صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
ص -129- هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله يعنى قال الله عز
وجل: "ان المؤمن عندى بمنزلة كل خير يحمدنى وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه"
ومر محمد بن المنكدر بشاب يغامز امرأة فقال يا فتى ما هذا جزاء نعم الله
عليك وقال حماد بن سلمة عن ثابت قال قال أبو العاليه انى لأرجو أن لا يهلك
عبد بين اثنتين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر منه
وكتب ابن السماك إلى محمد بن الحسن حين ولى القضاء بالرقة أما بعد فلتكن
التقوى من بالك على كل حال وخف الله من كل نعمة أنعم بها عليك من قلة
الشكر عليها مع المعصية بها فان في النعم حجة وفيها تبعة فأما الحجة بها
فالمعصية بها وأما التبعة فيها فقلة للشكر عليها فعفى الله عنك كلما ضيعت
من شكر أو ركبت من ذنب أو قصرت من حق ومر الربيع بن أبى راشد برجل به
زمانة فجلس يحمد الله ويبكى قيل له ما يبكيك قال ذكرت أهل الجنة وأهل
النار فشبهت أهل الجنة بأهل العافية وأهل النار بأهل البلاء فذلك الذى
أبكانى
وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي: "إذا أحب أحدكم أن يرى قدر نعمة
الله عليه فلينظر إلى من تحته ولا ينظر إلى من فوقه" قال عبد الله بن
المبارك أخبرنى يحيى بن عبد الله قال سمعت أبى هريرة فذكره
وقال ابن المبارك حدثنا يزيد بن ابراهيم عن الحسن قال قال أبو الدرداء من
لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه قال
ابن المبارك أخبرنا مالك بن أنس عن اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس
رضى الله قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه سلم على رجل فرد عليه
السلام فقال عمر للرجل كيف أنت قال الرجل أحمد اليك الله قال هذا أردت منك
قال ابن المبارك وأخبرنا مسعود عن علقمة بن مرقد عن ابن عمر رضى الله
عنهما قال لعلنا نلتقى في اليوم مرارا يسأل بعضنا عن بعض ولم يرد بذلك إلا
ص -130- ليحمد الله عزوجل وقال مجاهد في قوله تعالى {وَأَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} قال لا إله الا الله وقال ابن
عيينة ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلا الله قال
وان لا اله الا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا وقال بعض السلف في
خطبته يوم عيد أصبحتم زهرا وأصبح الناس غبرا أصبح الناس ينسجون وأنتم
تلبسون واصبح الناس يعطون وأنتم تأخذون وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون
واصبح الناس يزرعون وأنتم تأكلون فبكى وأبكاهم
وقال عبد الله بن قرط الأزدى وكان من الصحابة على المنبر وكان يوم أضحى
ورأى على الناس ألوان الثياب يا لها من نعمة ما أشبعها ومن كرامة ما
أظهرها ما زال عن قوم شيئا أشد من نعمة لا يستطيعون ردها وانما تثبت
النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم
وقال سلمان الفارسى رضى الله عنه ان رجلا بسط له من الدنيا فانتزع ما في
يديه فجعل يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش الا بارية قال فجعل
يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش إلا بارية قال فجعل يحمد الله
ويثني عليه وبسط لآخر من الدنيا فقال لصاحب البارية أرأيتك أنت على ما
تحمد الله قال أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم اياه قال
وما ذاك قال أرأيتك بصرك أرأيتك لسانك أرأيتك يديك أرايتك رجليك وجاء رجل
إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس أيسرك ببصرك هذه مائة ألف
درهم قال الرجل لا قال فبيديك مائه ألف قال لا فبرجليك مائة الف قال لا
قال فذكره نعم الله عليه فقال يونس أرى عندك مئين الالوف وأنت تشكو الحاجه
وكان ابو الدرداء يقول الصحة الملك
وقال جعفر بن محمد رضى الله عنه فقد ابى بغلة له فقال ان ردها الله على
لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بسرجها ولجامها فركبها فلما
ص -131- استوى عليها وضم اليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال
الحمد لله لم يزد عليها فقيل له في ذلك فقال هل تركت وأبقيت شيئا جعلت
الحمد كله لله
وروى ابن أبى الدنيا من حديث سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده
قال: "بعث رسول الله بعثا من الانصار وقال ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله
على في ذلك شكرا قال فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه سمعناك
تقول ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا قال قد فعلت اللهم لك
الحمد شكرا ولك المن فضلا".
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال محمد بن المنكدر لأبى حازم يا أبا
حازم ما أكثر من يلقانى فيدعو لى بالخير ما أعرفهم وما صنعت اليهم خيرا قط
فقال أبو حازم لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذى ذلك من قبله
فاشكره وقرأ أبو عبد الرحمن {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} وقال على بن الجعد
حدثنا عبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون حدثنى من أصدقه أن أبا بكر الصديق
رضى الله عنه كان يقول في دعائه أسألك تمام النعمة في الاشياء كلها والشكر
لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة بجميع
ميسر الامور كلها لا معسورها يا كريم
وقال الحسن ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله الا كان ما أعطى
أكثر مما أخذ قال ابن أبى الدنيا وبلغنى عن سفيان بن عيينة أنه قال هذا
خطأ لا يكون فعل العبد أفضل من فعل الله ثم قال وقال بعض أهل العلم انما
تفسير هذا أن الرجل اذا أنعم الله عليه نعمة وهو ممن يجب عليه أن يحمده
عرفه ما صنع به فيشكر الله كما ينبغى له أن يشكره فكان الحمد له أفضل
قلت لا يلزم الحسن ما ذكر عن ابن عيينة فإن قوله الحمد
ص -132- لله نعمة من نعم الله والنعمة التى حمد الله عليها ايضا
نعمة من نعم الله وبعض النعم أجل من بعض فنعمة الشكر أجل من نعمة المال
والجاه والولد والزوجة ونحوها والله أعلم وهذا لا يستلزم أن يكون فعل
العبد أفضل من فعل الله وان دل على أن فعل العبد للشكر قد يكون أفضل من
بعض مفعول الله وفعل العبد هو مفعول الله ولا ريب أن بعض مفعولاته أفضل من
بعض
وقال بعض أهل العلم لنعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه
علينا فيما بسط لنا منها وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا فإن أكون فيما
رضى الله لنبيه وأحب له أحب إلى من أن أكون فيما كره له وسخطه
وقال ابن أبى الدنيا بلغنى عن بعض العلماء أنه قال ينبغى للعالم أن يحمد
الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا كما يحمده على ما أعطاه وأين يقع ما
أعطاه الله والحساب يأتى عليه إلى ما عافاه الله ولم يبتله به فيشغل قلبه
ويتعب جوارحه فيشكر الله على سكون قلبه وجمع همه
وحدث عن ابن أبى الحوارى قال جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى
الصباح يتذاكران النعم فجعل سفيان يقول أنعم الله علينا في كذا وكذا أنعم
الله علينا في كذا فعل بنا كذا وحدثنا عبد الله بن داود عن سفيان في قوله
{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} قال يسبغ عليهم النعم
ويمنعهم الشكر وقال غير سفيان كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة وسئل ثابت
البنانى عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله بالعباد المضيعين وقال يونس في
تفسيرها ان العبد اذا كانت له عند الله منزلة فحفظها وبقى عليها ثم شكر
الله بما أعطاه أعطاه أشرف منها واذا هو ضيع الشكر استدرجه الله وكان
تضييعه الشكر استدراجا وقال أبو حازم نعمة الله فيما زوى عنى من الدنيا
أعظم من نعمته فيما أعطانى منها انى رأيته أعطاها أقواما فهلكوا
ص -133- وكل نعمة لا تقرب من الله فهى بلية واذا رأيت الله يتابع
عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره
وذكر كاتب الليث عن هقل عن الاوزاعى أنه وعظهم فقال في موعظته أيها الناس
تقووا بهذه النعم التى أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة التى
تتطلع على الأفئدة فإنكم في دار الثوى فيها قليل وأنتم فيها مرجون خلائف
من بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفعها وزهرتها فهم كانوا أطول
منكم أعمارا وأمد أجساما وأعظم آثارا فقطعوا الجبال وجابوا الصخور ونقبوا
في البلاد مؤيدين ببطش شديد وأجسام كالعماد فما لبثت الايام والليالى أن
طوت مددهم وعفت آثارهم وأخوت منازلهم وأنست ذكرهم فما تحس منهم من أحد ولا
تسمع لهم ركزا كانوا يلهون آمنين لبيات قوم غافلين أو لصباح قوم نادمين ثم
أنكم قد علمتم الذى نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله فأصبح كثير منهم في
دارهم جاثمين واصبح الباقون ينظرون في آثارهم نقمة وزوال نعمة ومساكن
خاويه فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم وعبرة لمن يخشى وأصبحتم من
بعدهم في أجل منقوص ودنيا مقبوضه وزمان قد ولى عفوه وذهب رخاؤه فلم يبق
منه الا حماة شر وصبابة كدر وأهاويل عبر وعقوبات غير وارسال فتن وتتابع
زلازل ورذلة خلف بهم ظهر الفساد في البر والبحر ولا تكونوا أشباها لمن
خدعه الامل وغره طول الاجل وتبلغ بطول الامانى نسأل الله أن يجعلنا واياكم
ممن وعى انذاره وعقل بشره فمهد لنفسه
وكان يقال الشكر ترك المعصيه وقال ابن المبارك قال سفيان ليس بفقيه فمن لم
يعد البلاء نعمه والرخاء مصيبه وكان مروان بن الحكم اذا ذكر الاسلام قال
بنعمة ربى وصلت اليه لا بما قدمت يدى ولا بإرادتى انى كنت خاطئا
وكم من مدخل لو مت فيه لكنت فيه نكالا في العشيرة
وقيت السوء والمكروه فيه وظفرت بنعمة منه كبيرة
ص -134- وكم من نعمة لله تمسى وتصبح في العيان وفي السريرة
ودعى عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى قوم على ريبة فانطلق
ليأخذهم فتفرقوا قبل أن يبلغهم فأعتق رقبة شكرا لله أن لا يكون جرى على
يديه خزى مسلم قال يزيد بن هرون أخبرنا أصبغ بن يزيد أن نوحا عليه السلام
كان اذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذى أذاقنى لذته وأبقى منفته في
جسدى وأذهب عنى أذاه فسمى عبدا شكورا وقال ابن أبى الدنيا حدثنى العباس بن
جعفر عن الحارث بن شبل قال حدثتنا أم النعمان أن عائشة حدثتها عن النبي
أنه لم يقم عن خلاء قط الا قاله وقال رجل لأبى حازم ما شكر العينين يا أبا
حازم قال ان رأيت بهما خيرا أعلنته وان رأيت بهما شرا سترته قال فما شكر
الاذنين قال ان سمعت بهما خيرا وعيته وان سمعت بهما شرا دفعته قال فما شكر
اليدين قال لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقا لله هو فيهما قال فما
شكر البطن قال أن يكون أسفله طعاما وأعلاه علما قال فما شكر الفرج قال قال
الله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
قال فما شكر الرجلين قال ان علمت ميتا تغبطه استعملت بهما عمله وان مقته
رغبت عن عمله وأنت شاكر لله
وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ
بطرفه ولم يلبسه فما ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر
وذكر عبد الله بن المبارك أن النجاشى أرسل ذات يوم إلى جعفر وأصحابه
فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان جالس على التراب قال جعفر فأشفقنا منه
حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما في وجوهنا قال انى أبشركم بما يسركم
انه جاءنى من نحو أرضكم عين لى فأخبرنى أن الله قد نصر نبيه وأهلك عدوه
وأسر فلان وفلان وقتل فلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الاراك
كأنى أنظر اليه كنت أرعى به لسيدى رجل من
ص -135- بنى ضمرة فقال له جعفر ما بالك جالسا على التراب ليس
تحتك بساط وعليك هذه الاخلاق قال انا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه
السلام ان حقا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عندما أحدث الله لهم من
نعمه فلما أحدث الله لى نصر نبيه أحدثت لله هذا التواضع
وقال حبيب بن عبيد ما ابتلى الله عبدا ببلاء إلا كان له عليه فيه نعمة ألا
يكون أشد منه وقال عبد الملك بن اسحاق ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر
كيف شكره أو بلية لينظر كيف صبره
وقال سفيان الثورى لقد أنعم الله على عبد في حاجة أكثر من تضرعه اليه فيها
وكان رسول الله اذا جاءه أمر يسره خر لله ساجدا شكرا له عزوجل ذكره أحمد
وقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه: "خرج علينا النبي فتوجه نحو صدقته
فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود فقلت يا رسول الله سجدت سجدة
حسبت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها فقال ان جبريل أتانى فبشرنى أن الله
عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله
شكرا" ذكره أحمد
وعن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال خرجنا مع النبي من مكة نريد المدينة
فلما كنا قريبا من عزور نزل ثم رفع يديه ودعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث
طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال انى سألت ربى
وشفعت لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا شكرا لربى ثم رفعت رأسى فسألت
ربى لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا لربى ثم رفعت رأسى فسألت ربى ربى
فأعطانى الثلث الآخر فخررت ساجدا لربى رواه أبو داود
وذكر محمد بن اسحاق في كتاب الفتوح قال لما جاء المبشر يوم بدر بقتل أبى
جهل استحلفه رسول الله ثلاثة أيمان بالله الذى لا اله الا هو لقد رأيته
قتيلا فحلف له فخر رسول الله ساجدا.
ص -136- وذكر سعيد بن منصور أن ابى بكر الصديق رضى الله عنه سجد
حين جاءه قتل مسيلمة وذكر أحمد أن عليا رضى الله عنه سجد حين وجد ذا
الثدية في الخوارج وسجد كعب بن مالك في عهد النبي لما بشر بتوبة الله عليه
والقصة في الصحيحين
فإن قيل فنعم الله دائما مستمرة على العبد فما الذى اقتضى تخصيص النعمة
الحادثة بالشكر دون الدائمة وقد تكون المستدامة أعظم قيل الجواب من وجوه
أحدها أن النعمة المتجددة تذكر بالمستدامة والانسان موكل بالأدنى
الثاني أن هذه النعمة المتجددة تستدعي عبودية مجددة وكان أسهلها على
الانسان وأحبها إلى الله السجود شكرا له
الثالث أن المتجددة لها وقع في النفوس والقلوب بها أعلق ولهذا يهنى بها
ويعزى بفقدها
الرابع أن حدوث النعم توجب فرح النفس وانبساطها وكثيرا ما يجر ذلك إلى
الأشر والبطر والسجود ذل لله وعبودية وخضوع فإذا تلقى به نعمته لسروره
وفرح النفس وانبساطها فكان جديرا بدوام تلك النعمة وإذا تلقاها بالفرح
الذى لا يحبه الله والاشر والبطر كما يفعله الجهال عندما يحدث الله لهم من
النعم كانت سريعة الزوال وشيكة الانتقال وانقلبت نقمة وعادت استدراجا وقد
تقدم أمر النجاشى فان الله اذا احدث لعبده نعمة أحب أن يحدث لها تواضعا
وقال العلاء بن المغيرة بشرت الحسن بموت الحجاج وهو مختف فخر لله ساجدا
فصل ومن دقيق نعم الله على العبد التى لا يكاد يفطن لها انه يغلق عليه
بابه فيرسل الله اليه من يطرق عليه الباب يسأله شيئا من القوت ليعرفه
نعمته عليه وقال سلام بن أبى مطيع دخلت على مريض أعوده فاذا هو يئن
ص -129- هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله يعنى قال الله عز
وجل: "ان المؤمن عندى بمنزلة كل خير يحمدنى وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه"
ومر محمد بن المنكدر بشاب يغامز امرأة فقال يا فتى ما هذا جزاء نعم الله
عليك وقال حماد بن سلمة عن ثابت قال قال أبو العاليه انى لأرجو أن لا يهلك
عبد بين اثنتين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر منه
وكتب ابن السماك إلى محمد بن الحسن حين ولى القضاء بالرقة أما بعد فلتكن
التقوى من بالك على كل حال وخف الله من كل نعمة أنعم بها عليك من قلة
الشكر عليها مع المعصية بها فان في النعم حجة وفيها تبعة فأما الحجة بها
فالمعصية بها وأما التبعة فيها فقلة للشكر عليها فعفى الله عنك كلما ضيعت
من شكر أو ركبت من ذنب أو قصرت من حق ومر الربيع بن أبى راشد برجل به
زمانة فجلس يحمد الله ويبكى قيل له ما يبكيك قال ذكرت أهل الجنة وأهل
النار فشبهت أهل الجنة بأهل العافية وأهل النار بأهل البلاء فذلك الذى
أبكانى
وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي: "إذا أحب أحدكم أن يرى قدر نعمة
الله عليه فلينظر إلى من تحته ولا ينظر إلى من فوقه" قال عبد الله بن
المبارك أخبرنى يحيى بن عبد الله قال سمعت أبى هريرة فذكره
وقال ابن المبارك حدثنا يزيد بن ابراهيم عن الحسن قال قال أبو الدرداء من
لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه قال
ابن المبارك أخبرنا مالك بن أنس عن اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس
رضى الله قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه سلم على رجل فرد عليه
السلام فقال عمر للرجل كيف أنت قال الرجل أحمد اليك الله قال هذا أردت منك
قال ابن المبارك وأخبرنا مسعود عن علقمة بن مرقد عن ابن عمر رضى الله
عنهما قال لعلنا نلتقى في اليوم مرارا يسأل بعضنا عن بعض ولم يرد بذلك إلا
ص -130- ليحمد الله عزوجل وقال مجاهد في قوله تعالى {وَأَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} قال لا إله الا الله وقال ابن
عيينة ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلا الله قال
وان لا اله الا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا وقال بعض السلف في
خطبته يوم عيد أصبحتم زهرا وأصبح الناس غبرا أصبح الناس ينسجون وأنتم
تلبسون واصبح الناس يعطون وأنتم تأخذون وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون
واصبح الناس يزرعون وأنتم تأكلون فبكى وأبكاهم
وقال عبد الله بن قرط الأزدى وكان من الصحابة على المنبر وكان يوم أضحى
ورأى على الناس ألوان الثياب يا لها من نعمة ما أشبعها ومن كرامة ما
أظهرها ما زال عن قوم شيئا أشد من نعمة لا يستطيعون ردها وانما تثبت
النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم
وقال سلمان الفارسى رضى الله عنه ان رجلا بسط له من الدنيا فانتزع ما في
يديه فجعل يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش الا بارية قال فجعل
يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش إلا بارية قال فجعل يحمد الله
ويثني عليه وبسط لآخر من الدنيا فقال لصاحب البارية أرأيتك أنت على ما
تحمد الله قال أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم اياه قال
وما ذاك قال أرأيتك بصرك أرأيتك لسانك أرأيتك يديك أرايتك رجليك وجاء رجل
إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس أيسرك ببصرك هذه مائة ألف
درهم قال الرجل لا قال فبيديك مائه ألف قال لا فبرجليك مائة الف قال لا
قال فذكره نعم الله عليه فقال يونس أرى عندك مئين الالوف وأنت تشكو الحاجه
وكان ابو الدرداء يقول الصحة الملك
وقال جعفر بن محمد رضى الله عنه فقد ابى بغلة له فقال ان ردها الله على
لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بسرجها ولجامها فركبها فلما
ص -131- استوى عليها وضم اليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال
الحمد لله لم يزد عليها فقيل له في ذلك فقال هل تركت وأبقيت شيئا جعلت
الحمد كله لله
وروى ابن أبى الدنيا من حديث سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده
قال: "بعث رسول الله بعثا من الانصار وقال ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله
على في ذلك شكرا قال فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه سمعناك
تقول ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا قال قد فعلت اللهم لك
الحمد شكرا ولك المن فضلا".
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال محمد بن المنكدر لأبى حازم يا أبا
حازم ما أكثر من يلقانى فيدعو لى بالخير ما أعرفهم وما صنعت اليهم خيرا قط
فقال أبو حازم لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذى ذلك من قبله
فاشكره وقرأ أبو عبد الرحمن {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} وقال على بن الجعد
حدثنا عبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون حدثنى من أصدقه أن أبا بكر الصديق
رضى الله عنه كان يقول في دعائه أسألك تمام النعمة في الاشياء كلها والشكر
لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة بجميع
ميسر الامور كلها لا معسورها يا كريم
وقال الحسن ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله الا كان ما أعطى
أكثر مما أخذ قال ابن أبى الدنيا وبلغنى عن سفيان بن عيينة أنه قال هذا
خطأ لا يكون فعل العبد أفضل من فعل الله ثم قال وقال بعض أهل العلم انما
تفسير هذا أن الرجل اذا أنعم الله عليه نعمة وهو ممن يجب عليه أن يحمده
عرفه ما صنع به فيشكر الله كما ينبغى له أن يشكره فكان الحمد له أفضل
قلت لا يلزم الحسن ما ذكر عن ابن عيينة فإن قوله الحمد
ص -132- لله نعمة من نعم الله والنعمة التى حمد الله عليها ايضا
نعمة من نعم الله وبعض النعم أجل من بعض فنعمة الشكر أجل من نعمة المال
والجاه والولد والزوجة ونحوها والله أعلم وهذا لا يستلزم أن يكون فعل
العبد أفضل من فعل الله وان دل على أن فعل العبد للشكر قد يكون أفضل من
بعض مفعول الله وفعل العبد هو مفعول الله ولا ريب أن بعض مفعولاته أفضل من
بعض
وقال بعض أهل العلم لنعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه
علينا فيما بسط لنا منها وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا فإن أكون فيما
رضى الله لنبيه وأحب له أحب إلى من أن أكون فيما كره له وسخطه
وقال ابن أبى الدنيا بلغنى عن بعض العلماء أنه قال ينبغى للعالم أن يحمد
الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا كما يحمده على ما أعطاه وأين يقع ما
أعطاه الله والحساب يأتى عليه إلى ما عافاه الله ولم يبتله به فيشغل قلبه
ويتعب جوارحه فيشكر الله على سكون قلبه وجمع همه
وحدث عن ابن أبى الحوارى قال جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى
الصباح يتذاكران النعم فجعل سفيان يقول أنعم الله علينا في كذا وكذا أنعم
الله علينا في كذا فعل بنا كذا وحدثنا عبد الله بن داود عن سفيان في قوله
{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} قال يسبغ عليهم النعم
ويمنعهم الشكر وقال غير سفيان كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة وسئل ثابت
البنانى عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله بالعباد المضيعين وقال يونس في
تفسيرها ان العبد اذا كانت له عند الله منزلة فحفظها وبقى عليها ثم شكر
الله بما أعطاه أعطاه أشرف منها واذا هو ضيع الشكر استدرجه الله وكان
تضييعه الشكر استدراجا وقال أبو حازم نعمة الله فيما زوى عنى من الدنيا
أعظم من نعمته فيما أعطانى منها انى رأيته أعطاها أقواما فهلكوا
ص -133- وكل نعمة لا تقرب من الله فهى بلية واذا رأيت الله يتابع
عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره
وذكر كاتب الليث عن هقل عن الاوزاعى أنه وعظهم فقال في موعظته أيها الناس
تقووا بهذه النعم التى أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة التى
تتطلع على الأفئدة فإنكم في دار الثوى فيها قليل وأنتم فيها مرجون خلائف
من بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفعها وزهرتها فهم كانوا أطول
منكم أعمارا وأمد أجساما وأعظم آثارا فقطعوا الجبال وجابوا الصخور ونقبوا
في البلاد مؤيدين ببطش شديد وأجسام كالعماد فما لبثت الايام والليالى أن
طوت مددهم وعفت آثارهم وأخوت منازلهم وأنست ذكرهم فما تحس منهم من أحد ولا
تسمع لهم ركزا كانوا يلهون آمنين لبيات قوم غافلين أو لصباح قوم نادمين ثم
أنكم قد علمتم الذى نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله فأصبح كثير منهم في
دارهم جاثمين واصبح الباقون ينظرون في آثارهم نقمة وزوال نعمة ومساكن
خاويه فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم وعبرة لمن يخشى وأصبحتم من
بعدهم في أجل منقوص ودنيا مقبوضه وزمان قد ولى عفوه وذهب رخاؤه فلم يبق
منه الا حماة شر وصبابة كدر وأهاويل عبر وعقوبات غير وارسال فتن وتتابع
زلازل ورذلة خلف بهم ظهر الفساد في البر والبحر ولا تكونوا أشباها لمن
خدعه الامل وغره طول الاجل وتبلغ بطول الامانى نسأل الله أن يجعلنا واياكم
ممن وعى انذاره وعقل بشره فمهد لنفسه
وكان يقال الشكر ترك المعصيه وقال ابن المبارك قال سفيان ليس بفقيه فمن لم
يعد البلاء نعمه والرخاء مصيبه وكان مروان بن الحكم اذا ذكر الاسلام قال
بنعمة ربى وصلت اليه لا بما قدمت يدى ولا بإرادتى انى كنت خاطئا
وكم من مدخل لو مت فيه لكنت فيه نكالا في العشيرة
وقيت السوء والمكروه فيه وظفرت بنعمة منه كبيرة
ص -134- وكم من نعمة لله تمسى وتصبح في العيان وفي السريرة
ودعى عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى قوم على ريبة فانطلق
ليأخذهم فتفرقوا قبل أن يبلغهم فأعتق رقبة شكرا لله أن لا يكون جرى على
يديه خزى مسلم قال يزيد بن هرون أخبرنا أصبغ بن يزيد أن نوحا عليه السلام
كان اذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذى أذاقنى لذته وأبقى منفته في
جسدى وأذهب عنى أذاه فسمى عبدا شكورا وقال ابن أبى الدنيا حدثنى العباس بن
جعفر عن الحارث بن شبل قال حدثتنا أم النعمان أن عائشة حدثتها عن النبي
أنه لم يقم عن خلاء قط الا قاله وقال رجل لأبى حازم ما شكر العينين يا أبا
حازم قال ان رأيت بهما خيرا أعلنته وان رأيت بهما شرا سترته قال فما شكر
الاذنين قال ان سمعت بهما خيرا وعيته وان سمعت بهما شرا دفعته قال فما شكر
اليدين قال لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقا لله هو فيهما قال فما
شكر البطن قال أن يكون أسفله طعاما وأعلاه علما قال فما شكر الفرج قال قال
الله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
قال فما شكر الرجلين قال ان علمت ميتا تغبطه استعملت بهما عمله وان مقته
رغبت عن عمله وأنت شاكر لله
وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ
بطرفه ولم يلبسه فما ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر
وذكر عبد الله بن المبارك أن النجاشى أرسل ذات يوم إلى جعفر وأصحابه
فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان جالس على التراب قال جعفر فأشفقنا منه
حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما في وجوهنا قال انى أبشركم بما يسركم
انه جاءنى من نحو أرضكم عين لى فأخبرنى أن الله قد نصر نبيه وأهلك عدوه
وأسر فلان وفلان وقتل فلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الاراك
كأنى أنظر اليه كنت أرعى به لسيدى رجل من
ص -135- بنى ضمرة فقال له جعفر ما بالك جالسا على التراب ليس
تحتك بساط وعليك هذه الاخلاق قال انا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه
السلام ان حقا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عندما أحدث الله لهم من
نعمه فلما أحدث الله لى نصر نبيه أحدثت لله هذا التواضع
وقال حبيب بن عبيد ما ابتلى الله عبدا ببلاء إلا كان له عليه فيه نعمة ألا
يكون أشد منه وقال عبد الملك بن اسحاق ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر
كيف شكره أو بلية لينظر كيف صبره
وقال سفيان الثورى لقد أنعم الله على عبد في حاجة أكثر من تضرعه اليه فيها
وكان رسول الله اذا جاءه أمر يسره خر لله ساجدا شكرا له عزوجل ذكره أحمد
وقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه: "خرج علينا النبي فتوجه نحو صدقته
فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود فقلت يا رسول الله سجدت سجدة
حسبت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها فقال ان جبريل أتانى فبشرنى أن الله
عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله
شكرا" ذكره أحمد
وعن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال خرجنا مع النبي من مكة نريد المدينة
فلما كنا قريبا من عزور نزل ثم رفع يديه ودعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث
طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال انى سألت ربى
وشفعت لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا شكرا لربى ثم رفعت رأسى فسألت
ربى لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا لربى ثم رفعت رأسى فسألت ربى ربى
فأعطانى الثلث الآخر فخررت ساجدا لربى رواه أبو داود
وذكر محمد بن اسحاق في كتاب الفتوح قال لما جاء المبشر يوم بدر بقتل أبى
جهل استحلفه رسول الله ثلاثة أيمان بالله الذى لا اله الا هو لقد رأيته
قتيلا فحلف له فخر رسول الله ساجدا.
ص -136- وذكر سعيد بن منصور أن ابى بكر الصديق رضى الله عنه سجد
حين جاءه قتل مسيلمة وذكر أحمد أن عليا رضى الله عنه سجد حين وجد ذا
الثدية في الخوارج وسجد كعب بن مالك في عهد النبي لما بشر بتوبة الله عليه
والقصة في الصحيحين
فإن قيل فنعم الله دائما مستمرة على العبد فما الذى اقتضى تخصيص النعمة
الحادثة بالشكر دون الدائمة وقد تكون المستدامة أعظم قيل الجواب من وجوه
أحدها أن النعمة المتجددة تذكر بالمستدامة والانسان موكل بالأدنى
الثاني أن هذه النعمة المتجددة تستدعي عبودية مجددة وكان أسهلها على
الانسان وأحبها إلى الله السجود شكرا له
الثالث أن المتجددة لها وقع في النفوس والقلوب بها أعلق ولهذا يهنى بها
ويعزى بفقدها
الرابع أن حدوث النعم توجب فرح النفس وانبساطها وكثيرا ما يجر ذلك إلى
الأشر والبطر والسجود ذل لله وعبودية وخضوع فإذا تلقى به نعمته لسروره
وفرح النفس وانبساطها فكان جديرا بدوام تلك النعمة وإذا تلقاها بالفرح
الذى لا يحبه الله والاشر والبطر كما يفعله الجهال عندما يحدث الله لهم من
النعم كانت سريعة الزوال وشيكة الانتقال وانقلبت نقمة وعادت استدراجا وقد
تقدم أمر النجاشى فان الله اذا احدث لعبده نعمة أحب أن يحدث لها تواضعا
وقال العلاء بن المغيرة بشرت الحسن بموت الحجاج وهو مختف فخر لله ساجدا
فصل ومن دقيق نعم الله على العبد التى لا يكاد يفطن لها انه يغلق عليه
بابه فيرسل الله اليه من يطرق عليه الباب يسأله شيئا من القوت ليعرفه
نعمته عليه وقال سلام بن أبى مطيع دخلت على مريض أعوده فاذا هو يئن
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ص -163- بمثابة من توسل بأسباب اللذة الى أعظم الآلام أدوائها
فالأقسام أربعة لا خامس لها أحدها معطل الاسباب معرض عنها الثانى مكب
عليها واقف مع جمعها وتحصيلها الثالث متوصل بها الى ما يضره ولا ينفعه فى
معاشه ومعاده فهؤلاء الثلاثة فى الخسران الرابع متوصل بها الى ما ينفعه فى
معاشه ومعاده وهو الرابح قال تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ
فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ}
وقد أشكل فهم هذه الآية على كثير من الناس حيث فهموا منها أن من كان له
ارادة فى الدنيا وزينتها فله هذا الوعيد ثم اختلفوا فى معناها فقالت طائفة
منهم ابن عباس من كان يريد تعجيل الدنيا فلا يؤمن بالبعث ولا بالثواب ولا
بالعقاب قالوا والآية فى الكفار خاصة على قول ابن عباس
وقال قتادة من كانت الدنيا همه وسدمه ونيته وطلبه جازاه الله فى الدنيا
بحسناته ثم يفضى الى الآخرة وليس له حسنة يجازى بها وأما المؤمن فيجزى فى
الدنيا بحسناته ويثاب عليها فى الآخرة قال هؤلاء فالآية فى الكفار بدليل
قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ
وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قالوا
المؤمن من يريد الدنيا والآخرة فأما من كانت ارادته مقصورة على الدنيا
فليس بمؤمن
وقال ابن عباس رضى الله عنهما فى رواية أبى صالح عنه نزلت فى أهل القبلة
قال مجاهد هم اهل الرياء وقال الضحاك من عمل صالحا من أهل الايمان من غير
تقوى عجل له ثواب عمله فى الدنيا
فالأقسام أربعة لا خامس لها أحدها معطل الاسباب معرض عنها الثانى مكب
عليها واقف مع جمعها وتحصيلها الثالث متوصل بها الى ما يضره ولا ينفعه فى
معاشه ومعاده فهؤلاء الثلاثة فى الخسران الرابع متوصل بها الى ما ينفعه فى
معاشه ومعاده وهو الرابح قال تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ
فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ}
وقد أشكل فهم هذه الآية على كثير من الناس حيث فهموا منها أن من كان له
ارادة فى الدنيا وزينتها فله هذا الوعيد ثم اختلفوا فى معناها فقالت طائفة
منهم ابن عباس من كان يريد تعجيل الدنيا فلا يؤمن بالبعث ولا بالثواب ولا
بالعقاب قالوا والآية فى الكفار خاصة على قول ابن عباس
وقال قتادة من كانت الدنيا همه وسدمه ونيته وطلبه جازاه الله فى الدنيا
بحسناته ثم يفضى الى الآخرة وليس له حسنة يجازى بها وأما المؤمن فيجزى فى
الدنيا بحسناته ويثاب عليها فى الآخرة قال هؤلاء فالآية فى الكفار بدليل
قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ
وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قالوا
المؤمن من يريد الدنيا والآخرة فأما من كانت ارادته مقصورة على الدنيا
فليس بمؤمن
وقال ابن عباس رضى الله عنهما فى رواية أبى صالح عنه نزلت فى أهل القبلة
قال مجاهد هم اهل الرياء وقال الضحاك من عمل صالحا من أهل الايمان من غير
تقوى عجل له ثواب عمله فى الدنيا
واختار الفراء هذا القول وقال من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب
الدنيا عجل له ثوابه ولم يبخس وهذا القول ارجح ومعنى الآية على هذا من كان
يريد بعمله
ص -164- الحياة الدنيا وزينتها وهذا لا يكون مؤمنا البتة فإن العاصى
والفاسق ولو بالغا فى المعصية والفسق فإيما يحملهما على أن يعملا أعمال
البر لله فيريدان بأعمال البر وجه الله وان عملا بمعصيته
فأما من لم يرد بعمله وجه الله وانما اراد به الدنيا وزينتها فهذا لا يدخل
فى دائرة أهل الايمان وهذا هو الذى فهمه معاوية من الآية واستشهد بها على
حديث أبى هريرة الذى رواه مسلم فى صحيحه فى الثلاثة الذين هم اول من تسعر
بهم النار يوم القيامة القارئ الذى قرأ القرآن ليقال فلان قارئ والمتصدق
الذى أنفق أمواله ليقال فلان جواد والغازى الذى قتل فى الجهاد ليقال هو جرئ
وكما أن خيار خلق الله هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون فشرار
الخلق من تشبه بهم وليس منهم فمن تشبه بأهل الصدق والاخلاص وهو مراء كمن
تشبه بالانبياء وهو كاذب
وقال ابن أبى الدنيا حدثنى محمد بن ادريس قال أخبرنى عبد الحميد بن صالح
حدثنا قطن بن الحباب عن عبد الوارث عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال
رسول الله: "اذا كان يوم القيامة صارت أمتى ثلاث فرق فرقة يعبدون الله عز
وجل للدنيا وفرقة يعبدون رياء وسمعة وفرقة يعبدونه لوجهه ولداره فيقول
للذين كانوا يعبدونه للدنيا بعزتى وجلالى ومكانى ما أردتم بعبادتى فيقولون
بعزتك وجلالك ومكانك الدنيا فيقول انى لم أقبل من ذلك شيئا اذهبوا بهم الى
النار ويقول للذين كانوا يعبدون رياء وسمعة بعزتى وجلالى ومكانى ما أردتم
بعبادتى فيقولون بعزتك وجلالك ومكانك رياء وسمعة فيقول انى لم أقبل من ذلك
شيئا اذهبوا بهم الى النار ويقول للذين كانوا يعبدونه لوجهه وداره بعزتى
وجلالى ومكانى ما أردتم بعبادتى فيقولون بعزتك وجلالك وجهك ودارك فيقول
صدقتم اذهبوا بهم الى الجنة" هذا
حديث غنى عن الاسناد والقرآن والسنة شاهدان بصدقه ويدل على
ص -165- صحة هذا القول فى الآية قوله تعالى {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} وذلك على أنها فى قوم لهم أعمال لم يريدوا بها وجه
الله وانما أرادوا بها الدنيا ولها عملوا فوفاهم الله ثواب أعمالهم فيها
من غير بخس وأفضوا الى الآخرة بغير عمل يستحقون عليه الثواب وهذا لا يقع
ممن يؤمن بالآخرة الا كما يقع منه كبائر الاعمال وقوعا عارضا يتوب منه
ويراجع التوحيد
وقال ابن الانبارى فعلى هذا القول المعنى فى قوم من أهل الاسلام يعملون
العمل الحسن لتستقيم به دنياهم غير متفكرين فى الآخرة وما ينقلبون اليه
فهؤلاء يجعل لهم جزاء حسناتهم فى الدنيا فإذا جاءت الاخرة كان جزاؤهم
عليها النار اذا لم يريدوا بها وجه الله ولم يقصدوا التماس ثوابه وأجره
ثم أورد صاحب هذا القول على أنفسهم سؤالا قالوا فإن قيل الاية الثانية على
هذا القول توجب تخليد المؤمن المريد بعمله الدنيا فى النار وأجابوا عنه
بأن ظاهر الاية يدل على أن من راءى بعمله ولم يلتمس به ثواب الاخرة بل
كانت نيته الدنيا فان الله يبطل ايمانه عند الموافاة فلا يوافى ربه
بالايمان قالوا ويدل عليه قوله {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وهذا يتناول أصل الايمان وفروعه
وأجابت فرقة أخرى بأن الاية لا تقتضى الخلود الابدى فى النار وانما تقتضى
أن الذى يستحقونه فى الاخرة النار وأنهم ليس لهم عمل صالح يرجون به النجاة
فإذا كان مع أحدهم عمود التوحيد فإنه يخرج به من النار مع من يخرج من
أصحاب الكبائر الموحدين وهذا هو جواب ابن الانبارى وغيره
والآية بحمد الله لا اشكال فيها والله سبحانه ذكر جزاء من يريد بعمله
الحياة الدنيا وزينتها وهو النار وأخبر بحبوط عمله وبطلانه فاذا أحبط ما
ينجو به وبطل لم يبق معه ما ينجيه فان كان معه ايمان لم يرد به الدنيا
وزينتها بل أراد الله به والدار
الاخرة لم يدخل هذا الايمان فى العمل الذى حبط وبطل وأنجاه
ايمانه من الخلود فى النار وان دخلها بحبوط
ص -166- عمله الذى به النجاة المطلقة والايمان ايمانان ايمان يمنع من دخول
النار وهو الايمان الباعث على أن تكون الاعمال لله يبتغى بها وجهه وثوابه
وايمان يمنع الخلود فى النار وان كان مع المرائى شئ منه والا كان من أهل
الخلود فالاية لها حكم نظائرها من آيات الوعيد والله الموفق وذلك قوله
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ
كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} ومنه قوله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ
عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ
جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً}
فهذه ثلاث مواضع من القرآن يشبه بعضها بعضا ويصدق بعضها بعضا وتجتمع على
معنى واحد وهو أن من كانت الدنيا مراده ولها يعمل فى غاية سعيه لم يكن له
فى الاخرة نصيب ومن كانت الاخرة مراده ولها عمل وهى غاية سعيه فهى له
بقى أن يقال: فما حكم من يريد الدنيا والاخرة فانه داخل تحت حكم الارادتين
فبأيهما يلحق قيل من ها هنا نشأ الاشكال وظن من ظن من المفسرين أن الاية
فى حق الكافر فانه هو الذى يريد الدنيا دون الاخرة وهذا غير لازم طردا ولا
عكسا فان بعض الكفار قد يريد الاخرة وبعض المسلمين قد لا يكون مراده الا
الدنيا والله تعالى قد علق السعادة بإرادة الاخرة والشقاوة بإرادة الدنيا
فاذا تجردت الارادتان تجرد موجبهما ومقتضاهما وان اجتمعتا فحكم اجتماعهما
حكم اجتماع البر والفجور والطاعة والمعصية والايمان والشرك فى العبد وقد
قال تعالى لخير الخلق بعد الرسل {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَة} وهذا خطاب للذين شهدوا معه الوقعة ولم
يكن فيهم منافق ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه
ما شعرت أن أحد أصحاب رسول الله يريد الدنيا حتى كان يوم أحد
ونزلت هذه الاية
ص -167- والذين أريدوا فى هذه الاية هم الذين أخلوا مركزهم الذى أمرهم
رسول الله بحفظه وهم من خيار المسلمين ولكن هذه ارادة عارضة حملتهم على
ترك المركز والاقبال على كسب الغنائم بخلاف من كان مراده بعمله الدنيا
وعاجلها فهذه الارادة لون وارادة هؤلاء لون
وها هنا أمر يجب التنبيه له وهو أنه لا يمكن ارادة الدنيا وعاجلها بأعمال
البر دون الاخرة مع الايمان بالله ورسوله ولقائه أبدا فان الايمان بالله
والدار الاخرة يستلزم ارادة العبد لرحمة الله والدار الاخرة بأعماله فحيث
كان مراده بها الدنيا فهذا لا يجامع الايمان أبدا وان جامع الاقرار والعلم
فالايمان وراء ذلك والاقرار والمعرفة حاصلان لمن شهد الله سبحانه له
بالكفر مع هذه المعرفة كفرعون وثمود واليهود الذين شاهدوا رسول الله
وعرفوه كما عرفوا أبناءهم وهم من أكفر الخلق بإرادة الدنيا وعاجلها
بالاعمال قد تجامع هذه المعرفة والعلم ولكن الايمان الذى هو وراء ذلك لا
بد أن يريد صاحبه بأعماله الله والدار الآخرة والله المستعان
فصل: والمقصود أنه سبحانه جعل الغنى والفقر ابتلاءا وامتحانا للشكر والصبر
والصدق والكذب والاخلاص والشرك قال تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا
آتَاكُمْ} وقال تعالى {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ
يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وقال تعالى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فجعل الدنيا
عرضا عاجلا ومتاع غرور وجعل الآخرة دار جزاء وثواب وحف الدنيا بالشهوات
وزينها بها كما قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ
مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} فأخبر سبحانه أن هذا الذى زين به
الدنيا
ص -168- من ملاذها وشهواتها وما هو غاية أمانى طلابها ومؤثريها على الآخرة
وهو سبعة أشياء النساء اللاتى هن أعظم زينتها وشهواتها وأعظمها فتنة
والبنين الذين بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزه والذهب والفضة اللذين هما
مادة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها والخيل المسومة التى هى عز
أصحابها وفخرهم وحصونهم وآلة قهرهم لأعدائهم فى طلبهم وهربهم والأنعام
التى منها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم وأمتعتهم وغير ذلك من مصالحهم
والحرث الذى هو مادة قوتهم وقوت أنعامهم ودوابهم وفاكهتهم وأدويتهم وغير
ذلك
ثم أخبر سبحانه أن ذلك كله متاع الحياة الدنيا ثم شوق عباده الى متاع
الآخرة وأعلمهم أنه خير من هذا المتاع وأبقى فقال {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ
بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ
مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}
ثم ذكر سبحانه من يستحق هذا المتاع ومن هم أهله الذين هم أولى به فقال {
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ
وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }
فأخبر سبحانه أن ما أعد لأوليائه المتقين من متاع الآخرة خير من متاع
الدنيا وهو نوعان ثواب يتمتعون به وأكبر منه وهو رضوانه عليهم قال تعالى
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ
الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ
يَكُونُ حُطَاماً} فأخبر سبحانه عن حقيقة الدنيا بما جعله مشاهدا لأولى
البصائر وانها لعب ولهب تلهو بها النفوس وتلعب بها الابدان واللعب واللهو
لا حقيقة لهما وأنهما مشغلة للنفس مضيعة للوقت يقطع بها الجاهلون فيذهب
ضائعا فى غير شئ ثم أخبر أنها زينة زينت للعيون وللنفوس فأخذت بالعيون
ص -169- والنفوس استحسانا ومحبة ولو باشرت القلوب معرفة حقيقتها ومآلها
ومصيرها لأبغضتها ولآثرت عليها الاخرة ولما آثرتها على الآجل الدائم الذى
هو خير وأبقى
قال الامام حدثنا وكيع حدثنا المسعودى عن عمرو بن مرة عن ابراهيم عن علقمة
عن عبدالله رضى الله عنه عن النبى قال: "مالى وللدنيا انما مثلى ومثل
الدنيا كمثل راكب قال فى ظل شجرة فى يوم صائف ثم راح وتركها".
وفى جامع الترمذى من حديث سهل بن سعد قال قال رسول الله لو كانت الدنيا
تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء قال الترمذى + حديث
صحيح + وفى صحيح مسلم من حديث المستورد بن شداد قال رسول الله: "ما الدنيا
فى الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع وأشار
بالسبابة".
وفى الترمذى من حديثه قال: "كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول الله على
السخلة الميتة فقال رسول الله أترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها قالوا
ومن هوانها ألقوها يا رسول الله قال فالدنيا أهون على الله من هذه على
أهلها" وفى الترمذى أيضا من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول
الله: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالما أو
متعلما" والحديثان حسنان قال الامام أحمد حدثنا هيثم بن خارجة أنبأنا
اسماعيل بن عياش بن عبد الله بن دينار النهرانى قال قال عيسى عليه السلام
للحواريين بحق أقول لكم إن حلاوة الدنيا مرارة الاخرة وإن مرارة الدنيا
حلاوة الآخرة وأن عباد الله ليسوا بالمتنعمين بحق أقول لكم إن
شركم عملا عالم يحب الدنيا ويؤثرها على الآخرة انه لو يستطيع جعل
الناس كلهم فى عمله مثله.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ص -170- وقال أحمد حدثنا يحيى بن إسحق قال أخبرنى سعيد بن عبد العزيز عن
مكحول قال قال عيسى بن مريم عليه السلام يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن
يبنى على موج البحر دارا قالوا يا روح الله ومن يقدر على ذلك قال إياكم
والدنيا فلا تتخذوها قرارا وفى كتاب الزهد لأحمد أن عيسى بن مريم عليه
السلام كان يقول بحق أقول لكم ان أكل الخبز وشرب الماء العذب ونوما على
المزابل مع الكلاب كثير لمن يريد أن يرث الفردوس
وفى المسند عنه: "إن الله ضرب طعام ابن آدم مثلا للدنيا وان قزحه وملحه
فلينظر الى ماذا يصير".
فصل: ثم أخبر سبحانه وتعالى عنها انها يفاخر بعضنا بعضا بها فيطلبها ليفخر
بها على صاحبه وهذا حال كل من طلب شيئا للمفاخرة من مال أو جاه أو قوة أو
علم أو زهد والمفاخرة نوعان مذمومة ومحمودة فالمذمومة مفاخرة أهل الدنيا
بها والمحمودة أن يطلب المفاخرة فى الاخرة فهذه من جنس المنافسة المأمور
بها وهى أن الرجل ينفس على غيره بالشيء ويغار أن يناله دونه ويأنف من ذلك
ويحمى أنفه له يقال نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة اذا ضننت به ولم تحب أن
يصير اليه دونك والتنافس تفاعل من ذلك كأن كل واحد من المتنافسين يريد أن
يسبق صاحبه اليه وحقيقة المنافسة الرغبة التامة والمبادرة والمسابقة الى
الشئ النفيس
فصل: ثم أخبر تعالى عنها أنها تكاثر فى الاموال والاولاد فيحب كل واحد أن
يكاثر بنى جنسه فى ذلك ويفرح بأن يرى نفسه أكثر من غيره
مكحول قال قال عيسى بن مريم عليه السلام يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن
يبنى على موج البحر دارا قالوا يا روح الله ومن يقدر على ذلك قال إياكم
والدنيا فلا تتخذوها قرارا وفى كتاب الزهد لأحمد أن عيسى بن مريم عليه
السلام كان يقول بحق أقول لكم ان أكل الخبز وشرب الماء العذب ونوما على
المزابل مع الكلاب كثير لمن يريد أن يرث الفردوس
وفى المسند عنه: "إن الله ضرب طعام ابن آدم مثلا للدنيا وان قزحه وملحه
فلينظر الى ماذا يصير".
فصل: ثم أخبر سبحانه وتعالى عنها انها يفاخر بعضنا بعضا بها فيطلبها ليفخر
بها على صاحبه وهذا حال كل من طلب شيئا للمفاخرة من مال أو جاه أو قوة أو
علم أو زهد والمفاخرة نوعان مذمومة ومحمودة فالمذمومة مفاخرة أهل الدنيا
بها والمحمودة أن يطلب المفاخرة فى الاخرة فهذه من جنس المنافسة المأمور
بها وهى أن الرجل ينفس على غيره بالشيء ويغار أن يناله دونه ويأنف من ذلك
ويحمى أنفه له يقال نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة اذا ضننت به ولم تحب أن
يصير اليه دونك والتنافس تفاعل من ذلك كأن كل واحد من المتنافسين يريد أن
يسبق صاحبه اليه وحقيقة المنافسة الرغبة التامة والمبادرة والمسابقة الى
الشئ النفيس
فصل: ثم أخبر تعالى عنها أنها تكاثر فى الاموال والاولاد فيحب كل واحد أن
يكاثر بنى جنسه فى ذلك ويفرح بأن يرى نفسه أكثر من غيره
ص -171- مالا وولدا وأن يقال فيه ذلك وهذا من أعظم ما يلهى
النفوس عن الله والدار الاخرة كما قال تعالى { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ
سَوْفَ تَعْلَمُونَ } والتكاثر فى كل شئ فكل من شغله وألهاه التكاثر بأمر
من الامور عن الله والدار الاخرة فهو داخل فى حكم هذه الاية فمن الناس من
يلهيه التكاثر بالمال ومنهم من يلهيه التكاثر بالجاه أو بالعلم فيجمعه
تكاثرا وتفاخرا وهذا أسوأ حالا عند الله ممن يكاثر بالمال والجاه فإنه جعل
أسباب الاخرة للدنيا وصاحب المال والجاه استعمل أسباب الدنيا لها وكاثر
بأسبابها
فصل: ثم أخبر سبحانه عن مصير الدنيا وحقيقتها وأنها بمنزلة غيث أعجب
الكفار نباته والصحيح ان شاء الله أن الكفار هم الكفار بالله وذلك عرف
القرآن حيث ذكروا بهذا النعت فى كل موضع ولو أراد الزراع لذكرهم باسمهم
الذى يعرفون به كما ذكرهم به فى قوله يعجب الزراع وانما خص الكفار به
لأنهم أشد اعجابا بالدنيا فإنها دارهم التى لها يعملون ويكدحون فهم أشد
اعجابا بزينتها وما فيها من المؤمنين
ثم ذكر سبحانه عاقبة هذا النبات وهو اصفراره ويبسه وهذا آخر الدنيا
ومصيرها ولو ملكها العبد من أولها الى آخرها فنهايتها ذلك فإذا كانت
الاخرة انقلبت الدنيا واستحالت الى عذاب شديد أو مغفرة من الله وحسن ثوابه
وجزائه كما قال على بن أبى طالب الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن
فهم عفها ومطلب نجح لمن سالم فيها مساجد انبياء الله ومهبط وحيه ومصلى
ملائكته ومتجر أوليائه فيها اكتسبوا الرحمة وربحوا فيها العافية فمن ذا
يذمها وقد آذنت بنيها ونعت نفسها وأهلها فتمثلت ببلائها وشوقت بسرورها الى
السرور تخويفا وتحذيرا وترغيبا فذمها قوم غداة الندامة وحمدها آخرون
ذكرتهم فذكروا ووعظتهم فاتعظوا فيا أيها الذام للدنيا المغتر بتغريرها متى
استذمت اليك بل متى غرتك أبمنازل آبائك فى
الثرى أم بمضاجع أمهاتك فى البلاء كم رأيت
ص -172- موروثا كم عللت بكفيك عليلا كم مرضت مريضا بيديك تبتغى له الشفاء
وتستوصف له الأطباء ثم لم تنفعه شفاعتك ولم تسعفه طلبتك مثلت لك الدنيا
غداة مصرعه مصرعك ومضجعه مضجعك ثم التفت الى المقابر فقال يا أهل الغربة
ويا أهل التربة أما الدور فسكنت وأما الاموال فقسمت وأما الأزواج فنكحت
فهذا خبر ما عندنا فهاتوا خبر ما عندكم ثم التفت الينا فقال أما لو أذن
لهم لأخبروكم ان خير الزاد التقوى
فالدنيا فى الحقيقة لا تذم وانما يتوجه الذم الى فعل العبد فيها وهى قنطرة
أو معبر إلى الجنة أو الى النار ولكن لما غلبت عليها الشهوات والحظوظ
والغفلة والإعراض عن الله والدار الآخرة فصار هذا هو الغالب على أهلها وما
فيها وهو الغالب على اسمها صار لها اسم الذم عند الاطلاق والا فهى مبنى
الاخرة ومزرعتها ومنها زاد الجنة وفيها اكتسبت النفوس الايمان ومعرفة الله
ومحبته وذكره ابتغاء مرضاته وخير عيش ناله أهل الجنة فى الجنة انما كان
بما زرعوه فيها وكفى بها مدحا وفضلا لأولياء الله فيها من قرة العيون
وسرور القلوب وبهجة النفوس ولذة الارواح والنعيم الذى لا يشبهه نعيم بذكره
ومعرفته ومحبته وعبادته والتوكل عليه والانابة اليه والانس به والفرح
بقربه والتذلل له ولذة مناجاته والاقبال عليه والاشتغال به عمن سواه وفيها
كلامه ووحيه وهداه وروحه الذى ألقاه من أمره فأخبر به من شاء من عباده
ولهذا فضل ابن عقيل وغيره هذا على نعيم الجنة وقالوا هذا حق الله عليهم
وذاك حظهم ونعيمهم وحقه أفضل من حقهم قالوا والايمان والطاعة أفضل من
جزائه والتحقيق أنه لا يصح التفضيل بين أمرين فى دارين مختلفين ولو أمكن
اجتماعهما فى دار واحدة لأمكن طلب التفضيل والايمان والطاعة فى هذه الدار
أفضل ما فيها ودخول الجنة والنظر إلى وجه الله جل جلاله وسماع كلامه
والفوز برضاه أفضل ما فى الاخرة فهذا أفضل ما فى هذه الدار
وهذا أفضل ما فى الدار الاخرى ولا يصح أن يقال فأى الامرين أفضل
فهذا أفضل الاسباب وهذا أفضل الغايات وبالله التوفيق
ص -173- فصل: ولما وصف سبحانه حقيقة الدنيا وبين غايتها ونهايتها
وانقلابها فى الاخرة الى عذاب شديد ومغفرة من الله وثواب أمر عباده
بالمسابقة والمبادرة إلى ما هو خير وأبقى وأن يؤثروه على الفانى المنقطع
المشوب بالانكاد والتنغيص ثم أخبر أن ذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو
الفضل العظيم وقال تعالى {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ
الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً}
ثم ذكر سبحانه أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا وأن الباقيات الصالحات
وهى الاعمال والاقوال الصالحة التى يبقى ثوابها ويدوم جزاؤها خير ما يؤمله
العبد ويرجو ثوابه وقال تعالى {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ
مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ
زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ
عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا
حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
ولما أخبر عباده عن آفات هذه الدار دعا عباده الى دار السلام التى سلمت من
التغير والاستحالة والزوال والفناء وعم عباده بالدعوة اليها عدلا وخص من
شاء بالهداية الى طريقها فضلا
وأخبر سبحانه أن الاموال والاولاد لا تقرب الخلق اليه وانما يقربهم اليه
تقوى الله ومعاملته فيهم وحذر سبحانه عباده أن تلهيهم أموالهم وأولادهم عن
ذكره وأخبر أن من ذلك فعل فهو الخاسر حقيقة لا من قل ماله وولده فى الدنيا
ونهى نبيه أن يمد
عينيه الى ما متع به أهل الدنيا فيها فتنة لهم واختبارا وأخبر أن
رزقه الذى أعده له فى الاخرة خير وأبقى من هذا الذى متعوا به
وأخبر سبحانه انه آتاه السبع المثانى والقرآن العظيم وذلك خير وأفضل مما
متع به أهل الدنيا فى دنياهم وجعل ما آتاه مانعا له من مد
ص -174- عينيه الى ذلك فهذا العطاء فى الدنيا وما ادخر له من رزق الآخرة
خير مما متع به أهل الدنيا فلا تمدن عينيك
فصل: وإذا عرف أن الغنى والفقر والبلاء والعافية فتنة وابتلاء من الله
لعبده تمتحن بها صبره وشكره علم أن الصبر والشكر مطيتان للايمان لا يحمل
إلا عليهما ولا بد لكل مؤمن منهما وكل منهما فى موضعه أفضل فالصبر فى
مواطن الصبر أفضل والشكر فى مواضع الشكر أفضل هذا إن صح مفارقة كل واحد
منهما للآخر وأما إذا كان الصبر جزء مسمى الشكر والشكر جزء مسمى الصبر وكل
منهما حقيقة مركبة من الأمرين معا كما تقدم بيانه فالتفضيل بينهما لا يصح
الا اذا جرد أحدهما عن الاخر وذلك فرض ذهنى يقدره الذهن ولا يوجد فى
الخارج ولكن يصح على وجه وهو أن العبد قد يغلب صبره على شكره الذى هو قدر
زائد على مجرد الصبر من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة فلا يبقى فيه
اتساع لغير صبر النفس على ما هو فيه لقوة الوارد وضيق المحل فتنصرف قواه
كلها الى كف النفس وحبسها لله وقد يغلب شكره بالاقوال والاعمال الظاهرة
والباطنة على قوة كفه لنفسه وحبسها لله فتكون قوة إرادته وعمله أقوى من
قوة امتناعه وحبس نفسه
واعتبر هذا بشخصين أحدهما حاكم على نفسه متمكن من حبسها عن الشهوات قليل
التشكى للمصيبات وذلك جل عمله وآخر كثير الاعطاء لفعل الخير القاصر
والمتعدى سمح النفس ببذل المعروف وآخر ضعيف النفس عن قوة الصبر فللنفس
قوتان قوة الصبر والكف وامساك النفس وقوة البذل وفعل الخير والاقدام على
فعل ما تكمل به وكمالها باجتماع هاتين القوتين فيها والناس فى ذلك أربع
طبقات فأعلاهم من اجتمعت له القوتان
وسفلتهم من عدم القوتين ومنهم من قوة صبره أكمل من قوة فعله
وبذله ومنهم من هو بالعكس فى ذلك فإذا فضل الشكر على الصبر فإما أن يكون
باعتبار ترجيح مقام على مقام واما أن
ص -175- يكون باعتبار تجريد كل من الامرين عن الاخر وقطع النظر عن اعتباره
وتمام ايضاح هذا بمسالة الغنى الشاكر والفقير الصابر فلنذكر لها بابا
يخصها ويكشف عن الصواب فيها.
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين
الباب الثاني والعشرون في اختلاف الناس في الغنى الشاكر والفقير الصابر
أيهما أفضل وما هو الصواب في ذلك
الباب الثانى والعشرون: فى اختلاف الناس فى الغنى الشاكر والفقير الصابر
أيهما أفضل وما هو الصواب فى ذلك
هذه مسألة كثر فيها النزاع بين الاغنياء والفقراء واحتجت كل طائفة على
الاخرى بما لم يمكنها دفعه من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار ولذلك يظهر
للمتأمل تكافؤ الطائفتين فإن كلا منهما أدلت بحجج لا تدفع والحق لا يعارض
بعضه بعضا بل يجب اتباع موجب الدليل أين كان وقد أكثر الناس فى المسألة من
الجانبين وصنفوا فيها من الطرفين وتكلم الفقهاء والفقراء والاغنياء
والصوفية وأهل الحديث والتفسير لشمول معناها وحقيقتها للناس كلهم وحكوا عن
الامام أحمد فيها روايتان ذكرهما أبو الحسين فى كتاب التمام فقال مسألة
الفقير الصابر أفضل من الغنى الشاكر فى أصح الروايتين وفيه رواية ثانية
الغنى الشاكر أفضل وبها قال جماعة منهم ابن قتيبة ووجه الاولى واختارها
أبو اسحاق بن شاقلا والوالد السعيد قوله تعالى {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ
الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}
قال محمد بن على بن الحسين الغرفة الجنة بما صبروا قال على الفقر فى
الدنيا وروى أنس عن النبى: "قال اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرنى
فى زمرة المساكين يوم القيامة "فقالت عائشة ولم يا رسول الله قال انهم
يدخلون الجنة قبل الاغنياء بأربعين خريفا يا عائشة لا تردى المسكين ولو
بشق تمرة يا عائشة أحبى المساكين وقربيهم فان الله يقربك يوم القيامة"
قلت لا حجة له فى واحدة من الحجتين أما الاية فالصبر فيها
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ص -176- يتناول صبر الشاكر على طاعته وصبره عن مصيبته وصبر
المبتلى بالفقر وغيره على بلائه ولو كان المراد بها الصبر على الفقر وحده
لم يدل رجحانه على الشكر فإن القرآن كما دل على جزاء الصابرين دل على جزاء
الشاكرين أيضا كما قال تعالى وسنجزى الشاكرين وسيجزى الله الشاكرين بل قد
أخبر أن رضاه فى الشكر ورضاه أكبر من جزائه بالجنات وما فيها واذا جزى
الله الصابرين الغرفة بما صبروا لم يدل ذلك على أنه لا يجزى الشاكرين
الغرفة بما شكروا وأما الحديث فلا حجة فيه لوجهين أحدهما أنه لا يحتج
بإسناده فانه من رواية محمد بن ثابت الكوفى عن الحارث بن النعمان والحارث
هذا لم يحتج به أصحاب الصحيح بل قال فيه البخارى منكر الحديث ولذلك لم
يصحح الترمذى حديثه هذا ولا حسنه ولا سكت عنه بل حكم بغرابته
الجواب الثانى: إن الحديث لو صح لم يدل على مطلوبهم فان المسكنة التى
يحبها الله من عبده ليست فقر المال بل مسكنة القلب وهى انكساره وذله
وخشوعه وتواضعه لله وهذه المسكنة لا تنافى الغنى ولا يشترط لها الفقر فان
انكسار القلب لله ومسكنته لعظمته وجلاله وكبريائه وأسمائه وصفاته أفضل
وأعلى من مسكنة عدم المال كما أن صبر الواجد عن معاصى الله طوعا واختيارا
وخشية من الله ومحبة له أعلى من صبر الفقير العاجز وقد آتى الله جماعة من
أنبيائه ورسله الغنى والملك ولم يخرجهم ذلك عن المسكنة لله
قال الامام أحمد حدثنا يزيد بن هرون أنبأنا الجريرى عن أبى السليل قال كان
داود النبى عليه السلام يدخل فينظر أغمص حلقة من بنى إسرائيل فيجلس اليهم
ثم يقول مسكين بين ظهرانى مساكين هذا مع ما آتاه الله من الملك والغنى
والبسطة زيادة على النبوة
قال أبو الحسين وروى أبو برزة الاسلمى قال قال رسول الله:
ص -177- "إن فقراء المسلمين ليدخلون الجنة قبل أغنيائهم بمقدار
أربعين خريفا حتى يتمنى أغنياء المسلمين يوم القيامة أنهم كانوا فقراء فى
الدنيا"
قلت هذا الحديث ثابت عن النبى من رواية جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة
وعبد الله بن عمر وجابر بن عبدالله وروى عن أبى سعيد وأنس بن مالك ولا يدل
ذلك على علو درجتهم اذا دخلوا الجنة قبل الاغنياء بل انما يدل على السبق
لعدم ما يحاسبون عليه ولا ريب أن ولي الأمر العادل يتأخر دخوله للحساب
وكذلك الغنى الشاكر ولا يلزهم من تأخر دخولهما نزول درجتهما عن درجة
الفقير كما تقدم وانما تمنى الأغنياء أنهم كانوا فى الدنيا فقراء فان صحت
هذه اللفظة لم تدل على انحطاط درجتهم كما يتمنى القاضى العادل فى بعض
المواطن يوم القيامة أن لم يقض بين اثنين فى تمرة لما يرى من شدة الامر
فمنزلة الفقر والخمول ومنزلة السلامة ومنزلة الغنى والولاية ومنزلة
الغنيمة أو العطب قال أبو الحسن وروى ابن عمر أن النبى قام فى أصحابه
فقال: "أى الناس خير فقال بعضهم غنى يعطى حق نفسه وماله فقال: نعم الرجل
هذا وليس به ولكن خير الناس مؤمن فقير يعطى على جهد".
قلت لم يذكر لهذا الحديث إسناد فينظر فيه وحديث لا يعلم حاله لا يحتج به
ولو صح لم يكن فيه دليل لأنه تضمن تفضيل فقير يتصدق من جهد فمعه فقر
الصابرين وغنى الشاكرين فقد جمع بين موجب التفضيل وسببه ولا ريب أن هذا
أفضل الاقسام الثلاثة ودرهمه الواحد يسبق مائة الف درهم من غيره كما قال
النبى: "سبق درهم مائة ألف درهم" قالوا يا رسول الله كيف سبق درهم مائة
ألف درهم قال رجل كان له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به وآخر له مال كثير
فأخذ من عرضه مائة الف فتصدق بها" رواه النسائى من حديث صفوان بن عيسى
حدثنا بن عجلان عن زيد بن أسلم عن ابى صالح عن أبى هريرة رضى الله عنه
وذكر البيهقى من حديث الثورى عن أبى اسحاق عن الحارث عن
ص -178- على رضى الله عنه قال جاء ثلاثة نفر الى النبى فقال
أحدهم كانت لى مائة أوقية فتصدقت منها بعشر أواق وقال الآخر كانت لى مائة
دينار فتصدقت منها بعشر دنانير وقال الاخر كان لى عشرة دنانير فتصدقت منها
بدينار فقال كلكم فى الاجر سواء كلكم قد تصدق بعشر ماله
وقال أبو سعيد بن الاعرابى حدثنا ابن أبى العوام حدثنا يزيد بن هرون حدثنا
أبو الاشهب عن الحسن قال قال رجل لعثمان بن عفان رضى الله عنه ذهبتم يا
أصحاب الاموال بالخير تتصدقون وتعتقون وتحجون وتنفقون فقال عثمان وإنكم
لتغبطوننا وانا لنغبطكم قال فوالله لدرهم ينفقه أحد من جهد خير من عشرة
آلاف درهم غيض من فيض
وفى سنن أبى داود من حديث الليث عن ابى الزبير عن يحيى بن جعدة عن ابى
هريرة أنه قال يا رسول الله أى الصدقة أفضل قال جهد المقل وابدأ بمن تعول
وفى المسند وصحيح ابن حبان من حديث أبى ذر رضى الله عنه قال قلت يا رسول
الله أى الصدقة أفضل قال جهد من مقل وفى سنن النسائى من حديث الاوزاعى عن
عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشى أن النبى سئل أى الاعمال أفضل قال ايمان
لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحجة مبرورة قيل فأى الصلاة افضل قال طول
القيام قيل فأى الصدقة افضل قال جهد من مقل قيل فأى الهجرة أفضل قال من
هجر ما حرم الله عليه قيل فأى الجهاد أفضل قال من أهريق دمه وعقر جواده
وهذه الاحاديث كلها تدل على أن صدقة جهد المقل أفضل من صدقة كثير المال
ببعض ماله الذى لا يتبين أثر نقصانه عليه وان كان كثيرا لأن الاعمال
تتفاضل عند الله بتفاضل ما فى القلوب لا بكثرتها وصورها بل بقوة الداعى
وصدق الفاعل واخلاصه وإيثاره الله على نفسه فأين
ص -179- صدقة من آثر الله على نفسه برغيف هو قوته الى صدقة من
أخرج مائة ألف درهم من بعض ماله غيضا من فيض فرغيف هذا درهمه فى الميزان
اثقل من مائة ألف هذا والله المستعان
فصل: واحتجوا بما رواه ابن عدى من حديث سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد
بن يزيد عن أبيه عن عطاء سمع أبا سعيد الخدرى يقول سمعت رسول الله يقول:
"اللهم توفنى فقيرا ولا توفنى غنيا" وهذا الحديث لا يصح فان خالد بن يزيد
بن عبد الرحمن بن مالك الدمشقى أجمعوا على ضعفه وعدم الاحتجاج بحديثه قال
أحمد ليس بشئ وقال أبن معين واه ونسبه يحيى الى الكذب وقد تقدم فيه وقد
سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة فقال قد تنازع كثير
من المتأخرين فى الغنى الشاكر والفقير الصابر أيهما أفضل فرجح هذا طائفة
من العلماء والعباد ورجح هذا طائفة أخرى من العلماء والعباد وحكى فى ذلك
عن الامام أحمد روايتان وأما الصحابة والتابعون رضى الله عنهم فلم ينقل عن
أحد منهم تفضيل أحد الصنفين على الآخر وقد قالت طائفة ثالثة ليس لأحدهما
على الاخرى فضيلة الا بالتقوى فإيهما أعظم ايمانا وتقوى كان افضل فإن
استويا فى ذلك استويا فى الفضيله قال وهذا أصح الاقوال لأن نصوص الكتاب
والسنة انما تفضل بالايمان والتقوى وقد قال تعالى {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً
أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} وقد كان فى الانبياء والسابقين
الاولين من الاغنياء من هو أفضل من أكثر الفقراء وكان فيهم من الفقراء من
هو أفضل من أكثر الاغنياء والكاملون يقومون بالمقامين فيقومون بالشكر
والصبر على التمام كحال نبينا وحال أبى بكر وعمر رضى الله عنهما
ولكن قد يكون الفقر لبعض الناس أنفع والغنى لآخرين أنفع كما تكون الصحة
لبعضهم أنفع والمرض لبعضهم أنفع كما فى الحديث الذى رواه البغوى وغيره عن
النبى فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى: "ان
ص -180- من عبادى من لا يصلحه الا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك
وان من عبادى من لا يصلحه الا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وان من عبادى
من لا يصلحه الا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وان من عبادى من لا يصلحه
الا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك انى أدبر عبادى انى بهم خبير بصير".
وقد صح عن النبى أنه قال: "ان فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الاغنياء"
وفى الحديث الآخر لما علم الفقراء الذكر عقب الصلاة سمع بذلك الاغنياء
فقالوا مثل ما قالوا فذكر ذلك الفقراء للنبى فقال {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} فالفقراء يتقدمون فى دخول الجنة لخفة الحساب
عليهم والاغنياء يؤخرون لأجل الحساب عليهم ثم اذا حوسب أحدهم فإن كانت
حسناته أعظم من حسنات الفقير كانت درجته فى الجنة فوقه وان تأخر فى الدخول
كما أن السبعين الفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ومنهم عكاشه بن محصن قد
يدخل الجنة بحساب من يكون أفضل من أحدهم فى الدرجات لكن أولئك استراحوا من
تعب الحساب فهذا فى الفقر المذكور فى الكتاب والسنة وهو ضد الغنى الذى
يبيح أخذ الزكاة أو الذى لا يوجب الزكاة
ثم قد صار فى اصطلاح كثير من الناس الفقر عبارة عن الزهد والعبادة
والاخلاق ويسمون من اتصف بذلك فقيرا وان كان ذا مال ومن لم يتصف بذلك
قالوا ليس بفقير وان لم يكن له مال وقد يسمى هذا المعنى تصوفا ومن الناس
من يفرق بين مسمى الفقير والصوفى ثم من هؤلاء من يجعل مسمى الفقير أفضل
ومنهم من يجعل مسمى الصوفى أفضل والتحقيق فى هذا الباب أنه لا ينظر الى
الالفاظ المحدثة بل ينظر الى ما جاء به الكتاب والسنة من الاسماء والمعانى
والله قد جعل وصف أوليائه الايمان والتقوى فمن كان نصيبه من ذلك أعظم كان
أفضل والاغنياء بما سوى ذلك والله أعلم
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين
الباب الثالث والعشرون في ذكر ما احتجت به الفقراء من الكتاب والسنة
والآثار والاعتبار
ص -181- الباب الثالث والعشرون: فى ذكر ما احتجت به الفقراء من الكتاب
والسنة والآثار والاعتبار
قالت الفقراء لم يذكر الله سبحانه الغنى والمال فى القرآن الا على أحد
وجوه الأول على وجه الذم كقوله تعالى {كَلاَّ إِنَّ الْأِنْسَانَ
لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} وقوله {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ
لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْض} وقوله {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ
النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ
لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً
وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ
عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} وقال تعالى {فَلا تُعْجِبْكَ
أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ
وَهُمْ كَافِرُونَ} وقال تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا} وقال {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ} الاية ونظائر ذلك كثير
الوجه الثانى: أن يذكره على وجه الابتلاء والامتحان كما قال تعالى
{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} وقال تعالى
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ
لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} وقال تعالى مخبرا عن
ابتلائه بالغنى كما ابتلى بالفقر {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا
ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}
الاية وقال تعالى {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ
فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
الوجه الثالث: اخباره سبحانه وتعالى أن الاموال والاولاد لا تقرب اليه شيئا
وانما يقرب اليه الايمان والعمل الصالح كما قال {وَمَا أَمْوَالُكُمْ
ص -182- وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى
إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ
الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}
الوجه الرابع: إخباره أن الدنيا والغنى والمال انما جعلها متعة لمن لا
نصيب له فى الاخرة وأن الآخرة جعلها للمتقين فقال تعالى {وَلا تَمُدَّنَ
عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ
وَأَبْقَى} وقال تعالى {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى
النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا
وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} وإلى هذا المعنى أشار النبى بقوله "لعمر أما
ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة" وسيأتى الحديث
الوجه الخامس: أنه سبحانه لم يذكر المترفين وأصحاب الثروة إلا بالذم كقوله
{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} وقوله {وَإِذَا أَرَدْنَا
أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} وقوله
تعالى {لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}
الوجه السادس أنه سبحانه ذم محب المال فقال وتأكلون التراث أكلا لما
وتحبون المال حبا جما فذمهم بحب المال وعيرهم به
الوجه السابع: أنه سبحانه ذم متمنى الدنيا والغنى والسعة فيها ومدح من
أنكر عليهم وخالفهم فقال تعالى عن أغنى أهل زمانه فخرج على قومه فى زينته
قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتى قارون انه لذو حظ
عظيم وقال
الذين أوتو العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا
يلقاها الا الصابرون فأخبروا أن ما عند الله خير من الدنيا لمن آمن وعمل
صالحا ولا يلقى هذه الوصية وهى الكلمة التى تكلم بها الذين أوتوا العلم أو
المثوبة والجنة التى دل عليها قوله ثواب الله خير والسيرة والطريقة التى
دل عليها قوله لمن آمن وعمل
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى