لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء السادس Empty كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء السادس {السبت 4 يونيو - 16:50}


ص -265- يدع فيها فضلا لغير الانجذاب الى جانب الحق جل جلاله
فتتمحض الارادة له ومتى تمحضت كان الزهد لصاحبها ضرورة فإنه يفرغه لعمارة
وقته وجمع قلبه على ماهو بصدده وقطع مواد طمعه اللاتى هى من أفسد شئ للقلب
بل اصل المعاصى والفساد والفجور كله من الطمع فالزهد يقطع مواده ويفرغ
البال ويملأ القلب ويستحث الجوارح ويذهب الوحشة التى بين العبد وبين ربه
ويجلب الانس به ويقوى الرغبة فى ثوابه إن ضعف عن الرغبة فى قربه والدنو
منه وذوق حلاوة معرفته ومحبته فالزاهد أروح الناس بدنا وقلبا فإن كان زهده
وفراغه من الدنيا قوة له فى إرادة الله والدار الآخرة بحيث فرغ قلبه لله
وجعل حرصه على التقرب إليه وشحه على وقته أن يضيع منه شئ فى غير ما هو
أرضى الله وأحب اليه كان من أنعم الناس عيشا واقرهم عينا وأطيبهم نفسا
وأفرحهم قلبا فإن الرغبة فى الدنيا تشتت القلب وتبدد الشمل وتطيل الهم
والغم والحزن فهى عذاب حاضر يؤدى الى عذاب منتظر أشد منه وتفوت على العبد
من النعم اضعاف ما يروم تحصيله بالرغبه فى الدنيا
قال الامام أحمد حدثنا الهيثم بن جميل حدثنا يعنى بن مسلم عن ابراهيم يعنى
بن ميسرة عن طاووس قال قال رسول الله: "ان الزهد فى الدنيا يريح القلب
والبدن وأن الرغبة فى الدنيا تطيل الهم والحزن" وانما تحصل الهموم والغموم
والأحزان من جهتين احداهما الرغبة فى الدنيا والحرص عليها والثانى التقصير
فى أعمال البر والطاعة
قال عبد الله بن أحمد حدثنى بيان بن الحكم حدثنا محمد بن حاتم عن بشر بن
الحارث قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن ليث عن الحكم قال قال رسول الله:
"اذا قصر العبد بالعمل ابتلاه الله عز وجل بالهم".
وكما أن الرغبة فى الدنيا أصل المعاصى الظاهرة فهى اصل معاصى القلب من
التسخط والحسد والكبر والفخر والخيلاء والتكاثر وهذا كله من



ص -266- امتلاء القلب بها لا من كونها فى اليد وامتلاء القلب بها
ينافى الشكر ورأس الشكر تفريغ القلب منها وامتداد المال كامتداد العمر
والجاه فخيركم فى الدنيا من طال عمره وحسن عمله فهكذا من امتد ماله وكثر
به خيره فنعم المرء وماله وجاهه اما أن يرفعه درجات واما أن يضعه درجات
وسر المسألة أن طريق الفقر والتقلل طريق سلامة مع الصبر وطريق الغنى
والسعة فى الغالب طريق عطب فإن اتقى الله فى ماله ووصل به رحمه وأخرج منه
حق الله وليس مقصورا على الزكاة بل من حقه اشباع الجائع وكسوة العارى
واغاثة الملهوف واعانة المحتاج والمضطر فطريقه طريق غنيمة وهى فوق السلامة
فمثل صاحب الفقر كمثل مريض قد حبس بمرضه عن أغراضه فهو يثاب على حسن صبره
على حبسه
وأما الغنى فخطره عظيم فى جمعه وكسبه وصرفه فإذا سلم كسبه وحسن أخذه من
وجهه وصرفه فى حقه كان أنفع له فالفقير كالمتعبد المنقطع عن الناس والغنى
المنفق فى وجوه الخير كالمعين والمعلم والمجاهد ولهذا جعله النبى قرين
الذى أتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها فهو أحد المحسودين الذين لا
ثالث لهما والجهلة يغبطون المنقطع المتخلى المقصور النفع على نفسه
ويجعلونه أولى بالحسد من المنفق والعالم المعلم
فإن قيل: فأيهما افضل: من يختار الغنى المتصدق والانفاق فى وجوه البر أم
من يختار الفقر والتقلل ليبعد عن الفتنة ويسلم من الآفة ويرفه قلبه على
الاستعداد للآخرة فلا يشغله بالدنيا أم من لا يختار لا هذا ولا ذاك بل
يختار ما اختاره الله له فلا يعين باختباره واحدا من الامرين؟.
قيل هذا موضع اختلف فيه حال السلف الصالح فمنهم من اختار المال للجهاد به
والانفاق وصرفه فى وجوه البر كعبد الرحمن بن عوف وغيره من مياسير الصحابه
وكان قيس بن سعد يقول اللهم انى من عبادك الذين لا يصلحهم الا الغنى ومنهم
من اختار الفقر والتقلل كأبى ذر



ص -267- وجماعة من الصحابه معه وهؤلاء نظروا الى آفات الدنيا
وخشوا الفتنة بها وأولئك نظروا الى مصالح الانفاق وثمراته العاجلة والآجلة
والفرقة الثالثة لم تختر شيئا بل كان اختيارها ما اختاره الله لها وكذلك
اختيار طول البقاء فى الدنيا لاقامة دين الله وعبادته فطائفة اختارته
وتمنته وطائفة أحبت الموت ولقاء الله والراحة من الدنيا وطائفة ثالثة لم
تختر هذا ولا ذاك بل اختارت ما يختاره الله لها وكان اختيارهم معلقا بما
يريده الله دون مراد معين منهم وهى حال الصديق رضى الله عنه فإنهم قالوا
له فى مرض موته ألا ندعو لك الطبيب فقال قد رآنى فقالوا فما قال لك قال
قال لى انى فعال لما أريد
والأولى حال موسى عليه السلام فإنه لما جاءه ملك الموت لطمه ففقأ عينه ولم
يكن ذلك حبا منه للدنيا والعيش فيها ولكن لينفذ أوامر ربه ويقيم دينه
ويجاهد أعداءه فكأنه قال لملك الموت أنت عبد مأمور وأنا عبد مأمور وأنا فى
تنفيذ أوامر ربى وإقامة دينه فلما عرضت عليه الحياة الطويلة وعلم أن الموت
بعدها اختار ما اختاره الله له
وأما نبينا صلوات الله وسلامه عليه فإن ربه أرسل إليه يخبره وكان أعلم
الخلق بالله فعلم أن ربه تبارك وتعالى يحب لقاءه ويختاره له فاختار لقاء
الله ولو علم أن ربه يحب له البقاء فى الدنيا لتنفيذ أوامره وإقامة دينه
لما اختار غير ذلك فكان اختياره تابعا لاختيار ربه عز وجل فكما أنه لما
خيره ربه عزوجل بين أن يكون ملكا نبيا وبين أن يكون عبدا نبيا وعلم أن ربه
يختار له أن يكون عبدا نبيا اختار ما اختاره الله له فكان اختياره فى جميع
أموره تابعا لاختيار الله له ولهذا يوم الحديبية احتمل ما احتمل من تلك
الحال فى ذاك الوقت ووفى هذا المقام حقه ولم يثبت عليه من كل وجه إلا
الصديق فلم يكن له اختيار فى سوى ما اختاره الله له ولأصحابه من تلك الحال
التى تقرر الأمر عليها فكان راضيا بها مختارا لها مشاهدا اختيار ربه لها
وهذا غاية



العبودية فشكر الله له ذلك وجعل شكرانه ما

ص -268- بشره به فى أول سورة الفتح حتى هنأه الصحابة به وقالوا هنيئا لك
يا رسول الله وحق له أن يهنأ بأعظم ما هنأ به بشر صلوات الله وسلامه عليه


فصل: ومما ينبغى أن يعلم أن كل حصلة من حصال الفضل قد أحل الله رسوله فى
أعلاها وخصه بذروة سنامها فإذا احتجت بحاله فرقة من فرق الأمة التى تعرفت
تلك الخصال وتقاسمتها على فضلها على عيرها أمكن الفرقة الأخرى أن تحتج به
على فضلها أيضا فإذا احتج به الغزاة والمجاهدون على أنهم افضل الطوائف
احتج به العلماء والفقهاء على مثل ما احتج به أولئك
واذا احتج به الزهاد والمتخلفون عن الدنيا على فضلهم احتج به الداخلون فى
الدنيا والولايه وسياسة الرعيه لاقامة دين الله وتنفيذ أمره
واذا احتج به الفقير الصابر احتج به الغنى الشاكر
واذا احتج به أهل العبادة على فضل نوافل العبادة وترجيحها احتج به
العارفون على فضل المعرفة
واذا احتج به أرباب التواضع والحلم احتج به أرباب العز والقهر المبطلين
والغلظه عليهم والبطش بهم
واذا احتج به ارباب الوقار والهيبه والرزانة احتج به أرباب الخلق الحسن
والمزاح المباح الذى لا يخرج عن الحق وحسن العشرة للأهل والأصحاب
وإذا احتج به أصحاب الصدع بالحق والقول به فى المشهد والمغيب احتج به
أصحاب المدارة والحياء والكرم أن يبادروا الرجل بما يكرهه فى وجهه
وإذا احتج به المتورعون على الورع المحمود احتج به الميسرون



ص -269- المسهلون الذين لا يخرجون عن سعة شريعته ويسرها وسهولتها
وإذا احتج به من صرف عنايته إلى إصلاح دينه وقلبه احتج به من راعى إصلاح
بدنه ومعيشته ودنياه فانه بعث لصلاح الدنيا والدين
وإذا احتج به من لم يعلق قلبه بالاسباب ولا ركن إليها احتج به من قام
بالاسباب ووضعها مواضعها وأعطاها حقها
وإذا احتج به من جاع وصبر على الجوع احتج به من شبع وشكر ربه على الشبع
واذا احتج به من اخذ بالعفو والصفح والاحتمال احتج به من انتقم فى مواضع
الانتقام
واذا احتج به من أعطى لله ووالى لله احتج به من منع لله وعادى لله
واذا احتج به من لم يدخر شيئا لغد احتج به من يدخر لأهله قوت سنه
واذا احتج به من يأكل الخشن من القوت والادم كخبز الشعير والخل احتج به من
يأكل اللذيذ الطيب كالشوى والحلوى والفاكهة والبطيخ ونحوه
وإذا احتج به من سرد الصوم احتج به من سرد الفطر فكان يصوم حتى يقال لا
يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم
واذا احتج به من رغب عن الطيبات والمشتهيات احتج به من أحب أطيب ما فى
الدنيا وهو النساء والطيب
وإذا احتج به من الان جانبه وخفض جناحه لنسائه احتج به من أدبهن وآلمهن
وطلق وهجر وخيرهن
واذا احتج به من ترك مباشرة أسباب المعيشة بنفسه احتج به من باشرها بنفسه
فأجرو استأجر وباع واشترى واستسلف وادان ورهن.



ص -270- واذا احتج به من يجتنب النساء بالكلية فى الحيض والصيام
احتج به من يباشر امرأته وهى حائض بغير الوطء ومن يقبل امرأته وهو صائم
واذا احتج به من رحم أهل المعاصى بالقدر احتج به من أقام عليهم حدود الله
فقطع السارق ورجم الزانى وجلد الشارب
واذا احتج به من أرباب الحكم بالظاهر احتج به ارباب السياسة العادلة
المبنية على القرائن الظاهرة فإنه حبس فى تهمة وعاقب فى تهمة
وأخبر عن نبى الله سليمان أنه عليه السلام حكم بالولد للمرأة بالقرينة
الظاهرة مع اعترافها لصاحبتها به فلم يحكم بالاعتراف الذى ظهر له بطلائه
بالقرينة وترجم أبو عبد الرحمن على الحديث ترجمتين احداهما قال التوسعه
للحاكم أن يقول للشئ الذى لا يفعله افعله ليستبين به الحق ثم قال الحكم
بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه اذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به
وكذلك الصحابة عملوا بالقرائن فى حياته وبعده فقال على رضى الله عنه
للمرأة التى حملت كتاب حاطب لتخرجن الكتاب أولا لاجردنك وحد عمر رضى الله
عنه فى الزنا بالحبل وفى الخمر بالرائحه
وحكى الله سبحانه عن شاهد يوسف حكاية مقرر غير منكر أنه حكم بقرينة شق
القميص من دبر على براءته وقال لابن أبى الحقيق وقد زعم ان النفقة أذهبت
كنز حيي بن أخطب: "العهد قريب والمال أكثر من ذلك" فاعتبر قرينتين دالتين
على بقاء المال وعاقبه حتى اقر به وجوز لأولياء القتيل أن يحلفوا على رجل
انه قتله ويقتلونه به بناء على القرائن المرجحة صدقهم وشرع الله سبحانه
رجم المرأة اذا شهد عليها زوجها فى اللعان وأبت أن تلاعن للقرينه الظاهرة
على صدقه
وشريعته طافحة بذلك لمن تأملها فالحكم بالقرائن الظاهرة من نفس شريعته وما
جاء به فهو حجة لقضاة الحق وولاة العدل كما أنه حجة على قضاة السوء وولاة
الجور والله المستعان.



ص -271- والمقصود بهذا الفصل أنه ليس الفقراء الصابرون بأحق به
من الاغنياء الشاكرين وأحق الناس به أعلمهم بسنته وأتبعهم لها وبالله
التوفيق.

عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء السادس Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء السادس {السبت 4 يونيو - 16:51}

الباب الخامس والعشرون في بيان الأمور المضادة للصبر والمنافية له
والقادحة فيه
الباب الخامس والعشرون: فى بيان الأمور المضادة للصبر والمنافية له
والقادحة فيه
لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى الى غير الله والقلب عن التسخط
والجوارح عن اللطم وشق الثياب ونحوها كان ما يضاده واقعا على هذه الجملة
فمنه الشكوى الى المخلوق فإذا شكى العبد ربه الى مخلوق مثله فقد شكى من
يرحمه الى من لا يرحمه ولا تضاده الشكوى الى الله كما تقدم فى شكاية يعقوب
الى الله مع قوله فصبر جميل وأما إخبار المخلوق بالحال فإن كان للاستعانة
بإرشاده أو معاونته والتوصل الى زوال صرورة لم يقدح ذلك فى الصبر كإخبار
المريض للطبيب بشكايته وإخبار المظلوم لمن ينتصر به بحاله وإخبار المبتلى
ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه وقد كان النبى إذا دخل على
المريض يساله عن حاله ويقول كيف نجدك وهذا استخبار منه واستعلام بحاله
وأما الأنين فهل يقدح في الصبر فيه روايتان عن الامام أحمد قال أبو الحسين
أصحهما الكراهة لما روى عن طاوس أنه كان يكره الأنين في المرض وقال مجاهد
كل شيء يكتب على ابن آدم مما يتكلم حتى أنينه في مرضه قال هؤلاء وإن
الأنين شكوى بلسان الحال ينافي الصبر
وقال عبد الله بن الامام أحمد قال لي أبي في مرضه الذي توفي فيه اخرج إلي
كتاب عبد الله بن ادريس فأخرجت الكتاب فقال أخرج أحاديث ليث بن أبي سليم
فأخرجت أحاديث ليث فقال اقرا على أحاديث ليث قال قلت لطلحة إن طاووس كان
يكره الأنين في المرض فلما سمع له أنين حتى مات فما سمعت أبي أن في مرضه
ذلك إلى ان توفي.


ص -272- والرواية الثانية أنه لا يكره ولا يقدح في الصبر قال بكر
بن محمد عن أبيه سئل احمد عن المريض يشكو ما يجد من الوجع فقال تعرف فيه
شيئا عن رسول الله قال نعم حديث عائشة وارأساه وجعل يستحسنه
وقال المروذي: دخلت على أبي عبد الله وهو مريض فسألته فتغرغرت عينيه وجعل
يخبرني ما مر به في ليلته من العلة
والتحقيق أن الأنين على قسمين انين شكوى فيكره وأنين استراحة وتفريج فلا
يكره والله أعلم
وقد روى في أثر: ان المريض إذا بدأ بحمد الله ثم أخبر بحاله لم يكن شكوى
وقال شقيق البلخي من شكى من مصيبة نزلت به إلى غير الله لم يجد في قلبه
حلاوة لطاعة الله أبدا
فصل: والشكوى نوعان: شكوى بلسان القال وشكوى بلسان الحال ولعلها أعظمها
ولهذا امر النبي من أنعم عليه أن يظهر نعمة الله عليه واعظم من ذلك من
يشتكي ربه وهو بخير فهذا امقت الخلق عند ربه
قال الامام أحمد حدثنا عبد الله بن زيد حدثنا كهمس عن عبد الله بن شقيق
قال قال كعب الاحبار أن من حسن العمل سبحة الحديث ومن شر العمل التحذيف
قيل لعبد الله: ما سبحة الحديث؟ قال سبحان الله وبحمده في خلال الحديث قبل
فما التحذيف قال يصبح الناس بخير فيسألون فيزعمون أنه بشر
فصل: ومما ينافي الصبر في شق الثياب عند المصيبة ولطم الوجه والضرب بإحدى
اليدين على الأخرى وحلق الشعر والدعاء بالويل ولهذا بريء النبي ممن صلق
وحلق وخرق صلق رفع صوته عند المصيبة



ص -273- وحلق رأسه وشق ثيابه ولا ينافيه البكاء والحزن قال الله
تعالى عن يعقوب {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
قال قتادة كظيم على الحزن فلم يقل إلا خيرا
وقال حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن النبي
قال: "ما كان من العين والقلب فمن الله والرحمة وما كان من اليد واللسان
فمن الشيطان".
وقال هشيم عن عبد الرحمن بن يحيي عن حسان بن أبي جبلة قال قال رسول الله:
"من بث فلم يصبر".
وقال خالد بن أبي عثمان: مات ابن لي فرآني سعد بن جبير متقنعا فقال إياك
والتقنيع فإنه من الاستكانة وقاتل بكر بن عبد الله المزني كان يقال من
الاستكانة الجلوس في البيت بعد المصيبة
وقال عبيد بن عمير: ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ولكن الجزع القول
السيء والظن السيء
وسئل القاسم بن محمد عن الجزع فقال: القول السيء والظن السيء ومات ابن
لبعض قضاة البصرة فاجتمع إليه العلماء والفقهاء فتذاكروا ما يتبين به جزع
الرجل من صبره فاجمعوا انه إذا ترك شيئا مما كان يصنعه فقد جزع
وقال الحسين ابن عبد العزيز الحوري مات ابن لي نفيس فقلت لأمه اتقي الله
واحتسبيه واصبري فقال مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع
وقال عبد الله بن المبارك أتى رجل يزيد بن يزيد وهو يصلي وإبنه في الموت
فقال ابنك يقضي وانت تصلي فقال الرجل إذا كان له عمل يعمله فتركه يوما
واحدا كان ذلك خللا في عمله.



ص -274- وقال ثابت: أصيب عبد الله بن مطرف بمصيبة فرايته أحسن شئ
شارة وأطيبه ريحا فذكرت له ما رأيت فقال تأمرنى يا أبا محمد أن أستكين
للشيطان وأريه أنه قد أصابنى سوء والله يا أبا محمد لو كانت لى الدنيا
كلها ثم أحذها منى ثم سقانى شربة يوم القيامة ما رايتها ثمنا لتلك الشربة
ومما يقدح فى الصبر اظهار المصيبة والتحدث بها وكتمانها رأس الصبر وقال
الحسن بن الصباح فى مسنده حدثنا خلف بن تميم حدثنا زافر بن سليمان عن عبد
العزيز بن أبى رواد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله: "من البر كتمان
المصائب والامراض والصدقة" وذكر أنه من بث الصبر فلم يصبر
وروى من وجه آخر عن الحسن يرفعه:من البر كتمان المصائب وما صبر من بث ولما
نزل فى احدى عينى عطاء الماء مكث عشرين سنة لا يعلم به أهله حتى جاء ابنه
يوما من قبل عينيه فعلم أن الشيخ قد أصيب
ودخل رجل على داود الطائى فى فراشه فرآه يرجف فقال انا لله وانا اليه
راجعون فقال مه لا تعلم بهذا أحدا وقد أقعد قبل ذلك اربعة أشهر لا يعلم
بذلك أحد وقال مغيرة شكى الاحنف الى عمه وجع ضرسه فكرر ذلك عليه فقال ما
تكرر على لقد ذهبت عينى منذ أربعين سنة فما شكوتها الى أحد
فصل: ويضاد الصبر الهلع وهو الجزع عند ورود المصيبة والمنع عند ورود
النعمة قال تعالى {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ
الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} وهذا تفسير الهلوع
قال الجوهرى: الهلع أفحش الجزع وقد هلع بالكسر فهو هلع وهلوع
وفى الحديث: "شر ما فى العبد شح هالع وجبن خالع".



ص -275- قلت هنا أمران: أمر لفظى وأمر معنوى فأما اللفظى فإنه
وصف الشح بكونه هالعا والهالع صاحبه وأكثر ما يسمى هلوعا ولا يقال هالع له
فإنه لا يتعدى ففيه وجهان:
أحدهما: أنه على النسب كقولهم ليل نائم وسر كاتم ونهار صائم ويوم عاصف كله
عند سيبويه على النسب أى ذو كذا كما قالوا تامر ولابن
والثانى: أن اللفظه غيرت عن بابها للازدواج مع خالع وله نظير
وأما المعنوى: فإن الشح والجبن أردى صفتين فى العبد ولا سيما اذا كان شحه
هالما أى ملق له فى الهلع وجبنه خالعا اى قد خلع قلبه من مكانه فلا سماحة
ولا شجاعة ولا نفع بماله ولا ببدنه كما يقال لا طعنة ولا جفنة ولا يطرد
ولا يشرد بل قد قمعه وصغره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع واذا
أردت معرفة الهلوع فهو الذى اذا اصابه الجوع مثلا أظهر الاستجاعه واسرع
بها واذا أصابه الالم اسرع الشكايه وأظهرها واذا أصابه القهر أظهر
الاستطامه والاستكانه وباء بها سريعا واذا اصابه الجوع أسرع الانطراح على
جنبه وأظهر الشكايه واذا بدا له مأخذ طمع طار اليه سريعا واذا ظفر به أحله
من نفسه محل الروح فلا احتمال ولا أفضال وهذا كله من صغر النفس ودناءتها
وتدسيسها فى البدن واخفائها وتحقيرها والله المستعان.



عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

الباب السادس والعشرون في بيان دخول الصبر في صفات الرب جل جلاله وتسميته
بالصبور والشكور


الباب السادس والعشرون
فى بيان دخول الصبر والشكر فى صفات الرب جل جلاله وتسميته بالصبور والشكور
ولو لم يكن للصبر والشكر من الفضيلة الا ذلك لكفى به
أما الصبر فقد أطلقه عليه أعرف الخلق به وأعظمهم تنزيها له بصيغة المبالغة
ففى الصحيحين من حديث الاعمش عن سعيد بن جبير عن أبى عبد الرحمن السلمى عن
ابى موسى عن النبى قال: "ما أحد أصبر على



ص -276- اذى سمعه من الله عز وجل يدعون له ولدا وهو يعافيهم
ويرزقهم".
وفى أسمائه الحسنى الصبور وهو من أمثلة المبالغة أبلغ من الصابر والصبار
وصبره تعالى يفارق صبر المخلوق ولا يماثله من وجوه متعددة منها أنه عن
قدرة تامة ومنها أنه لا يخاف الغوث والعبد انما يستعجل الخوف الغوث ومنها
أنه لا يلحقه بصبره ألم ولا حزن ولا نقص بوجه ما وظهور اثر الاسم فى
العالم مشهود بالعيان كظهور اسمه الحليم والفرق بين الصبر والحلم أن الصبر
ثمرة الحلم وموجبه فعلى قدر حلم العبد يكون صبره فالحلم فى صفات الرب
تعالى أوسع من الصبر ولهذا جاء اسمه الحليم فى القرآن فى غير موضع ولسعته
يقرنه سبحانه باسم العليم كقوله وكان الله عليما حليما والله عليم حليم
وفى أثر: أن حملة العرش أربعة: إثنان يقولان سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد
على حلمك بعد علمك وإثنان يقولان سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك
بعد قدرتك فإن المخلوق يحلم عن جهل ويعفو عن عجز والرب تعالى يحلم مع كمال
علمه ويعفو مع تمام قدرته وما أضيف شئ الى شئ أزين من حلم الى علم ومن عفو
الى اقتدار ولهذا كان فى دعاء الكرب وصف سبحانه بالحلم مع العظمة وكونه
حليما من لوازم ذاته سبحانه.
وأما صبره سبحانه فمتعلق بكفر العباد وشركهم ومسبتهم له سبحانه وأنواع
معاصيهم وفجورهم فلا يزعجه ذلك كله الى تعجيل العقوبة بل يصبر على عبده
ويمهله ويستصلحه ويرفق به ويحلم عنه حتى اذا لم يبق فيه موضع للصنيعه ولا
يصلح على الامهال والرفق والحلم ولا ينيب الى ربه ويدخل عليه لا من باب
الاحسان والنعم ولا من باب البلاء والنقم أخذه أخذ عزيز مقتدر بعد غاية
الأعذار اليه وبذل النصيحة له ودعائه اليه من كل باب وهذا كله من موجبات
صفة حلمه وهى صفة ذاتية له لا تزول.
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء السادس Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء السادس {السبت 4 يونيو - 16:52}


ص -277- وأما الصبر فإذا زال متعلقه كان كسائر الأفعال التى توجد
لوجود الحكمة وتزول بزوالها فتأمله فإنه فرق لطيف ما عثرت الحذاق بعشره
وقل من تنبه له ونبه عليه وأشكل على كثير منهم هذا الاسم وقالوا لم يأت فى
القرآن فأعرضوا عن الاشتغال به صفحا ثم اشتغلوا بالكلام فى صبر العبد
وأقسامه ولو أنهم أعطوا هذا الاسم حقه لعلموا أن الرب تعالى أحق به من
جميع الخلق كما هو أحق باسم العليم والرحيم والقدير والسميع والبصير والحى
وسائر أسمائه الحسنى من المخلوقين وأن التفاوت الذى بين صبره سبحانه
وصبرهم كالتفاوت الذى بين حياته وحياتهم وعلمه وعلمهم وسمعه وأسماعهم وكذا
سائر صفاته.
ولما علم ذلك أعرف خلقه به قال لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله فعلم
أرباب البصائر بصبره سبحانه كعلمهم برحمته وعفوه وستره مع أنه صبر مع كمال
علم وقدرة وعظمة وعزة وهو صبر من أعظم مصبور عليه فإن مقابلة أعظم العظماء
وملك الملوك وأكرم الأكرمين ومن احسانه فوق كل احسان بغاية القبح وأعظم
الفجور وأفحش الفواحش ونسبته الى كل ما لا يليق به والقدح فى كماله
وأسمائه وصفاته والإلحاد فى آياته وتكذيب رسله عليهم السلام ومقابلتهم
بالسب والشتم والأذى وتحريق أوليائه وقتلهم واهانتهم أمر لا يصبر عليه الا
الصبور الذى لا أحد اصبر منه ولا نسبة لصبر جميع الخلق من أولهم الى آخرهم
الى صبره سبحانه.
واذا اردت معرفة صبر الرب تعالى وحلمه والفرق بينهما فتأمل قوله تعالى ان
الله يمسك السموات والارض أن تزولا ولئن زالتا ان أمسكهما من أحد من بعده
إنه كان حليما غفورا وقوله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا
تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا
وقوله {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} على قراءة
من فتح اللام.



ص -278- فأخبر سبحانه أن حلمه ومغفرته يمنعان زوال السموات
والارض فالحلم وامساكهما أن تزولا هو الصبر فبحلمه صبر عن معالجة أعدائه.
وفى الآية اشعار بأن السموات والارض تهم وتستأذن بالزوال لعظم ما يأتى به
العباد فيمسكها بحلمه ومغفرته وذلك حبس عقوبته عنهم وهو حقيقة صبره تعالى
فالذى عنه الامساك هو صفة الحلم والامساك هو الصبر وهو حبس العقوبة ففرق
بين حبس العقوبة وبين ما صدر عنه حبسها فتأمله
وفى مسند الامام أحمد مرفوعا: "ما من يوم الا والبحر يستأذن ربه أن يغرق
بنى آدم" وهذا مقتضى الطبيعة لأن كرة الماء تعلو كرة التراب بالطبع ولكن
الله يمسكه بقدرته وحلمه وصبره
وكذلك خرور الجبال وتفطير السموات الرب تعالى يحبسها عن ذلك بصبره وحلمه
فإن ما يأتى به الكفار والمشركون والفجار فى مقابلة العظمة والجلال
والإكرام يقتضى ذلك فجعل سبحانه فى مقابلة هذه الاسباب أسبابا يحبها
ويرضاها ويفرح بها أكمل فرح وأتمه تقابل تلك الأسباب التى هي سبب زوال
العالم وخرابه فدفعت تلك الأسباب وقاومتها.
وكان هذا من آثار مدافعة رحمته لغضبه وغلبتها له وسبقها اياه فغلب اثر
الرحمة أثر الغضب كما غلبت الرحمة الغضب ولهذا استعاذ النبى بصفة الرضا من
صفة السخط وبفعل المعافاة من فعل العقوبة ثم جمع الامرين فى الذات اذ هما
قائمان بها فقال أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ بك منك
فإن ما يستعاذ به هو صادر عن مشيئته وخلقه بإذنه وقضائه فهو الذى أذن فى
وقوع الاسباب التى يستعاذ منها خلقا وكونا فمنه السبب والمسبب وهو الذى
حرك الانفس والابدان وأعطاها قوى التاثير وهو الذى أوجدها وأعدها ومدها
وسلطها على ما شاء وهو الذى يمسكها إذا شاء ويحول بينها وبين قواها
وتأثيرها.



ص -279- فتأمل ما تحت قوله: "أعوذ بك منك" من محض التوحيد وقطع
الالتفات الى غيره وتكميل التوكل عليه تعالى والاستعانة به وحده وافراده
بالخوف والرجاء ودفع الضر وجلب الخير وهو الذى يمس بالضر بمشيئته وهو الذى
يدفعه بمشيئته وهو المستعاذ بمشيئته من مشيئته وهو المعيذ من فعله بفعله
وهو الذى سبحانه خلق ما يصبر عليه وما يرضى به فاذا أغضبه معاصى الخلق
وكفرهم وشركهم وظلمهم ارضاه تسبيح ملائكته وعبادة المؤمنين له وحمدهم اياه
وطاعتهم له فيعيذ رضاه من غضبه
قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور
السموات والارض من نور وجهه وان مقدار يوم من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة
فتعرض عليه أعمالكم بالامس أول النهار اليوم فينظر فيها ثلاث ساعات فيطلع
منها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول ما يعلم بغضبه حملة العرش يجدونه يثقل
عليهم فتسبحه حملة العرش وسرادقات العرش والملائكة المقربون وسائر
الملائكة حتى ينفخ جبريل فى القرن فلا يبقى شئ الا يسمع فيسبحون الرحمن
ثلاث ساعات حتى يمتلئ الرحمن رحمة فتلك ست ساعات قال ثم يؤتى بالارحام
فينظر فيها ثلاث ساعات فذلك قوله تعالى هو الذى يصوركم فى الارحام كيف
يشاء ويهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا واناثا
ويجعل من يشاء عقيما فتلك تسع ساعات ثم يؤتى بالارزاق فينظر فيها ثلاث
ساعات فذلك قوله {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} وقوله
{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} قال هذا شأنكم وشأن ربكم + رواه أبو
القاسم الطبرانى فى السنة + وعثمان بن سعيد الدارمى وشيخ الاسلام الانصارى
وابن مندة وابن خزيمة وغيرهم
ولما ذكر سبحانه فى سورة الانعام أعداءه وكفرهم وشركهم وتكذيب



ص -280- رسله ذكر فى أثر ذلك شأن خليله ابراهيم وما اراه من
ملكوت السموات والارض وما حاج به قومه فى اظهار دين الله وتوحيده ثم ذكر
الانبياء من ذريته وأنه هداهم وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة ثم قال
{فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً
لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}.
فأخبر أنه سبحانه كما جعل فى الارض من يكفر به ويجحد توحيده ويكذب رسله
كذلك جعل فيها من عباده من يؤمن بما كفر به أولئك ويصدق بما كذبوا به
ويحفظ من حرماته ما أضاعوه وبهذا تماسك العالم العلوى والسفلى والا فلو
تبع الحق أهواء أعدائه لفسدت السموات والارض ومن فيهن ولخرب العالم ولهذا
جعل سبحانه من أسباب خراب العالم رفع الاسباب الممسكه له من الارض وهى
كلامه وبيته ودينه والقائمون به فلا يبقى لتلك الاسباب المقتضية لخراب
العالم أسباب تقاومها وتمانعها ولما كان اسم الحليم أدخل فى الاوصاف واسم
الصبور فى الافعال كان الحلم أصل الصبر فوقع الاستغناء بذكره فى القرآن عن
اسم الصبور والله أعلم.
فصل: وأما تسميته سبحانه بالشكور فهو فى حديث أبى هريرة وفى القرآن تسميته
شاكرا قال الله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} وتسميته أيضا
شكور.
قال الله تعالى {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} وقال تعالى {إِنَّ هَذَا
كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} فجمع لهم سبحانه بين
الأمرين أن شكر سعيهم وأثابهم عليه والله تعالى يشكر عبده إذا أحسن طاعته
ويغفر له اذا تاب اليه فيجمع للعبد بين شكره لإحسانه ومغفرته لاساءته انه
غفور شكور
وقد تقدم فى الباب العشرين ذكر حقيقة شكر العبد وأسبابه ووجوهه وأما شكر
الرب تعالى فله شأن آخر كشأن صبره فهو أولى بصفة الشكر من كل شكور بل هو
الشكور على الحقيقة فإنه يعطى
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء السادس Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء السادس {السبت 4 يونيو - 16:52}


ص -281- العبد ويوفقه لما يشكره عليه ويشكر القليل من العمل
والعطاء فلا يستقله أن يشكره ويشكر الحسنة بعشر أمثالها الى أضعاف مضاعفة
ويشكر عبده بقوله بأن يثنى عليه بين ملائكته وفى ملئه الأعلى ويلقى له
الشكر بين عباده ويشكره بفعله فإذا ترك له شيئا أعطاه أفضل منه وإذا بذل
له شيئا رده عليه أضعافا مضاعفة وهو الذى وفقه للترك والبذل وشكره على هذا
وذاك.
ولما عقر نبيه سليمان الخيل غضبا له اذ شغلته عن ذكره فاراد ألا تشغله مرة
أخرى أعاضه عنها متن الريح ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها فى مرضاته
أعاضهم عنها أن ملكهم الدنيا وفتحها عليهم.
ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن شكر له ذلك بأن مكن له فى الارض يتبوأ
منها حيث يشاء ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزقها أعداؤه شكر لهم ذلك
بأن أعاضهم منها طيرا خضرا أقر أرواحهم فيها ترد أنهار الجنة وتأكل من
ثمارها الى يوم البعث فيردها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه ولما بذل
رسله أعراضهم فيه لأعدائهم فنالوا منهم وسبوهم أعاضهم من ذلك بأن صلى
عليهم هو وملائكته وجعل لهم أطيب الثناء فى سمواته وبين خلقه فأخلصهم
بخالصة ذكرى الدار.
ومن شكره سبحانه أنه يجازى عدوه بما يفعله من الخير والمعروف فى الدنيا
ويخفف به عنه يوم القيامة فلا يضيع عليه ما يعمله من الاحسان وهو من أبغض
خلقه اليه ومن شكره أنه غفر للمرأة البغى بسقيها كلبا كان قد جهده العطش
حتى أكل الثرى وغفر لآخر بتنحيته غصن شوك عن طريق المسلمين.
فهو سبحانه يشكر العبد على احسانه لنفسه والمخلوق انما يشكر من أحسن اليه
وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذى أعطى العبد ما يحسن به الى نفسه وشكره
على قليله بالاضعاف المضاعفة التى لا نسبة لإحسان



ص -282- العبد اليها فهو المحسن بإعطاء الاحسان وإعطاء الشكر فمن
أحق باسم الشكور منه سبحانه!.
وتأمل قوله سبحانه { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ
وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} كيف تجد فى ضمن هذا
الخطاب أن شكره تعالى يأبى تعذيب عباده سدى بغير جرم كما يأبى اضاعة سعيهم
باطلا فالشكور لا يضبع أجر محسن ولا يعذب غير مسيء.
وفى هذا رد لقول من زعم أنه سبحانه يكلفه مالا يطيقه ثم يعذبه على مالا
يدخل تحت قدرته تعالى الله عن هذا الظن الكاذب والحسبان الباطل علوا كبيرا
فشكره سبحانه اقتضى أن لا يعذب المؤمن الشكور ولا يضيع عمله وذلك من لوازم
هذه الصفة فهو منزه عن خلاف ذلك كما ينزه عن سائر العيوب والنقائص التى
تنافى كماله وغناه وحمده
ومن شكر سبحانه أنه يخرج العبد من النار بأدنى مثقال ذرة من خير ولا يضيع
عليه هذا القدر ومن شكره سبحانه أن العبد من عباده يقوم له مقاما يرضيه
بين الناس فيشكره له وينوه بذكره ويخبر به ملائكته وعباده المؤمنين كما
شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام وأثنى به عليه ونوه بذكره بين عباده وكذلك
شكره لصاحب يس مقامه ودعوته اليه فلا يهلك عليه بين شكره ومغفرته الا هالك
فإنه سبحانه غفور شكور يغفر الكثير من الزلل ويشكر القليل من العمل.
ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة كان أحب خلقه اليه من اتصف بصفة
الشكر كما أن أبغض خلقه اليه من عطلها واتصف بضدها وهذا شأن اسمائه الحسنى
أحب خلقه اليه من اتصف بموجبها وأبغضهم اليه من اتصف باضدادها ولهذا يبغض
الكفور الظالم والجاهل والقاسي القلب والبخيل والجبان والمهين واللئيم وهو
سبحانه جميل يحب الجمال عليم يحب العلماء رحيم يحب الراحمين محسن يحب
المحسنين شكور يحب



ص -283- الشاكرين صبور يحب الصابرين جواد يحب أهل الجود ستار يحب
أهل الستر قادر يلوم على العجز والمؤمن القوى أحب اليه من المؤمن الضعيف
عفو يحب العفو وتر يحب الوتر وكل ما يحبه فهو من آثار اسمائه وصفاته
وموجبها وكل ما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها.

ص -284- خاتمة


يا من عزم على السفر إلى الله والدار الآخرة قد رفع لك علم فشمر إليه فقد
أمكن التشمير واجعل سيرك بين مطالعة منته ومشاهدة عيب النفس والعمل
والتقصير فما ابقى مشهد النعمة والذنب للعارف من حسنة يقول هذه منجيتى من
عذاب السعير ما المعول إلا على عفوه ومفغرته فكل أحد إليهما فقير أبوء لك
بنعمتك على وأبوء بذنبى فاغفر لى أنا المذنب المسكين وأنت الرحيم الغفور
ما تساوى أعمالك لو سلمت مما يبطلها أدنى نعمة من نعمه عليك وأنت مرتهن
بشكرها من حين أرسل بها إليك فهل رعيتها بالله حق رعايتها وهى فى تصريفك
وطوع يديك فتعلق بحبل الرجاء وادخل من باب التوبة والعمل الصالح انه غفور
شكور.
نهج للعبد طريق النجاة وفتح له أبوابها وعرفه طرق تحصيل السعادة وأعطاه
أسبابها وحذره من وبال معصيته وأشهده على نفسه وعلى غيره شؤمها وعقابها
وقال إن أطعت فبفضلى وأنا أشكر وإن عصيت فبقضائى وأنا أغفر إن ربنا لغفور
شكور.
أزاح عن العبد العلل وأمره أن يستعيذ به من العجز والكسل ووعده أن يشكر له
القليل من العمل ويغفر له الكثير من الزلل إن ربنا لغفور شكور أعطاه ما
يشكر عليه ثم يشكره على إحسانه إلى نفسه لا على إحسانه اليه ووعده على
إحسانه لنفسه أن يحسن جزاءه ويقربه لديه وأن يغفر له خطاياه إذا تاب منها
ولا يفضحه بين يديه ان ربنا لغفور شكور.
وثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعتها وعكفت بكرمه آمال المحسنين فما



ص -285- قطع طمعها وخرقت السبع الطباق دعوات التائبين والسائلين
فسمعها ووسع الخلائق عفوه ومغفرته ورزقه فما من دابة فى الارض الا على
الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ان ربنا لغفور شكور.
يجود على عبيده بالنوافل قبل السؤال ويعطى سائله ومؤمله فوق ما تعلقت به
منهم الآمال ويغفر لمن تاب اليه ولو بلغت ذنوبه عدد الآمواج والحصى
والتراب والرمال ان ربنا لغفور شكور
ارحم بعباده من الوالدة بولدها وأفرح بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التى
عليها طعامه وشرابه فى الأرض المهلكة اذا وجدها وأشكر للقليل من جميع خلقه
فمن تقرب اليه بمثقال ذرة من الخير شكرها وحمدها ان ربنا لغفور شكور تعرف
الى عباده بأسمائه وأوصافه وتحبب اليهم بحلمه وآلائه ولم تمنعه معاصيهم
بأن جاد عليهم بآلائه ووعد من تاب اليه وأحسن طاعته بمغفرة ذنوبه يوم
لقائه ان ربنا لغفور شكور.
السعادة كلها فى طاعته والأرباح كلها فى معاملته والمحن والبلايا كلها فى
معصيته ومخالفته فليس للعبد أنفع من شكره وتوبته ان ربنا لغفور شكور أفاض
على خلقه النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذى كتبه ان رحمته
تغلب غضبه ان ربنا لغفور شكور.
يطاع فيشكر وطاعته من توفيقه وفضله ويعصى فيحلم ومعصية العبد من ظلمه
وجهله ويتوب اليه فاعل القبيح فيغفر له حتى كأنه لم يكن قط من أهله ان
ربنا لغفور شكور.
الحسنة عنده بعشر أمثالها أو يضاعفها بلا عدد ولا حسبان والسيئة عنده
بواحدة ومصيرها الى العفو والغفران وباب التوبة مفتوح لديه منذ خلق
السموات والارض الى آخر الزمان ان ربنا لغفور شكور.
بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار وسماء عطاه لا تقلع عن الغيث بل هى
مدرار ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ان ربنا لغفور شكور.
لا يلقى وصاياه الا الصابرون ولا يفوز بعطاياه الا الشاكرون ولا يهلك

ص -286- عليه الا الهالكون ولا يشقى بعذابه الا المتمردون ان
ربنا لغفور شكور
فإياك أيها المتمرد أن ياخذك على غرة فإنه غيور واذا أقمت على معصيته وهو
يمدك بنعمته فاحذره فإنه لم يهملك لكنه صبور وبشراك ايها التائب بمغفرته
ورحمته أنه غفور شكور.
من علم أن الرب شكور تفوع فى معاملته ومن عرف أنه واسع المغفرة تعلق
بأذيال مغفرته ومن علم أن رحمته سبقت غضبه لم ييأس من رحمته ان ربنا لغفور
شكور.
من تعلق بصفة من صفاته أخذته بيده حتى تدخله عليه ومن سار اليه بأسمائه
الحسنى وصل اليه ومن أحبه أحب أسمائه وصفاته وكانت آثر شئ لديه حياة
القلوب فى معرفته ومحبته وكمال الجوارح فى التقرب إليه بطاعته والقيام
بخدمته والألسنة بذكره والثناء عليه بأوصاف مدحته فأهل شكره أهل زيادته
وأهل ذكره أهل مجالسته وأهل طاعته أهل كرامته وأهل معصيته لا يقنطهم من
رحمته إن تابوا فهو حبيبهم وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم يبتليهم بأنواع
المصائب ليكفر عنهم الخطايا ويطهرهم من المعائب انه غفور شكور.
والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى
وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله حمدا يملا السموات والارض ومابينهما وما
شاء ربنا من شيء بعد بمجامع حمده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم على نعمه
كلها ما علمنا منها وما لم نعلم عدد ما حمد الحامدون وغفل عن ذكره
الغافلون وعدد ما جرى به قلمه واحصاه كتابه واحاط به علمه.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد واله وصحبه اجمعين وعلى سائر الانبياء
والمرسلين ورضى الله عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى