لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس - صفحة 3 Empty كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس {السبت 4 يونيو - 16:39}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

ص -183- صالحا وعلى كل حال لا يلقى ذلك إلا الصابرون على الفقر وعن الدنيا
وشهواتها وما أترف فيه الاغنياء وقد شهد الله سبحانه لهم أنهم من أهل
العلم دون الذين تمنوا الدنيا وزينتها
الوجه الثامن: انه سبحانه أنكر على من ظن أن التفضيل يكون بالمال الذى
يحتاج اليه لاقامة الملك فكيف بما هو زيادة وفضلة فقال تعالى {وَقَالَ
لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً
قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ
بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ
وَالْجِسْمِ} فرد الله سبحانه قولهم وأخبر سبحانه أن الفضل ليس بالمال كما
توهموه وأن الفضل بالعلم لا بالمال وقال سبحانه قال بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ففضله ورحمته العلم والايمان والقرآن
والذى يجمعونه هو المال وأسبابه ومثله قوله تعالى أهم يقسمون رحمة ربك الى
قوله ورحمة ربك خير مما يجمعون
الوجه التاسع: انه سبحانه أخبر أن التكاثر فى جمع المال وغيره ألهى الناس
وشغلهم عن الآخرة والاستعداد لها وتوعدهم على ذلك فقال تعالى {أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} فأخبر سبحانه أن التكاثر شغل أهل الدنيا
وألهاهم عن الله والدار الآخرة حتى حضرهم الموت فزاروا المقابر ولم يفيقوا
من رقدة من ألهاهم التكاثر وجعل الغاية زيارة المقابر


دون الموت ايذانا بأنهم غير مستوطنين ولا مستقرين فى القبور
وأنهم فيها بمنزلة الزائرين يحضرونها مدة ثم يظعنون عنها كما كانوا فى
الدنيا زائرين لها غير مستقرين فيها ودار القرار هى الجنة أو النار ولم
يعين سبحانه المتكاثر به بل ترك ذكره اما لأن المذموم هو نفس التكاثر
بالشئ لا المتكاثر به كما يقال شغلك اللعب واللهو ولم يذكر ما يلعب ويلهو
به واما ارادة الاطلاق وهو كل ما تكاثر به العبد غيره من أسباب الدنيا من
مال أو جاه أو عبيد أو اماء أو



ص -184- بناء أو غراس أو علم لا ينبغى به وجه الله أو عمل لا
يقربه الى الله فكل هذا من التكاثر الملهى عن الله والدار الآخرة
وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير أنه قال: "انتهيت الى النبى وهو
يقرأ ألهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما
تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت"، ثم أوعد سبحانه من ألهاه
التكاثر وعيدا مؤكدا اذا عاين تكاثره هباء منثورا وعلم دنياه التى كاثر
بها انما كانت خدعا وغرورا فوجد عاقبة تكاثره عليه لا له وخسر هنالك
تكاثره كما خسر أمثاله وبدا له من الله ما لم يكن فى حسابه وصار تكاثره
الذى شغله عن الله والدار الآخرة من أعظم أسباب عذابه فعذب بتكاثره فى
دنياه ثم عذب به فى البرزخ ثم يعذب به يوم القيامة فكان أشقى بتكاثره اذ
أفاد منه العطب دون الغنيمة والسلامة فلم يفز من تكاثره الا بأن صار من
الأقلين ولم يحفظ به من علوه به فى الدنيا بأن حصل مع الاسفلين فيا له
تكاثرا ما أقله ورزءا ما أجله ومن غنى جالبا لكل فقر وخيرا توصل به الى كل
شر يقول صاحبه اذا انكشف عنه غطاؤه يا ليتنى قدمت لحياتى وعملت فيه بطاعة
الله قبل وفاتى رب ارجعونى لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو
قائلها تلك كلمة يقولها فلا يعول عليها ورجعة يسألها فلا يجاب إليها
وتأمل قوله أولا { رَبّ } استغاث بربه ثم التفت الى الملائكة الذين أمروا
بإحضاره بين يدى ربه تبارك وتعالى فقال أرجعونى ثم ذكر سبب سؤال الرجعة
وهو أن يستقبل العمل الصالح فيما ترك خلفه من ماله وجاهه وسلطانه وقوته
وأسبابه فيقال له كلا لا سبيل لك الى الرجعى وقد عمرت ما يتذكر فيه من تذكر
ولما كان شأن الكريم الرحيم أن يجيب من استغاث وأن يفسح له فى المهلة
لتيذكر مافاته أخبر سبحانه أن سؤال هذا المفرط الرجعة كلمة هو



ص -185- قائلها لا حقيقة تحتها وأن سجيته وطبيعته تأبى أن تعمل
صالحا لو أجيب وانما ذلك شئ يقوله بلسانه وأنه لو رد لعاد لما نهى عنه
وأنه من الكاذبين فحكمه أحكم الحاكمين وعزته وعلمه وحمده يأبى اجابته الى
ما سأل فإنه لا فائدة فى ذلك ولو رد لكانت حالته الثانية مثل حالته الاولى
كما قال تعالى ولو ترى اذ وقفوا على النار قالوا ياليتنا نرد ولا نكذب
بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا
لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون
وقد حام أكثر المفسرين حول معنى هذه الآية وما أوردوا فراجع أقوالهم تجدها
لا تشفى عليلا ولا تروى غليلا ومعناها أجل وأعظم مما فسروها به ولم
يتفطنوا لوجه الاضراب ببل ولا للأمر الذى بدا لهم وكانوا يخفونه وطنوا أن
الذى بدا لهم العذاب فلما لم يروا ذلك ملتئما مع قوله {مَا كَانُوا
يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} قد روا مضافا محذوفا وهو خبر ما كانوا يخفون من
قبل فدخل عليهم أمر آخر لا جواب لهم عنه وهو أن القوم لم يكونوا يخفون
شركهم وكفرهم بل كانوا يظهرونه ويدعون إليه ويحاربون عليه ولما علموا أن
هذا وارد عليهم قالوا ان القوم فى بعض موارد القيامة ومواطنها أخفوا شركهم
وجحدوه وقالوا والله ربنا ما كنا مشركين فلما وقفوا على النار بدا لهم
جزاء ذلك الذى أخفوه قال الواحدى وعلى هذا أهل التفسير ولم يصنع أرباب هذا
القول شيئا فإن السياق والاضراب ببل والاخبار عنهم بأنهم لو ردوا لعادوا
لما نهوا عنه وقولهم والله ربنا ما كنا مشركين لا يلتئم بهذا الذى ذكروه
فتأمله
وقالت طائفة منهم الزجاج بل بدا للاتباع ما أخفاه عنهم الرؤساء من أمر
البعث وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير وفيه من التكلف ما ليس بخاف واجود من
هذا ما فهمه المبرد من الآية قال كأن كفرهم لم يكن باديا لهم اذ خفيت
عليهم مضرته ومعنى كلامه أنهم لما خفيت عليهم مضرة عاقبته ووباله فكأنه
كان خفيا عنهم لم تظهر لهم حقيقته



فلما عاينوا

ص -186- العذاب ظهرت لهم حقيقته وشره قال وهذا كما تقول لمن كنت حدثته فى
أمر قبل وقد ظهر لك الآن ما كنت قلت لك وقد كان ظاهرا له قبل هذا ولا يسهل
أن يعبر عن كفرهم وشركهم الذى كانوا ينادون به على رءوس الاشهاد ويدعون
اليه كل حاضر وباد بأنهم كانوا يخفونه لخفاء عاقبته عنهم ولا يقال لمن
أظهر الظلم والفساد وقتل النفوس والسعى فى الأرض بالفساد أنه أخفى ذلك
لجهله بسوء عاقبته وخفائها عليه


فمعنى الآية والله أعلم بما أراد من كلامه أن هؤلاء المشركين لما وقفوا
على النار وعاينوها وعلموا أنهم داخلوها تمنوا أنهم يردون الى الدنيا
فيؤمنون بالله وآياته ولا يكذبون رسله فأخبر سبحانه أن الأمر ليس كذلك
وأنهم ليس فى طبائعهم وسجاياهم الايمان بل سجيتهم الكفر والشرك والتكذيب
وأنهم لو ردوا لكانوا بعد الرد كما كانوا قبله وأخبر أنهم كاذبون فى زعمهم
أنهم لو ردوا لآمنوا وصدقوا
فإذا تقرر مقصود الآية ومرادها تبين معنى الاضراب ببل وتبين معنى الذى بدا
لهم والذى كانوا يخفونه والحامل لهم على قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب
بآيات ربنا فالقوم كانوا يعلمون أنهم كانوا فى الدنيا على باطل وأن الرسل
صدقوهم فيما بلغوهم عن الله وتيقنوا ذلك وتحققوه ولكنهم أخفوه ولم يظهروه
بينهم بل تواصوا بكتمانه فلم يكن الحامل لهم على تمنى الرجوع والايمان
معرفة ما لم يكونوا يعرفونه من صدق الرسل فإنهم كانوا يعلمون ذلك ويخفونه
وظهر لهم يوم القيامة ما كانوا ينطوون عليه من علمهم أنهم على باطل وأن
الرسل على الحق فعاينوا ذلك عيانا بعد أن كانوا يكتمونه ويخفونه فلو ردوا
لما سمحت نفوسهم بالايمان ولعادوا الى الكفر والتكذيب فإنهم لم يتمنوا
الايمان لعلمهم يومئذ أنه هو الحق وأن الشرك باطل وانما تمنوا لما عاينوا
العذاب الذى لا طاقة لهم باحتماله وهذا كمن كان يخفى محبة شخص ومعاشرته
وهو يعلم أن حبه باطل وأن الرشد فى عدوله عنه فقيل له ان اطلع



عليه وليه عاقبك وهو يعلم

ص -187- ذلك ويكابر ويقول بل محبته ومعاشرته هى الصواب فلما أخذه وليه
ليعاقبه على ذلك وتيقن العقوبة تمنى أن يعفى من العقوبة وأنه لا يجتمع به
بعد ذلك وفى قلبه من محبته والحرص على معاشرته ما يحمله على المعاوده بعد
معاينة العقوبة بل بعد أن مسته وأنهكته فظهر له عند العقوبة ما كان يخفى
من معرفته بخطئه وصواب ما نهاه عنه ولو رد لعاد لما نهى عنه


وتأمل مطابقة الاضراب لهذا المعنى وهو نفى قولهم انا لو رددنا لآمنا
وصدقنا لأنه ظهر لنا الآن أن ما قاله الرسل هو الحق أى ليس كذلك بل كنتم
تعلمون ذلك وتعرفونه وكنتم تخفونه فلم يظهر لكم شئ لتكونوا عالمين به
لتعذروا بل ظهر لكم ما كان معلوما وكنتم تتواصون بإخفائه وكتمانه والله
أعلم
ولا تستطل هذا الفضل المعترض فى أثناء هذه المسألة فلعله أهم منها وأنفع
وبالله التوفيق فلنرجع الى تمام الكلام فيها
وقوله {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} جوابه محذوف دل عليه
ما تقدم أى لما ألهاكم التكاثر وانما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى
بكم لما فقد منكم علم اليقين وهو العلم الذى يصل به صاحبه الى حد
الضروريات التى لا يشك ولا يمارى فى صحتها وثبوتها ولو وصلت حقيقة هذا
العلم الى القلب وباشرته لما ألهاه عن موجبه ويرتب أثره عليه فإن مجرد
العلم بقبح الشئ وسوء عواقبه قد لا يكفى فى تركه فإذا صار له علم اليقين
كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد فاذا صار عين يقين كجملة المشاهدات كان
تخلف موجبه عنه من أندر شئ وفى هذا المعنى قال حسان بن ثابت رضى الله عنه
فى أهل بدر:
سرنا وساروا إلى بدر لحتفهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
وقوله {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} قيل
تأكيد لحصول العلم كقوله {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ
سَيَعْلَمُونَ} وقيل ليس

ص -188- تأكيدا بل العلم الأول عند المعاينة ونزول الموت والعلم
الثانى فى القبر هذا قول الحسن ومقاتل ورواه عطاء عن ابن عباس ويدل على
صحة هذا القول عدة أوجه أحدها أن الفائدة الجديدة والتأسيس هو الأصل وقد
أمكن اعتباره مع فخامة المعنى وجلالته وعدم الاخلال بالفصاحة الثانى توسط
ثم بين العلمين وهى مؤذنة بتراخى ما بين المرتبتين زمانا وخطرا الثالث ان
هذا القول مطابق للواقع فإن المحتصر يعلم عند المعاينة حقيقة ما كان عليه
ثم يعلم فى القبر وما بعده ذلك علما هو فوق الأول الرابع أن عليا بن أبى
طالب رضى الله عنه وغيره من السلف فهموا من الآية عذاب القبر قال الترمذى
حدثنا أبو كريب حدثنا حكام بن سليم الرازى عن عمرو بن أبى قيس عن الحجاج
بن المنهال بن عمر عن زر عن على رضى الله عنه قال ما زلنا نشك فى عذاب
القبر حتى نزلت الهاكم التكاثر
قال الواحدى: يعنى أن معنى قوله {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} فى القبر
الخامس: ان هذا مطابق لما بعده من قوله {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ
لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} فهذه الرؤية الثانية غير الأولى من
وجهين إطلاق الأولى وتقييد الثانية بعين اليقين وتقدم الأولى وتراخى
الثانية عنها ثم ختم السورة بالاخبار المؤكد بواو القسم ولام التأكيد
والنون الثقيلة عن سؤال النعيم فكل أحد يسأل عن نعيمه الذى كان فيه فى
الدنيا هل ناله من حلاله ووجهه أم لا فاذا تخلص من هذا السؤال سئل سؤالا
آخر هل شكر الله تعالى عليه فاستعان به على طاعته أم لا فالأول سؤال عن
سبب استخراجه والثانى عن محل صرفه كما فى جامع الترمذى من حديث عطاء بن
أبى رباح عن ابن عمر عن النبى قال: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من
عند ربه حتى يسئل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن
ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن ماذا عمل فيما علم

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس - صفحة 3 Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس {السبت 4 يونيو - 16:46}


ص -238- رأيت بعينى هاتين الجيش خلف هذا الوادى وهو قاصدكم
فاتبعونى أسلك بكم على غير طريق العدو فتنجوا منه فأطاعته طائفة قليلة
فصاح فيهم يا قوم النجاة النجاة أتيتم أتيتم وصاح السامعون له بأهليهم
وأولادهم وعشائرهم فقالوا كيف نرحل من هذا الوادى وفيه مواشينا وأموالنا
ودورنا وقد استوطناه فقال لهم الناصح لينج كل واحد منكم بنفسه مما خف عليه
من متاعه والا فهو مأخوذ وماله مجتاح فثقل على أصحاب الجد والأموال ورؤساء
القوم النقلة ومفارقة ما هم فيه من النعيم والرفاهية والدعة وقال كل أحمق
لى أسوة بالقاعدين فهم أكثر منى مالا وأهلا فما أصابهم أصابنى معهم ونهض
الأقلون مع الناصح ففازوا بالنجاة وصبح الجيش أهل الوادى فقتلهم واجتاح
أموالهم
وقد أشار النبى الى هذا المثل بعينه فى الحديث المتفق على صحته من حديث
أبى بردة عن أبى موسى عن النبى قال: "انما مثلى ومثل ما بعثنى الله به
كمثل رجل أتى قومه فقال يا قوم انى رأيت الجيش بعينى وأنا النذير العريان
فالنجاة النجاة فأطاعه طائفة من قومه فأذلجوا و انطلقوا على مهلهم فنجوا
وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل
من أطاعنى واتبع ما جئت به ومثل من عصانى وكذب بما جئت به من الحق".
المثال الخامس عشر: رجل هيأ دارا وزينها ووضع فيها من جميع الالات ودعى
الناس اليها فكلما دخل داخل أجلسه على فراش وثير وقدم اليه طبقا من ذهب
عليه لحم ووضع بين يديه أوان مفتخرة فيها من كل ما يحتاج اليه وأخدمه
عبيده ومماليكه فعرف العاقل أن ذلك كله متاع صاحب الدار وملكه وعبيده
فاستمتع بتلك الالات والضيافة مدة مقامه فى الدار ولم يعلق قلبه بها ولا
حدث نفسه بتملكها بل اعتمد مع صاحب الدار ما يعتمده الضيف يجلس حيث أجلسه
ويأكل ما قدمه له ولا يسأل عما وراء ذلك اكتفاء منه بعلم صاحب الدار وكرمه
وما يفعله مع ضيوفه



ص -239- فدخل الدار كريما وتمتع فيها كريما وفارقها كريما ورب
الدار غير ذام له وأما الاحمق فحدث نفسه بسكنى الدار وحوز تلك الالات الى
ملكه وتصرفه فيها بحسب شهوته وارادته فتخير المجلس لنفسه وجعل ينقل تلك
الآلات الى مكان فى الدار يخبؤها فيه وكلما قدم اليه ربها شيئا أو آلة حدث
نفسه بملكه واختصاصه به عن سائر الاضياف ورب الدار يشاهد ما يصنع وكرمه
يمنعه من اخراجه من داره حتى اذا ظن انه استبد بتلك الآلات وملك الدار
وتصرف فيها وفى آلاتها تصرف المالك الحقيقى واستوطنها واتخذها دارا له
أرسل إليه مالكها عبيده فأخرجوه منها إخراجا عنيفا وسلبوه كل ما هو فيه
ولم يصحبه من تلك الآلات شئ وحصل على مقت رب الدار وافتضاحه عنده وبين
مماليكه وحشمه وخدمه
فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل فإنه مطابق للحقيقة والله المستعان
قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه كل أحد فى هذه الدنيا ضيف وما له
عارية فالضيف مرتحل والعارية مؤداة
وفى الصحيحين عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "مات ابن لأبى طلحة من أم
سليم فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا طلحة حتى أكون أنا أحدثه فجاء فقربت اليه
عشاء فأكل وشرب وقال ثم تصنعت له احسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها فلما
رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت يا ابا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا
عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا قالت فاحتسب ابنك
قال فغضب قال تركتينى تلطخت ثم أخبرتينى بابنى فانطلق حتى أتى رسول الله
فأخبره بما كان منها فقال رسول الله بارك الله لكما فى ليلتكما" وذكر
الحديث
المثال السادس عشر: قوم سلكوا مفازة فاجأهم العطش فانتهوا الى البحر وماؤه
أمر شيء وأملحه فلشدة عطشهم لم يجدوا مرارته وملوحته



ص -240- فشربوا منه فلم يرووا وجعلوا كلما ازدادوا شربا ازدادوا
ظمأ حتى تقطعت أمعاؤهم وماتوا عطشا وعلم عقلاؤهم أنه مر مالح وأنه كلما
ازداد الشارب منه ازداد ظمأه فتباعدوا عنه مسافة حتى وجدوا أرضا حلوة
فحفروا فيها قليا فنبع لهم ماء عذب فرات فشربوا وعجنوا وطبخوا ونادوا
إخوانهم الذين على حافة البحر هلموا إلى الماء الفرات وكان منهم المستهزئ
ومنهم المعرض الراضى بما هو فيه وكان المجيب واحدا بعد واحد وهذا المثل
بعينه قد ضربه المسيح عليه السلام فقال مثل طالب الدنيا كمثل شارب ماء
البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا حتى يقتله
المثال السابع عشر: مثل الانسان ومثل ماله وعمله وعشيرته مثل رجل له ثلاثة
اخوة فقضى له سفر بعيد طويل لا بد له منه فدعا إخوته الثلاثة وقال قد حضر
ما ترون من هذا السفر الطويل وأحوج ما كنت اليكم الآن فقال أحدهم أنا كنت
أخاك الى هذه الحال ومن الآن فلست بأخ ولا صاحب وما عندى غير هذا فقال له
لم تغن عنى شيئا فقال للآخر ما عندك فقال كنت أخاك وصاحبك إلى الآن وأنا
معك حتى أجهزك الى سفرك وتركب راحلتك ومن هنالك لست لك بصاحب فقال له أنا
محتاج الى مرافقتك فى مسيرى فقال لا سبيل لك الى ذلك فقال لم تغن عنى شيئا
فقال للثالث ما عندك أنت فقال كنت صاحبك فى صحتك ومرضك وأنا صاحبك الآن
وصاحبك اذا ركبت راحلتك وصاحبك فى مسيرك فإن سرت سرت معك وان نزلت نزلت
معك واذا وصلت الى بلدك كنت صاحبك فيها لا أفارقك ابدا فقال ان كنت لأهون
الاصحاب على وكنت أوثر عليك صاحبيك فليتنى عرفت حقك وآثرتك عليهما
فالأول ماله والثانى أقاربه وعشيرته وأصحابه والثالث عمله وقد روى فى هذا
المثل بعينه حديث مرفوع لكنه لا يثبت رواه أبو جعفر العقيلى فى كتاب
الضعفاء من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة



ص -241- وعن ابن المسيب عن عائشة مرفوعا وهو مثل صحيح فى نفسه
مطابق للواقع
المثال الثامن عشر: وهو من أحسن الأمثلة ملك بنى دارا لم ير الراءون ولم
يسمع السامعون أحسن ولا أوسع ولا أجمع لكل ملاذ النفوس منها ونصب لها
طريقا وبعث داعيا يدعو الناس اليها وأقعد على الطريق امرأة جميلة قد زينت
بأنواع الزينة وألبست أنواع الحلى والحلل وممر الناس كلهم عليها وجعل لها
أعوانا وخدما وجعل تحت يدها ويد أعوانها زادا للمارين السائرين الى الملك
فى تلك الطريق وقال لها ولأعوانها من غض طرفه عنك ولم يشتغل بك عنى وابتغى
منك زادا يوصله الى فاخدميه وزوديه ولا تعوقيه عن سفره الى بل أعينيه بكل
ما يبلغه فى سفره ومن مد اليك عينيه ورضى بك وآثرك على وطلب وصالك فسوميه
سوء العذاب وأوليه غاية الهوان واستخدميه واجعليه يركض خلفك ركض الوحش ومن
يأكل منك فاخدعيه به قليلا ثم استرديه منه واسلبيه اياه كله وسلطى عليه
أتباعك وعبيدك وكلما بالغ فى محبتك وتعظيمك وإكرامك فقابليه بأمثاله قلى
وإهانة وهجرا حتى تتقطع نفسه عليك حسرات فتأمل هذا المثال وحال خطاب
الدنيا وخطاب الآخرة والله المستعان وهذا المثل مأخوذ من الاثر المروى عن
الله عز وجل يا دنيا اخدمى من خدمنى واستخدمى من خدمك
المثال التاسع عشر: ملك خط مدينة فى أصح المواضع وأحسها هواء وأكثرها
مياها وشق أنهارها وغرس أشجارها وقال لرعيته تسابقوا إلى أحسن الأماكن
فيها فمن سبق إلى مكان فهو له ومن تخلف سبقه الناس الى المدينة فأخذوا
منازلهم وتبوؤا مساكنهم فيها وبقى من أصحاب الحسرات ونصب لهم ميدان السباق
وجعل على الميدان شجرة كبيرة لها ظل مديد وتحتها مياه جارية وفى الشجرة من
كل أنواع الفواكه وعليها طيور عجيبة الأصوات وقال لهم لا تغتروا بهذه
الشجرة وظلها فعن قليل تجتث من أصلها



ص -242- ويذهب ظلمها وينقطع ثمرها وتموت أطيارها وأما مدينة
الملك فاكلها دائم وظلها مديد ونعيمها سرمدى وفيها مالا عين رأت ولا اذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر فسمع الناس بها فخرجوا فى طلبها على وجوههم
فمروا بتلك الشجرة على أثر تعب ونصب وحر وظمأ فنزلوا كلهم تحتها واستظلوا
بظلها وذاقوا حلاوة ثمرها وسمعوا نغمات أطيارها فقيل لهم إنما نزلتم تحتها
لتحموا أنفسكم وتضمروا مراكبكم للسباق فتهيئوا للركوب وكونوا على أهبة
فإذا صاح النفير استدركتم حلبة السباق فقال الأكثرون كيف ندع هذا الظل
الظليل والماء السلسبيل والفاكهة النضجة والدعة والراحة ونقتحم هذه الحلبة
فى الحر والغبار والتعب والنصب والسفر البعيد والمفاوز المعطشة التى تنقطع
فيها الأمعاء وكيف نبيع النقد الحاضر بالنسيئة الغائبة الى الأجل البعيد
ونترك ما نراه الى مالا نراه وذرة منقودة فى اليد أولى من ذرة موعودة بعد
غد خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ونحن بنو اليوم وهذا عيش حاضر كيف نتركه
لعيش غائب فى بلد بعيد لا ندرى متى نصل اليه ونهض من كل ألف واحد وقالوا
والله ما مقامنا هذا فى ظل زائل تحت شجرة قد دنى قلعها وانقطاع ثمرها وموت
أطيارها ونترك المسابقة الى الظل الظليل الذى لا يزول والعيش الهنئ الذى
لا ينقطع الا من أعجز العجز وهل يليق بالمسافر اذا استراح تحت ظل أن يضرب
خباءه عليه ويتخذ وطنه خشية التأذى بالحر وبالبرد وهل هذا الا أسفه السفه
فالسباق السباق والبدار البدار
حكم المنية فى البرية جارى ما هذه الدنيا بدار قرار
اقضوا مآربكم سراعا انما أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل السباق وبادروا أن تسترد فإنهن عوارى
ودعوا الإقامة تحت ظل زائل أنتم على سفر بهذى الدار
من يرجو طيب العيش فيها انما يبنى الرجاء على شفير هار
والعيش كل العيش بعد فراقها فى دار أهل السبق أكرم دار
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس - صفحة 3 Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس {السبت 4 يونيو - 16:47}


ص -243- فاقتحموا حلقة السباق ولم يستوحشوا من قلة الرفاق وساروا
فى ظهور العزائم ولم تأخذهم فى سيرهم لومة لائم والمتخلف فى ظل الشجرة
نائم فوالله ما كان الا قليل حتى ذوت أغصان تلك الشجرة وتساقطت أوراقها
وانقطع ثمرها ويبست فروعها وانقطع مشربها فقلعها قيمها من أصلها فأصبح
أهلها فى حر السموم يتقلبون وعلى ما فاتهم من العيش فى ظلها يتحسرون
أحرقها قيمها فصارت هى وما حولها نارا تلظى وأحاطت النار بمن تحتها فلم
يستطع أحد منهم الخروج منها فقالوا أين الركب الذين استظلوا معنا تحت ظلها
ثم راحوا وتركوه فقيل لهم ارفعوا أبصاركم تروا منازلهم فرأوهم من البعد فى
قصور مدينة الملك وغرفها يتمتعون بأنواع اللذات فتضاعفت عليهم الحسرات ألا
يكونوا معهم وزاد تضاعفها بأن حيل بينهم وبين ما يشتهون وقيل هذا جزاء
المتخلفين {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ}
المثال العشرون: ما مثلها به النبى من الثوب الذى شق وبقى معلقا بخيط فى
آخره فما بقاء ذلك الخيط قال ابن أبى الدنيا حدثنى الفضل بن جعفر حدثنا
وهب بن حماد حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا أبو سعيد خلف بن حبيب عن أنس
بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله: "مثل هذه الدنيا مثل ثوب شق من
أوله الى أخره فبقى معلقا بخيط فى آخره فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع".
وان أردت لهذا المثل زيادة ايضاح فانظر الى ما رواه أحمد فى مسنده من حديث
أبى نظرة عن أبى سعيد قال صلى بنا رسول الله العصر نهارا ثم قام فخطبنا
فلم يترك شيئا قبل قيام الساعة الا اخبر به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه
وجعل الناس يلتفتون الى الشمس هل بقى منها شئ فقال ألا انه لم يبق من
الدنيا فيما مضى منها الا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه روى حفص بن
غياث عن ليث عن المغيرة بن حكيم عن ابن عمر



ص -244- قال خرج علينا رسول الله والشمس على أطراف السعف فقال ما
بقى من الدنيا الا مثل ما بقى من يومنا هذا فيما مضى منه
وروى ابن أبى الدنيا عن ابراهيم بن سعد حدثنا موسى بن خلف عن قتادة عن أنس
أن رسول الله خطب عند مغرب الشمس فقال: "ما بقى من الدنيا فيما مضى منها
الا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه".
فالدنيا كلها كيوم واحد بعث رسول الله فى آخره قبل غروب شمسه بيسير وقال
جابر وأبو هريرة رضى الله عنهما عنه: "بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين
أصابعه السبابة والوسطى" وكان بعض السلف يقول تصبروا فإنما هى أيام قلائل
وانما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت وانه قد نعيت
اليك أنفسكم والموت حبس لا بد منه والله بالمرصاد وانما تخرج هذه النفوس
على آخر سورة الواقعة
المثال الحادى والعشرون: مثال الدنيا كحوض كبير ملئ ماء وجعل موردا للأنام
والانعام فجعل الحوض ينقص على كثرة الوارد حتى لم يبق منه الا كدر فى
أسفله قد بالت فيه الدواب وخاصته الناس والأنعام كما روى مسلم فى صحيحه عن
عتبة بن غزوان أنه خطبهم فقال فى خطبته إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء
ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء يتصابها صاحبها وإنكم منتقلون عنها
إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم وقال عبد الله بن مسعود إن
الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلا فما بقى منها إلا قليل من قليل ومثل ما
بقى منها كالثغب شرب صفوه وبقى كدره الثغب الغدير
المثال الثانى والعشرون: قوم سكنوا مدينة مدة من الزمان فكثرت



ص -245- فيها الأحداث والآفات وطرقها المحن وأغارت عليها عساكر
الجور والفساد فبنى ملكهم مدينة فى محل لا يطرقه آفة ولاعاهة وعزم على
تخريب المدينة الأولى فأرسل الى سكانها فنودى فيهم بالرحيل بعد ثلاث ولا
يتخلف منهم أحد وأمرهم أن ينقلوا إلى مدينة الملك الثانية خير ما فى تلك
المدينة وأنفعه وأجله من الجواهر واللآلى والذهب والفضة وما خف حمله من
المتاع وعظم قدره وصلح للملوك وأرسل اليهم الأدلاء وآلات النقل ونهج لهم
الطريق ونصب لهم الاعلام وتابع الرسل يستحثونهم بعضهم فى اثر بعض فانقسموا
فرقا فالاقلون علموا قصر مدة مقامهم فى تلك المدينة وتيقنوا أنهم ان لم
يبادروا بتحصيل خير ما فيها وحمله الى مدينة الملك والا فانهم ذلك فلم
يقدروا عليه فرأوا غبنا أن يقطعوا تلك المدة فى جمع المفضول والاشتغال به
عن الفاضل فسألوا عن خير مافى المدينة وأنفسه وأحبه الى الملك وأنفعه فى
مدينته فلما عرفوه لم يلتفوا الى مادونه ورأوا أن أحدهم اذا وافى بجوهرة
عظيمة كانت أحب الى الملك من أن يوافيه بأحمال كثيرة من الفلوس والحديد
ونحوها فكان همهم فى تحصيل ما هو أحب الى الملك وأنفس عنده ولو قل فى رأى
العين وأقبلت فرقة أخرى على تعبئة الاحمال المحملة وتنافسوا فى كثرتها وهم
على مراتب فمنهم من أحماله أثمان ومنهم من أحماله دون ذلك على قدر هممهم
وما يليق بهم لكن هممهم مصروفة الى تعبئة الاحمال والانتقال من المدينة
وأقبلت فرقة أخرى على عمارة القصور فى تلك المدينة والاشتغال بطيباتها
ولذاتها ونزهها وحاربوا العازمين على النقلة وقالوا لا ندعكم تأخذون من
متاعنا شيئا فإن شاركتمونا فى عمارة المدينة واستيطانها وعيشنا فيها والا
لم نمكنكم من النقلة ولا من شيء من المتاع فوقعت الحرب بينهم فقاتلوا
السائرين فعمدوا الى أكل أموالهم وأهليهم وما نقموا منهم الا بسيرهم الى
دار الملك واجابة داعيه والرغبة عن تلك الدار متى أمرهم بتركها وأقبلت



فرقة أخرى على التنزه والبطالة والراحة والدعة وقالوا لا نتعب
أنفسنا فى عمارتها ولا ننقل منها ولا نعارض من أراد النقلة ولا

ص -246- نحاربهم ولا نعاونهم وكان للملك فيها قصر فيه حريم له وقد أحاط
عليه سورا وأقام عليه حرسا ومنع أهل المدينة من قربانه وطاف به القاعدون
فلم يجدوا فيه بابا يدخلون منه فغدوا على جدرانه فنقبوها ووصلوا الى حريمه
فأفسدوهم ونالوا منهم ما أسخط الملك وأغضبه وشق عليه ولم يقتصروا على ذلك
حتى دعوا غيرهم الى افساد حريمه والنيل منهم فبينما هم على تلك الحال واذا
بالنفير قد صاح فيهم كله فلم يمكن أحد منهم من التخلف فحملوا على تلك
الحال وأحضروا بين يدى الملك فاستعرضهم واحدا واحدا وعرضت بضائعهم وما
قدموا به من تلك المدينة عليه فقبل منها ما يصلح له وأعاض أربابه أضعاف
أضعاف قيمته وأنزلهم منازلهم من قربه ورد منها مالا يصلح له وضرب به وجوه
أصحابه وقابل من نقب حماه وأفسد حريمه بما يقابل به المفسدون فسألوا
الرجعة الى المدينة ليعمروا قصره ويحفظوا حريمه ويقدموا عليه من البضائع
بمثل ما قدم به التجار فقال هيهات قد خربت المدينة خرابا لا تعمر بعده
أبدا وليس بعدها الا المدينة التى لا تخرب أبدا


فصل: وقد مثلت الدنيا بمنام والعيش فيها بالحلم والموت باليقظة ومثلت
بمزرعة والعمل فيها بالبذر والحصاد يوم المعاد ومثلت بدار لها بابان باب
يدخل منه الناس وباب يخرجون منه ومثلت بحية ناعمة الملمس حسنة اللون
وضربتها الموت ومثلث بطعام مسموم لذيذ الطعم طيب الرائحة من تناول منه
بقدر حاجته كان فيه شفاؤه ومن زاد على حاجته كان فيه حتفه ومثلت بالطعام
فى المعدة اذا أخذت الاعضاء منه حاجتها فحبسه قاتل أو مؤذ ولا راحة لصاحبه
الا فى خروجه كما أشار اليه النبى فى آكلة الخضر وقد تقدم ومثلت بامرأة من
أقبح النساء قد انتقبت على عينين فتنت بهما الناس وهى تدعو الناس إلى
منزلها فإذا أجابوها كشفت لهم عن منظرها



وذبحتهم بسكاكينها وألقتهم فى الحفر وقد سلطت على عشاقها تفعل
بهم ذلك قديما وحديثا.

ص -247- والعجب أن عشاقها يرون إخوانهم صرعى قد حلت بهم الآفات وهم
ينافسون فى مصارعهم وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف
فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ويكفى فى تمثيلها ما مئلها الله سبحانه فى
كتابه فهو المثل المنطبق عليها


قالوا وإذا كان هذا شأنها فالتقلل منها والزهد فيها خير من الاستكثار منها
والرغبة فيها قالوا ومن الملعوم أنه لا تجتمع الرغبة فيها مع الرغبة فى
الله والدار الآخرة أبدا ولا تسكن هاتان الرغبتان فى مكان واحد إلا وطردت
إحداهما الأخرى واستبدت بالمسكن ولا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله
عند رجل واحد أبدا قالوا ويكفى أن رسول الله عرضت عليه مفاتيح كنوزها ولو
أخذها لكان أشكر خلق الله بها ولم تنقصه مما له عند الله شيئا فاختار جوع
يوم وشبع يوم ومات ودرعه مرهونة على طعام لأهله كما تقدم ذكره
قالوا وقد انقسم الناس بعد رسول الله اربعة أقسام قسم لم يريدو الدنيا ولم
تردهم كالصديق ومن سلك سبيله وقسم أرادتهم الدنيا ولم يريدوها كعمر بن
الخطاب ومن سلك سبيله وقسم ارادوا الدنيا وأرادتهم كخلفاء بنى أمية ومن
سلك سبيلهم حاشا عمر بن عبد العزيز فإنها ارادته ولم يردها وقسم أرادوها
ولم تردهم كمن أفقر الله منها يده وأسكنها فى قلبه وامتحنه بجمعها ولا
يخفى أن خير الاقسام القسم الاول والثانى انما فضل لأنه لم يردها فالتحق
بالاول
قالوا وقد سأل رجل رسول الله أن يدله على عمل اذا فعله أحبه الله وأحبه
الناس فقال له: "ازهد فى الدنيا بحبك الله وازهد فيما فى أيدى الناس يحبك
الناس" فلو كان الغنى أفضل لدله عليه قالوا وقد شرع الله سبحانه قتال
الكفار وشرع الكف عن الرهبان لاعتزالهم عن الدنيا وزهدهم فيها فمضت السنة
بأن لا يقاتلوا ولا يضرب عليهم جزية هذا وهم أعداؤه وأعداء رسله ودينه
فعلم أن الزهد فيها عند

الله

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس - صفحة 3 Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس {السبت 4 يونيو - 16:48}

ص -248- بمكان قالوا وكذلك استقرت حكمته في شرعه على أن عقوبة الواجد أعظم
من عقوبة الفاقد فهذا الزانى المحصن عقوبته الرجم وعقوبة من لم يحصن الجلد
والتغريب وهكذا يكون ثواب الفاقد أعظم من ثواب الواجد
قالوا وكيف يستوى عند الله سبحانه ذلة الفقر وكسرته وخضوعه وتجرع مرارته
وتحمل أعبائه ومشاقه وعزة الغنى ولذته وصولته والتمتع بلذاته ومباشرة
حلاوته فبعين الله ما يتحمل الفقراء من مرارة فقرهم وصبرهم ورضاهم به عن
الله ربهم تبارك وتعالى وأين أجر مشقة المجاهدين إلى أجر عبادة القاعدين
فى الامن والدعة والراحة
قالوا وكيف يستوى أمران أحدهما حفت به الجنة والثانى حفت به النار فإن أصل
الشهوات من قبل المال وأصل المكاره من قبل الفقر قالوا والفقير لا ينفك في
خصاصة من مضض الفقر والجوع والعرى والحاجه وآلام الفقر وكل واحد منها يكفر
ما يقاومه من السيئات وذلك زيادة على أجره بأعمال البر فقد شارك الاغنياء
بأعمال البر وامتاز عنهم بما يكفر سيئاته وما امتازوا به عليه من الانفاق
والصدقة والنفع المتعدي فله سبيل الى لحاقهم فيه وله مثل أجورهم وهو أن
يعلم الله من نيته أنه لو أوتى مثل ما أوتوه لفعل كما يفعلون فيقول لو أن
لى مالا لعملت بأعمالهم فهو بنيته وأجرهما سواء كما أخبر به الصادق
المصدوق فى + الحديث الصحيح + الذى رواه الامام أحمد والترمذى من حديث أبى
كبشه الانمارى
قالوا: والفقير فى الدنيا بمنزلة المسجون اذ هو ممنوع عن الوصول الى
شهواته وملاذها والغنى منخلص من هذا السجن وقد قال النبى: "الدنيا سجن
المؤمن وجنة الكافر" فالغنى ان لم يسجن نفسه عن دواعى الغنى وطغيانه
وأرسلها فى ميادين شهواتها كانت الدنيا جنة له فانما نال الفضل بتشبهه
بالفقير الذى هو فى سجن فقره
قالوا وقد ذم الله ورسوله من عجلت له طيباته فى الحياة الدنيا


ص -249- وانه لحرى أن يكون عوضا عن طيبات الآخرة أو منقصة لها
ولا بد كما تقدم بيانه بخلاف من استكمل طيباته فى الآخرة لما منع منها فى
الدنيا وأتى رسول الله بسويق لوز فأبى أن يشربه وقال: "هذا شراب المترفين".
قالوا: وقد سئل الحسن البصرى فقيل له رجلان أحدهما تارك للدنيا والآخر
يكتسبها ويتصدق بها فقال التارك لها أحب الى قالوا وقد سئل المسيح قبله عن
هذه المسألة عن رجلين مر أحدهما بلبنة ذهب فتخطاها ولم يلتفت اليها ومر
بها الآخر فأخذها وتصدق بها فقال الذى لم يلتفت اليها أفضل ويدل على هذا
أن رسول الله مر بها ولم يلتفت اليها ولو أخذها لأنفقها فى سبيل الله
قالوا: والفقير الفقيه فى فقره يمكنه لحاق الغنى فى جميع ما ناله بغناه
بنيته وقوله فيساويه فى أجره ويتميز عنه بعدم الحساب بعدم المال فساواه
بثوابه ويخلص من حسابه كما تميز عنه بسبقه إلى الجنة بخمسمائة عام وتميز
عنه بثواب صبره على ألم الفقر وخصاصته
قال الإمام أحمد: حدثنا عبادة بن مسلم حدثنى يونس بن خباب عن أبى البحترى
الطائى عن أبى كبشة قال سمعت رسول الله يقول: "ثلاث أقسم عليهن واحدثكم
حديثا فاحفظوه فأما الثلاث التى أقسم عليهن فإنه ما نقص مال عبد من صدقة
ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزوجل بها عزا ولا يفتح عبد
باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر" وأما الذى أحدثكم حديثا فاحفظوه فإنه
قال إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقى فيه ربه
ويصل فيه رحمه ويعلم فيه لله حقا فهذا بأفضل المنازل عند الله وعبد رزقه
الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول لو كان لى مال عملت فيه بعمل فلان قال
فأجرهما سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يتخبط فى ماله بغير
علم لا يتقى فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم الله فيه حقا فهذا بأخبث



ص -250- المنازل عند الله وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو
يقول لو كان لى مال لفعلت بفعل فلان قال فهو بنيته ووزرهما سواء فلما فضل
الغنى بفعله ألحق الفقير الصادق بنيته والغنى هناك انما نقص بتخلفه عن
العمل والفقير انما نقص بسوء نيته فلم ينفع الغنى غناه مع التخلف ولا ضر
الفقير فقره مع حسن النية ولا نفعه فقره مع سوء نيته
قالوا ففى هذا بيان كان شاف فى المسألة حاكم بين الفريقين وبالله التوفيق.



عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

الباب الرابع والعشرون في ذكر ما احتجت به الأغنياء من الكتاب والسنة
والآثار والاعتبار


الباب الرابع والعشرون: فى ذكر ما احتجت به الأغنياء من الكتاب والسنة
والآثار والاعتبار
قالت الأغنياء لقد أجلبتم علينا أيها الفقراء بخيل الأدلة ورجلها ونحن
نعلم أن عندكم مثلها وأكثر من مثلها ولكن توسطتم بين التطويل والاختصار
وظننتم أنها حكمت لكم بالفضل دون ذوى اليسار ونحن نحاكمكم الى ما
حاكمتمونا اليه ونعرض بضاعتنا على من عرضتم بضاعتكم عليه ونضع أدلتنا
وأدلتكم فى ميزان الشرع والعقل الذى لا يعزل فحيئذ يتبين لنا ولكم الفاضل
من المفضول ولكن اخرجوا من بيننا من تشبه بالفقراء الصادقين الصابرين ولبس
لباسهم على قلب أحرص الناس على الدنيا وأشحهم عليها وأبعدهم من الفقر
والصبر من كل مظهر للفقر مبطن للحرص غافل عن ربه متبع لهواه مفرط فى أمر
معاده قد جعل زى الفقر صناعة وتحلى بما هو أبعد الناس منه بضاعة أو فقير
حاجة فقره اضطرارا لا اختيارا فزهده زهد افلاس لا زهد رغبة فى الله والدار
الآخرة أو فقير يشكو ربه بلسان قاله وحاله غير راض عن ربه فى فقره بل ان
أعطى رضى وان منع سخط شديد اللهف على الدنيا والحسرة عليها وهو أفقر الناس
فيها فهو أرغب شئ فيها وهى أزهد شيء فيه وأخرجوا من بيننا ذى الثروة
الجموع المنوع المتكاثر بماله



ص -251- المستأثر به الذى عض عليه بناجذه وثنى عليه خناصره يفرح
بزيادته ويأسى على نقصانه
فقلبه به مشغوف وهو على تحصيله ملهوف ان عرض سوق الانفاق والبذل أعطى
قليلا وأكدى وان دعى الى الايثار أمعن فى الهرب جدا وأخلصونا واخواننا من
سباق الطائفتين وسادات الفريقين الذين تسابقوا الى الله والدار الآخرة
بإيمانهم وأحوالهم ونافسوا فى القرب منه بأعمالهم وأموالهم فقلوبهم عاكفة
عليه وهمتهم الى المسابقة اليه ينظر غنيهم الى فقيرهم فإذا رآه قد سبقه
الى عمل صالح شمر الى اللحاق به وينظر فقيرهم الى غنيهم فإذا رآه قد فاته
بإنفاق فى طاعة الله أنفق هو من أعماله وأقواله وصبره وزهده نظير ذلك أو
أكثر منه فهؤلاء اخواننا الذين تكلم الناس فى التفضيل بينهم وأيهم أعلى
درجة وأما أولئك فإنما ينظر أيهم تحت الآخر فى العذاب وأسفل منه والله
المستعان
اذا عرف هذا فقد مدح الله سبحانه فى كتابه أعمالا وأثنى على أصحابها ولا
تحصل الا بالغنى كالزكاة والانفاق فى وجوه البر والجهاد فى سبيل الله
بالمال وتجهيز الغزاة واعانة المحاويج وفك الرقاب والاطعام فى زمن المسغبة
وأين يقع صبر الفقير من فرحة الملهوف المضطر المشرف على الهلاك اذا أعانه
الغنى ونصره على فقره ومخمصته وأين يقع صبره من نفع الغنى بماله فى نصرة
دين الله واعلاء كلمته وكسر أعدائه
وأين يقع صبر أبى ذر على فقره إلى شكر الصديق به وشرائه المعذبين فى الله
وإعتاقهم وإنفاقه على نصرة الاسلام حين قال النبى: "ما نفعنى مال احد ما
نفعنى مال أبى بكر" وأين يقع صبر أهل الصفة من إنفاق عثمان بن عفان تلك
النفقات العظيمة التى قال له رسول الله فى بعضها: "ما ضر عثمان ما فعل بعد
اليوم ثم قال غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما
أبديت" أو كما قال.



ص -252- واذا تأملتم القرآن وجدتم الثناء فيه على المنفقين أضعاف
الثناء على الفقراء الصابرين وقد شهد رسول الله بأن اليد العليا خير من
اليد السفلى وفسر اليد العليا بالمعطية والسفلى بالمسائلة وقد عدد الله
سبحانه على رسوله من نعمه أن أغناه بعد فقره وكان غناه هو الحالة التى
نقله اليها وفقره الحالة التى نقله منها وهو سبحانه كان ينقله من الشئ الى
ما هو خير منه وقد قيل فى قوله تعالى {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ
الْأُولَى} ان المراد به الحالتان أى كل حالة خير لك مما قبلها ولهذا
أعقبه بقوله {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فهذا يدخل فيه
عطاؤه فى الدنيا والأخرة
قالوا: والغنى مع الشكر زيادة فضل ورحمة والله يخص برحمته من يشاء والله
ذو الفضل العظيم قالوا والاغنياء الشاكرون سبب لطاعة الفقراء الصابرين
لتقويتهم اياهم بالصدقة عليهم والاحسان عليهم واعانتهم على طاعتهم فلهم
نصيب وافر من أجور الفقراء زيادة الى نصيبهم من أجر الانفاق وطاعاتهم التى
تخصهم كما فى صحيح ابن خزيمة من رواية سلمان الفارسى رضى الله عنه عن النبى
وذكر شهر رمضان فقال: "من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من
النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ" فقد جاز الغنى الشاكر
أجر صيامه ومثل أجر الفقير الذى فطره قالوا ولو لم يكن للغنى الشاكر الا
فضل الصدقة التى لما تفاخرت الاعمال كان الفخر لها عليهن كما ذكر النظر بن
شميل عن قرة عن سعيد بن المسيب أنه حدث عن عمر بن الخطاب قال ذكر أن
الاعمال الصالحة تتباهى فتقول الصدقة أنا أفضلكم قالوا والصدقة وقاية بين
العبد وبين النار والمخلص المسر بها مستظل بها يوم القيامة فى ظل العرش
وقد روى عمرو بن الحارث ويزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عقبة بن عامر
رضى الله عنه عن رسول الله قال: "ان الصدقه لتطفئ
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس - صفحة 3 Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس {السبت 4 يونيو - 16:49}


ص -253- على أهلها حر القبور وانما يستظل المؤمن يوم القيامه فى
ظل صدقته".
وقال يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عقبة يرفعه: "كل امرئ فى ظل صدقته
حتى يقضى بين الناس" قال يزيد وكان أبو الخير لا يأتى عليه يوم الا تصدق
فيه ولو بكعكة أو بصلة
وفى حديث معاذ عن النبى: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار".
وروى البيهقى من حديث ابى يوسف القاضى عن المختار بن فلفل عن أنس يرفعه:
"باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقه" وفى الصحيحين من حديث أبى
هريرة عن النبى قال: "اذا تصدق العبد من كسب طيب ولا يقبل الله الا طيبا
أخذها الله بيمينه فيربيها لأحدهم كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون
مثل الجبل العظيم" وفى لفظ البيهقى فى هذا الحديث "حتى ان التمرة أو
اللقمة لتكون أعظم من أحد" وقال محمد بن المنكدر: "من موجبات المغفرة
اطعام المسلم السغبان" وقد روى مرفوعا من غير وجه
واذا كان الله سبحانه قد غفر لمن سقى كلبا على شدة ظمأه فكيف بمن سقى
العطاش وأشبع الجياع وكسى العراة من المسلمين وقد قال رسول الله: "اتقوا
النار ولو بشق تمرة قال فان لم تجدوا فبكلمة طيبة" فجعل الكلم الطيب عوضا
عن الصدقة لمن لا يقدر عليها قالوا واين لذة الصدقة والاحسان وتفريحهما
القلب وتقويتهما إياه وما يلقى الله سبحانه للمتصدقين من المحبة والتعظيم
فى قلوب عباده والدعاء لهم والثناء عليهم وادخال المسرات عليهم من أجر
الصبر على الفقر نعم ان له لأجرا عظيما لكن الاجر درجات عند الله
قالوا وأيضا فالصدقه والاحسان والاعطاء وصف الرب تعالى وأحب عباده اليه من
اتصف بذلك كما قال النبى: "الخلق عيال الله



ص -254- فأحب الخلق اليه انفعهم لعياله" قالوا وقد ذكر الله
سبحانه اصناف السعداء فبدأ بالمتصدقين أولهم فقال تعالى {إِنَّ
الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً
حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ
عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } فهؤلاء أصناف السعداء
ومقدموهم المصدقين والمصدقات
قالوا وفى الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها الا الله فمنها انها تقى مصارع
السوء وتدفع البلاء حتى انها لتدفع عن الظالم قال ابراهيم النخعى وكانوا
يرون أن الصدقة تدفع عن الرجل المظلوم وتطفئ الخطيئة وتحفظ المال وتجلب
الرزق وتفرح القلب وتوجب الثقة بالله وحسن الظن به كما أن البخل سوء الظن
بالله وترغم الشيطان يعنى الصدقة وتزكى النفس وتنميها وتحبب العبد الى
الله والى خلقه وتستر عليه كل عيب كما أن البخل يغطى عليه كل حسنة وتزيد
فى العمر وتستجلب أدعية الناس ومحبتهم وتدفع عن صاحبها عذاب القبر وتكون
عليه ظلا يوم القيامة وتشفع له عند الله وتهون عليه شدائد الدنيا والآخرة
وتدعوه الى سائر أعمال البر فلا تستعصى عليه وفوائدها ومنافعها أضعاف ذلك
قالوا ولو لم يكن فى النفع والاحسان الا أنه صفة الله وهو سبحانه يحب من
اتصف بموجب صفاته وآثارها فيحب العليم والجواد والحيي والستير والمؤمن
القوى أحب اليه من المؤمن الضعيف ويحب العدل والعفو والرحيم والشكور والبر
والكريم فصفته الغنى والجود ويحب الغنى الجواد
قالوا: ويكفى فى فضل النفع المتعدى بالمال أن الجزاء عليه من جنس العمل
فمن كسى مؤمنا كساه الله من حلل الجنة ومن أشبع جائعا أشبعه الله من ثمار
الجنة ومن سقى ظمآنا سقاه الله من شراب الجنة ومن أعتق رقبة أعتق الله بكل
عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى
الدنيا



والآخرة ومن نفس عن مؤمن

ص -255- كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله
فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه قالوا ونحن لا ننكر فضيلة الصبر
على الفقر ولكن أين تقع من هذه الفضائل وقد جعل الله لكل شئ قدرا


قالوا: وقد جعل رسول الله الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر ومعلوم أنه
اذا تعدى شكره الى الإحسان الى الغير ازداد أخرى فان الشكر يتضاعف الى ما
لا نهاية له بخلاف الصبر فان له حدا يقف عليه
وهذا دليل مستقل فى المسألة يوضحه أن الشاكر أفضل من الراضى الذى هو أعلى
من الصابر فاذا كان الشاكر أفضل من الراضى الذى هو أفضل من الصابر كان
أفضل من الصابر فى درجتين
قالوا وفى الصحيحين من حديث الزهرى عن سالم عن ابيه قال قال رسول الله:
"لا حسد الا فى اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل
والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار" فجعل الغنى مع
الانفاق بمنزلة القرآن مع القيام به قالوا وقد صرح فى حديث أبى كبشه
الأنمارى أن صاحب المال إذا عمل فى ماله بعلمه واتقى فيه ربه ووصل به رحمه
وأخرج منه حق الله فهو فى أعلى المنازل عند الله وهذا تصريح فى تفضيله
وجعل الفقير الصادق اذا نوى أن يعمل بعمله وقال ذلك بلسانه ثانيا وانه
بنيته وقوله وأجرهما سواء فإن كلا منهما نوى خيرا وعمل ما يقدر عليه
فالغنى نواه ونفذه بعلمه والفقير العالم نواه ونفذه بلسانه فاستويا فى
الاجر من هذه الجهة ولا يلزم من استوائهما فى أصل الاجر استواؤهما فى
كيفيته وتفاصيله فإن الأجر على العمل والنيه له مزية على الاجر على مجرد
النيه التى قارنها القول ومن نوى الحج ولم يكن له مال يحج به وان أثيب على
ذلك فإن ثواب من باشر أعمال الحج مع النيه له مزية عليه
واذا اردت فهم هذا فتأمل قول النبى: "من سأل الله الشهادة



ص -256- يدع فيها فضلا لغير الانجذاب الى جانب الحق جل جلاله
فتتمحض الارادة له ومتى تمحضت كان الزهد لصاحبها ضرورة فإنه يفرغه لعمارة
وقته وجمع قلبه على ماهو بصدده وقطع مواد طمعه اللاتى هى من أفسد شئ للقلب
بل اصل المعاصى والفساد والفجور كله من الطمع فالزهد يقطع مواده ويفرغ
البال ويملأ القلب ويستحث الجوارح ويذهب الوحشة التى بين العبد وبين ربه
ويجلب الانس به ويقوى الرغبة فى ثوابه إن ضعف عن الرغبة فى قربه والدنو
منه وذوق حلاوة معرفته ومحبته فالزاهد أروح الناس بدنا وقلبا فإن كان زهده
وفراغه من الدنيا قوة له فى إرادة الله والدار الآخرة بحيث فرغ قلبه لله
وجعل حرصه على التقرب إليه وشحه على وقته أن يضيع منه شئ فى غير ما هو
أرضى الله وأحب اليه كان من أنعم الناس عيشا واقرهم عينا وأطيبهم نفسا
وأفرحهم قلبا فإن الرغبة فى الدنيا تشتت القلب وتبدد الشمل وتطيل الهم
والغم والحزن فهى عذاب حاضر يؤدى الى عذاب منتظر أشد منه وتفوت على العبد
من النعم اضعاف ما يروم تحصيله بالرغبه فى الدنيا
قال الامام أحمد حدثنا الهيثم بن جميل حدثنا يعنى بن مسلم عن ابراهيم يعنى
بن ميسرة عن طاووس قال قال رسول الله: "ان الزهد فى الدنيا يريح القلب
والبدن وأن الرغبة فى الدنيا تطيل الهم والحزن" وانما تحصل الهموم والغموم
والأحزان من جهتين احداهما الرغبة فى الدنيا والحرص عليها والثانى التقصير
فى أعمال البر والطاعة
قال عبد الله بن أحمد حدثنى بيان بن الحكم حدثنا محمد بن حاتم عن بشر بن
الحارث قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن ليث عن الحكم قال قال رسول الله:
"اذا قصر العبد بالعمل ابتلاه الله عز وجل بالهم".
وكما أن الرغبة فى الدنيا أصل المعاصى الظاهرة فهى اصل معاصى القلب من
التسخط والحسد والكبر والفخر والخيلاء والتكاثر وهذا كله من



ص -257- معناه انهم وان كانوا قد ساووكم فى الايمان والاسلام
والصلاة والصيام ثم فضلوكم فى الانفاق ففى التكبير والتسبيح والتهليل ما
يلحقكم بدرجتهم وقد ساويتموهم أيضا بحسن النية إذ لو أمكنكم لأنفقتم مثلهم
وفى بعض ألفاظ هذا الحديث ان أخذتم به سبقتم من قبلكم ولم يلحقكم من بعدكم
وهذا يدل على أن الاغنياء لا يلحقونهم وان قالوا مثل قولهم وقوله ذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء معناه ان فضل الله ليس مقصورا عليكم دونهم فكما آتاكم
الله من فضله بالذكر كذلك يؤتيهم اياه اذا عملوا مثلكم أيضا فأنتم فهمتم
من الفضل التخصيص فوضعتموه فى غير موضعه وانما معناه العموم والشمول وان
فضله عام شامل للأغنياء والفقراء فلا تذهبون به دونهم فأين فى هذا الحديث
التفضيل لكم علينا
قالوا: ويحتمل قوله ذلك فضل الله ثلاثة أمور أحدها سبقهم لكم بالانفاق
والثانى مساواتكم لهم فى فضيلة الذكر فلم تختصوا به دونهم والثالث سبقكم
لهم الى الجنة بنصف يوم وهذا وان كان لا ذكر له فى هذه الروايه فهو مذكور
فى بعض طرقه قال البزار فى مسنده حدثنا الوليد بن عمر حدثنا محمد ابن
الزبرقان حدثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال اشتكى
فقراء المهاجرين الى رسول الله ما فضل به أغنياؤهم فقالوا يا رسول الله
اخواننا صدقوا تصديقنا وآمنوا ايماننا وصاموا صيامنا ولهم أموال يتصدقون
منها ويصلون منها الرحم وينفقونها فى سبيل الله ونحن مساكين لا نقدر على
ذلك فقال ألا اخبركم بشئ اذا أنتم فعلتموه أدركتم مثل فضلهم قولوا الله
اكبر فى كل صلاة احدى عشرة مرة والحمد لله مثل ذلك ولا اله الا الله مثل
ذلك وسبحان الله مثل ذلك تدركون مثل فضلهم ففعلوا فذكروا ذلك للأغنياء
ففعلوا مثل ما ذلك فرجع الفقراء الى رسول الله فذكروا ذلك له فقالوا هؤلاء
اخواننا فعلموا مثل نقول فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يا معشر الفقراء
ألا أبشركم ان فقراء المسلمين يدخلون



الجنة

ص -258- قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمسمائة عام وتلا موسى ابن عبيدة
{وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}


قالوا فهذا خبر واحد وكلام متصل ذكره بشارة لهم عندما ذكروا مساواة
الاغنياء لهم فى القول المذكور فأشبه أن يرجع الفضل الى سبق الفقراء
للأغنياء وأنهم بهذه البشارة مخصصون فكان السبق لهم دون غيرهم وان ساووهم
فى القول وساووهم فى الانفاق بالنيه كما فى حديث أبى كبشة المتقدم وحصلت
لهم مزية الفقر
قالت الاغنياء: لقد بالغتم فى صرف الحديث عن مقصوده الى جهتكم وهو صريح فى
تفضيل هذا الحديث لمن انصف فإن قوله {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ
مَنْ يَشَاء} خرج جوابا للفقراء عن قولهم إن أهل الدثور قد ساووهم فى
الذكر كما ساووهم فى الصلاة والصوم والايمان وبقيت مزية الانفاق ولم يحصل
لهم ما يلحقهم فيها وما علمتنا من الذكر قد لحقونا فيه فقال لهم حينئذ
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء} وهذا صريح جدا فى مقصوده
فلما انكسر القوم بتحقق السبق بالانفاق الذى عجزوا عنه أخبرهم بالبشارة
بالسبق إلى دخول الجنة بنصف يوم وأن هذا السبق فى مقابلة ما فاتكم من
فضيلة الغنى والانفاق ولكن لا يلزم من ذلك رفعتهم عليهم فى المنزلة
والدرجة فهؤلاء السبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب من الموقوفين
للحساب من هو أفضل من أكثرهم وأعلى منه درجة
قالوا وقد سمى سبحانه المال خيرا فى غير موضع من كتابه كقوله تعالى
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ
خَيْراً الْوَصِيَّةُ} وقوله انه لحب الخير لشديد وأخبر رسول الله أن
الخير لا يأتى الا بالخير كما تقدم وانما يأتى بالشر معصية الله فى الخير
لا نفسه
وأعلم الله سبحانه أنه جعل المال قواما للأنفس وأمر بحفظها ونهى
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس - صفحة 3 Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الخامس {السبت 4 يونيو - 16:49}


ص -259- أن يأتى السفهاء من النساء والأولاد وغيرهم ومدحه النبى
بقوله: "نعم المال الصالح مع المرء الصالح" وقال سعيد بن المسيب لا خير
فيمن لا يريد جمع المال من حله يكف به وجهه عن الناس ويصل به رحمه ويعطى
حقه
وقال أبو اسحاق السبيعى كانوا يرون السعة عونا على الدين وقال محمد ابن
المنكدر نعم العون على التقى الغنى وقال سفيان الثورى المال فى زماننا هذا
سلاح المؤمن وقال يوسف بن سباط ما كان المال فى زمان منذ خلقت الدنيا أنفع
منه فى هذا الزمان والخير كالخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر
قالوا وقد جعل الله سبحانه المال سببا لحفظ البدن وحفظه سبب لحفظ النفس
التى هى محل معرفة الله والايمان به وتصديق رسله ومحبته والانابة اليه فهو
سبب عمارة الدنيا والآخرة وانما يذم منه ما استخرج من غير وجهه وصرف فى
غير حقه واستعبد صاحبه وملك قلبه وشغله عن الله والدار الآخرة فيذم منه ما
يتوسل به صاحبه الى المقاصد الفاسدة أو شغله عن المقاصد المحمودة فالذم
للجاعل لا للمجعول
قال النبى: "تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم" فذم عبدهما دونهما
قال الامام أحمد: حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان عن يزيد بن ميسرة قال كان
رجل ممن مضى جمع مالا فأوعى ثم أقبل على نفسه وهو فى أهله فقال أنعم سنين
فأتاه ملك الموت فقرع الباب فى صورة مسكين فخرجوا اليه فقال ادعو لى صاحب
الدار فقالوا يخرج سيدنا الى مثلك ثم مكث قليلا ثم عاد فقرع الدار وصنع
مثل ذلك وقال أخبروه أنى ملك الموت فلما سمع سيدهم قعد فزعا وقال لينوا له
الكلام قالوا ما تريد غير سيدنا بارك الله فيك قال لا فدخل عليه فقال قم
فأوص ما كنت



ص -260- موصيا فإنى قابض نفسك قبل أن أخرج قال فصرخ أهله وبكوا
ثم قال افتحو الصناديق وافتحوا أوعية المال ففتحوها جميعا فأقبل على المال
يلعنه ويسبه يقول لعنت من مال أنت الذى أنسيتنى ربى وشغلتنى عن العمل
لآخرتى حتى بلغنى أجلى فتكلم المال فقال لا تسبنى ألم تكن وضيعا فى أعين
الناس فرفعتك ألم ير عليك من أثرى وكنت تحضر سدد الملوك والسادة فتدخل
ويحضر عباد الله الصالحون فلا يدخلون ألم تكن تخطب بنات الملوك والسادة
فتنكح ويخطب عباد الله الصالحون فلا ينكحون ألم تكن تنفقنى فى سبيل الخبث
فلا أتعاصى ولو أنفقتنى فى سبيل الله لم أتعاص عليك وأنت ألوم منى إنما
خلقت أنا وأنتم يا بنى آدم من تراب فمنطلق ببر ومنطلق بإثم فهكذا يقول
المال فاحذروا
وفى أثر يقول الله تبارك وتعالى أموالنا رجعت الينا سعد بها من سعد وشقى
بها من شقى
قالوا: ومن فوائد المال أنه قوام العبادات والطاعات وبه قام سوق بر الحج
والجهاد وبه حصل الانفاق الواجب والمستحب وبه حصلت قربات العتق والوقف
وبناء المساجد والقناطر وغيرها وبه يتوصل الى النكاح الذى هو أفضل من
التخلى لنوافل العبادة وعليه قام سوق المروءة وبه ظهرت صفة الجود والسخاء
وبه وقيت الاعراض وبه اكتسبت الاخوان والاصدقاء وبه توصل الابرار الى
الدرجات العلى ومرافقة الذين أنعم الله عليهم فهو مرقاة يصعد بها الى أعلى
غرف الجنة ويهبط منها إلى أسفل سافلين وهو مقيم مجد الماجد كان بعض السلف
يقول لا مجد إلا بفعال ولا فعال إلا بمال وكان بعضهم يقول اللهم إنى من
عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى وهو من أسباب رضا الله عن العبد كما كان
من أسباب سخطه عليه
وهؤلاء الثلاثة الذين ابتلاهم الله به الابرص والاقرع والاعمى قال به
الاعمى رضا ربه ونالا به سخطه والجهاد ذروة سنام العمل وتارة



ص -261- يكون بالنفس وتارة يكون بالمال وربما كان الجهاد بالمال
أنكى وأنفع وبأى شئ فضل عثمان على على وعلى أكثر جهادا بنفسه واسبق إسلاما
من عثمان
وهذا الزبير وعبد الرحمن بن عوف أفضل من جمهور الصحابة مع الغنى الوافر
وتأثيرهما فى الدين أعظم من تأثير أهل الصفة وقد نهى رسول الله عن إضاعته
وأخبر أن ترك الرجل ورثته أغنياء خير له من تركهم فقراء وأخبر أن صاحب
المال لن ينفق نفقة يبتغى بها وجه الله إلا ازداد بها درجة ورفعة وقد
استعاذ رسول الله من الفقر وقرنه بالكفر فقال اللهم إنى أعوذ بك من الكفر
والفقر فإن الخير نوعان خير الآخرة والكفر مضاده وخير الدنيا والفقر مضاده
فالفقر سبب عذاب الدنيا والكفر سبب عذاب الآخرة والله سبحانه وتعالى جعل
إعطاء الزكاة وظيفة الأغنياء وأخذها وظيفة الفقراء وفرق بين اليدين شرعا
وقدرا وجعل يد المعطى أعلى من الآخذ وجعل الزكاة أوساخ المال ولذلك حرمها
على أطيب خلقه وعلى آله صيانة لهم وتشريفا ورفعا لأقدارهم
ونحن لا ننكر أن رسول الله كان فقيرا ثم أغناه الله والله فتح عليه وخوله
ووسع عليه وكان يدخر لأهله قوت سنة ويعطى العطايا التى لم يعطها أحد غيره
وكان يعطى عطاء من لا يخاف الفقر ومات عن فدك والنضير وأموال خصه الله بها
وقال تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُول} فنزهه ربه سبحانه عن الفقر الذى يسوغ الصدقة
وعوضه عما نزهه عنه بأشرف المال وأحله وأفضله وهو ما أخذه بظل رمحه وقائم
سيفه من أعداء الله الذين كان مال الله بأيديهم ظلما وعدوانا فإنه خلق
المال ليستعان به على طاعته وهو بأيدى الكفار والفجار ظلما وعدوانا فإذا
رجع الى أوليائه وأهل طاعته فاءاليهم ما خلق لهم ولكن لم يكن غنى رسول
الله وملكه من جنس غنى بنى الدنيا وأملاكهم فإن غناهم بالشيء وغناه عن
الشئ وهو الغنى العالى وملكهم ملك يتصرفون فيه بحسب إرادتهم وهو انما



يتصرف فى ملكه

ص -262- تصرف العبد الذى لا يتصرف الا بأمر سيده


وقد اختلف الفقهاء فى الفئ هل كان ملكا للنبى على قولين هما روايتان عن
أحمد والتحقيق أن ملكه له كان نوعا آخر من الملك وهو ملك يتصرف فيه بالأمر
كما قال: "والله لا أعطى أحدا ولا أمنع أحدا انما أنا قاسم اضع حيث امرت"
ذلك من كمال مرتبة عبوديته ولأجل ذلك لم يورث فإنه عبد محض من كل وجه لربه
عز وجل والعبد لا مال له فيورث عنه فجمع الله له سبحانه بين أعلى أنواع
الغنى وأشرف أنواع الفقر فكمل له مراتب الكمال فليست احدى الطائفتين بأحق
به من الأخرى
فكان فى فقره أصبر خلق الله وأشكرهم وكذلك فى غناه والله تعالى جعله قدوة
للأغنياء والفقراء وأى غنى أعظم من غنى من عرضت عليه مفاتيح كنوز الارض
وعرض عليه أن يجعل له الصفا ذهبا وخير بين أن يكون ملكا نبيا وبين أن يكون
عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا ومع هذا فجيبت اليه أموال جزيرة العرب
واليمن فأنفقها كلها ولم يستأثر منها بشئ بل تحمل عيال المسلمين ودينهم
فقال من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلى وعلى فرفع الله سبحانه قدره أن
يكون من جملة الفقراء الذين تحل لهم الصدقه كما نزهه أن يكون من جملة
الاغنياء الذين أغناهم بالاموال الموروثة بل أغناه به عن سواه وأغنى قلبه
كل الغنى ووسع عليه غاية السعة فأنفق غاية الانفاق وأعطى أجل العطايا ولا
استأثر بالمال ولا اتخذ منه عقارا ولا ارضا ولا ترك شاة ولا بعيرا ولا
عبدا ولا أمة ولا دينارا ولا درهما
فإذا احتج الغنى الشاكر بحاله لم يمكنه ذلك الا بعد أن يفعل فعله كما أن
الفقير الصابر اذا احتج بحاله لم يمكنه ذلك الا بعد أن يصبر صبره ويترك
الدنيا اختيارا لا اضطرارا فرسول الله وفى كل مرتبة من مرتبتى الفقر
والغنى حقها وعبوديتها وأيضا فإن الله سبحانه أغنى به الفقراء فما نالت
أمته الغنى إلا به وأغنى الناس من صار غيره به غنيا.



ص -263- قال على بن أبى رباح اللخمى: كنت عند مسلمة بن مخلد
الأنصارى وهو يومئذ على مصر وعبد الله بن عمرو بن العاص جالس معه فتمثل
مسلمة ببيت من شعر أبى طالب فقال لو أن ابا طالب رأى ما نحن فيه اليوم من
نعمة الله وكرامته لعلم أن ابن أخيه سيد قد جاء بخير فقال عبد الله بن
عمرو ويومئذ كان سيدا كريما قد جاء بخير فقال مسلمة ألم يقل الله تعالى
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ
عَائِلاً فَأَغْنَى} فقال عبد الله بن عمرو أما اليتيم فقد كان يتيما من
أبويه وأما لعيلة فكل ما كان بأيدى العرب الى القله يقول إن العرب كانت
كلها مقلة حتى فتح الله عليه وعلى العرب الذين اسلموا ودخلوا فى دين الله
أفواجا ثم توفاه الله قبل أن يتلبس منها بشئ ومضى وتركها وحذر منها ومن
فتنتها قال وذلك معنى قوله {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فلم
تكن الدنيا لترضيه وهو لا يرضاها كلها لأمته وهو يحذر منها وتعرض عليه
فيأباها وانما هو ما يعطيه من الثواب وما يفتح عليه وعلى أمته من ملك كسرى
وقيصر ودخول الناس فى الاسلام وظهور الدين إذا كان ذلك محبته ورضاه صلوات
الله وسلامه عليه
وروى سفيان الثورى عن الاوزاعى عن اسماعيل بن عبد الله بن عباس عن النبى
قال: "رأيت ما هو مفتوح بعدى كفرا كفرا فسرنى ذلك فنزلت والضحى والليل الى
قوله ولسوف يعطيك ربك فترضى" قال اعطى ألف قصر من لؤلؤ ترابها المسك فى كل
قصر ما ينبغى له
قالوا وما ذكرتم من الزهد فىالدنيا والتقلل منها فالزهد لا ينافى الغنى بل
زهد الغنى أكمل من زهد الفقير فإن الغنى زهد عن قدرة والفقير عن عجز
وبينهما بعد بعيد وقد كان رسول الله فى حال غناه أزهد الخلق وكذلك ابراهيم
الخليل كان كثير المال وهو أزهد الناس فى الدنيا.



ص -264- وقد روى الترمذى فى جامعه من حديث ابى ذر عن النبى قال:
"الزهادة فى الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعته ولكن الزهادة فى الدنيا
أن لا تكون بما فى يديك أوثق بما فى يد الله وأن تكون فى ثواب المصيبة إذا
أنت اصبت بها أرغب فى ثوابها لو أنها بقيت لك".
وسئل الإمام أحمد عن الرجل يكون معه ألف دينار وهل يكون زاهدا قال نعم
بشرط أن لا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت وقال بعض السلف الزاهد من لا
يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره وهذا من أحسن الحدود حقيقة مركبة من
الصبر والشكر فلا يستحق اسم الزاهد من لا يتصف بهما فمن غلب شكره لما وسع
عليه من الحلال وصبره لما عرض له من الحرام فهو الزاهد على الحقيقة بخلاف
من غلب عليه الحلال شكره والحرام صبره فكان شكره وصبره مغلوبين فإن هذا
ليس بزاهد
وسمعت شيخ الاسلام يقول الزهد تركك مالا ينفعك والورع تركك ما يضرك فالزهد
فراغ القلب من الدنيا لافراغ اليدين منها ويقابله الشح والحرص وهو ثلاثة
أقسام زهد فى الحرام وزهد فى الشبهات والمكروهات وزهد فى الفضلات فالاول
فرض والثانى فضل والثالث متوسط بينهما بحسب درجة الشبهة وان قويت التحق
بالاول والا فبالثالث وقد يكون الثالث واجبا بمعنى انه لا بد منه وذلك لمن
شمر الى الله والدار الآخرة فزهد الفضلة يكون ضرورة فإن إرادة الدنيا
قادحة فى إرادة الآخرة ولا يصح للعبد مقام الارادة حتى يفرد طلبه وارادته
ومطلوبه فلا ينقسم المطلوب ولا الطلب
أما توحيد المطلوب أن لا يتعلق طلبه وارادته بغير الله وما يقرب اليه
ويدنى منه وأما توحيده فى الطلب أن يستأصل الطلب والارادة نوازع الشهوات
وجواذب الهوى وتسكن الارادة فى أقطار النفس فتملأها فلا
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى