لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : العاقبة في ذكر الموت الجزء الثانى - صفحة 2 Empty كتاب : العاقبة في ذكر الموت الجزء الثانى {السبت 4 يونيو - 19:52}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

فأنت إذا تذكرت بهذه الأذكار وأطلت لها الترداد والتكرار وأعملت فيها
النظر والاعتبار ورأيت أنك واحد من المذكورين ملك أو غير ذلك من أصناف
الناس ورأيت خلقك كخلقهم وصفتك كصفتهم وأنه لا بد ان يصيبك من الموت ما
أصابهم وينزل بك منه ما نزل بهم وأنت تشاهد بهذه الدار أنواع المصيبات
وأجناس البليات وضروبا من المهلكات وأن الموت واحد وأسبابه كثيرة
فمن رجل باشر الكفاح فتخللته الرماح وتمكنت من رقبته الصفاح وربما كان هذا
أسهلهم مماتا وأكرمهم وفاة
وثان قد طرح في أيدي أعدائه وأسلم لبلائه فقطعوه إربا إربا وفصلوه عضوا
عضوا
وثالث ردوا مشارع العقاب إليه وصبوا العذاب عليه وما مات حتى كان الموت
أحب عائد إليه وأكرم قادم يقدم عليه
ورابع قد أمسى أكيلة حوت في ظلمات البحار
وخامس فريسة أسد في موحشات القفار
إلى غير ذلك من الأمراض الصعبة والآلام الشاقة وما تظنه وما لا تظنه حتى
إن الرجل ليغص بالطعام ويشرق بالشراب فيكون في ذلك حتفه وتذهب فيه نفسه
كما قال القائل
( وما طريق الموت في ذا الورى ... واحدة بل جمة لاجبه )
( وربما لذ لامريء شربة ... فانقلبت وهي له شاربه )


وأسباب الموت أكثر من أن أحصيها لك وأعدها عليك ولا تدري ما
السبب الواصل
إليك منها ولا النصيب الذي قسم لك من جملتها وإنك لا تدري متى يهجم عليك
الموت فيقصمك ولا متى ينزل بك فيحطمك ولعله لا يمهلك حتى ينقضي نفسك
فأنت إذا واظبت على هذا تمكن ذكر الموت من قلبك وملكت القياد من نفسك
ونظرت بعون الله عز و جل في أمرك ومهدت المضجع من قبرك وأعددت به الأنيس
ليوم حشرك
وإلا فقد نبه من حذر وأعذر من أنذر ولا لوم إلا على المقصر والله المستعان
وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ولعلك تقول يا هذا قد أرعدت في ذكر الموت وأبرقت وطولت فيه وعرضت وعرضت في
كلامك بمن عرضت وأمرت بالتفكير فيه والاشتغال بذكره وجمع الهمم له وتقصير
الأمل والخوف من انقضاء الأجل
وأي فائدة في ذكر الموت وأنواعه وضيق العمر واتساعه وهذا أمر قد فرغ منه
وأعجزت الحيلة فيه
وكما تقول لي لا تكثر الاشتغال بأمر الرزق ولا تغتم له ولا تتفكر فيه فإنه
مقدر مفروغ منه وما ترزق يأتيك فكذلك الموت أيضا وأسبابه والعمر ومدته وكل
ذلك أمر مقدر مفروغ منه ما قدر علي يصيبني وما كتب علي يأتيني
فأقول نعم كلاهما قد سبق في الأزل وكتب في القسم الأول والسبب الذي كتب
عليك في الموت لن تتعداه والعمر الذي قسم لك لن تتخطاه
ولكن بين الأمرين في الاشتغال بهما فرقان وذلك أن الرزق المقدر المفروغ
منه لا يزيد فيه حرصك وكذا لا ينقص منه كسلك وعجزك وإن كانت له أسباب
ولطلبه أبواب فقد تتعلق بأسبابه وتأتيه في الظاهر من أبوابه فتكون أحد
المحرومين والمجتهدين والمجدودين فهذا أمر قد شوهد بالعيان وعلم به كل
إنسان فلا يفيدك الطلب إلا العناء والتعب



ولست بمأجور في ألم
الحرص ولا فيما تتحمل من مشقة الطلب لاكثر مما تحتاج إليه وربما تبرمت في
الحال ولم تنظر في المآل وسخطت قضاء الله وقدره عليك وحكمه فيك وإرادته لك
من أفعال الخير وأعمال البر وفي هذا ما فيه
وقد تؤجر فيما يصيبك من
ألم المشقة في طلب أكثر مما تحتاج إليه إذا كان لك فيه نية صالحة من صدقة
أو صلة رحم أو غير ذلك من أفعال الخير وأعمال البر
وأما إن كان سعيك ذلك للتكاثر والتفاخر ومحبة في المال فلا والحول والقوة
لله وحده
وأما ذكر الموت والتفكر فيه فإنه وإن كان أمرا مقدرا مفروغا منه فإنه
يكسبك بتوفيق الله سبحانه التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود
والاستعداد للموت والنظر فيما تقدم عليه وفيما يصير أمرك إليه ويهون عليك
مصائب الدنيا ويصغر عندك نوائبها فإن كان سبب موتك سهلا وأمره قريبا هينا
فهو ذاك وإن كانت الأخرى كنت مأجورا فيما تقاسيه مثابا على ما تتحمله
واعلم أن ذكر الموت وغيره من الأذكار إنما يكون بالقلب وإقبالك على ما
تذكره وإي فائدة لك رحمك الله في تحريك لسانك إذا لم يخطر بجنانك
وإنما مثل ذلك مثل من يكون في بعض أعضائه جراحة فيريد أن يداويها فيجعل
الدواء على عضو آخر صحيح ويدع العضو المريض ليس عليه شيء فانظر كيف يستريح
هذا بهذا التداوي ومتى يستريح إلا أن يأتيه البرء من بارئه والشفاء من
خالقه سبحانه وتعالى
أو مثل من يريد أن يوقظ نائما فيدعه في غمرة
نومه ويوقظ غيره فانظر كيف يستيقظ له ذلك الذي أراد إيقاظه بإيقاظ هذا
الآخر أو متى يستيقظ



وإنما سنة الله تعالى الجارية أن يقصد العضو
المريض بدوائه والنائم بما يوقظ به اللهم إلا أن يكون في إيقاظ هذا النائم
حركة عظيمة ومعالجة كثيرة تتعدى إلى ذلك النائم الآخر فيستيقظ فيكون إذن
كأنه قصده بالإيقاظ مع صاحبه وإما إن كانت حركته لا تتعداه فإن النائم
الآخر يبقى بحاله وفي غمرات نومه حتى يوقظه الذي أنامه ويحركه الذي أسكنه
تبارك وتعالى
وإنما مثل الذكر الذي يعقب التنبيه ويكون له معه البرء
من السقم والإيقاظ من النوم أن تحضر المذكور قلبك وتجمع له ذهنك وتجعله
نصب عينيك ومثالا حاضرا بين يديك وأن تنظر إلى كل ما تحبه من الدنيا من
ولد أو أهل أو جاه أو غير ذلك فتعلم أنه لا بد لك من مفارقته إما في
الحياة أو في الممات سنة الله الجارية وحكمه المطرد
وتشعر هذا قلبك وتفرغ له نفسك فتمنعها بذلك عن الميل إلى ذلك المحبوب
والتعلق به والهلكة بسببه
كما قيل يا ابن آدم لا تعلق قلبك بما يأخذه منك الفوت أو يأخذك أنت عنه
الموت
ونظر رجل إلى بني له صغير يمشي بين يديه فأعجبه حسنه وألهته حركته فقال يا
بني ولولا الموت لعلقت قلبي بك ولأكثرت من حبي لك
ونظر ابن مطيع يوما إلى داره فأعجبه حسنها فبكى ثم قال والله لولا الموت
لكنت بك مسرورا ولوا ما أصير إليه من ضيق القبر لقرت عيني بك ثم بكى حتى
ارتفع بكاؤه وعلا نحيبه
واعلم أن طول الأمل داء عضال ومرض مزمن ومتى
تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه ولم يفارقه داء ولا نجع فيه دواء بل
أعيا الأطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء
وقد روى في طول الأمل وذمه وفي التحريض على العمل والترغيب فيه ما في بعضه
الكفاية وما بأقل منه يوصل إلى المقصود بعون الله تعالى
قال الله تعالى ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون )



وقال عليه الصلاة و السلام لا يزال قلب الشيخ شابا في اثنتين حب
الدنيا وطول الأمل ذكره البخاري ومسلم وغيرهما
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال خط لنا
رسول الله صلى الله عليه و سلم خطا مربعا وقال هذا الأجل وخط في وسطه خطا
وقال هذا الإنسان وخط في عرضه يعني في جانبه خطوطا فقال هذه الأعراض وخط
خطا خارجا وقال هذا الأمل قال فالأعراض تنهشه وعينه إلى الأمل
يريد
عليه الصلاة و السلام أن الإنسان قد أحاط به أجله وأنه دائر به فحيثما
توجه لقيه وأن فتن الدنيا ومحنها تعترضه وتنهشه وتتلقاه وتستقبله وهو مع
ذلك بعيد الأمل مصروف النظر إليه
ويروى أنه عليه الصلاة و السلام
أخذ عودا فغرزه بين يديه وغرز عودا آخر إلى جنبه قريبا منه ثم أخذ عودا
ثالثا فغرزه بعيدا منه ثم قال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم
فقال هذا الانسان وأشار إلى العود الذي بين يديه وهذا الأجل وأشار إلى
العود الذي إلى جنبه ثم قال وذلك الأمل وأشار إلى العود الثالث البعيد
فالإنسان يتعاطى الأمل ويختلجه قبل ذلك الأجل
ويروى أن النبي صلى
الله عليه و سلم اطلع ذات يوم على الناس فقال ألا تستحيون من الله قالوا
وما ذاك يا رسول الله قال تجمعون ما لا تأكلون وتأملون مالا تدركون



وروى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال اشترى أسامة بن
زيد من زيد
بن ثابت وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل والذي
نفسي بيده ما طرفت عيني إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى تقبض روحي ولا
طعمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت ثم قال يا بني آدم
إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى فوالذي نفسي بيده إن ما توعدون لآت
وما أنتم بمعجزين
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان رسول
الله صلى الله عليه و سلم يهريق الماء فيتيمم بالتراب فأقول يا رسول الله
إن الماء منك قريب فيقول ما يدريني لعلي لا أبلغه ذكره الحارث بن أبي
أسامة في مسنده
وروى عنه عليه السلام أنه قال نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك
آخرها بالبخل والأمل
ومن كلام بعضهم أيها الجاري في أمله رويدك فإن الزمان يفتل قيدك وربما
صرعك قبل أن تنال ما به خدعك وقتلك قبل أن تستوفي أملك فأوردك منهل رداك
وأشمت بك عداك وأخذك بما كسبت يداك وربما أدركت ما طلبت واستوفيت ما أملت
فأخذك أخذة أسف قبل فل عرشك وهدم حوضك وأطبق سماءك وزلزل أرضك ورمى بك حيث
لا يرعى لك ذمة ولا تدركك رحمة ولا تنكشف عنك كربة ولا تنجلي عنك غمة
وأنشدوا
( أمل من دنياه ما أملا ... وقال ما قال لأن يفعلا )
( وصال في هذا الورى صولة ... بز بها الآخر والأولا )
( وطبق الأرض بفرسانه ... وهد منها شعفات الفلا )



( وقال هذي ثمرات المنى ... فليجنها الأفضل والأفضلا )
( فمن حريم فض ختامه ... ومن مليك في الثرى جندلا )
( حتى إذا بات على عرشه ... مستوفيا كل الذي أملا )
( صاح به صرف الردى صيحة ... ألقى بأعلى عرشه أسفلا )
( ودك في الأرض بإيوانه ... وزلزلت أرجاء ذاك الملا )
( ومر لا ينعش من عثرة ... إلا إلى ثمت إلا إلى )
( فلا سقت مصرعه مزنة ... ولا انجلت كربته لا ولا )
وخطب علي رضي الله عنه فقال ألا وإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع وان
الآخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ألا وإن
السبقة الجنة والغاية الموت ألا وإنكم في أيام مهل ومن ورائه أجل يحثه عجل
فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أمله ومن لم يعمل
في أيام مهله قبل حضور أجله ضره أمله وساءه عمله
وقال علي رضي الله
عنه ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد أشرفت مقبلة وإن لكل
واحدة منهما بنين فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ألا
وإن اليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل ألا وإن من أشد ما أخاف عليكم
خصلتين طول الأمل واتباع الهوى أما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة وأما اتباع
الهوى فإنه يصد عن سبيل الله
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه ثلاث
أعجبتني حتى أضحكتني وثلاث أحزنتني حتى أبكتني أما الثلاث الأول فمؤمل
دنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط
عليه رب العالمين أم راض عنه
أما الثلاث التي أحزنتني حتى أبكتني
ففراق محمد صلى الله عليه و سلم وفراق الأحبة أصحابه والوقوف بين يدي الله
تعالى ولا أدري أيؤمر بي إلى الجنة أم إلى النار
وقال أبو بكر زكريا
التيمي بينما هشام بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتى بحجر مكتوب فيه
باللسان العجمي فطلب من يقرؤه له فأتى بوهب بن

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : العاقبة في ذكر الموت الجزء الثانى - صفحة 2 Empty رد: كتاب : العاقبة في ذكر الموت الجزء الثانى {السبت 4 يونيو - 19:57}


وعلى الآخرة البقاء فلا فناء لما كتب الله عليه البقاء ولا بقاء
لما كتب
الله عليه الفناء فلا يغرنكم شاهد الدنيا من غائب الآخرة واقهروا طول
الأمل بقصر الأجل
وفي بعض الخطب المروية أيها الناس إن الآمال تطوى
والأعمار تفنى والأبدان تحت التراب تبلى وإن الليل والنهار يتراكضان
كتراكض البريد يقربان كل بعيد ويبليان كل جديد وفي ذلك عباد الله ما يلهي
عن الشهوات ويسلي عن اللذات ويرغب في الباقيات الصالحات
وفي بعض
الخطب أيضا أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعه
عليكم فرضيتم به فأجرتم وإن ذكرتموه في غنى نغصه عليكم فجدتم به فأثبتم إن
المنايا قاطعات الآمال والليالي مدنيات الآجال وإن المؤمن بين يومين يوم
قد مضى أحصى فيه عمله فختم عليه ويوم قد بقي لعله لا يصل إليه إن العبد
عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما أسلف وقلة غناء ما خلف ولعله من
باطل جمعه أو من حق منعه
وقال بعض الحكماء إن للباقي بالماضي معتبرا
وللآخر بالأول مزدجرا والسعيد لا يغتر بالطمع ولا يركن إلى الخدع ومن ذكر
المنية نسي الأمنية ومن أطال الأمل نسي العمل وغفل عن الأجل
وقال
بعض المفسرين في قول الله عز و جل ( فتنتم أنفسكم ) قال بالشهوات واللذات
( وتربصتم ) قال بالتوبة ( وارتبتم ) قال شككتم ( حتى جاء أمر الله ) قال
الموت ( وغركم بالله الغرور ) قال الشيطان
وكتب عمر بن عبد العزيز
رحمه الله إلى يزيد بن عبد الملك إياك أن تدركك الصرعة عند الغرة فلا تقال
العثرة ولا تمكن من الرجعة ولا يحمدك من خلفت على ما تركت ولا يعذرك من
تقدم عليه بما به اشتغلت



وقال بعض البلغاء لا تبت على غير وصية وإن كنت من جسمك في صحة
ومن عمرك في فسحة فإن الدهر خائن وكل ما هو كائن كائن
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما منكم من أحد إلا وهو ضيف وماله
عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة
وقال الحسن البصري رحمه الله يا عجبا لقوم أمروا بالزاد ونودي فيهم
بالرحيل وحشر أولهم على آخرهم وهم مع ذلك قعود يلعبون
وقال بعض الحكماء ليس من الدين عوض ولا من الإيمان بدل ولا من الجسد خلف
ومن كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن لم يسر
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيها الناس اتقوا الله الذي إن قلتم
سمع وإن أضمرتم علم وبادروا الموت الذي إن قمتم أخذكم وإن هربتم أدرككم
وكان عبد الله بن ثعلبة يقول في موعظته تضحك يا هذا ولعل أكفانك عند
القصار
وقال بعض الحكماء كل يجري من عمره إلى غاية تنتهي إليها مدة أجله وتنطوي
عليها صحيفة عمله فخذ من نفسك لنفسك وقس يومك بأمسك وكيف عن سيئاتك وزد في
حسناتك قبل أن تستوفي مدة الأجل وتقصر عن الزيادة في السعي والعمل
وفي كلام بعضهم أعلم رحمك الله أن أمانيك سترد عليك وترجع خائبة إليك وان
الساعات تهدم في جسدك وربما عاجلتك المنية في ساعتك أو في يومك أو في غدك
فأوقفتك على غشك وظلمك وأطالت في كربك وزادت في غمك وأرتك ما لم تعهد
وأشهدتك مشهدا ما مثله مشهد
وأنشد
( مرادك لا يصح ولا يتم ... إذا ما كنت للدنيا تدم )
( وما فرقت منها من أمان ... فلست وإن أصبت لها تضم )
( وما تبنيه في دنياك هذي ... ستلقاه من الأيام هدم )



( وجسمك ويك اسرعه انهداما ... وهل يبقى مع الساعات جسم )
( ومن تتبعه تابعة المنايا ... محال أن تبقي منه رسم )
( وليتك لم تكن إلا منون ... يضاعف بينها كرب وغم )
( ولكن بعدها يوم عصيب ... طويل الكرب ذكراه تصم )
( وما تلك الكروب كما عهدنا ... ولا هي ما يعبر عنه فهم )
( فلا تغتر بالأسماء جهلا ... فربت معنيين عليهما اسم )
( يسمى الكوكب الدري نجما ... ومنبسط النبات كذاك نجم )
وقال أبو عبيدة الناجي رحمه الله دخلنا على الحسن البصري رحمه الله في
يومه الذي مات فيه فقال مرحبا بكم وأهلا وحياكم الله بالسلام وأحلنا
وإياكم دار المقام هذه علانية حسنة إن صدقتم وصبرتم فلا يكونن حظكم من هذا
الأمر أن تسمعوه بهذه الآذان وتخرجوه من هذه الأفواه فإن من رأى محمدا صلى
الله عليه و سلم رآه غاديا ورائحا لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة
ولكن رفع له علم فشمر إليه الوحي الوحي النجاء النجاء علام تعرجون ارتبتم
ورب الكعبة كأنكم والأمر معا رحم الله امرأ جعل العيش عيشا واحدا فأكل
كسرة ولبس خلقا ولصق بالأرض واجتهد في العبادة وبكى على الخطيئة وفر من
العقوبة وطلب الرحمة حتى يأتيه أجله وهو على ذلك
وقال أبو محمد
الزاهد خرجنا في جنازة بالكوفة وخرج فيها داود الطائي رحمه الله فانتبذ
وقعد ناحية وهي تدفن فجئته فقعدت إليه قريبا منه فتكلم فقال من خاف الوعيد
قصر عليه البعيد ومن طال أمله ضعف عمله وكل ما هو آت قريب
واعلم يا أخي أن كل شيء شغلك عن الله فهو عليك مشؤوم وأعلم أن



أهل القبور إنما يندمون على ما يتركون ويفرحون بما يقدمون فما
عليه أهل
القبور يندمون أهل الدنيا عليه يقتتلون وفيه يتنافسون وعليه يتزاحمون
وقال محمد بن أبي توبة رحمه الله أقام معروف الكرخي رحمه الله الصلاة ثم
قال لي تقدم فقلت إن صليت لكم هذه الصلاة لم أصل لكم غيرها فقال لي أراك
تحدث نفسك أنك تعيش حتى تصلي صلاة أخرى أعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع
من خير العمل
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويل لمن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله
عظيم بطنته قليل فطنته عالم بأمر دنياه جاهل بأمر آخرته
وقال العلاء بن زياد رحمه الله تعالى لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت
وأنه استقال ربه فأقاله فليعمل بطاعة الله
وقال بعض الحكماء عجبت ممن يحزن على نقصان ماله ولا يحزن على نقصان عمره
وعجبت ممن الدنيا مدبرة عنه والآخرة مقبلة عليه كيف يشتغل بالمدبرة ويعرض
عن المقبلة
وقال بعضهم أيها الناس إن لكم معالم تستبقون إليها وإن
لكم موارد تردون عليها وإن الجديدين يسيران بكم وإن لم تسيروا ويسرعان بكم
وإن لم تسرعوا وإن قصاراكم الموت وإن بعد الشأو وامتدت الغاية وطال المدى
فرحم الله امرأ أضمر نفسه للسباق وساقها إلى الغاية أشد مساق واستعد للموت
قبل هجومه واخذ حذره منه قبل قدومه وانفد دموعه على ما تقدم قبل أن تزل به
القدم ويؤخذ بما علم وبما لم يعلم
وأنشد بعضهم من كلمة له
( لمن ورقاء بالوادي المريع ... تشب به تباريح الضلوع )
( على فينانة خضراء يصفو ... على أعطافها وشي الربيع )



( تردد صوت باكية عليها ... رماها الدهر في الأهل الجميع )
( فشتت شملها وأدال منه ... غراما عاث في قلب صريع )
( عجبت لها تكلم وهي خرسا ... وتبكي وهي جامدة الدموع )
( فهمت حديثها وفهمت أني ... من الخسران في أمر شنيع )
( أتبكي تلك إن فقدت أنيسا ... وتشرب منه بالكأس الفظيع )
( وها أنا لست أبكي فقد نفسي ... وتضييعي الحياة مع المضيع )
( ولو أني عقلت اليوم أمري ... لأرسلت المدامع بالنجيع )
( إلا يا صاح والشكوى ضروب ... وذكر الموت يذهب بالهجوع )
( لعلك أن تعير أخاك دمعا ... فما في مقلتيه من دموع )
وقال بلال بن سعد رحمه الله يقال لأحدنا تريد أن تموت فيقول لا فيقال له
لم فيقول حتى أتوب وأعمل صالحا فيقال له اعمل فيقول سوف أعمل فلا يحب أن
يموت ولا يحب أن يعمل فيؤخر عمل الله تعالى ولا يؤخر عمل الدنيا
وقال بعض الحكماء السعيد من صرف الله أمله إلى ما يبقى وقطعه عما يفنى
وأعانه في دار الفناء على عمارة دار البقاء
والويل الطويل والحسرة التي لا تزول لمن أعرض ونأى ولم ينه نفسه عن الهوى
وإن كان الكل من الله عز و جل فاللوم متوجه على المقصر وقد بدت عليه علامة
البعد وظهرت من أفعاله أمارة الطرد
وقال عيسى بن مريم عليه السلام عجبت لثلاثة لغافل وليس بمغفول عنه ومؤمل
دنيا والموت يطلبه وبان قصرا والقبر مسكنه
وقال بعض الحكماء ما انقضت ساعة من يومك إلا بقطعة من عمرك ونصيب من جسمك



وقال لقمان لابنه يا بني أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن
يفجأك
وقال الحسن رحمه الله ما رأيت يقينا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت مع
غفلتهم عنه وما رأيت صدقا أشبه بالكذب من قولهم إنا نطلب الجنة مع عجزهم
عنها وتفريطهم في طلبها
وقال بعضهم أيها الناس إن الحكم قد وجب وإن
الموت قد اقترب والعمر قد ذهب فكم من آسف عليه وناظر بعين الشفقة إليه وإن
في تلاشي العمر ما يقصر عن أمل الأريب ويجمع من هم اللبيب ويرسل من عبرات
الكئيب فرحم الله امرأ بكى على نفسه فليس يبكي عليها غيره ونظر إليها فليس
ينظر إليها سواه
وأنشدوا
( لبيك على الشبيبة من بكاها ... كما أبكي عليها ملء جفني )
( ومن يك بات ذا حزن عليها ... فمثلي فليبت في فرط حزن )
( ومن يك ساليا يوما فإني ... قطعت علائق السلوان عني )
( عجبت لمن يبكي رسم دار ... عفت أبياتها أو سير ظعن )
( ويترك نفسه يبكي عليها ... وقد جبلت على ضعف ووهن )
( وقد صاح الحمام بها أجيبي ... إلام وفيم ويلك ذا التأن )
( ومن بعد الحمام له حديث ... يريه من العجائب كل فن )
( حديث ما حديث ما حديث ... يبين له اليقين من التظني )
( وعمر ينقضي في غير شيء ... ولكن في المحال من التمني )
( ويعذلني إذا أرسلت دمعا ... على وجنات ذي خسر وغبن )



( ألا يا صاح والبلوى ضروب ... ودعتك للذي تهوى فدعني )
( إذا أنا لم أبك ذهاب عمري ... فمن هذا الذي يبكيه عني )
ولعلك أن تقول لو أني قصرت أملي كما تريده مني وقصر ذلك أمله وذاك أمله
وقصر الناس آمالهم وتركوا صناعاتهم وأسباب معيشتهم لخربت الأرض وهلك الناس
وفسد هذا العالم
فأقول نعم صدقت لو قصر الناس آمالهم بحيث يتركون
صناعاتهم والنظر في معيشتهم وعمارة دنياهم وأجمعوا على ذلك لكان ما قلت
ولكنهم لا يفعلون وليس بتقصيرك أنت أملك يقصر الناس آمالهم ولا بزمدك أنت
في الدنيا يزهد الناس كلهم فيها فلا تبك يا هذا ولا تشغل نفسك به ولا
يمنعك ذلك من تقصير أملك ولا من زهدك وإصلاح عملك وعليك بنفسك فعنها تسأل
وبالواجب عليها تطلب
وليس تقصيرك أملك بالذي يمنعك أن تطلب رزقك وإن
تشتغل بإصلاح نفسك ومعيشتك وتربية ولدك إلى غير ذلك من جميع منافعك بل
تقدر أن تجمع بينهما وذلك أن تنظر بمعونة الله عز و جل لك وتثبيته إياك
إلى غير ذلك من سبب معيشتك
فإن كان مما يتكرر كل يوم عملت فيه يومك وأخذت منه قوتك ولم تعول على أنك
تعيش غدا فإن أصبحت غدا عملت كذلك أيضا
وكذلك إن كان سببك مما يتم بعد أيام كثيرة أو يكون مما ينظر فيه السنة
كلها كالزراعة وغيرها نظرت فيه على كماله ولم تعول على أن تدرك إبانه وأن
تبلغ وقته وأوانه فإن بلغته كان الذي أردت وإن اخترمتك المنية دونه كان ما
عملت منه معونة لغيرك وتسهيلا لمن يأتي من بعدك
وتقدر أن تعمل السبب
الذي يكون فيه معيشتك كما وصفت لك وتقصر أملك عن تمامه سواء كان السبب مما
تعمل فيه سنة أو يوما أو أقل وكذلك سائر الناس لو كانوا هكذا لما هلكوا
ولا خربت الأرض ولا فسد هذا
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى