صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وجعل ينشد
( إن الطبيب بطبه ودوائه ... لا يستطيع دفاع مقدور القضا )
( ما للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يبرىء مثله فيما مضى )
( ذهب المداوي والمداوي والذي ... جلب الدواء وباعه ومن اشترى )
واشتد ضعفه عندما سمع كلام الطبيب وأرجف الناس بموته فلما بلغه ذلك دعا
بحمار ليركبه فلما صار عليه سقط ولم يقدر أن يثبت على السرج فقال صدق
المرجفون ثم دعا بأكفان فنشرت بين يديه فجعل يختار منها ما يصلح
ثم أمر بقبره فحفر فلما اطلع عليه جعل يقول ما أغنى عني ماليه هلك عني
سلطانيه
ومثل هذا القول مروي عن أبي شجاع فناخسرو بن عضد الدولة يروى أنه لما نزل
به الموت لم يسمع منه إلا قوله ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه ويروى
أنه قال قبل ذلك شعرا يمدح به نفسه منه قوله
( ليس شرب الراح إلا في المطر ... وغناء من جوار في السحر )
( غالبات سالبات للنهى ... ناعمات في تضاعيف الوتر )
( مبرزات الكأس من مطلعها ... ساقيات الراح من فاق البشر )
( عضد الدولة وابن ركنها ... ملك الأملاك غلاب القدر )
قال أبو منصور الثعالبي لم يفلح بعد هذا البيت يعني قوله عضد الدولة الخ
ولما حضرت أمير المؤمنين المأمون الوفاة أمر بجل دابته ففرش له فاصطجع
عليه ووضع الرماد على رأسه وجعل يقول يا من لا يزول ملكه ارحم اليوم من قد
زال ملكه
ويروى أنه قيل له في صباه إنك تموت في أرض يقال لها مد
رجلك فلما ولي الخلافة وأقام ما أقام غزا بلاد الروم فلما انصرف من غزاته
نزل بموضع فيه عين ماء عظيمة لها قعر عميق فاطلع فيها فرأى في قعرها حوتا
كبيرا فأمر به فأخرج وجعل بين يديه فانتفض الحوت انتفاضة فرشه
بما كان
عليه من الماء فأخذته قشعريرة وحم فسأل عن اسم الموضع الذي هو فيه فذكر له
اسم أعجمي قال فسروه ففسروه مد رجلك فلما سمع ذلك تفكر فيما قيل له فأيقن
بالموت فأمر بجل دابته ففرش له فاضطجع عليه وأمر أن يطاف به على هذه
الحالة وأمر المنادي أن يقول هذا القول يا من لا يزول ملكه ارحم اليوم من
قد زال ملكه
وكان المعتصم أخوه يقول عند موته وكان قد ولي بعده لو علمت أن عمري هكذا
قصير ما عملت ما عملت وجعل يقولها ويبكي
ولما حضرت المنتصر الوفاة جعل يضطرب فقالوا لا بأس عليك يا أمير المؤمنين
فقال تقولون هكذا لا بأس عليك ذهبت عني الدنيا والآخرة وتقولون لا بأس
عليك
ولما حضرت أمية بن أبي الصلت الوفاة أغمي عليه ثم أفاق وجعل يقول
( لبيكما لبيكما ... ها أنذا لديكما )
لا برىء فأعتذر ولا قوى فأنتصر ثم أغمى عليه وأفاق فجعل يقول
( إن تغفر الله تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما )
ثم أغمي عليه وأفاق فأنشأ يقول
( كل عيش وإن تطاول دهرا ... فمصيره إلى أن يزولا )
( ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا )
ولما حضرت عبد الله بن علي الوفاة قال ما إغفلني أمس عن مصرعي اليوم
وقال أبو سليمان الداراني دخلنا على عابد وقد حضره الموت وهو يبكي فقلنا
له ما يبكيك رحمك الله فأنشأ يقول
( وحق لمثلي بالبكا عند موته ... ومالي لا أبكي وموتي قد اقترب
)
( ولي عمل في اللوح أحصاه خالقي ... فإن لم يجد بالعفو صرت إلى العطب )
وقال عبد الله بن العلاء شهدت أعرابيا قد نزل به الموت فشخص ببصره ثم قال
( كل آت فإنه سوف يأتي ... أنت يا يموت هاذم اللذات )
( يرحم الله أعظما باليات ... أصبحت في عساكر الأموات )
ويروى أن ابن المنكدر رحمه الله عندما نزل به الموت بكى فقيل له ما يبكيك
فقال والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته ولكني أخاف أن أكون قد أذنبت ذنبا
حسبته هينا وهو عند الله عظيم
وقد روى عنه كلام آخر يدل على علو منزلته وارتفاع درجته
وقيل لجابر بن زيد عند موته ما تشتهي فقال نظرة إلى الحسن فجاء الحسن فلما
دخل عليه قيل له هذا الحسن فرفع طرفه وقال يا إخوتاه الساعة أفارقكم إما
إلى الجنة وإما إلى النار
وقال الحجاج بن يوسف الثقفي عند موته اللهم اغفر لي فإنهم يزعمون أنك لا
تفعل فكان عمر بن عبد العزيز تعجبه هذه الكلمة
وذكر ذلك للحسن البصري فقال أقالها قالوا نعم قال عسى
وقال سليمان التيمي دخلت على بعض أصحابنا وهو في الموت فرأيت من جزعه ما
ساءني فقلت هذا الجزع كله لماذا وقد كنت تحمد الله على كذا يعني على حالة
صالحة فقال ومالي لا أجزع ومن أحق مني بالجزع والله لو أتتني المغفرة من
الله عز و جل لأهمني الحياء منه فيما أفضيت به إليه
وقال بعض
الصالحين لغلامه وقد حضره الموت يا غلام شد كتافي وعفر بالتراب خدي ففعل
الغلام ثم قال دنا الرحيل اللهم لا براءة لي من ذنب ولا عذر لي فأعتذر به
ولا قوة فانتصر بها ثم قال أنت لي ثلاثا ثم صاح صيحة ومات
فسمعوا صوتا يقول في البيت استكان العبد لمولاه فقبله وأدناه
ولما حضرت محمد بن سيرين الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك فقال أبكي لتفريطي
في الأيام الخالية وقلة عملي للجنة العالية وما ينجيني من النار الحامية
ولما حضرت إبراهيم النخعي الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك فقال انتظر رسولا
من ربي يبشرني بالنار أو بالجنة
وقال حماد بن سعيد بن أبي عطية المذبوح لما حضر أبا عطية الموت جزع فقالوا
له أتجزع من الموت فقال وما لي لا أجزع وإنما هي ساعة فلا أدري أين يسلك
بي
ولما حضرت الوفاة فضيل بن عياض رحمه الله غشي عليه ثم أفاق وقال يا بعد
سفري وقلة زادي
وكان عامر بن قيس يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة فلما حضره الموت بكى فقيل له
ما يبكيك قال أبكي لقوله تعالى ( إنما يتقبل الله من المتقين )
وقد
تقدم عنه كلام آخر قاله عند الموت أيضا ولما نزل الموت بسليمان التيمي قيل
له أبشر فقد كنت مجتهدا في طاعة الله تعالى فقال لا تقولوا هكذا فإني لا
أدري ما يبدو لي من الله عز و جل فإنه يقول سبحانه وبدا لهم من الله ما لم
يكونوا يحتسبون قال بعضهم عملوا أعمالا كانوا يظنون أنها حسنات فوجدوها
سيئات
وكان الجنيد يقرأ القرأن وهو في سياق الموت ويصلي فختم فقيل
له في مثل هذه الحال يا أبا علي فقال ومن أحق مني بذلك وها هو ذا تطوى
صحيفة عملي ثم كبر ومات
وقيل له قل لا إله إلا الله فقال ما نسيته فأذكره
ولما نزل الموت ببشر الحافي وكان على عليائه من العبادة والزهادة شق عليه
وساءه ذلك فقيل له أتحب الحياة يا فلان فقال يا قوم القدوم على الله شديد
ولما حضر أبا سليمان الداراني الموت قال له أصحابه أبشر فإنك تقدم على رب
غفور رحيم فقال لهم ألا تقولون تقدم على رب يحاسبك بالصغير ويعاقبك
بالكبير
فأبو سليمان هذا غلب عليه الخوف في هذه الحالة فتكلم عن حاله
وقيل لرويم عند الموت قل لا إله إلا الله فقال ما أحسن غيرها وكان رويم
هذا من الصالحين ويروى أنه كان يدعو الطير فتجيبه
واحتضر بعض الصالحين فبكت امرأته فقال ما يبكيك قالت عليك أبكي قال إن كنت
باكية فابكي على نفسك فأما أنا فقد بكيت على هذا اليوم منذ أربعين سنة
ولما حضرت أبا علي الروذباري الوفاة وكان رأسه في حجر ابنته فاطمة ففتح
عينيه ثم قال هذه أبواب السماء قد فتحت وهذه الجنان قد زخرفت وهذا قائل
يقول يا أبا علي قد بلغناك الرتبة القصوى وإن لم تردها ثم قال
( وحقك لانظرت إلى سواك ... بعين مودة حتى أراك )
( أراك معذبي بفتور لحظ ... وبالخد المورد من حياك )
( أراك منعمي بجميل ظن ... وبالأمن المكرم من رضاك )
( فلو قطعتني في الحب إربا ... لما نظر الفؤاد إلى سواك )
وكان أبو علي هذا ممن يعبد الله لذاته وكان يقول لا أريد الجنة ونعيمها
إنما أريدك يا رب
وكذلك كان ممشاد الدينوري لما نزل به الموت جعل بعض المشايخ يدعو
له فضحك
وقال منذ ثلاثين سنة تعرض علي الجنة بما فيها فما نظرت إليها
ويروى أن بعض الصالحين ضحك عند موته وقال صادق يا وفي وفيت لي وما وفيت لك
ويروى عن عبد الله بن المبارك أنه لما احتضر نظر إلى السماء فضحك ثم قال
لمثل هذا فليعمل العاملون
ومثل هذا يروى عن بعض أصحاب ابن فورك وكان من الصالحين الكبار المجتهدين
أنه لما نزل به الموت شخص ببصره إلى السماء ثم قال يا ابن فورك لمثل هذا
فليعمل العاملون
وفتح ابن بنان عينيه عند الموت فقال ارتع فهذا مرتع الأحباب وخرجت روحه
ولما نزل الموت بأبي يعقوب النهرجوري رحمه الله قال له أبو الحسن المزين
قل لا إله إلا الله فتبسم أبو يعقوب وقال إياي تعني وعزة من لا يذوق الموت
ما بيني وبينه إلا حجاب العزة ثم خرجت روحه من ساعته
وكان أبو الحسن يأخذ بلحية نفسه ويقول يا حجام مثلك يلقن أولياء الله
الشهادة وكان إذا ذكر هذه القصة بكى
وقال الجنيد دخلت على سري السقطي رحمه الله تعالى عند الموت وكان ممن أحرق
قلبه الخوف فقلت له كيف تجدك فقال كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد
أصابني من طبيبي
قال الجنيد فأخذت المروحة لأروح عليه فقال كيف يجد روح المروحة من قلبه
يحترق ثم أنشد
( القلب محترق والدمع مستبق ... والكرب مجتمع والصبر مفترق )
( كيف القرار على من لا قرار له ... مما جناه الأسى والشوق والقلق )
ثم ذكر الله تعالى ومات رحمه الله
وقيل لذي النون عند موته ما تشتهي فقال أشتهي أن أعرفه تبارك وتعالى قبل
موتي بلحظة
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
لم يقل هذا القول ذو النون المصري رحمه الله لجهله بالله تعالى
لكنه كان
يستقل معرفته وصدق في هذا فشأن الله أجل وأعظم من أن يحاط بمعرفته أو يبلغ
كنه وصفه
ويروى عن عبد الله بن شبرمة أنه قال دخلت مع عامر الشعبي على مريض نعوده
فوجدنا لما به ورجل يلقنه الشهادة ويقول له
قل لا إله إلا الله وهو يكثر عليه فقال له الشعبي ارفق به فتكلم المريض
وقال إن يلقني أو لا يلقني فإني لا أدعها ثم قرأ ( وألزمهم كلمة التقوى
وكانوا أحق بها وأهلها ) فقال الشعبي الحمد لله الذي نجى صاحبنا
وحكى أن قوما من أصحاب الشبلي قالوا له عند موته قل لا إله إلا الله
فأنشد
( إن بيتا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السرج )
( وعليلا أنت زائره ... قد أتاه الله بالفرج )
( وجهك المأمول حجتنا ... يوم تأتي الناس بالحجج )
( لا أتاح الله لي فرجا ... يوم أدعو منك بالفرج )
يريد الشبلي أن القلب إذا امتلأ واشتغل بعظمة الله وجلاله لم يحتج إلى
منبه ينبهه ولا إلى مذكر يذكره
ويروى أن الجنيد بن محمد دخل على بعض المشايخ فوجده في سياق الموت فقال له
الجنيد قل لا إله إلا الله فنظر إليه الشيخ شزارا فأعاد عليه الجنيد فلم
يقلها فأعاد عليه فلم يتكلم فقال له الشيخ يا جنيد تذكرني بالتوحيد وأنا
منذ ثلاثين سنة أبكي عليه ولا أسلو عنه يا جنيد إني مشاهد
حبيبي ومستأنس به
ويروى أن إبراهيم بن أدهم دخل على بعض العباد يعوده فوجده في الموت أو في
مقدمات الموت فجعل العابد يتنفس ويتأسف فقال له إبراهيم علام تتأسف رحمك
الله فقال ما تأسفي على النقلة من دار الدنيا دار الأحزان والأسقام
والخطايا والذنوب ولكن أسفي على يوم أفطرته أو ليلة نمتها أو ساعة غفلت عن
ذكر الله فيها ولكن يا أخي إن وقع في هذا تقصير فلم يقع في التوحيد تقصير
ما عبدت سواه ولا وحدت غيره ولا سكن في قلبي محبة شيء إلا محبته
ودخل المزني على الشافعي رحمهما الله في مرضه الذي مات فيه فقال كيف أصبحت
يا أبا عبد الله فقال أصبحت من الدنيا راحلا وللإخوان مفارقا ولسيء عملي
ملاقيا ولكأس المنية شاربا وعلى ربي تبارك وتعالى واردا ولا أدري روحي
للجنة فأهنيها أو للنار فأعزيها ثم أنشد
( ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما )
( تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما )
( فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منه وتكرما )
( فلولاك لم يغو بإبليس عايد ... وكيف وقد أغوى صفيك آدما )
وقال عطاء بن يسار رحمه الله تعالى تبدى إبليس لعنه الله لعابد عند الموت
فقال له نجوت يا هذا فقال ما أمنتك بعد
ولما حضرت الحسن بن هانئ الوفاة أنشد
( دب في السقام سفلا وعلوا ... وأراني أموت عضوا فعضوا )
( ليس من ساعة مضت بي إلا ... نقصتني بمرها بي جزوا )
لهف نفسي على ليال وأيا ... م قضيتهن لعبا ولهوا )
( قد أسأت كل الإساءة فالـ ... لهم صفحا وغفرانا وعفوا )
ولما حضرت الوفاة أحمد بن خضرويه سئل عن مسألة فقال يا بني باب
أدقه منذ
خمس وسبعين سنة وها هو ذا يفتح لي الساعة ولا أدري بما يفتح لي بالسعادة
أم بالشقاوة فآن لي أوان الجواب
ويروى عن مالك بن دينار أنه دخل على
جار له وقد نزل به الموت فقال له الرجل يا مالك إني أرى جبلين من نار وأنا
أكلف الصعود عليهما قال مالك فسألت امرأته عن حاله فقالت كان له مكيالان
يأخذ بأحدهما ويعطي بالآخر قال فدعوت بهما فضربت أحدهما بالآخر فكسرتهما
ثم قلت له ما ترى قال ما أرى الأمر يزداد إلا شدة
وروى أن رجلا نزل به الموت وعند رأسه صندوق فيه مال فجعل يشير إليه ويقول
النار في الصندوق النار في الصندوق
ويروى أن طلحة بن عبيد الله القرشي عاد مريضا فوجده في الموت فسمع صوتا
وهو يقول
( ناد رب الدار ذا المال الذي ... جمع المال بحرص ما فعل )
فأجابه آخر
( كان في دار سواها نائما ... عللته بالمنى ثم انتقل )
ويروى أنه ما من ميت يموت إلا ويكلمه ملكاه اللذان يكتبان عمله في الدنيا
فإن كان مطيعا قالا له جزاك الله من صاحب خيرا فرب كلام حسن قد أسمعتناه
ورب مجلس خير قد أجلستناه ورب عمل صالح قد أحضرتناه فنحن لك اليوم على ما
تحب
وإن كان فاجرا قالا له جزاك الله من صاحب شرا فرب كلام قبيح قد
أسمعتناه ورب مجلس سوء قد أجلستناه ورب عمل سوء قد أحضرتناه فنحن لك اليوم
على ما تكره
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الباب الأول
من أخبار الأموات عند الموت
...
وروى أن عيسى عليه السلام مر برأس ميت فضربه برجله وقال تكلم بإذن الله
تعالى فتكلم وقال يا روح الله أنا ملك زمان كذا وكذا بينا أنا جالس على
سرير ملكي علي تاجي وحولي حشمي وخدمي وجندي إذ تبدى لي ملك الموت فزال مني
كل عضو على حياله وخرجت نفسي إليه فيا ليت ما كان من تلك الجموع كان فرقة
ويا ليت ما كان من ذلك الأنس وحشة
ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه
أنه قال كان داود عليه السلام رجلا غيورا وكان إذا خرج غلق الأبواب فغلق
ذات يوم أبوابه وخرج فأشرفت امرأته فإذا برجل في الدار فقالت من ادخل هذا
دارنا لئن جاء داود
ذكر مسلم بن الحجاج من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له أجب ربك فلطم
موسى عين ملك الموت ففقأها فرجع الملك إلى الله عز و جل فقال إنك أرسلتني
إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني قال فرد الله عليه عينه وقال ارجع
إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما
وارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة قال ثم مه قال ثم تموت قال فالآن من
قريب رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم فوالله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر
فرآه ليلقين منه عنتا فجاء داود فرآه فقال من أنت
فقال أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمنعني الحجاب قال فأنت إذن والله ملك
الموت ثم قبض روحه
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان إبراهيم
عليه السلام غيورا وكان له بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه فخرج ذات يوم
بعدما أغلق بابه فإذا هو برجل في جوف البيت فقال له من أدخلك دارنا قال
ادخلنيها ربها فقال أنا ربها قال ادخلنيها من هو أملك لها منك فقال له
إبراهيم من أنت من الملائكة قال ملك الموت فقال له هل تستطيع أن تريني
الصورة التي تقبض فيها روح المؤمن قال نعم فأعرض عني فأعرض عنه فإذا هو
بشاب فذكر من حسن وجهه وطيب ريحه فقال يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن عند
الموت إلا صورتك لكان حسبه ثم قبض روحه
قال وهب بن منبه كان ملك من
الملوك أراد الخروج إلى أرض له فلبس أحسن ثيابه وركب إفره دوابه وخرج في
خاصته وجنوده ورجاله فنفخ الشيطان فيه نفخة ملأه كبرا وعجبا فكان يمشي ولا
يلتفت إلى أحد من الناس كبرا و إعجابا بنفسه فتصدى له رجل رث الهيئة فسلم
عليه فلم يرد عليه السلام ولا التفت إليه فأخذ بلجام دابته فقال له ويلك
لقد تعاطيت أمرا عظيما كف يدك عن اللجام فقال له أنا ملك الموت فتغير لون
الملك ودهش واضطرب لسانه وقال سألتك إلا ما تركتني حتى أرجع إلى أهلي
وأودعهم وأقضي حاجتي منهم فقال لا والله لا رأيت أهلك أبدا وقبض روحه فخر
كخشبة ملقاة
ثم لقي آخر في مثل حاله إلا أنه كان متواضعا فتعرض له
فسلم عليه فرد عليه السلام فقال له إن لي إليك حاجة وأريد أن أذكرها لك في
أذنك فقال هات فأعطاه أذنه قال أنا ملك الموت فقال له مرحبا بمن طالت
غيبته علي فوالله ما كان غائب أحب إلي من أن ألقاه منك فقال له
ملك الموت
اقض حاجتك التي خرجت إليها قال لا هذه الحاجة أهم حوائجي ومالي حاجة أهم
علي ولا أحب إلي من لقاء الله عز و جل قال فاختر على أي حالة تريد أن أقبض
روحك قال وتقدر على ذلك قال بذلك أمرت قال فدعني حتى أتوضأ وأصلي وتقبل
روحي وأنا ساجد قال نعم فتوضأ وصلى ثم قبض روحه في سجوده
وقال بكر
بن عبد الله جمع رجل من بني إسرائيل مالا فلما أشرف على الموت قال لبنيه
أروني أصناف أموالي التي جمعت فأتي بشيء كثير فلما رآه بكى تحسرا فقال له
ملك الموت ما يبكيك فوالله ما أنا بخارج من منزلك حتى أفرق بين روحك وبدنك
فقال له أمهلني حتى أفرقه قال هيهات انقطعت المهلة فهلا كان هذا قبل حضور
أجلك ثم قبض روحه
ويروى أن رجلا جمع مالا فأوعى ولم يدع صنفا من
أصناف المال إلا اتخذه ثم ابتنى قصرا وجعل عليه حجابا وحراسا ثم جمع أهله
وعياله وصنع لهم طعاما وقعد على سريره ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهم
يأكلون ثم قال يا نفسي تنعمي سنين فقد جمعت لك ما يكفيك فما فرغ من كلامه
حتى أقبل ملك الموت في هيئة رجل عليه خلقان من الثياب فقرع الباب بشدة
عظيمة فوثب إليه الغلمان فقالوا له ويلك ما شأنك ومن أنت فقال ادعوا إلي
مولاكم قالوا إلى مثلك يخرج مولانا
قال نعم فأخبروا مولاهم فقال هلا
فعلتم به وفعلتم فقرع الباب قرعة أشد من الأولى فوثب إليه الحرس فقال
أخبروه أني ملك الموت فلما سمعوه ألقى عليهم الرعب ووقع على مولاهم الذل
والخشوع فقال قولوا له يدخل وقولوا له قولا لينا فدخل فقال له اصنع بمالك
ما أنت صانع فإني لست بخارج عنك حتى أخرج بنفسك فأمر بماله فجمع فلما رآه
قال لعنك الله من مال فأنت شغلتني عن عبادة ربي ومنعتني عن النظر لنفسي
فأنطق الله عز و جل المال فقال لم تسبني وبي جلست مجالس الملوك وبي نكحت
المتنعمات وبي
فعلت وفعلت وكنت تنفقني في سبيل الشر فلا أمتنع
منك ولو أنفقتني في سبيل الخير وطريق البر لنفعتك اليوم ثم قبض ملك الموت
روحه فسقط ميتا
وقال يزيد الرقاشي بينما جبار من جبابرة بني إسرائيل
في منزلة قد خلا ببعض أهله إذ رأى شخصا قد دخل عليه من باب بيته فوثب عليه
مغضبا فقال له ويلك من أنت ومن أدخلك داري وما حملك على الهجوم علي في
بيتي فقال له أما الذي أدخلني الدار فربها أنا الذي لا يمنعني الحجاب ولا
استأذن على الملوك ولا أخاف صولة السلاطين فأسقط في يد الجبار وأرعد حتى
سقط منكبا على وجهه ثم رفع رأسه إليه مستخذيا متذللا فقال له فأنت إذن ملك
الموت قال أنا هو قال فهل أنت ممهلني حتى أحدث عهدا قال هيهات انقطعت مدتك
وانقضت أنفاسك ونفدت ساعاتك فليس إلى إمهالك سبيل قال فإلى أين أذهب قال
إلى عملك الصالح الذي قدمت وإلى بيتك الحسن الذي مهدت قال فإني لم أقدم
عملا صالحا ولا مهدت بيتا حسنا قال فإلى لظى نزاعه للشوى ثم قبض روح فسقط
بين أهله فمن صارخة تصرخ وباكية تبكي
قال يزيد ولو يعلمون سوء المنقلب لكان العويل أعظم والبكاء أكثر
من أخبار الأموات عند الموت
...
وروى أن عيسى عليه السلام مر برأس ميت فضربه برجله وقال تكلم بإذن الله
تعالى فتكلم وقال يا روح الله أنا ملك زمان كذا وكذا بينا أنا جالس على
سرير ملكي علي تاجي وحولي حشمي وخدمي وجندي إذ تبدى لي ملك الموت فزال مني
كل عضو على حياله وخرجت نفسي إليه فيا ليت ما كان من تلك الجموع كان فرقة
ويا ليت ما كان من ذلك الأنس وحشة
ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه
أنه قال كان داود عليه السلام رجلا غيورا وكان إذا خرج غلق الأبواب فغلق
ذات يوم أبوابه وخرج فأشرفت امرأته فإذا برجل في الدار فقالت من ادخل هذا
دارنا لئن جاء داود
ذكر مسلم بن الحجاج من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له أجب ربك فلطم
موسى عين ملك الموت ففقأها فرجع الملك إلى الله عز و جل فقال إنك أرسلتني
إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني قال فرد الله عليه عينه وقال ارجع
إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما
وارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة قال ثم مه قال ثم تموت قال فالآن من
قريب رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم فوالله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر
فرآه ليلقين منه عنتا فجاء داود فرآه فقال من أنت
فقال أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمنعني الحجاب قال فأنت إذن والله ملك
الموت ثم قبض روحه
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان إبراهيم
عليه السلام غيورا وكان له بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه فخرج ذات يوم
بعدما أغلق بابه فإذا هو برجل في جوف البيت فقال له من أدخلك دارنا قال
ادخلنيها ربها فقال أنا ربها قال ادخلنيها من هو أملك لها منك فقال له
إبراهيم من أنت من الملائكة قال ملك الموت فقال له هل تستطيع أن تريني
الصورة التي تقبض فيها روح المؤمن قال نعم فأعرض عني فأعرض عنه فإذا هو
بشاب فذكر من حسن وجهه وطيب ريحه فقال يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن عند
الموت إلا صورتك لكان حسبه ثم قبض روحه
قال وهب بن منبه كان ملك من
الملوك أراد الخروج إلى أرض له فلبس أحسن ثيابه وركب إفره دوابه وخرج في
خاصته وجنوده ورجاله فنفخ الشيطان فيه نفخة ملأه كبرا وعجبا فكان يمشي ولا
يلتفت إلى أحد من الناس كبرا و إعجابا بنفسه فتصدى له رجل رث الهيئة فسلم
عليه فلم يرد عليه السلام ولا التفت إليه فأخذ بلجام دابته فقال له ويلك
لقد تعاطيت أمرا عظيما كف يدك عن اللجام فقال له أنا ملك الموت فتغير لون
الملك ودهش واضطرب لسانه وقال سألتك إلا ما تركتني حتى أرجع إلى أهلي
وأودعهم وأقضي حاجتي منهم فقال لا والله لا رأيت أهلك أبدا وقبض روحه فخر
كخشبة ملقاة
ثم لقي آخر في مثل حاله إلا أنه كان متواضعا فتعرض له
فسلم عليه فرد عليه السلام فقال له إن لي إليك حاجة وأريد أن أذكرها لك في
أذنك فقال هات فأعطاه أذنه قال أنا ملك الموت فقال له مرحبا بمن طالت
غيبته علي فوالله ما كان غائب أحب إلي من أن ألقاه منك فقال له
ملك الموت
اقض حاجتك التي خرجت إليها قال لا هذه الحاجة أهم حوائجي ومالي حاجة أهم
علي ولا أحب إلي من لقاء الله عز و جل قال فاختر على أي حالة تريد أن أقبض
روحك قال وتقدر على ذلك قال بذلك أمرت قال فدعني حتى أتوضأ وأصلي وتقبل
روحي وأنا ساجد قال نعم فتوضأ وصلى ثم قبض روحه في سجوده
وقال بكر
بن عبد الله جمع رجل من بني إسرائيل مالا فلما أشرف على الموت قال لبنيه
أروني أصناف أموالي التي جمعت فأتي بشيء كثير فلما رآه بكى تحسرا فقال له
ملك الموت ما يبكيك فوالله ما أنا بخارج من منزلك حتى أفرق بين روحك وبدنك
فقال له أمهلني حتى أفرقه قال هيهات انقطعت المهلة فهلا كان هذا قبل حضور
أجلك ثم قبض روحه
ويروى أن رجلا جمع مالا فأوعى ولم يدع صنفا من
أصناف المال إلا اتخذه ثم ابتنى قصرا وجعل عليه حجابا وحراسا ثم جمع أهله
وعياله وصنع لهم طعاما وقعد على سريره ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهم
يأكلون ثم قال يا نفسي تنعمي سنين فقد جمعت لك ما يكفيك فما فرغ من كلامه
حتى أقبل ملك الموت في هيئة رجل عليه خلقان من الثياب فقرع الباب بشدة
عظيمة فوثب إليه الغلمان فقالوا له ويلك ما شأنك ومن أنت فقال ادعوا إلي
مولاكم قالوا إلى مثلك يخرج مولانا
قال نعم فأخبروا مولاهم فقال هلا
فعلتم به وفعلتم فقرع الباب قرعة أشد من الأولى فوثب إليه الحرس فقال
أخبروه أني ملك الموت فلما سمعوه ألقى عليهم الرعب ووقع على مولاهم الذل
والخشوع فقال قولوا له يدخل وقولوا له قولا لينا فدخل فقال له اصنع بمالك
ما أنت صانع فإني لست بخارج عنك حتى أخرج بنفسك فأمر بماله فجمع فلما رآه
قال لعنك الله من مال فأنت شغلتني عن عبادة ربي ومنعتني عن النظر لنفسي
فأنطق الله عز و جل المال فقال لم تسبني وبي جلست مجالس الملوك وبي نكحت
المتنعمات وبي
فعلت وفعلت وكنت تنفقني في سبيل الشر فلا أمتنع
منك ولو أنفقتني في سبيل الخير وطريق البر لنفعتك اليوم ثم قبض ملك الموت
روحه فسقط ميتا
وقال يزيد الرقاشي بينما جبار من جبابرة بني إسرائيل
في منزلة قد خلا ببعض أهله إذ رأى شخصا قد دخل عليه من باب بيته فوثب عليه
مغضبا فقال له ويلك من أنت ومن أدخلك داري وما حملك على الهجوم علي في
بيتي فقال له أما الذي أدخلني الدار فربها أنا الذي لا يمنعني الحجاب ولا
استأذن على الملوك ولا أخاف صولة السلاطين فأسقط في يد الجبار وأرعد حتى
سقط منكبا على وجهه ثم رفع رأسه إليه مستخذيا متذللا فقال له فأنت إذن ملك
الموت قال أنا هو قال فهل أنت ممهلني حتى أحدث عهدا قال هيهات انقطعت مدتك
وانقضت أنفاسك ونفدت ساعاتك فليس إلى إمهالك سبيل قال فإلى أين أذهب قال
إلى عملك الصالح الذي قدمت وإلى بيتك الحسن الذي مهدت قال فإني لم أقدم
عملا صالحا ولا مهدت بيتا حسنا قال فإلى لظى نزاعه للشوى ثم قبض روح فسقط
بين أهله فمن صارخة تصرخ وباكية تبكي
قال يزيد ولو يعلمون سوء المنقلب لكان العويل أعظم والبكاء أكثر
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الباب الثاني
ما يستحب من أحوال الميت عند الموت وفي تلقين الشهادتين للمسلم
وغيره وما
يستحب للمسلم من الرجاء وحسن الظن بالله عند الموت
اعلم رحمك الله أن المحبوب من حال الميت عند الموت أن يعلوه الهدوء
والسكون ومن لسانه الكلمة بالشهادتين ومن قلبه حسن الظن بالله تعالى
وذكر الترمذي من حديث بريدة بن حصيب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
المؤمن يموت بعرق الجبين ويروى في خبر أنه قال ارقبوا الميت عند ثلاث إذا
رشح جبينه وإذا ذرفت عيناه ويبست شفتاه فذلك من رحمه الله نزلت به وإذا غط
غطيط المخنوق واحمر لونه واربدت شفتاه فهو من عذاب الله نزل به
وأما انطلاق لسانه بالشهادتين فهو علامة الخير ودليل السعادة وأمارة
الاتصال بالحضرة الإلهية
وذكر أبو داود من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة
وذكر أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من
مات وهو
يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة
وذكر أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقنوا
موتاكم لا إله إلا الله
وذكر مسلم من حديث عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة
ومن غير كتاب مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال حضر ملك الموت رجلا فنظر في عمله فلم يجد له شيئا ففك لحييه فوجد
طرف لسانه لاصقا بحنكه يقول لا إله إلا الله فغفر الله له بكلمة الإخلاص
وقال عمر رضي الله عنه احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله فإنهم يرون
ما لا ترون
وذكر مسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة
جاءه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله
بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عم قل لا
إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي
أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله يعرضها عليه
ويعيدان له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به هو على ملة عبد
المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك
فأنزل الله عز و جل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو
كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم
وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم إنك لا تهدي
من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
ويروى عن أنس بن مالك أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي فمرض
فأتاه صلى
الله عليه و سلم يعوده فقعد عند رأسه فعرض عليه الإسلام فقال له أسلم فنظر
الغلام إلى أبيه وهو عنده فقال له أبوه أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي
وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه بي من النار
ذكر هذا الحديث البخاري وأبو داود وغيرهما
وينبغي أن لا يلح على الميت بتلقين الشهادتين قال ابن المبارك لقنوا الميت
لا إله إلا الله فإن قالها فدعوه ولأنه يخاف عليه إذا ألح عليه بها أن
يبرم ويضجر ويثقلها الشيطان عليه فيكون ذلك سببا لسوء الخاتمة
ذكر
أبو بكر الدينوري في كتاب المجالسة عن الحسن بن عيسى قال لما حضرت ابن
المبارك الوفاة قال لنصر مولاه أجعل رأسي على التراب قال فبكى نصر فقال ما
يبكيك قال ذكرت ما كنت فيه من النعيم وأنت هذا تموت فقيرا غريبا فقال اسكت
فإني سألت الله أن يحييني حياة السعداء ويميتني ميتة الفقراء ثم قال لقني
الشهادة ولا تعد علي إلا أن أتكلم بكلام ثان
والمقصود أن يموت الرجل
ولا يكون في قلبه إلا الله وحده لأن المدار على القلب وعمل القلب هو الذي
ينظر فيه وتكون النجاة بسببه وأما حركة اللسان دون أن تكون ترجمة عما في
القلب فلا فائدة فيها ولا خير عندها
وأما حسن الظن بالله تعالى عند الموت فواجب قال عليه الصلاة و السلام لا
يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ذكره مسلم
وقال عبد الله بن مسعود والذي لا إله غيره لا يحسن أحدكم الظن بالله إلا
أعطاه الله ظنه وذلك أن الخير بيده
وقال عبد الله بن عباس إذا رأيتم الرجل قد نزل به الموت فبشروه حتى يلقى
ربه وهو حسن الظن بالله تعالى وإذا كان حيا فخوفوه بربه واذكروا له شدة
عقابه
وقال المعتمر بن سليمان قال لي أبي عند موته يا معتمر حدثني
بالرخص لعلي أن ألقى الله تعالى وأنا حسن الظن به
وكانوا يستعجبون أن يذكروا العبد بمحاسن عمله عند موته كي يحسن الظن بربه
وقال الفضيل بن عياض ما دمت حيا فلا يكن شيء عندك أخوف من الله عز و جل
وإذا نزل بك الموت فلا يكن عندك شيء أرجى من الله عز و جل
ويروى أن حذيفة بن اليمان لما نزل به الموت قال حبيب جاء على فاقة قد كنت
قبل اليوم أخشاك وأما اليوم أرجوك
ويروى عن الحسن بن الليث قال رأيت محمد بن محمد الرازي في المنام فقلت له
يا أبا عبد الله ما فعل الله بك قال غفر لي قلت بم قال برجائي له منذ
ثمانين سنة
ودخل واثلة بن الأسقع على رجل فوجده في الموت فقال
اخبرني كيف ظنك بالله تعالى فقال الرجل اغرقتني ذنوبي وأشرفت بي على
الهلكة ولكن أرجو رحمة الله تعالى فكبر واثلة وكبر أهل البيت لتكبيره وقال
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي
بي فليظن بي خيرا ما شاء
ويروى أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل
على شاب وهو في الموت فقال له كيف تجدك قال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال
عليه السلام لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما
يرجو وأمنه الذي يخاف أخرجه الترمذي
ورأى بعض الصالحين الحسن بن
هانيء بعد موته في النوم فقال له ما فعل الله بك قال غفر لي قال بماذا قال
بأربعة أبيات قلتهن في طي فراشي فمشى الرجل إلى دار الحسن فالتمسها فوجدها
وهي
( يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم )
( أدعوك رب كما أمرت تضرعا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم )
( إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يرجو المسيء المجرم )
( مالي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل ظني ثم أني مسلم )
وقال ثابت البناني كان شاب به حدة وكانت أمه تعظه وتقول له يا بني إن لك
يوما فاذكر يومك وإن لك مصرعا فاذكر مصرعك فلما نزل به أمر الله تعالى
اكبت عليه أمه فجعلت تقول أي بني قد كنت أحذرك مصرعك هذا فقال لها يا أمة
إن لي ربا كثير المعروف وإني لأرجو أن لا يعذبني بكرمه ورحمته قال ثابت فC
عز و جل بحس ظنه بربه أخبر بذلك في النوم أو أخبر به عنه
وقال جابر
بن عبد الله كان شاب به زهو فنزل به الموت فقالت أمه يا بني توصي بشيء قال
نعم خاتمي ادفنيني به فإن فيه ذكر الله تعالى فلعله يرحمني فلما دفن رئي
في المنام فقال اخبروا أمي أن الله قد غفر لي
وقال ذو النون المصري
رحمه الله كان في جواري شاب مسرف على نفسه كثير الخطايا فمرض فدخلت عليه
أعوده فإذا هو قد مات وأوصى أن يكتب على قبره شيء فرأيته في منامي فقلت له
ما فعل الله بك قال غفر لي فقلت بماذا قال فكرت في جرمي وفي عفوه فرأيت
عفوه أكثر من جرمي قال ذو النون فلما أصبحت جئت إلى قبره فإذا عليه مكتوب
( حسن ظني بك يا ... رب جرأني عليك )
( فارحم اللهم عبدا ... صار رهنا في يديك )
ويروى عن بعض الصالحين قال قال مالك بن دينار رأيت مسلم بن يسار في
النوم بعد موته بسنة فسلمت عليه فلم يرد علي السلام فقلت له لم
لا ترد علي
السلام قال وكيف أرد عليك وأنا ميت فقلت له وماذا لقيت بعد الموت قال
ودمعت عينا ما لك عند هذا القول لقيت أهوالا وزلازل وعظائم وشدائد قال
مالك فقلت له فما كان بعد ذلك قال وما تراه يكون من الكريم إلا الكرم قبل
منا الحسنات وغفر لنا السيئات وضمن عنا التبعات كما كان حسن ظني به
قال ثم شهق ما لك شهقته خر مغشيا عليه فلبث في غشيته أياما مريضا ثم مات
من مرضه ذلك وكان يقال إن قلبه انصدع
ولولا حسن الظن بالله تعالى لهلك الخلق
وقال عبد الواحد بن زيد وما كان سبب موت مالك بن دينار إلا هذه الرؤيا
سألته عنها فقصها علي فجعل يشهق ويضطرب حتى ظننت أن كبده تقطعت في جوفه ثم
هدأ فحملناه إلى منزله فلم يزل مريضا منها يعاد حتى مات
وقال أبو
عمر الضرير حدثني سهيل أخو حازم قال رأيت مالك بن دينار في النوم بعد موته
بسنة فقلت له يا أبا يحيى ماذا فعل الله بك وماذا قدمت به عليه فقال قدمت
عليه بذنوب كثيرة فمحاها حسن ظني به تبارك وتعالى
وقال عمار بن سيف
رأيت الحسن بن صالح في منامي بعد موته فقلت له لقد كنت متمنيا للقائك
فماذا عندك أخبرنا فقال لم أر شيئا مثل حسن الظن به تبارك وتعالى
وأنشدوا
( أحسن الظن برب لم يزل ... دائم الإحسان برا لم يمل )
( من غدت نعماؤه في ذا الورى ... جملا ترفق في إثر جمل )
( وسع العالم فضلا وجدا ... مرسل العزلاء سجا متصل )
( وإذا لم تحسن الظن به ... فيمن تحسن إن خطب نزل )
( وإذا لم ترجه من يرتجى ... وإذا لم تسألنه من ذا تسل )
( فلتطلب نفسا عليه وله الـ ... مثل الأعلى والأسنى الأجل )
وقالوا أيضا
( احسن الظن ما استطعت بربك ... فالأماني جمعن في حسن ظنك )
( وإذا ما أصبت يوما بضر ... فإليه اللجا في كشف ضرك )
( وإذا ما انتحاك أمر عسير ... فهو المرتجى لتيسير أمرك )
( وذنوب خبأتهن قديما ... وحديثا كسرت عظم ظهرك )
( تب إليه والجأ منها إليه ... فهو أدنى إليك من ذات نفسك )
( ودموع الحزين لا تمسكنها ... ولتدعها مساربا تحت نحرك )
( واقد حن في الضلوع نار متاب ... فعساها تميت نيران روعك )
( وإذا ما تعاظمتك ذنوب ... فاعتقاد القلوب أعظم ذنبك )
ومرض أعرابي فقيل له إنك تموت فقال فإذا مت أين يذهب بي قيل إلى الله
تعالى قال ما أكره أن يذهب بي إلى من لا يرى الخير إلا عنده
ما يستحب من أحوال الميت عند الموت وفي تلقين الشهادتين للمسلم
وغيره وما
يستحب للمسلم من الرجاء وحسن الظن بالله عند الموت
اعلم رحمك الله أن المحبوب من حال الميت عند الموت أن يعلوه الهدوء
والسكون ومن لسانه الكلمة بالشهادتين ومن قلبه حسن الظن بالله تعالى
وذكر الترمذي من حديث بريدة بن حصيب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
المؤمن يموت بعرق الجبين ويروى في خبر أنه قال ارقبوا الميت عند ثلاث إذا
رشح جبينه وإذا ذرفت عيناه ويبست شفتاه فذلك من رحمه الله نزلت به وإذا غط
غطيط المخنوق واحمر لونه واربدت شفتاه فهو من عذاب الله نزل به
وأما انطلاق لسانه بالشهادتين فهو علامة الخير ودليل السعادة وأمارة
الاتصال بالحضرة الإلهية
وذكر أبو داود من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة
وذكر أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من
مات وهو
يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة
وذكر أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقنوا
موتاكم لا إله إلا الله
وذكر مسلم من حديث عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة
ومن غير كتاب مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال حضر ملك الموت رجلا فنظر في عمله فلم يجد له شيئا ففك لحييه فوجد
طرف لسانه لاصقا بحنكه يقول لا إله إلا الله فغفر الله له بكلمة الإخلاص
وقال عمر رضي الله عنه احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله فإنهم يرون
ما لا ترون
وذكر مسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة
جاءه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله
بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عم قل لا
إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي
أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله يعرضها عليه
ويعيدان له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به هو على ملة عبد
المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك
فأنزل الله عز و جل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو
كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم
وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم إنك لا تهدي
من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
ويروى عن أنس بن مالك أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي فمرض
فأتاه صلى
الله عليه و سلم يعوده فقعد عند رأسه فعرض عليه الإسلام فقال له أسلم فنظر
الغلام إلى أبيه وهو عنده فقال له أبوه أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي
وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه بي من النار
ذكر هذا الحديث البخاري وأبو داود وغيرهما
وينبغي أن لا يلح على الميت بتلقين الشهادتين قال ابن المبارك لقنوا الميت
لا إله إلا الله فإن قالها فدعوه ولأنه يخاف عليه إذا ألح عليه بها أن
يبرم ويضجر ويثقلها الشيطان عليه فيكون ذلك سببا لسوء الخاتمة
ذكر
أبو بكر الدينوري في كتاب المجالسة عن الحسن بن عيسى قال لما حضرت ابن
المبارك الوفاة قال لنصر مولاه أجعل رأسي على التراب قال فبكى نصر فقال ما
يبكيك قال ذكرت ما كنت فيه من النعيم وأنت هذا تموت فقيرا غريبا فقال اسكت
فإني سألت الله أن يحييني حياة السعداء ويميتني ميتة الفقراء ثم قال لقني
الشهادة ولا تعد علي إلا أن أتكلم بكلام ثان
والمقصود أن يموت الرجل
ولا يكون في قلبه إلا الله وحده لأن المدار على القلب وعمل القلب هو الذي
ينظر فيه وتكون النجاة بسببه وأما حركة اللسان دون أن تكون ترجمة عما في
القلب فلا فائدة فيها ولا خير عندها
وأما حسن الظن بالله تعالى عند الموت فواجب قال عليه الصلاة و السلام لا
يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ذكره مسلم
وقال عبد الله بن مسعود والذي لا إله غيره لا يحسن أحدكم الظن بالله إلا
أعطاه الله ظنه وذلك أن الخير بيده
وقال عبد الله بن عباس إذا رأيتم الرجل قد نزل به الموت فبشروه حتى يلقى
ربه وهو حسن الظن بالله تعالى وإذا كان حيا فخوفوه بربه واذكروا له شدة
عقابه
وقال المعتمر بن سليمان قال لي أبي عند موته يا معتمر حدثني
بالرخص لعلي أن ألقى الله تعالى وأنا حسن الظن به
وكانوا يستعجبون أن يذكروا العبد بمحاسن عمله عند موته كي يحسن الظن بربه
وقال الفضيل بن عياض ما دمت حيا فلا يكن شيء عندك أخوف من الله عز و جل
وإذا نزل بك الموت فلا يكن عندك شيء أرجى من الله عز و جل
ويروى أن حذيفة بن اليمان لما نزل به الموت قال حبيب جاء على فاقة قد كنت
قبل اليوم أخشاك وأما اليوم أرجوك
ويروى عن الحسن بن الليث قال رأيت محمد بن محمد الرازي في المنام فقلت له
يا أبا عبد الله ما فعل الله بك قال غفر لي قلت بم قال برجائي له منذ
ثمانين سنة
ودخل واثلة بن الأسقع على رجل فوجده في الموت فقال
اخبرني كيف ظنك بالله تعالى فقال الرجل اغرقتني ذنوبي وأشرفت بي على
الهلكة ولكن أرجو رحمة الله تعالى فكبر واثلة وكبر أهل البيت لتكبيره وقال
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي
بي فليظن بي خيرا ما شاء
ويروى أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل
على شاب وهو في الموت فقال له كيف تجدك قال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال
عليه السلام لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما
يرجو وأمنه الذي يخاف أخرجه الترمذي
ورأى بعض الصالحين الحسن بن
هانيء بعد موته في النوم فقال له ما فعل الله بك قال غفر لي قال بماذا قال
بأربعة أبيات قلتهن في طي فراشي فمشى الرجل إلى دار الحسن فالتمسها فوجدها
وهي
( يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم )
( أدعوك رب كما أمرت تضرعا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم )
( إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يرجو المسيء المجرم )
( مالي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل ظني ثم أني مسلم )
وقال ثابت البناني كان شاب به حدة وكانت أمه تعظه وتقول له يا بني إن لك
يوما فاذكر يومك وإن لك مصرعا فاذكر مصرعك فلما نزل به أمر الله تعالى
اكبت عليه أمه فجعلت تقول أي بني قد كنت أحذرك مصرعك هذا فقال لها يا أمة
إن لي ربا كثير المعروف وإني لأرجو أن لا يعذبني بكرمه ورحمته قال ثابت فC
عز و جل بحس ظنه بربه أخبر بذلك في النوم أو أخبر به عنه
وقال جابر
بن عبد الله كان شاب به زهو فنزل به الموت فقالت أمه يا بني توصي بشيء قال
نعم خاتمي ادفنيني به فإن فيه ذكر الله تعالى فلعله يرحمني فلما دفن رئي
في المنام فقال اخبروا أمي أن الله قد غفر لي
وقال ذو النون المصري
رحمه الله كان في جواري شاب مسرف على نفسه كثير الخطايا فمرض فدخلت عليه
أعوده فإذا هو قد مات وأوصى أن يكتب على قبره شيء فرأيته في منامي فقلت له
ما فعل الله بك قال غفر لي فقلت بماذا قال فكرت في جرمي وفي عفوه فرأيت
عفوه أكثر من جرمي قال ذو النون فلما أصبحت جئت إلى قبره فإذا عليه مكتوب
( حسن ظني بك يا ... رب جرأني عليك )
( فارحم اللهم عبدا ... صار رهنا في يديك )
ويروى عن بعض الصالحين قال قال مالك بن دينار رأيت مسلم بن يسار في
النوم بعد موته بسنة فسلمت عليه فلم يرد علي السلام فقلت له لم
لا ترد علي
السلام قال وكيف أرد عليك وأنا ميت فقلت له وماذا لقيت بعد الموت قال
ودمعت عينا ما لك عند هذا القول لقيت أهوالا وزلازل وعظائم وشدائد قال
مالك فقلت له فما كان بعد ذلك قال وما تراه يكون من الكريم إلا الكرم قبل
منا الحسنات وغفر لنا السيئات وضمن عنا التبعات كما كان حسن ظني به
قال ثم شهق ما لك شهقته خر مغشيا عليه فلبث في غشيته أياما مريضا ثم مات
من مرضه ذلك وكان يقال إن قلبه انصدع
ولولا حسن الظن بالله تعالى لهلك الخلق
وقال عبد الواحد بن زيد وما كان سبب موت مالك بن دينار إلا هذه الرؤيا
سألته عنها فقصها علي فجعل يشهق ويضطرب حتى ظننت أن كبده تقطعت في جوفه ثم
هدأ فحملناه إلى منزله فلم يزل مريضا منها يعاد حتى مات
وقال أبو
عمر الضرير حدثني سهيل أخو حازم قال رأيت مالك بن دينار في النوم بعد موته
بسنة فقلت له يا أبا يحيى ماذا فعل الله بك وماذا قدمت به عليه فقال قدمت
عليه بذنوب كثيرة فمحاها حسن ظني به تبارك وتعالى
وقال عمار بن سيف
رأيت الحسن بن صالح في منامي بعد موته فقلت له لقد كنت متمنيا للقائك
فماذا عندك أخبرنا فقال لم أر شيئا مثل حسن الظن به تبارك وتعالى
وأنشدوا
( أحسن الظن برب لم يزل ... دائم الإحسان برا لم يمل )
( من غدت نعماؤه في ذا الورى ... جملا ترفق في إثر جمل )
( وسع العالم فضلا وجدا ... مرسل العزلاء سجا متصل )
( وإذا لم تحسن الظن به ... فيمن تحسن إن خطب نزل )
( وإذا لم ترجه من يرتجى ... وإذا لم تسألنه من ذا تسل )
( فلتطلب نفسا عليه وله الـ ... مثل الأعلى والأسنى الأجل )
وقالوا أيضا
( احسن الظن ما استطعت بربك ... فالأماني جمعن في حسن ظنك )
( وإذا ما أصبت يوما بضر ... فإليه اللجا في كشف ضرك )
( وإذا ما انتحاك أمر عسير ... فهو المرتجى لتيسير أمرك )
( وذنوب خبأتهن قديما ... وحديثا كسرت عظم ظهرك )
( تب إليه والجأ منها إليه ... فهو أدنى إليك من ذات نفسك )
( ودموع الحزين لا تمسكنها ... ولتدعها مساربا تحت نحرك )
( واقد حن في الضلوع نار متاب ... فعساها تميت نيران روعك )
( وإذا ما تعاظمتك ذنوب ... فاعتقاد القلوب أعظم ذنبك )
ومرض أعرابي فقيل له إنك تموت فقال فإذا مت أين يذهب بي قيل إلى الله
تعالى قال ما أكره أن يذهب بي إلى من لا يرى الخير إلا عنده
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الباب الثالث
في الجنائز وفضل اتباعها
ذكر البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من تبع
جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه
يرجع من الأجر بقراطين كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع قبل الدفن
فإنه يرجع بقيراط
وذكر مسلم عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من صلى على
جنازة فله قيراط فإن شهد دفنها فله قيراطان القيراط مثل أحد
واعلم رحمك الله أن في الجنائز عبرة للمعتبرين وفكرة للمتفكرين وتنبيها
للغافلين وإيقاظا للنائمين بينما الإنسان في قيام وقعود ونزول وصعود وخذ
هذا ودع هذا وابن هذا واهدم هذا وقد كان وما كان وأين ذهب فلان ومن أين
جاء فلان إذ جاءه أمر إلهي وحادث سماوي وحكم رباني فسكن حركته وأطفأ شعلته
وأذهب نضرته وتركه كالخشبة الملقاة والحجر المرمي إن صيح به لم يسمع وإن
دعي لم يجب وإن قطع أو أحرق لم يتكلم إن ربك على ما يشاء قدير
ولكن
حب الدنيا وحجاب الهوى الذي غطى القلوب وأعشى البصائر يمنع الفكرة في
الجنائز والاعتبار بها فصارت لا تزيد رؤيتها إلا غفلة ولا مشاهدتها إلا
قسوة حتى كأن الميت إنما هو نائم يستيقظ بعد ساعة ويهب عن
قريب أو كأن الذي يراها لا يكون مثلها ولا يدخل مدخلها وكأن ذلك
الميت نزل به ملك الموت وحده وإياه قصد خاصة
نعم يعلم الإنسان منا أن سيموت كما مات هذا وتشيع جنازته كما شيعت جنازة
هذا وربما مات بحيث لا تشيع جنازته ولا توارى له جثة ولكن لا يظن ذلك عن
قريب ولا يحسب أنه منه غير بعيد قد فسح لنفسه في المدة ومد لها في المهلة
وحكم أنه لا يموت إلا بعد سنين وإن قال ربما أموت اليوم أو غدا فقول ضعيف
لا يتحرك منه بسببه ساكن ولا يظهر عليه منه أثر نازل لأنه عند رؤية
الجنازة كما كان قبل أن يراها وربما يحدث بحديثه الذي كان يتحدث والميت
يدفن أو هو وراءه يشيعه إلى قبره وإن جاءه ضحك ضحك وإن حضره نادر من لغو
الكلام تكلم به وأودعه صحيفته وبعث به إلى ربه
وقلما يبكى على
الجنازة إلا أهلها تألما لفراقها لا لنفس الموت كبكاء الصبي والمرأة
اللذين لا يعقلان ولا يعلمان ولو كانوا يعلمون لكان بكاؤهم على أنفسهم لا
على ميتهم لأن ميتهم قد مات وهم ينتظرون الموت
وأنشدوا
( أعاذل حتى ما تعذليني ... إن لم تعينيني فاتركيني )
( لومي بما شئت من ملام ... ووبخيني وفنديني )
ولا تظني بأن حزني ... وسقم جسمي وما تريني )
( أثار ذاكم إن مات ميت ... قد كان دنياي ذا ودين )
( تركته في القبور فردا ... وحييت في دمعه الحزين )
( لا والذي جوده يرجى ... كل أوان وكل حين )
( ما أنا باك إلا لنفسي ... لا لقريب ولا خدين )
( ومصرع للمنون ضيق ... أتل فيه على الجبين )
( أؤخذ فيه من كل أفق ... أخذ شديد القوى متين )
( فمن أمامي ومن ورائي ... وعن شمالي وعن يميني )
( وفوق رأسي معا وتحتي ... من حيث ما رحت يلتقيني )
( ولا احتيال ولا افتداء ... لا برفيع ولا بدون )
( فخلني عاذلي وشأني ... فليس شأني من ذي الشئون )
واعلم أن الجنازة تمر بالإنسان ولا يدري حالها ولا يتبين حقيقة مصيرها
وإنما يرجى لها بحسب ما ظهر منها من الطاعات ويخاف عليها بحسب ما بدا منها
من المخالفات وإن لها كلاما لو سمعه الإنسان لا نصدع له حجاب قلبه وشغله
عن بنيه وأهله بل أذهله عن النظر في خاصة نفسه
ذكر البخاري من حديث
أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا وضعت الجنازة
فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني وإن كانت
غير صالحة قالت يا ويلتي أين تذهبون بي يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو
سمعها الإنسان لصعق
وهما ميتان فميت يستريح من تعب هذه الدار ويفضي
إلى راحة دار القرار وميت يستريح منه البلاد والعباد ويفضي إلى سوء المصير
وبئس المهاد
ذكر أبو قتادة قال مر على رسول الله صلى الله عليه و
سلم بجنازة فقال مستريح أو مستراح منه فقالوا يا رسول الله ما المستريح
وما المستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وإيذائها إلى
رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب
وذكر هذا الحديث مسلم بن الحجاج وغيره
وربما يكون منا من يهتز عند رؤية الجنازة ويرتاع عند مشاهدتها ثم لا يلبث
أن يعود إلى حاله إلا بمقدار ما يكون بين يديه أو ساعة تمر عليه
قال أبو عمرو بن العلاء جلست إلى جرير وهو يملي على كاتبه شعرا فاطلعت
جنازة فأمسك وقال شيبتني والله هذه الجنائز وأنشأ يقول
( تروعنا الجنائز مقبلات ... ونلهو حين تذهب مدبرات )
( كروعة ثلة لمغار ذئب ... فلما غاب عادت راتعات )
وكأن هذا البائس الغافل لم يسمع برجل قد شيع جنازة ثم مات المشيع بعد جمعة
وربما كان بعد يوم واحد أو أقل من يوم أو كأنه لم يعلم أن هذا الميت كان
طويل الأمل ممتد الرجاء يطمع في العيش ويحرص على البقاء حتى هجم عليه ملك
الموت في الوقت الذي لم يكن يظن به وقام معه من المكان الذي لم يكن يحسبه
فإنا لله وإنا إليه راجعون
وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم
بخلاف هذا كانوا إذا رأوا الجنائز نظروا إليها نظر المعتبرين وتكلموا
عندها بكلام الموفقين وكانوا يقولون القول ويعملون بمقتضاه
وسأذكر
لك من كلامهم وأحكي لك من أقوالهم ما أمكنني لعله يحرك منك ساكنا ويوقظ
منك نائما والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله سبحانه
ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان إذا رأى جنازة قال امض ونحن على
أثرك
وكان مكحول الدمشقي رحمه الله إذا رأى جنازة قال اغد فإنا رائحون موعظة
بليغة وغفلة سريعة يذهب الأول والآخر لا عقل له
ومرت بالحسن البصري رحمه الله جنازة فقال يا لها موعظة ما أبلغها وأسرع
نسيانها يا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة ثم قال يا غفلة شاملة للقوم
كأنهم يرونها في النوم ميت غد يدفن ميت اليوم
وقال أسيد بن حضير ما شهدت جنازة وحدثت نفسي بشيء سوى ما يفعل بالميت وما
هو صائر إليه
ولما مات أخو مالك بن دينار خرج مالك في جنازته فوقف على قبره
وبكى ثم قال والله يا أخي لا تقر عيني بعدك حتى أعلم إلى ما صرت
إليه ولا والله لا أعلم ذلك ما دمت حيا
وقال الأعمش كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين
وإنما بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت
وقال ثابت البناني كنا نشهد الجنازة فلا نرى إلا باكيا
وقال إبراهيم النخعي كانوا يشهدون الجنازة فيرى فيهم ذلك أياما كأن فيهم
الفكرة في حال الموت وفي حال الميت
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أنه كان يلقى الرجل في الجنازة
من خاصة إخوانه قد بعد عهده به فلا يزيده على السلام حتى يظن الرجل أن في
صدره عليه موجدة كل ذلك لانشغاله بالجنازة وتفكره فيها وفي مصيرها حتى إذا
فرغ من الجنازة لقيه وسأله ولاطفه وكان منه أحسن ما عهد
ورأى عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا يضحك في
جنازة فقال أتضحك وأنت في جنازة والله لا أكلمك أبدا
وفي الخبر أن الله يكره لكم ثلاثا العبث في الصلاة والرفث في الصوم والضحك
عند المقابر
ولما مات ذر بن عمر بن ذر ووضع في قبره قال أبوه عمر يا ذر لقد شغلنا
الحزن لك عن الحزن عليك فليت شعري ماذا قلت وماذا قيل لك ثم قال اللهم إن
هذا ولدي ذر متعتني به ما متعتني ووفيته أجله ورزقه ولم تنقصه حقه اللهم
وقد كنت ألزمته طاعتك وطاعتي وإني قد وهبت له ما فرط فيه من طاعتي فهب له
ما فرط فيه من طاعتك اللهم وما وعدتني عليه من الأجر في مصيبتي فقد وهبت
ذلك له فهب لي عذابه ولا تعذبه وأنت أجود الأجودين وأكرم الأكرمين
قال فأبكى الناس ثم قال عند انصرافه يا ذر ما علينا بعدك من
خصاصة وما بنا مع الله إلى إنسان من حاجة
ياذر مضينا وتركناك ولو أقمنا عندك ما نفعناك
ألا ترى إلى هذا لم يشغله الحزن على ولده وثمرة كبده عن الحزن بما قال
وبما قيل له لأنهم إنما كانوا يقدمون الأهم فالأهم ويبدأون بالأعظم
فالأعظم
يروى عن الأصمعي قال حجت امرأة من العرب ومعها ابن لها
فأصيبت به فلما دفن قامت على قبره وهي موجعة فقالت يا بني والله لقد غذوتك
رضيعا وفقدتك سريعا وكأن لم يكن بين الحالتين مدة ألتذ فيها بعيشك وأتمتع
فيها بالنظر إلى وجهك وبقيت مدة أتذكرك فيها وأذوب فيها بالحزن عليك
ثم قالت اللهم منك العدل ومن خلقك الجود اللهم وهبتني قرة عيني فلم تمتعني
به كثيرا بل سلبتنيه وشيكا ثم أمرتني بالصبر عليه ووعدتني الأجر فصدقت
وعدك ورضيت قضاءك اللهم ارحم غربته واستر عورته يوم تنكشف العورات وتظهر
السوآت فرحم الله من ترحم على من استودعته الردم ووسدته الثرى
فلما
أرادت الخروج إلى أهلها وقفت على قبره وقالت أي بني قد تزودت لسفري من
الدنيا فليت شعري ما زادك لسفرك ويوم معادك اللهم أسألك الرضى له برضاي
عنه ثم قالت استودعك من استودعنيك جنينا في الأحشاء وأذاقني عليه غصة
الثكلى واثكل الولدات ما أقل أنسهن وأشد وحشتهن وصلت عند قبره ركعتين
وانصرفت
ولعلك يا هذا ممن يلبس النعش الثياب الملونة ويجعل عليه
الأردية المصبغة ويحليه الحلية المبيضة ويخرجه كالفتاة المحلاة والعروس
المجلاة ولا يتفكر في ميته هل كسي أثواب الحرير أو قطران السعير وإنه
لموضع الفكرة وإرسال العبرة وإطالة العويل والحسرة
وأنشدوا
( وألبسوا النعش أثوابا ملونة ... مثل العروس تقام عند جلوتها )
( مثل العروس تنص في منصتها ... لتستميل قلوبا بزينتها )
( وفيه ميت أزال الله نضرته ... كالأرض قد زال عنها ثوب نضرتها )
( وشيعوه جماعات تطوف به ... تعشى العيون بمرآها وكثرتها )
( من بين باك يكف فيض دمعته ... وبين صارخة تعدي بصرختها )
( حتى أتوا حفرا إزاء بلدتهم ... فغادروه بها رهين وحشتها )
( وما دروا هل تلقته بنفحتها ... دار المقامة أو لظى بلفحتها )
( ثم انثنوا نحو أموال قد أحرزها ... للنائبات فحازوا بجملتها )
( وذاكم البائس المغرور ما دفعت ... عنه القضاء ولا استشفى بلذتها )
( لكن تحمل منها كل فادحة ... من الكبائر لا يقوى لعدتها )
( ومن ترفعه الدنيا وتسعفه ... فهو المحير مغمور بحسرتها )
( فما بكته السماء والأرض حين مضى ... ولا الرياض نضت أثواب زهرتها )
في الجنائز وفضل اتباعها
ذكر البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من تبع
جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه
يرجع من الأجر بقراطين كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع قبل الدفن
فإنه يرجع بقيراط
وذكر مسلم عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من صلى على
جنازة فله قيراط فإن شهد دفنها فله قيراطان القيراط مثل أحد
واعلم رحمك الله أن في الجنائز عبرة للمعتبرين وفكرة للمتفكرين وتنبيها
للغافلين وإيقاظا للنائمين بينما الإنسان في قيام وقعود ونزول وصعود وخذ
هذا ودع هذا وابن هذا واهدم هذا وقد كان وما كان وأين ذهب فلان ومن أين
جاء فلان إذ جاءه أمر إلهي وحادث سماوي وحكم رباني فسكن حركته وأطفأ شعلته
وأذهب نضرته وتركه كالخشبة الملقاة والحجر المرمي إن صيح به لم يسمع وإن
دعي لم يجب وإن قطع أو أحرق لم يتكلم إن ربك على ما يشاء قدير
ولكن
حب الدنيا وحجاب الهوى الذي غطى القلوب وأعشى البصائر يمنع الفكرة في
الجنائز والاعتبار بها فصارت لا تزيد رؤيتها إلا غفلة ولا مشاهدتها إلا
قسوة حتى كأن الميت إنما هو نائم يستيقظ بعد ساعة ويهب عن
قريب أو كأن الذي يراها لا يكون مثلها ولا يدخل مدخلها وكأن ذلك
الميت نزل به ملك الموت وحده وإياه قصد خاصة
نعم يعلم الإنسان منا أن سيموت كما مات هذا وتشيع جنازته كما شيعت جنازة
هذا وربما مات بحيث لا تشيع جنازته ولا توارى له جثة ولكن لا يظن ذلك عن
قريب ولا يحسب أنه منه غير بعيد قد فسح لنفسه في المدة ومد لها في المهلة
وحكم أنه لا يموت إلا بعد سنين وإن قال ربما أموت اليوم أو غدا فقول ضعيف
لا يتحرك منه بسببه ساكن ولا يظهر عليه منه أثر نازل لأنه عند رؤية
الجنازة كما كان قبل أن يراها وربما يحدث بحديثه الذي كان يتحدث والميت
يدفن أو هو وراءه يشيعه إلى قبره وإن جاءه ضحك ضحك وإن حضره نادر من لغو
الكلام تكلم به وأودعه صحيفته وبعث به إلى ربه
وقلما يبكى على
الجنازة إلا أهلها تألما لفراقها لا لنفس الموت كبكاء الصبي والمرأة
اللذين لا يعقلان ولا يعلمان ولو كانوا يعلمون لكان بكاؤهم على أنفسهم لا
على ميتهم لأن ميتهم قد مات وهم ينتظرون الموت
وأنشدوا
( أعاذل حتى ما تعذليني ... إن لم تعينيني فاتركيني )
( لومي بما شئت من ملام ... ووبخيني وفنديني )
ولا تظني بأن حزني ... وسقم جسمي وما تريني )
( أثار ذاكم إن مات ميت ... قد كان دنياي ذا ودين )
( تركته في القبور فردا ... وحييت في دمعه الحزين )
( لا والذي جوده يرجى ... كل أوان وكل حين )
( ما أنا باك إلا لنفسي ... لا لقريب ولا خدين )
( ومصرع للمنون ضيق ... أتل فيه على الجبين )
( أؤخذ فيه من كل أفق ... أخذ شديد القوى متين )
( فمن أمامي ومن ورائي ... وعن شمالي وعن يميني )
( وفوق رأسي معا وتحتي ... من حيث ما رحت يلتقيني )
( ولا احتيال ولا افتداء ... لا برفيع ولا بدون )
( فخلني عاذلي وشأني ... فليس شأني من ذي الشئون )
واعلم أن الجنازة تمر بالإنسان ولا يدري حالها ولا يتبين حقيقة مصيرها
وإنما يرجى لها بحسب ما ظهر منها من الطاعات ويخاف عليها بحسب ما بدا منها
من المخالفات وإن لها كلاما لو سمعه الإنسان لا نصدع له حجاب قلبه وشغله
عن بنيه وأهله بل أذهله عن النظر في خاصة نفسه
ذكر البخاري من حديث
أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا وضعت الجنازة
فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني وإن كانت
غير صالحة قالت يا ويلتي أين تذهبون بي يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو
سمعها الإنسان لصعق
وهما ميتان فميت يستريح من تعب هذه الدار ويفضي
إلى راحة دار القرار وميت يستريح منه البلاد والعباد ويفضي إلى سوء المصير
وبئس المهاد
ذكر أبو قتادة قال مر على رسول الله صلى الله عليه و
سلم بجنازة فقال مستريح أو مستراح منه فقالوا يا رسول الله ما المستريح
وما المستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وإيذائها إلى
رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب
وذكر هذا الحديث مسلم بن الحجاج وغيره
وربما يكون منا من يهتز عند رؤية الجنازة ويرتاع عند مشاهدتها ثم لا يلبث
أن يعود إلى حاله إلا بمقدار ما يكون بين يديه أو ساعة تمر عليه
قال أبو عمرو بن العلاء جلست إلى جرير وهو يملي على كاتبه شعرا فاطلعت
جنازة فأمسك وقال شيبتني والله هذه الجنائز وأنشأ يقول
( تروعنا الجنائز مقبلات ... ونلهو حين تذهب مدبرات )
( كروعة ثلة لمغار ذئب ... فلما غاب عادت راتعات )
وكأن هذا البائس الغافل لم يسمع برجل قد شيع جنازة ثم مات المشيع بعد جمعة
وربما كان بعد يوم واحد أو أقل من يوم أو كأنه لم يعلم أن هذا الميت كان
طويل الأمل ممتد الرجاء يطمع في العيش ويحرص على البقاء حتى هجم عليه ملك
الموت في الوقت الذي لم يكن يظن به وقام معه من المكان الذي لم يكن يحسبه
فإنا لله وإنا إليه راجعون
وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم
بخلاف هذا كانوا إذا رأوا الجنائز نظروا إليها نظر المعتبرين وتكلموا
عندها بكلام الموفقين وكانوا يقولون القول ويعملون بمقتضاه
وسأذكر
لك من كلامهم وأحكي لك من أقوالهم ما أمكنني لعله يحرك منك ساكنا ويوقظ
منك نائما والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله سبحانه
ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان إذا رأى جنازة قال امض ونحن على
أثرك
وكان مكحول الدمشقي رحمه الله إذا رأى جنازة قال اغد فإنا رائحون موعظة
بليغة وغفلة سريعة يذهب الأول والآخر لا عقل له
ومرت بالحسن البصري رحمه الله جنازة فقال يا لها موعظة ما أبلغها وأسرع
نسيانها يا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة ثم قال يا غفلة شاملة للقوم
كأنهم يرونها في النوم ميت غد يدفن ميت اليوم
وقال أسيد بن حضير ما شهدت جنازة وحدثت نفسي بشيء سوى ما يفعل بالميت وما
هو صائر إليه
ولما مات أخو مالك بن دينار خرج مالك في جنازته فوقف على قبره
وبكى ثم قال والله يا أخي لا تقر عيني بعدك حتى أعلم إلى ما صرت
إليه ولا والله لا أعلم ذلك ما دمت حيا
وقال الأعمش كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين
وإنما بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت
وقال ثابت البناني كنا نشهد الجنازة فلا نرى إلا باكيا
وقال إبراهيم النخعي كانوا يشهدون الجنازة فيرى فيهم ذلك أياما كأن فيهم
الفكرة في حال الموت وفي حال الميت
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أنه كان يلقى الرجل في الجنازة
من خاصة إخوانه قد بعد عهده به فلا يزيده على السلام حتى يظن الرجل أن في
صدره عليه موجدة كل ذلك لانشغاله بالجنازة وتفكره فيها وفي مصيرها حتى إذا
فرغ من الجنازة لقيه وسأله ولاطفه وكان منه أحسن ما عهد
ورأى عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا يضحك في
جنازة فقال أتضحك وأنت في جنازة والله لا أكلمك أبدا
وفي الخبر أن الله يكره لكم ثلاثا العبث في الصلاة والرفث في الصوم والضحك
عند المقابر
ولما مات ذر بن عمر بن ذر ووضع في قبره قال أبوه عمر يا ذر لقد شغلنا
الحزن لك عن الحزن عليك فليت شعري ماذا قلت وماذا قيل لك ثم قال اللهم إن
هذا ولدي ذر متعتني به ما متعتني ووفيته أجله ورزقه ولم تنقصه حقه اللهم
وقد كنت ألزمته طاعتك وطاعتي وإني قد وهبت له ما فرط فيه من طاعتي فهب له
ما فرط فيه من طاعتك اللهم وما وعدتني عليه من الأجر في مصيبتي فقد وهبت
ذلك له فهب لي عذابه ولا تعذبه وأنت أجود الأجودين وأكرم الأكرمين
قال فأبكى الناس ثم قال عند انصرافه يا ذر ما علينا بعدك من
خصاصة وما بنا مع الله إلى إنسان من حاجة
ياذر مضينا وتركناك ولو أقمنا عندك ما نفعناك
ألا ترى إلى هذا لم يشغله الحزن على ولده وثمرة كبده عن الحزن بما قال
وبما قيل له لأنهم إنما كانوا يقدمون الأهم فالأهم ويبدأون بالأعظم
فالأعظم
يروى عن الأصمعي قال حجت امرأة من العرب ومعها ابن لها
فأصيبت به فلما دفن قامت على قبره وهي موجعة فقالت يا بني والله لقد غذوتك
رضيعا وفقدتك سريعا وكأن لم يكن بين الحالتين مدة ألتذ فيها بعيشك وأتمتع
فيها بالنظر إلى وجهك وبقيت مدة أتذكرك فيها وأذوب فيها بالحزن عليك
ثم قالت اللهم منك العدل ومن خلقك الجود اللهم وهبتني قرة عيني فلم تمتعني
به كثيرا بل سلبتنيه وشيكا ثم أمرتني بالصبر عليه ووعدتني الأجر فصدقت
وعدك ورضيت قضاءك اللهم ارحم غربته واستر عورته يوم تنكشف العورات وتظهر
السوآت فرحم الله من ترحم على من استودعته الردم ووسدته الثرى
فلما
أرادت الخروج إلى أهلها وقفت على قبره وقالت أي بني قد تزودت لسفري من
الدنيا فليت شعري ما زادك لسفرك ويوم معادك اللهم أسألك الرضى له برضاي
عنه ثم قالت استودعك من استودعنيك جنينا في الأحشاء وأذاقني عليه غصة
الثكلى واثكل الولدات ما أقل أنسهن وأشد وحشتهن وصلت عند قبره ركعتين
وانصرفت
ولعلك يا هذا ممن يلبس النعش الثياب الملونة ويجعل عليه
الأردية المصبغة ويحليه الحلية المبيضة ويخرجه كالفتاة المحلاة والعروس
المجلاة ولا يتفكر في ميته هل كسي أثواب الحرير أو قطران السعير وإنه
لموضع الفكرة وإرسال العبرة وإطالة العويل والحسرة
وأنشدوا
( وألبسوا النعش أثوابا ملونة ... مثل العروس تقام عند جلوتها )
( مثل العروس تنص في منصتها ... لتستميل قلوبا بزينتها )
( وفيه ميت أزال الله نضرته ... كالأرض قد زال عنها ثوب نضرتها )
( وشيعوه جماعات تطوف به ... تعشى العيون بمرآها وكثرتها )
( من بين باك يكف فيض دمعته ... وبين صارخة تعدي بصرختها )
( حتى أتوا حفرا إزاء بلدتهم ... فغادروه بها رهين وحشتها )
( وما دروا هل تلقته بنفحتها ... دار المقامة أو لظى بلفحتها )
( ثم انثنوا نحو أموال قد أحرزها ... للنائبات فحازوا بجملتها )
( وذاكم البائس المغرور ما دفعت ... عنه القضاء ولا استشفى بلذتها )
( لكن تحمل منها كل فادحة ... من الكبائر لا يقوى لعدتها )
( ومن ترفعه الدنيا وتسعفه ... فهو المحير مغمور بحسرتها )
( فما بكته السماء والأرض حين مضى ... ولا الرياض نضت أثواب زهرتها )
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى