما عمل ولمن عمل وماذا أراد بما عمل
وإن هو ختم العمل بالصدق والصحة فإنه يطالبه في ذلك العمل ليفسده عليه ولو
بعد حين
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الرياء والاخلاص وأحكامهما
فالصدق والاخلاص إنما هو إذا أراد العبد بعمله وجه الله وليس فيه شئ من
معاني الدنيا
والرياء إنما هو أن تكون الارادة كلها للدنيا
فمنه ما يكون العبد يريد بعمله في أصل العمل المحمدة والثناء
ومنه ما يكون العبد يريد به في اصل عمله وجه الله والدار الاخرة ويحب ان
يحمد بعمله ويثنى عليه
ومنه ما يكون العبد يريد بعمله وجه الله وحده والدار الآخرة فإذا دخل في
العمل على ذلك الإخلاص عرض له بعض ما ذكرنا من الآفات فقبلها وأحب أن يحمد
على عمله وان يتخذ به منزلة عند أحد من المخلوقين
ومنه ما يكون العبد يريد بعمله وجه الله والدار الاخرة ويختم عمله بذلك
ويطالب بالآفات بعد الفراغ من العمل ولو بعد حين حتى يخبر بذلك العمل يريد
ان يحمد عليه ويتخذ به الجاه والمنزلة عند المخلوقين فهذا اسهل من جميع ما
ذكرنا
والناس في هذا مختلفون
ففرقة تقول هذا من الذنوب ولا يفسد العمل لأن العمل قد مضى وختم بالصحة
فلا يفسد بعد الخاتمة وما لحق العبد بعد ذلك فقبله من هذه الآفات فلله في
ذلك على العبد مقام ومطالبة والعمل لا يبطل
والارادة إرادتان إحداهما الدنيا والاخرى للآخرة
وقالت فرقة يبطل العمل ولو بعد حين إذا قبل الآفة واحب المحمدة وأدخل
المخلوقين في عمله وأحب عندهم الثناء والمنزلة والجاه
العمل الخالي من ذكر الإرادة الصادقة
قال بلى
قلت وكيف يكون عمل من أعمال البر مما يراد الله بمثله بلا نية ولا صدق وقد
عمله العبد
قال إذا لم يكن الصدق ولم يقدم النية فليس بشئ لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال إنما الاعمال بالنية فإن قلت إني نسيت النية وسهوت عنها فهذا
إقرار وليس لك حجة وإنما أنساك النية الدنيا وإرادتك الغالبة لها
اوليس بليه آدم كانت من النسيان وقلة العزم أولا تسمع الى قول الله تعالى
{ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما }
وأنا أقول إن العمل لا يكون عملا كما أمر الله أن يعمل إلا بصدق
قلت فأخبرني إذا هم العبد بعمل البر وعمله وفرغ منه ولم يذكر قبل عمله ولا
بعد إرادة الاخرة وكان ناسيا ساهيا عنها أليس هذا عمل بلا نية ولا صدق
نية وصحة إرادة وتقديمهما أمام كل عمل فهذا عندي هو
العمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الاعمال بالنية
وجوب العناية بجواهر الاعمال بأسمائها
فلا تفتر في ذلك الوقت فإن الانسان يحب اسم الخير ويكر نفس الخير ويكره
اسم الشر ويحب نفس الشر
فما أحب الى الانسان اسم الصدق وما أثقل عليه نفس الصدق ما اشد بغض
الانسان لاسم الرياء وما أحبه إليه وأخفه عليه واشد استعماله له
فلا تتساهل في ذلك الوقت عن ذكر النية فإن الصدق والنية اسمان
وأعلم أن وقوفك عند افتتاح العمل وذكر الصدق وتصحيح النية والارادة ونفورك
من الرياء وذكرك الجنة والنار ليس يزيد في صدقك ولا ينقص من ريائك حتى
تستعمل التقوى وتقدم النية وتصدق في الارادة
ونفسهما الارادة الصادقة وإن النفس والهوى يجتثان ثمرة
العمل بحلاوتهما
واعلم أن لذتك فيما تجد من حلاوة طعم الحلوى وغير ذلك إنما تجدها عند أكلك
إذا أكلتها وحلاوة الهوى والشهوة في الفكر إذا تابعته على ما تريد ليس له
طعام ولا شراب إنما لذته من الاشياء ان يتابع في فكره وأصله
واعلم أن لذة الرياء وحلاوته لذة تخالط القلوب وتجري في العروق فاحذر ذلك
في ابتداء اول العمل وفاتش الهمة وتقص تصحيح الارادة وكن في ذلك كله
مراقبا لله وحده
معرفة الصدق في نقل الارادة من الرياء إلى الصحة
قال لأنهما لا يجتمعان في قلب واحد ثم قال ربما اجتمع اسمهما
قلت إذا اردت أن اعمل العمل وقفت قبل الافتتاح فراجعت نيتي وإرادتي فرأيت
الرياء قد سبق الصدق ورأيت الصدق غائبا عني فأردت أن انقل الاراة بحقيقتها
الى الصدق والصحة وحسن النية وأن اتقي الهوى بحليته وريائه وشهوته فمتى
أعلم أني قد فعلت ذلك واتيت منه على ما أردت وقد ذكرت أن ذكر النية والصدق
لا ينفعني حتى يكون بتحقيق الارادة
ولا يجتمع انفسهما فإذا لم ترد النفس وتشتهي ما كنت انت
تريد وتشتهي من إرادة الله تعالى بذلك العمل والدار الآخرة فقد علمت أن
هذا قد حضر وذاك قد غاب كما كنت تعلم ان الرياء حاضر والنية غائبة
وإن اشتبه عليك الذي وصفت لك فانقض الامر كأنك لا تريد أن تعمله البتة
واصدق فيه فإن علمت أنك قد صدقت بنقضك له فابتدئه من الرأس فإن وجدت من
نفسك الرضا والسكون بنقض العمل والترك له فاعلم أنه علامة حضور الصدق
وغيبة الهوى والرياء وإن وجدت كراهية والنقض والترك فاعلم أن الهوى بعد
فيه
قلت اضرب لي فيه مثلا يكون أبين من هذا
قال مثل رجل هم أن يتخذ طعاما يدعو اليه اقواما فراجع نفسه وعزمه فإذا هو
يريد أن يدعو فلانا لشئ كان وافقه منه وإذا هو يريد أن يدعو الآخر يريد
ضربا من الاستطالة وأن يستخدمه ويخضع له وإذا هو يريد أن يدعو الآخر
ليستعين به على ظلم وإذا هو يريد أن يدعو الآخر ليصيب منه عرضا من الدنيا
وإذا هو يريد ان يدعو الاخر فيحمده ويثني عليه ويبسط ذكره وإذا هو يريد أن
يدعو الاخر ليجالسه ويزاوره ويدع مجالسة ومزاورة غيره وإذا هو يريد أن
يدعو الاخر لحسن لقاء يلقاه به وأشباه ذلك مما ليس لله سبحانه وتعالى فيه
شئ وإنما هو كله للدنيا
ثم قال فلعلي اخدع في هذا وأنا لا اشعر ولكني أدعو مكان هؤلاء قوما اخرين
اقدم فيهم النية والارادة الصحيحة امام الطعام أو لا ادعو احدا
فإن رأى نفسه عند ذلك تنازعه الى ان يدعوهم فكراهية النفس لترك دعوتهم
ومحبتها لدعوتهم علامة انه غير صادق وأنه مخدوع
وإن سكنت الى الترك ورضيت به فهو من علامة الخير فينبغي له حينئذ ان يعمله
وان يمضي فيه فإن شاء دعاهم وإن شاء دعا غيرهم بنية جديدة
فلما استبان له من نفسه هذا ولم تكن إرادته وجه الله وما يرجو من ثواب
الله على طعامهم قال في نفسه لما تبين له ذلك لا ولكني اترك الارادة
الاولى واحضر إرادة ثانية أريد بها وجه الله تعالى وحده والدار الاخرة
كثرة الخطأ وخفاء الخداع في هذا الباب
ولشدته أعطي العبد على العمل القليل بالاخلاص الثواب الكثير
وإن الخداع والغلط والخطأ والعمد والنسيان والفتن والبلايا في هذا الباب
من إخلاص العمل وصدق الارادة وتقدم النية شديد والبلاء فيه كثير
ولا ينبغي لعاقل ان يفتر عن مفاتشة همته ومحاسبة نفسه ونقاء ضميره ومراقبة
الله سبحانه وتعالى عند كل عمل يريد ان يعمله وإلا فهو مخدوع
والله نسأل التوفيق والفهم والعزم الصحيح والارادة الصادقة
وأعلم ان السهو والغفلة عن هذا العلم الذي به تصفو الاعمال جهل شديد
واغترار وقلة عناية بالنفس وقلة مبالاة باطلاع الله تعالى على فساد العمل
ومن بين هذه الصفات المذمومة التي ذكرناها نتجت الهلكة
ونحن نسأل الله سبحانه الرشاد والسداد والعون على القيام بما قد علمنا
والشكر على ما قد فهمنا ونسأله ان يزيدنا من فضله إنا اليه راغبون ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وآفاته اكثر من ان يضبطها الكتاب وصحته أعز من ان يبلغها الآمن المخدوع
المغتر بظاهر الكتاب وظاهر العلم وإنما يدرك ذلك كله ويعرفه اهل العناية
بانفسهم الذين خافوا على اعمالهم ان تبطل وخافوا على انفسهم ان تتلف
دلائل وعلامات
إذا ظن بك الناس انك تعمل عملا من الخير ولست تعمله ى او كنت تعمل عملا من
الخير وظنوا انك تعمل اكثر منه ورفضت ان يطلعوا على حقيقة عملك فأنت ممن
يحب أن يحمد بما لم يفعل
وان احببت ان يطلعوا عليه فأنت تحب ان تحمد بما قد فعلت
وقال علامة حب الله حب جميع ما احب الله
وعلامة الخوف من الله ترك جميع ما كره الله
وعلامة الحياء من الله الا تنسى الورود على الله وان تكون مراقبا لله في
جميع امورك على قدر قرب الله تعالى منك واطلاعه عليك
ومن علامة حسن الظن بالله شدة الاجتهاد في طاعة الله
وعلامة الناصح لله شدة الاقبال على الله وفهم كتابه والعمل به
بسم الله الرحمن الرحيم يروى عن بعض الحكماء انه قال
واتباع سنن نبيه صلى الله عليه وسلم وان يحب ان يطاع
فلا يعصى وان يذكر فلا ينسى
وعلامة النصح للناس ان تحب لهم ما تحب لنفسك من طاعة الله تعالى وان تكره
لهم ما تكره لنفسك من معصية الله تعالى
وعلامة الصبر الا تشكو من جميع المصائب الى احد من المخلوقين شيئا
والصبر هو الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر على كتمان المصيبة
وهو من كنوز البر والصبر على كتمان الطاعة والصبر حبس النفس عن ذلك كله
ومن علامة الرضا عن الله الرضا بقضاء الله وهو سكون القلب الى احكام الله
والتفويض الى الله قبل الرضا والرضا بعد التفويض
ومن علامة صدق الرجاء شدة الطلب والجد والاجتهاد ليدرك ما رجا
ومن علامة معرفة النفس سوء الظن بها
قلت فما تصديق معرفتي هذه
قال القيام بالمكافأة بها وان كانت لأنكأ ولكن اعطاء المجهود في شكرها
ومن علامة معرفة الدنيا الترك لها والزهد فيها والوحشة منها وممن ركن
اليها واحبها وآثرها عظم قدرها
ومن علامة معرفة الآخرة هيجان الرغبة فيها وشدة الشوق اليها والانس بكثرة
ذكرها ومؤانسة من صدق في العمل لها
ومن علامة العقل حسن التدبير ووضع الاشياء مواضعها من القول والفعل وتصديق
ذلك ايثار الاكثر على الاقل
ومن علامة العدل الا تجعل الحكم حكمين فتحكم لنفسك بحكم وللناس بآخر حتى
يكون الحكم في نفسك وفي غيرها حكما واحدا وانصاف الناس من نفسك
ومن علامة التواضع الا يدعوك احد الى حق الا قبلته ولم ترده ولا ترى احدا
من المسلمين الا رأيت نفسك دونه
والناس يتفاضلون في المعرفة بالايثار والرضا والشكر والحب والثقة
ومن علامة الشكر معرفة النعمة بالقلب انها من الله لا من غيره والحمد
عليها باللسان والا يستعان بها على شيء مما يكره المنعم
والخوف واليقين والصبر وادنى الدرجات الصبر واكثرها
كلها اليقين
ومن علامة حسن الخلق احتمال الاذى في ذات الله وكظم الغيظ وكثرة الموافقة
لاهل الحق على الحق والمغفرة والتجافي عن الزلة
ومن علامة سوء الخلق كثرة الخلاف وقلة الاحتمال
ومن علامة الالفة قلة الخلاف وبذل المعروف
وعلامة الصدق ارادة الله وحده بالعمل والقول وترك التزين وحب ثواب
المخلوقين والصدق في المنطق
واطيب العيش القناعة والعلم خشية الله وهي ايثار الآخرة على الدنيا ومعرفة
الطريق الى الله
وصلاح القلب الرأفة والرقة وفساد القلب القسوة والغلظة
والذ العيش الانس بالله
والانس اجتماع الهمة
والكبر ان ترفعها فوق الناس وما خير لعبد آثر على التواضع شيئا
والحزم الفرار من كل موضع فيه محنة
والصبر مخالفة المحبة ولا يصعب مع قوة الصبر شيء من العبادة حتى ترتفع من
درجة الصبر الى درجة الخوف ثم من درجة الخوف الى درجة المحبة
وكما لا يطيب لعبد شيء اعطيه من الدنيا الا بالقنوع كذلك لا يطيب له عمل
الآخرة الا بالخوف والمحبة فإذا صار العبد الى ذلك سقطت عنه مؤنة الصبر
وتنعم بالخوف والشوق
واشر الشر الذي لا خير فيه ولا قوام لخير معه الكبر وخير الخير الذي لا شر
فيه التواضع وهو ان تضع نفسك دون الناس
فالصدق والاخلاص إنما هو إذا أراد العبد بعمله وجه الله وليس فيه شئ من
معاني الدنيا
والرياء إنما هو أن تكون الارادة كلها للدنيا
فمنه ما يكون العبد يريد بعمله في أصل العمل المحمدة والثناء
ومنه ما يكون العبد يريد به في اصل عمله وجه الله والدار الاخرة ويحب ان
يحمد بعمله ويثنى عليه
ومنه ما يكون العبد يريد بعمله وجه الله وحده والدار الآخرة فإذا دخل في
العمل على ذلك الإخلاص عرض له بعض ما ذكرنا من الآفات فقبلها وأحب أن يحمد
على عمله وان يتخذ به منزلة عند أحد من المخلوقين
ومنه ما يكون العبد يريد بعمله وجه الله والدار الاخرة ويختم عمله بذلك
ويطالب بالآفات بعد الفراغ من العمل ولو بعد حين حتى يخبر بذلك العمل يريد
ان يحمد عليه ويتخذ به الجاه والمنزلة عند المخلوقين فهذا اسهل من جميع ما
ذكرنا
والناس في هذا مختلفون
ففرقة تقول هذا من الذنوب ولا يفسد العمل لأن العمل قد مضى وختم بالصحة
فلا يفسد بعد الخاتمة وما لحق العبد بعد ذلك فقبله من هذه الآفات فلله في
ذلك على العبد مقام ومطالبة والعمل لا يبطل
والارادة إرادتان إحداهما الدنيا والاخرى للآخرة
وقالت فرقة يبطل العمل ولو بعد حين إذا قبل الآفة واحب المحمدة وأدخل
المخلوقين في عمله وأحب عندهم الثناء والمنزلة والجاه
العمل الخالي من ذكر الإرادة الصادقة
قال بلى
قلت وكيف يكون عمل من أعمال البر مما يراد الله بمثله بلا نية ولا صدق وقد
عمله العبد
قال إذا لم يكن الصدق ولم يقدم النية فليس بشئ لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال إنما الاعمال بالنية فإن قلت إني نسيت النية وسهوت عنها فهذا
إقرار وليس لك حجة وإنما أنساك النية الدنيا وإرادتك الغالبة لها
اوليس بليه آدم كانت من النسيان وقلة العزم أولا تسمع الى قول الله تعالى
{ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما }
وأنا أقول إن العمل لا يكون عملا كما أمر الله أن يعمل إلا بصدق
قلت فأخبرني إذا هم العبد بعمل البر وعمله وفرغ منه ولم يذكر قبل عمله ولا
بعد إرادة الاخرة وكان ناسيا ساهيا عنها أليس هذا عمل بلا نية ولا صدق
نية وصحة إرادة وتقديمهما أمام كل عمل فهذا عندي هو
العمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الاعمال بالنية
وجوب العناية بجواهر الاعمال بأسمائها
فلا تفتر في ذلك الوقت فإن الانسان يحب اسم الخير ويكر نفس الخير ويكره
اسم الشر ويحب نفس الشر
فما أحب الى الانسان اسم الصدق وما أثقل عليه نفس الصدق ما اشد بغض
الانسان لاسم الرياء وما أحبه إليه وأخفه عليه واشد استعماله له
فلا تتساهل في ذلك الوقت عن ذكر النية فإن الصدق والنية اسمان
وأعلم أن وقوفك عند افتتاح العمل وذكر الصدق وتصحيح النية والارادة ونفورك
من الرياء وذكرك الجنة والنار ليس يزيد في صدقك ولا ينقص من ريائك حتى
تستعمل التقوى وتقدم النية وتصدق في الارادة
ونفسهما الارادة الصادقة وإن النفس والهوى يجتثان ثمرة
العمل بحلاوتهما
واعلم أن لذتك فيما تجد من حلاوة طعم الحلوى وغير ذلك إنما تجدها عند أكلك
إذا أكلتها وحلاوة الهوى والشهوة في الفكر إذا تابعته على ما تريد ليس له
طعام ولا شراب إنما لذته من الاشياء ان يتابع في فكره وأصله
واعلم أن لذة الرياء وحلاوته لذة تخالط القلوب وتجري في العروق فاحذر ذلك
في ابتداء اول العمل وفاتش الهمة وتقص تصحيح الارادة وكن في ذلك كله
مراقبا لله وحده
معرفة الصدق في نقل الارادة من الرياء إلى الصحة
قال لأنهما لا يجتمعان في قلب واحد ثم قال ربما اجتمع اسمهما
قلت إذا اردت أن اعمل العمل وقفت قبل الافتتاح فراجعت نيتي وإرادتي فرأيت
الرياء قد سبق الصدق ورأيت الصدق غائبا عني فأردت أن انقل الاراة بحقيقتها
الى الصدق والصحة وحسن النية وأن اتقي الهوى بحليته وريائه وشهوته فمتى
أعلم أني قد فعلت ذلك واتيت منه على ما أردت وقد ذكرت أن ذكر النية والصدق
لا ينفعني حتى يكون بتحقيق الارادة
ولا يجتمع انفسهما فإذا لم ترد النفس وتشتهي ما كنت انت
تريد وتشتهي من إرادة الله تعالى بذلك العمل والدار الآخرة فقد علمت أن
هذا قد حضر وذاك قد غاب كما كنت تعلم ان الرياء حاضر والنية غائبة
وإن اشتبه عليك الذي وصفت لك فانقض الامر كأنك لا تريد أن تعمله البتة
واصدق فيه فإن علمت أنك قد صدقت بنقضك له فابتدئه من الرأس فإن وجدت من
نفسك الرضا والسكون بنقض العمل والترك له فاعلم أنه علامة حضور الصدق
وغيبة الهوى والرياء وإن وجدت كراهية والنقض والترك فاعلم أن الهوى بعد
فيه
قلت اضرب لي فيه مثلا يكون أبين من هذا
قال مثل رجل هم أن يتخذ طعاما يدعو اليه اقواما فراجع نفسه وعزمه فإذا هو
يريد أن يدعو فلانا لشئ كان وافقه منه وإذا هو يريد أن يدعو الآخر يريد
ضربا من الاستطالة وأن يستخدمه ويخضع له وإذا هو يريد أن يدعو الآخر
ليستعين به على ظلم وإذا هو يريد أن يدعو الآخر ليصيب منه عرضا من الدنيا
وإذا هو يريد ان يدعو الاخر فيحمده ويثني عليه ويبسط ذكره وإذا هو يريد أن
يدعو الاخر ليجالسه ويزاوره ويدع مجالسة ومزاورة غيره وإذا هو يريد أن
يدعو الاخر لحسن لقاء يلقاه به وأشباه ذلك مما ليس لله سبحانه وتعالى فيه
شئ وإنما هو كله للدنيا
ثم قال فلعلي اخدع في هذا وأنا لا اشعر ولكني أدعو مكان هؤلاء قوما اخرين
اقدم فيهم النية والارادة الصحيحة امام الطعام أو لا ادعو احدا
فإن رأى نفسه عند ذلك تنازعه الى ان يدعوهم فكراهية النفس لترك دعوتهم
ومحبتها لدعوتهم علامة انه غير صادق وأنه مخدوع
وإن سكنت الى الترك ورضيت به فهو من علامة الخير فينبغي له حينئذ ان يعمله
وان يمضي فيه فإن شاء دعاهم وإن شاء دعا غيرهم بنية جديدة
فلما استبان له من نفسه هذا ولم تكن إرادته وجه الله وما يرجو من ثواب
الله على طعامهم قال في نفسه لما تبين له ذلك لا ولكني اترك الارادة
الاولى واحضر إرادة ثانية أريد بها وجه الله تعالى وحده والدار الاخرة
كثرة الخطأ وخفاء الخداع في هذا الباب
ولشدته أعطي العبد على العمل القليل بالاخلاص الثواب الكثير
وإن الخداع والغلط والخطأ والعمد والنسيان والفتن والبلايا في هذا الباب
من إخلاص العمل وصدق الارادة وتقدم النية شديد والبلاء فيه كثير
ولا ينبغي لعاقل ان يفتر عن مفاتشة همته ومحاسبة نفسه ونقاء ضميره ومراقبة
الله سبحانه وتعالى عند كل عمل يريد ان يعمله وإلا فهو مخدوع
والله نسأل التوفيق والفهم والعزم الصحيح والارادة الصادقة
وأعلم ان السهو والغفلة عن هذا العلم الذي به تصفو الاعمال جهل شديد
واغترار وقلة عناية بالنفس وقلة مبالاة باطلاع الله تعالى على فساد العمل
ومن بين هذه الصفات المذمومة التي ذكرناها نتجت الهلكة
ونحن نسأل الله سبحانه الرشاد والسداد والعون على القيام بما قد علمنا
والشكر على ما قد فهمنا ونسأله ان يزيدنا من فضله إنا اليه راغبون ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وآفاته اكثر من ان يضبطها الكتاب وصحته أعز من ان يبلغها الآمن المخدوع
المغتر بظاهر الكتاب وظاهر العلم وإنما يدرك ذلك كله ويعرفه اهل العناية
بانفسهم الذين خافوا على اعمالهم ان تبطل وخافوا على انفسهم ان تتلف
دلائل وعلامات
إذا ظن بك الناس انك تعمل عملا من الخير ولست تعمله ى او كنت تعمل عملا من
الخير وظنوا انك تعمل اكثر منه ورفضت ان يطلعوا على حقيقة عملك فأنت ممن
يحب أن يحمد بما لم يفعل
وان احببت ان يطلعوا عليه فأنت تحب ان تحمد بما قد فعلت
وقال علامة حب الله حب جميع ما احب الله
وعلامة الخوف من الله ترك جميع ما كره الله
وعلامة الحياء من الله الا تنسى الورود على الله وان تكون مراقبا لله في
جميع امورك على قدر قرب الله تعالى منك واطلاعه عليك
ومن علامة حسن الظن بالله شدة الاجتهاد في طاعة الله
وعلامة الناصح لله شدة الاقبال على الله وفهم كتابه والعمل به
بسم الله الرحمن الرحيم يروى عن بعض الحكماء انه قال
واتباع سنن نبيه صلى الله عليه وسلم وان يحب ان يطاع
فلا يعصى وان يذكر فلا ينسى
وعلامة النصح للناس ان تحب لهم ما تحب لنفسك من طاعة الله تعالى وان تكره
لهم ما تكره لنفسك من معصية الله تعالى
وعلامة الصبر الا تشكو من جميع المصائب الى احد من المخلوقين شيئا
والصبر هو الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر على كتمان المصيبة
وهو من كنوز البر والصبر على كتمان الطاعة والصبر حبس النفس عن ذلك كله
ومن علامة الرضا عن الله الرضا بقضاء الله وهو سكون القلب الى احكام الله
والتفويض الى الله قبل الرضا والرضا بعد التفويض
ومن علامة صدق الرجاء شدة الطلب والجد والاجتهاد ليدرك ما رجا
ومن علامة معرفة النفس سوء الظن بها
قلت فما تصديق معرفتي هذه
قال القيام بالمكافأة بها وان كانت لأنكأ ولكن اعطاء المجهود في شكرها
ومن علامة معرفة الدنيا الترك لها والزهد فيها والوحشة منها وممن ركن
اليها واحبها وآثرها عظم قدرها
ومن علامة معرفة الآخرة هيجان الرغبة فيها وشدة الشوق اليها والانس بكثرة
ذكرها ومؤانسة من صدق في العمل لها
ومن علامة العقل حسن التدبير ووضع الاشياء مواضعها من القول والفعل وتصديق
ذلك ايثار الاكثر على الاقل
ومن علامة العدل الا تجعل الحكم حكمين فتحكم لنفسك بحكم وللناس بآخر حتى
يكون الحكم في نفسك وفي غيرها حكما واحدا وانصاف الناس من نفسك
ومن علامة التواضع الا يدعوك احد الى حق الا قبلته ولم ترده ولا ترى احدا
من المسلمين الا رأيت نفسك دونه
والناس يتفاضلون في المعرفة بالايثار والرضا والشكر والحب والثقة
ومن علامة الشكر معرفة النعمة بالقلب انها من الله لا من غيره والحمد
عليها باللسان والا يستعان بها على شيء مما يكره المنعم
والخوف واليقين والصبر وادنى الدرجات الصبر واكثرها
كلها اليقين
ومن علامة حسن الخلق احتمال الاذى في ذات الله وكظم الغيظ وكثرة الموافقة
لاهل الحق على الحق والمغفرة والتجافي عن الزلة
ومن علامة سوء الخلق كثرة الخلاف وقلة الاحتمال
ومن علامة الالفة قلة الخلاف وبذل المعروف
وعلامة الصدق ارادة الله وحده بالعمل والقول وترك التزين وحب ثواب
المخلوقين والصدق في المنطق
واطيب العيش القناعة والعلم خشية الله وهي ايثار الآخرة على الدنيا ومعرفة
الطريق الى الله
وصلاح القلب الرأفة والرقة وفساد القلب القسوة والغلظة
والذ العيش الانس بالله
والانس اجتماع الهمة
والكبر ان ترفعها فوق الناس وما خير لعبد آثر على التواضع شيئا
والحزم الفرار من كل موضع فيه محنة
والصبر مخالفة المحبة ولا يصعب مع قوة الصبر شيء من العبادة حتى ترتفع من
درجة الصبر الى درجة الخوف ثم من درجة الخوف الى درجة المحبة
وكما لا يطيب لعبد شيء اعطيه من الدنيا الا بالقنوع كذلك لا يطيب له عمل
الآخرة الا بالخوف والمحبة فإذا صار العبد الى ذلك سقطت عنه مؤنة الصبر
وتنعم بالخوف والشوق
واشر الشر الذي لا خير فيه ولا قوام لخير معه الكبر وخير الخير الذي لا شر
فيه التواضع وهو ان تضع نفسك دون الناس
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
نعيم الخوف والشوق
المعرفة ونعيم الخوف
قال بحسن المعرفة
قلت مما حسن المعرفة
قال افتقار القلب الى الله واقترابه منه ومن دار الآخرة حتى كأنهما رأي
العين ويجعل الذنوب التي سلفت منه فيما بينه وبين الله نصب عينيه ويجعل
النعمة التي قد انعم الله عليه بها والتي لا يحصيها ولا يقدر على شكرها في
اقرار قلبه بذلك واجلال الله وتعظيمه وقدرته و وعيده واهوال القيامة وما
بعدها وما قبلها من البرزخ والموت
فإذا استقر ذلك في قلبه وسكن القلب الى ذلك كذلك انار القلب وعمر بعد
الخراب واضاء بعد الظلمة ثم لانت المفاصل عند ذلك
قلت فبأي شيء ينتقل من درجة الصبر الى درجة النعيم
وتوثبت الجوارح الى الطاعات فعند ذلك تسقط مؤنة الصبر
ويصير في درجة الخوف والمحبة للعبادة وعند ذلك يجد حلاوة ما هو فيه فتلك
العبادة بحسن المعرفة
فلا يزال كذلك حتى يعرض له من دواعي الدنيا و وساوس النفس ما ان مال اليه
قطعه عن تلك الحلاوة ورده الى درجة الصبر
ولساعة واحدة من تلك الساعات خير من ايام كثيرة من ايام الصبر لان فيها
الخوف وفيها الحب وفيها الشكر وفيها الندم وهو التوبة وتعظيم ما عظم الله
وتصغير الدنيا والانس بالله
فلا يلحق صاحب هذه الدرجة صاحب الصوم الكثير والصلاة الكثيرة والحج والغزو
وهكذا العمل اذا كان بالمعرفة القوية
كيف غفل الناس عن هذه الدرجة
فقال هذه الدرجة في الدرجات كالجوهرة في الاشياء وكاللؤلؤة الفائقة في الف
لؤلؤة والجنس واحد وانما قل اهل هذه الدرجة وعزوا لان من الاشياء ما
صعوبته في المسلك اليه فإذا صرت اليه صرت الى سهولة ورخاء وانس ومن
الاشياء ما سهولته وشهوته في طريقه وصعوبته وشدته في نفس ذلك الشيء اذا
صرت اليه
قلت فأين المريدون عن هذه الدرجة ولم لا يكون اهتمامهم وعنايتهم بها اكثر
من عنايتهم بغيرها من الدرجات
اولا تراهم يطلبون العلم فإذا صاروا الى استعمال العلم والورع لا ترى من
يستعمله ولا من يريده الا الواحد بعد الواحد
اولا اولا تراهم يتعلمون السير وفضائل الجهاد فإذا صاروا الى شروط الجهاد
لا ترى من يقوم بعمله
هذه الدرجة شديدة في الطريق اليها ولا ترى في طريقها الا الواحد بعد
الواحد من الكثير فلذلك قل اهل هذه الدرجة وكثر طلاب غيرها من الدرجات
لانها هي الدرجة التي استعبدت العباد وهي درجة الصدق وصار علمها مهجورا
وصار الناس انما يريدون من العمل ما خف محمله وقلت فيه مفاتشة الهمة ونقاء
الضمير والتوقف ومحاسبة النفس ومخالفة الهوى ومجاهدة العدو
واعلم ان رضا العبد بالحالة التي هو عليها مقيم ضعف وبلية نزلت به
والعامة يعنون بالشيء الذي فيه السهولة فإذا صاروا الى الشدة والمرارة
كاعوا وتحيروا وخسروا وقد كانوا قبل ذلك يسرعون اليه لما فيه من السهولة
المحب مسارع الى القربات
ولا اعلم في الناس شيئا اقل من الغضب لله والرضا لله والحب لله والبغض لله
واقل من ذلك الرضا عن الله تعالى والتسليم لأمره وتفويض الامور الى الله
واكثر سلامة الناس من الشر بالصبر واكثر طلبهم للخير بما وافق الهوى
والانسان في اكثر النعم مخالف الشكر واقرب خصال الخير من الله اثقلها على
العبد ولو قبلها بشكر كان اقربها الى الله احبها اليه
فهذا العبد يرجو رحمة الله باليسير من البر كما يرجوه بالكثير من البر
سواء ويخاف سخط الله باليسير من الذنوب كما يخاف سخطه بالكثير من الذنوب
سواء ولا يكون حسن الرغبة في كثير من الحسنات الا كان في القليل كذلك
وقال اذا اردت ان تصلح من امرك شيئا فاشتد عليك فخل عن جميع اعمال البر من
التطوع كلها واجعل شغلك كله فيه فإنك تعان عليه ان شاء الله
وقال المحب ينازع الى القربة ابدا ما عاش والخائف يتعرض للنجاة فلما
استيقن بالرحيل صار مخادعا لنفسه ومؤثرا لما قدم على ما خلفمراتب العمل لله
فأشرفها وافضلها قوم عملوا لله على التعظيم له فحسنت اعمالهم وكرمت فعالهم
على وجه عظمته في صدورهم وعظم قدره في قلوبهم فلم يكن شيء احب اليهم ولا
الذ عندهم من شيء يتقربون به اليه
وآخرون عملوا على وجه الرغبة والحرص على جواره فلم تكن لهم همة الا ترك ما
نهاهم عنه لعظيم ثوابه وخافوا فوات خير ما عنده من عظيم ما اعد من الثواب
لاهل ولايته
وآخرون عملوا مخافة منه ومن عقابه فكانت همتهم في الرهبة من العقاب قد
حالت بينهم وبين الرغبة في الثواب وكانت الاعمال منهم على وجه الفرار من
العقاب وليس يخطر الثواب على قلوبهم لعظم العقاب في صدورهم ويقولون في
انفسهم ان بلغتنا اعمالنا الى الخلاص من العقاب لقد ظفرنا بالفوز العظيم
فخرجت الرغبة من قلوبهم من كثرة الرهبة فما تخطر الجنة بقلوبهم من عظم
العقاب في صدورهم
وقال الناس يعملون على اربعة وجوه
فاستحيوا من كل قبيح يعملونه في سرائرهم حتى كأنهم ينظرون اليه ولما
استيقنوا بنظره اليهم قالوا سواء علينا نظر الينا او نظرنا اليه وايقنوا
انه اقرب اليهم من حبل الوريد
فلما ايقنوا بذلك حال يقينهم بينهم وبين مثاقيل الذر وموازين الخردل مما
يكره المطلع عليهم وكان الحائل بينهم وبين اعتقاد القلب على شيء مما يكره
سيدهم معرفتهم بأنه مطلع في ضمائرهم وينظر اليهم في كل حركة تكون منهم وكل
سكون وكل خطرة وكل طرفة عين وكل همة وكل ارادة وكل نية وكل محبة وكل شهوة
واما نحن فلم يهيجنا على عملنا التعظيم له ولم تهيجنا رغبتنا في عظيم
الثواب فنتقرب بحسن الفعال ولم تدعنا الرهبة من العقاب الى ترك مساوىء
الاعمال ولم يحل الحياء منه بيننا وبين قبيح الاعمال فيما بيننا وبينه
فنسأل الله المنان الذي من عليهم ان يمن علينا بما من به عليهم وان يهب
لنا مثل فعالهم فإنه فعال لما يريد
وقال الصدق عند العبد على قدر ارادته والشكر عنده على قدر موقع النعمة منه
وآخرون عملوا على وجه الحياء من الله سبحانه استحيوه في ليلهم ونهارهم اذا
غلقت الابواب وارخيت الستور عليهم لما ايقنوه انه هو الذي يلي عرضهم
ومساءلتهم
السلوك السلفي
ذكر الآخرة
سلام عليك اما بعد فاذكر ما انت عنه زائل وعليه قادم واليه صائر كذكر من
نظر فاعتبر واخذ حذره فازدجر وتعوذ بالله من موت القلب عن شدة العناية
للسداد والرشاد وحسن الاستعداد للمعاد
فلو فكر العباد وعلموا انهم لا يسعهم ان يردوا على الله الا بما له فيه
رضا علموا او جهلوا والا يطلع الله على ضمائرهم فيرى فيها شيئا مما يكره
وان يكونوا نادمين على ما كان منهم ما لم يكن فيه رضاه مما علموا او جهلوا
اذن لاجتهد من كان يخاف الله منهم بالغيب ان يكون مجهولهم معلوما ومعلومهم
معمولا به وان يكونوا نادمين على ما فات منهم من ذلك
واعلم يا أخي ان الله سبحانه جعل نجاة العباد برحمته في المعرفة ثم في
الارادة ثم في ترك ما امرهم بتركه ثم في العمل بما امرهم به ثم في شكر
نعمه التي انعم بها عليهم قديما وحديثا ظاهرا وباطنا
بسم الله الرحمن الرحيم يروى عن بعض الحكماء انه كتب الى اخ لهمعرفة الله
فأول ما اراد الله تعالى من العباد ان يعرفوه عن الوجوه التي تعرف اليهم
منها فإنه قد تعرف اليهم من خلقه للخلق وتدبيره في الخلق ومن قدرته على
الخلق وتكفله بأرزاق الخلق واماتته الخلق واحيائه الخلق ألا له الخلق
والامر تبارك الله احسن الخالقين
ارادة الله بالعمل
فالمعرفة قبل كل شيء واصل كل شيء ثم الارادة وهي منها وهي تحقيق الترك
وتحقيق العمل والاخذ والاعطاء والحب والكره في الاعمال كلها
وهي ولية عقد منافع اهل الاعمال في اعمالهم
واراد منهم بعد المعرفة ان يريدوه بكل ما عملوا من اعمال البر ولا يروا
غيره ولا يطلبون الثواب الا منه فلو كان يمكن ان يكون قبل المعرفة شيء
لكانت الارادة قبل المعرفة ولو استغنى عن المعرفة بشيء لاستغنت الارادة عن
المعرفةشكر النعم
والشكر على قدر المعرفة فمفتاح النعم وأفضلها كلها وأولها هي
نعمة المعرفة ولا أعلم بعد نعمة المعرفة أعظم قدرا من
نعمة العقل ونعمة الإرادة نعمة يعصر مبلغ شكرها
وآخر النعم نعمة الحكمة فنسأل الله خاتمة خير ونسأله أن يعرفنا جميع نعمه
وأن يوزعنا الشكر على ذلك فقد ينال العبد بالمعرفة والارادة من الخير
والقرب من الله سبحانه وتعالى ما لا يناله صاحب العمل الكثير
معرفة ما يحب الله وما يكره
ثم معرفة ما أحب الله وهو الذي أمر به ورغب فيه
فأبلغ الاعمال إلى رضوان الله مفارقة ما يكره الله ثم مباشرة ما يحب الله
تعالى وما رغب فيه
فانظر يا أخي إذا اصبحت فلا يكن شئ أهم اليك من أن تميت خصلة
وإنه ليس شئ أولى بالعبد بعد معرفة الله من معرفة ما يكره الله وهو الذي
نهاه عنه وتقدم فيه بالوعيد والزجر والتحذير
تهواها نفسك مما يكره الله تعالى فإنه يحيا لك مكانها
خصلة مما يحب الله ولك بعد ذلك التضعيف من النور الساطع في قلبك والفهم
واعلم يا أخي ان الدنيا منها حلال مباح ومنها شبهات ومنها حرام
فإذا كان في قلب العبد عقدة متمكنة من عقد حب الحلال المباح لم تنقطع عنه
مواد نوازع الشبهات والمكروهات
وإذا كان في قلبه عقدة متمكنة من عقد حب الشبهات والمكروهات لم تنقطع عنه
مواد نوازع الحرام وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من وقع في
الشبهات فأوشك ان يواقع الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه
فكل من تمكنت الشبهات من قلبه واطمأن إلى اخذها وقع في الحرام لان الشبهات
اقرب الى الحرام منها الى الحلال
قلت فكيف يصنع الناس بمرافقهم وحوائجهم
فقال إني لم أنهك عن كسبك وحوائجك وما تحتاج إليه منها وإنما أحذرك أخذ ما
لا تحتاج إليه منها ونهيك عن اعتقاد الحب لما تحتاج اليه منها حتى تكون
تأخذها من المباح وهي راغمة وأنت عالم بها وبصغر قدرها عند خالقها إذ يقول
لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى }
واعلم ان المعتقد لحبها وهو عالم بها لا يؤمن عليه أن تستولي على قلبه
فتملكه فيأخذ بعد الحلال الشبهات وبعد الشبهات الحرام
واعلم أن المعتقد لحبها وغير المعتقد يأتيان على حاجتهما واعتقاد حب
الدنيا من الحلال وهن في قلوب العارفين ولا يزيد ذلك في رزق المعتقد ولا
ينقص من رزق الذي لا يعتقد المحبة
واعلم ان العباد إنما أمروا بالاشتغال بالعلم من الجهل وبالعمل بالاخلاص
ولا تنال هذه الدرجة حتى تكون بحالة لو قدرت ان تترك ما تحتاج اليه منها
لتركته
وإذ يقول نبيه صلى الله عليه وسلم لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما
سقى كافرا منها شربة ماء
المعرفة ونعيم الخوف
قال بحسن المعرفة
قلت مما حسن المعرفة
قال افتقار القلب الى الله واقترابه منه ومن دار الآخرة حتى كأنهما رأي
العين ويجعل الذنوب التي سلفت منه فيما بينه وبين الله نصب عينيه ويجعل
النعمة التي قد انعم الله عليه بها والتي لا يحصيها ولا يقدر على شكرها في
اقرار قلبه بذلك واجلال الله وتعظيمه وقدرته و وعيده واهوال القيامة وما
بعدها وما قبلها من البرزخ والموت
فإذا استقر ذلك في قلبه وسكن القلب الى ذلك كذلك انار القلب وعمر بعد
الخراب واضاء بعد الظلمة ثم لانت المفاصل عند ذلك
قلت فبأي شيء ينتقل من درجة الصبر الى درجة النعيم
وتوثبت الجوارح الى الطاعات فعند ذلك تسقط مؤنة الصبر
ويصير في درجة الخوف والمحبة للعبادة وعند ذلك يجد حلاوة ما هو فيه فتلك
العبادة بحسن المعرفة
فلا يزال كذلك حتى يعرض له من دواعي الدنيا و وساوس النفس ما ان مال اليه
قطعه عن تلك الحلاوة ورده الى درجة الصبر
ولساعة واحدة من تلك الساعات خير من ايام كثيرة من ايام الصبر لان فيها
الخوف وفيها الحب وفيها الشكر وفيها الندم وهو التوبة وتعظيم ما عظم الله
وتصغير الدنيا والانس بالله
فلا يلحق صاحب هذه الدرجة صاحب الصوم الكثير والصلاة الكثيرة والحج والغزو
وهكذا العمل اذا كان بالمعرفة القوية
كيف غفل الناس عن هذه الدرجة
فقال هذه الدرجة في الدرجات كالجوهرة في الاشياء وكاللؤلؤة الفائقة في الف
لؤلؤة والجنس واحد وانما قل اهل هذه الدرجة وعزوا لان من الاشياء ما
صعوبته في المسلك اليه فإذا صرت اليه صرت الى سهولة ورخاء وانس ومن
الاشياء ما سهولته وشهوته في طريقه وصعوبته وشدته في نفس ذلك الشيء اذا
صرت اليه
قلت فأين المريدون عن هذه الدرجة ولم لا يكون اهتمامهم وعنايتهم بها اكثر
من عنايتهم بغيرها من الدرجات
اولا تراهم يطلبون العلم فإذا صاروا الى استعمال العلم والورع لا ترى من
يستعمله ولا من يريده الا الواحد بعد الواحد
اولا اولا تراهم يتعلمون السير وفضائل الجهاد فإذا صاروا الى شروط الجهاد
لا ترى من يقوم بعمله
هذه الدرجة شديدة في الطريق اليها ولا ترى في طريقها الا الواحد بعد
الواحد من الكثير فلذلك قل اهل هذه الدرجة وكثر طلاب غيرها من الدرجات
لانها هي الدرجة التي استعبدت العباد وهي درجة الصدق وصار علمها مهجورا
وصار الناس انما يريدون من العمل ما خف محمله وقلت فيه مفاتشة الهمة ونقاء
الضمير والتوقف ومحاسبة النفس ومخالفة الهوى ومجاهدة العدو
واعلم ان رضا العبد بالحالة التي هو عليها مقيم ضعف وبلية نزلت به
والعامة يعنون بالشيء الذي فيه السهولة فإذا صاروا الى الشدة والمرارة
كاعوا وتحيروا وخسروا وقد كانوا قبل ذلك يسرعون اليه لما فيه من السهولة
المحب مسارع الى القربات
ولا اعلم في الناس شيئا اقل من الغضب لله والرضا لله والحب لله والبغض لله
واقل من ذلك الرضا عن الله تعالى والتسليم لأمره وتفويض الامور الى الله
واكثر سلامة الناس من الشر بالصبر واكثر طلبهم للخير بما وافق الهوى
والانسان في اكثر النعم مخالف الشكر واقرب خصال الخير من الله اثقلها على
العبد ولو قبلها بشكر كان اقربها الى الله احبها اليه
فهذا العبد يرجو رحمة الله باليسير من البر كما يرجوه بالكثير من البر
سواء ويخاف سخط الله باليسير من الذنوب كما يخاف سخطه بالكثير من الذنوب
سواء ولا يكون حسن الرغبة في كثير من الحسنات الا كان في القليل كذلك
وقال اذا اردت ان تصلح من امرك شيئا فاشتد عليك فخل عن جميع اعمال البر من
التطوع كلها واجعل شغلك كله فيه فإنك تعان عليه ان شاء الله
وقال المحب ينازع الى القربة ابدا ما عاش والخائف يتعرض للنجاة فلما
استيقن بالرحيل صار مخادعا لنفسه ومؤثرا لما قدم على ما خلف
فأشرفها وافضلها قوم عملوا لله على التعظيم له فحسنت اعمالهم وكرمت فعالهم
على وجه عظمته في صدورهم وعظم قدره في قلوبهم فلم يكن شيء احب اليهم ولا
الذ عندهم من شيء يتقربون به اليه
وآخرون عملوا على وجه الرغبة والحرص على جواره فلم تكن لهم همة الا ترك ما
نهاهم عنه لعظيم ثوابه وخافوا فوات خير ما عنده من عظيم ما اعد من الثواب
لاهل ولايته
وآخرون عملوا مخافة منه ومن عقابه فكانت همتهم في الرهبة من العقاب قد
حالت بينهم وبين الرغبة في الثواب وكانت الاعمال منهم على وجه الفرار من
العقاب وليس يخطر الثواب على قلوبهم لعظم العقاب في صدورهم ويقولون في
انفسهم ان بلغتنا اعمالنا الى الخلاص من العقاب لقد ظفرنا بالفوز العظيم
فخرجت الرغبة من قلوبهم من كثرة الرهبة فما تخطر الجنة بقلوبهم من عظم
العقاب في صدورهم
وقال الناس يعملون على اربعة وجوه
فاستحيوا من كل قبيح يعملونه في سرائرهم حتى كأنهم ينظرون اليه ولما
استيقنوا بنظره اليهم قالوا سواء علينا نظر الينا او نظرنا اليه وايقنوا
انه اقرب اليهم من حبل الوريد
فلما ايقنوا بذلك حال يقينهم بينهم وبين مثاقيل الذر وموازين الخردل مما
يكره المطلع عليهم وكان الحائل بينهم وبين اعتقاد القلب على شيء مما يكره
سيدهم معرفتهم بأنه مطلع في ضمائرهم وينظر اليهم في كل حركة تكون منهم وكل
سكون وكل خطرة وكل طرفة عين وكل همة وكل ارادة وكل نية وكل محبة وكل شهوة
واما نحن فلم يهيجنا على عملنا التعظيم له ولم تهيجنا رغبتنا في عظيم
الثواب فنتقرب بحسن الفعال ولم تدعنا الرهبة من العقاب الى ترك مساوىء
الاعمال ولم يحل الحياء منه بيننا وبين قبيح الاعمال فيما بيننا وبينه
فنسأل الله المنان الذي من عليهم ان يمن علينا بما من به عليهم وان يهب
لنا مثل فعالهم فإنه فعال لما يريد
وقال الصدق عند العبد على قدر ارادته والشكر عنده على قدر موقع النعمة منه
وآخرون عملوا على وجه الحياء من الله سبحانه استحيوه في ليلهم ونهارهم اذا
غلقت الابواب وارخيت الستور عليهم لما ايقنوه انه هو الذي يلي عرضهم
ومساءلتهم
السلوك السلفي
ذكر الآخرة
سلام عليك اما بعد فاذكر ما انت عنه زائل وعليه قادم واليه صائر كذكر من
نظر فاعتبر واخذ حذره فازدجر وتعوذ بالله من موت القلب عن شدة العناية
للسداد والرشاد وحسن الاستعداد للمعاد
فلو فكر العباد وعلموا انهم لا يسعهم ان يردوا على الله الا بما له فيه
رضا علموا او جهلوا والا يطلع الله على ضمائرهم فيرى فيها شيئا مما يكره
وان يكونوا نادمين على ما كان منهم ما لم يكن فيه رضاه مما علموا او جهلوا
اذن لاجتهد من كان يخاف الله منهم بالغيب ان يكون مجهولهم معلوما ومعلومهم
معمولا به وان يكونوا نادمين على ما فات منهم من ذلك
واعلم يا أخي ان الله سبحانه جعل نجاة العباد برحمته في المعرفة ثم في
الارادة ثم في ترك ما امرهم بتركه ثم في العمل بما امرهم به ثم في شكر
نعمه التي انعم بها عليهم قديما وحديثا ظاهرا وباطنا
بسم الله الرحمن الرحيم يروى عن بعض الحكماء انه كتب الى اخ له
فأول ما اراد الله تعالى من العباد ان يعرفوه عن الوجوه التي تعرف اليهم
منها فإنه قد تعرف اليهم من خلقه للخلق وتدبيره في الخلق ومن قدرته على
الخلق وتكفله بأرزاق الخلق واماتته الخلق واحيائه الخلق ألا له الخلق
والامر تبارك الله احسن الخالقين
فالمعرفة قبل كل شيء واصل كل شيء ثم الارادة وهي منها وهي تحقيق الترك
وتحقيق العمل والاخذ والاعطاء والحب والكره في الاعمال كلها
وهي ولية عقد منافع اهل الاعمال في اعمالهم
واراد منهم بعد المعرفة ان يريدوه بكل ما عملوا من اعمال البر ولا يروا
غيره ولا يطلبون الثواب الا منه فلو كان يمكن ان يكون قبل المعرفة شيء
لكانت الارادة قبل المعرفة ولو استغنى عن المعرفة بشيء لاستغنت الارادة عن
المعرفة
والشكر على قدر المعرفة فمفتاح النعم وأفضلها كلها وأولها هي
نعمة المعرفة ولا أعلم بعد نعمة المعرفة أعظم قدرا من
نعمة العقل ونعمة الإرادة نعمة يعصر مبلغ شكرها
وآخر النعم نعمة الحكمة فنسأل الله خاتمة خير ونسأله أن يعرفنا جميع نعمه
وأن يوزعنا الشكر على ذلك فقد ينال العبد بالمعرفة والارادة من الخير
والقرب من الله سبحانه وتعالى ما لا يناله صاحب العمل الكثير
معرفة ما يحب الله وما يكره
ثم معرفة ما أحب الله وهو الذي أمر به ورغب فيه
فأبلغ الاعمال إلى رضوان الله مفارقة ما يكره الله ثم مباشرة ما يحب الله
تعالى وما رغب فيه
فانظر يا أخي إذا اصبحت فلا يكن شئ أهم اليك من أن تميت خصلة
وإنه ليس شئ أولى بالعبد بعد معرفة الله من معرفة ما يكره الله وهو الذي
نهاه عنه وتقدم فيه بالوعيد والزجر والتحذير
تهواها نفسك مما يكره الله تعالى فإنه يحيا لك مكانها
خصلة مما يحب الله ولك بعد ذلك التضعيف من النور الساطع في قلبك والفهم
واعلم يا أخي ان الدنيا منها حلال مباح ومنها شبهات ومنها حرام
فإذا كان في قلب العبد عقدة متمكنة من عقد حب الحلال المباح لم تنقطع عنه
مواد نوازع الشبهات والمكروهات
وإذا كان في قلبه عقدة متمكنة من عقد حب الشبهات والمكروهات لم تنقطع عنه
مواد نوازع الحرام وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من وقع في
الشبهات فأوشك ان يواقع الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه
فكل من تمكنت الشبهات من قلبه واطمأن إلى اخذها وقع في الحرام لان الشبهات
اقرب الى الحرام منها الى الحلال
قلت فكيف يصنع الناس بمرافقهم وحوائجهم
فقال إني لم أنهك عن كسبك وحوائجك وما تحتاج إليه منها وإنما أحذرك أخذ ما
لا تحتاج إليه منها ونهيك عن اعتقاد الحب لما تحتاج اليه منها حتى تكون
تأخذها من المباح وهي راغمة وأنت عالم بها وبصغر قدرها عند خالقها إذ يقول
لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى }
واعلم ان المعتقد لحبها وهو عالم بها لا يؤمن عليه أن تستولي على قلبه
فتملكه فيأخذ بعد الحلال الشبهات وبعد الشبهات الحرام
واعلم أن المعتقد لحبها وغير المعتقد يأتيان على حاجتهما واعتقاد حب
الدنيا من الحلال وهن في قلوب العارفين ولا يزيد ذلك في رزق المعتقد ولا
ينقص من رزق الذي لا يعتقد المحبة
واعلم ان العباد إنما أمروا بالاشتغال بالعلم من الجهل وبالعمل بالاخلاص
ولا تنال هذه الدرجة حتى تكون بحالة لو قدرت ان تترك ما تحتاج اليه منها
لتركته
وإذ يقول نبيه صلى الله عليه وسلم لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما
سقى كافرا منها شربة ماء
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
آفة حب الجاه عند المخلوقين
فاهل المعرفة بالله وأهل الإرادة يكرهون أن يراهم الله سبحانه وقد اعتقدوا
من ذلك شيئا
حملتهم المعرفة بالاجلال لله وإيثار محبته على ألا ينظر اليهم سيدهم
وأما الشبه الاخرى التي يكرهها الله سبحانه وتعالى فطمعك في القدر والجاه
والثناء عند المخلوقين وخوفك من سقوط منزلتك عند المخلوقين وذلك مما يسقط
منزلتك عند الله عز وجل
وفيهم شئ مما يكرهه في مبلغ علمهم فهم يكرهون ما يكره
الله في غيرهم فكيف يرضون به في انفسهم
أبت معرفة الله أن يساكنها شئ من مكارة الله وأبت الارادة ان تشتغل بغير
ما احب الله قد شغلتهم المعرفة بالفكر في كثرة نعم الله عز وجل عليهم
وعجزهم عن أداء شكرها مع عجزهم عن إحصاء عددها وباستكثار ذنوبهم وكثرة
ذكرهم للحياء من الله أن يسألوا الجنة فليس تخطر الجنة لهم على بال قد حال
بينهم وبين مسألتها الحياء من الله والخوف منه ومصيبتهم في انفسهم مما
يخافون من فوت رضوان الله عنهم وسخطه عليهم أعظم في انفسهم وأوجع لقلوبهم
من فوت الجنة وخوف النار ومن الذي يجدون مما يلقي الشيطان من الخطرات
وعوارض الدنيا وحب التزين لأهلها عند عبادتهم وطاعتهم وكثرة فساد النية
والآفات التي تعارضها فهم بذلك مغموصون مكروبون مخافة ان يراهم الله وقد
تزينوا لأحد غيره
فلا تكن يا أخي بشيء أعنى منك بالمعرفة والارادة فإن الخير تبع لهما وهما
علامة نظر الله لعبده وبالله التوفيق
السمع عن الله والعقل عن الله
ثم أوصيك يا أخي بعد مراقبة الله عند همتك إذا هممت وعند كل
حركة تكون منك وكل سكون أن تستمع من الله وتعقل عنه فإن
في هذا القرآن الذي انزل علينا تبيان كل شيء وعلم كل شيء
فعليك بتدبره وتأمله في الليل والنهار وأعمل نفسك في فهمه والعمل به أولا
تسمع الى قوله تعالى { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون
من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة
في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر }
فلا تغفل عن مراقبة من لا يغرب عنه أصغر من مثقال ذرة ولا تشبع ولا تمل
منها فإنه تعالى لا يغفل عنها ينظر اليك ويطلع على ضميرك ويحصي عليك
مثاقيل الذر وموازين الخردل حتى يجزيك بذلك أولا تسمع الى قول الله { إن
الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما }
كمال المراقبة
فأما ما تحسن به المراقبة قبلها فالانقطاع الى الله ولزوم طاعته بالمراقبة
له في السر والعلانية
وأما ما يحسن به الانقطاع الى الله قبل الانقطاع فأربعة أشياء
واعلم يا أخي أنه لا يكاد يحسن الشيء إلا بشيء قبله وشيء بعده
التوبة وإيثار ما يحب الله على ما يكره وأن تكون به انس
منك بخلقه ولا تفرح بما زادك من الدنيا ولا تحزن على ما نقصك منها وهي
درجة اهل الورع والقنوع
والذي يقويك على ذلك التصديق بوعد الله تعالى والثقة بضمانه والترجي بما
يكفيك منها ولزوم سرعة الانتقال عن الدنيا
وأما إيثار ما يحب الله على ما يكره فسبحانه ليس أحد أحق ولا اولى بذلك
منه تبارك اسمه وهو إيثار محبته على هواك وهو فرض على المدبرين عنه
والاباق أن يرجعوا اليه ويعاملوه وكيف لا يؤثره من تعود القرب منه
والانقطاع اليه
أما الانس به فهو أن تكون به أشد انسا منك بخلقه فمن عرفه وعرف لطفه وكثرة
اياديه وحكمه وبره وعطفه وتفضله أنس به
وكيف يراقب العبد من لا يعرفه وكيف ينقطع الى من لا يثق به ولا يأنس به
وأما الذي يحسن الشيء بعده فالشكر وأشهد انك لو عقلت ما تقرأ وكنت مريدا
لهذه المنزلة لنظرت اليه بعين المحزونين الخائفين ألا يقبلك وأن يستقذر
إرادتك وسيرتك وأن يردك عن بابه وأن تقدم عليه وانت كذلك
الاعتبار
واستعن في امرك كله بالاعتبار فإن الامر لا يزال مستورا منك او غائبا عنك
فإذا نظرت إليه نظر المعتبر كاد ان يقوم لك الاعتبار مقام المخبر المعاين
لما قد غاب عنك ومقام الكاشف لك عن المستور عنك حتى تنظر الى زين الامور
وشينها وحسنها وقبيحها وتعرف من اين صار الحسن حسنا والقبيح قبيحا فتتبع
من ذلك ما فيه نجاتك وتجتنب ما فيه هلكتك وتعرف الناس بالاعتبار على
منازلهم في لحن القول ولحن الفعل وتعرفهم وتعرف منازلهم ومذاهبهم بنور
الاعتبار ومواهب الالهام إن شاء الله تعالى
الاقتصاد والحزم
وعليك يا أخي بالاقتصاد والحزم في أمورك كلها فإن الاقتصاد أرجا
للثبات وأسلم من الآفات والحزم ينفع أهله عند الشدة ولا
يضرهم عند الرخاء
فاستكثر من المعرفة ما قدرت فليست المعرفة كالعمل للعمل حد ينتهي اليه
وليس للمعرفة حد تنتهي اليه لأنك تريد بالمعرفة استكمال امر الله وإقامة
حقه ولا يبلغ ذلك أحد لأنه سبحانه وتعالى أجل وأعظم من أن يبلغ الآدميون
كنه حقه
غير أنهم يتباينون فيه بزيادة المعرفة ونقصانها مع المعرفة والانس والروح
والفرح والراحة لزيادتها نعمة من الله ونقصانها عقوبة من الله بذنب او
تضييع شكر
إحذر صغائر الذنوب وارغب في صغائر الخير
ثم هكذا في سائر الاعمال يأتي الفساد على كثرتها كما يأتي على قلتها سواء
و ارغب في الصغير من الخير كما ترغب في الكبير رغبة واحدة
واحذر ما يكره الله من عملك ونيتك وسرك وعلانيتك في الصغير كما تحذره في
الكبير وإن كل شيء يفسد عليك مثقال ذرة قدمته لله يفسد عليك مائة الف
دينار والدنيا كلها مثل ما افسد عليك مثقال ذرة فسادا سواء لا فضل بينهما
لأنه يقبل القليل من العبد كما يقبل الكثير قبولا واحدا
سواء وهكذا في سائر الاعمال
وكفى بقبول الله الصغير من عبده لعبده فوزا مع ان أعمال بني آدم كلها
صغارا إلا ما قبل الله منها فإذا قبل منها شيئا صار عظيما وإن كان قبل ذلك
صغيرا
واعلم ان صغارها أسلم من كبارها في الرياء والاعجاب والامتنان فانتبه لذلك
ولا تغفل عنه
واعلم ان لك في عملك إرادة وأملا فانظر إرادتك في أعمالك كلها كإرادة أهل
الشكر والرضا وأملك فيه كأول المسرفين على انفسهم فليس شيء احب الى أهل
الرضا من شيء يرضى الله به ولا شيء أحب الى أهل الشكر من شيء يشكرون الله
عليه ولا شيء اولى بأهل الاسراف على انفسهم من شيء يرجون به عفو الله
وأعلم أني لست من قلة العمل اخاف عليك وعلى مثلك ولكن أخاف عليك من قلة
المعرفة وضعف الارادة
لا أجدني اخاف عليك وعلى مثلك من قلة التطوع ولست اخاف من الورع ألا تنظر
فيه كما ينظر غيرك أو لا تترك شهوات أحلها الله لك توثر بها عليك غيرك
إلا أني أخاف عليك ان تنازع في أمر يكرهه الله ولا ينفعك قد خفي عن الناس
وهو عند الله ظاهر فيفسد عليك جميع ما أردت او ترى ان لك فضلا على غيرك
فيحبط ذلك جميع ما كنت فيه
أو تكون تدل على الله عز وجل بعملك فيسقطك ذلك من عين الله
أو تمن به على أحد او تؤذي بسببه احدا فقد علمت ما قال الله عز وجل في ذلك
{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله
رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب
فأصابه وابل فتركه صلدا }
وربما يعزم على العلم الذي أراده فلا يجده كما وجده بغير عزم عزم عليه
وأخاف عليك ألا تقوم بصيانها كما قمت بعلمها فيهدم ذلك جميع ما كنت فيه
وما بنيت عليه او لا تؤدي ما يجب عليك من الشكر فيها فيلزمك من الذم في
كفران النعم أكثر مما رجوت من الحمد فيها
فاهل المعرفة بالله وأهل الإرادة يكرهون أن يراهم الله سبحانه وقد اعتقدوا
من ذلك شيئا
حملتهم المعرفة بالاجلال لله وإيثار محبته على ألا ينظر اليهم سيدهم
وأما الشبه الاخرى التي يكرهها الله سبحانه وتعالى فطمعك في القدر والجاه
والثناء عند المخلوقين وخوفك من سقوط منزلتك عند المخلوقين وذلك مما يسقط
منزلتك عند الله عز وجل
وفيهم شئ مما يكرهه في مبلغ علمهم فهم يكرهون ما يكره
الله في غيرهم فكيف يرضون به في انفسهم
أبت معرفة الله أن يساكنها شئ من مكارة الله وأبت الارادة ان تشتغل بغير
ما احب الله قد شغلتهم المعرفة بالفكر في كثرة نعم الله عز وجل عليهم
وعجزهم عن أداء شكرها مع عجزهم عن إحصاء عددها وباستكثار ذنوبهم وكثرة
ذكرهم للحياء من الله أن يسألوا الجنة فليس تخطر الجنة لهم على بال قد حال
بينهم وبين مسألتها الحياء من الله والخوف منه ومصيبتهم في انفسهم مما
يخافون من فوت رضوان الله عنهم وسخطه عليهم أعظم في انفسهم وأوجع لقلوبهم
من فوت الجنة وخوف النار ومن الذي يجدون مما يلقي الشيطان من الخطرات
وعوارض الدنيا وحب التزين لأهلها عند عبادتهم وطاعتهم وكثرة فساد النية
والآفات التي تعارضها فهم بذلك مغموصون مكروبون مخافة ان يراهم الله وقد
تزينوا لأحد غيره
فلا تكن يا أخي بشيء أعنى منك بالمعرفة والارادة فإن الخير تبع لهما وهما
علامة نظر الله لعبده وبالله التوفيق
السمع عن الله والعقل عن الله
ثم أوصيك يا أخي بعد مراقبة الله عند همتك إذا هممت وعند كل
حركة تكون منك وكل سكون أن تستمع من الله وتعقل عنه فإن
في هذا القرآن الذي انزل علينا تبيان كل شيء وعلم كل شيء
فعليك بتدبره وتأمله في الليل والنهار وأعمل نفسك في فهمه والعمل به أولا
تسمع الى قوله تعالى { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون
من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة
في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر }
فلا تغفل عن مراقبة من لا يغرب عنه أصغر من مثقال ذرة ولا تشبع ولا تمل
منها فإنه تعالى لا يغفل عنها ينظر اليك ويطلع على ضميرك ويحصي عليك
مثاقيل الذر وموازين الخردل حتى يجزيك بذلك أولا تسمع الى قول الله { إن
الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما }
كمال المراقبة
فأما ما تحسن به المراقبة قبلها فالانقطاع الى الله ولزوم طاعته بالمراقبة
له في السر والعلانية
وأما ما يحسن به الانقطاع الى الله قبل الانقطاع فأربعة أشياء
واعلم يا أخي أنه لا يكاد يحسن الشيء إلا بشيء قبله وشيء بعده
التوبة وإيثار ما يحب الله على ما يكره وأن تكون به انس
منك بخلقه ولا تفرح بما زادك من الدنيا ولا تحزن على ما نقصك منها وهي
درجة اهل الورع والقنوع
والذي يقويك على ذلك التصديق بوعد الله تعالى والثقة بضمانه والترجي بما
يكفيك منها ولزوم سرعة الانتقال عن الدنيا
وأما إيثار ما يحب الله على ما يكره فسبحانه ليس أحد أحق ولا اولى بذلك
منه تبارك اسمه وهو إيثار محبته على هواك وهو فرض على المدبرين عنه
والاباق أن يرجعوا اليه ويعاملوه وكيف لا يؤثره من تعود القرب منه
والانقطاع اليه
أما الانس به فهو أن تكون به أشد انسا منك بخلقه فمن عرفه وعرف لطفه وكثرة
اياديه وحكمه وبره وعطفه وتفضله أنس به
وكيف يراقب العبد من لا يعرفه وكيف ينقطع الى من لا يثق به ولا يأنس به
وأما الذي يحسن الشيء بعده فالشكر وأشهد انك لو عقلت ما تقرأ وكنت مريدا
لهذه المنزلة لنظرت اليه بعين المحزونين الخائفين ألا يقبلك وأن يستقذر
إرادتك وسيرتك وأن يردك عن بابه وأن تقدم عليه وانت كذلك
الاعتبار
واستعن في امرك كله بالاعتبار فإن الامر لا يزال مستورا منك او غائبا عنك
فإذا نظرت إليه نظر المعتبر كاد ان يقوم لك الاعتبار مقام المخبر المعاين
لما قد غاب عنك ومقام الكاشف لك عن المستور عنك حتى تنظر الى زين الامور
وشينها وحسنها وقبيحها وتعرف من اين صار الحسن حسنا والقبيح قبيحا فتتبع
من ذلك ما فيه نجاتك وتجتنب ما فيه هلكتك وتعرف الناس بالاعتبار على
منازلهم في لحن القول ولحن الفعل وتعرفهم وتعرف منازلهم ومذاهبهم بنور
الاعتبار ومواهب الالهام إن شاء الله تعالى
وعليك يا أخي بالاقتصاد والحزم في أمورك كلها فإن الاقتصاد أرجا
للثبات وأسلم من الآفات والحزم ينفع أهله عند الشدة ولا
يضرهم عند الرخاء
فاستكثر من المعرفة ما قدرت فليست المعرفة كالعمل للعمل حد ينتهي اليه
وليس للمعرفة حد تنتهي اليه لأنك تريد بالمعرفة استكمال امر الله وإقامة
حقه ولا يبلغ ذلك أحد لأنه سبحانه وتعالى أجل وأعظم من أن يبلغ الآدميون
كنه حقه
غير أنهم يتباينون فيه بزيادة المعرفة ونقصانها مع المعرفة والانس والروح
والفرح والراحة لزيادتها نعمة من الله ونقصانها عقوبة من الله بذنب او
تضييع شكر
إحذر صغائر الذنوب وارغب في صغائر الخير
ثم هكذا في سائر الاعمال يأتي الفساد على كثرتها كما يأتي على قلتها سواء
و ارغب في الصغير من الخير كما ترغب في الكبير رغبة واحدة
واحذر ما يكره الله من عملك ونيتك وسرك وعلانيتك في الصغير كما تحذره في
الكبير وإن كل شيء يفسد عليك مثقال ذرة قدمته لله يفسد عليك مائة الف
دينار والدنيا كلها مثل ما افسد عليك مثقال ذرة فسادا سواء لا فضل بينهما
لأنه يقبل القليل من العبد كما يقبل الكثير قبولا واحدا
سواء وهكذا في سائر الاعمال
وكفى بقبول الله الصغير من عبده لعبده فوزا مع ان أعمال بني آدم كلها
صغارا إلا ما قبل الله منها فإذا قبل منها شيئا صار عظيما وإن كان قبل ذلك
صغيرا
واعلم ان صغارها أسلم من كبارها في الرياء والاعجاب والامتنان فانتبه لذلك
ولا تغفل عنه
واعلم ان لك في عملك إرادة وأملا فانظر إرادتك في أعمالك كلها كإرادة أهل
الشكر والرضا وأملك فيه كأول المسرفين على انفسهم فليس شيء احب الى أهل
الرضا من شيء يرضى الله به ولا شيء أحب الى أهل الشكر من شيء يشكرون الله
عليه ولا شيء اولى بأهل الاسراف على انفسهم من شيء يرجون به عفو الله
وأعلم أني لست من قلة العمل اخاف عليك وعلى مثلك ولكن أخاف عليك من قلة
المعرفة وضعف الارادة
لا أجدني اخاف عليك وعلى مثلك من قلة التطوع ولست اخاف من الورع ألا تنظر
فيه كما ينظر غيرك أو لا تترك شهوات أحلها الله لك توثر بها عليك غيرك
إلا أني أخاف عليك ان تنازع في أمر يكرهه الله ولا ينفعك قد خفي عن الناس
وهو عند الله ظاهر فيفسد عليك جميع ما أردت او ترى ان لك فضلا على غيرك
فيحبط ذلك جميع ما كنت فيه
أو تكون تدل على الله عز وجل بعملك فيسقطك ذلك من عين الله
أو تمن به على أحد او تؤذي بسببه احدا فقد علمت ما قال الله عز وجل في ذلك
{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله
رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب
فأصابه وابل فتركه صلدا }
وربما يعزم على العلم الذي أراده فلا يجده كما وجده بغير عزم عزم عليه
وأخاف عليك ألا تقوم بصيانها كما قمت بعلمها فيهدم ذلك جميع ما كنت فيه
وما بنيت عليه او لا تؤدي ما يجب عليك من الشكر فيها فيلزمك من الذم في
كفران النعم أكثر مما رجوت من الحمد فيها
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى