لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : آداب العلماء والمتعلمين - صفحة 2 Empty كتاب : آداب العلماء والمتعلمين {الجمعة 3 يونيو - 21:13}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

الفصل الأول



آداب العالم في علمه


وفيه اثنا عشر نوعاً


النوع الأول:



أن
يقصد العالم بعلمه وجه الله تعالى ولا يقصد به توصلاً إلى غرض دنيوي،
كتحصيل مال أو جاه أو شهرة أو سمعة أو تميز عن الأقران ونحو ذلك، ولا يشين
علمه وتعليمه بشيء من الطمع في رفق يحصل له من مشتغل عليه بمال أو خدمة أو
نحوها، وإن قل وإن كان على صورة الهدية، التي لو لا اشتغاله عليه لما
أهداها إليه، وكان منصور لا يستعين بأحد يختلف إليه في حاجة، وقال سفيان
بن عيينة: كنت قد أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة من أبي جعفر سلبته
نسأل الله المسامحة، وينبغي له أن يصحح نيته عند الشروع في كل ما يفيده.
قال أبو مزاحم الخاقاني: قيل لأبي الأحوص حدثنا، فقال: ليت لي نية، فقالوا
له: إنك تؤجر، فقال شعراً:
يمنوني الخير الكثير وليتني ... نجوت كفافاً لا عليّ ولا ليا
وقد
صح عن الشافعي رحمه الله أنه قال: وددت أن الخلق تعلموا مني هذا العلمِ
على أن لا ينسب إلي حرف منه. وقال رحمه الله: ما ناظرت أحداً قط على
الغلبة، ووددت إذا ناظرت أحداً أن يظهر على يديه، وقال: ما كلمت أحداً قط
إلا وددت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وعن أبي
يوسف رحمه الله قال: يا قوم أريدوا بعلمكم الله، فإني لم أجلس مجلساً قط
أنوي فيه أن أعلوهم، إلا لم أقم حتى أفتضح.


الثاني:


دوام
مراقبة الله تعالى في السر والعلانية، والمحافظة على خوفه في جميع حركاته
وسكناته وأقواله وأفعاله، فإنه أمين على ما أودع من العلوم، وما منح من
الحواس والفهوم. قال الله تعالى: (لا تخوَنوا الله والرسول وتخونوا
أماناتكم وأنتم تعلمون). وقال تعالى: (بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا
عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشونِ).
قال الشافعي: ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع، وعليه بدوام السكينة
والوقار والخشوع والورع والتواضع والخضوع.
ومما
كتب مالك إلى الرشيد: إذا علمت علماً فلْيُرَ عليك أثره، وسكينته وسمته،
ووقاره، وحلمه. لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: العلماء ورثة الأنبياء.
وقال
عمر: تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار وعن أبي هريرة مرفوعاً:
تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة. وتواضعوا لمن تعلمون منه. رواه
الطبراني في الأوسط. وعن السلف رحمهم الله: حق على العالم أن يتواضع لله،
في سره وعلانيته ويحترس من نفسه ويقف عما أشكل عليه.


الثالث:


أن
يصون العلم كما صانه علماء السلف، ويقوم له بما جعله الله تعالى له من
العزة والشرف، فلا يدنسه بالأطماع، ولا يذله بذهابه ومشيه إلى غير أهله من
أبناء الدنيا من غير ضرورة أو حاجة أكيدة، ولا إلى من يتعلمه منه منهم،
وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه.
قال الزهري: هو أن بالعلم أن يحمله
العالم إلى بيت المتعلم. وقال مالك بن أنس للمهدي وقد استدعاه لولديه
يعلمهما: العلم أولى أن يوقر ويؤتى، وفي رواية: العلم يزار ولا يزور ويؤتى
ولا يأتي. وفي رواية: أدركت أهل العلم يؤتون ولا يأتون، ويروى عنه أيضاً
أنه قال: دخلت على هارون الرشيد فقال يا أبا عبد الله: ينبغي أن تختلف
إلينا حتى يسمع صبياننا منك الموطأ، قال: فقلت أعزك الله أن هذا العلم
منكم خرج، فإن أنتم أعززتموه عز، وإن أذللتموه ذلَّ والعلم يؤتى ولا يأتي
فقال: صدقت اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا من سمع الناس.

ويروى أن
الرشيد سأله هل لك دار؟ فقال: لا. فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال: اشتر بها
داراً، فأخذها ولم ينفقها، فلما أراد الرشيد الشخوص إلى العراق قال لمالك:
ينبغي لك أن تخرج معنا فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ، كما حمل عثمان
الناس على القرآن، فقال له: أما حما، الناس على الموَطأ فليس إلى ذلك
سبيل، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم افترقوا بعده في
الأمصار، فحدثوا فعند أهل كل مصر علم. وقد قال صلى الله عِليه وعلى آله
وسلم: اختلاف أمتي رحمة، وأما الخروج معك فلا سبيل إليه، قال صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وقال صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، وهذه
دنانيركم كما هي أن شئتم فخذوها، وإن شئتم فدعوها، يعني أنك إنما حملتني
على مفارقة المدينة بما اصطنعت لدي فلا أوثر الدنيا على الأخرى، وأخرج
الخطيب البغدادي في الجامع عن مقاتل بن صالح الحميدي قال: دخلت على حماد
بن سلمة فبينما أنا عنده إذ دق رسول محمد بن سليمان فدخل فسلم وناوله
كتابه فقال: أقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن سليمان
إلى حماد بن سلمة.
أما بعد فصبحك اللهّ بما صبح به أولياءه وأهل طاعته
وقعت مسألة فأتنا نسألك عنها، فقال لي: اقلب الكتاب واكتب: أما بعد وأنت
صبحك اللهّ بما صبح به أولياءه وأهل طاعِته، إنا أدركنا العلماء وهم لا
يأتون أحداً، فإن وقعت مسألة فأتنا فاسألنا عما بدا لك، وإن أتيتني فلا
تأتني إلا وحدك، ولا تأتني بخيلك ورجالك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي، والسلام.
فبينما
أنا عنده جالس إذ دق داق الباب فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا؟ قالت:
هذا محمد بن سليمان، قال: قولي له يدخل وحده، فدخل فسلم ثم جلس بين يديه،
ثم ابتدأ فقال: مالي إذا نظرت إليك امتلأت رعباً، فقال حماد سمعت ثابتاً
البناني يقول: سمعت انس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم يقول: أن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد
أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء. فقال: ما تقول يرحمك الله؟ وذكر مسألته
وجوابها، ثم قال وحاجة إليك قال: ما لم تكن رزية في دين، قال: أربعون ألف
درهم تأخذها تستعين بها على ما أنت عليه، قال: أرددها على من ظلمته بها
قال: والله ما أعطيتك إلا ما ورثته قال: لا حاجة لي فيها، ازوها عني زوى
الله عنك أوزارك، قال فغير هذا، قال: هات ما لم يكن رزية في دين، قال:
تأخذها فتقسمها، قال: فلعلي أن عدلت في قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق
منها أنه لم يعدل في قسمتها فيأثم، إزوها عني، زوى الله عنك أوزارك.
وسيأتي في الفصل الخامس ما اتفق لبعض أولاد المهدي العباسي مع شريك.
وأخبار
السلف في هذا الباب كثيرة شهيرة. فإن دعت حاجة أو ضرورة إلى شيء من ذلك،
واقتضته مصلحة دينية راجحة على مفسدة بذله وحسنت فيه نية صالحة فلا بأس
به، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف من المشي إلى الملوك وولاة الأمر،
كالشافعي وغيره، لا على أنهم قصدوا بذلك فضول الأغراض الدنيوية، وكذلك إذا
كان المأتي إليه من العلم والزهد في المنزلة العلية والمحل الرفيع، فلا
بأس بالتردد إليه لإفادته، فقد كان سفيان الثوري يمشي إلى إبراهيم بن أدهم
ويفيده، وكان أبو عبيد يمشي إلى علي بن المديني يسمعه غريب الحديث.


الرابع:


أن
يتخلق بما حث الشرع عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها بقدر الإمكان،
فإن ما يحتاج إليه منها على الوجه المعتدل من القناعة لا يعد من الدنيا،
وأقل درجات العالم أن يستقذر المعلق بالدنيا ولا يبالي بفواتها، لأنه أعلم
الناس بخسّتها، وفتنتها، وسرعة زوالها، وكثرة عنائها، وقلة غنائها.
وعن
الشافعي رحمه الله: لو أوصى لأعقل الناس صرف إلى الزهاد، فمن أحق من
العلماء بزيادة العقل وكماله. وقال يحيى بن معاذ: لو كانت الدنيا تبراً
يفنى والآخرة خزفاً يبقى، لكان ينبغي للعاقل إيثار الخزف الباقي على التبر
الفاني، فكيف والدنيا خزف فانٍ والآخرة تبر باق. وعليه بالسخاء والجود على
حسب الوجود.


الخامس:




أن يتنزه عن دنيء
المكاسب ورذيلها طبعاً، وعن مكروهها عادة وشرعاً، كالحجامة والدباغة
والصرف والصياغة، ويتجنب مواضع التهم وأن بعدت، ولا يقيل شيئاً يتضمن نقص
مروة، وما يستنكر ظاهراً وإن كان جائزاً باطناً فإنه يعرض نفسه للتهمة،
وعرضه للوقيعة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة، وثم الوقيعة. فإن اتفق
وقوع شيء من ذلك منه لحاجة أو نحوها، أخبر من شاهده بحكمه، وبعذره
ومقصوده، كيلا يأثم من رآه بسببه، أو ينفر عِنه فلا ينتفع بعلمه ولا
يستفيد بذلك الجاهل به. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية: فوليا على رسلكما إنها صفية، ثم قال: إن
الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً، وفي
رواية: فتهلكا.


السادس:


أن يحافظ على
القيام بشعائر الإسلام، وظواهر الأحكام، كإقامة الصلوات ومساجد الجماعات،
وإنشاء السلام، للخواص والعوام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،
والصبر على الأذى بسبب ذلك صادعاً بالحق عند السلاطين، باذلاً نفسه لله لا
يخاف فيه لومة لائم، ذاكراً قوله تعالى: (واصبر على ما أصابك أن ذلك من
عزم الأمور).
وما كان رسول الله صلى اللهّ عليه وعلى آله وسلم، وغيره
من الأنبياء عليه من الصبر على الأذى، وما كانوا يتحملونه في الله تعالى
حتى كان لهم العقبى. وكذلك القيام بإظهار السنن، وإخمال البدع، والقيام
لله في أمور الدين، وما فيه من مصالح المسلمين على الطريق المشروع،
والمسلك المطبوع، ولا يرضى من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز منها، بل
يأخذ نفسه بأحسنها وأكملها، فإن العلماء هم القدوة وإليهم المرجع في
الأحكام، وهم حجة الله تعالى على العوام، وقد يراقبهم للأخذ عنهم من لا
ينظرون، ويقتدي بهديهم من لا يعلمون، وإذا لم ينتفع العالم بعلمه فغيره
أبعد من الانتفاع به، كما سبق من قول الشافعي رحمه الله. ليس العلم ما
حفظ، العلم ما نفع. ولهذا عظمت زلة العالم لما يترتب عليها من المفاسد
لاقتداء الناس به.


السابع:


أن يحافظ على
المندوبات الشرعية؛ القولية والفعلية، ولبالغ في ما يتضمن إجلال صاحب
الشريعة النبوية، وتعظيمه واتباعه صلى اللهّ عليه وعلى آله وسلم، فيلازم
تلاوة القرآن، وذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وكذلك ما ورد من الدعوات
والأذكار في إناء الليل والنهار، ومن نوافل العبادات من الصلاة والصيام،
وحج البيت الحرام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن
محبته وإجلاله وتعظيمه واجب، والأدب عند سماع اسمه وذكر سنته مطلوب وسنة.
وكان في الصادق بن محمد الباقر عليهما السلام، إذا ذكر النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم عند: اصفرّ لوَنه، وكان مالك رحمه الله إذا ذكر النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتغير لونه وينحني. وكان ابن القاسم إذا ذكر
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجف لسانه في فيه هيبة لرسول الله صلى
الله عليه وعلى اله وسلم. وينبغي له إذا تلا القرآن أن يتفكّر في معانيه،
وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، والوقوف عند حدوده. وليحذر من نسيانه بعد
حفظه فقد ورد في الأخبار النبوية ما يزجر عِن ذلك.
والأولى أن يكون له
منه في كل يوم ورد راتب لا يخل به، فإن غاب عليه فيوم ويوم، فإن عجز ففي
ليلتي الاثنين والجمعة. وقراءة القرآن في كل سبعة أيام ورد حسن. ورد في
الحديث عمل به أحمد ابن حنبل، ويقال من قرأ من القرآن في كل سبعة أيام لم
ينسه قط. وينبغي له أن يستعمل الرخص في مواضعها عند الحاجة إليها، ووجود
سببها ليقتدي به نجيها، فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى
عزائمه.


الثامن:


معاملة الناس بمكارم
الأخلاق، من طلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وكظم الغيظ، وكف
الأذى عن الناس، والاحتمال منهم والإيثار وترك الاستيثار، والأنصاف، وترك
الأستنصاف، وشكر الفضل، والسعي في قضاء الحاجات، وبذل الجاه في الشفاعات
والتلطف بالفقراء والتحبب إلى الجيران والأقرباء والرفق بالطلبة وإعانتهم
وبرهم، كما سيأتي أن شاء الله تعالى، وإذا رأى من لا يقيم صلاته أو طهارته
أو شيئاً من الواجبات عليه، أرشده بتلطف ورفق، كما فعل صلى الله عليه وعلى
آله وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد، ومع معاوية بن الحكم في الصلاة.

التاسع:


أن
يطهر باطنه وظاهره من الأخلاق الردية، ويعمره بالأخلاق المرضية، فمن
الأخلاق الردية الغل، والحسد، والبغي، والغضب لغير الله تعالى، والغش،
والكبر، والرياء والعجب، والسمعة، والبخل، والجبن والبطر والطمع، والفخر،
والخيلاء، والتنافس في الدنيا، والمباهاة فيها، والمداهنَّة والتزين
للناس، وحب المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس، والاشتغال عنها
بعيوب الخلق، والحمية، والعصبية لغير الله، والرغبة والرهبة لغيره،
والغيبة، والنميمة، والبهتان، والكذب، والفحش في القول، واحتقار الناس ولو
كانوا دونه، فالحذر الحذر، من هذه الصفات الخبيثة، والأخلاق الرذيلة،
فإنها باب كل شر، بل ير الشر كله. وقد بلي بعض فقهاء الزمان بكثير من هذه
الصفات، إلا من عصم الله تعالى ولا سيما الحسد، والعجب والرياء واحتقار
الناس. وأدوية هذه الأربعة في كتب الزهد، ومن أنفعها التصفية للإمام يحيى
بن حمزة عليه السلام، وكنز الرشاد للإمام عز الدين، ومن أخصرها تكملة
الأحكام. ومن أدوية الحسد، الفكر في أنه اعتراض على الله تعالى في حكمته
المقتضية تخصيص المحسود بالنعمة، مع أنه محض ضرر على الحاسد يجلب له الغم،
وتعب القلب، وتعذيبه بما لا ضرر فيه، على المحسود. ومن أدوية العجب، تذكر
أن علمه وفهمه وجودة ذهنه وفصاحته وغير ذلك من النعم، فضل من الله عليه،
وأمانة عنده ليرعاها حق رعايتها، وأن العجب بها كفران لنعمتها فيعرضها
للزوال، لأن معطيه إياها قادر على سلبها منه في طرفة عين: (و ما ذلك على
الله بعِزيز)، (فأمنوا مكر الله). ومن أدوية الرياء الفكر في أن الخلق
كلهم لا يقدرون على نفعه وضرره، فلم يحبط عمله ويضر دينه ويشغل نفسه
بمراعاة من لا يملك له في الحقيقة نفعاً ولا ضراً مع أن الله تعالى يطلعهم
على نيته، وقبح سريرته. كما صح في الحديث، من سمع سمع الله به، ومن رأيا
رأيا الله به. ومن أدوية احتقار الناس، تدبر قوله تعالى: (لا يسخر قوم من
قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم) الآية، (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، أن
أكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى). وربما كان
المحتقر أطهر عند الله قلباً وأزكى عملاً، وأخلص نية كما قيل: أن اللهّ
تعالى أخفى ثلاثة في ثلاثة، وليه في عباده، ورضاه في طاعته، وغضبه في
معصيته، مع أن احتقار عباد الله مجرد خسران يورث الذل لفاعله.
وفي خبر
للحارث بن معاوية: أنه سأل عمر عن القصص، وأن عمر قال له أخشى عليك أن تقص
فترتفع في نفسك، ثم تقص فترتفع في نفسك، حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة
الثريا فيضك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك. رواه الإمام أحمد،
والحارث ابن معاوية وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح.
ومن
الأخلاق المرضية دوام التوبة، والإخلاص، واليقين، والتقوى، والصبر،
والرضى، والقناعة، والزهد، والتوكل، والتفويض، وسلامة الباطن، وحسن الظن،
والتجاوز، وحسن الخلق، ورؤية الإحسان، وشكر النعمة، والشفقة على خلق الله
والحياء من الله ومن الناس. ومحبة الله تعالى هي الخصلة الجامعة لمحاسن
الصفات. وإنما يتحقق بمتابعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قل أن
كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم).

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : آداب العلماء والمتعلمين - صفحة 2 Empty رد: كتاب : آداب العلماء والمتعلمين {الجمعة 3 يونيو - 21:21}

الفصل السابع




في الآداب مع الكتب التي هي آلة العلم


وما
يتعلق بتصحيحها أو ضبطها وحملها ووضعها وشرائها وعاريتها ونسخها..و غير
ذلك وفيه أحد عشر نوعاً: الأول: ينبغي لطالب العلم إن يعتني بتحصيل الكتب
المحتاج إليها ما أمكنه شراء، وإلا فإجارة أو عارية لأنها آلة التحصيل،
ولا يجعل تحصيلها وكثرتها حظه من العلم، وجمعها نصيبه من الفهم، كما يفعله
كثير من المنتحلين الفقه والحديث، وقد أحسن القائل، إذا لم تكن حافظاً
واعياً، فجمعك للكتب لا ينفع، وإذا أمكن تحصيلها شراء لم يشتغل بنسخها،
ولا ينبغي إن يشتغل بدوام النسخ، إلا فيما يتعذر عليه تحصيله لعدم ثمنه أو
أجرة استنساخه، ولا يهتم المشتغل بالمبالغة في تحسين الخط، وإنما يهتم
بتصحيحه وبضبطه ولا يستعير كتاباً مع إمكان شرائه أو إجارته.
الثاني:
يستحب إعارة الكتب لمن لا ضرر عليه فيها ممن لا ضرر منه بها، لما فيه من
الإعانة على العلم، مع ما في مطلق العارية من الفضل والأجر. قال رجل لأبي
العتاهية: أعرني كتابك، فقال: إني أكره ذلك، فقال: أما علمت إن المكارم
موصولة بالمكاره، فأعاره، وكتب الشافعي إلى محمد بن الحسن:
يا ذا الذي لم ترى عين من رآه مثله
العلم يأبى أهله ... أن يمنعوه أهله
وينبغي
للمستعير أن يشكر للمعير ذلك ويجزيه خيراً، ولا يطيل مقامه عنده من غير
حاجة، ولا يحشيه ولا يكتب شيئاً في بياض فواتحه وخواتمه، إلا إذا علم رضى
صاحبه، وهو كما يكتبه المحدث على جزء سمعه أو كتبه، ولا يعير غيره ولا
يودعه لغير ضرورة، حيث يجوَز شرعاً، ولا ينسخ منه بغير إذن صاحبه، فإن كان
الكتاب وقفاً على من ينتفع به غيرمعين، فلا بأس بالنسخ منه مع الاحتياط،
ولا بإصلاحه ممن هو أهل لذلك، وحسن أن يستأذن الناظر فيه، وإذا نسخ منه
بإذن صاحبه أو ناظره، فلا يكتب منه والقرطاس في بطنه أو على كتابته، ولا
يضع المحبرة عليه ولا يمر بالقلم الممدود فوق كتابه، وانشد بعضهم:
أيها المستعير مني كتاباً ... ارض لي فيه ما لنفسك ترضى
الثالث:
إذا نسخ من الكتاب أو طالعه، فلا يضعه على الأرض مفروشاً منشوراً، بل
يجعله بين شيئين أو كرسي الكتب المعروف، كيلا يسرع بقطع حبكه، وإذا وضعها
في مكان مصفوفة، فلتكن على كرسيِ أو تخت خشب أو نحوه، والأولى أن يكون
بينه وبين الأرض خلوا كيلا تندى أو تبلى، وإذا وضعها على خشب أو نحوه، جعل
فوقه وتحتها ما يمنع تآكل جلودها به، وكذلك يجعل ببينها وبين ما يصادفها
أو يستندها من حائط أو غيره، ويراعي الأدب في وضع الكتب باعتبار علومها
وشرفها ومصنفيها أو جلالتهم، فيضع الأشراف أعلى الكل. ثم يراعي التدريج،
فإن كان فيها المصحف الكريم جعله أعلى الكل، والأولى إن يكوَن في خريطة
ذات عروة في مسمار، أو وتد في حائط طاهر نظيف في صدر المجلس، ثم كتب
الحديث الصرف، ثم تفسير القرآن ثم تفسير الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول
الفقه، ثم النحو والتصريف، ثم أشعار العرب، ثم العروض. فإن استوى كتابان
في فن أعلى أكثرهما قرآناً أو حديثاً فإن استويا فبجلالة المصنف، فإن
استويا، فأقدمهما كتابة وأكثرهما وقوعاً في أيدي العلماء والصالحين، فإن
استويا فأصحهما.
وينبغي إن يكتب اسم الكتاب عليه في جانب آخر الصفحات
من أسفل، ويجعل رؤوس حروف هذه الترجمة إلى الغاشية التي من جانب البسملة،
وفائدة هذه الترجمة معرفة الكتاب، وتيسر إخراجه من بين الكتب، وإذا وضع
الكتب على أرض أو تخت فلتكن الغاشية التي من جهة البسملة أو الكتاب إلى
فوق، ولا يكثر وضع الدفة في أثنائه، لئلا يسرع تكسرها ولا يضع ذوات القطع
الكبير فوق ذوات الصغير، كيلا يكثر تساقطها ولا يجعل الكتب خزانة الكراريس
أو غيرها، ولا مخدة ولا مروحة، ولا مكنساً ولا مسنداً، ولا متكأ، ولا
مقتلة للبق وغيره، ولا سيما في الورق فهو على الورق أشد، ولا يطوي حاشية
الورقة أو زاويتها، ولا يعلم بعود أو شيء جاف، بل بورقة أو نحوها، وإذا
علم بظفره فليكن يسيراً.

الرابع: إذا استعار كتاباً فينبغي له إن
يتفقده عند إرادة أخذه ورده، وإذا ترى كتاباً تعهد أوله وآخره ووسطه
وترتيب أبوابه وكراريسه، وتصفح أوراقه واعتبر صحته، ومما يغلب على الظن
صحته إذا ضاق الزمان عن تفتيشه، ما قاله الشافعي رحمه الله قال: إذا رأيت
الكتاب فيه إلحاق وإصلاح، فاشهد له بالصحة، وقال بعضهم: لا يضيء الكتاب
حتى يظلم، يريد إصلاحه.
الخامس: إذا نسخ شيئاً من كتب العلوم الشرعية،
فينبغي أن يكون على طهارة مستقبلاً القبلة، طاهر البدن والثياب، بحبر
طاهر، ويبتدئ كل كتاب بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم، فإن كان الكتاب
مبدوءاً فيه بخطبة، يتضمن حمد الله تعالى والصلاة على رسوله، كتبها بعد
البسملة وإلا كتب هو ذلك بعدها، ثم كتب باقي الكتاب وكذلك يفعل في ختم
الكتاب وآخر جزء منه بعدما يكتب آخر الجزء الأول أو الثاني (مثلاً) ويتلوه
كذا وكذا إن لم يكن كمل الكتاب، ويكتب إذا كمل: تم الكتاب الفلاني، ففي
ذلك فوائد كثيرة وكلما كتب اسم الله تعالى أتبعه بالتعظيم مثل، تعالى، أو
سبحانه، أو عز وجل، أو تقدس ونحو ذلك، وكلما كتب اسم النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم كتب بعده الصلاة والسلام عليه وعلى آله، ويصلي هو عليه
وعليهم بلسانه أيضاً. وجرت عادة السلف والخلف بكتابة صلى الله عليه وعلى
آله وسلم لموافقة الأمر في قوله تعالى: (صلوا عليه وسلموا تسليما).
وذكر
الآل لما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه قال: لا تصلوا علي
الصلاة البتراء. قالوا وما الصلاة البتراء يا رسول الله، قال: تقولون
اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
ولما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من صلى صلاة لم يصل
فيها على أهل بيتي لم تقبل منه.
وجاء في الحديث عن علي عليه السلام
مرفوعاً: الدعاء محجوب حتى يصلى على النبي وأهل بيته وغير ذلك من
الأحاديث، ولا يختصر الصلاة في الكتابة، ولو وقعت في السطر مراراً كما
يفعل بعض، فيكتب صلع، أو صلم، أو صلم، وكل ذلك غير لائق بحقه صلى الله
عليه وعلى اله وسلم. وقد ورد في كتابة: الصلاة بكمالها، عليه وعلى آله،
وترك اختصارها آثار كثيرة، وإذا مر بذكر الصحابي العدل، كتب رضي الله عنه،
وكلما مر بذكر أحد من السلف فعل ذلك، أو كتب رحمه الله، ولا سيما الأئمة
الأعلام.
السادس: ينبغي إن يتجنب الكتابة الدقيقة في النسخ. قال بعض
السلف: اكتب ما ينفعك وقت حاجتك، ولا تكتب ما لا ينتفع به وقت الحاجة،
والمراد وقت الكبر وضعف البصر، وقد يقصد كثير السفر بالكتابة الدقيقة خفة
المحمل، وهذا وإن كان قصداً صحيحاً، إلا إن المصلحة الفائتة به في آخر
الأمر أعظم.
السابع: إذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصله الصحيح، أو على
شيخ فينبغي له إن يشكل، ويعجم المستعجم، ويضبط الملتبس، ويتفقد مواضع
التصحيف. وقد جرت العادة في الكتابة بضبط الحروف المعجمة بالنقط، وأما
المهملة فمنهم من يجعل للإهمال علامة، وينبغي إن يكتب على ما صححه وضبطه
في الكتاب وهو محل شك عند مطالعته أو تطرق احتمال، صحح صغيرة، ويكتب فوق
ما وقع في التصحيف أو في النسخ وهو خطأ كذا، صغيرة، ويكتب في الحاشية،
صوابه كذا، إن تحققه، وإلا فيعلم عليه صورة رأس صاد، تكتب فوق الكتاب غير
متصلة بها، فإذا تحققه بعد ذلك وكان المكتوب صواباً زاد تلك الصاد حاء
فيصير صح، وإلا كتب الصواب في الحاشية كما تقدم، وإذا وقع في النسخة
زيادة، فإن كانت كلمة واحدة فله إن يكتب عِليها " لا " وإن يضرب عليها،
وإن كانت اكثر من ذلك، فإن شاء كتب فوَق أولها " من " وعلى آخرها " إلى "
ومعناه من هنا ساقط إلى هنا. وإن شاء ضرب على الجميع بأن يخط عليه خطاً
دقيقاً يحصل به المقصود ولا يسود الورق. ومنهم من يجعل مكان الخط نقطاً
امتثالية، وإذا تكررت الكلمة سهواً، من الكتاب، ضرب على الثانية لوقوع
الأولى صواباً في موضعها، إلا إذا كانت الأولى آخر سطر فإن الضرب عليها
أولى، صيانة لأول السطر، إلا إذا كانت مضافاً إليها، فالضرب على الثانية
أولى لاتصال الأولى بالمضاف.

الثامن: إذا أراد إن يخرج شيئاً
في الحاشية ويسمى اللحق بفتح " الحاء " ، علم له في موضعه بخط منعطف
قليلاً إلى جهة التخريج، وجهة اليمين أولى إن أمكن ثم يكتب التخريج في
محاذاة العلامة صاعداً إلى أعلى الورقة، لا نازلاً إلى أسفلها، لاحتمال
تخريج آخر بعده، ويجعل رأس الحروف إلى جهة اليمين، سواء كان في جهة يمين
الكتابة أو يسارها، وينبغي إن يحسب الساقط وما يجيء منه من الأسطر قبل إن
يكتبها، فإن كان سطرين أو أكثر جعل آخر سطر منها يلي الكتابة إن كان
التخريج عن يمينها، وإن كان التخريج عن يسارها جعل أول الأسطر مما يليها
ولا يوصل الكتابة والأسطر بحاشية الورقة، بل يدع مقداراً يحتمل الحك عند
حاجته مرات، ثم يكتب في آخر التخريج " صح " ، وبعضهم يكتب بعد صح الكلمة
التي تلي آخر التخريج في متن الكتاب علامة على اتصال الكلام.
التاسع:
لا بأس بكتابة الحواشي والفوائد والتنبيهات المهمة على حواشي كتاب يملكه
ولا يكتب في آخره " صح " فرقاً بينه وبين التخريج، وبعضهم يكتب عليه حاشية
أو قائدة، وبعضهم يكتب في آخرها دارة كذا. ولا ينبغي إن يكتب إلا الفوائد
المهمة المتعلقة بذلك الكتاب، مثل تنبيه على إشكال أو احتراز، أو رمز أو
خطأ، أو نحو ذلك، ولا يسوده بنقل المسائل والفروع الغريبة، ولا يكثر
الحواشي كثرة يظلم الكتاب أو تضيع مواضعها على طالبها، ولا ينبغي الكتابة
بين الأسطر، وقد فعله بعضهم بين الأسطر المفرقه بالحمرة وغيرها، وترك ذلك
أولى مطلقاً.
العاشر: لا باًس بكتابة الأبواب والتراجم والفصول
بالحمرة، فإنه أظهر في البيان وفي فواصل الكلام، وكذلك لا بأس بالرمز به
على أسماء أو مذاهب، أو أقوال أو طرق، أو أنواع، أو لغات، أو أعداد ونحو
ذلك، ومتى فعل ذلك بين اصطلاحه في فاتحة الكتاب ليفهم الخائض فيه معانيها.
وقد رمز بالأحمر جماعة من المحدثين من الفقهاء وغيرهم لقصد الاختصار، فإن
لم يكن ما ذكرناه من الأبواب والفصول والتراجم بالحمرة، أتى بما يميزه من
تغليظ القلم وطول المشق واتحاده في السطر، ونحو ذلك، ليسهل الوقوف عليه
عند قصده وينبغي إن يفصل بين كل كلامين بدارة أو ترجمة أو قلم غليظ، ولا
يوصل الكتابة كلها على طريقة واحدة، لما فيه من عسر استخراج المقصود،
وتضييع الزمان فيه، ولا يفعل ذلك إلا غبي جداً.
الحادي عشر: قالوا:
الضرب أولى من الحك، لا سيما في كتب الحديث لأن في تهمة وجهالة، ولأن
زمانه اكثر فيضيع وفعله خطر فربما نقب الورقة، وافسد ما ينفذ إليه فأضعفها
فإن كان إزالة نقطة أو شكله ونحو ذلك فالحك أولى، وإذا صحح الكتاب على
الشيخ أو في المقابلة علم على موضع وقوفه، بلغ أو بلغت أو بلغ العرض، أو
غير ذلك مما يفيد معناه.
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : آداب العلماء والمتعلمين - صفحة 2 Empty رد: كتاب : آداب العلماء والمتعلمين {الجمعة 3 يونيو - 21:22}

خاتمة




في ذكر ما ينبغي لأهل البيت النبوي من الآداب الزكية




والأخلاق السنية والهمم العلية


وذلك خمسة أنواع:

الأول:
بذل الهمة في تحصيل العلوم الشرعية خصوصاً الكتاب العزيز والسنة النبوية،
لأن أولى الناس بذلك أهل البيت النبوي، ولم يزل سلفهم رضوان الله عليهم
على ذلك، فإن العلوم الشرعية ما طهرت وانتشرت إلا من عنصر بيتهم الشريف
فكيف لا يهتفون بهذا، وهذا عبد الله بن عباس الحبر رضي الله عنهما يقول:
طلبت العلم فلم أجد أكثر منه في الأنصار، فكنت آتي الرجل فأسأل عنة، فيقال
لي: نائم، فأتوسد ردائي ثم اضطجع، حتى يخرج إلي الظهر فيقول: متى كنت هنا
يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ فأقول: منذ طويل،
فيقول ة بئس ما صنعت.. هل أعلمتني ؟ فأقول: أردت إن تخرج إلي وقد قضيت
حاجتك. وفي رواية عنه قال: وجدت أكثر حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم عند هذا الحي من الأنصار، والله إن كنت لآتي الرجل منهم فيقال:
هو نائم، فلو شئت إن يوقظ لي. فادعه حتى يخرج لأستطيب بذلك حديثه، رواه
الدارمي في مسنده واخرج في الصفوة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما
قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قلت لرجل من الأنصار: هلم
فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنهم اليوم كثير،
فقال: واعجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فيهم، قال: فتركته وأقبلت
أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحديث، فإن كان
ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد الباب، فيخرج فيراني،
فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما جاء بك؟ ألا
أرسلت إلي فآتيك، فأقول بل أنت أحق إن آتيك، فأسأله عن الحديث. فعاش ذلك
الرجل الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي يسألوني فيقول: هذا الفتى
كان أعقل مني. وأخرجه الخطيب في الجامع من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي
الله عنهما، إلا أنه قال: فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تنفخ
الريح علِى التراب، والباقي سواء، وقد تقدم قول ابن عباس: ذلك طالباً
فعززت مطلوباً، فقد أفضى ذلك بابن عباس إلى كمال الشرف والفخار، وأخرج
الخطيب في الجامع عن الشعبي قال: أخذ ابن عباس رضي الله عنهما بركاب زيد
ابن ثابت فقال له: أتمسك بي وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم، قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء، وأخرج أيضاً عن الحسن قال: رئي ابن
عباس رضي الله عنهما آخذاً بركاب أبي بن كعب فقيل له: أنت ابن عم رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتأخذ بركاب رجل من الأنصار؟ فقال: أنه
ينبغي للحبر إن يعظم ويشرف، وقد تقدم ما روي إن علياً بن الحسين عليهما
السلام كان يذهب إلى زيد بن اسلم، فيجلس إليه يعني للأخذ عنه، فقيل له:
أنت سيد الناس وأفضلهم، تذهب إلى هذا العبد فتجلس إليه ؟ فقال: العلم يتبع
حيث كان وممن كان، أي إن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها، وقال علي
بن أبي طالب كرم الله وجهه: الشريف كل الشريف من شرفه علمه، والسؤدد حق
السؤدد لمن اتقى ربه، والكريم من أكرم عن ذل النار وجهه، وما أحسن قول
امرئ القيس:
لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثلما فعلوا
وقال
محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضي
الله عنهم: كنت أطلب العلم في دور الأنصار حتى أني لأتوسد عتبة أحدهم
فيوقظني الإنسان فيقول: إن سيدك قد خرج إلى الصلاة وما يحسبني إلا عبده.



الثاني:
تطهير القلب من كل دنس، وغل، وحسد، وخلق ذميم، وسوء عقيدة، فإنها من
خبايات القلب، قال الله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسؤولا). وأيضاً فبذلك يحصل التهيؤ لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائقه
وغوامض حقائقه. وقد سبق في آداب المتعلم إن بعضهم قال: العلم صلاة السر
وعبادة القلب وقربة الباطن، وكما لا تصلح الصلاة التي هي عبادة الجوارح
الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث، فكذلك لا يصلح العلم الذي هو
عبادة القلب إلا بطهارته عن خبيث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها، وإذا
طيب القلب للعلم ظهرت بركته ونما كالأرض إذا طيبت للزرع نما زرعها وزكا،
ثم لا بد من حسن النية في طلب العلم، بأن يقصد به امتثال أمر الله ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأحيا شريعته والدخول في سلسلة العلم
المنتهية إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، محققاً بذلك حصول
النسبتين، وإن يعد في جملة مبلغي وحي الله وأحكامه وتنوير قلبه، إلى غير
ذلك مما أسلفناه مع سائر ما تضمنه من آداب العالم والمتعلم، فعليك بتدبره
وتذكره باعتبار الصدق والإخلاص، فقد قال الجنيد رحمه الله: ما طلب أحد
شيئاً بجد وصدق إلا ناله، فإن لم ينله كله، نال بعضه. وانشد أبو يعلي
الموصلي:
أصبر على مضض الادلاج بالسحر ... و بالرواح على الحاجات والكبر
لا تعجزن ولا يضجرك مطلبها ... فالنجح يتلف بين العجز والضجر
إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
و قل من جد في أمر يطالبه ... و استصحب الصبر إلا فاز بالظفر
وإياك
إن تقصد بالعلم الأغراض الدنيوية من تحصيل الرئاسة والجاه والمال، والتصدر
في المجالس فيحبط عملك ويكشف نور علمك ويضيع تعبك، وتكون ممن لم ينفعه
الله بعلمه، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من علم لا ينفع
والتوسل بالعلم الذي هو أعظم العبادات إليها من أعظم الصوارف عنها.
الثالث:
اجتناب كل ما يستقبح شرعاً فإن القبيح من أهل هذا البيت أقبح منه من
غجرهم، ولهذا قال العباس رضي الله عنه لأبنه عبد الله، كما في تاريخ دمشق:
يا بني إن الكذب ليس بأحد من هذه الأمة أقبح منه بي وبك وبأهل بيتك، يا
بني لا تكونن بشيء مما خلق الله أحب إليك من طاعته ولا أكره إليك من
معصيته، فإن الله عز وجل ينفعك بذلك في الدنيا والآخرة. وقال علي بن أبي
طالب عليه السلام: لن يستكمل المرء حقيقة الإِيمان حتى يؤثر دينه على
شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه، وقال: من لزم الاستقامة لزمته
السلامة، وجماع ذلك كله ما جاء من إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته.
وقال الحسن المثنى عليه السلام: وإني أخاف إن يضاعف للعاصي.
منا
العذاب ضعفين، ووالله إني لأرجو إن يؤتى المحسن أجره منا مرتين. وقد أخرج
الخطيب البغدادي في الجامع عن جابر بن عبد الله: إن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله يحب معاني الأخلاق ويكره سفاسفها. واخرج
أيضاً عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: إن الله يحب معاني الأخلاق وأشرفها ويكره سفاسفها. وأخرج
أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنما
بعثت لأتمم محاسن الأخلاق، وأولى الخلق بذلك أهل البيت النبوي، لمضاهاة
ذلك تكريم محتدهم وتشريف نسبهم ولتكون حشمتهم في النفوس موفورة وحرمة
الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم محفوظة، حتى لا ينطق بذمهم لسان
ولا يشنؤهم إنسان، وأولى الناس مروءة من كانت له نبوة النبوءة.



الرابع:
ترك الفخر بالإباء وعدم التعويل عليهم من غير اكتساب للفضائل الدينية، فقد
قال الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله اتقاكم). وفي صحيح البخاري عن أبي
هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أي الناس أكرم؟
فقال أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا ليس عن هذا نسألك، قال فأكرم الناس
يوسف نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك قال:
فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: فخيارهم في الجاهلية خيارهم في
الإسلام إذا فقهوا. وروى العسكري والقضاعِي وغيرهما عن الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أبطأ به عمله
لم يسرع به نسبه. وهو في صحيح مسلم في جملة حديث. وجاء عنه صلى الله عليه
وعلى اله وسلم في الإشارة إلى سلوك التواضع، وإطراح المفاخر، قوله: أنا
ابن امرأة كانت تأكل القديد، وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، هون
عليك فلست بملك إنما أنا عبد.
وأخرج الدارمي وغيره، عن عياض بن حمار،
عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلي أن
تواضعوا حتى لا يفخر بعضكم على بعض. وقد جاء في أحاديث كثيرة حثه صلى الله
عليه وعلى آله وسلم لأهل بيته على خشية الله واتقائه وطاعته، وتحذيرهم ألا
يكون أحد أقرب إليه منهم بالتقوى يوم القيامة، وإن لا يؤثروا الدنيا على
الآخرة اغتراراً بنسبهم، كما في حديث أبي هريرة، قال: لما نزلت هذه الآية:
(و أنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،
فاجتمعوا قريشا فعم وخص، فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار،
يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم
من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف
أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة
أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً
تسابلها ببلالها؛ أخرجه مسلم في صحيحه وكذا البخاري بدون الاستثناء.
وحديث
ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا
بني هاشم لا يأتين الناس يوم القيامة بالآخرة يحملونها على صدورهم وتأتوني
بالدنيا على ظهوركم لا أغني عنكم من الله شيئاً؛ أخرجه أبو الشيخ وابن
حبات. وحديث معاذ رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه، ثم التف إلى المدينة فقال: أن أهل بيتي
لا يرون أنهم أولى الناس بي، وليس كذلك.. إن أوليائي منكم المتقون من
كانوا وحيث كانوا، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ، وهو عند احمد في مسنده
بلفظ: إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا، وعن الفضيل بن مرزوق
قال: سمعت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول لرجل ممن
يغلو فيهم: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله
فأبغضونا، قال: فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم وأهل بيته، فقال: ويحكم لو كان الله نافعاً بقرابة من رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغير عمل بطاعته، لنفع بذلك من هو أقرب
إليه منا أباه وأمه، وإني أخاف إن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، ووالله
إني لأرجو إن يؤتى المحسن منا أجره مرتين أخرجه الطائي في أواخر الحديث
الرابع من أربعينه، ولله در القائل:
لعمرك ما الإِنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... و قد وضع الشرك الشقي أبا لهب
فما الحسب الموروث إن در دره ... لمحتسب إلا بآخر مكتسب
إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتده الناس في الخطب
وجاء عن أبي الأسود الدؤلي رضي الله عنه أنه قال:
العلم زين وتشريف لصاحبه ... فاطلب هديت فنون العلم والأدبا
لا خير فيمن له أصل بلا أدب ... حتى يكون على ما زانه حدبا
كم من كريم أخي عيٍّ وطمطمة ... فدم لدى الصوم معروفٍ إذا نسبا
في بيت مكرمة آباؤه نجب ... كانوا الرؤوس فأمسى بعدهم ذنبا



و خامل مقرف الآباء ذي أدب ... نال المعالي بالآداب
والرتبا
أمسى عزيزاً عظيم الشان مشتهراً ... في خده صعر قد ظل محتجبا
العلم كنز وذخر لا نفاد له ... نعم القرين إذا ما صاحب صحبا
قد يجمع المرء مالاً ثم يحرمه ... عما قليل فيلقى الذل والحربا
و جامع اسم مغبوط به أبداً ... و لا يحاذر منه الفوت والعطبا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ... لا تعدلن به دراً ولا ذهبا
وروى الخطيب البغدادي عن أحمد بن عبد الجليل، أنه قال من قصيدة له:
لا يكون السري مثل الدني ... لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء كلما أحسن المر ... ء قضاء من الإمام علي
الخامس:
سلوك طريق سلفهم في التواضع والحلم والصبر على الأذى ذاكرين قوله تعالى:
(و أصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) وما كان عليه نبينا صلى الله
عليه وعلى آله وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر على
الأذى، وما كانوا يتحملونه في الله تعالى حتى كانت لهم العقبى. فينبغي
لأهل البيت النبوي اتباع سلفهم في اقتفاء آثارهم والاهتداء بهديهم
وأنوارهم والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم وزهدهم وورعهم وتحققهم لمعرفة ربهم
عز وجل، فإنهم أولى الناس بذلك. وقد أخرجِ الدولابي وابن عبد البر إن
معاوية قال لضرار الصدائي: صف لي عليأَ، فقال: اعفني. قال: لتصفنه لي،
قال: أما إذا لا بد من وصفه؛ كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً
ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من
الدنيا وزهرتها، ويأنس إلى الليل ووحشته، وكان عزيز العبرة طويل الفكرة
يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا
سألناه، ويبينا إذا استبناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا، لا
نكاد نكلمه هيبة له، يعظُم أهل الدين ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في
باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى
الليل سدوله وغارت نجومه، قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي
بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرُي غيري، إلي تعرضت أو إليَّ تشوقت؛ هيهات
قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك كثير.. آه آه من قلة
الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فبكى معاوية، وقال: رحم الله أبا الحسن
كان والله كذلك، انتهى.
وتواضعه وورعه وزهده أشهر من إن يذكر حتى قال
رضي الله عنه: لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها وعن محمد ابن
علي عليهما السلام قال: قال الحسن عليه السلام: إني لأستحيي من ربي إن
ألقاه ولم أمشِ إلى بيته. فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه. وعن علي
بن زيد قال: حج الحسن عليه السلام خمس عشرة حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد
معه، وخرج من ماله مرتين وقاسم الله ماله ثلاث مرات. أخرجها في الصفوة،
وعن مصعب بن الزبير قال: حج الحسين بن علي عليهما السلام خمساً وعشرين حجة
ماشياً أخرجه أبن عبد البر والبغوي في معجمه. ويروى أنه قيل للحسين عليه
السلام إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من
العافية، فقال رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من أتكل على حسن اختيار
الله له، لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها الله له. وأخرج ابن
الأخضر في معالم العترة الطاهرة عن عبد الله بن أبي سليمان قال: كان علي
بن الحسين عليهما السلام إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده، وكان
إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فيقال له: مالك؟ فيقول: ما تدرون بين يدي
من أقوم ومن أناجي. وعن موسى بن طريف قال: استطال رجل على علي بن الحسين
فتغافل عنه، فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له علي بن الحسين رضي الله
عنه: وعنك أغضي.



وقد اشتهر إن زين العابدين عليه السلام كان
عظيم الهدى والسمت، وقد أخرج الخطب في الجامع عن ابن عباس رضي الله عنهما،
إن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الهدي الصالح والسمت الصالح
والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة وكلمات أهل البيت النبوي
وحكمهم وأوصافهم الشريفة، لا تكاد تنحصر، ومنها معاملتهم لأمة مشرفهم صلى
الله عليه وعلى آله وسلم بمكارم الأخلاق من طلاقة الوجه، وإفشاء السلام
ومزيد الإكرام، ورفقهم بهم في الكلام، وترك التعاظم على آحادهم وإحسان
الضن بهم، وتخصيصهم بمزيد الإكرام للعلماء المتمسكين بسنة نبيهم، صلى الله
عليه وعلى آله وسلم، فإنهم ورثة الأنبياء، فينبغي أن يكون المنتسبون إليهم
متخلقين بمحاسن أخلاقهم وآدابهم ونزاهتهم، متأملين لسيرهم وطرائقهم سالكين
سبلهم في ذلك، حتى يكونوا خير الناس أسلافاً، وأخلاقاً، وأعمالاً، ويدخلون
السرور على مشرفهم صلى الله عليه وآله والماضين من سلفهم عند عرض أعمالهم.
هذا
آخر ما تيسر جمعه بحمد الله وإعانته فنسأل الله أن ينفع به، وأن يجعل
أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم، إنه سميع
عليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا
محمد وآله الطاهرين. آمين اللهم آمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى