لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع Empty كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع {السبت 4 يونيو - 16:33}


ص -129- هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله يعنى قال الله عز
وجل: "ان المؤمن عندى بمنزلة كل خير يحمدنى وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه"
ومر محمد بن المنكدر بشاب يغامز امرأة فقال يا فتى ما هذا جزاء نعم الله
عليك وقال حماد بن سلمة عن ثابت قال قال أبو العاليه انى لأرجو أن لا يهلك
عبد بين اثنتين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر منه
وكتب ابن السماك إلى محمد بن الحسن حين ولى القضاء بالرقة أما بعد فلتكن
التقوى من بالك على كل حال وخف الله من كل نعمة أنعم بها عليك من قلة
الشكر عليها مع المعصية بها فان في النعم حجة وفيها تبعة فأما الحجة بها
فالمعصية بها وأما التبعة فيها فقلة للشكر عليها فعفى الله عنك كلما ضيعت
من شكر أو ركبت من ذنب أو قصرت من حق ومر الربيع بن أبى راشد برجل به
زمانة فجلس يحمد الله ويبكى قيل له ما يبكيك قال ذكرت أهل الجنة وأهل
النار فشبهت أهل الجنة بأهل العافية وأهل النار بأهل البلاء فذلك الذى
أبكانى
وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي: "إذا أحب أحدكم أن يرى قدر نعمة
الله عليه فلينظر إلى من تحته ولا ينظر إلى من فوقه" قال عبد الله بن
المبارك أخبرنى يحيى بن عبد الله قال سمعت أبى هريرة فذكره
وقال ابن المبارك حدثنا يزيد بن ابراهيم عن الحسن قال قال أبو الدرداء من
لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه قال
ابن المبارك أخبرنا مالك بن أنس عن اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس
رضى الله قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه سلم على رجل فرد عليه
السلام فقال عمر للرجل كيف أنت قال الرجل أحمد اليك الله قال هذا أردت منك
قال ابن المبارك وأخبرنا مسعود عن علقمة بن مرقد عن ابن عمر رضى الله
عنهما قال لعلنا نلتقى في اليوم مرارا يسأل بعضنا عن بعض ولم يرد بذلك إلا



ص -130- ليحمد الله عزوجل وقال مجاهد في قوله تعالى {وَأَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} قال لا إله الا الله وقال ابن
عيينة ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلا الله قال
وان لا اله الا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا وقال بعض السلف في
خطبته يوم عيد أصبحتم زهرا وأصبح الناس غبرا أصبح الناس ينسجون وأنتم
تلبسون واصبح الناس يعطون وأنتم تأخذون وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون
واصبح الناس يزرعون وأنتم تأكلون فبكى وأبكاهم
وقال عبد الله بن قرط الأزدى وكان من الصحابة على المنبر وكان يوم أضحى
ورأى على الناس ألوان الثياب يا لها من نعمة ما أشبعها ومن كرامة ما
أظهرها ما زال عن قوم شيئا أشد من نعمة لا يستطيعون ردها وانما تثبت
النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم
وقال سلمان الفارسى رضى الله عنه ان رجلا بسط له من الدنيا فانتزع ما في
يديه فجعل يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش الا بارية قال فجعل
يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش إلا بارية قال فجعل يحمد الله
ويثني عليه وبسط لآخر من الدنيا فقال لصاحب البارية أرأيتك أنت على ما
تحمد الله قال أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم اياه قال
وما ذاك قال أرأيتك بصرك أرأيتك لسانك أرأيتك يديك أرايتك رجليك وجاء رجل
إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس أيسرك ببصرك هذه مائة ألف
درهم قال الرجل لا قال فبيديك مائه ألف قال لا فبرجليك مائة الف قال لا
قال فذكره نعم الله عليه فقال يونس أرى عندك مئين الالوف وأنت تشكو الحاجه
وكان ابو الدرداء يقول الصحة الملك
وقال جعفر بن محمد رضى الله عنه فقد ابى بغلة له فقال ان ردها الله على
لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بسرجها ولجامها فركبها فلما



ص -131- استوى عليها وضم اليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال
الحمد لله لم يزد عليها فقيل له في ذلك فقال هل تركت وأبقيت شيئا جعلت
الحمد كله لله
وروى ابن أبى الدنيا من حديث سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده
قال: "بعث رسول الله بعثا من الانصار وقال ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله
على في ذلك شكرا قال فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه سمعناك
تقول ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا قال قد فعلت اللهم لك
الحمد شكرا ولك المن فضلا".
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال محمد بن المنكدر لأبى حازم يا أبا
حازم ما أكثر من يلقانى فيدعو لى بالخير ما أعرفهم وما صنعت اليهم خيرا قط
فقال أبو حازم لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذى ذلك من قبله
فاشكره وقرأ أبو عبد الرحمن {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} وقال على بن الجعد
حدثنا عبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون حدثنى من أصدقه أن أبا بكر الصديق
رضى الله عنه كان يقول في دعائه أسألك تمام النعمة في الاشياء كلها والشكر
لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة بجميع
ميسر الامور كلها لا معسورها يا كريم
وقال الحسن ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله الا كان ما أعطى
أكثر مما أخذ قال ابن أبى الدنيا وبلغنى عن سفيان بن عيينة أنه قال هذا
خطأ لا يكون فعل العبد أفضل من فعل الله ثم قال وقال بعض أهل العلم انما
تفسير هذا أن الرجل اذا أنعم الله عليه نعمة وهو ممن يجب عليه أن يحمده
عرفه ما صنع به فيشكر الله كما ينبغى له أن يشكره فكان الحمد له أفضل
قلت لا يلزم الحسن ما ذكر عن ابن عيينة فإن قوله الحمد



ص -132- لله نعمة من نعم الله والنعمة التى حمد الله عليها ايضا
نعمة من نعم الله وبعض النعم أجل من بعض فنعمة الشكر أجل من نعمة المال
والجاه والولد والزوجة ونحوها والله أعلم وهذا لا يستلزم أن يكون فعل
العبد أفضل من فعل الله وان دل على أن فعل العبد للشكر قد يكون أفضل من
بعض مفعول الله وفعل العبد هو مفعول الله ولا ريب أن بعض مفعولاته أفضل من
بعض
وقال بعض أهل العلم لنعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه
علينا فيما بسط لنا منها وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا فإن أكون فيما
رضى الله لنبيه وأحب له أحب إلى من أن أكون فيما كره له وسخطه
وقال ابن أبى الدنيا بلغنى عن بعض العلماء أنه قال ينبغى للعالم أن يحمد
الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا كما يحمده على ما أعطاه وأين يقع ما
أعطاه الله والحساب يأتى عليه إلى ما عافاه الله ولم يبتله به فيشغل قلبه
ويتعب جوارحه فيشكر الله على سكون قلبه وجمع همه
وحدث عن ابن أبى الحوارى قال جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى
الصباح يتذاكران النعم فجعل سفيان يقول أنعم الله علينا في كذا وكذا أنعم
الله علينا في كذا فعل بنا كذا وحدثنا عبد الله بن داود عن سفيان في قوله
{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} قال يسبغ عليهم النعم
ويمنعهم الشكر وقال غير سفيان كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة وسئل ثابت
البنانى عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله بالعباد المضيعين وقال يونس في
تفسيرها ان العبد اذا كانت له عند الله منزلة فحفظها وبقى عليها ثم شكر
الله بما أعطاه أعطاه أشرف منها واذا هو ضيع الشكر استدرجه الله وكان
تضييعه الشكر استدراجا وقال أبو حازم نعمة الله فيما زوى عنى من الدنيا
أعظم من نعمته فيما أعطانى منها انى رأيته أعطاها أقواما فهلكوا



ص -133- وكل نعمة لا تقرب من الله فهى بلية واذا رأيت الله يتابع
عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره
وذكر كاتب الليث عن هقل عن الاوزاعى أنه وعظهم فقال في موعظته أيها الناس
تقووا بهذه النعم التى أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة التى
تتطلع على الأفئدة فإنكم في دار الثوى فيها قليل وأنتم فيها مرجون خلائف
من بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفعها وزهرتها فهم كانوا أطول
منكم أعمارا وأمد أجساما وأعظم آثارا فقطعوا الجبال وجابوا الصخور ونقبوا
في البلاد مؤيدين ببطش شديد وأجسام كالعماد فما لبثت الايام والليالى أن
طوت مددهم وعفت آثارهم وأخوت منازلهم وأنست ذكرهم فما تحس منهم من أحد ولا
تسمع لهم ركزا كانوا يلهون آمنين لبيات قوم غافلين أو لصباح قوم نادمين ثم
أنكم قد علمتم الذى نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله فأصبح كثير منهم في
دارهم جاثمين واصبح الباقون ينظرون في آثارهم نقمة وزوال نعمة ومساكن
خاويه فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم وعبرة لمن يخشى وأصبحتم من
بعدهم في أجل منقوص ودنيا مقبوضه وزمان قد ولى عفوه وذهب رخاؤه فلم يبق
منه الا حماة شر وصبابة كدر وأهاويل عبر وعقوبات غير وارسال فتن وتتابع
زلازل ورذلة خلف بهم ظهر الفساد في البر والبحر ولا تكونوا أشباها لمن
خدعه الامل وغره طول الاجل وتبلغ بطول الامانى نسأل الله أن يجعلنا واياكم
ممن وعى انذاره وعقل بشره فمهد لنفسه
وكان يقال الشكر ترك المعصيه وقال ابن المبارك قال سفيان ليس بفقيه فمن لم
يعد البلاء نعمه والرخاء مصيبه وكان مروان بن الحكم اذا ذكر الاسلام قال
بنعمة ربى وصلت اليه لا بما قدمت يدى ولا بإرادتى انى كنت خاطئا
وكم من مدخل لو مت فيه لكنت فيه نكالا في العشيرة
وقيت السوء والمكروه فيه وظفرت بنعمة منه كبيرة

ص -134- وكم من نعمة لله تمسى وتصبح في العيان وفي السريرة



ودعى عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى قوم على ريبة فانطلق
ليأخذهم فتفرقوا قبل أن يبلغهم فأعتق رقبة شكرا لله أن لا يكون جرى على
يديه خزى مسلم قال يزيد بن هرون أخبرنا أصبغ بن يزيد أن نوحا عليه السلام
كان اذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذى أذاقنى لذته وأبقى منفته في
جسدى وأذهب عنى أذاه فسمى عبدا شكورا وقال ابن أبى الدنيا حدثنى العباس بن
جعفر عن الحارث بن شبل قال حدثتنا أم النعمان أن عائشة حدثتها عن النبي
أنه لم يقم عن خلاء قط الا قاله وقال رجل لأبى حازم ما شكر العينين يا أبا
حازم قال ان رأيت بهما خيرا أعلنته وان رأيت بهما شرا سترته قال فما شكر
الاذنين قال ان سمعت بهما خيرا وعيته وان سمعت بهما شرا دفعته قال فما شكر
اليدين قال لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقا لله هو فيهما قال فما
شكر البطن قال أن يكون أسفله طعاما وأعلاه علما قال فما شكر الفرج قال قال
الله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
قال فما شكر الرجلين قال ان علمت ميتا تغبطه استعملت بهما عمله وان مقته
رغبت عن عمله وأنت شاكر لله
وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ
بطرفه ولم يلبسه فما ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر
وذكر عبد الله بن المبارك أن النجاشى أرسل ذات يوم إلى جعفر وأصحابه
فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان جالس على التراب قال جعفر فأشفقنا منه
حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما في وجوهنا قال انى أبشركم بما يسركم
انه جاءنى من نحو أرضكم عين لى فأخبرنى أن الله قد نصر نبيه وأهلك عدوه
وأسر فلان وفلان وقتل فلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الاراك
كأنى أنظر اليه كنت أرعى به لسيدى رجل من



ص -135- بنى ضمرة فقال له جعفر ما بالك جالسا على التراب ليس
تحتك بساط وعليك هذه الاخلاق قال انا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه
السلام ان حقا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عندما أحدث الله لهم من
نعمه فلما أحدث الله لى نصر نبيه أحدثت لله هذا التواضع
وقال حبيب بن عبيد ما ابتلى الله عبدا ببلاء إلا كان له عليه فيه نعمة ألا
يكون أشد منه وقال عبد الملك بن اسحاق ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر
كيف شكره أو بلية لينظر كيف صبره
وقال سفيان الثورى لقد أنعم الله على عبد في حاجة أكثر من تضرعه اليه فيها
وكان رسول الله اذا جاءه أمر يسره خر لله ساجدا شكرا له عزوجل ذكره أحمد
وقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه: "خرج علينا النبي فتوجه نحو صدقته
فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود فقلت يا رسول الله سجدت سجدة
حسبت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها فقال ان جبريل أتانى فبشرنى أن الله
عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله
شكرا" ذكره أحمد
وعن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال خرجنا مع النبي من مكة نريد المدينة
فلما كنا قريبا من عزور نزل ثم رفع يديه ودعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث
طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال انى سألت ربى
وشفعت لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا شكرا لربى ثم رفعت رأسى فسألت
ربى لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا لربى ثم رفعت رأسى فسألت ربى ربى
فأعطانى الثلث الآخر فخررت ساجدا لربى رواه أبو داود
وذكر محمد بن اسحاق في كتاب الفتوح قال لما جاء المبشر يوم بدر بقتل أبى
جهل استحلفه رسول الله ثلاثة أيمان بالله الذى لا اله الا هو لقد رأيته
قتيلا فحلف له فخر رسول الله ساجدا.



ص -136- وذكر سعيد بن منصور أن ابى بكر الصديق رضى الله عنه سجد
حين جاءه قتل مسيلمة وذكر أحمد أن عليا رضى الله عنه سجد حين وجد ذا
الثدية في الخوارج وسجد كعب بن مالك في عهد النبي لما بشر بتوبة الله عليه
والقصة في الصحيحين
فإن قيل فنعم الله دائما مستمرة على العبد فما الذى اقتضى تخصيص النعمة
الحادثة بالشكر دون الدائمة وقد تكون المستدامة أعظم قيل الجواب من وجوه
أحدها أن النعمة المتجددة تذكر بالمستدامة والانسان موكل بالأدنى
الثاني أن هذه النعمة المتجددة تستدعي عبودية مجددة وكان أسهلها على
الانسان وأحبها إلى الله السجود شكرا له
الثالث أن المتجددة لها وقع في النفوس والقلوب بها أعلق ولهذا يهنى بها
ويعزى بفقدها
الرابع أن حدوث النعم توجب فرح النفس وانبساطها وكثيرا ما يجر ذلك إلى
الأشر والبطر والسجود ذل لله وعبودية وخضوع فإذا تلقى به نعمته لسروره
وفرح النفس وانبساطها فكان جديرا بدوام تلك النعمة وإذا تلقاها بالفرح
الذى لا يحبه الله والاشر والبطر كما يفعله الجهال عندما يحدث الله لهم من
النعم كانت سريعة الزوال وشيكة الانتقال وانقلبت نقمة وعادت استدراجا وقد
تقدم أمر النجاشى فان الله اذا احدث لعبده نعمة أحب أن يحدث لها تواضعا
وقال العلاء بن المغيرة بشرت الحسن بموت الحجاج وهو مختف فخر لله ساجدا
فصل ومن دقيق نعم الله على العبد التى لا يكاد يفطن لها انه يغلق عليه
بابه فيرسل الله اليه من يطرق عليه الباب يسأله شيئا من القوت ليعرفه
نعمته عليه وقال سلام بن أبى مطيع دخلت على مريض أعوده فاذا هو يئن
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع {السبت 4 يونيو - 16:33}


ص -137- فقلت له أذكر المطروحين على الطريق أذكر الذين لا مأوى
لهم ولا لهم من يخدمهم قال ثم دخلت عليه بعد ذلك فسمعته يقول لنفسه أذكرى
المطروحين في الطريق اذكرى من لا مأوى له ولا له من يخدمه
وقال عبد الله بن أبى نوح قال لى رجل على بعض السواحل كم عاملته تبارك
اسمه بما يكره فعاملك بما تحب قلت ما أحصى ذلك كثرة قال فهل قصدت اليه في
أمر كربك فخذلك قلت لا والله ولكنه أحسن إلى وأعاننى قال فهل سألته شيئا
فلم يعطكه قلت وهل منعنى شيئا سألته ما سألته شيئا قط الا أعطانى ولا
استعنت به الا أعاننى قال أرأيت لو أن بعض بنى آدم فعل بك بعض هذه الخلال
ما كان جزاؤه عندك قلت ما كنت أقدر له مكافأة ولا جزاء قال فربك أحق وأحرى
أن تدأب نفسك له في أداء شكره وهو المحسن قديما وحديثا اليك والله لشكره
أيسر من مكافأة عباده انه تبارك وتعالى رضى من العباد بالحمد شكرا وقال
سفيان الثورى ما كان الله لينعم على عبد في الدنيا فيفضحه في الآخرة ويحق
على المنعم أن يتم النعمة على من أنعم عليه
وقال ابن أبى الحوارى قلت لأبى معاوية ما أعظم النعمة علينا في التوحيد
نسأل الله أن لا يسلبنا اياه قال يحق على المنعم أن يتم النعمة على من
أنعم عليه والله أكرم من أن ينعم بنعمة الا أتمها ويستعمل بعمل الا قبله
وقال ابن ابى الحوارى قالت لى امرأة أنا في بيتى قد شغل قلبى قلت وما هو
قالت أريد أن أعرف نعم الله على في طرفة عين أو أعرف تقصيرى عن شكر النعمة
على في طرفة عين قلت تريدين مالا تهتدى اليه عقولنا
وقال ابن زيد انه ليكون في المجلس الرجل الواحد يحمد الله عز وجل فيقضى
لذلك المجلس حوائجهم كلهم قال وفي بعض الكتب التى أنزلها الله تعالى أنه
قال: "سروا عبدى المؤمن فكان لا يأتيه شئ الا قال الحمد لله ما شاء الله
قال روعوا عبدى المؤمن فكان لا يطلع عليه طليعة



ص -138- من طلائع المكروه الا قال الحمد لله الحمد لله فقال الله
تبارك وتعالى ان عبدى يحمدنى حين روعته كما يحمدنى حين سررته أدخلوا عبدى
دار عزى كما يحمدنى على كل حالاته".
وقال وهب عبد الله عابد خمسين عاما فأوحى الله اليه انى قد غفرت لك قال أى
رب وما تغفر لى ولم أذنب فأذن الله لعرق في عنقه يضرب عليه فلم ينم ولم
يصل ثم سكن فنام ثم أتاه ملك فشكا اليه فقال ما لقيت من ضربان العرق فقال
الملك ان ربك يقول ان عبادتك خمسين سنة تعدل سكون العرق
وذكر ابن أبى الدنيا ان داود قال يارب أخبرنى ما أدنى نعمك على فأوحى الله
اليه يا داود تنفس فتنفس قال هذا أدنى نعمى عليك
فصل: وبهذا يتبين معنى الحديث الذى رواه أبو داود من حديث زيد ابن ثابت
وابن عباس "ان الله لو عذب اهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو عير ظالم لهم
ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم" والحديث الذى في الصحيح "لن
ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا الا أن
يتغمدنى الله برحمة منه وفضل فإن اعمال العبد لا توافي نعمة من نعم الله
عليه".
أما قول بعض الفقهاء ان من حلف أن يحمد الله بأفضل أنواع الحمد كان بر
يمينه أن يقول الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده فهذا ليس بحديث عن
رسول الله ولا عن أحد من الصحابة وانما هو اسرائيلى عن آدم وأصح منه الحمد
لله غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ولا يمكن حمد العبد وشكره أن
يوافي نعمة من نعم الله فضلا عن موافاته جميع نعمه ولا يكون فعل العبد
وحمده مكافئا للمزيد ولكن يحمل على وجه يصح وهو أن الذى يستحقه الله
سبحانه من الحمد حمدا يكون موافيا لنعمه ومكافئا لمزيده وان لم يقدر العبد
أن يأتى به كما اذا قال الحمد لله ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما
وملء ما شئت من شئ



ص -139- بعد وعدد الرمال والتراب والحصى والقطر وعدد أنفاس
الخلائق وعدد ما خلق الله وما هو خالق فهذا اخبار عما يستحقه من الحمد لا
عما يقع من العبد من الحمد
فصل وقال أبو المليح قال موسى يا رب ما أفضل الشكر قال أن تشكرنى على كل
حال وقال بكر بن عبد الله قلت لأخ لى أوصنى فقال ما أدرى ما أقول غير أنه
ينبغى لهذا العبد أن لا يفتر من الحمد والاستغفار فان ابن آدم بين نعمة
وذنب ولا تصلح النعمة الا بالحمد والشكر ولا يصلح الذنب الا بالتوبة
والاستغفار فأوسعنى علما ما شئت
وقال عبد العزيز بن ابى داود رأيت في يد محمد بن واسع قرحة فكأنه رأى ما
شق على منها فقال لى أتدرى ماذا لله على في هذه القرحة من نعمة حين لم
يجعلها في حدقتى ولا طرف لسانى ولا على طرف ذكرتى فهانت على قرحته
وروى الجريرى عن أبى الورد عن الحلاج عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أن رسول
الله أتى على رجل وهو يقول: "اللهم انى أسألك تمام النعمة فقال ابن آدم هل
تدرى ما تمام النعمة قال يارسول الله دعوت دعوة أرجو بها الخير فقال ان
تمام النعمة فوز من النار ودخول في الجنة".
وقال سهم بن سلمة حدثت أن الرجل اذا ذكر اسم الله على أول طعامه وحمده على
آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام
فصل: ويدل على فضل الشكر على الصبر أن الله سبحانه يحب أن يسأل العافية
وما يسأل شيئا أحب اليه من العافية كما في المسند عن ابى صالح عن أبى
هريرة رضى الله عنه قال قام أبو بكر رضى الله عنه على المنبر ثم قال:
"سلوا الله العافية فإنه لم يعط عبدا بعد اليقين خيرا من العافية".
وفي حديث آخر إن الناس لم يعطوا في هذه الدنيا شيئا أفضل من



ص -140- العفو والعافية فسلوهما الله عز وجل وقال لعمه العباس يا
عم أكثر من الدعاء بالعافية وفي الترمذى قلت يا رسول الله علمنى شيئا
أسأله الله قال سل الله العافية فمكثت أياما ثم جئت فقلت علمنى شيئا أسأله
الله فقال لى يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة
وقال في دعائه يوم الطائف ان لم يكن بك على غضب فلا أبالى غير أن عافيتك
أوسع لى فلاذ بعافيته كما استعاذ بها في قوله أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ
بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك
وفي حديث آخر "سلوا الله العفو والعافية والمعافاة" وهذا السؤال يتضمن
العفو عما مضى والعافية في الحال والمعافاة في المستقبل بدوام العافية
واستمرارها وكان عبد الأعلى التيمى يقول أكثروا من سؤال الله العافية فإن
المبتلى وان اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافي الذى لا يأمن البلاء
وما المبتلون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس وما المبتلون بعد اليوم إلا
من أهل العافية اليوم ولو كان البلاء يجر إلى خير ما كنا من رجال البلاء
انه رب بلاء قد أجهد في الدنيا وأخزى في الاخرة فما يؤمن من أطال المقام
على معصية الله أن يكون قد بقى له في بقية عمره من البلاء ما يجهده في
الدنيا ويفضحه في الاخرة ثم يقول بعد ذلك الحمد لله الذى إن نعد نعمه لا
نحصيها وإن ندأب له عملا لا نجزيها وإن نعمر فيها لا نيليها ومر رسول الله
برجل يسأل الله الصبر فقال لقد سألت البلاء فاسأل العافية وفي صحيح مسلم
أنه عاد رجلا قد هفت أى هزل فصار مثل الفرخ فقال هل كنت تدعو الله بشئ أو
تسأله اياه قال نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبنى به في الاخرة فعجله لى
في الدنيا فقال رسول الله سبحانه لا تطيقه ولا تستطيعه أفلا قلت اللهم
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار فدعا الله له
فشفاه وفي الترمذى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال دعاء حفظته من رسول
الله لا أدعه: "اللهم اجعلنى



أعظم شكرك وأكثر ذكرك وأتبع نصيحتك وأحفظ وصيتك".

ص -141- وقال شيبان كان الحسن اذا جلس مجلسا يقول لك الحمد بالاسلام ولك
الحمد بالقرآن ولك الحمد بالأهل والمال بسطت رزقنا وأظهرت أمننا وأحسنت
معافاتنا ومن كل ما سألناك أعطيتنا فلك الحمد كثيرا كما تنعم كثيرا أعطيت
خيرا كثيرا وصرفت شرا كثيرا فلوجهك الجليل الباقى الدايم الحمد وكان بعض
السلف يقول اللهم ما أصبح بنا من نعمة أو عافية أو كرامة في دين أو دنيا
جرت علينا فيما مضى وهى جارية علينا فيما بقى فانها منك وحدك لا شريك لك
فلك الحمد بذلك علينا ولك المن ولك الفضل ولك الحمد عدد ما أنعمت به علينا
وعلى جميع خلقك لا اله الا أنت


وقال مجاهد اذا كان ابن عمر في سفر فطلع الفجر رفع صوته ونادى سمع سامع
بحمد الله ونعمه وحسن بلائه علينا ثلاثا اللهم صاحبنا فأفضل علينا عائذ
بالله من النار ولا حول ولا قوة الا بالله ثلاثا
وذكر الامام أحمد أن الله سبحانه أوحى إلى موسى بن عمران عليه السلام يا
موسى كن يقظان مرتادا لنفسك أخدانا وكل خدن لا يواتيك على مسرتى فلا تصحبه
فإنه عدو لك وهو يقسى قلبك وأكثر من ذكرى حتى تستوجب الشكر وتستكمل المزيد
وقال الحسن خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى وأخرج
أهل النار من صفحته اليسرى فدبوا على وجه الارض منهم الاعمى والاصم
والمبتلى فقال آدم يا رب ألا سويت بين ولدى قال يا آدم انى أريد أن أشكر
وفي السنن عنه من قال حين يصبح: "اللهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من
خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر الا أدى شكر ذلك اليوم ومن
قال ذلك حين يمسى فقد أدى شكر ليلته" ويذكر عن النبي من ابتلى فصبر وأعطى
فشكر وظلم فغفر وظلم فاستغفر أولئك لهم الامن وهم مهتدون ويذكر عنه أنه
أوصى رجلا بثلاث فقال أكثر من ذكر الموت يشغلك عما سواه وعليك بالدعاء



ص -142- فإنك لا تدرى متى يستجاب لك وعليك بالشكر فإن الشكر زيادة
ويذكر عنه أنه كان إذا أكل قال: "الحمد لله الذى أطعمنى وسقانى وهدانى وكل
بلاء حسن أبلانى الحمد لله الرازق ذى القوة المتين اللهم لا تنزع منا
صالحا أعطيتنا ولا صالحا رزقتنا واجعلنا لك من الشاكرين"
ويذكر عنه أنه إذا أكل قال: "الحمد لله الذى أطعم وسقى وسوغه وجعل له
مخرجا" وكان عروة بن الزبير إذا أتى بطعام لم يزل مخمرا حتى يقول هذه
الكلمات: "الحمد لله الذى هدانا وأطعمنا وسقانا ونعمنا الله أكبر اللهم
ألفتنا نعمتك ونحن بكل شر فأصبحنا وأمسينا بخير نسألك تمامها وشكرها لا
خير إلا خيرك ولا إله غيرك اله الصالحين ورب العالمين الحمد لله لا اله
الا الله ما شاء الله لا قوة الا بالله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا
عذاب النار".
وقال وهب بن منبه رءوس النعم ثلاثة فأولها نعمة الاسلام التى لا تتم نعمه
الا بها والثانية نعمة العافية التى لا تطيب الحياة الا بها والثالثة نعمة
الغنى التى لا يتم العيش الا به
وقدم سعيد الجريرى من الحج فجعل يقول: "أنعم الله علينا في سفرنا بكذا
وكذا ثم قال تعداد النعم من الشكر" ومر وهب بمبتلى أعمى مجذوم مقعد عريان
به وضح وهو يقول "الحمد لله على نعمه فقال رجل كان مع وهب أى شئ بقى عليك
من النعمة تحمد الله عليها فقال له المبتلى ارم ببصرك إلى أهل المدينة
فانظر إلى كثرة أهلها أفلا أحمد الله أنه ليس فيها أحد يعرفه غيرى".
ويذكر عن النبي أنه قال: "اذا أنعم الله على عبد نعمة فحمده عندها فقد أدى
شكرها" وذكر على بن أبى طالب رضى الله عنه أن بختنصر أتى بدانيال فأمر به
فحبس في جب وأضرى أسدين ثم خلى بينهما
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع {السبت 4 يونيو - 16:34}


ص -143- وبينه ثم فتح عليه بعد خمسة أيام فوجده قائما يصلى
والأسدان في ناحية الجب لم يعرضا له فقال له ما قلت حين دفع عليك قال قلت
الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره والحمد الله الذى لا يخيب من رجاه والحمد
لله الذى لا يكل من توكل عليه إلى غيره والحمد لله الذى هو ثقتنا حين
تنقطع عنا الحيل والحمد لله الذى هو رجاؤنا حين يسوء ظننا بأعمالنا والحمد
لله الذى يكشف عنا ضرنا بعد كربتنا والحمد لله الذى يجزى بالاحسان احسانا
والحمد لله الذى يجزى بالصبر نجاة
ويذكر عنه انه كان اذا نظر في المرآة قال: "الحمد لله الذى أحسن خلقى
وخلقى وزان منى ما شان من غيرى"
وقال ابن سيرين: "كان ابن عمر يكثر النظر في المرآة وتكون معه في الاسفار
فقلت له ولم قال أنظر فما كان في وجهى زين فهو في وجه غيرى شين أحمد الله
عليه" وسئل أبو بكر بن أبى مريم ما تمام النعمة قال أن تضع رجلا على
الصراط ورجلا في الجنة وقال بكر بن عبد الله يا ابن آدم ان أردت أن تعرف
قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك
وقال مقاتل في قوله واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } قال أما الظاهرة
فالاسلام وأما الباطنة فستره عليكم بالمعاصى
وقال ابن شوذب قال عبدالله يعنى ابن مسعود رضى الله عنه ان لله على أهل
النار منة لو شاء أن يعذبهم بأشد من النار لعذبهم
وقال أبو سليمان الدارانى جلساء الرحمن يوم القيامة من جعل فيه خصالا
الكرم والسخاء والحلم والرأفة والرحمة والشكر والبر والصبر وقال أبو هريرة
رضى الله عنه من رأى صاحب بلاء فقال الحمد لله الذى عافانى مما ابتلاك به
وفضلنى عليك وعلى جميع خلقه تفضيلا فقد أدى شكر تلك النعمة وقال عبد الله
بن وهب سمعت عبد الرحمن بن زيد يقول الشكر يأخذ بجذم الحمد وأصله وفرعه
قال ينظر في نعم الله في بدنه



ص -144- وسمعه وبصره ويديه ورجليه وغير ذلك ليس من هذا شئ الا
فيه نعمه من الله حق على العبد أن يعمل في النعمة التى هى في بدنه لله في
طاعته ونعمة أخرى في الرزق وحق عليه أن يعمل لله فيما أنعم عليه به من
الرزق بطاعته فمن عمل بهذا كان قد أخذ يجذم الشكر وأصله وفرعه
وقال كعب: "ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها
لله الا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع له بها درجة في الاخرى وما أنعم
الله على عبد نعمة في الدنيا فلم يشكرها لله ولم يتواضع بها الا منعه الله
نفعها في الدنيا وفتح له طبقات من النار يعذبه ان شاء أو يتجاوز عنه".
وقال الحسن من لا يرى لله عليه نعمة الا في مطعم أو مشرب أو لباس فقد قصر
علمه وحضر عذابه وقال الحسن يوما لبكر المزنى هات يا أبا عبد الله دعوات
لإخوانك فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال والله ما أدرى أى
النعمتين أفضل على وعليكم أنعمة المسلك أم نعمة المخرج اذا أخرجه منا قال
الحسن انها لمن نعمة الطعام
وقالت عائشة رضى الله عنها ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل بغير أذى
ويخرج الاذى الا وجب عليه الشكر قال الحسن يالها من نعمة تدخل كل لذة
وتخرج مسرخا لقد كان ملك من ملوك هذه القرية يرى الغلام من غلمانه يأتى
الحب فيكتال منه ثم يجرجر قائما فيقول يا ليتنى مثلك ما يشرب حتى يقطع عنه
العطش فإذا شرب كان له في تلك الشربة موتات يا لها من نعمة
وكتب بعض العلماء إلى أخ له أما بعد فقد أصبح بنا من نعم الله مالا نحصيه
مع كثرة ما نعصيه فما يدرى أيهما نشكر أجميل ما يسر أم قبيح ما ستر وقيل
للحسن ها هنا رجل لا يجالس الناس فجاء اليه فسأله عن ذلك فقال انى أمسى
وأصبح بين ذنب ونعمة فرأيت أن أشغل نفسى عن الناس بالاستغفار من الذنب
والشكر لله على النعمة فقال له الحسن أنت



ص -145- عندى يا عبد الله أفقه من الحسن فالزم ما أنت عليه وقال
ابن المبارك سمعت عليا بن صالح يقول في قوله تعالى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لأَزِيدَنَّكُمْ} قال أى من طاعتى والتحقيق أن الزيادة من النعم وطاعته من
أجل نعمه وذكر أبن أبى الدنيا أن محارب بن دثار كان يقوم بالليل ويرفع
صوته أحيانا أنا الصغير الذى ربيته فلك الحمد وأنا الضعيف الذى قويته فلك
الحمد وأنا الفقير الذى أغنيته فلك الحمد وأنا الصعلوك الذى مولته فلك
الحمد وأنا العزب الذى زوجته فلك الحمد وأنا الساغب الذى أشبعته فلك الحمد
وأنا العارى الذى كسوته فلك الحمد وأنا المسافر الذى صاحبته فلك الحمد
وأنا الغائب الذى رددته فلك الحمد وأنا الراجل الذى حملته فلك الحمد وأنا
المريض الذى شفيته فلك الحمد وأنا السائل الذى أعطيته فلك الحمد وأنا
الداعى الذى أجبته فلك الحمد ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا
وكان بعض الخطباء يقول في خطبته اختط لك الأنف فأقامه وأتمه فأحسن تمامه
ثم أدار منك الحدقة فجعلها بجفون مطبقه وبأشفار معلقه ونقلك من طبقة إلى
طبقه وحنن عليك قلب الوالدين برقة ومقة فنعمه عليك مورقة وأياديه بك محدقة
وكان بعض العلماء يقول في قوله تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ
لا تُحْصُوهَا} سبحان من لم يجعل لحد معرفة نعمه الا العلم بالتقصير عن
معرفتها كما لم يجعل لحد ادراكه أكثر من العلم أنه لا يدرك فجعل معرفة
نعمه بالتقصير عن معرفتها شكرا كما شكر علم العالمين انهم لا يدركونه
فجعله ايمانا علما منه أن العباد لا يتجاوزون ذلك
وقال عبد الله بن المبارك أخبرنا مثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده قال سمعت رسول الله يقول خصلتان من كانتا فيه كتبه الله صابرا
شاكرا ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله صابرا شاكرا من نظر في دينه إلى من
هو فوقه فاقتدى به ومن نظر في دنياه إلى من هو دونه



ص -146- فحمد الله على ما فضله به عليه كتبه الله صابرا شاكرا
ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما
فاته منه لم يكتبه الله صابرا شاكرا وبهذا الإسناد عن عبد الله ابن عمرو
موقوفا عليه أربع خصال من كن فيه بنى الله له بيتا في الجنة من كان عصمة
أمره لا اله الا الله واذا أصابته مصيبه قال انا لله وانا اليه راجعون
واذا أعطى شيئا قال الحمد لله واذا أذنب قال استغفر الله
وقال ابن المبارك عن شبل عن أبى نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {إِنَّهُ
كَانَ عَبْداً شَكُوراً} قال لم يأكل شيئا إلا حمد الله عليه ولم يشرب
شرابا قط الا حمد الله عليه ولم يبطش بشيء قط الا حمد الله عليه فأثنى
الله عليه انه كان عبدا شكورا وقال محمد بن كعب كان نوح إذا أكل قال الحمد
لله وإذا شرب قال الحمد لله وإذا لبس قال الحمد لله وإذا ركب قال الحمد
لله فسماه الله عبدا شكورا وقال ابن أبى الدنيا بلغنى عن بعض الحكماء قال
لو لم يعذب الله على معصيته لكان ينبغى أن لا يعصى لشكر نعمته
فصل: "ولله تبارك وتعالى على عبده نوعان من الحقوق لا ينفك عنهما أحدهما
أمره ونهيه اللذين هما محض حقه عليه والثانى شكر نعمه التى أنعم بها عليه
فهو سبحانه يطالبه بشكر نعمه وبالقيام بأمره فمشهد الواجب عليه لا يزال
يشهده تقصيره وتفريطه وأنه محتاج الى عفو الله ومغفرته فإن لم يداركه بذلك
هلك وكلما كان أفقه في دين الله كان شهوده للواجب عليه أتم وشهوده لتقصيره
أعظم وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة بل بالقيام مع ذلك بالأوامر
المحبوبة لله واكثر الديانين لا يعبأون منها الا بما شاركهم فيه عموم الناس
وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والنصيحه لله ورسوله وعباده
ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلا عن أن
يريدوا فعلها وفضلا عن أن يفعلوها وأقل الناس دينا



ص -147- وأمقتهم الى الله من ترك هذه الواجبات وان زهد فى الدنيا
جميعها وقل أن ترى منهم من يحمر وجهه ويمعره لله ويغضب لحرماته ويبذل عرضه
فى نصرة دينه وأصحاب الكبائر أحسن حالا عند الله من هؤلاء وقد ذكر أبو عمر
وغيره أن الله تعالى أمر ملكا من الملائكة أن يخسف بقريه فقال يا رب ان
فيهم فلانا العابد الزاهد قال به فابدأ وأسمعنى صوته انه لم يتمعر وجهه فى
يوم قط
فصل: وأما شهود النعمه فإنه لا يدع له رؤية حسنة من حسناته أصلا ولو عمل
أعمال الثقلين فإن نعم الله سبحانه أكثر من أعماله وأدنى نعمه من نعمه
تستنفذ عمله فينبغى للعبد ألا يزال ينظر فى حق الله عليه
قال الامام أحمد حدثنا حجاج حدثنا جرير بن حازم عن وهب قال بلغنى أن نبى
الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع فقال يا رب ارحمه فإنى قد
رحمته فأوحى الله اليه لو دعانى حتى تنقطع قواه ما استجبت له حتى ينظر فى
حقى عليه
فمشاهدة العبد النعمه والواجب لا تدع له حسنة يراها ولا يزال مزريا على
نفسه ذاما لها وما اقربه من الرحمه اذا أعطى هذين المشهدين حقهما والله
المستعان

عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

الباب الحادي والعشرون في الحكم بين الفريقين والفصل بين الطائفتين


الباب الحادى والعشرون: فى الحكم بين الفريقين والفصل بين الطائفتين
فنقول كل أمرين طلبت الموازنة بينهما ومعرفة الراجح منهما على المرجوح فإن
ذلك لا يمكن إلا بعد معرفة كل منهما وقد ذكرنا حقيقة الصبر وأقسامه
وأنواعه ونذكر حقيقة الشكر وماهيته
قال فى الصحاح الشكر الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع {السبت 4 يونيو - 16:35}

ص -148- يقال شكرته وشكرت له واللام أفصح وقوله تعالى {لا نُرِيدُ
مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} يحتمل أن يكون مصدرا كالقعود وأن يكون
جميعا كالبرود والكفور والشكران خلاف الكفران وتشكرت له مثل شكرت له
والشكور من الدواب ما يكفيه العلف القليل واشتكرت السماء اشتد وقع مطرها
واشتكر الضرع امتلأ لبنا تقول منه شكرت الناقة بالكسر تشكر شكرا فهى شكرة
وشكرت الشجرة تشكر شكرا إذا خرج منها الشكير وهو ما ينبت حول الشجرة من
أصلها
فتأمل هذا الاشتقاق وطابق بينه وبين الشكر المأمور به وبين الشكر الذى هو
جزاء الرب الشكور كيف نجد فى الجميع معنى الزيادة والنماء ويقال أيضا دابة
شكور اذا أظهرت من السمن فوق ما تعطى من العلف
وشكر العبد يدور على ثلاثة أركان لا يكون شكورا الا بمجموعها أحدها
اعترافه بنعمة الله عليه والثانى الثناء عليه بها والثالث الاستعانة بها
على مرضاته
وأما قول الناس فى الشكر فقالت طائفة هو الاعتراف بنعمه المنعم على وجه
الخضوع وقيل الشكر هو الثناء على المحسن بذكر احسانه اليه فشكر العبد
ثناؤه عليه بذكر احسانه اليه وقيل شكر النعمة مشاهدة المنة وحفظ الحرمة
والقيام بالحدمة وقيل شكر النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا وقيل الشكر
معرفه العجز عن الشكر ويقال الشكر على الشكر أتم من الشكر وذلك أن ترى
شكرك بتوفيقه وذلك التوفيق من أجل النعم عليك تشكر على الشكر ثم تشكره على
الشكر الا ترى نفسك للنعمه


أهلا وقيل الشكر استفراغ الطاقه فى الطاعه وقيل الشاكر الذى يشكر
على الموجود والشكور الذى يشكر على المفقود وقيل الشاكر الذى يشكر على
الرفد والشكور الذى يشكر على الرد وقيل الشاكر الذى

ص -149- يشكر على النفع والشكور الذى يشكر على المنع وقيل الشاكر الذى
يشكر على العطاء والشكور الذى يشكر على البلاء


وقال الجنيد كنت بين يدى السرى ألعب وأنا ابن سبع سنين وبيننا جماعة
يتكلمون فى الشكر فقال لى ياغلام ما الشكر فقلت ألا تعصى الله بنعمه فقال
يوشك أن يكون حظك من الله لسانك فلا أزال أبكى على هذه الكلمة التى قالها
السرى وقال الشبلى الشكر رؤية المنعم لا رؤية النعم وهذا ليس بجيد بل من
تمام الشكر أن تشهد النعمة من المنعم وقيل الشكر قيد الموجود وصيد المفقود
وقال أبو عثمان شكر العامة على المطعم والملبس وشكر الخواص على ما يرد على
قلوبهم من المعانى
وحبس السلطان رجلا فأرسل اليه صاحبه أشكر الله فضرب فارسل اليه أشكر الله
فجيء بمحبوس مجوسى مبطون فقيد وجعل حلقة من قيده فى رجله وحلقة فى الرجل
المذكور فكان المجوسى يقوم بالليل مرات فيحتاج الرجل أن يقف على راسه حتى
يفرغ فكتب اليه صاحبه أشكر الله فقال له الى متى تقول أشكر الله وأى بلاء
فوق هذا فقال ولو وضع الزنار الذى فى وسطه فى وسطك كما وضع القيد الذى فى
رجله فى رجلك ماذا كنت تصنع فاشكر الله ودخل رجل على سهل ابن عبدالله فقال
اللص دخل داري وأخذ متاعى فقال أشكر الله فلو دخل اللص قلبك وهو الشيطان
وافسد عليك التوحيد ماذا كنت تصنع؟.
وقيل الشكر التلذذ بثنائه على ما لم يستوجبه من عطائه وقيل اذا قصرت يدك
عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر وقيل اربعة لا ثمرة لهم مشاورة الاصم ووضع
النعمة عند من لا يشكرها والبذر فى السباح والسراج فى الشمس
والشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح فالقلب للمعرفة والمحبة



ص -150- واللسان للثناء والحمد والجوارح لاستعمالها فى طاعة
المشكور وكفها عن معاصيه وقال الشاعر
أفادتكم النعماء منى ثلاثة يدى ولسانى والضمير المحجبا
والشكر أخص بالافعال والحمد أخص بالاقوال وسبب الحمد أعم من سبب الشكر
ومتعلق الشكر وما به الشكر أعم مما به الحمد فما يحمد الرب تعالى عليه أعم
مما يشكر عليه فانه يحمد على أسمائه وصفاته وأفعاله ونعمه ويشكر على نعمه
وما يحمد به أخص مما يشكر به فانه يشكر بالقلب واللسان والجوارح ويحمد
بالقلب واللسان
فصل: اذا عرف هذا فكل من الصبر والشكر داخل فى حقيقة الآخر لا يمكن وجوده
الا به وانما يعبر عن أحدهما باسمه الخاص به باعتبار الاغلب عليه والاظهر
منه والا فحقيقة الشكر انما يلتئم من الصبر والارادة والفعل فان الشكر هو
العمل بطاعة الله وترك معصيته والصبر أصل ذلك فالصبر على الطاعة وعن
المعصية هو عين الشكر واذا كان الصبر مأمورا به فأداؤه هو الشكر
فان قيل فهذا يفهم منه اتحاد الصبر والشكر وانهما اسمان لمسمى واحد وهذا
محال عقلا ولغة وعرفا وقد فرق الله سبحانه بينهما
قيل بل هما معنيان متغايران وانما بينا تلازمهما وافتقار كل واحد منهما فى
وجود ماهيته الى الآخر ومتى تجرد الشكر عن الصبر بطل كونه شكرا واذا تجرد
الشكر عن الصبر بطل كونه صبرا أما الاول فظاهر وأما الثانى اذا تجرد عن
الشكر كان كافورا ومنافاة الكفور للصبر أعظم من منافاة السخوط
فان قيل بل ها هنا قسم آخر وهو أن لا يكون كفورا ولا شكورا بل صابرا على
مضض وكراهة شديدة فلم يأت بحقيقة الشكر ولم يخرج عن ماهية الصبر



ص -151- قيل: كلامنا فى الصبر المأمور به الذى هو طاعة لا فى
الصبر الذى هو تجلد كصبر البهائم وصبر الطاعة لا يأتي به إلا شاكر ولكن
اندرج شكره في صبره فكان الحكم للصبر كما اندرج صبر الشكور فى شكره فكان
الحكم للشكر فمقامات الايمان لا تعدم بالتنقل فيها بل تندرج وينطوى الادنى
فى الاعلى كما يندرج الايمان فى الاحسان وكما يندرج الصبر فى مقامات الرضا
لا أن الصبر يزول ويندرج الرضا فى التفويض ويندرج الخوف والرجاء فى الحب
لا أنهما يزولان فالمقدور الواحد يتعلق به الشكر والصبر سواء كان محبوبا
أو مكروها فالفقر مثلا يتعلق به الصبر وهو أخص به لما فيه من الكراهة
ويتعلق به الشكر لما فيه من النعمة فمن غلب شهود نعمته وتلذذ به واستراح
واطمأن اليه عده نعمة يشكر عليها ومن غلب شهود ما فيه من الابتلاء والضيق
والحاجة عده بلية يصبر عليها وعكسه الغنى
على أن الله سبحانه ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بالمصائب وعد ذلك كله
ابتلاء فقال {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وقال
{فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ
وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ
فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} وقال إنا جعلنا
ما على الارض زينا لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وقال {الَّذِي خَلَقَ
الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} وقال
وهو الذى خلق السموات والارض فى ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم
أيكم أحسن عملا فاخبر سبحانه أنه خلق العالم العلوى والسفلى وقدر أجل
الخلق وخلق ما على الارض للابتلاء والاختبار وهذا الابتلاء انما هو ابتلاء
صبر العباد وشكرهم فى الخير والشر والسراء والضراء فالابتلاء من النعم من
الغنى والعافية والجاه والقدرة وتأتى الاسباب أعظم الابتلائين والصبر على
طاعة الله أشق الصبرين كما قال الصحابة



رضى الله عنهم ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر
والنعمة بالفقر والمرض وقبض الدنيا وأسبابها وأذى الخلق قد يكون

ص -152- أعظم النعمتين وفرض الشكر عليها أوجب من الشكر على أضدادها فالرب
تعالى يبتلى بنعمه وينعم بابتلائه غير أن الصبر والشكر حالتان لازمتان
للعبد فى أمر الرب ونهيه وقضائه وقدره لا يستغنى عنهما طرفة عين والسؤال
عن أيهما أفضل كالسؤال عن الحس والحركة أيهما أفضل وعن الطعام والشراب
أيهما أفضل وعن خوف العبد ورجائه أيهما أفضل فالمأمور لا يؤدى الا بصبر
وشكر والمحظور لا يترك الا بصبر وشكر وأما المقدور الذى يقدر على العبد من
المصائب فمتى صبر عليه اندرج شكره فى صبره كما يندرج صبر الشاكر فى شكره


ومما يوضح هذا أن الله سبحانه امتحن العبد بنفسه وهواه وأوجب عليه جهادهما
فى الله فهو فى كل وقت فى مجاهدة نفسه حتى تأتى بالشكر المأمور به ويصبر
عن الهوى المنهى عن طاعته فلا ينفك العبد عنهما غنيا كان أو فقيرا معافى
أو مبتلى وهذه هى مسألة الغنى الشاكر والفقير الصابر أيهما أفضل وللناس
فيها ثلاثة أقوال وهى التى حكاها أبو الفرج ابن الجوزى وغيره فى عموم
الصبر والشكر أيهما أفضل وقد احتجت كل فرقة بحجج وأدلة على قولها
والتحقيق أن يقال أفضلهما أتقاهما لله تعالى فان فرض استوائهما فى التقوى
استويا فى الفضل فان الله سبحانه لم يفضل بالفقر والغنى كما لم يفضل
بالعافيه والبلاء وانما فضل بالتقوى كما قال تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وقد قال لا فضل لعربى على عجمى ولا فضل لعجمى
على عربى الا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب والتقوى مبنيه على أصلين
الصبر والشكر وكل من الغنى والفقير لا بد له منهما فمن كان صبره وشكره أتم
كان أفضل
فان قيل فاذا كان صبر الفقير أتم وشكر الغنى أتم فأيهما أفضل؟.
قيل أتقاهما لله فى وظيفته ومقتضى حاله ولا يصح التفضيل بغير



ص -153- هذا البته فان الغنى قد يكون أتقى لله فى شكره من الفقير
فى صبره وقد يكون الفقير أتقى لله فى صبره من الغنى فى شكره فلا يصح أن
يقال هذا بغناه أفضل ولا هذا بفقره أفضل ولا يصح أن يقال هذا بالشكر أفضل
من هذا بالصبر ولا بالعكس لأنهما مطيتان للايمان لا بد منهما بل الواجب أن
يقال أقومهما بالواجب والمندوب هو الافضل فان التفضيل تابع لهذين الأمرين
كما قال تعالى فى الاثر الالهى: "ما تقرب الى عبدى بمثل مداومة ما افترضت
عليه ولا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى أحبه" فأى الرجلين كان أقوم
بالواجبات وأكثر نوافل كان أفضل
فان قيل: فقد ثبت عن النبى أنه قال" يدخل فقراء أمتى الجنة قبل أغنيائهم
بنصف يوم وذلك خمسمائة عام" قيل هذا لا يدل على فضلهم على الاغنياء فى
الدرجة وعلو المنزلة وان سبقوهم بالدخول فقد يتأخر الغنى والسلطان العادل
فى الدخول لحسابه فاذا دخل كانت درجته أعلى ومنزلته أرفع كسبق الفقير
القفل فى المضائق وغيرها ويتأخر صاحب الاحمال بعده فان قيل فقد قال النبى
للفقراء لما شكوا اليه زيادة عمل الاغنياء عليهم بالعتق والصدقه: "ألا
أدلكم على شئ اذا فعلتموه أدركتم به من سبقكم" فدلهم على التسبيح والتحميد
والتكبير عقب كل صلاة فلما سمع الاغنياء ذلك عملوا به فذكروا ذلك للنبى
فقال: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" وهذا يدل على ترجيح حال الغنى الشاكر
قيل هذا حجة للقول الذى نصرناه وهو أن أفضلهما أكثرهما نوافل فإن استويا
استويا وها هنا قد ساوى الأغنياء الفقراء فى أعمالهم المفروضه والنافلة
وزادوا عليهم بنوافل العتق والصدقه وفضلوهم بذلك فساووهم فى صبرهم على
الجهاد والأذى فى الله والصبر على المقدور وزادوا عليهم بالشكر بنوافل
المال فلو كان للفقراء بصبرهم نوافل تزيد على نوافل الأغنياء لفضلوهم بها
فإن قيل: إن النبى عرضت عليه مفاتيح كنوز الدنيا فردها



ص -154- وقال: "بل اشبع يوما وأجوع يوما" وقال هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة رضى الله عنهما قالت: "خرج رسول الله من الدنيا ولم يشبع من
خبز البر ومات ودرعه مرهونه عند يهودى على طعام أخذه لأهله".
وقال الامام أحمد حدثنا وكيع حدثنا الاعمش عن عبادة بن القعقاع عن ابى
زرعه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله: "اللهم اجعل رزق آل
محمد قوتا" وقال الامام أحمد حدثنا اسماعيل بن محمد حدثنا عباد بن عباد
حدثنا مجالد بن سعيد عن الشعبى عن مسروق عن عائشة رضى الله عنها قالت دخلت
على امرأة من الانصار فرأت فراش النبى عباءة مثنيه فرجعت الى منزلها فبعثت
الى بفراش حشوه الصوف فدخل على رسول الله فقال: "ما هذا؟ فقلت فلانه
الانصاريه دخلت على فرأت فراشك فبعثت إلى بهذا فقال رديه فلم أرده وأعجبنى
أن يكون فى بيتى حتى قال لى ذلك ثلاث مرات فقال ياعائشة رديه فوالله لو
شئت لأجرى الله معى جبال الذهب والفضه فرددته" ولم يكن الله سبحانه ليختار
لرسوله الا الافضل هذا مع أنه لو أخذ الدنيا لأنفقها كلها فى مرضاة الله
ولكان شكره بها فوق شكر جميع العالمين
قيل احتج بحال رسول الله كل واحدة من الطائفتين والتحقيق أن الله سبحانه
وتعالى جمع له بين المقامين كليهما على أتم الوجوه وكان سيد الاغنياء
الشاكرين وسيد الفقراء الصابرين فحصل له من الصبر على الفقراء ما لم يحصل
لأحد سواه ومن الشكر على الغنى ما لم يحصل لغنى سواه ومن تأمل سيرته وجد
الأمر كذلك فكان أصبر الخلق فى مواطن الصبر وأشكر الخلق فى مواطن الشكر
وربه تعالى كمل له مراتب الكمال فجعله فى أعلى رتب الأغنياء الشاكرين وفى
أعلى مراتب الفقراء الصابرين قال



ص -155- تعالى {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} وأجمع المفسرون
أن العائل هو الفقير يقال عال الرجل يعيل إذا افتقر وأعال يعيل إذا صار ذا
عيال مثل لبن وأثمر وأثرى إذا صار ذا لبن وثمر وثروة وعال يعول إذا جار
ومنه قوله تعالى ذلك أدنى أن لا تعولوا وقيل المعنى ألا تكثر عيالكم
والقول هو الأول لوجوه
أحدها: أنه لا يعرف فى اللغة عال يعول إذا كثر عياله وانما المعروف فى ذلك
عال يعيل وأما عال يعول فهو بمعنى الجور ليس إلا هذا الذى ذكره أهل اللغة
قاطبة
الثانى: أنه سبحانه قابل ذلك بالعدل الذى نقلهم عند خوفهم من فقده الى
الواحدة والتسرى بما شاءوا من ملك أيمانهم ولا يحسن هنا التعليل بعدم
العيال
يوضحه الوجه الثالث أنه سبحانه نقلهم عند الخوف من عدم القسط فى نكاح
اليتامى إلى من سواهن من النساء لئلا يقعوا فى ظلم أزواجهم اليتامى وجوز
لهم نكاح الواحدة وما فوقها إلى الأربع ثم نقلهم عند خوف الجور وعدم العدل
فى القسمة إلى الواحدة أو النوع الذى لا قسمة عليهم فى الاستمتاع بهنوهن
الإماء فانتظمت الآية ببيان الجائز من نكاح اليتامى والبوالغ والأولى من
ذينك القسمين عند خوف العدل فما لكثرة العيال مدخل ها هنا البتة
يوضحه الوجه الرابع: انه لو كان المحذور كثرة العيال لما نقلهم الى ما
شاءوا من كثرة الاماء بلا عدد فإن العيال كما يكونون من الزوجات يكونون من
الإماء ولا فرق فإنه لم ينقلهم الى اماء الاستخدام بل الى إماء الاستفراش
يوضحه الوجه الخامس: أن كثرة العيال ليس أمرا محذورا مكروها للرب تعالى
كيف وخير هذه الأمة أكثرها نساء وقد قال النبى:



ص -156- "تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الامم" فأمر بنكاح
الولود ليحصل منها ما يكاثر به الامم يوم القيامة
والمقصود أنه سبحانه جعل نبيه غنيا شاكرا بعد أن كان فقيرا صابرا فلا تحتج
به طائفة لحالها إلا كان للطائفة الأخرى أن تحتج به ايضا لحالها فإن قيل
فقد كان عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه من الشاكرين وقد قال الامام أحمد
فى مسنده حدثنا عبد الصمد حدثنا عمارة عن ثابت عن أنس رضى الله عنه قال
بينما عائشة فى بيتها سمعت صوتا فى المدينة فقالت ما هذا فقالوا عير لعبد
الرحمن قدمت من الشام تحمل من كل شئ قال وقد كانت سبعمائة بعير فارتجت
المدينة من الصوت فقالت عائشة سمعت رسول الله يقول: "رأيت عبد الرحمن بن
عوف يدخل الجنة حبوا" فبلغ ذلك عبد الرحمن فقال إن استطعت لأدخلنها قائما
فجعلها بأحمالها وأقتابها كلها فى سبيل الله
قيل قد قال الامام أحمد هذا الحديث كذب منكر قالوا او عمارة يروى أحاديث
مناكير وقال أبو حاتم الرازى عمارة بن زاذان لا يحتج به
قال أبو الفرج وقد روى الجراح بن منهال باسناده عن عبد الرحمن بن عوف أن
النبى قال له: "يا ابن عوف إنك من الأغنياء وإنك لا تدخل الجنة إلا زحفا
فأقرض ربك يطلق قدميك" قال أبو عبد الرحمن النسائى هذا حديث موضوع والجراح
متروك الحديث وقال يحيى ليس حديث الجراح بشئ وقال ابن المدينى لا يكتب
حديثه وقال ابن حبان كان يكذب وقال الدارقطنى متروك
فإن قيل فما تصنعون بالحديث الذى رواه البيهقى من حديث أحمد بن على بن
اسماعيل بن محمد حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أخبرنى خالد بن يزيد بن أبى
مالك عن أبيه عن عطاء بن أبى رباح عن
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الرابع {السبت 4 يونيو - 16:35}


ص -157- إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن رسول الله أنه
قال: "يا ابن عوف إنك من الاغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفا فأقرض الله
يطلق قدميك" قال وما الذى أقرض يا رسول الله قال تتبرأ مما أمسيت فيه قال
أمن كله أجمع يا رسول الله قال نعم فخرج وهو يهتم بذلك فأتاه جبريل فقال
مر ابن عوف فليضف الضيف وليطعم المساكين وليبدأ بمن يعول وليعط السائل
فاذا فعل ذلك كان تزكية ما هو فيه".
قيل هذا حديث باطل لا يصح عن رسول الله فان أحد رواته خالد بن يزيد بن أبى
مالك قال الامام أحمد ليس بشيء وقال ابن معين واه وقال النسائى غير ثقة
وقال الدارقطنى ضعيف وقال يحيى بن معين لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب
على الصحابة
فان قيل فما تصنعون بالحديث الذى قاله الامام أحمد حدثنا الهذيل بن ميمون
عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى
أمامة قال قال رسول الله: "دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدى قلت ما هذا قال
بلال فمضيت فاذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذرارى المسلمين ولم ار
فيها أحدا أقل من الاغنياء والنساء قيل لى أما الاغنياء فهم فى الباب
يحاسبون ويمحصون وأما النساء فألهاهن الاحمران الذهب والحرير ثم خرجنا من
أحد أبواب الجنة الثمانية فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت
أمتى فى كفة فرجحت بها ثم أتى بأبى بكر فوضع فى كفة وجئ بجميع أمتى فوضعوا
فى كفة فرجح أبو بكر ثم اتى بعمر فوضع فى كفة ووضع أمتى فى كفة فرجح عمر
وعرضت على أمتى رجلا رجلا فجعلوا يمرون واستبطأت عبد الرحمن ابن عوف ثم
جاء بعد الاياس فقلت عبد الرحمن فقال بأبى وأمى يا رسول الله والذي بعثك
بالحق ما خلصت إليك حتى ظننت إنى لا أصل إليك الا بعد المشيبات قلت وما
ذاك قال من كثرة مالى أحاسب فأمحص".



ص -158- قيل هذا حديث لا يحتج باسناده وقد أدخله أبو الفرج هو
والذى قبله فى كتاب الموضوعات وقال أما عبيد بن زحر فقال يحيى ليس بشئ
وعلى بن يزيد متروك وقال ابن حبان عبيد الله يروى الموضوعات عن الاثبات
واذا روى عن على بن يزيد أتى بالطامات واذا اجتمع فى اسناد خبر عبيد الله
بن زحر وعلى بن يزيد والقاسم ابن عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر الا مما
عملته أيديهم
قال أبو الفرج وبمثل هذا الحديث الباطل يتعلق جملة المتزهدين ويرون ان
المال مانع من السبق الى الخير ويقولون اذا كان ابن عوف يدخل الجنة زحفا
لأجل ماله كفى ذلك فى ذم المال والحديث لا يصح وحاشا عبد الرحمن المشهود
له بالجنة أن يمنعه ماله من السبق لان جمع المال مباح وانما المذموم كسبه
من غير وجهه ومنع الحق الواجب فيه وعبد الرحمن منزه عن الحالين وقد خلف
طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب وخلف الزبير وغيره ولو علموا أن ذلك مذموم
لأخرجوا الكل وكم قاص يتسوف بمثل هذا الحديث يحث على الفقر ويذم الغنى
فلله در العلماء الذين يعرفون الصحيح ويفهمون الأصول ا هـ
قلت وقد بالغ فى رد هذا الحديث وتجاوز الحد فى إدخاله فى الأحاديث
الموضوعة المختلقة على رسول الله وكأنه استعظم احتباس عبد الرحمن بن عوف
وهو أحد السابقين الأولين المشهود لهم عن السبق اليها ودخول الجنة حبوا
ورأى ذلك مناقضا لسبقه ومنزلته التى أعدها الله له فى الجنة وهذا وهم منه
رحمه الله
وهب أنه وجد السبيل الى الطعن فى هذين الخبرين أفيجد سبيلا الى القدح فى
حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله قال: "يدخل فقراء المسلمين
الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمسمائة عام" قال الترمذى حديث حسن صحيح
وفى حديث ابن عمر الذى رواه مسلم فى



ص -159- صحيحه عن النبى: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الاغنياء
يوم القيامة بأربعين خريفا"
وفى مسند الامام أحمد عنه عن النبى: "هل تدرون أول من يدخل الجنة قالوا
الله ورسوله أعلم قال فقراء المهاجرين الذين يتقى بهم المكاره يموت أحدهم
وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء".
وفى جامع الترمذى من حديث جابر رضى الله عنه عن النبى أنه قال: "يدخل
فقراء أمتى الجنة قبل الاغنياء بأربعين خريفا" فهذا الحديث وأمثاله صحيح
صريح فى سبق فقراء الصحابة الى الجنة لأغنيائهم وهم فى السبق متفاوتون
فمنهم من يسبق خمسمائة عام ومنهم من يسبق بأربعين عاما ولا يقدح ذلك فى
منزلة المتأخرين فى الدخول فإنهم قد يكونون أرفع منزلة ممن سبقهم الى
الدخول وان تأخروا بعدهم للحساب فان الامام العادل يوقف للحساب ويسبقه من
لم يل شيئا من أمور المسلمين الى الجنة فاذا دخل الامام العادل بعده كانت
منزلته أعلى من منزلة الفقير بل يكون أقرب الناس من الله منزلة كما فى
صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه عن النبى قال: "المقسطون عند
الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين
يعدلون فى حكمهم وأهليهم وما ولوا" وفى الترمذى من حديث أبى سعيد الخدرى
رضى الله عنه عن النبى: "أن أحب الناس الى الله يوم القيامة واقربهم منه
مجلسا امام عادل وأبغض الناس الى الله يوم القيامة وأشدهم عذابا امام جائر"
فالامام العادل والغنى قد يتأخر دخول كل منهم للحساب ويكون بعد الدخول
ارفع منزلة من الفقير السابق ولا يلزم من احتباس عبد الرحمن بن عوف لكثرة
ماله حتى يحاسبه عليه ثم يلحق برسول الله وأصحابه غضاضة عليه ولا نقص من
مرتبته ولا يضاد ذلك سبقه وكونه مشهودا له بالجنة وأما حديث دخوله الجنة
زحفا فالامر كما قال فيه الامام أحمد رحمه الله انه كذب منكر وكما قال
النسائى انه موضوع ومقامات عبد



ص -160- الرحمن وجهاده ونفقاته العظيمة وصدقاته تقتضى دخوله مع
المارين كالبرق أو كالطرف أو كأجاويد الخيل ولا يدعه يدخلها زحفا
فصل: والله سبحانه كما هو خالق الخلق فهو خالق ما به غناهم وفقرهم فخلق
الغنى والفقر ليبتلى بهما عباده أيهم أحسن عملا وجعلهما سببا للطاعة
والمعصية والثواب والعقاب قال تعالى {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ
وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
قال ابن عباس رضى الله عنهما بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر
والحلال والحرام وكلها بلاء
وقال ابن يزيد نبلوكم بما تحبون وما تكرهون لننظر كيف صبركم وشكركم فبما
تحبون وما تكرهون وقال الكلبى بالشر بالفقر والبلاء والخير بالمال والولد
فأخبر سبحانه أن الغنى والفقر مطيتا الابتلاء والامتحان وقال تعالى
{فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ
وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ
فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ} فأخبر
سبحانه أنه يبتلى عبده بإكرامه له وبتنعيمه له وبسط الرزق عليه كما يبتليه
بتضييق الرزق وتقديره عليه وان كليهما ابتلاء منه وامتحان ثم أنكر سبحانه
على من زعم أن بسط الرزق وتوسعته اكرام من الله لعبده وان تضييقه عليه
اهانة منه له فقال كلا أى ليس الامر كما يقول الانسان بل قد أبتلى بنعمتى
وأنعم ببلائى
واذا تأملت ألفاظ الآية وجدت هذا المعنى يلوح على صفحاتها ظاهرا للمتأمل
وقال تعالى وهو الذى جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم
فيما آتاكم وقال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً
لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} فأخبر سبحانه أنه زين
الارض بما عليها من المال وغيره للابتلاء والامتحان كما أخبر أنه خلق
الموت والحياة لذلك وخلق السموات والارض لهذا الابتلاء أيضا



ص -161- فهذه ثلاثة مواضع فى القرآن يخبر فيها سبحانه أنه خلق
العالم العلوى والسفلى وما بينهما وأجل العالم وأجل أهله وأسباب معائشهم
التى جعلها زينة للأرض من الذهب والفضة والمساكن والملابس والمراكب
والزروع والثمار والحيوان والنساء والبنين وغير ذلك كل ذلك خلقه للابتلاء
والامتحان ليختبر خلقه أيهم أطوع له وارضى فهو الاحسن عملا
وهذا هو الحق الذى خلق به وله السموات والارض وما بينهما وغايته الثواب
والعقاب وفواته وتعطيله هو العبث الذى نزه نفسه عنه وأخبر أنه يتعالى عنه
وأن ملكه الحق وتفرده بالالهية وحده وبربوبية كل شئ ينفى هذا الظن الباطل
والحساب الكاذب كما قال تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ
عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ
الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}
فنزه سبحانه نفسه عن ذلك كما نزهها عن الشريك والولد والصاحبة وسائر
العيوب والنقائص من السنة والنوم واللغوب والحاجة واكتراثه بحفظ السموات
والارض وتقدم الشفعاء بين يديه بدون اذنه كما يظنه أعداؤه المشركون يخرجون
عن علمه جزئيات العالم أو شيئا منها فكما أن كماله المقدس وكمال أسمائه
وصفاته يأبى ذلك ويمنع منه فكذلك يبطل خلقه لعباده عبثا وتركهم سدى لا
يأمرهم ولا ينهاهم ولا يردهم اليه فيثيب محسنهم بإحسانه ومسيئهم باساءته
ويعرف المبطلون منهم انهم كانوا كاذبين ويشهدهم أن رسله وأتباعهم كانوا
اولى بالصدق والحق منهم فمن أنكر ذلك فقد انكر إلهيته وربوبيته وملكه الحق
وذلك عين الجحود والكفر به سبحانه كما قال المؤمن لصاحبه الذى حاوره فى
المعاد وأنكره {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ
نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} فأخبر أن انكاره للمعاد كفر بذات الرب
سبحانه وقال تعالى وان تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا إنا لفى خلق جديد
أولئك الذين كفروا بربهم



وذلك أن انكار المعادى يتضمن انكار قدرة الرب وعلمه وحكمته وملكه
الحق وربوبيته والهيته كما أن تكذيب رسله وجحد رسالتهم يتضمن ذلك ايضا فمن
كذب رسله وجحد

ص -162- المعاد فقد أنكر ربوبيته سبحانه ونفى أن يكون رب العالمين


والمقصود أنه سبحانه وتعالى خلق الغنى والفقر مطيتين للابتلاء والامتحان
ولم ينزل المال لمجرد الاستمتاع به كما فى المسند عنه قال: يقول الله
تعالى: "انا نزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد
من مال لابتغى اليه ثانيا ولو كان له ثان لابتغى له ثالثا ولا يملأ جوف
ابن آدم الا التراب" فأخبر سبحانه انه أنزل المال ليستعان به على إقامة
حقه بالصلاة واقامة حق عباده بالزكاة لا للاستمتاع والتلذذ كما تأكل
الانعام فاذا زاد المال عن ذلك أو خرج عن هذين المقصودين فان الغرض
والحكمة التى أنزل لها كان التراب أولى به فرجع هو والجوف الذى امتلأ به
بما خلق له من الايمان والعلم والحكمة فانه خلق لان يكون وعاء لمعرفة ربه
وخالقه والايمال به ومحبته وذكره وانزل عليه من المال ما يستعين به على
ذلك فعطل الجاهل بالله وبأمر الله وبتوحيد الله وبأسمائه وصفاته جوفه عما
خلق له وملأه بمحبة المال الفانى الذاهب الذى هو ذاهب عن صاحبه أو بالعكس
وجمعه والاستكثار منه ومع ذلك فلم يمتلىء بل ازداد فقرا وحرصا الى أن
امتلأ جوفه بالتراب الذى خلق منه فرجع الى مادته الترابية التى خلق منها
هو وماله ولم تتكمل مادته بامتلاء جوفه من العلم والايمان الذى بهما كماله
وفلاحه وسعادته فى معاشه ومعاده فالمال ان لم ينفع صاحبه ضره ولا بد وكذلك
العلم والملك والقدرة كل ذلك ان لم ينفعه ضره فان هذه الامور وسائل لمقاصد
يتوسل بها اليها فى الخير والشر فان عطلت عن التوسل بها الى المقاصد
والغايات المحمودة توسل بها الى أضدادها
فأربح الناس من جعلها وسائل الى الله والدار الآخرة وذلك الذى ينفعه فى
معاشه ومعاده وأخسر

الناس من توسل بها الى هواه ونيل شهواته وأغراضه العاجلة فخسر
الدنيا والآخرة فهذا لم يجعل الوسائل مقاصد ولو جعلها كذلك لكان خاسرا
لكنه جعلها وسائل الى ضد ما جعلت له فهو
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى